التنظيمات السياسية أحد عناصر قوة النظام الاجتماعي الديني الشيعي

Last Updated: 2024/04/02By

التنظيمات السياسية أحد عناصر قوة النظام الاجتماعي الديني الشيعي

د. علي المؤمن

ونقصد بها الجماعات السياسية المنظمة التي تحمل مشروعاً إسلامياً شيعياً أو هماً شيعياً سياسياً واجتماعياً، وتنسجم مع الخط العام للنظام الاجتماعي الديني الشيعي، وليست الجماعات التي يكون عناصرها من الشيعة وحسب؛ فهناك ـ مثلاً ـ أحزاب ذات إيديولوجيات علمانية أو أهداف سياسية سلطوية محضة، ويشغل الشيعة فيها أكثرية عددية، كما هو الحال مع كثير من الأحزاب الإيرانية والعراقية والآذربيجانية القومية والشيوعية، لكنها بعيدة عن المشروع الديني الاجتماعي السياسي الشيعي وهموم الاجتماع الديني الشيعي. هذه الأحزاب لا تمثل عنصر قوة للنظام الاجتماعي الديني الشيعي؛ بل لعل بعضها يشكل خطراً على هذا النظام.

لقد التحق التيار الديني الشيعي بركب العمل التنظيمي والحزبي في وقت متأخر، رغم أنّه يمثل الوجود الاجتماعي الأقوى في بعض البلدان، أو وجوداً مهماً وفاعلاً في بلدان أُخر. وقد سبقته التيارات الدينية السنية والعلمانية في تأسيس أحزاب وتنظيمات فاعلة، تمكنت من تعزيز الحضور الإيديوبولوجي والسياسي لتلك التيارات في الاجتماع السياسي والديني والثقافي ومؤسسات الدولة في مختلف البلدان العربية والإسلامية. وكان التياران الدينيان الشيعيان العراقي والإيراني، السباقين للنزوع نحو العمل التنظيمي. ففي العقدين الأول والثاني من القرن العشرين الميلادي، وبالتزامن مع ثورة المشـروطة في إيران والمقاومة العراقية ضد الاحتلال البريطاني، أسس التيار الديني الشيعي في البلدين عدداً من الأحزاب والجمعيات السياسية والدعوية والجهادية، لكنها لم تكن أحزاباً بالمفهوم الحديث للأحزاب، بل ردود أفعال آنية على الأحداث السياسية، وسرعان ما انهارت مع زوال الأحداث وآثارها. كما تكررت التجارب التنظيمية في أربعينات وخمسينات القرن الماضي في البلدين المذكورين، إضافة إلى ظهور تجارب فتية في البحرين وباكستان والهند، ولم تكن بأفضل من سابقاتها.

وحصلت النقلة الكبيرة مع تأسيس حزب الدعوة الإسلامية في العراق في العام 1957، انطلاقاً من الحاضرة الدينية المركزية للشيعة، النجف الأشرف، وكان في مقدمة مؤسسيه الإمام السيد محمد باقر الصدر. وانتشر الحزب خلال أقل من عقدين في أغلب بلدان الحضور الشيعي، وخاصة لبنان وإيران والبحرين والكويت وأفغانستان وباكستان والهند والإمارات العربية وعمان وسورية وأُوربا وأمريكا، وظل حتى العام 1979 العنوان الحزبي الشيعي العالمي الوحيد في أغلب بلدان التواجد الشيعي.

وبرغم أنّ جماعات إسلامية شيعية تأسست قبل حزب الدعوة، إلّا أنّها لم تكن أحزاباً بقدر ما كانت جمعيات ثقافية، كما هو الحال مع حركة الشباب المسلم ومنظمة المسلمين العقائديين في العراق اللذان أسسهما الشيخ عز الدين الجزائري، أو منظمات جهادية كما هو الحال مع منظمة «فدائيان إسلام» في إيران بقيادة السيد مجتبى نواب صفوي. وأعقب تأسيس حزب الدعوة، ظهور تنظيمات كثيرة في إيران، مثل «حزب ملل إسلامي» بقيادة السيد محمد الموسوي البجنوردي و«الجمعيات المؤتلفة» بقيادة مهدي عراقي، ثم نهضت آزادي (حركة الحرية) بقيادة مهدي بازرگان، وجماعة علماء طهران المجاهدين بقيادة الشيخ محمد رضا مهدوي كني.

كما ظهرت في لبنان حركة المحرومين وواجهتها العسكرية حركة «أمل» بقيادة السيد موسى الصدر. وانطلاقاً من العراق، تحرك تنظيم التيار الشيرازي لينتشر في بعض بلدان الحضور الشيعي، والذي حمل اسم منظمة العمل الإسلامي فيما بعد. كما تأسس في أفغانستان تنظيم الحركة الإسلامية بقيادة الشيخ محمد أصف محسني.

وقد شهد العمل التنظيمي الإسلامي الشيعي ثورة كبيرة، على المستويين النوعي والكمي، بالتزامن مع تأسيس الجمهورية الإسلامية في إيران في العام 1979، ويمكن أن نعدها الموجة الثانية، فقد تأسست في إيران أحزاب إسلامية جديدة كثيرة، أهمها حزب الجمهورية الإسلامية بقيادة السيد محمد حسين بهشتي والسيد علي الخامنئي، والذي تحول بعد العام 1981 إلى الحزب الحاكم في إيران حتى تم حله في العام 1987، بسبب الخلافات بين أجنحته الرئيسة الثلاث، والتي عرفت ـ فيما بعد ـ باليسار الإسلامي (الإصلاحيين)، واليمين الإسلامي (المحافظين أو الأُصوليين)، والوسط (المعتدلين).

وفي السنوات اللاحقة، تحالف جناح اليسار في حزب الجمهورية الإسلامية مع جناح اليسار في «منظمة مجاهدي الثورة الإسلامية» التي تصدّى لقيادتها محمد سلامي بعد إعادة تأسيسها في العام 1991، مع «مجمع العلماء المجاهدين» بقيادة الشيخ مهدي كروبي والسيد محمد خاتمي، والذي يمثل جناح اليسار المنشق عن جماعة علماء طهران المجاهدين. وكوّنت تحالفات أجنحة اليسار في الأحزاب والجماعات الإسلامية الإيرانية، جبهة سياسية عريضة، أطلقت عليها اسم «جبهة الإصلاحيين»، ثم دخل جناح الوسط بقيادة الشيخ أكبر هاشمي رفسنجاني في تحالف أيضاً مع جبهة الإصلاحيين، وخاضا أغلب الانتخابات المحلية والبرلمانية والرئاسية في قوائم مشتركة، وشكلا معاً أكثر من حكومة ائتلافية. بينما تحالف جناح المحافظين في حزب الجمهورية الإسلامية ـ بعد حله ـ مع الجناح الأُصولي في منظمة مجاهدي الثورة الإسلامية بعد خروج عناصره من المنظمة والتفرغ للمواقع القيادية في حرس الثورة الإسلامية، مع جماعة علماء طهران المجاهدين بعد خروج جناح اليسار الإسلامي منها، وكوّنت جبهة سياسية كبيرة عرفت بــ «جبهة الأُصوليين». ودخلت جبهتا الإصلاحيين (اليسار) والأُصوليين (المحافظين) في منافسات سياسية شديدة، منذ العام 1992، وحقق كل منهما انتصارات انتخابية متكافئة تقريباً على مستوى الانتخابات الرئاسية والبرلمانية والمحلية. ولكن ظلت كفة الإصلاحيين هي الأرجح في الانتخابات الرئاسية غالباً؛ إذ شكلوا جميع الحكومات الإيرانية منذ العام 1992، عدا دورتين فقط، بينما كانت كفة الأُصوليين هي الأرجح في الانتخابات البرلمانية، واحتفظوا برئاسة البرلمان منذ العام 1992 وحتى الآن.

كما تأسست في أغلب بلدان الحضور الشيعي أحزاب وتنظيمات إسلامية سياسية فاعلة، مثل «حركة تطبيق الفقه الجعفري» في باكستان في العام 1979 بقيادة السيد جعفر حسين ثم السيد عارف الحسيني، و«المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق» في العام 1982، والذي تزعمه السيد محمد باقر الحكيم منذ العام 1986، و«حزب الله» في لبنان في العام 1982، والذي يتزعمه السيد حسن نصر الله منذ العام 1992، والذي حقق لشيعة لبنان ـ إلى جانب «حركة أمل» برئاسة نبيه بري ـ حضوراً سياسياً واجتماعياً وثقافياً واقتصادياً غير مسبوق. وتأسست في الكويت والبحرين والسعودية تنظيمات حملت اسم «حزب الله»، لكنها لم تستمر بسبب القمع الذي واجهته في هذه البلدان.

كما دفع الاحتلال السوفيتي لأفغانستان شيعة البلاد لتأسيس أحزاب كثيرة، حمل أغلبها الطابع الجهادي، وقد حلت تسعة من هذه الأحزاب نفسها في حزب كبير واحد في العام 1989، حمل اسم «حزب الوحدة الإسلامية» بقيادة الشيخ عبد العلي مزاري. وبعد سقوط الاتحاد السوفيتي واستقلال آذربيجان تأسس عدد من الأحزاب الشيعية، أهمها «الحزب الإسلامي» في العام 1991 بقيادة علي إكرام علييف، والذي ظل يتعرض للقمع من النظام العلماني ذي الجذور الشيوعية. كما تأسست «حركة الوفاق الوطني الإسلامية» في البحرين بقيادة الشيخ علي سلمان في العام 2001، وحققت انجازات سياسية مهمة على صعيد حقوق الأكثرية السكانية الشيعية (70 % من عدد سكان البحرين).

وظهرت الموجة الثالثة لتأسيس الأحزاب الإسلامية الشيعية بعد قيام الدولة العراقية الجديدة في العام 2003، وكان أهمها الأحزاب التي انبثقت عن التيار الجماهيري الذي أوجده السيد محمد الصدر، وأبرزها التيار الصدري الذي يقوده السيد مقتدى الصدر، وحزب الفضيلة برعاية الشيخ محمد اليعقوبي، وعصائب أهل الحق بزعامة قيس الخزعلي. كما تحولت قوات بدر في هذه الفترة إلى تنظيم سياسي حمل اسم منظمة بدر بقيادة هادي العامري. ودخلت هذه الأحزاب في الدورات الانتخابية الأُولى والثانية في ائتلاف موحد، وحصلت على الأغلبية البرلمانية، محققة بذلك فوزاً تاريخياً ساحقاً للشيعة وتيارهم الديني. وأبرز الأحزاب السياسية الشيعية المشاركة في قيادة الدولة العراقية وحكومتها في المرحلة الحالية: حزب الدعوة الإسلامية الذي يتزعمه نوري المالكي، والذي تسلم ثلاثة من قادته رئاسة الحكومة العراقية لأربع دورات (2005 ـ 2018)، والتيار الصدري الذي يقوده السيد مقتدی الصدر، والمجلس الأعلى الإسلامي العراقي الذي قاده السيد عبد العزيز الحكيم ويقوده الآن الشيخ همام حمودي، وتيار الحكمة الذي يقوده السيد عمار الحكيم، ومنظمة بدر التي يقودها هادي العامري.

وقد شكّل تأسيس الأحزاب والتنظيمات الشيعية اللصيقة بهموم الاجتماع الديني الشيعي، والملتزمة بثوابته وقيادته المرجعية، عنصـر قوة كبير للنظام الاجتماعي الديني الشيعي منذ بروز ظاهرتها الحديثة في خمسينات القرن الماضي، ولعبت مسيراتها الثقافية والسياسية والنضالية دوراً أساسياً في الدفاع عن الحقوق والحريات التي سلبتها الأنظمة الطائفية من الإنسان الشيعي. ولذلك؛ ظلت هذه الأحزاب وعناصرها عرضة لكل أنواع البطش والقمع والقتل والتشويه من السلطات الطائفية والعلمانية في بلدان الحضور الشيعي، ولعل مراجعة بسيطة لما تعرضت له الأحزاب الإسلامية الشيعية في إيران (الشاه) والعراق والبحرين ولبنان وأفغانستان وآذربيجان وباكستان؛ تكشف عن حجم التضحيات الجسام لهذه الأحزاب الشيعية وهي تحاول انتزاع الحقوق الإنسانية والمذهبية لمجتمعاتها.

 

latest video

news via inbox

Nulla turp dis cursus. Integer liberos  euismod pretium faucibua

Leave A Comment