الترميز الاجتماعي لدى المجتمعات الشيعية

Last Updated: 2024/04/02By

الترميز الاجتماعي لدى المجتمعات الشيعية

د. علي المؤمن

«الترميز الاجتماعي» هو نوع من الرسائل الرمزية التي يبعثها المجتمع الى الآخر، سواء كان هذا الآخر مجتمعاً مغايراً طائفياً وقومياً أو كانت سلطة حاكمة أو مؤسسة سياسية ودينية واقتصادية وعسكرية، وتكون هذه الرسائل على شكل مظاهر اجتماعية من نوع خاص، حين لا يكون هذا المجتمع قادراً، لأي سبب، عن التمظهر الطبيعي أو التعبير المألوف. وكلما كانت عوامل عدم القدرة على التعبير الطبيعي ضاغطة، كلما كان الترميز أكثر رمزية وتعقيداً. وفي الغالب يكون المجتمع المقهور، والذي يتعرض للتعسف والإكراه والقمع والاضطهاد، أكثر قدرة على التعبير الرمزي وعلى تمثل ظاهرة الترميز الاجتماعي.

وبالتالي؛ فإن الترميز الاجتماعي هو تعبير عن القدرة الذاتية، الواعية واللا واعية، للمجتمع المقهور، في التعبير المخالف للمألوف، بهدف الدفاع عن الوجود وإثباته، والتمسك بالهوية والمظهرية المراد سلبهما، حين يمنعه الخصم القاهر من حق التعبير المألوف، وذلك لإيصال رسالة اعتراض وغضب للآخر المنافس أو المخاصم أو العدو، بأنه لن يتمكن من محو هوية المجتمع وتمظهراته وطقوسه. وهذا الترميز الذي تضطر له مجتمعات الأديان والمذاهب والقوميات والتيارات السياسية والفكرية والثقافية، التي تعيش اضطهاداً تراكمياً؛ يخلق لديها خبرة تعبير اجتماعي دفاعي تراكمي إبداعي، تمارسه بقوة كلما أحست بالخطر على هويتها ومظهرياتها وطقوسها.

ولعل الشيعة هم أكثر المجتمعات التي تتقن الترميز الاجتماعي، بألوان ومضامين شتى؛ بسبب حاجتهم الدائمة إليه، جراء ما ظلوا يتعرضون اليه من قمع وقهر وعدوان طيلة مئات السنين. ويزخر التاريخ بنماذج كثيرة من هذا الترميز الاجتماعي الشيعي، منذ عصر صدر الإسلام وحتى الآن.

وهناك مثالان قريبان تاريخياً على الترميز الاجتماعي لدى الشيعي، أحدهما الاحتفال المهيب الذي أقامه شيعة أفغانستان بذكرى مولد الإمام المهدي في العام 2022، بعد يوم واحد على وقوع المجزرة التي ارتكبها الوهابيون بتفجير أحد مساجد الشيعة في مدينة مزار شريف، وراح ضحيته مئات القتلى والجرحى؛ فكانت الاحتفالية البهيجة الكبيرة في كابل في اليوم التالي، التي حضرها عشرات الآلاف؛ تعبيراً واعياً وغير واع، عن السخط والغضب والاعتراض على المجزرة، وعن تجديد التمسك بالهوية الاجتماعية الدينية الشيعية، التي أراد الإرهابيون التكفيريون الاستهانة بها وإضعافها، عندما ارتكبوا المجزرة، لكن الغضب والاعتراض والحزن والتعبير عن التمسك بالهوية؛ جاء بصورة فرح مهرجاني جماهيري.

أما المثال الآخر؛ فهو ترميز عكسي، أي التعبير عن الفرح والزهو والفخر والبهجة بالانتصار عبر الإحياء الأبهى لمراسيم عزاء الإمام الحسين، وهو ما يحدث في العراق غالباً، ومنها ذكرى أربعينية الإمام الحسين التي حدثت في العام 2017، بعد استكمال القوات المسلحة العراقية وحلفائها تحرير المدن والمناطق العراقية التي احتلها تنظيم داعش الوهابي؛ فتصاعدت المشاركة المليونية في الأربعين الحسيني، وهي مناسبة حزن، ولكن الجمهور هنا يعبر عن فرحه وزهوه وفخره، ولكن بأسلوب مخالف.

 

latest video

news via inbox

Nulla turp dis cursus. Integer liberos  euismod pretium faucibua

Leave A Comment