الأنبياء الأوربيون وجحود الغرب

Last Updated: 2024/04/02By

الأنبياء الأوربيون وجحود الغرب

د. علي المؤمن

الأوربيون والروس، شعوب عريقة، يعود وجودها الى آلاف السنين، ولا يقل عمر تبلور كياناتها الإجتماعية والسياسية عن عمر الشعوب الشرق أوسطية والشرق آسيوية. ورغم ذلك؛ لم يُعرف لديهم أنبياء، ولم يؤسسوا ديانات سماوية أو أرضية دانوا بها، ولا تزال قائمة. وكان إرثهم الديني القديم عبارة عن مثيولوجيا أسطورية وطوطمية وطبيعية ووثنية، لكنه خلال قرون معدودة إستحال إرثاً إبراهيمياً خالصاً، ومسيحياً عبرانياً تحديداً. وباتت الديانات التي يتبعونها فلسطينية وعربية، أي اليهودية والمسيحية والإسلامية.

فأين الأنبياء الأوربيون؟ وأين دياناتهم؟. وهل مقبول عقلاً ونقلاً أن البيئة الأوروبية لا تنتج نبوات وديانات توحيدية؟

المعتقدات الدينية للسلافيين والفايكنغ والجرمان والإنجل والسكسون والإغريق والرومان وسكان الأمريكتين الأصليين، انهارت، ولم يبق من تعاليمها وشرائعها ورموزها ما يشكل ديناً يتبعه أحد من سكان الكرة الأرضية، ولا يوجد ذكر لأنبيائها وأوليائها ومصلحيها الدينيين السابقين على ظهور الديانات الإبراهيمية الثلاث. وحتى الفلاسفة الإغريق الذين لا تزال أفكارهم حاضرة، وعاشوا في الفترة مابين ظهور الديانتين اليهودية والمسيحية، كإفلاطون وأرسطو وإفلوطين وسقراط، ظلوا فلاسفة، ولم يدّعوا النبوة، بل كان بعضهم ملحداً.

وعدا عن الأنبياء الفلسطينيين والأردنيين والعراقيين والعرب الجزيريين؛ فقد ظهر في آسيا وشرقها أنبياء أيضاً ومصلحون دينيون كبار، سواء في إيران أو اليابان أو الصين أو الهند، ولا يزال مليارات البشر يدينون بالديانات والفلسفات البوذية والكنفوشيوسية والطاوية والهندوسية والزرادشتية، ولا تزال التعاليم الدينية لـ “بوذا” و”زرادشت” و”فياسدف” و”كنفوشيوس” و”لاوتسي” وغيرهم، حاضرة بقوة في آسيا، ويزيد أتباعها على ثلاثة مليارات نسمة.

ويؤكد النص القرآني بأن الله لم يترك أمة وشعباً إلّا وبعث لها نبياً، أي أن بعثة الأنبياء لا يمكن أن تقتصر على غرب آسيا: العراق، فلسطين، الأردن، إيران وشبه جزيرة العرب، وشرقها: الصين، اليابان والهند. أما لماذا لم يذكر القرآن الكريم غير أنبياء غرب آسيا، ولماذا لم يذكر البوذية والهندوسية والكنفوشيوسية والمانوية كديانات سماوية؛ فلذلك مقالات آخرى سأنشرها مستقبلاً. بيد أن الإشكالية التي نبحثها هنا لا علاقة لها بما ذكره القرآن الكريم، بل بما وصل الينا من موروث ديني أوروبي، فالقرآن لم يذكر أيضاً بوذا وكونفوشيوس وفياسدف، لكن دياناتهم كانت ولاتزال قائمة وقوية ومنتشرة. بينما لم يعد لأنبياء أوروبا ودياناتها التوحيدية أي ذكر وحضور.

ولم يكن وضع الأوربيين من الناحية الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية والحضارية في عصور قبل نوح وإبراهيم وموسى مختلفاً عن شعوب آسيا، فهناك شعوب أوربية كانت متقدمة مدنياً، وتعيش ظروفاً تشابه العراق وفلسطين وسوريا ومصر وإيران والصين واليابان والهند، كما كانت هناك شعوباً متخلفة وتعيش فساداً وانحطاطاً يشابه كثيراً من شعوب غرب آسيا التي بعث الله اليها الأنبياء.

الأوروبيون يختطفون المسيحية

حين دان الأوربيون بالديانة المسيحية، فإنهم حوّلوا المسيحية الى ديانة أوروبية متضامنة مع الإمبراطوريات و الملكيات والاقطاعيات في أوربا، أي أنهم أخضعوا المسيحية للنظام الاجتماعي السياسي السائد في أوربا، ولم تؤثر المسيحية في واقعهم الروحي والأخلاقي والاجتماعي، بل استحال السيد المسيح نفسه ملكاً أو أميراً أو فيلسوفاً إغريقياً ورومانياً وجرمانياً وانكلوسكسونياً في شكله وهيئته التي تصوِّرها التماثيل واللوحات القديمة، والأفلام السينمائية الحديثة؛ فالمسيح الأوروبي رشيق طويل، أبيض البشرة، أزرق العينيين، أشقر الشعر، صغير الفم، إغريقي الأنف، وهي مواصفات لا تنطبق بتاتاً على سكان فلسطين من الكنعانيين والعبرانيين وغيرهم.

وإذا كان الأوربي بطبيعته وتكوينه التاريخي، شخصية متعالية ومستكبرة وطامعة؛ فلماذا اضطر الى الأخذ بديانة شعوب كانت مستعمرة ومستعبدة؟!؛ فالرومان الغزاة ـ مثلاً ـ الذين كانوا يحتلون بلاد الشام في عصر الإمبراطور قسطنطين، كانوا أول من آمن بالديانة المسيحية، وتخلوا عن الديانة الرسمية الوثنية، بعد قرون من الاضطهاد الذي مارسوه ضد المسيحيين

قام الرومان الأوروبيون باختطاف الديانة المسيحية، وزاوجوا بينها وبين موروثهم الديني الوثني، ودوّن المجمع المسكوني الأول في روما تعاليم الديانة المسيحية الجديدة، بعد أربعة قرون على بعثة السيد المسيح، وأصبح الإمبراطور قسطنطين ملكاً قديساً رسولاً، واستطاع من خلال سلطته الكنسية أن يفرض سيطرته على كل أراضي الدولة الرومانية الشرقية والغربية، وباتت معارضته معارضةً للأب والإبن والروح القدس.

حينها بدأت ديانة الإمبراطورية الرومانية، أي المسيحية الأوربية الجديدة، تفرض تعاليمها على المسيحيين الأصليين في غرب آسيا، وتضطهد من يعارضها منهم، وتحرق كنيسته وتقتله. وبالتدريج باتت المسيحية الرومانية الممثل المطلق للمسيحية، والطوطم الرابح الذي يغزون تحت رايته أراضي الشعوب الأخرى. وبات ما يعرف باضطهاد المسيحيين في دول أوربا الأخرى، والتبشير بالمسيحية، ذريعة بيد الرومان لتوسيع امبراطوريتهم، واحتلال الشعوب الأوربية الأخرى، وفرض المسيحية الرومانية عليها. وكل هذا يسقط فرضية تأثر الإمبراطور قسطنطين بوالدته المسيحية “هيلانة”، ويعزز فرضية الأطماع الأوروبية التوسعية، واستخدامها المسيحية مسوغاً للسيطرة على أراضي الشعوب الاخرى واستعبادها.

ولذلك؛ فإن الصراعات الدموية بين الشعوب الأوروبية كانت تمنع ظهور ديانة أوروبية عالمية أو نبي أوروبي عالمي فيها، لأن هذا النبي الأوربي سيرجِّح شعباً أوروبيّاً على آخر، ويكون مدعاة للتمدد الاستعماري، بذريعة نشر الديانة. فكانت الشعوب الأوروبية تنغلق على دياناتها المحلية، وهي وثنية غالباً، لأنها تنسجم مع طبيعة النظام الإجتماعي السياسي لكل شعب.

ولم يتخلص من هذا الانغلاق سوى الإمبراطور الروماني قسطنطين، الذي وجد في المسيحية ديانة أجنبية غير أوربية، وتنتمي الى شعب يحتله هو ويضطهده، ويمكنه بسهولة اختطاف هذه الديانة و استغلالها واستخدامها واستثمارها، وتحويلها الى ديانة عالمية بزعامة رومانية. وبذلك يسقط في يد الأوروبيين ما يمكن أن يحتجوا به من أن الإمبراطورية الرومانية تريد نشر ديانتها المحلية الرومانية. وكأن قسطنطين أراد أن يقول للعالم: لا أريد من استعماري لكم سوى نشر التعاليم الروحية والاخلاقية لديانة السيد المسيح؛ فهي ديانة لا تمت لروما والقسطنطينية بصلة، ولا تنتمي الى المثيولوجيا الرومانية.

وما لبثت المسيحية الرومانية المتحولة أن انتشرت في جميع البلدان الأوروبية، وسار على نهج قسطنطين جميع أباطرة الغرب من بعده، وباتت ديانة أوروبية ليس في نكهتها العامة، بل حتى في جوهرها. ثم حمل القساوسة الأوروبيون المستعمرون ديانتهم هذه الى أفريقيا والأمريكتين واستراليا وشرق آسيا، برفقة القوات المسلحة الاستعمارية البرتغالية والإسبانية والفرنسية والبريطانية والبلجيكية والأمريكية والهولندية، وحينها لم تقتصر الديانة المسيحية الأوروبية على كونها ديانة أوروبية سلطوية، بل باتت ركيزة من ركائز الاستعمار الأوروبي.

المفارقة؛ أن المسيحية الأوروبية الاستعمارية اتجهت نحو غرب آسيا، حيث بلاد المسيحية الأصلية النقية، وعمدت منذ الحروب الصليبية وحتى الاستعمار الحديث، الى اقتلاع المسيحية الأصلية من منابتها بالقوة القاهرة، واستبدلتها بالمسيحية الأوروبية. وبات المسيحيون الأصلاء في فلسطين وسوريا ولبنان ومصر والعراق وغيرها، مجبرون على اتّباع الكنيسة الكاثوليكية والكنيسة البروتستانتية والكنيسة الأرثذوكسية أو الكنيسة الإنجليكانية وغيرها، وهي كنائس أوروبية تكوّنت محلياً، نتيجة لإفرازات البيئة السياسية الأوروبية وصراعاتها الداخلية وانشقاقاتها السلطوية.

وهو ما فعلته الدول الأموية والعباسية والعثمانية أيضاً، حين نشرت دينها السلطوي الاستعماري المحرّف، بهدف الإستيلاء على أراضي الغير، واستعباد الشعوب، وهو دين يختلف عن دين الرحمة والإنسانية والأخلاق ورفض الإكراه الذي بشّر به رسول الله محمد، وتمسك به آل بيته (سنأتي على هذا الموضوع في دراسات قادمة).

latest video

news via inbox

Nulla turp dis cursus. Integer liberos  euismod pretium faucibua

Leave A Comment