الاستراتيجية القومية دراسات في معالمها
تقديم كتاب “الإستراتيجية القومية: دراسات في معالمها وأهدافها
تأليف المفكر السياسي الإيراني الدكتور محمد جواد لاريجاني
بقلم: علي المؤمن
من المجالات الأساسية التي لم تعالجها أدبيات الحركة الإسلامية المعاصرة، سواء كانت في موقع المعارضة أو في موقع الدولة، معالجة واسعة ومعمقة، هو مجال الإستراتيجية العامة للدولة الإسلامية، أو ما يمكن ان يصطلح عليه «الإستراتيجية العامة للدولة الإسلامية، أو ما يمكن ان يصطلح عليه «الإستراتيجية الوطنية» أو «الإستراتيجية القومية»، على الرغم من الأهمية الفائقة للموضوع. والبحث في هذا المجال يحتاج إلى نوع متميز من المتخصصين الموسوعيين، يتمتعون بنظر شمولي عميق وبعيد المدى في الوقت نفسه، بحيث يتمكّنون من استيعاب جميع قضايا الإستراتيجية القومية، باعتبارها تشكل مسارات الوصول إلى الأهداف للدولة، بما فيها السياسة الداخلية، السياسة الخارجية، الدعوة، الأمن، الاقتصاد، المجتمع، التنمية، التكنولوجيا… إلخ.
وأهمية معالجة قضايا الإستراتيجية القومية من وجهة نظر الإسلام، تكمن في حاجة الدولة الإسلامية إلى مخططات شاملة، مدروسة ومتقنة، ولها القابلية على التطبيق العملي، بحيث تمكّنها من تحقيق أهدافها المرحلية أو النهائية، بالصورة التي حددها الله تعالى.
ونجاح الدولة الإسلامية في بناء نفسها على كل المستويات، وصولاً حالة التكامل أو قريباً منها، وتحقيق التنمية الشاملة، سيطرتها ـ كنظام سياسي ـ نموذجاً ناجحاً وتجربة حية فذّة، ليس للمسلمين وحسب، بل ولشعوب العالم كافة، ويكون دليلاً عملياً آخراً على قابلية الشريعة الإسلامية على استيعاب جميع قضايا العصر، والإجابة على تساؤلات الإنسان المعنوية والمادية، وانها (أي الشريعة الإسلامية) تمتلك القابلية أيضاً على التطبيق في كل زمان ومكان. مع الأخذ بنظر الاعتبار ان هذا النجاح أو عدمه ليس ملاكاً لإثبات صحة النظام السياسي الإسلامي في الجانب النظري، ولا يشكل دليلاً على حقانية قيام الدولة الإسلامية، باعتباره قضية إجرائية وتنفيذية، ترتبط بطبيعة تصرف القائمين على الدولة وإدارتهم. فالنجاح ـ إذن ـ دليل عملي إضافي، ولا يشكل حجة أو هدفاً بنفسه، على الرغم من كونه حجة دامغة في مجال الإعلام والدعوة.
ان هذا النجاح لا يمكن تحقيقه إلاّ من خلال إستراتيجية عامة ناجحة على الصعيدين النظري والعملي. وهو ما يؤكد أهمية الموضوع الذي يطرحه الكتاب، وضرورة تظافر الجهود المتخصصة لاستكمال دراسته بعمق واستيعاب لجميع مجالاته، ومن ثم بلورة نظريته.. وصولاً إلى المراحل النهائية للتطبيق العملي.
والبحوث التي يقدمها الكاتب هنا، على الرغم من انها ـ بالأساس ـ بحوث ألقاها في مناسبات وأماكن مختلفة، ولكنها تدخل ضمن إطار واحد، يتمثل في موضوع الإستراتيجية القومية، ثم ان الكاتب أعاد النظر فيها، وأخرجها في هذا الكتاب. ويمكن القول ان ما طرحه الدكتور اللاريجاني هنا يمثل خطوطاً عامة أو مداخل لبعض الجوانب الأساسية في النظرية الإستراتيجية القومية، ومبدأ صناعة القرار في الدولة، من وجهة نظر الإسلام.
وقد اشتمل الكتاب على ستة موضوعات، شغل كل منها فصلاً خاصاً. في الفصل الأول بحث الكاتب موضوع الحكومة والنظام السياسي في إطار الفلسفة السياسية والفكر القانوني، وعالج في الثاني مفهومي التدبير والكفاءة في السياسة، اما الفصل الثالث فقد وصل فيه الكاتب إلى صلب موضوع الإستراتيجية القومية، حيث بيّن مفهومها وجوهرها وأهدافها، ثم انتقل في الرابع إلى نظرية «أم القرى» التي تعبِّر عن مركزية الدولة الإسلامية بالنسبة لحركة الأمة جمعاء. وتدخل معالجات الفصلين الثالث والرابع ضمن محور الفكر الإستراتيجي السياسي، في حين يعد الفصل الخامس دراسة في الإستراتيجية العسكرية، حملت عنوان «الدفاع الفعّال». وأخيراً يدرس الكاتب في الفصل السادس موضوع النظام العالمي الجديد، ويحلله في ضوء مفهوم الاستقطاب العالمي، ثم يصوغ رؤيته لمستقبل هذا النظام.
ومما يزيد من أهمية المعالجات التي تقدمها هذه البحوث، ان لكاتبها الأستاذ الدكتور محمد جواد اللاريجاني مساهمات نظرية وعملية واسعة في مجال الإستراتيجية القومية، إذ سبق له تأسيس مركزٍ للدراسات الإستراتيجية تابع لوزارة الخارجية، حين كان نائباً لوزير الخارجية، وكتب الكثير من المؤلفات والدراسات في حقلي الفكر والسياسة، يصب معظمها في المسار الإستراتيجي للدولة. كما انه يشغل ـ حالياً ـ منصب المستشار الأول للمجلس الأعلى للأمن القومي في الجمهورية الإسلامية، إضافة إلى عضويته في مجلس الشورى الإسلامي (البرلمان).
ومن هنا فإن مجمل الخصوصيات التي يتمتع بها المفكر الإسلامي الدكتور اللاريجاني، من خلال نشأته الدينية الواعية في كنف والده المرجع الديني والفيلسوف الراحل الشيخ ميرزا هاشم الآملي، ودراسته الأكاديمية، وتحديداً تخصصه في الفيزياء النظرية والرياضيات (يحمل شهادة الدكتوراه في الرياضيات)، وممارسته المبكرة للعمل السياسي في صفوف الحركة الإسلامية منذ كان طالباً في جامعة طهران، وتجربته العملية الممتدة في الممارسة الحكومية في المجالين التنفيذي والتشريعي، ودراسته المنهجية للفكر السياسي والفكر الإسلامي، مجمل هذه الخصوصيات، جعلت الدكتور اللاريجاني واحداً من أبرز المنظرين والاستراتيجيين الإسلاميين الإيرانيين، مما يجعل لآرائه وأفكاره تأثيراً كبيراً في تحديد المسارات العملية للدولة الإسلامية، وخاصة في مجالي الإستراتيجية القومية والسياسة الخارجية.
وتعد مبادرة الأستاذ علاء الرضائي في تعريب هذا الكتاب، مدخلاً مهماً في تعريف فكر الدكتور اللايجاني لقراء العربية، على الرغم من ان مجلة التوحيد (الإسلامية الفكرية) سبق لها ان نشرت العديد من الدراسات للدكتور اللاريجاني في إطار الهدف نفسه.
وقد تمكن الأستاذ الرضائي، من خلال تخصصه الأكاديمي في العلوم السياسية، وثقافته الإسلامية الجيدة، وقراءاته الواسعة لفكر الدكتور اللاريجاني، وتمكنه من اللغتين العربية والفارسية، من ان يقدِّم نصاً معرباً سليماً من الناحيتين الفنية والعلمية. ومن الله التوفيق.
latest video
news via inbox
Nulla turp dis cursus. Integer liberos euismod pretium faucibua