اطلاق صفة عشيرة او قبيلة على أسر السادة

Last Updated: 2024/04/01By

مفارقات في الثقافة المجتمعية العراقية المستحدثة: ترييف الحواضر

د. علي المؤمن

في مفارقة مستحدثة، بات بعض الأوساط الشعبية، خلال الثلاثين عاماً الأخيرة، يطلق صفة عشيرة أو قبيلة على الأسر والبيوت النجفية أو الكربلائية أو البغدادية، بمن فيهم أسر السادة والأسر العلمية والدينية؛ برغم أنها أسرٌ وبيوت وعوائل وآل وآلبو، وليست عشائر، وفق العرف الحضري المدني الثابت، وإن تضخّم عدد أبناء هذه الأسر وتوسعت مساحات سكناهم.

هذه النزعة الشعبوية لم تكن موجودة في العراق عموماً والنجف الأشرف خصوصاً، قبل قرار نظام البعث بترييف الاجتماع المدني العراقي في التسعينات، ولا سيما الاجتماع النجفي، وفرض شيخ عشيرة على كل أسرة، بمن فيهم السادة، من منطلقات سياسية وأمنية وعنصرية.

فقبل تلك الحقبة كان يقال مثلاً: بيت الخرسان وبيت الحكيم وبيت المؤمن وبيت الرفيعي وبيت شبّر، أو آل الحمامي وآل بحر العلوم وآل الحلو، أو السادة الغريفيين والسادة الأعرجية والسادة الياسرية والسادة العوادية، ولم يكن هناك شيء اسمه عشيرة الصافي أو عشيرة زيني أو عشيرة سيد سلمان، بل بيت زيني وآل الصافي وآلبو سيد سلمان.

وعادة ما يكون على رأس هذه الأسر عالم دين أو وجيه يسمى عميد أو كبير الأسرة، وليس شيخ عشيرة. ولكن الطريف أنّ بعض أسر السادة في النجف والعراق أصبح لديهم شيخ عشيرة بعد التسعينات. فكيف يكون كبير أسرة السادة شيخاً؟!. والأكثر غرابة أن أصبح عند بعض السادة أيضاً شيوخ أفخاذ وشيخ مشايخ!.

وحتى في البلدان الأخرى العربية وغير العربية التي عشت فيها؛ لم أسمع من يطلق مفردة العشيرة على أسر السادة الأشراف أو العلويين، سواء الأسر العلوية السنية أو الشيعية؛ إذ لا تطلق هذه الأسر على نفسها صفة عشيرة أو قبيلة؛ بل أسرة أو عائلة أو بيت أو آل. ففي لبنان ـ مثلاً ـ يقولون: بيت الموسوي وآل الأمين وآل فضل الله، ولا يقولون عشيرة الحسيني أو عشيرة مرتضى أو عشيرة بدر الدين، رغم أن بعض هذه الأسر كبيرٌ من الناحية العددية.

بل، لا يصح في النجف إطلاق صفة عشيرة حتى على الأسر والبيوت النجفية من غير السادة أيضاً، رغم أنهم امتداد لعشائر وقبائل كبيرة موجودة خارج النجف. فلا يقال عشيرة كاشف الغطاء، رغم أنها امتداد لعشيرة آل عِلي المالكية، ولايقال عشيرة سعد راضي، رغم أنها امتداد لقبيلة شمّر، و لا يقال عشيرة الطريحي، رغم أنها امتداد لقبيلة بني أسد، بل يقال آل كاشف الغطاء وآلبو كلل وبيت مرزه وبيت محبوبة وآلبو غنيم وبيت جبرين وبيت الملحة وبيت شمسة وبيت كمونة وآلبو عجينة وآل سميسم وآل الأعسم وآلبو الشمرتي وبيت صبي. بل حتى العشائر النجفية الكبيرة عدداً ظلت تصف نفسها بصفة آل أو آلبو، مثل آلبو عامر وآلبو العكايشي وآلبو صيبع.

أما في المجتمعات العشائرية، سواء في المدن أو الأرياف، فمن الطبيعي جداً إطلاق صفة العشيرة أو القبيلة أو الإمارة على التجمعات النَسبية الكبيرة غير العلوية، وهو تعبير عن الحجم العددي الكبير والانتشار الجغرافي الواسع، كإمارة ربيعة وقبيلة الجبور وعشيرة المياح وبني لام وقبيلة تميم وإمارة شمّر.

المفارقة الطريفة الأخرى، هي في بعض الأسئلة التعريفية المستوردة، فقبل التسعينات لم يكن أحد في النجف وغيره من الحواضر العراقية يسمع هذا السؤال: ((أنت مِن يا عمام؟))، أو ((مِن يا عشيرة؟))، بل كان السؤال: ((أنت مِن بيت مَن؟))، أو ((مِن يا بيت؟)) أو ((مِن يا عائلة؟)).

هذه الأسئلة الجديدة وتلك المتغيرات المصطلحية هي تعبير عن ثقافة مستجدة وافدة، وعادات وتقاليد مغايرة، وليس مجرد تغيير عابر في اللهجة أو اللغة أو العادات والتقاليد. ولذلك باتت هذه التحولات الثقافية المجتمعية القهقرائية مدعاةً لاستشعار الإنسان غربته في بيته؛ لأنها لم تأت في إطار تطور تلقائي وتجدد تراكمي طبيعي.

قد يحتج بعض المعترضين بالآية الكريمة ((وانذر عشيرتك الأقربين))، لكن حديثي هنا ينحصر في العرف السائد منذ مئات السنين في النجف وغيرها من الحواضر العراقية الرئيسة، وليس في الجانب اللغوي أو العقدي، وهو عرف ظلّ ثابتاً، الى أن عمل نظام صدام على تغييره في التسعينات من منطلقات سياسية وأمنية وعنصرية، ولايزال بعض السادة والأسر يخطئ في اعتماده، أما غفلة و إما تماشياً مع موجة ثقافة التسعينات الوافدة.

 

 

latest video

news via inbox

Nulla turp dis cursus. Integer liberos  euismod pretium faucibua

Leave A Comment