الثقافة الإسلامية في الألفية الثالثة
الثقافة الإسلامية في الألفية الثالثة
مقال مشترك بقلم: الشيخ محمد علي التسخيري وعلي المؤمن
الإسلام هو خاتم الأدیان السماویة، وهو الحلقة الأخیرة التي تكاملت فیها المعرفة الدینیة. وهذا التكامل في الإسلام هو الذي جعله نظاماً شاملاً لكل مجالات حیاة الإنسان، وصالحاً لكل زمان ومكان. ومن أهم العوامل التي تتدخل مباشرة في إمكانیة الإسلام علی استیعاب متطلبات العصر والإجابة عن تساؤلات الإنسان والاستجابة لحاجاته، وهو عامل (المرونة)، أي القابلیة علی إخضاع العصر للشریعة وتطویع الواقع ـ مهما تغیر وتحول ـ لتعالیم الدین. فمرونة الشریعة الإسلامیة تتعامل مع المتغیرات في الشریعة وتبقي علی الثوابت كما هي، كمرجعیة خالدة لا تؤثر فیها تحولات الزمان والمكان، بل إنّ هذه التحولات تؤثر في المتغیرات الشرعیة أو المتغیرات في الفكر الدیني.
ولا شك أنّ التحولات التي یشهدها واقع البشریة كمّاً وكیفاً، هي تحولات هائلة جداً، ولعلّ العقدین الأخیرین أثّرا في الوضع العالمي علی كل المستویات بمقدار تأثیر التحولات التي جرت خلال الألف عام الماضیة. وقد ظلّ الجانب الثقافي الأكثر تأثراً بهذه التحولات؛ لأنّنا إذا انطلقنا في التعریف الأنثروبولوجي الواسع للثقافة، فسندرك أنّها ظلت الساحة الحقیقیة لهذه التحولات. وكانت الثورات المتواصلة في وسائل الاتصال والمواصلات والمعلوماتیة والعلوم والتكنولوجیا تتدخل تدخلاً مباشراً في إعادة صیاغة ثقافات الشعوب، الأمر الذي أدّی إلى ظهور مفهوم (العولمة)، تمهیداً لصهر ثقافات الأُمم والشعوب في ثقافة واحدة هي ثقافة القوي الغالب الذي یمتلك رأس المال والتفوق الاستراتیجي والقرار السیاسي الدولي. وهنا تكمن الإشكالیة الأساسیة التي تعاني منها البشریة، وهي تدخل الألفیة الثالثة للمیلاد.
ومن هنا ننطلق للحدیث عن موقع الإسلام في الثقافة العالمیة ودوره في التحولات الثقافیة العالمیة؛ لأنّ الإسلام یعیش في إطار المعادلة العامة التي تحكم الواقع الإنساني، فهو یؤثر ویتأثر، والمسلمون یؤثّرون ویتأثرون. وبالطبع هناك مواطن ضعف لدی بعض المسلمین، الأمر الذي یجعلهم عرضة للتأثر الثقافي السلبي أو الغزو الثقافي الشرس المعادي، فینقادون وراء ثقافة الآخر ویتشبهون بها، وهذا الأمر یعود إلى ضعف ارتباطهم بالإسلام وثوابته، وضعف فهمهم للإسلام وقدراته. وهناك مسلمون تمحّصوا في الدین الإسلامي وأدركوا قدراته الهائلة علی إیجاد التحول الثقافي، فأصبحوا مؤثرین في الآخرین؛ لأنّ الإسلام یمتلك طاقة إقناعیة علی التغییر الاجتماعي في غایة القوة. ومن هنا وفي خضم الاحتكاك الثقافي العالمي، نجد أنّ من أُولی واجبات المسلمین هو عرض الدین الإسلامي إلى الآخرین بصورته النقیة الصحیحة، وباستخدام كافة الوسائل المطروحة ولا سیّما وسائل الإعلام وتكنولوجیا المعلوماتیة، بهدف إعادة الإنسان ـ أینما كان ـ إلى فطرته ومنحه الفرصة لاكتشاف ذاته الإنسانیة، وكذلك بهدف بث الأخلاق الحمیدة الفاضلة التي یدعو إلیها الإسلام، ونشر ثقافة الحوار؛ إذ إنّ الإسلام هو دین الحوار ودین الإقناع ودین الموعظة الحسنة ودین الحكمة والتعقل، وكذلك نشـر ثقافة السلام بصورته الإیجابیة التي تمنع سیطرة القوي علی الضعیف واستغلال الغني للفقیر واستعباد المستكبر للمستضعف؛ لأنّ السلام في الإسلام هو سلام العدالة الإنسانیة والاجتماعیة، وسلام الرحمة وطلب الخیر للبشریة جمعاء.
وباختصار؛ فإنّ الإسلام قادر علی خلق هذا اللون من الثقافة العالمیة، ولكن هذه القدرة بحاجة إلى من یفعّلها ویحوّلها إلى أمر واقع، وهو ما یقع علی عاتق المسلمین. وهنا تأتي جملة من العقبات والعراقیل التي تحول دون تمكن المسلمین من أداء هذا الدور بصورته المطلوبة. ومن أبرز هذه العقبات التخلف العلمي والتكنولوجي والاقتصادي الذي تعاني منه شریحة واسعة من المسلمین، وعدم امتلاكم الوسائل الكفیلة بایصال رسالتهم الثقافیة إلى العالم، في مقابل الثقافات المضادة التي تمتلك أحدث الوسائل والتقنیات التي تؤهلها للتأثیر في الثقافة العالمیة. وهذه في الواقع خسارة كبری للبشریة، ولیس خسارة للمسلمین وحدهم؛ لأنّ ثقافة العدالة والسلام والرحمة التي یبشر بها الإسلام من شأنها إنقاذ البشریة من كل مستنقعات الفساد التي تغوص فیها؛ لأنّ ثقافة الإسلام ستعید للفرد توازنه الفكري والسلوكي وتضمن له استقراره النفسي والعقلي، وستعید الأُسرة إلى تماسكها وتوادّها وتراحمها، وستعید المجتمع إلى تكافله وتكامله وتعاونه وتعاضده، وستمنع ثقافة الاستعباد والاستعمار والاستغلال بكل أشكالها ومضامینها الاجتماعیة والسیاسیة والاقتصادیة والعلمیة.
إذن؛ نحن ندعو العالم إلى إعادة فهم الإسلام، وإلى فهم الإسلام من مصادره الأصلیة، أي القرآن الكریم والسنة الشریفة، وإلی فهم مدلولات الحضارة الإسلامیة من خلال تاریخ التقدم الإنساني، والخدمات الكبری التي قدّمتها هذه الحضارة إلى البشریة جمعاء. ومن خلال ذلك یمكن الانتفاع من ثقافة الإسلام في تعمیق الجوانب الإیجابیة في ثقافات الأُمم والشعوب، وفي الثقافة العالمیة ـ إن صحّ التعبیر ـ وتخلیصها من الجوانب السلبیة.
latest video
news via inbox
Nulla turp dis cursus. Integer liberos euismod pretium faucibua