الحاضر التدميري للعقيدة الأموية في العراق

Last Updated: 2024/04/03By

الحاضر التدميري للعقيدة الأموية في العراق

د. علي المؤمن

العقيدة الأموية لا تزال حاضرة بقوة في واقعنا العربي والمسلم، بأشكال مختلفة ومسارب متنوعة، لكنها ذات مضمون واحد وهدف واحد، متوارث عبر الأجيال. ورغم التحول الجذري الذي حصل في العراق بعد العام 2003؛ إلّا أن كثيراً من المسؤولين السنة في العراق؛ ظهرت عليهم أعراض العقيدة الأموية بكل مضامينها، وكأنهم يعيشون مفاهيم التاريخ الأموي وخطابه وسلوكياته، وربما لايعلم أغلبهم أنه يحمل عقيدة أموية؛ لكنه يطبقها عملياً ويجاهر بها في خطابه، تحت عناوين التهميش والاقصاء وحقوق السنة؛ لكنه في الواقع يعبر من خلال هذه العناوين عن رفض مشاركة الشيعة في قرار الدولة وفي الحكم وفي المؤسسة الدينية الرسمية؛ لأن الأموي يعد العراق ملكه الحصري وبوابته الشرقية، وأن الشيعة هم نزلاء مرفوضون.

كما أن أغلب النخب الشيعية تعتقد أن المشكلة هي مع عنوان فكر البعث وعناصره في الدولة، أو في داعش والجماعات التكفيرية، لكن المشكلة الأساسية هي في العقيدة الأموية المستحكمة في عقول الكثيرين، حتى غير السلفيين وغير البعثيين منهم. وهذه القضية أخطر من كونها مشاعر طائفية أو رغبة عاطفية ولاشعورية في إقصاء الشيعي.

وقد ذكرت في كتابي صدمة التاريخ (بيروت ٢٠١٠) بأن صدام حسين لم يكن طائفياً وحسب؛ بل كان أموياً بالمعنى الايديولوجي، وهذا المعنى أخطر بكثير من المعنى الطائفي المتعارف؛ لأن الطائفي يحقد ويكره ويظلم؛ لكن الأموي لديه مشروع ايديولوجي اجتثاثي للآخر. ولعل هناك من يقول بأن صدام حسين لم يكن متديناً أساساً لكي يكون طائفياً وأموياً. وهنا تكمن شيفرة الايديولوجية الأموية؛ فمعاوية ويزيد وسلاطين بني أمية لم يكونوا متدينين أصلاً؛ بل مجرمين قتلة، معاقرين للخمرة، وأصحاب جواري وغلمان، ويرتكبون كل أنواع المحرمات والموبقات نهاراً جهاراً؛ لكنهم، في الوقت نفسه؛ يمارسون أبشع انواع الإقصاء والقمع والظلم والاجتثاث ضد أهل البيت وأتباعهم، ليس من منطلق طائفي أو من أجل المحافظة على عروشهم وملكهم وحسب؛ بل لأن ايديولوجيتهم الأموية تنطلق من رفض التعايش مع أية آيديولوجية أخرى، وتعمل على فرض نفسها على جميع المسلمين بقوة السلاح والمال. أي؛ إن منطلق العقيدة الأموية في اجتثاث الآخر المختلف؛ ليس منطلقاً سياسياً أو سلطوياً وحسب، ولا منطلقاً دينياً؛ بل هو منطلق ايديولوجي مركّب، تتمثل أبرز ركائزه وقواعده فيما يلي:

  • اجتثاث التشيع؛ عقيدةً وشعائر وطقوس، عبر وسائل القمع والحصار والمنع وفتاوى التكفير، فضلاً عن الدعاية المنظمة المضادة.
  • إقصاء الشيعة عن مراكز القرار في الدولة وسلطاتها المدنية والدينية والعسكرية، وتشويه سمعة رموزهم الدينية والسياسية والفكرية، واتهامهم بشتى التهم، عبر الدعاية المركزة المنظمة، من أجل تمزيق المجتمع الشيعي من داخله أيضاً.
  • خطف الأمة عقدياً، عبر فرض العقيدة الأموية عليها بكل السبل، وتصوير العقيدة الأموية بأنها العقيدة الإسلامية الصحيحة، وأن حكمها هو حكم الإسلام الشرعي.
  • خطف أهل السنة، وإجبارهم عبر وسائل الشحن الطائفي للسير في ركاب العقيدة الأموية والحاكم الأموي، وإن حافظ المختطفون المغرر بهم أو المحبورون على تبعينهم للمذاهب السنية؛ لأن العقيدة الأموية يهمها كثيراً أن تظهر بمظهر الحامي لعقيدة أهل السنة ولجمهور السنة، وأنها هي التي تمثل جماعة المسلمين دون غيرها، لذلك؛ أطلق الأمويون على عقيدتهم: ((أهل السنة والجماعة))، وحينها يكون كل مسلم لايؤمن بعقيدتهم فهو ليس من جماعة المسلمين، وهو أفضع أنواع التكفير الشامل.
  • رفض الشراكة والتعايش والتعددية المذهبية والفكرية والثقافية؛ فالأموي لايقبل بالشراكة في أي موقع، ولا التعايش مع الآخر المذهبي والفكري، ولاسيما الشيعي، وإذا قبل بالشراكة أو التعايش مضطراً؛ فإنه يعتبرها مرحلة مؤقتة؛ ريثما تتوافر له فرصة الغدر.
  • العنصرية الشوفينية، وازدراء واحتقار المسلمين من القوميات الأخرى، وتحديداً القوميات التي اتبعت مذهب أهل البيت؛ فكانوا يسمونهم في أيام الحكم الأموي بالموالي والأعاجم، بينما يطلق عليهم الأمويين المعاصرون تسميات العجم والفرس والمجوس والصفويين.

وقد أشرنا في مقال سابق تحت عنوان ((الأُموية المعاصرة)) الى أن من يمثل الأُموية المعاصرة في دعامتيها الدينية السياسية، هي العقيدة الوهابية وأفراخها، كالقاعدة وداعش والنصرة وطالبان وجيش الصحابة وبوكو حرام وغيرها، وكذا من يحمل أفكارها من سلفيين وغير سلفيين، وهي الجناح اليميني في الأُموية المعاصرة. أما الجناح اليساري للأموية المعاصرة؛ فيتمثل في حزب البعث ومن يحمل أفكاره من غير البعثيين، وهو يستند الى الدعامة السياسية الشوفينية في الايديولوجية الأُموية.

وقد أكدت في المقال المذكور على الفرق بين الأموية المعاصرة وبين أهل السنة؛ فغالبية أهل السنة ليست أُموية؛ بل تتبع فقهاء حقيقيون، أسسوا مذاهبهم على أساس عقدي وعلمي، استناداً الى القرآن وسنة الرسول وسيرة الصحابة. وبالتالي؛ فالخلاف بين السنة والشيعة هو خلاف في بعض القضايا العقدية والفقهية، وكل طرف يحتج بأدلته الشرعية، وهو ما لاتعرفه العقيدة الأموية؛ لأنها تستند الى دينها الجديد الذي أسسه معاوية؛ تأسياً بالقيصر الروماني (القديس) قسطنطين الأول، الذي حوّل المسيحية الى ايديولوجية ثيوقراطية رومانية.

لذلك؛ ينبغي على السنة والشيعة؛ وعي خطورة المشروع الأُموي التدميري الاجتثاثي في العراق، ومن يمثله في الداخل والخارج، قبل كل شيء؛ لأنه المعرقل الأساس للاستقرار السياسي والبناء الإقتصادي والوحدة المجتمعية العراقية.

latest video

news via inbox

Nulla turp dis cursus. Integer liberos  euismod pretium faucibua

Leave A Comment