الاجتماع العراقي والاجتماع الشيعي من الذي طبع الآخر بطابعه

Last Updated: 2024/04/01By

الاجتماع العراقي والاجتماع الشيعي: من الذي طبع الآخر بطابعه؟

د. علي المؤمن

في العراق، وتحديداً في الكوفة وبغداد والنجف؛ نشأ النظام الاجتماعي الديني الشيعي العالمي، وكانت البداية من الكوفة في فترة خلافة الإمام علي، ثم جاءت الانعطافة الكبيرة في بغداد، حين تحولت الظواهر الاجتماعية الدينية والسياسية الشيعية الى نظام ذا هيكلية اجتماعية دينية سياسية، ومؤسسات وأنساق وأعراف، وذلك خلال القرون الثالث والرابع والخامس الهجرية، ابتداءً على يد السفير الأول الشيخ عثمان العمري، الذي انتقل من سامراء بعد وفاة الإمام الحسن العسكري، واستقر في بغداد، وتحديداً في الكرخ، حيث الكثافة المجتمعية الشيعية، ثم على يد السفراء الثلاثة، الذين قادوا النظام الاجتماعي الشيعي الديني العالمي، انطلاقاً من بغداد أيضاً، بالرغم من وجود فقهاء ومحدثين شيعة كبار في تلك المرحلة، وخاصة في قم والري والكوفة، وخاصة المرجعين الكبيرين الشيخ الكليني والشيخ ابن بابويه القمي.

وبعد وفاة السفير الرابع؛ تواصل عمل المركز القيادي الشيعي العالمي في بغداد في عصور الشيخ الصدوق والشيخ المفيد والشريف المرتضى والشيخ الطوسي. وحتى حين انتقل المركز القيادي الشيعي من بغداد في عهد شيخ الطائفة الطوسي؛ فإنه لم يغادر العراق، بل استقر في حاضرة فرات أوسطية شيعية خالصة، هي النجف الأشرف. وبمرور السنين؛ بدا وكأن هذا النظام العالمي مطبوع بطابع مجتمعي عراقي، بالنظر الى الكثافة الشيعية المجتمعية المتفردة في العراق، والى كونه تأسس في الكوفة وبغداد والنجف، وأن مؤسسيه في عصر الغيبة هم عراقيون بغداديون بالأصالة أو السكن، وأن الشيعة غير العراقيين، كالفرس والآذريين والهنود والترك والمغول والكرد وغيرهم، أخذوا اجتماعهم الديني من شيعة العراق، وظلت بوصلتهم الاجتماعية الدينية ــ غالباً ـــ تتجه نحو الكوفة وبغداد والنجف وكربلاء والحلة. وقد فصّلت هذا الموضوع في كتاب “الاجتماع الديني الشيعي”.

وأوضح هنا نقطتين أساسيتين تتعلقان بدلالات مفهوم الاجتماع الديني الشيعي ومفهوم الاجتماع العراقي، وهما المفهومان اللذان يقوم عليهما البحث:

الأولى: تتعلق بمفهوم الاجتماع الديني الشيعي، والذي يختص بالجانب الاجتماعي الديني، ونظامه وعقله ومنهجه المحرك، وسياقاته وسلوكه العام وعاداته وتقاليده، أي الظواهر الاجتماعية الدينية التي يستوعبها النظام الاجتماعي الديني الشيعي. صحيح أن البيئة الاجتماعية تؤثر في قبليات عالم الكلام والفقيه ومنهجه في التفكير والاستنباط واتخاذ القرار، إلّا أن هذا الجانب المتعلق بالعقيدة والفقه لايدخل في موضوع بحثنا.

الثانية: حول ما أقصده بالاجتماع العراقي، وهي ظواهر البيئة الاجتماعية العراقية وسلوكياتها الأصلية المتكونة تاريخياً، وليس الاجتماع العراقي العربي الملحق، والممتزج بالاجتماع العراقي الأصلي؛ فسكان العراق الأصليون المؤسسون، هم: السومريون (سكان جنوب العراق) والبابليون (سكان الفرات الأوسط) والفيليون (اللر العيلاميون في جنوب شرق العراق) والفرس (في شرق العراق) والكلدان (في الفرات الأوسط) وعرب المناذرة (الحيرة) وعرب التغالبة (الموصل) والآشوريون (شمال العراق)؛ فهذه القوميات كانت تشكل سكان العراق الأصلي، بخارطته الحالية، قبل الفتح الإسلامي للعراق، ثم استعرب أو استكرد أغلبها بمرور الزمن.

وبالتالي؛ فإن الاجتماع العراقي، ليس عربياً بالأصل، ولم يتكون نتيجة هجرة العرب واستيطانهم فيه، بل هو اجتماع بين النهريني، سومري بابلي بالخصوص، وهو سابق على هجرة العرب الى العراق، بل أن العرب الذين استوطنوا العراق تطبّعوا بطباع أهله الأصليين، واستعرقوا، أي صاروا يفكرون مثل العراقيين ويسلكون سلوكهم، وبكلمة أخرى أصبحوا جزءاً من عقله الجمعي، بينما تطبّع العرب الذين استوطنوا بلاد الشام ومصر وشمال افريقيا وايران والهند؛ بطباع أهلها أيضاً، وهي طباع مختلفة عن طباع عرب العراق.

وقد نقلت في كتابي “صدمة التاريخ” مقولة تاريخية منسوبة إلى “الإسكندر المقدوني”، أسرّ بها إلى أستاذه “أرسطوطاليس”، بعد أشهر على احتلاله بابل قبل 2400 عاماً وإسقاطه الدولة البابلية، أي قبل استيطان العرب العراق بحوالي 1000 سنة. في ذلك التاريخ شكا “الإسكندر” أهل العراق بقوله: ((لقد أعياني أهل العراق، ما أجريت عليهم حيلة إلاّ وجدتهم قد سبقوني إلى التخلص منها؛ فلا أستطيع الإيقاع بهم، إلاّ أن أقتلهم عن آخرهم)). فأجابه الحكيم “أرسطو”: ((لا خير لك من قتلهم. لو أفنيتهم جميعاً؛ فهل تقدر على الهواء الذي غذى طباعهم؟ فإن ماتوا ظهر في موضعهم من يشاكلهم))، وهو يريد القول بأن العراقيين (البابليين والسومريين) شعب حاد الذكاء، كثير النقد والجدل، قليل الطاعة، وهي الطباع الحالية ذاتها، والتي سبق أن تطبّع بها العرب المهاجرون الى العراق قبل 1400 عام. وهنا يعيد “ارسطو” السبب الى البيئة التي تغذي العراقيين، أي الهواء والماء والتراب، وهي عوامل اكتشف تأثيرها علماء الاجتماع والنفس الاجتماعي بعد مئات السنين من مقاربة “أرسطو”.

وقد استعرب العراقيون الأصليون بعد الفتح الإسلامي تدريجياً، إلّا أن هذا الاستعراب اقتصر على اللغة والنسب والمعرفة الدينية، ولم يستعربوا نفسياً وسلوكياً، بل لقد حدث العكس؛ إذ أن العرب المستوطنين هم الذين استعرقوا وحملوا طباع العراقيين، وذلك لأن سكان العراق الأصليين من البابليين والسومريين وغيرهم؛ كانوا بالملايين، وتقدرهم بعض المصادر التاريخية بثلاثة ملايين نسمة، وهي أعلى نسبة كثافة سكانية في العالم حينها، بينما كان عدد العرب الفاتحين والمستوطنين، لايزيد عن (100) ألف شخص، في أكثر التقادير.

بيد أن المؤرخين والرواة العرب وغير العرب في العصرين الأموي والعباسي، تجاهلوا وجود هذه الملايين من البشر من أبناء وادي الرافدين، بل اختلقوا أوهاماً تتعلق بسكان العراق الأصليين، وأقحموا النبط، وكان كل تركيزهم على القبائل العربية النازحة من اليمن والحجاز والجزيرة بعد الفتح، ودورها وفاعلياتها السياسية والعسكرية والاجتماعية، وكأنّ أرض العراق كانت خالية من السكان، وكـأنّ البابليين والسومريين تبخّروا فجأة، ولم تكن لديهم قبائل ولا رموز ولاشخصيات. وهذه أكبر جريمة ارتكبها آل أمية ورواتهم ومؤرخيهم بحق العراقيين، والتي ظهرت نتائجها في العصر العباسي، على يد الطبري وابن الاثير وابن خلدون وابن الوردي وغيرهم. وحتى أصحاب الطبقات والتراجم والسير؛ أرّخوا لشخصيات المهاجرين والفاتحين العرب من الجزيرة واليمن، أو بعض عرب الحيرة وتغلب، ولم يذكروا إطلاقاً أية شخصية عراقية أصلية؛ فهل يعقل أن لايكون هناك سومري أو بابلي أو أكدي، خلال عصر الفتوحات أو العصرين الأموي والعباسي، قد أصبح قائداً عسكرياً أو سياسياً أو ثائراً أو فقيهاً أو محدثاً أو مؤرخاً؟!، بل حتى اللغات السومرية والبابلية والأكدية تبخرت فجأة، وهو ما يدل على ما فعلته الفتوحات في العراقيين من اجتثاث لغوي ونسبي وتاريخي.

وأعتقد أن هذا انعكس على رؤية العراقيين للفاتحين العرب، ورموزهم، وأساليب تعاملهم، وربما انعكس أيضاً على رؤيتهم لمدرسة آل البيت، وانحيازهم اليها، لأن موقفها كان متحفظاً على فتوحات الإكراه، حتى تبيّن للعراقيين بمرور الزمان، ولاسيما خلال خلافة الإمام علي، بأن مدرسة آل البيت هي مدرسة الدفاع عن الإنسان وحقوقه ومظلوميته، بغض النظر عن دينه وقوميته، وهو ما يتعارض مع ما اختلقه الرواة والمؤرخون المزورون في العصرين الأموي والعباسي بشأن مواقف الأئمة من الفتوحات. وفي المقابل؛ كان الأمويون يمارسون أبشع ألوان الطغيان والاستعلاء ضد العراقيين الأصليين، الأمر الذي حوّل العرب من فاتحين دعاة دينيين الى محتلين أسياد، كما حوّل العراقيين الى عبيد مستلبين، وهو ما كان يعبّر عنه والي الأمويين في العراق الحجاج الثقفي بقوله: ((يا أهل العراق.. يا أهل الشقاق والنفاق))، وذلك لأنهم كانوا يعارضون الظالم وحكمه وعقيدته.

ولم يكن انحياز العراقيين الى آل البيت ومظلوميتهم، ومشاركتهم في جميع الثورات العلوية ضد المحتلين الأمويين والعباسيين، اعتباطياً أو ناشئاً من فراغ، بل هو إحساس بالمظلومية المشتركة، وبنقاء مدرسة آل البيت، وبأنها تمثل أصالة الإسلام وحقوق الإنسان والدفاع عن المظلوم، على العكس مما كشفت عنه سلوكيات بعض الفاتحين وآل أمية. ولذلك؛ فإن الثابت التاريخي، هو أن الأغلبية الساحقة من الشعوب العراقية الأصلية المؤسسة (السومرية والبابلية والآرامية والكلدانية والفيلية و…)؛ قد تشيّعت مبكراً وطوعاً، أي منذ بداية دخول الإسلام الى العراق. وهذا يعني أن العراقي، منذ لحظة تعرفه على الإسلام؛ اختار المتاعب لنفسه بنفسه، فأن يكون العراقي شيعياً؛ يجعله تلقائياً في مواجهة الدولة والحاكم، ومعارضاً للسلطة ومذهبها، وسيتعرض للقمع والتشريد والاعتقال والقتل بإرادته.

وفي المقابل؛ اختارت الشعوب المهاجرة الى العراق، أن تكون سنية غالباً، وتنخرط في مجتمع الدولة، وتدافع عن مذهب السلطة، وتعيش الاستقرار السياسي والاجتماعي والرفاه المعيشي، حتى باتت صاحبة الوطن والدولة والسلطة في العراق، رغم كونها أقلية عددية مهاجرة، وباتت الأقوام العراقية الأصيلة المؤسسة، تعيش غربة الوطن، وتُتّهم في انتمائها للعراق وفي وطنيتها، رغم أنها تشكل الاغلبية السكانية الساحقة، بل ولا يتردد هذا المستوطن المستعرق أن يتّهم السومري والبابلي العراقي الأصيل بأنه غجري وهندي وعجمي وصفوي وتبعي!!.

وكان الملفت للنظر؛ أن القبائل العربية السنية المهاجرة من مناطق العراق الأخرى أو البلدان الأخرى؛ تتشيع تلقائياً، بمجرد مرور سنوات على إقامتها في الفرات الأوسط والجنوب العراقي وشرق العراق، وهي مناطق السكان العراقيين الأصليين: البابليين والسومريين والفيليين الشيعة، ثم تنصهر هذه القبائل بمناخات مستوطناتها الجديدة، وتتفاعل مع الاجتماع العراقي وتنعجن بطينه، وتذوب فيه، رغم أن قسماً من هذه القبائل العربية، كان يعيش بيئة بدوية ومتعصبة سنياً، وخاصة قبائل نجد وبادية غرب العراق والأردن والشام، ولكنها كانت تتحول تحولاً كبيراً، من النواحي المذهبية والاجتماعية والسلوكية، وتختار العقيدة الدينية المعارضة للحاكم ومذهبه، دون أن يجبرها أحد أو يحتك بها أحد، وتعرِّض نفسها طوعاً لكل أنواع القمع.

فلماذا اختار العراقي التشيع وظل في مواجهة الدولة، منذ العصر الأموي الأول وحتى العصر الأموي الأخير (البعثي)، ومستعداً للموت، ومفارقة الأهل والوطن والهروب الى ايران وجبال القوقاز والهند وافريقيا، على أن يكون ضمن مذهب السلطة واجتماع الدولة، ويعيش عيشة طبيعة ومستقرة؟!.

وهل هذا يعني أن الطبيعة العراقية التاريخية المتمردة على الظلم وعلى الحاكم واجتماع السلطة؛ قد انسجمت تلقائياً مع طبيعة المسار الشيعي المعارض والمقموع منذ وفاة الرسول؟ وبمعنى آخر؛ هل اختار العراقيون التشيع، لأنه ينسجم في عقيدته وتكوينه التاريخي المعارض مع العقل العراقي ومناخات نشوئه ومع البيئة العراقية المعارضة بالفطرة؟

ثم كيف انعكست الطبيعة العراقية على السلوك الشيعي العام؛ ليس في العراق وحسب، بل في كل بلدان الحضور الشيعي؟ وكيف كان التأثير والتأثر بين التشيع ومسارات نشوء الشيعة واجتماعهم الديني والسياسي والثقافي من جهة، والبيئة العراقية الأصيلة المركبة من السومريين والبابليين والفيليين والفرس والكلدان والآشوريين وعرب الحيرة ونينوى من جهة أخرى؟ ومن الذي طبع الآخر بطابعه بشكل أكبر؟ فهل كانت التأثيرات الاجتماعية العراقية ومناخاتها في السلوك الشيعي أكبر من تأثير التشيع في طبيعة المجتمع العراقي، أو أن العكس هو الصحيح؟

كمقاربة أولية؛ أعتقد أن السر لايتعلق بالتشيع والشيعة وحسب؛ بل بطبيعة البيئة العراقية الأصلية أيضاً، أي بيئة بغداد والفرات الأوسط والجنوب السومرية البابلية الأكدية، وتكوينها التاريخي، منذ خمسة آلاف سنة؛ فهي بيئة تنسجم نفسياً وسلوكياً مع عقيدة التشيع واجتماعه الديني ومساره التاريخي الثوري المعارض من جهة، والمقموع من جهة أخرى؛ فالبيئة العراقية الأصلية هي بيئة رفض واعتراض وثورة وتمرد على السلطة والحاكم والظالم؛ ما جعلها تتفاعل تلقائياً مع طبيعة المسار الشيعي المعارض للسلطة واجتماعها السياسي والديني.

أما المناخات غير العراقية؛ فقد انسجمت ـــ هي الأخرى ـــ تلقائياً مع مسار السلطة وتطبّعت بطابعه، منذ الاحتلال الأموي للعراق وحتى نهاية الاحتلال البعثي؛ حتى إن الغالبية الساحقة من الثورات والحراكات الثورية الشيعية ضد السلطة الظالمة حدثت في العراق، منذ الإمام الحسين والتوابين والمختار، وحتى صفر والصدر والشعبانية، أي أن العراق بقي طيلة ١٣٧٠ سنة، جغرافيا الصراع المستدام بين السلطة الأجنبية السنية (أموية وعباسية وايوبية وسلجوقية وعثمانية وبريطانية وحجازية وبعثية) والمعارضة العراقية الشيعية، وأن البيئة العراقية الأصيلة المعارضة قد أثرت في المسار الشيعي، وبلورت طابع الرفض والمعارضة فيه.

بينما ظلت بيئة الشام ومصر وشمال افريقيا أيضاً؛ منسجمة مع السلطة في العهود الأموية والعباسية والأيوبية والسلجوقية والمملوكية، ولم تشهد ثورات وحراكات ضد السلطة؛ إلّا تلك التي قادها العلويون والشيعة الهاربون من العراق والحجاز، بل حتى الدول التي أسستها المعارضة في شمال العراق والشام ومصر، كانت دولاً شيعية، كالحمدانية والأدريسية والفاطمية، وكثير من قادتها كانوا عراقيين، ولكن حين سقطت هذه الدول بالأساليب الدموية التي سجلها التاريخ؛ فإن القادة العسكريين والولاة العباسيين، كصلاح الدين الأيوبي، تمكنوا من القضاء على الأغلبية الساحقة من الوجودات الاجتماعية الشيعية في هذه البلدان، في حين فشلوا في العراق فشلاً ذريعاً، ولم يستطيعوا تفكيك المجتمع الشيعي العراقي، إذ ظل الشيعي العراقي عصياً على الاجتثاث، بفضل طبيعيته الذاتية المقاومة المعارضة الصعبة، بل بقي يتمدد اجتماعياً ومذهبياً، رغم استمرار محاولات الخصوم، وتنوع أشكال هذه المحاولات ومضامينها، كلما حلّت سلطة جديدة، حتى يخيل للباحث أن الحالة الواقعية المنسجمة مع قواعد الانثروبولوجيا والسسيولوجيا وعلم النفس الاجتماعي، هي أن يكون العراقي شيعياً بالفطرة وبالتكوين.

وأعتقد أن شيعة البلدان الأخرى الذين حافظوا على وجودهم الاجتماعي الديني وانتمائهم للتشيع؛ قد اقتبسوا من شيعة العراق واجتماعهم المقاوم الحاد، هذه السلوكية العصيّة على الاستسلام لقمع الآخر المذهبي وسلطته، بمن فيهم الشيعة الإيرانيين، الذين يشكلون اليوم الأكثرية الشيعية السكانية؛ فالذي زرع بذور التشيع في ايران ونشره هم العراقيون، ابتداءً من قم والري وخراسان والديلم والأهواز، والذي أسس للاجتماع الشيعي في ايران هم العراقيون، والذي قاد الثورات الشيعية وأسس أول الدول الشيعية في إيران، هم العراقيون؛ فقد كان القادة والمؤسسون عراقيين غالباً، بينما كان الفرس والآذريين واللر مادة هذه الثورات والحراكات والدول، حتى ترى اليوم أن الإيرانيين حين يتغنون بالثورة والمقاومة؛ فإنهم يضعون أسماء الرموز الشيعية العربية والعراقية في المقدمة، بدءاً بمالك الأشتر والمقداد وعمار والإمام الحسين وحبيب والحر، وليس انتهاءً بالتوابين والمختار، وهو ما يؤكد أن الاجتماع الديني الشيعي، بصيغه المحلية والعالمية، هو نتاج تفاعل البيئة العراقية واجتماعها وسلوكياتها، مع مسارات نشوء التشيع وحراكاته العقدية والسياسية.

 

latest video

news via inbox

Nulla turp dis cursus. Integer liberos  euismod pretium faucibua

Leave A Comment