التحريفيون و اختطاف التشيع

Last Updated: 2024/04/02By

التحريفيون واختطاف التشيع

د. علي المؤمن

يدخل الاندكاك بنهضة الإمام الحسين، في صلب العقيدة الإسلامية، وفي صلب سنة رسول الله وتعاليمه. ومن خلال وعي ما قاله الرسول بشأن الحسين ونهضته واستشهاده، وما أوصى به بشأن العترة الطاهرة، وكون سيرتهم امتداد لسنته الشريفة، سنعلم أن الإحياء الحقيقي لذكرى الحسين هو إحياء لسنة رسول الله.

ولذلك؛ فإن إحياء ذكرى نهضة الحسين هي شعيرة دينية وطقس إسلامي أصيل، لكنه ليس طقس شعاراتياً وحسب، بل ينطوي على كل ما أفرزته نهضة الحسين من مفاهيم عقدية وفقهية وإصلاحية وأخلاقية. أي أن الطقس ليس شعيرة بذاته، بل هو الجزء المظهري المهم من شعيرة إحياء سنة آل البيت. أما الأركان الأساسية للشعيرة، فتتمثل في إحياء قول الحسين وفعله وتقريره في حياتنا.

وهناك بعض من يرتقي منبر أهل البيت ويضع العمامة الشيعية على رأسه، أو يمتلك قناة تلفزيونية تتكلم باسم التشيع، يعرض في كل عاشوراء أحاديث وسلوكيات تشوه نقاء مذهب آل البيت وأصالته وعقلانيته، وتصب في مصلحة مذهب التكفير المعادي لأهل البيت وأتباعهم؛ لأن هذه الممارسات والأقوال المنسوبة الى التشيع تتعارض ومقاصد الإصلاح والوعي في نهضة الإمام الحسين، وتتعارض أيضاً مع فتاوى المرجعية العليا وتوجيهاتها التي تصدرها للأمة عموماً، وخطباء المنبر والقائمين على الشعائر الحسينية خصوصاً، كما أنها تنفِّر الآخر الديني والمذهبي من التشيع.

وما يقوم به هؤلاء التحريفيون من المجاهرة بالخرافة والبدع قولاً وسلوكاً، والغلو بأئمة أهل البيت، وسب الرموز المقدسة لدى المدرسة السنية، إنما هي قراءات لا علاقة لها بمدرسة آل البيت، وتساهم في تشويه مدرسة آل البيت. ورغم أن التحريفيين والمغالين الذين يدّعون تمثيل التشيّع، هي أقلية، لكنها أقلية ذات صوت عال وصراخ متواصل، بل يزعمون أنهم يمثلون التشيع حصراً، لكنهم بممارساتهم وسلوكياتهم وخرافاتهم، يرتكبون ـ في آن واحد ـ جرائم كثيرة بحق التشيع، بينهما الجريمتان الأكثر خطورة:

الجريمة الأولى: أنهم يدعمون المذهب الوهابي التكفيري دعماً نوعياً، ويوسِّعون جغرافيته ودائرة تأثيره، ويعطونه أدلة ملموسة على مدّعياته، ويزوِّدنه بشحنات قوية تضاعف قدرته على استقطاب أتباع المذاهب السنية ضد الشيعة. بل أن هؤلاء المغالين والتحريفيين والمبتدعين المحسوبين على مدرسة التشيع؛ يقدمون أدلة مجانية للمدرسة الوهابية؛ تدفع أهل ((السنة)) لتصديق مزاعم هذه المدرسة، بل تضطر السنة للارتماء بأحضان العقيدة الوهابية التكفيرية. وليس عجيباً ـ حينها ـ ألّا يرف جفن معظم السنة وهم يشاهدون المجازر التي يتعرض لها الشيعة في كل مكان؛ لأن المسوغات التي يسوقها الوهابيون التكفيريون تتناغم وعواطف أهل السنة، وهي مسوغات يقدمها بعض المغالين والخرافيين الشيعة لهؤلاء التكفيريين مجاناً.

الجريمة الثانية: أنهم يشوهون عقيدة آل البيت ويلوثون طهرها، ويضللون الشيعة ويحرفون مسار حركتهم الفكرية والميدانية، لأنهم يطرحون أفكار وسلوكيات تحت عنوان “العقيدة” و”الشعائر” و”المعاجز” و”الكرامات”، لكنها تتعارض مع غايات الإسلام وتعاليم آل البيت ونهضة الإمام الحسين.

وعند هاتين الجريمتين يكمن التناقض العجيب؛ بين شعارات التحريفيين الخرافيين المنادية بالولاء لأهل البيت ومواساتهم والتأسي بهم، وبين أفكارهم وسلوكياتهم المتعارضة مع تعاليم أهل البيت ونهضة الإمام الحسين. فتعاليم أهل البيت تختصر العقيدة والأخلاق والحكمة والعقل والرشد والإصلاح والعلم والتحضر، وتتعارض كلياً مع الغلو والخرافة والجهل والبدع.

وهكذا فإن إصرار المغالين والمخرفين والخُرافيين الجدد على بدعهم وجهلهم وضلالهم، وعلى إضرارهم بمصالح الواقع الشيعي؛ سينتهي بهم الى تأسيس مذاهب وفرق ضالة جديدة متباينة عن مدرسة آل البيت، كثير من الأفكار والسلوكيات المنحرفة في تاريخ مدرسة آل البيت، والتي انتهت الى مذاهب وفرق جديدة تتعارض مع ثوابت التشيع، أمثال: مدارس الغلو تاريخياً، أو ما حصل في القرون الأخيرة مع العبيدية والدراويش والبابية والبهائية والسلوكية وغيرهم. ولعل انشقاق هؤلاء عن التشيع أفضل لهم وللشيعة، لأنه سيعطيهم الحرية الكاملة للمزيد من البدع والخرافات والمعتقدات المغالية، دون أن يعترض عليهم أحد. وفي الوقت نفسه سيريح الشيعة من فتنتهم وانحرافاتهم، ومن مزاعمهم بتمثيل التشيع.

والخطير جداً في خطاب المغالين والمخرفين وسلوكياتهم، هو أنهم يقومون ــ من خلال عمليات تجهيل الناس واستغفالهم ــ بإنتاج عقيدة وسلوك يختطفان عنوان التشيع بمرور الزمن. في حين يتحول دعاة الوعي والإصلاح الى ضالين مضلين من منظار هؤلاء المغالين التخريفيين الذين يريدون اختطاف التشيع. ومما يدعم مدارس التجهيل والتخريف والاستغفال في مساعيهم لاختطاف التشيع، هو امتلاكها أبواقاً ووسائل تعبير وتنظير وتطبيق، تفوق ما يمتلكه الواقع الشيعي العام، بدءاً بالمؤسسات والجمعيات، والمدارس والمنابر، والقنوات التلفزيونية، وانتهاءً بالجماعات السياسية، ومجموعات الضغط الاجتماعية، والأموال الطائلة، ما يجعلها الأعلى صوتاً والأكثر صراخاً. ومن خلال تسخير كل ألوان الجذب التي تستقطب عواطف الناس وأسماعهم وأبصارهم، نجحت مدارس التجهيل والتحريف في اختطاف مساحات مهمة من الشارع الشيعي، تمهيداً لاختطاف التشيع، عبر حصر تمثيله بها.

وبعض الخطباء و(الرواديد) المغالين والخُرافيين الذين ظهروا خلال العقود الثلاثة الأخيرة، وخاصة في العراق وإيران ولبنان؛ لا يراعون أدنى مصلحة للتشيع، ولا يعون المقام الذي ينبغي أن يقع فيه المقال، ولا يحترمون عقول مستمعيهم. هذا فيما لو أحسنّا الظن بهم، وحملناهم على محمل الغفلة والجهل والعناد.

وسواء حملنا هؤلاء الخرافيين على محامل الغفلة والجهل، أو حملهم آخرون على محمل الغرتباط بأجندات تخريبية معادية للمذهب؛ فإنهم ـ بغلوهم وخرافاتهم وتحريفاتهم ـ يستبيحون منبر أهل البيت، ويحولوه الى منبر للضلال والغلو والانحراف، ولتشويه صورة مذهب أهل البيت، أو يحولونه الى منبر للتحليل السياسي وفرض المواقف السياسية على المستمعين، وفق التوجه السياسي للخطيب أو الرادود؛ فهناك من يشتم حزباً ويمتدح آخر، ومنهم من يشرح مواقفه من السياسة الإقليمية والدولية، ومنهم من يمتدح الحكم الحالي ومنهم من يشتمه.

وبالنتيجة؛ يظهر بعض الخطباء وكأنه متخصص في كل الشؤون والعلوم؛ من السياسة الى الطب، ومن الاقتصاد الى الفيزياء النووية، ومن القانون الدستوري الى النظرية النسبية. ويبقى المستمع أو الذي يحضر المجلس الحسيني بهدف الثواب، والاستفاده من المواعظ الأخلاقية والإرشادات الدينية والاجتماعية، والتعرف على سيرة آل البيت (عليهم السلام) وقضايا العقيدة، مضطراً لسماع ما يقوله بعض هؤلاء الخطباء و(الرواديد) من نظريات في السياسة والاقتصاد، ومن تحليلات تاريخية مبنية على معلومات مغلوطة، ومن تفسيرات لأحاديث وروايات موضوعة، فضلاً عن كم هائل من نشر الغسيل.

هؤلاء هم مصداق الـ ((شَين)) على أهل البيت؛ كما يصف الإمام الصادق بعض الشيعة بخطابه: ((كونوا زيناً لنا ولا تكونوا شيناً علينا)).

latest video

news via inbox

Nulla turp dis cursus. Integer liberos  euismod pretium faucibua

Leave A Comment