الخطأ الذي قهر حزب الدعوة ذاتياً

Last Updated: 2024/04/03By

الخطأ الذي قهر حزب الدعوة ذاتياً

د. علي المؤمن

(مقال مستل من مقدمة كتاب “رزية 2014”)

ليس الهدف من هذه المقاربة التلميح الى ضرورة احتفاظ حزب الدعوة الإسلامية بمنصب رئاسة الوزراء في العراق ولا أي منصب حكومي آخر؛ لأن سياقات العملية الانتخابية التي يفرزها النظام الديمقراطي هي التي تحدد الاستحقاقات في مواقع الدولة، وليس بالضرورة أن يحتفظ حزب معين، مهما كانت قوته السياسية ومساحاته الجماهيرية بأي منصب؛ بل إن تداول السلطة هو أحد أهم ركائز عمل النظم الديمقراطية، فضلاً عن أن العرف الذي سارت عليه العملية السياسية في العراق بعد العام 2003؛ يستند دائماً الى التوازن والتحاصص، وتجاوز القانون والدستور أحياناً، وهو ما حصل في الأعوام 2014 و2018 و2020.

وقد كنت أتمنى على “الدعاة”، ترك المناصب الحكومية والسلطة مؤقتاً، والعودة الى “الدعوة” وخنادقها التقليدية، كاستراحة محارب، ومراجعة المسيرة والمسار والمشروع، استعداداً لانتخابات العام 2022، ليدخلها الحزب موحداً متراصاً متجدداً، وهو مضمون مقالي الذي نشرته في العام 2017 بعنوان “أيها الدعاة.. اخسروا السلطة واربحوا الدعوة”، وذلك إئر تفاقم التعقيدات المنذرة بالخطر، وتحديداً أثناء الاستعداد لانتخابات العام 2018؛ لأن ما كان يجري من إشكاليات وتعارضات داخلية، من شأنه مراكمة الأخطاء تلقائياً، وهذا دليل على أن هدفي من دراسة واقع الحزب والحديث عن خسارته موقع رئاسة الحكومة؛ ليس أسفاً على هذا الموقع ولا تحفيزاً لاقتناصه مرة أخرى، وإن كان حقاً مشروعاً للدعوة كما لغيرها. وبالتالي؛ فإن كلامي هنا عن معايير الربح والخسارة للموقع، إنما أعني به الخسارة السياسية وليست الفكرية أو المعنوية.

وسبق ذلك، دراسة استشرافية، مرفقة بالكتاب أيضاً، نشرتها خلال العام 2016، وتوقعت فيها، بناءً على معطيات الواقع وفهم العقل الدعوتي ومنهجه في التفكير والعمل، احتفاظ “الدعاة” برئاسة الحكومة حتى العام 2026. إلّا أن ما جرى في أواخر العام 2017 والأشهر الخمسة الأولى من العام 2018؛ أسقط هذا التوقع، وهو ما تسبب في تساؤلات كثيرة حول أسباب الخطأ الذي وقعتُ به.

والحقيقة أنني لم أُخطئ في توقعي بشأن احتفاظ “الدعاة” برئاسة الحكومة؛ بل إن الذي أخطأ هي قيادة “الدعوة”، وتحديداً بعض قراراتها وسلوكها خلال الفترة من آب 2014 وما بعدها، والتي أسميتها “رزية 2014”. ولا أقصد بالرزية هنا أسلوب استبدال نوري المالكي بشخصية أخرى من داخل الخزب وحسب؛ بل كل أساليب التعامل مع هذا الموضوع وتبعاته، وهي التي جرّت الى أخطاء كبيرة، انتهت بالخطأ الكارثي للأغلبية القيادية بدعم حيدر العبادي في تأسيس “تحالف النصر” لدخول انتخابات العام 2018، والانسحاب من “ائتلاف دولة القانون”. وقد وصفت حينها هذه الغلطة بـــ “غلطة الشاطر” أو “غلطة حزب الدعوة الشاطر”، والتي أكدت القناعة بعدم وجود إرادة لدى الأغلبية القيادية للملمة تبعات رزية 2014؛ بل جاءت تكريساً لمخرجاتها وتبعاتها، في عملية مراكمة غريبة جداً للأخطاء. صحيح أن رزية 2014 زعزعت كيان الحزب، وأفقدته كثيراً من أنصاره، ولكن كان بالإمكان لملمة كثير من تبعاتها خلال الانتخابات البرلمانية في العام 2018.

وقد طرحت في الدراسة الاستشرافية المذكورة، سيناريو استقبالياً سهلاً وعملياً، كان من شأن تنفيذه الإبقاء على رئاسة الوزراء في حوزة “الدعوة” حتى العام 2026:

  • دعم قيادة الحزب للمالكي داخل تنظيمات “الدعوة”، وفي الإعلام والمحافل السياسية والشعبية، كعنصر قوة سياسية وانتخابية، لا منافس له عراقياً.
  • دعم قيادة الحزب للمالكي في النجف، وتمتين العلاقات مع المرجعية.
  • الدعم المتبادل بين العبادي والمالكي في موقعيهما الحكوميين، والحديث عن بعضهما بإيجابية في المقابلات والخطب.
  • دعم العبادي لاستمرار حضور “الدعاة” في مفاصل الدولة.
  • التزام العبادي بتحالفات الحزب القائمة مع الأحزاب الأخرى، وتحديداً الأحزاب المؤتلفة في دولة القانون، وعدم التحالف مع خصوم الحزب التقليديين.
  • دخول حزب الدعوة الإسلامية رسمياً وعملياً، بمن فيهم العبادي، في ائتلاف دولة القانون في انتخابات العام 2018، برئاسة المالكي.
  • ترشيح المالكي والحزب للعبادي لرئاسة الوزراء لدورة ثانية.

إلّا أن كل الخطوات والسلوكيات السياسية التي اتبعها حيدر العبادي والأغلبية القيادية؛ كانت على العكس من ذلك؛ إذ لم تكن صحيحة من منظار ضمان مصالح الحزب ووحدته، بصرف النظر عن مسوغاتها وأسبابها.

وكنت قد كتبت مقالاً استشرافياً في أواخر العام 2015، مرفقاً بالكتاب، وذلك بعد مرور أكثر من سنة على تسنم حيدر العبادي منصب رئاسة الوزراء، توقعت فيه على نحو التفصيل ما سيقوم به العبادي والأغلبية القيادة استعداداً لانتخابات العام 2018، وفي المقدمة تأسيس تحالف جديد، وإرغام المالكي على دخوله تحت زعامة السيد العبادي. وقد حذرت فيه “الدعاة” من كارثة التفكك ومراكمة الأخطاء، وهو ما حدث بالفعل، إذ أدى الى فقدان “الدعاة” منصب رئاسة الحكومة، رغم حصول قائمتي “الدعوة” (دولة القانون والنصر) على أكبر عدد من المقاعد البرلمانية؛ بل تسبب ذلك في خسائر متراكمة للواقع الشيعي، وتزلزل مواقع الحركات الإسلامية الشيعية، وما جرى من أحداث في العامين 2019 و2020، وصولاً الى خروج موقع رئاسة الحكومة من الإسلاميين الشيعة.

ولم تكتف الأغلبية القيادية بتحمل مسؤولية الخطأ القاتل (غلطة الشاطر) بدعم حيدر العبادي بتأسيس تحالف النصر مقابل ائتلاف دولة القانون، وأن يكون العبادي على رأس الائتلاف؛ بل استمرت في مراكمة الأخطاء؛ إذ عُرض على نوري المالكي، إن أراد المحافظة على وحدة الحزب، أن يدخل عضواً في ائتلاف النصر، رغم أنه أمين عام الحزب ورئيس ائتلاف دولة القانون، ثم محاولة إدراج اسم حزب الدعوة الإسلامية ضمن ائتلاف النصر، وإخراجه من ائتلاف دولة القانون، رغم أن حزب الدعوة مسجّل رسمياً في مفوضية الانتخابات باسم نوري المالكي، بوصفه الأمين العام. كما دخل كثير من أعضاء القيادة كمرشحين في ائتلاف النصر، ولم يدخل من القيادة في ائتلاف دولة القانون سوى نوري المالكي وحده، في عملية تخلي واضحة عن أمين عام الحزب، ومنعه من ترؤس قائمة الحزب في الانتخابات، رغم أن المالكي هو عنصر القوة الانتخابية للحزب، وهو سلوك سياسي من الأغلبية القيادية يبعث على الدهشة البالغة؛ فهل هناك حزب في العالم يضحي بعنصر القوة الانتخابية فيه؟! وبأي منطق سياسي تعمل الأغلبية القيادية على محاولة عزل عنصر القوة هذا وتحرمه من أدواته الطبيعية في العمل؟!

وكان جزءً من عملية إضعاف عنصر القوة السياسية والانتخابية للحزب، المتمثل بنوري المالكي، هو ما تعرض له شخصياً خلال سنوات تقهقر الحزب الأربع: 2014 الى 2018؛ إذ تعرض المالكي الى حرب خفية، داخل الحزب وداخل الدولة، وأخرى من وسائل الإعلام والجيوش الإلكترونية الصديقة، وثالثة من خلال تصريحات حيدر العبادي العلنية، وكان المسوغ هو منع المالكي من التحول الى زعامة حزبية فردية، وإعادته الى وضعه الطبيعي كمجرد قيادي في الحزب، شأنه شأن باقي القياديين الآخرين. وفي هذا الإطار؛ تم اتخاذ ثلاثة قرارات بحقه:

  • عزل نوري المالكي من منصب نائب رئيس الجمهورية؛ إذ أصدر رئيس الوزراء حيدر العبادي، القيادي في حزب الدعوة، قراراً بإلغاء منصب نائب رئيس الجمهورية الذي كان يشغله أمين عام حزبه نوري المالكي، وهو منصب دستوري. وبقي المالكي خارج السلطة لسنتين تقريباً، حتى حكمت المحكمة العليا بعدم دستورية قرار رئيس الوزراء، أي أن رئيس الوزراء “الداعية” كان على استعداد للتضحية بالدستور من أجل تنحية أمينه العام عن منصبه في الدولة، كخطوة متقدمة من أجل إضعافه.
  • عزل نوري المالكي من موقع رئاسة الائتلاف الذي يمثل الحزب في الانتخابات؛ إذ لم تسمح الأغلبية القيادية من إدراج اسم حزب الدعوة ضمن ائتلاف دولة القانون الذي يرأسه المالكي، والذي ظل حزب الدعوة مكونه الرئيس خلال خمسة انتخابات محلية وبرلمانية؛ ما أدى الى عدم دخول الحزب رسمياً في انتخابات العام 2018.
  • عزل نوري المالكي من موقع الأمين العام لحزب الدعوة الإسلامية، وكان الغطاء ـــ أحياناً ـــ إلغاء منصب الأمين العام من هيكلية الحزب. ولم تكن هذه المساعي تتم بصورة خفية؛ بل كانت تطرح علناً حتى في وسائل الإعلام. وكان رهان العزل هو مؤتمر الحزب في كربلاء في العام 2018، إلّا أن المؤتمر أعاد انتخاب المالكي بما يشبه الأجماع أميناً عاماً للحزب.

صحيح أن هذه الخطوات والسلوكيات أضعفت المالكي شعبياً؛ إلّا أنها أضعفت الحزب بشكل أكبر، وأضعفت الأغلبية القيادية نفسها؛ فالقياديون والكوادر “الدعاة” الذين ترشحوا ضمن تحالف النصر ـــ مثلاً ـــ؛ لم يفز أي منهم في الانتخابات البرلمانية، رغم أنهم كانوا ضمن قائمة رئيس الحكومة، بينما كانوا يفوزون تلقائياً في الانتخابات السابقة عندما كان المالكي يتزعم قائمة الحزب الانتخابية، أما بفائض أصوات المالكي في بغداد أو بسمعة المالكي في المحافظات الأُخر.

ورغم أن (13) “داعية” فازوا في انتخابات العام 2018 ضمن قائمة المالكي؛ إلّا أن نتائج الحزب ـــ عموماً ــ كانت ضعيفة، قياساً بانتخابات العامين 2010 و2014، أي مجموع “الدعاة” الفائزين في القائمتين (دولة القانون والنصر)، بلغ (16) نائباً فقط، من مجموع (67) نائباً فاز ضمن القائمتين اللتين ترأسهما المالكي والعبادي، أي أن باقي الفائزين ضمن القائمتين لم يكونوا من “الدعاة”، وهو مؤشر آخر على تراجع الحزب انتخابياً.

هذه النتيجة الكارثية؛ جعلت قيادة الحزب تستشعر الخطر، ولو متأخراً، ومحاولة لملمة وضع الحزب؛ فدفعت باتجاه تفعيل قرار القيادة الذي اتحذته قبل الانتخابات بتوحيد كتلتي النصر ودولة القانون؛ لتشكيل الكتلة الأكبر (42 + 26 = 68 مقعداً)، مقابل كتلة التيار الصدري وحلفائه التي حصلت على (54) مقعداً، وتحالف الفتح الذي حصل على (49) مقعداً.

وكان سهلاً حينها احتفاظ “الدعوة” بمنصب رئاسة الوزراء، من خلال خطة الإنقاذ المذكورة، ومعها كثير من التفاصيل العملية؛ إلّا أن حيدر العبادي رفض ذلك بإصرار يدعو للدهشة مرة أخرى، وكانت الأغلبية القيادية ضده هذه المرة؛ إذ كان العبادي يعتقد أن تحالفه مع المالكي ودمج الكتلتين؛ سيؤدي الى خسارته المنصب، بفقدان حليفيه عمار الحكيم ومقتدى الصدر، ولكن العكس هو الذي حصل؛ فقد أسدل العبادي الستار بيديه على مشهد التمديد له شخصياً واحتفاظ “الدعوة” بالمنصب لأربع سنوات أخرى حداً أدنى.

ولا أتحدث هنا عن نوايا الأغلبية القيادية ومسوغاتها الحقيقية في سلوكهم السياسي والحزبي المذكور؛ فهي موكولة الى عالِم الغيب، فضلاً عن أن أعضاءها ممن لا يشك في دينهم وتاريخهم وإخلاصهم للدعوة؛ بل ما يهمنا ويهم القارئ هي مخرجات هذا السلوك على الأرض، وما جرّت اليه من كوارث، كما لا أتحدث بمنطق جدل الحق والباطل؛ بل بمنطق الحسابات السياسية والانتخابية التي أدت الى خسائر فادحة على كل المستويات.

ولا أزال أعتقد بأن خصوم “الدعوة” ومنافسيها لم يكن باستطاعتهم قهر “الدعوة” ودفعها للتراجع في سباقات العملية السياسية والانتخابات بعد العام 2009؛ بالنظر لما حققته حكومة المالكي من إنجازات كبيرة على الأرض، وخدمات غير مسبوقة للمواطن، وأمن واستقرار ورفاه معيشي، وعلاقات خارجية متوازنة، وهيبة قياسية للدولة، وتحول المالكي الى عنصر قوة سياسية وانتخابية متفردة في قوتها، إلّا أن الذي قهر “الدعوة” هم “الدعاة” أنفسهم، وهو ما يمكن تسميته بالقهر الذاتي.

وما أقدم له هنا؛ سأفصل وقائعه في فصول الكتاب، وسأعرض أدلته ووثائقه، بما أراه يستقيم مع التحليل والنتائج التي خرج بها الكتاب.

 

latest video

news via inbox

Nulla turp dis cursus. Integer liberos  euismod pretium faucibua

Leave A Comment