الإيرانيون وانتشار المذاهب الشيعية

Last Updated: 2024/04/02By

الإيرانيون وانتشار المذاهب الشيعية

د. علي المؤمن

من خلال الاطلاع على المدونات الحديثية والعقدية والفقهية الشيعية الرئيسة، وأعلام الشيعة في مرحلتي الظهور والانتشار الأول، سنتوصل الى ما يلي:

1- إن الأحاديث والروايات والمعتقدات الشيعية المثبتة في أمهات كتبهم؛ ترجع أصولها إلى أئمتهم الاثني عشر، وهم سادة العرب، بدءاً بعلي بن أبي طالب، وانتهاء بمحمد بن الحسن المهدي المنتظر، فيما ترجع تفريعاتها وتفسيراتها الى كبار متكلمي الشيعة ومحديثهم وفقهائهم من تلامذة الأئمة، منذ القرن الأول الهجري، وليس بينهم فارسي واحد.

2- إن التشيع نشأ وانتشر في الجزيرة العربية، ثم دخل بلاد فارس عبر الفتوحات الإسلامية التي انطلقت من العراق. أما الاجتماع الديني الشيعي ونظامه فقد تأسس في المدينة المنورة على يد الإمام علي، بينما تأسس هذا النظام بعد غيبة الإمام المهدي، في بغداد بالعراق.

3- إن الطبقات الأولى والثانية والثالثة من الشيعة كانوا عرباً في الأعم الأغلب، ولم يكن بين الطبقة الأولى فارسي سوى واحد هو سلمان الفارسي.

4- حين انتشر التشيع في إيران، وأصبح المذهب الأول في البلاد، فإن الفرس لم يكونوا يوماً كل الشيعة، بل هم جزء يشكّل أقل من ربع الشيعة.

وكباقي الفرق والمذاهب الإسلامية؛ فقد ساهم العلماء الشيعة من الفرس، وتحديداً خلال القرن الرابع الهجري وبعده، أي بعد تأسيس الفرس للمذاهب السنية بأكثر من قرن، في تدوين كتب الحديث والعقيدة والفقه، ومنهم المحدثين الثلاث الذين ألفوا الكتب الحديثية الأربعة عند الشيعة، والتي تعادل الصحاح الستة عن أهل السنة، وهم الشيخ الكليني والشيخ الصدوق والشيخ أبو جعفر الطوسي، وكذا غيرهم، ونذكر هنا أهم الشخصيات منهم:

  • الحسن النوبختي (ت 310 ه)، مؤرخ وعالم كلام، من قم في وسط إيران
  • الحسين بن الروح النوبختي (ت 326 هـ)، محدث وفقيه، السفير الثالث للإمام المهدي في مرحلة الغيبة الصغرى، من قم
  • علي بن إبراهيم القمي (ت 329 ه)، مفسر، من قم
  • محمد بن يعقوب الكليني الرازي (ت 329 هـ)، أحد كبار المحدثين ومؤلف أحد كتب الحديث الشيعية الأربعة، من الري في وسط إيران
  • علي بن بابويه القمي (ت 329 ه)، عالم كلام ومحدث وفقيه، من قم
  • محمد بن علي الصدوق (ت 381 ه)، زعيم الشيعة في وقته، مؤلف أحد كتب الحديث الشيعية الأربعة، من قم
  • أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي (ت 460 ه)، زعيم الشيعة في وقته، مؤسس الحوزة العلمية في النجف الأشرف، مؤلف اثنين من كتب الحديث الشيعية الأربعة، من طوس في خراسان
  • محمد بن أحمد بن شاذان القمي (ت 460 ه)، محدث ورجالي، من قم
  • سالار حمزة الديلمي (ت 463 ه)، محدث وفقيه، من الديلم في غرب إيران
  • الحسن بن محمد الطوسي (ت 515 ه)، زعيم الشيعة في وقته، من طوس في خراسان
  • الفضل بن الحسن الطبرسي (ت 548 ه)، مفسر ومحدث، من طبرستان في شمال إيران
  • الحسن بن الفضل الطبرسي (ت 560 ه)، محدث وفقيه، من طبرستان
  • قطب الدين سعيد بن هبة الله الراوندي (ت 573 ه)، متكلم وفيلسوف وفقيه، من راوند في وسط إيران
  • محمد بن علي بن شهر آشوب المازندراني (ت 588 ه)، محدث ورجالي، من مازندران في شمال إيران.

ويلاحظ هنا أن العلماء الشيعة الفرس بات له دور علمي في وقت متأخر، أي خلال القرن الرابع الهجري، وليس في عصر التأسيس الذي شهد ظهور الفرق المذاهب، وتحديداً القرون الأول الى الثالث، لأن هذا العصر كان عصر الأئمة الإثني عشر المؤسسين، ولم يكن للعلماء الشيعة، عرباً وفرساً، دوراً تأسيسياً، وبعد الغيبة الكبرى، أي بعد العام 326 ه، بدأ دور المحدثين والفقهاء والمفسرين وعلماء الكلام الشيعة بالظهور، وهو دور التفريع والتفسير، وليس التأسيس للمذهب الشيعي، على العكس من الفرق والمذاهب السنية، التي تأسست في وقت مبكر على يد العلماء العرب والفرس. ولذلك؛ يمكن القول إنّ علماء الفرس هم الذين سنّنوا أغلب العرب، وأن علماء العرب هم الذين شيّعوا أغلب الفرس.

أما تشيّع شعوب بلاد فارس، كالفرس واللر والآذريين والكرد والتركمان والأوزبك والطاجيك والبلوش والبشتون؛ فإنه جرى على مراحل طويلة، استمرت ما يقرب ألف سنة، وعلى النحو التالي:

  • القسم الأول تشيّع خلال القرن الأول الهجرية عن طريق الصحابة والتابعين الشيعة الذين رافقوا عمليات الفتح أيام الخلفاء الراشدين، كسلمان الفارسي، وهم الشيعة الأوائل الذين تركزوا في شرق العراق، وأغلبهم من اللر والفرس.
  • المتشيعون خلال القرون الأول الى الثالث الهجرية، نتيجة معايشتهم العلويين والشيعة المهجرين والمهاجرين الى بلاد فارس، من الذين نالهم الاضطهاد على يد الدولتين الأموية والعباسية، ومنهم خمسون ألف علوي وشيعي، هجّرهم زياد بن أبيه من الكوفة إلى طوس وسبزوار (خراسان) والري (جنوب طهران) وطبرستان (مازندران)، فكان لهؤلاء أكبر الأثر في نشر التشيع وفكره في البلاد.
  • الذين تشيعوا خلال القرنين الأول والثاني عن طريق عملية التبليغ المستدام التي قام بها أهل الكوفة الأشعريين الذي هاجروا الى إيران وأسسوا مدينة قم، فكانت قم وأغلب المناطق المحيطة بها هم من الشيعة.
  • من تشيع على يد العرب المهاجرين الى منطقة خوزستان الإيرانية، وخاصة مدينة الأهواز، وهي منطقة يسكنها اللر غالباً، وذلك خلال القرون الأولى الى الثالث الهجرية، ولذلك؛ كانت أغلب مناطق غرب إيران، بقومياتها العربية واللرية والفارسية هم من الشيعة.
  • الذين تشيعوا خلال القرن الثالث الهجري نتيجة قيام العلويين (ذرية أئمة آل البيت) المهاجرين والمهجرين، بتأسيس أول دول إسلامية شيعية في التاريخ، وكان أولها دولة العلويين الحسنيين في طبرستان (شمال إيران) في العام 250 ه، وهي أول دولة إسلامية شيعية في التاريخ.
  • تشيع خلال عصر الدولة البويهية الشيعية في القرنين الرابع والخامس، حيث تطور الواقع الشيعي في إيران حينها تطوراً نوعياً، عبر تعاون الحكام البويهيين مع علماء الشيعة في نشر التشيع في مناطق وسط وغرب إيران، حتى بات أكثر من نصف سكان بلاد فارس من الشيعة حتى القرن التاسع الهجري (القرن الرابع عشر الميلادي).

وقد كانت أغلب الكتل البشرية العربية التي هاجرت أو هُجّرت قسراً الى إيران، وخاصة الى الأهواز والري وطبرستان وسبزوار وخراسان، كانت شيعية، وقد ذابت هذه الكتل، لغوياً وقومياً، في القوميات الإيرانية التي كانت في تلك المناطق، باستثناء خوزستان التي بقي أغلب مهاجروها العرب الشيعة، عرباً، نتيجة محاذاة هذه المنطقة الى العراق، واستحال العرب المهاجرون الى بلاد فارس، فرساً أو كرداً أو لراً أو آذريين، لكن بعضهم ظل يحمل الألقاب والأنساب العربية، وخاصة العلويين السادة المنتشرون في كل منطقة من مناطق إيران.

واستقر توزيع أتباع المذاهب الإسلامية على خارطة بلاد فارس خلال القرن التاسع الهجري (القرن الرابع عشر الميلادي)، أي قبل تأسيس الدول الصفوية، يميل بوضوح لمصلحة الشيعة، فقد كانوا الأكثرية في أقاليم خراسان وطبرستان ولرستان وخوزستان وشيراز وقم والري والديلم، في حين كان أتباع المذهب الحنفي يتركزون في أردبيل، ويتواجدون في خراسان والري، والشافعية يتركزون في كرمان ويتواجدون في خراسان، كما يتواجد الشافعية في خراسان والأهواز، والحنابلة في رامهرمز والري، والمالكية في الأهواز.

أما القسم الأخير من شعوب بلاد فارس؛ فقد تشيع خلال حكم الدولة الصفوية، خلال القرون العاشر الى الثاني عشر الهجري (الخامس عشر الى السابع عشر الهجري)، وعلى يد الدعاة الشيعة العرب، إذ استعانت الأسرة الصفوية بفقهاء ومبلغين عرب قدموا من العراق ولبنان والبحرين، وأعلنت المذهب الشيعي مذهباً رسمياً للدولة. والأسرة الصفوية هي أسرة عراقية عربية علوية تعود بنسبها الى الإمام موسى الكاظم، وكان أجدادها يقيمون في شمال شرق العراق، ثم هاجر بعضهم الى إقليم أردبيل في إيران، وأصبحوا يتحدثون اللغة الآذرية التركية، كعيرهم من المهاجرين العرب اللذين ذابوا لغوياً في القوميات الإيرانية.

ونعيد القول؛ بأن ذكر هذه الحقائق بلغة البحث التاريخي العلمي، وبعيداً عن تسييس الموضوع والحرب الدعائية ولغة المهاترات والجدل الساذج الذين تصر عليه ماكنة التشويه الطائفية الشوفينية، لا يعني بأي شكل من الأشكال ترجيح قومية مسلمة على أخرى إطلاقاً، لأن الانتساب للعرب أو إلى أية قومية أخرى ليس ميزةً في معيار الإسلام، ولا مدعاة للفخر أو التمييز العرقي أو علو الشأن والقيمة.

 

latest video

news via inbox

Nulla turp dis cursus. Integer liberos  euismod pretium faucibua

Leave A Comment