التنوع القومي في مرجعيات الشيعة

Last Updated: 2024/04/03By

التنوع القومي في مرجعيات الشيعة

د. علي المؤمن

برغم أن موضوع الجنسية والقومية ليس له مدخلية إطلاقاً في فرز الفقيه والمرجع الشيعي، ولم يعرف الشيعة منذ تأسيس منظومة المرجعية في عصر السفراء الأربعة، وهم ثلاثة عراقيين وإيراني واحد، ثم الفقهاء المؤسسين الأربعة في عصر الغيبة: الإيرانيان الصدوق والطوسي والعراقيان المفيد والمرتضى والطوسي، وحتى الآن، مفهوماً عنوانه المرجعية القومية والمرجعية الوطنية والمرجعية المحلية، لأنه مفهوم يتعارض تعارضاً صريحاً مع عالمية الإسلام والتشيع والنظام الاجتماعي الديني الشيعي؛ إلّا أن هناك ظاهرة على هامش منظومة المرجعية الدينية الشيعية، تتمثل في الغلبة العددية للفقهاء والمراجع الإيرانيين ثم للفقهاء والمراجع العراقيين، قياساً بعدد الفقهاء والمراجع الشيعة من البلدان الأخرى، ومنها المرحلة الحالية، ويعود ذلك الى خمسة أسباب موضوعية أساسية متكاملة وراء هذه الظاهرة:

1- الأغلبية العددية لشيعة إيران قياساً بعدد الشيعة العرب والأفغان والقوقاز والترك؛ فعدد شيعة إيران (76) مليون نسمة، بينما عدد كل الشيعة العرب، بمن فيهم العراقيين واللبنانيين والخليجيين، حوالي (35) مليون نسمة، وكذلك الأكثرية العددية لشيعة العراق قياساً بمجموع الشيعة العرب؛ إذ يبلغ عدد شيعة العراق (28) مليون نسمة، قياساً بباقي الشيعة العرب الآخرين الذين لا يزيد مجموعهم عن (10) ملايين نسمة، وفق تقديرات العام 2023.

2- وجود الحوزة العلمية المركزية في العراق، وكذلك حوزة علمية كبرى في إيران، أي داخل الجغرافيا الوطنية العراقية والإيرانية، وهما الحوزتان اللتان تنتجان فقهاء ومراجع عادة، ما يعني أن شيعة إيران والعراق يدرسون في بلادهم دون عناء السفر والتغرب، ويتخرجون فقهاء ومراجع بدعم اجتماعهم الديني المحلي. في حين أن حوزات لبنان والبلدان الخليجية والهند وباكستان وأفغانستان وآذربيجان لا تنتج فقهاء ومراجع، وهو ما لا يعطي الفرصة للاجتماع الديني المحلي لهذه البلدان بدعم فقهاء ومراجع منها.

3- إنّ الدولة الإيرانية منذ مئات السنين هي دولة شيعية وتدعم علماء الدين وتشجع شعبها على الدراسة الحوزوية الدينية، وتسهل أمور الطلبة، على العكس من الدول العربية الطائفية، التي تعمل بكل السبل لمحاربة التشيع والشيعة، والتضييق على الحوزات وعلماء الدين الشيعة، وصولاً الى اعتقالهم وقتلهم وتهجيرهم.

4- الإقبال العددي الكبير للإيرانيين على الدراسة الحوزوية، قياساً بإقبال الشيعة العرب؛ فعدد طلبة الحوزة والعلماء الشيعة العرب في العراق ولبنان وإيران والبحرين والسعودية لا يصل الى 10% من عدد طلبة الحوزة والعلماء الشيعة الإيرانيين، أي (200) ألف طالب وعالم دين إيراني مقابل (30) ألف طالب وعالم دين عربي. وهكذا بالنسبة لعدد طلبة الحوزة من الدول الأخرى، بمن فيهم الهنود والباكستانيين، رغم أن عدد شيعة شبه القارة الهندية يقارب (100) مليون نسمة، إلّا أن عدد علمائهم أقل بكثير من الطلبة والعلماء الإيرانيين، فضلاً عن أن أغلبهم متواجد داخل الهند وباكستان، وليس في مركزي إنتاج الفقهاء والمراجع، أي النجف وقم.

5- إنّ أغلب طلبة الحوزة العرب والباكستانيين والأفغانستانيين والهنود والأتراك، بعد سنوات من الدراسة وتعلم التدريس والخطابة، يفضّل أن يعود الى بلده ومدينته وقريته، حاملاً مع الوكالة من المرجع، ولا يبقى غالباً في النجف أو قم للوصول الى المرجعية، كما يفعل الطالب الإيراني غالباً، والمعروف بجلده وقوة صبره.

وبالتالي؛ فإن من الطبيعي أن تفرز الكثرة الإيرانية السكانية الغالبة، ثم الوفرة السكانية العراقية، وكذلك الكثرة العددية القياسية لعدد طلبة الحوزة الإيرانيين ثم العراقيين، ودور الدولة الإيرانية الإيجابي المتراكم، ودور الدولة العراقية الإيجابي أيضاً بعد العام 2003، مقابل الدور السلبي للدول الطائفية التي يتواجد فيها الشيعة، ثم دور حوزتي قم والنجف في دعم الاجتماع الديني العراقي والإيراني لأبنائهما؛ أغلبية فقهاء ومراجع إيرانيين وعراقيين، قياساً بشيعة دول العالم الأخرى. أما الحديث عن كواليس وأسرار وتدافع وتنافس؛ فهو حديث أوهام لا يصمد أمام الحقائق التي ذكرناها.

تجدر الإشارة الى أن أغلب الفقهاء والمراجع الإيرانيين هم من السادة، أي من أحفاد رسول الله الذين يعتمرون العمامة السوداء، وبالتالي؛ فهم من أصول عربية خالصة، وسبق لأجداهم الهجرة من العراق أو الحجاز الى إيران، وقد اعتاد الشيعة على تقليد المرجع السيد غالباً، بصرف النظر عن جنسيته، وهو موضوع نفسي ومعنوي يحسس الشيعي بارتباطه الديني بذرية آل البيت. ويمكن النظر في هويات أبرز المراجع الإيرانيين (السادة) في القرون التاسع عشر والعشرين والحادي والعشرين للوقوف على هذه الحقيقة، وهم حسب التسلسل التاريخي: السيد مهدي الطباطبائي بحر العلوم، السيد الميرزا محمد حسن الحسيني الشيرازي، السيد كاظم الطباطبائي اليزدي، السيد ابو الحسن الموسوي الإصفهاني، السيد حسين الطباطبائي البروجردي، السيد عبد الهادي الحسيني الشيرازي، السيد محمد هادي الحسيني الميلاني، السيد محمود الحسيني الشاهرودي، السيد ابو القاسم الموسوي الخوئي، الإمام روح الله الموسوي الخميني، السيد محمد كاظم الموسوي الشريعتمداري، السيد شهاب الدين المرعشي النجفي، السيد محمد رضا الموسوي الگلپايگاني، السيد عبد الأعلى الموسوي السبزواري، السيد علي الحسيني السيستاني، السيد علي الحسيني الخامنئي.

ولكن في الوقت نفسه؛ يجب الإذعان الى قاعدة إنسانية ثابتة، وهي أن الإنسان بصرف النظر عن نسبه القريب أو البعيد، وعن انتمائه الجينالوجي؛ فهو ابن بيئته وثقافته ولغته الفعلية؛ فالسيد الذي ولد في الهند ــ مثلاً ــ ونسي لغته العربية وعاداته وتقاليده وثقافته الاجتماعية والقومية، وفقد انتماءه لوطنه الأصلي، وأصبح يتكلم بإحدى لغات الهند، وانتمى ثقافياً الى المجتمع الهندي؛ فحينها يكون هندياً وليس عربياً، وإن كان أصله عربياً، وهكذا الأمر بالنسبة للسادة في إيران وتركيا وأفغانستان.

 

latest video

news via inbox

Nulla turp dis cursus. Integer liberos  euismod pretium faucibua

Leave A Comment