الحقوق والحريات في القانون الدستوري للجمهورية الإسلامية الإيرانية

Last Updated: 2024/04/03By

الحقوق والحريات في القانون الدستوري للجمهورية الإسلامية الإيرانية

د. علي المؤمن

تبلورت الحرية الفردية في الغرب من خلال المذهب الليبرالي الذي ترتكز عليه الديمقراطيات التقليدية. ويقول هذا المذهب: بأنّ التعارض الطبيعي بين استقلالية الفرد في سلوكه الخاص من جهة وما يقتضيه السلوك الاجتماعي للمجتمع؛ لا يُحسم على حساب حقوق الفرد؛ بل يمكن حله بواسطة التوازن بين السلوكين، وتنازل الأفراد عن بعض حقوقهم وحرياتهم لمصلحة إرادة الأكثرية.

ويُعدّ “جون ستيوارت مل” (1806 ـ 1873) من أهم منظري المذهب الليبرالي، وقد طرح أفكاره الأساسية في كتاب «الحرية»؛ الذي ناقش فيه موضوع العلاقة بين الحرية والسلطة؛ بما في ذلك سلطة المجتمع وعلاقتها بحرية الفرد، ودافع عن حرية الفرد وضرورة عدم المساس بها من أيّ سلطة، وينتهي إلى القول: بأنّ ((الغاية الوحيدة التي تسوّغ للناس؛ أفراداً وجماعات؛ التدخل في حرية الفعل لأيّ عضو بطريقة مشروعة ضد الفرد؛ هو منعه من الإضرار بالآخرين أو إيذاء غيره)). ويعتقد “مل” بأنّ حرية الفكر والمناقشة والرأي هي ضمانات عدم استبداد السلطة وطغيانها وفسادها. ويرتكز المذهب الفردي على أصالة الفرد، ويتجسد في الديمقراطيات التقليدية الليبرالية؛ يقابله المذهب الاجتماعي الذي يرتكز على أصالة المجتمع، ويتجسد في الفكر الاشتراكي والماركسي، وهو يعطي السلطة (الدولة) حق مصادرة حرية الأفراد وحقوقهم لمصلحة المجتمع؛ إذ إنّ المجتمع هو مبدأ السلطة وحركة الجماعة.

ويعتقد مفكرو المذهب الاجتماعي بأنّ تنازل الأفراد عن حرياتهم وحقوقهم لمصلحة المجتمع هو الضمانة الوحيدة لحصول الأفراد على حرياتهم، ولكن ليس حصولاً ذاتياً ومباشراً، بل من خلال المجتمع؛ فالمجتمع هو صاحب هذه الحقوق والحريات وهو الذي يمنحها. والأنظمة الاشتراكية تختزل المجتمع في الدولة وسلطتها، وتعطي نفسها الحق في التدخل في كل مجالات الحياة الفردية والاجتماعية، وصولاً إلى قوننتها وإخضاعها لسلطة الدولة المباشرة. ولا تتصف الدولة بالقانونية لمجرد اتِّباعها أيّ قانون؛ بل باتِّباع القانون المعبِّر عن القيم والحقوق والتي تعطي للمواطن حقوقاً بمواجهة السلطة. ويستمد المواطن هذه الحقوق من نص القانون ليستطيع من خلالها تجسيد واقعه وحرياته وحقوقه بوجه السلطة.

ولا يستطيع المواطن تحقيق هذا الواقع لولا التغيير الجذري في النظرة إلى الديمقراطية الحديثة التي جاءت لتنقض نظرية الديمقراطية القديمة التي لخصها “دومينيك روسو” بقوله: ((الديمقراطية القديمة كانت تقوم على معادلة الديمقراطية من خلال القانون؛ في حين أنّ الجديدة تعبر عنها معادلة الديمقراطية من خلال الدستور)).

ويرتكز نظام الجمهورية الإسلامية الإيرانية في رؤيته لمبادئ الحقوق والحريات على ثلاث قواعد:

  • قاعدة نظرية ممثلة بالشريعة الإسلامية.
  • قاعدة نُظُمية ممثلة بدستور الجمهورية الإسلامية الإيرانية.
  • قاعدة عملية ممثلة بتجربة النظام السياسي للجمهورية الإسلامية الإيرانية نفسه.

القاعدة الشرعية الدينية؛ تعدّ الحقوق والحريات الإنسانية منحة إلهية؛ أي أنّ جذورها تعود إلى الله؛ فلا يحق لأيّ إنسان أن يسلب هذه المنحة من إنسان آخر، إلّا في الإطار الذي حددته الشريعة الإسلامية نفسها.

أمّا على المستوى النُظمي؛ فإنّ دستور الجمهورية الإسلامية أقرّ بأنّ ((السيادة المطلقة على العالم وعلى الإنسان لله، وهو الذي يمنح الإنسان حق السيادة على مصيره الاجتماعي، ولا يحق لأحد سلب الإنسان هذا الحق الإلهي أو تسخيره في خدمة فرد أو فئة ما. ويمارس الشعب هذا الحق الممنوح من الله بالطرق المبينة)). وتتمثل التجسيدات الأساسية لهذه الحقوق في جملة مبادئ، أهمها: المساواة بين البشر أمام الله والشريعة وأمام بعضهم الآخر.

وقد يكون في بعض الحقوق والحريات العامة والسياسية التي قنّنها دستور الجمهورية الإسلامية الإيرانية تعارضٌ مع الفقه السياسي الشرعي الموروث أو الفهم الشرعي التاريخي لموضوع الدولة؛ ما يمكن اعتباره تعارضاً مع أحكام الشريعة الإسلامية. بيد أنّ مدخلية الزمان والمكان في تغيير موضوعات الأحكام الشرعية من العناوين الأولية إلى العناوين الثانوية، وتجاوز الجمود على بعض الأحكام الشرعية التفصيلية في الجانب السياسي (ومعظمه مساحة متغيرات)؛ بالاستناد إلى مقاصد الشريعة؛ يجعل عملية التحديث تنسجم بالكامل مع مقصد الشريعة في عملية وجود الدولة ووظيفتها. أي أنّ المهم هو تحقيق الدولة لوظائفها الثابتة في الإسلام. أمّا الجانب الشكلي المتعلق بسلطات الدولة وصياغات قوانينها؛ فهي قضايا يدخل كثير منها في دائرة المتغيرات، ويمكن إخضاعها للاجتهاد.

وكما جاء في دستور الجمهورية الإسلامية الإيرانية؛ فإنّ الحقوق والحريات الممنوحة للإنسان من قبل الله، والتي قننها النظام السياسي للجمهورية الإسلامية في مواد دستورية؛ يمكن تقسيمها إلى تسعة أقسام من الحقوق والحريات: حق المساواة والتكافؤ، حق الأمن، حق الحرية السياسية والاجتماعية، حق العمل، حق الضمان الاجتماعي، حق التربية والتعليم، حق السكن والإقامة، حق التظلم وحق الملكية.

كما أكدت المادة (90) من دستور الجمهورية الإسلامية الإيرانية على ضمان الحقوق الاجتماعية والاقتصادية للفرد والشعب. في حين حمل الفصل الثالث من الدستور عنوان: ((حقوق الشعب)). ويمكن تصنيف مجمل هذه الحقوق ـ كما حددها الدستور ـ إلى: شخصية واجتماعية وسياسية.

وبشأن الحقوق والحريات السياسة تحديداً؛ فقد عدّ دستور الجمهورية الإسلامية الإيرانية أنّ ضمان الحريات السياسية والاجتماعية في حدود القانون هو من واجبات الدولة الإسلامية. وبيّن الدستور أنواع الحقوق والحريات السياسية التي أقرّها نظام الجمهورية الإسلامية الإيرانية وألزم نفسه بتطبيقها وحدد آليات ذلك، في المواد (20ــ 27)؛ على النحو التالي:

1 ـ حرية المعتقد: ((تمنع محاسبة الناس على عقائدهم، ولا يجوز التعرض لأحد أو مؤاخذته لمجرد اعتناقه عقيدة معينة)).

2 ـ حرية الصحافة: ((الصحافة والمطبوعات حرة في بيان المواضيع، ما لم تخل بالقواعد الإسلامية والحقوق العامة)).

3 ـ حرية الاتصال: ((الرسائل والمكالمات الهاتفية، والبرقيات، والتلكس لا يجوز فرض الرقابة عليها، أو عدم إيصالها أو أفشاؤها، أو الإنصات والتجسس عليها)).

4 ـ حرية تشكيل التنظيمات: ((الأحزاب، والجمعيات، والهيئات السياسية، والاتحادات المهنية، والهيئات الإسلامية، والأقليات الدينية المعترف بها، تتمتع بالحرية، شرط ألّا تناقض أُسس الاستقلال، والحرية، والوحدة الوطنية، والقيم الإسلامية، وأساس الجمهورية الإسلامية، كما أنّه لا يمكن منع أي شخص من الاشتراك فيها، أو إجباره على الاشتراك في إحداها)).

5 ـ حرية الاعتراض والتظاهر: ((يجوز عقد الاجتماعات وتنظيم المسيرات بدون حمل السلاح)).

 

latest video

news via inbox

Nulla turp dis cursus. Integer liberos  euismod pretium faucibua

Leave A Comment