الحياة بدون وسائل التواصل الاجتماعي

Last Updated: 2024/04/03By

الحياة بدون وسائل التواصل الاجتماعي

د. علي المؤمن

ربما تكون الحياة بدون مواقع التواصل الاجتماعي، أفضل نسبياً للصحة النفسية وأمن المجتمع، وأكثر إنتاجاً وثمرة وهدوءً وأُلفة، وأكثر واقعية في العلاقات الاجتماعية، وليس التواصل الوهمي والافتراضي. وإذا كان تحقق إلغاء هذه المواقع مستحيلاً، كونها باتت النمط الحياتي السائد، وجزءاً من اقتصاديات الولايات المتحدة الأمريكية، وجزءاً من أسلحة السيطرة والاستعمار ما بعد الحديث؛ فعلى الأقل تتفق المجتمعات على الاستغناء عنها طواعية لفترات معينة وبانتظام.

ولا أحدد هنا بلداً أو مجتمعاً بذاته، لكي لا يعتقد بعض القراء أنني أقصد وضعاً سياسياً وأمنياً معيناً، أي أن هذا الرأي لا علاقة له بالشد النفسي الاجتماعي العام أو الشأن السياسي في هذا البلد وذاك، بل هو خلاصة لرؤية علمية ترتبط بموضوعات علم النفس الاجتماعي والتربوي وعلم الاجتماع الثقافي، بالنظر لما تتسبب فيه وسائل التواصل الاجتماعي من ظواهر فساد مرعبة، على الصعد كافة، دون تحديدها بالفساد الأخلاقي، ولعل أهمها فساد العلاقات الأسرية والاجتماعية، وهو فساد عميق، يفوق كل بؤر الفساد الحكومي والحزبي والفردي.

ولعل هناك من يحتج بوجود القنوات الفضائية، التي تمارس مهمة الفساد والإفساد نفسها، ولكن؛ مما لا شك فيه، أن التلفزيون يختلف عن وسائل التواصل الاجتماعي اختلافاً كبيراً؛ فهو يجمع العائلة عادة، ويقارب بين الناس، ويمكن التحكم به، فضلاً عن أن خطابه أقل كذباً وخداعاً وفساداً وتدميراً. أما وسائل التواصل الاجتماعي فهي ـ بشهادة الأطباء النفسيين وعلماء النفس الاجتماعي ـ بؤر للفتنة والتشويش والكذب والأمراض النفسية والمجتمعية.

ولا نختلف؛ أن هناك إيجابيات كثيرة في مواقع التواصل، لكن سلبياتها أكثر بكثير. صحيح أن وسائل التواصل الاجتماعي هي أدوات عامة للتعبير، وتساهم في مواجهة الظواهر العامة الفاسدة والخاطئة؛ لكن مؤسسات الظلم والاستبداد والفساد تستغل أيضاً مواقع التواصل الاجتماعي للترويج لنفسها ولتشويه الحقائق واستغفال الناس، وهي أقوى بكثير؛ لأن أدواتها أكثر تأثيراً وفاعلية وانتشاراً من تيارات الإصلاح والتغيير الإيجابي. لذلك؛ فإن معارك وسائل التواصل خاسرة وضحلة ومتسافلة.

والحقيقة أن التخلي عن وسائل التواصل ليس خياراً شخصياً، ولا ينفع أن يكون قراراً فردياً، لأننا كأفراد لا نعيش خارج واقعنا المجتمعي، وبالتالي؛ لا فائدة إذا تخليت أنا – مثلاً – عن هذه الوسائل بمفردي، من أجل تطبيق رأيي وسلامة صحتي النفسية وسلامة علاقاتي الأسرية والاجتماعية، في الوقت الذي تدمن عليه أسرتي ويستخدمه مجتمعي.

ولا يتخيل بعض القراء أنني أدعو إلى العودة الى الوراء، أي الى عالم ما قبل وسائل التواصل الاجتماعي، بل نتحدث بشكل موضوعي عن أهمية خوض تجارب وطنية وعالمية تلغي استخدام وسائل التواصل الاجتماعي لفترات معينة، وكذلك تقنينها، وهي ليست دعوة لحجبها، لأنها باتت شر لابد منه، أسوة بكل الممارسات والسلوكيات الاشجتماعية السيئة السائدة التي تجذرت في واقعنا، والهدف من هذه الدعوة – كما تمت الإشارة – حماية الصحة النفسية الفردية والمجتمعية، وكذا حماية القواعد التربوية والأخلاقية، والعلاقات الأسرية والاجتماعية والأمن الفردي و المجتمعي.

فلنفكر بذلك بتجرد وموضوعية، بعيداً عن المتغيرات اليومية، ونعيد مرة أخرى للصحافة المقروءة، والمواقع الإلكترونية الرصينة، وثقافة الكتاب، ومتعة الإذاعة والتلفزيون، دورها وتأثيرها.

 

latest video

news via inbox

Nulla turp dis cursus. Integer liberos  euismod pretium faucibua

Leave A Comment