الإكليروس بين النظام الثيوقراطي والنظام الديني الإسلامي

Last Updated: 2024/04/02By

الإكليروس بين النظام الثيوقراطي والنظام الديني الإسلامي

د. علي المؤمن

هذا المحور هو من أهم محاور التعارض بين الأنظمة الثيوقراطية والنظام السياسي الإسلامي الحديث وأكثرها دقة وعمقاً، إذ إن موقع المؤسسة الدينية ودور رجال الدين في كلا النظامين يختلف اختلافاً جوهرياً. ففي النظام الثيوقراطي (الذي يمثل تعاليم الكنيسة) يشكل رجال الدين (الإكليروس) طبقة متميزة – تماماً – من المجتمع في سلطتها ووضعها المعيشي وفي إمساكها بمفاصل الدولة بالكامل، ليس من منطلق التخصص بالشريعة أو الكفاءة العلمية أو الإدارية؛ بل لأنها طبقة حاكمة مفروضة، تمارس سلطة مطلقة، تنافس سلطة الإمبراطور أحياناً، وإن كانت تكمّلها وتعضّدها عادة. ومن أبرز ما أفرزته سلطة رجال الكنيسة ما عرف بمحاكم التفتيش التي تحاكم على النيات والظن وتصادر أي فكر أو ممارسة يشك في تعارضهما مع تعاليم رجال الدين أو تعاليم الإمبراطور.

وتسبب هذا الواقع بالصراع العميق والعنيف بين الدولة والكنيسة من جهة والمجتمع من جهة أخرى، وهو ما أفرز الفكر الغربي الحديث، المؤسس على الأفكار اللا دينية والعلمانية والإلحادية، بما في ذلك فصل رجال الدين عن أي سلطة زمنية أو مدنية، وفصل العقيدة والشريعة والأخلاق عن الدولة وأجهزتها وحركتها وعن العمل السياسي والسياسة عموماً، ورفض أي نوع من أنواع المجتمع الديني إلا في حدود الكنيسة فقط، ثم تأسيس النظم السياسية والاجتماعية والاقتصادية الحديثة على أنقاض ذلك الصراع، وأبرزها الديمقراطية والليبرالية والرأسمالية، إضافة إلى نظم أخرى، كالدكتاتوريات الفردية والدكتاتوريات الطبقية (الماركسية)، والتي كانت بمجملها ردود أفعال وردود أفعال مضادة، وباختصار، فقد كان الحكم المسيحي أو المجتمع المسيحي أو الحكم الديني يعني حكم رجال الدين المسيحيين أو طبقة رجال الكنيسة.

أما في النظام الإسلامي فلا وجود لحكم رجال الدين؛ بل لا وجود لمصطلح رجال الدين، لأن هذا المصطلح مستورد من الغرب ومترجم عن مفهوم طبقة الإكليروس في النظام الثيوقراطي المسيحي. وفي الإسلام كل مسلم هو رجل دين، وهناك علماء دين هم المتخصصون بالشريعة، وهؤلاء ليسوا طبقة، وإن كان لهم دور متميز في النظام الإسلامي، والحكم الإسلامي هو حكم الشريعة وليس حكم علماء الدين. وعلماء الدين يمارسون دورهم في النظام الإسلامي من خلال تخصصهم بالشريعة، وفي مواقع محددة، يكون فيها للتخصص الفقهي مدخليته وليس في كل حركة النظام، أي إنهم جزء من النظام وليس كل النظام وليسوا هم النظام، ولا تختص المسؤوليات والمناصب فيه بهم. وهو ما يعبّر عنه الإمام الخميني بقوله: «هل يمكن أن يكون هناك إسلام دون علماء دين؟ وهل يمكنكم أن تفعلوا شيئاً دون وجود العلماء؟… إن قبول الإسلام من دون علماء دين كالقول بقبول الإسلام من دون سياسة… فلا يمكن أن يكون إسلام دون علماء دين، فالنبي نفسه كان عالم دين، لقد كان أعظم علماء الدين وعلى رأسهم طراً».

فوجود علماء الدين في الإسلام ضمان باستمرار العمل بالشريعة في المجتمع، ووجودهم في النظام الإسلامي ضمان لتطبيق قوانين الشريعة في حركة الدولة، وذلك من منطلق تخصصهم. وهو ما يعيد تأكيده الإمام الخميني بقوله: «لا تقولوا: نحن نريد الإسلام من دون علماء الدين؛ بل قولوا: نريد الإسلام وعلماءه أيضاً. إذا أردتم أن تكونوا أنتم المتصدين لوحدكم من دون علماء الدين فستبقون خاضعين للآخرين [الأجانب] إلى يوم القيامة… لا ترفضوا هؤلاء العلماء، فهم طاقة لا حدود لها، وقوة لا تنتهي، وهي قدرة الشعب وقوته، فلا تتخلوا عن قوة الشعب هذه». ويقول – أيضاً – موضحاً على نحو الدقة طبيعة الدور العملي لعلماء الدين في النظام الإسلامي: «إن لعلماء الدين دورهم وللحكومة دورها أيضاً، فعالم الدين لا يريد أن يصبح حاكماً، لكنه يريد أن يكون له دور.. إن لعالم الدين دوره، ويجب أن يقوم بهذا الدور، وغير واجب أن يكون رئيساً للجمهورية، ولكن يمكنه أن يقوم بدور في موضوع رئاسة الجمهورية، فينبغي له أن يمارس الإشراف والرقابة، فهو يقوم بذلك نيابة عن الشعب. ليس ضرورياً أن يكون عالم الدين رئيساً للحكومة، ولكنه يؤدي في الدولة دوراً مهماً، فإذا أراد رئيس الحكومة أن ينحرف فإن العالم يمنعه من ذلك».

 

latest video

news via inbox

Nulla turp dis cursus. Integer liberos  euismod pretium faucibua

Leave A Comment