الاختلاف في فهم الثوابت الإسلامية

Last Updated: 2024/04/01By

الاختلاف في فهم الثوابت الإسلامية

د. علي المؤمن

تتمثل ملاكات الأصالة في التجديد ومعاييره ومقاييسه؛ في التمسك بالثوابت المقدسة، وهي القرآن الكريم والصحيح من السنة الشريفة، والقواعد الشرعية المستخلصة منها، وأدوات الفهم والقراءة والاستنباط المنتزعة منها أو لا تتعارض معها، كاللغة العربية وفقهها، وعلوم التفسير والناسخ والمنسوخ وأسباب النزول، والدراية، والرجال، وأصول الفقه، والإجماع والعقل، والنتاجات والتجارب الإسلامية التأصيلية، وأية مناهج علمية إنسانية لا تتعارض مع الثوابت الإسلامية؛ لأن التجديد ينبغي أن يكون لصيقاً بالأصالة ومحكوماً بالثوابت.

على مستوى الأحكام مثلاً، كأنظمة العبادات والحدود والقصاص والمال، وعموم الأحوال الشخصية، كالإرث والزواج وغيرهما؛ فهي توقيفية غالباً، ولا يمكن تغيير مقاييسها وأسسها المنصوصة في الثوابت، ولا يمكن الاجتهاد لتغييرها. فكل تغيير أو تجديد أو اجتهاد يتطاول على كتاب الله (تعالى) والسنة الشريفة؛ يمثل خروجاً على الثوابت والنصوص، وإن كانت ذرائع أصحابها حصول تغيرات زمانية ومكانية؛ لأن الأصول التوقيفية في العقيدة والأحكام لا تخضع لعاملي الزمان والمكان. كما أن أي اختلاف في هذا المجال؛ ينبغي أن يعرض على الكتاب والسنة، لتحديد مواطن الخطأ والصواب، والأصالة والانحراف في النتائج، سواء أكانت نظريات في الفكر والثقافة أم أحكاماً في الفقه.

والقضية التي لا جدال فيها، هو كون القرآن الكريم والسنّة الشريفة ملزمين بالمطلق؛ لأنها الأصلان الثابتان المقدسان والملزمان بالمطلق، ولكن الاختلاف ينشأ حول فهم ذينك الأصلين المقدسين، وهو ما يتلخص فيما نسميه بـ «الفكر الإسلامي»، الذي يعد أكثره نتاجاً بشرياً يستند إلى النص القرآني والى صحيح السنة، أي أن هناك جانب ملزم (مقدس) في الفكر الإسلامي، وجانب غير ملزم (غير مقدس). وهذا الرأي يتوسط الرأيين الآخرين اللذين يقول أحدهما بأن الفكر الإسلامي نتاج بشري محض، ليس فيه أي جانب إلزامي، والرأي الآخر القائل بأن الفكر الإسلامي محاط بالقدسية، وهو ملزم.

وحقيقة الأمر، أن حدود الإلزام تتمثل في حدود العلاقة بين الإلهي والبشري في الفكر الإسلامي؛ فحين نتحدث عن الفكر الإسلامي، فلا نقصد به التراث وحسب، بل إنه يشتمل على النتاجات الإسلامية المعاصرة أيضاً، والتي تحظى بالشروط المطلوبة لصفة «الفكر الإسلامي». وهذا التحديد له أهمية خاصة؛ لعلاقته بموضوع إلزام المكلّف بالأحكام الفقهية. فالفكر الإسلامي ينقسم إلى مجالين رئيسيين، أحدهما المجال العقدي، ويدرسه علم الكلام، والآخر المجال الفقهي، وفيه ترتبط القضية ارتباطاً وثيقاً بموضوع «التقليد»، أي تقليد المكلّف للمجتهد في المسائل الفرعية. فكل مكلّف ملزَم بالتقليد (حسب الأدلة التي تطرحها المدارس الفقهية الإسلامية)، والإلزام بالتقليد يتبعه التزام بالفتاوى التي يصدرها ويتبنّاها مرجع التقليد. وهذا النوع الأول من الإلزام. بينما نجد أن المكلّف غير ملزم بفتاوى المجتهدين الآخرين الذين سبقوه أو المعاصرين (عدا الأحكام الولائية).

وهناك اختلاف بين المدارس الفقهية حول حدود الالتزام بمنهج الاستنباط والقواعد لمؤسس المدرسة الفقهية. وهذه القضية عند مدرسة الإمامية محلولة، إذ أنهم يلتزمون – بشكل مطلق – بالقواعد التي نصّ عليها الرسول وأئمة أهل البيت. وتلك هي أنواع من الإلزام وعدم الإلزام. وهنا تضع أغلب المدارس الفقهية الإسلامية، الأحكام التي أجمع عليها مجتهدو المدرسة، في إطار أصل «الإجماع» باعتباره كاشفاً عن السنة الشريفة؛ على أنها أحكام ملزمة – أيضاً – للمجتهد وللمكلّف.

أما المجال العقدي أو موضوعات علم الكلام، فلا فرق فيه بين التراث أو الأفكار المعاصرة، لحرمة التقليد في هذا المجال، والموضوعات العقائدية التي فيها نص مقدس ملزمة للجميع. أما الناتجة عن حركة العقل البشري، والتي تتمتع بالأصالة، ففيها كلام كثير بين أصحاب الاختصاص. يقول أحد الفقهاء: «إن كل ما جاءنا من تراث فقهي وكلامي وفلسفي هو نتاج المجتهدين والفقهاء والفلاسفة والمفكرين، من خلال معطياتهم الفكرية، ولا يمثل الحقيقة إلا بمقدار ما نقتنع به من تجسيده للحقيقة. وبهذا، فإننا نعتبر أن كل الفكر الإسلامي، ما عدا الحقائق الإسلامية البديهية، ليس فكراً إلهياً؛ بل هو فكر بشري يخطئ فيه البشر فيما يفهمونه من كلام الله وكلام رسول الله)).

ويجب هنا الأخذ بنظر الاعتبار أن عدم الإلزام بالتراث الفكري الإسلامي لا يتناقض مع الاعتزاز به واحترامه وإكبار أصحابه وإجلالهم، بل ولا يتناقض مع مبدأ الاستفادة منه إلى أقصى درجات الاستفادة، بما يلبّي حاجة العصر ومصلحة الشريعة، لأن التراث هو الخزين والرصيد الفكري الإسلامي، والمنطلق لصياغة الفكر الإسلامي التجديدي المعاصر.

 

latest video

news via inbox

Nulla turp dis cursus. Integer liberos  euismod pretium faucibua

Leave A Comment