استنفار المنظومة الطائفية الحديثة

Last Updated: 2024/05/11By

استنفار المنظومة الطائفية الحديثة

د. علي المؤمن

 

الجغرافيا الحديثة والمعاصرة لأتباع المذاهب الإسلامية

بعد مخاضات وصراعات وتحولات متراكمة في حركة انتشار المذاهب الإسلامية؛ استقرت خارطة المذاهب منذ القرن الحادي عشر الهجري (القرن السابع عشر الميلادي) وحتى القرن الخامس عشر الهجري (القرن الواحد والعشرين الميلادي)، على النحو التالي (وفق تقديرات العام 2024):

1- المذاهب السنية، وترتكز عقيدتها على عدم الإيمان بالنص على خلفاء الرسول، وأن الخلافة تصح كيفما يرتئي المسلمون، وليس كما حدد القرآن والرسول، فأساليب الانتخاب العام، والانتخاب المحدود، والوصية من الخليفة السابقة، والوراثة الملكية، والغلبة (الانقلاب العسكري أو الحرب أو اغتيال الخليفة والجلوس على عرشه)؛ كلها أساليب شرعية وجائزة، وتحقق للخليفة أو السلطان الجديد الشرعية الدينية لأن يكون خليفة رسول الله وإمام المسلمين وولي أمرهم وأمير المؤمنين، حتى وإن كان أُمّياً وضعيفاً وفاسداً وارتكب كل أنواع الكبائر، وبذلك فإن خلافة الخلفاء الراشدين الأربعة وخامسهم الإمام الحسن، وملوك بني أمية وبني العباس وبني عثمان؛ كلها شرعية وصحيحة، وأن الأفضلية بين الخلفاء الراشدين الأربعة تقوم على أساس تسلسل تسمنهم منصب الخلافة، وأن صحابة الرسول كلهم عدول، وأن الإمام علي ومن خرج عليه من الصحابة خلال فترة خلافته؛ كلهم على حق، ولا يجوز القدح بأي منهم، وأن كتب الصحاح الحديثية الستة هي مصادر الدين والتدين والشريعة بعد القرآن، وأن العقيدة الأشعرية والسلفية هما العقيدتان الصحيحتان، وأن العقيدة والفقه والتاريخ الصحيح الذي يمثل الإسلام هو ما عليه أتباع المذاهب السنية، لأنهم هم أهل السنة والجماعة، ومن ليس معهم فهو خارج الجماعة. والمذاهب السنية هي أربعة:

  • المذهب الحنفي، الذي أسسه الإمام أبو حنيفة النعمان، ويبلغ أتباعه حوالي 40 بالمائة من إجمالي عدد المسلمين، أي ما يقارب (800) مليون مسلم، ويشكلون أكثرية المسلمين في بلاد الشام وتركيا وأفغانستان وشبه القارة الهندية وشرق آسيا.
  • المذهب المالكي، الذي أسسه الإمام مالك بن أنس، ويبلغ أتباعه حوالي 18 بالمائة من إجمالي عدد المسلمين، أي ما يقارب (360) مليون مسلم، ويشكلون أكثرية المسلمين في بلدان شمال أفريقيا وأفريقيا السوداء، باستثناء مصر، وبعض بلدان الخليج.
  • المذهب الشافعي، الذي أسسه الإمام الشافعي، ويبلغ أتباعه حوالي 14 بالمائة من إجمالي عدد المسلمين، أي ما يقارب (280) مليون مسلم، وينشرون في أغلب بلاد المسلمين.
  • المذهب الحنبلي، الذي أسسه الإمام أحمد بن حنبل، ويبلغ أتباعه حوالي 5 بالمائة من إجمالي عدد المسلمين، أي ما يقارب (100) مليون مسلم، وينتشرون في السعودية وبعض بلدان المسلمين، وتشكل الفرقة الوهابية أكثرية أتباع المذهب الحنبلي.

2- المذاهب الشيعية: وترتكز عقيدتها على الإيمان بالنص النبوي على خلفاء الرسول، وليس كما يرتئي المسلمون في، وهؤلاء الخلفاء هم الأئمة، الذين يعدونهم معصومين مطهرين، كما نص القرآن والرسول، وأن من تسلم زمام الأمور بعد الرسول من الخلفاء، باستثناء الإمامين علي والحسن، ليسوا حكام شرعيين، لأنهم سلبوا حق الإمام علي وآل البيت، الذي هو حق إلهي وفق النص النبوي، وليس موضوعاً للخلاف السياسي أو تنافساً على السلطة، وأن كل أولئك الخلفاء هم حكّام الأمر الواقع، وقد كان آل البيت يتعاملون معهم وفق هذا التوصيف، حرصاً على سلامة المسلمين وأمنهم، وأن كل أساليب الوصول الى السلطة، غير المنصوص عليها دينياً هي باطلة وغير شرعية، وإن أهم شروط الخليفة بعد النص هي العصمة والعلم، وأن العصمة هي مطلق الاستقامة والعدالة والتقوى والعبودية لله، وأن صحابة الرسول فيهم العادل وفيهم الذي تعارض سلوكه مع العدالة، وخاصة الذين حاربوا الإمام علي، وإن خلافة بني امية وبني العباس لم تكن باطلة شرعاً وحسب، بل أن سلوكهم السياسي والعسكري والشخصي، كان يتعارض مع أبسط تعاليم الإسلام وأخلاقياته، أما من ناحية تفسير القرآن ونصوص الحديث والقضايا العقدية والفقهية؛ فإنهم لا يأخذونها إلّا من الأئمة، وسلسلتهم الموصولة الى النبي، ويعدون عقيدتهم وفقههم وتاريخ أئمتهم هو الذي يمثل الإسلام، وأن من أسس التشيع هو الإمام علي، وبلور عقائده وفقهه الإمام محمد الباقر، وأظهره ونشره الإمام جعفر الصادق. والمذاهب الشيعية هي ثلاثة:

  • المذهب الإمامي الإثني عشري، ويسمى “المذهب الجعفري” نسبة الى الإمام جعفر الصادق، حفيد رسول الله. ويشكل أتباع المذهب الجعفري حوالي 20 بالمائة من إجمالي عدد المسلمين، أي ما يقرب من (400) مليون نسمة، وهم بذلك ثاني مذهب إسلامي من الناحية العددية بعد المذهب الحنفي، وهم الأكثرية السكانية في إيران والعراق والبحرين ولبنان وآذربيجان. وينضوي العلويون ـــ المعروفون خطأً بالنصيرية ــ ضمن المذهب الجعفري الإثني عشري، وهم منتشرون بكثافة في تركيا وإيران وبلاد الشام.
  • المذهب الإسماعيلي، الذي ينسب الى السيد اسماعيل ابن الإمام جعفر الصادق (ت 145 ه)، ويبلغ عدد أتباعة (30) مليون نسمة، ينقسمون الى فرقتين: الأغاخانية النزارية والبهرة الطيبية، وينتشرون في شبه القارة الهندية والجزيرة العربية وبلاد الشام.
  • المذهب الزيدي، الذي ينسب الى الإمام زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، وهو عم الإمام الصادق، ويبلغ عدد اتباعه عشرة ملايين نسمة، ويتركزون في اليمن.

3- المذهب الإباضي، الذي أسسه الإمام عبد الله بن إباض، وهو ينتسب تاريخياً الى فرقة الخوارج، ويبلغ عدد أتباعه عشرة ملايين نسمة، وهو مذهب الأكثرية المسلمة في سلطنة عمان.

4- الفرق المستقلة: وهي فرق لها معتقداتها الخاصة، التي جعلتها ـ غالباً ـ خارج المعتقدات العامة للمذاهب الإسلامية، لكن أتباعها مسلمون وفق ما يحتجون به على الآخرين:

  • الجماعة الأحمدية القاديانية، التي أسسها ميرزا غلام أحمد قادياني (ت 1908 م)، وهو هندي من البنجاب، أدعى أنه المهدي المنتظر والمسيح العائد، ودوّن عقائد خاصة به، وكان ينتسب الى المذهب الحنفي قبل انشقاقه، ويبلغ عدد أتباعه حوالي (8) ملايين نسمة، ينتشرون في الهند وباكستان وبنغلادش وبعض بلدان افريقيا واوروبا.
  • الطائفة الدرزية، المنسوبة الى الشيخ محمد بن إسماعيل نشتكين الدرزي (ت 410 ه)، وهو فارسي من خراسان، ويطلق أتباعها على أنفسهم: “الموحدون”، ولهم اجتماعهم الديني الخاص، وهي طائفة منشقة عن المذهب الإسماعيلي الشيعي، ويبلغ عدد أتباعها حوالي مليوني نسمة، ينتشرون في سورية ولبنان وفلسطين.

دخول الاستعمار الغربي على خط المنظومة الطائفية

استثمر الاستعمار الغربي، بمختلف مسمياته، عوامل التفرقة والخلاف التاريخي بين المسلمين، وعمل على إحياء ما اندثر منها، ليشكل بذلك العامل الخارجي الذي تكامل مع العامل الداخلي المتمثل في مسيرة المنظومة الطائفية عبر التأريخ الإسلامي(1)، ولتتبلور المسألة الطائفية في صيغتها الحالية خلال القرون الأخيرة، بالصورة التي يطمح إليها المخطط الاستعماري الشامل(2). ويعود المخطط الاستعماري لاستثمار عناصر الفرقة بين المسلمين وتعميقها، إلى عصر الحروب الصليبية، فهناك وثيقة قديمة محفوظة بدار الوثائق القومية في باريس، يقول فيها ملك فرنسا لويس التاسع (ت1270): ((لا يمكن الانتصار على المسلمين من خلال الحرب، وإنما يمكن الانتصار عليهم بواسطة السياسة باتباع ما يلي:

((1- إشاعة الفرقة بين قادة المسلمين، وإذا حدث فليعمل على توسيع شقتها ما أمكن حتى يكون هذا الخلاف عاملاً في إضعاف المسلمين.

2- عدم تمكين البلاد الإسلامية والعربية أن يقوم فيها حكم صالح.

3- إفساد أنظمة الحكم في البلاد الإسلامية بالرشوة والفساد والنساء، حتى تنفصل القاعدة عن القمة))(3).

وبقيت ثوابت المخطط المعادي للإسلام تنتقل من جيل إلى آخر، حتى وصلت الأجيال الاستعمارية المتأخرة، التي حافظت على تلك الثوابت، وعملت على تطوير قواعدها الفكرية ووسائل تنفيذها. وتمثلت أهم مفردات المخطط المذكور، في جانبها السياسي، في الحيلولة دون قيام دولة إسلامية عادلة متطورة، أو إسقاطها عند قيامها بمختلف الوسائل، والحيلولة دون بروز قائد إسلامي عالمي، يأخذ على عاتقة رأب الصدع في صفوف المسلمين، والسير بهم باتجاه أهدافهم.يقول المستشرق البريطاني مونتغمري وات: «إذا وجدنا القائد المناسب الذي يتكلم الكلام المناسب عن الإسلام، فإن من الممكن لهذا الدين أن يظهر كإحدي القوي السياسية العظمي في العالم مرّة أخري»(4).

وهكذا بقي الاستعمار في مواجهة حضارية شاملة مع المسلمين، على المستويات العقائدية والإجتماعية والسياسية والإقتصادية والعسكرية. وكان من آثار هذه المواجهة استغلال فساد الدولة العثمانية التي كانت تزعم أنها تمثل الرمز الإسلامي الذي يوحّد المسلمين شكلياً، وتحويلها الى بؤرة لضرب الإسلام والمسلمين، عبر الأحزاب العلمانية المتغربة التي هيمنت عليها منذ نهايات القرن التاسع عشر. إضافة الى زرع الأفكار المنحرفة، وتحويلها إلى تيارات منظمة قوية، وفرض أنظمة الحكم على المسلمين، بعد تغيير الأساليب الاستعمارية القديمة التي كانت تعتمد الاحتلال العسكري المباشر. وقد نجح الاستعمار الغربي، منذ النصف الثاني من القرن التاسع عشر الميلادي، في تنفيذ أغلب مخططاته، وربح المواجهة مع الإسلام إلى حد كبير، عبر الاحتلال العسكري أو السياسي المباشر أو غير المباشر، وتطبيق سياسة «فرق تسد»، حتى أصبح المسلمون شعوباً وجماعات متصارعة، تتوزعها أشكال جديدة من الطوائف، متمثلة بالأحزاب والأفكار والتيارات والحكومات المرتبطة بالغرب. يقول أنور الجندي في هذا المجال: «كان تاريخ الإسلام حافلاً بالخلافات والمساجلات الفكرية وبالصراع السياسي بين السُنّة والشيعة. وقد حرص الغزو الخارجي الممتد من الحروب الصليبية إلى اليوم أن يغذّي هذا الخلاف وأن يعمق آثاره، حتى لا تلتئم وحدة عالم الإسلام. وكانت حركة التغريب وراء الإيقاع بين السنة والشيعة وتفريق كلمتهم»(5).

وقد مهدت تلك الصيغ والأساليب لتمزيق العالم الإسلامي، ومن ثم السيطرة عليه من قبل الاستعمار الغربي، وباتت الأمة تعاني من مواجهة عاملين رئيسيين، برزا في العصر الحديث بفعل سياسة الغزو الاستعمارية الشاملة:

الأول: انتشار التيارات الطائفية الجديدة، كالوهابية والعثمانية الجديدة، والمذاهب الاجتماعية والسياسية الوضعية، كالعلمانية والإلحادية والشيوعية والاشتراكية والليبرالية والرأسمالية والقومية العنصرية، حيث تحولت هذه التيارات والمذاهب الفكرية إلى مرتكزات أساسية لتمزيق الأمة وتكفير مذاهبها، ولم تقتصر هجماتهم المتراكمة على المسلمين الشيعة وحسب، بل تعدته إلى المسلمين السنة أيضاً، وإن كان نصيب الشيعة أوفر بكثير(6).

الثاني: التآمر على الوجودات الإسلامية الأصيلة، سواء تمثلت في العقيدة والبنى العلمية الإسلامية، أو النظم الاجتماعية الدينية أو المرجعيات والمؤسسات دينية أو الأحزاب الإسلامية، أو بلدان مسلمة مستقلة نامية.

وبغية توحيد جهود الأوربيين في مجال التآمر على المسلمين والسيطرة على مقدراتهم والإمعان في تفتيت نسيجهم، وهو نسيج غير متماسك أساساً، عقد في عام 1907م مؤتمر أوربي كبير برئاسة وزير خارجية بريطانيا، كان من أهم مقرراته: «وضع خطة تقضي ببذل جهودهم كلها لمنع إيجاد اتحاد أو اتفاق بين دول الشرق الأوسط، لأن الشرق الأوسط المسلم المتحد يشكل الخطر الوحيد على مستقبل أوروبا»(7). وفي هذا المجال يقول القس “لورانس براون”: «يجب أن يبقى المسلمون متفرقين، ليبقوا بلا قوة ولا تأثير»(8). كما يقول القس “سيمون”: «إن الوحدة الإسلامية تجمع آمال الشعوب الإسلامية، وتساعد على التملص من السيطرة الأوربية، والتبشير عامل مهم في كسر شوكة هذه الحركة، من أجل ذلك يجب أن نحول بالتبشير اتجاه المسلمين عن الوحدة الإسلامية»(9).

ورغم أن تركيا العثمانية كانت تمارس كل ألوان التمييز القومي ضد الشعوب غير التركية، والتمييز الطائفي ضد الشيعة، ورغم كل ألوان الفساد والانحراف الديني الذي ظلت تعيشه، إلّا أن الأوروبيين كانوا يرون أنهم بتدمير آخر الدول الإسلامية (الدولة العثمانية)، سيتمكنون من تحقيق جزء مهم من أهدافهم في تفتيت ما تبقى من الوحدة الشكلية للأمة، ويتضح ذلك من خلال الشروط المذلة التي فرضوها على الدولة التركية في “مؤتمر لويزان” للسلام، بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى:

  • إلغاء الخلافة الإسلامية، وطرد الخليفة من تركيا ومصادرة أمواله.
  • تتعهد تركيا بإخماد كل حركة يقوم بها أنصار الخلافة.
  • تقطع تركيا صلتها بالإسلام.
  • تختار لها دستوراً مدنياً، بدلاً من دستورها المستمد من الإسلام(10).

وأعقبت مرحلة القضاء على السلطنة العثمانية ومن ثم الاستعمار المباشر لتركيا والبلدان الإسلامية الأخرى، وانتشار التيارات المنحرفة، ومنها الطائفية الجديدة؛ مرحلة أخرى، تمثلت بفرض أنظمة ورموز تابعة على بلدان العالم الإسلامي المجزأ، الهدف منها تحقيق أهداف الاستعمار والمحافظة على مكتسباته السابقة.

وفي الوقت نفسه؛ عمدت أوروبا على إضعاف الدولة الإيرانية، بوصفها الوجه الآخر للقوة الإسلامية مع تركيا العثمانية، والعمل على تمزيقها؛ فرحبت ابتداءً بعملية استيلاء روسيا القيصرية على أجزاء كبيرة من الدولة الإيرانية بعد الحروب بين الدولتين الروسية والإيرانية خلال القرن التاسع عشر الميلادي؛ فتم اقتطاع جورجيا وأرمينا وشمال آذربيجان، كما اقتطعت بريطانيا التي كانت تحتل شبه القارة الهندية أجزاء من منطقة بلوشستان، فيما سيطرت القبائل الأفغانستانية والتركمانية على أجزاء من إقليم خراسان الكبير.

    وبقي الضرب على الوتر الطائفي هو الورقة الناجحة لرموز التبعية خلال القرن العشرين، بدفع وتشجيع وتدخل من بريطانيا وفرنسا، ثم الولايات المتحدة الأمريكية بعد صعودها في أعقاب الحرب العالمية الثانية؛ فأصبحت بعض الرموز الحاكمة بالتدريج مفردات رئيسة في اللعبة الطائفية،    وبقي الضرب على الوتر الطائفي هو الورقة الناجحة لرموز التبعية؛ فأصبحت بعض الرموز الحاكمة بالتدريج مفردات رئيسة في اللعبة الطائفية، لتحويلها إلى طائفية سياسية لا علاقة لها بالدين والمذهب، على العكس مما كان يتشبث به الطائفيون التقليديون طوال مئات السنين. ففي إيران حاول محمد رضا بهلوي وضع نفسه في موقع تمثيل الشيعة، فمارس الطائفية السياسية بصور مختلفة، وكان في جانب من ممارساته هذه يهدف إلى إفراغ التشيع من محتواه العقائدي والحضاري، وتحويله إلى قضية مذهبية – سياسية، وإلى تشيع شكلي، ودعمه في توجهه هذا بعض وعاظ السلاطين، ووصفوه بأنه «الملك الشيعي الوحيد»(11)، لكسب تعاطف الشيعة.

وعلى مستوى بعض الحكام السنّة؛ هناك نماذج شبيهة، أمثال ملوك السعودية. فمن صور الطائفية السياسية التي تبناها هؤلاء الحكام، الحوار الذي جرى على هامش أحد المؤتمرات الإسلامية، والذي قال فيه محمد رضا بهلوي لأنور السادات: «بأي حق أنتم العرب تدعون تمثيل الإسلام، وأنتم أقلية قومية سنية في بحر الأكثرية المسلمة»(12).

فهل يعني هذا أن بهلوي كان يمثل التشيع، والسادات يمثل التسنن؟! وهل أن بعض الحكام – اليوم – يمثلون التسنن، من خلال دفاعهم الطائفي عنه في مواجهة التشيع؟! حتى إن بعضهم رفع شعار «كل شيعي مدان حتى تثبت براءته»، وهو الأمر الذي ظلّ يحول دون وصول الشيعة إلى الوظائف العليا في بعض البلدان، ودون إدخال الكتب التي تتناسب مع مذهبهم، أو طبع كتب مذهبهم، أو الدفاع – في الأقل – عن معتقداتهم وآرائهم تجاه ما يقال وينشر ضدهم، وكذلك عدم قبول شهادة الشيعة في المحاكم الرسمية في القضايا ذات الطابع المذهبي، في حين تقبل كل شهادة ضدهم، فضلاً عن إهمال مساجدهم، وهدمها أحياناً. والمفارقة هنا تتمثل في أن هذه الحكومات تتهم من يطالب برفع هذا الحيف بأنه طائفي.

ومن المفردات الأخرى المهمة للمسألة الطائفية الحديثة، استمرار حالة الجهل بأفكار وعقائد وفقه وتاريخ الأطراف الآخرى، فمثلاً؛ في سياق عرض الآراء الفكرية والعقائدية والفقهية في قضية ما، فإن معظم العلماء والمفكرين والكتّاب (السنة) لا يتطرقون إلى آراء أئمة الشيعة ومواقف علمائهم ومفكريهم، ولا إلى كتبهم، بل يقتصرون على المذاهب الأربعة فقط. وهذا الاتجاه يستدعي – أحياناً – موقفاً متقابلاً، الأمر الذي يعمق الفجوة ويؤكد الاتجاه الطائفي. وقد تنبه عدد من العلماء والكتّاب في مصر وغيرها، إلى هذه الظاهرة، وحاولوا معالجتها، كالشيخ محمود شلتوت والشيخ محمد الغزالي والشيخ محمد أبو زهرة والدكتور عبد الفتاح عبد المقصود والدكتور حامد حفني داود والشيخ فكري أبو النصر والشيخ أحمد حسن الباقوري والشيخ محمد محمد المدني وأعضاء جماعة التقريب (السابقة) في القاهرة وآخرين(13).

الماكنة الطائفي عشية تأسيس الجمهورية الإسلامية الإيرانية

من أبرز التهم التي وجّهت لثورة الإمام الخميني تهمة الطائفية، أو «التشيع الطائفي» بكلمة أدق. وعلي أساس هذه التهمة حيكت خيوط المواجهة المذهبية ضدّها، والتي كان في مقدمة أهدافها تحجيم الثورة و محاصرتها مذهبياً. فحين تكون الثورة إسلامية؛ فإنها ستستطيع التحرك في دائرة مليار وربع مليار مسلم وإذا وصفت بالتشيع فإنها ستتحرك في دارة ضيقة قوامها (300) مليون مسلم شيعي، وإذا أضيفت إليها تهمة الفارسية، فإنها ستنحصر في دائرة (25) مليون شيعي فارسي فقط.

لقد بدأ غزو المنظومة الطائفية بشكل مبكر جداً، أي قبيل انتصار الثورة بعدّة أشهر، حيث جهد الاستعمار ونظام بهلوي لتحويل الثورة الإسلامية إلى ثورة طائفية-سياسية، وتحويل الإمام الخميني إلى زعيم لفئة من المسلمين. فخلال تشكيل حكومة بختيار، أعلنت «منظمة الوحدة السنية الإيرانية» عن وجودها، وشرت بيانها التأسيسي، الذي جاء في قسم منه:

«1-تعلن المنظمة عن تأسيسها في طهران والمدن الإيرانية كافّة.

2-تهدف المنظمة إلى تنقية دين محمد (ص) من المشركين (الشيعة):

إن إيران وطننا الكريم، لا يمكن أن يسلك طريق قافلة التحضّر العالمي مع وجود المذهب السياسي الجعفري (المذهب الشيعي)، إلا بتدمير هذا المذهب الذي فرضه إسماعيل الصفوي علينا بالقوةة، ورميه في مزبلة التاريخ».

وظهر فيما بعد أن جهاز السافاك (مخابرات الشاه) كان وراء هذه المنظمة الوهمية، أو بالأحري وراء إصدار هذا البيان ونشره على نطاق واسع، وخاصة في المناطق التي يكثر فيها أهل السنة(14). كما كان عملاء (السافاك) يشيعون في المناطق السنية بأن علماء الشيعة إذا استلموا السلطة فإنهم سيحرمون أهل السنة من حقوقهم ويبيدونهم. «وبلغت هذه الإجراءات حدّاً  أن كانوا يعمدون في بعض الأحيان إلى كتابات وبيانات وأقوال بعض من علماء الشيعة، مما كان تشم منه رائحة التفرقة، فيصوّرون منها كمية كبيرة ويوزعونها في كردستان»(15).

هذا في وقت كان كثير من علماء أهل السنة، وخاصة في المناطق الكردية، يشاركون الشيعة في الإطاحة بالنظام البهلوي (16). ولكن أحد علماء الدين السنّة الإيرانيين، وبهدف تعزيز فكرة شيعية الثورة، نفي هذه المشاركة أساساً بقوله: «لم يكن للسنة أي دور في الإطاحة بحكم الشاه. والذين قادوا الثورة هم أهل الشيعة… وشباب السنة الذين أيدوا الثور قبل خروج الشاه وبعد خروج الشاه هم يساريون شيوعيون، ولا يعني هذا أن أهل السنة كانوا يؤيدون الشاه، فالشاه نفسه كان مروّجاً لمذهب الشيع فكيف يؤيدونه»(17). ولا نريد هنا أن ننفي حقيقة ونثبت أخري، ولكن الأمر الذي لا يقبل الجدل هو أن الشاه كان يدعم المذهب البهائي، إن لم يكن بهائياً ولم يروّج يوماً للمذهب الشيعي، بل كان –في الحقيقة- يضطهد علماءه، كما كان يستغل المذهب لأغراض سياسية بحتة، في محاولة لامتصاص نقمة الشعب الأيراني الذي ينتمي معظمه إلى المذهب الجعفري. وحين يضطهد نظام الشاه علماء الدين الشيعة ويقتلهم ويعتقلهم ويشرّدهم، فإه كان يمارس سياسة عدوانية أيضاً ضد علماء السنة، إذ كان يزدريهم يحتقرهم، ففي كردستان –مثلاً- أجبر طلبة العلوم الدينية والعلماء السنة للحصول على شهادة التخرّج الابتدائية، ليعملوا كمستخدمين في المدارس ودوائر الدولة. وتزامنت حملته الشعواء ضدّهم ابتداءً من عام 1978، مع ظهور الحركات الشيوعية والقويمة في كردستان وتركمن صحرا وبلوشستان.

وكان أحمد بني أحمد (عضو في برلمان نظام الشاه)، مدفوعاً خلال اندلاع الثورة لتفجير الموقف بين السنة والشيعة، فكان مخططه يبداً بقتل أحد علماء السنة في بلوشستان مع (30) شاباً مؤمناً من أبناء المنطقة، ثم يشاع بكل مكثّف أن القتلة هم من الشيعة المرتبطين بالثورة، وسيعقب ذلك –كما كان يتوقع المخططون- انتقاماً من قبل أهل السنة. وهكذا تتفجّر المشكلة الطائفية، وتتحوّل الثورة عن مسارها بالفعل، لتنشغل بأمور هامشية.

وخلال هذه الفترة صدرت في الخارج أولي التصريحات التي تتهم الثور والإمام الخميني بالطائفية. فقد ذكرت مجلة الاكسبرس (الفرنسية): «مهما حدث، نعرف أن المنتصر في هذه الأحداث هو الإسلام. ولكن مهلاً يجب أن نكون حذرين من هذا الميدان، لأن هناك فروقات كبيرة بين المذهب السني والمذهب الشيعي، ومراسل الاكسبرس أعلن بأن المسؤولين لا يرحّبون بحرارة بقيام حكم شيعي في إيران»(18). وفي القاهرة اتهم الصحفي المصري أنيس منصور الإمام الخميني بأنه قائد ثورة طائفية، قوامها صراع بين السنة والشيعة.»(19).

الغزو الطائفي من الخارج

بعد انتصار الثورة الإسلامية مباشرة، دخلت بعض الدول الكبري وأنظمة المنطقة في مشروع الغزو الطائفي. وقد حذّر الإمام الخميني من هذا المسعي الخطير منذ الأيام الأولي لإعلانه الثورة ضد نظام بهلوي؛ ففي خطاب له عام 1963 قال: «إن الدول الإستعمارية …وعن طريق استغلال أو إغفال الحكومات، تنشر وتبث كل ما يفرّق بين المسلمين من الشيعة والسنّة، وزرع بذور الصراع والراع باسم الإسلام، والغيرة على الطائفية، لكي يتسني لهم وبكل حرية الاستمرار في سلب الثروات والخيرات، دون أن تتولّد عند المسلمين أية إمكانية للمقاومة الإيجابية… إن الأيادي القذرة التي توجد الخلاف بين الشيع والسنّة وتغذّيه هي لا شيعية ولا سنّية، وإنما هي أياد استعمارية.. أياد أجنبية، تريد تأخير استقلال البلاد الإسلامية من أجل أغراضها الخاصة، ومن أجل نهب الثروات والخيرات، وتحويلها إلى أسواقها السوداء. إن الاستعمار بواسطة عملائه ومأجوريه، وعن طريق إثارة الاختلافات وافتعال الأزمات بين الشيعة والسنّة، يضعف من قدرة المسلمين كمرحلة أولي للقضاء على الإسلام بكل طوائفه ومذاهبه»(20).

وتبنّت حكومة واشنطن ــ كجزء من محاولاتها ضرب الثورة الإسلامية – المخطط الطائفي الذي أعدّته أجهزتها، منذ الأشهر الأولى لاندلاع الثورة الإسلامية عام 1978، مستعينة بخيرات وفّرتها بعض أنظمة المنطقة، إضافة إلى الرموز والجماعات المعارضة المحلية في إيران. يقول أحد المصادر بأن الذي أشرف على هذا المخطّط الدولي هو وزير الخارجية الأمريكي الأسبق هنري كسينجر. وكان يهدف –في مرحلته الأولي- إلى إبعاد الحركات الإسلامية (السنّية) عن الثورة الإسلامية، وتشكيل حزام طائفي حولها، يبتدئ بتركيا فالعراق فالخليج وباكستان(21). ولبيان مدي قوة العامل الخارجي وتأثيره في بلورة مضمون الغزو الطائفي وشكله، نعرض ثلاث أقوال لثلاثة من قادة الغرب:

  1. فرانسوا ميتران، قال عشية انتصار الثورة الإسلامية الإيرانية، وكان حينها أميناً عاماً للحزب الاشتراكي، أي قبل تسلّمه منصب رئاسة الجمهورية الفرنسية: «ستقوم ثورات شبيهة بالثورة الإيرانية في الدول المجاورة. ففي العراق وآسيا الوسطي وجمهوريات الاتحاد السوفيتي يعيش عدد كبير من الشيعة»(22).
  2. هنري كيسنجر، وزير الخارجية الأمريكي الأسبق، قنن عشية مؤتمر الطائف عام 1982 للحرب الطائفية الجديدة، بقوله: «يجب أن تعتبروا الثورة الإيرانية ثورة شيعية، ويجب على العالم السنّي أن يقف بوجه الغزو الشيعي»(23).
  3. جورج شولتز، وزير الخارجية الأمريكي الأسبق، قال خلال العام الثاني للثورة: «الثورة الإسلامية أخطر عدو مشترك للحضارة الغربي على طول تأريخها»(24).

إعادة هيكلة المنظومة الطائفية

حاول الغرب وبعض أنظمة المنطقة إضفاء طابع ديني على الغزو؛ فاستعان بعدد من المشايخ من بلدان مختلفة بهدف إصدار فتاواي، حكموا فيها بانحراف أو كفر الثورة الإسلامية وقادتها، وفي مقدمتهم الإمام الخميني، وهو ما حصل بالفعل طيلة عقد الثمانينات. وقد تحوّل البرنامج الطائفي إلى مشروع غزو منظم خلال عام 1982، له برامجه ورموزه وميزانيته الخاصة فقد طرح خلاله بعض الزعماء والمسئولين ورقة عمل طائفية محضة ضد الجمهورية الإسلامية. وفي أعقاب مؤتمر قد في العام نفسه، أخذت التصريحات الطائفية لكثير من الزعماء والمسئولين بعداً آخر، إذ بدؤوا يحذرون علانية «من الامتداد الشيعي القادم من إيران»(25). وفي هذا الإطار جاء في «أحد التقارير الخاصة أن وزارة الخارجية في باكستان عقدت اجتماعاً في عام 1982، جمعت فيه سفراءها في مختلف دول العالم وحضره الرئيس الباكستاني، الذي أكد عليهم أن يلعبوا دوراً إسلامياً (سنّياً) بارزاً في مقابل الدور الإسلامي الكبير الذي يلعبه سفراء الجمهورية الإسلامية (الشيعة) كما زعم»(26). وذكر المصدر نفسه أن مؤتمراً دينياً عقد في أوربا بين مسئولين كبار من بعض البلدان الإسلامي، أنشأوا على أثره «قوات أركان عمر» في منطقة كردستان الإيرانية، والتي أخذت تشن حرب عصابات ضد قوات حرس الثورة الإسلامية والجيش الإيراني، ووجهوا إذاعة المتمردين توجيهاً طائفياً، يوحي بأن الحرب –في الواقع- هي بين السنّة والشيعة(27).

وابتداءً من عام 1983، بدت حمي دراسة المهب الشيعي تتصاعد تصاعداً كبيراً في الغرب، بهدف التعرّف عليه بعمق يتيح للغرب برمجة أساليب الغزو بثورة أكثر فاعلي. فعقدت خلال الثمانينيات عدة مؤتمرات، وتشكلت مراكز للأبحاث، ولجان متخصصة، أكاديمية وسياسية واستراتيجية، بينها اللجنة الإسرائيلية-الأمريكية التي تشكلت عام 1984. كما أقرّ الرئيس الأمريكي الأسبق ريغان عام 1985 تشكيل لجنة مختصة مؤلفة من عدة أجهزة حكومية وأكاديمية لهذا الغرض. وعقد مركز «دايان» التابع لمؤسسة دراسات الشرق الأوسط في تل أبيب مؤتمراً عالياً في 19 كانون الأول 1984 تحت عنوان: «الشيعة مقاومة وثورة»، هدفه دراسة التشيع (28). وتضمّنت تلك الدراسات، معرفة طبيعة الخلاف بين السنّة والشيعة. وفي هذا الصدد جاء في توصية لمؤتمر تبشيري عقد في شيكاغو بالولايات المتحدة في كانون الأول 1984: «إننا لا يمكن أن ننجح في تحويل المسلمين إلى نصاري، ولكن علينا أن نزيد الفرقة بين المسلمين أنفسهم، فنضرب على وتر السنّة والشيعة»(29).

كما بات بعض الأنظمة يشكل مصدراً أساسياً من مصادر الغزو الطائفي، حين أخذوا يرددون مقولة فارسية التشيع، في وقت لا يشكل الشيعة الفرس سوي 20 بالمائة من مجموع الشيعة في العالم، وبينهم (40) مليون شيعي عربي. ولعل التصريح الذي أدلي به أحد المسئولين العرب خلال عام 1988، يعبر بوضوح عن هذا الاتجاه، فقد قال: «المشكلة الحالية التي تواجه الحكومات العربية تأتي من مصدر واحد، هم الشيعة، وقد آن الآوان لتوجيه ضربة قاصمة لهم ورميهم في البحر أو وراء الحدود… إن الشيعة في البلاد العربية يشكلون الخطر الأساس على الأمة، فعلي الشعب العربي الاستعداد لدخول المعركة الحقيقية ضدّهم»(30). يصدر هذا التصريح من مسؤول في بلد يبلغ الشيعة فيه حوالي 35 بالمائة من عدد السكان.

ومن أجل التمويه على حقيقة هذا الأسلوب من أساليب الغزو، عمد بعض دعاة الغزو إلى تبنّي مصطلح «الأفكار الخمينية» للتعبير عمّا يسمونه بالمد الشيعي. فقد ذكرت صحيفة تصدر في لندن أن أعضاء جمعية العلماء المسلمين في بريطانيا قالوا في برقية بعثوا بها لرئيس دولة عربي أن مخاطر الأفكار الخمينية تتزايد وتتضاعف مما يستلزم الرد عليها وتفنيدها. وبادر مسئول ديني بارز بالرد على البرقية، ووعد بعمل ما يلزم لمحاصرة الأفكار الخمينية الشيعية، منها عقد مؤتمر عالمي لهذا الغرض(31).

لقد رافق الاستهداف الطائفي مسار الثورة، فكلما كانت الثورة تقترب من النصر، كان الاستهداف يتّسع ويتعمّق، حتى إذا انتصرت الثورة تحوّل إلى مشكلة طائفية معقّدة، أخذت شكل الغزو، والذي تخللته أساليب جديدة، أخطرها الصراع المسلّح. ففي 20 شباط 1979، أي بعد مرور ثمانية أيام فقط على انتصار الثورة، بدأ التمرد في كردستان، بمحاصرة جماعتي عبدالرحمن قاسملو (الحزب الديمقراطي) وعزالدين الحسيني (منظمة الكوملة) معسكر الجيش في (مهاباد). وكان التمرد ناتجاً عن تفاعل عاملين مؤثرين، أحدهما مذهبي والآخر قومي.

واستمر التحرك الطائفي يستعر على نار هادئة، حتى الإعلان عن مسوّدة دستور الجمهورية الإسلامية والذي نصت إحدي مواده على أن المذهب الرسمي لإيران هو الجعفري الإثنا عشري، وأن المذاهب الخمسة الأخري (الحنفي، المالكي، الشافعي، الحنبلي، الزيدي) رسمية هي الأخري في المناطق التي يتواجد أتباعها فيها(32). فتفجّر التحرك بقوّة، وبرز الغزو الطائفي على صورته الحقيقية. كان هذا الأمر –بحد ذاته- كافياً للبعض (ممّن كان مع الثورة سابقاً) ليدخل طرفاً في التحرك الطائفي. وعلي حد قول أحد الكتّاب الفلسطينيين، فإن هؤلاء اكتشفوا فجأة أن الثورة الإسلامية «ثورة شيعية، وأن الشيعة فرقة ضالّة أو كافرة و أن آية الله الخميني، الذي قالوا أنّه هزّ العروض وهو يجلس فوق سجادته، أصبح أيضاً ضالاً كافراً»(33). وهنا يقول الدكتور عمر الخطيب: «إن نص الدستور على أن دين الدولة هو الإسلام الشيعي، وعلي أن الإمامة لن تكون لفرد من أبناء الطائفة الجعفرية بالذات وإلي الأبد، أمر يقزّم من حجم الثورة الإسلامية ومن هالتها، ويخفت من برقيها أمام عامة المسلمين»(34).

ثم أصبح الحديث عن (الإسلام الشيعي الفارسي) الذي تتبناه الثورة؛ حديثاً يومياً في وسائل الإعلام (العربية خاصة)، واختلقوا في مقابله (الإسلام السني العربي)، ثم أدخلوهما في حلبة صراع مجازية وراحوا يصورون هذا الصراع بكل تفاصيله. لكن الغريب أن بعض الكتاب يتحدثون عن هذا الموضوع وكأنه من المسلمات الواقعية، فيقول أحدهم: «إن الثورة الإيرانية، التي ترفع شعارات الاسلام، والخوة العقائدية، لا ينبغي أن تقع في تناقض مع العرب، فالثورة لن تكون عالمية لو سمحت لنفسها بالوقوع في التناقض مع الإسلام العربي السني»(35). وحين يعتقد هذا الكاتب بوجود مثل هذين الإسلاميين فإنه ينسجم بذلك مع ما يذهب إليه التيار الذي اكتشف أن ما يحدث في ايران «كما لو أنّ هناك إسلاماً شيعياً فارسياً، وإسلاماً آخر سنياً عربياً وأن المسألة صراع بين إسلامیين.». والحديث عن وجود إسلامين أحدهما شيعي والآخر سنّي حديث قديم –إلي حد ما- اخترعه المستشرقون، ومنهم المستشرق المجري “غولد تسهير”، إذ يقول المفكر المصري الراحل الشيخ محمد الغزالي: «لقد أحسست وخزاً في فؤادي وأنا أقرأ كلمة الإسلام الشيعي، والإسلام السني، التي ترددت على لسان المستشرق المجري مراراً. هل هناك إسلامان حقاً في أمّتنا؟ إنه إسلام واحد»(36).

وتحوّل بعض العلمانيين –في إطار المساهمة في الجهد الطائفي- إلى «سنة» أكثر من أبي حنيفة وابن تيمية، في حين أن بعض هؤلاء –كما كشفت وثائق سرّية(37) -وخاصة أصحاب بعض الصحف، كانوا لسنين طويلة يتلقون مساعدات مادية مشروطة من حكومة محمد رضا بهلوي، ويشيدون بإنجازاتها. هؤلاء جميعاً أصبحوا من فرسان الغزو الطائفي، بعد أن أوحي لهم فجأة بأن حقوق أهل السنة في ايران قد ضُيعت، وأن الدولة الجديدة الحاكمة هي دولة شيعية. وفي المقابل أوحي لبعض المتلبسين بزي علماء الدين الشيعة من المرتبطين بنظام الشاه، وكذلك لبعض البسطاء، بأن التشيع في إيران أصبح في خطر، وأن الخميني يريد إلحاق الضرر بالحق التأريخي لأهل البيت (ع) وأنه يريد رفع الشهادة الثالثة (جملة أشهد أن علياً ولي الله) من الآذان، وأنه منع طبع كتاب «الغدير» وبعض أجزاء كتاب «بحار الأنوار»…الخ، وأخذوا يذرفون الدموع على التشيع المغدور في «دولة الخميني». كما عملوا بنشاط على محالة اختلاق الخلافات بين علماء الشيعة في إيران، والتأثير على آخرين من أجل اتخاذ موقف مضاد للإمام الخميني والثورة الإسلامية؛ لسبب ما أسموه بالممارسات الهادفة للتقارب مع السنة. وبذلك كان الطرفان الطائفيان يبكيان حقوقهما المذهبية التي أهدرتها الجمهورية الإسلامية!

صحيح أن الغزو الطائفي الذي واجهته الجمهورية الإسلامية الإيرانية لم ينشأ من العدم، بل كانت هناك قواعد انطلق منها، وتعود إلى أصل المسألة الطائفية في الإسلام تاريخياً، وامتداداتها، واستثمار الاستعمار لها، وضرب نظام الشاه على وترها (37). ولكن المسألة الطائفية لم تكن متفجرّة من قبل بهذه الصيغة التي تواجهها الجمهورية الإسلامية. وهذا التفجير أو الغزو يدور حول محورين أساسيين، مترابطين تارة ومنفصلين أخري، فهما منفصلان من ناحية المساحة الجغرافية وأدوات التنفيذ، ومرتبطان من ناحية وحدة الهدف والتخطيط. وأحد هذين المحورين يرتبط بالوضع الداخلي في إيران بعد الثورة، وهو المحور الداخلي، والثاني يرتبط بتحريك بعض مفردات الوضع في الخارج وانعكاساته وامتداداته هناك، وهو المحور الخارجي.

عوامل داخلية ساعدت فرسان الغزو الطائفي

تتخلص العوامل الداخلية التي ساعدت فرسان الغزو الطائفي في تفجير المشكلة الطائفية في ايران وتصعيدها؛ بما يلي:

1- الوضع في مناطق أهل السنة:

من أبرز المشاكل التي كانت تعاني منها مناطق أهل السنة بعد تأسيس الجمهورية الإسلامية، هو الحرمان الاقتصادي والثقافي الموروث من عهد الشاه، وكذلك تمركز المجموعات والعناصر القومية والماركسية المعادية للدولة الجديدة، وكذا المهربين وتجار المخدرات المسلحين ، وقد كانوا يستغلون هذا الحرمان، فضلاًعن استغلال العاملين المذهبي والقومي؛ الأمر الذي حوّل مناطق أهل السنة، وخاصة مناطق السنة الأكراد، إلى أرض خصبة لنمو التيارات اللادينية. وحين كانت هذه التيارات تستغل تلك العوامل لخدمة أهدافها السياسية والفئوية؛ فإن بعض التيارات الطائفية المحلية المحسوبة على التيار الإسلامي؛ أخذت تستغل الحديث عن حالة الحرمان والعاملين الطائفي والقومي أيضاً لتحقيق هدفين أساسين:

  • مواجهة التيارات اللادينية بالذرائع نفسها التي تستقطب من خلالها الجماهير.
  • الضغط على حكومة الجمهورية الإسلامية؛ لتحقيق مكاسب طائفية.

ومن هنا كان الطائفيون والقوميون والماركسيون، يستغلون طبيعة الوضع في المناطق السنّية، ويرفعون الشعارات نفسها، مع بعض الاختلاف في المصطلحات والأساليب، لإثارة المشكلة الطائفية وتصعيدها.

2= العامل القومي:

من الناحية القومية؛ ينتمي أغلب أهل السنة في إيران إلى الأقليات القومية(38): الكردية والتركمانية والبلوشية، وقد تكامل العامل القومي مع العامل المذهبي ليكونا أساسين قويين للمشكلة، ومنطلقاً لاعتراض أبناء السنة على (حكام) طهران الشيعة المنتمين الى قوميات الأغلبية السكانية: الفارسية والآذرية واللرية(39). وقد تأطرت من خلال ذلك؛ المفاهيم والمطالب القومية بأطر مذهبية؛ ما حوّل القضية المذهبية إلى قضية سياسية. وفي هذا المجال يقول الكاتب المصري فهمي هويدي: «ظلت هناك «خطوط تماس» بين ما هو سياسي وما هو مذهبي في بعض الأحيان، حتى صار من الصعب التفرقة بين حجم الدور السياسي والعنصر المذهبي في بعض المشكلات والقضايا المثارة»(40).

3- العامل الجغرافي:

تقع المناطق ذات الأكثرية السنية في أطراف إيران، وعلى تماس مباشر مع المناطق ذات الأكثرية السنية في الدول المجاورة؛ فمناطق الأكراد الإيرانيين السنّة تقع في أقصي غرب إيران قرب الحدود مع العراق، وبجوار مناطق الأكراد العراقيين السنة، أما مناطق التركمان، فتقع أقصي شمال إيران قرب الحدود مع جمهورية تركمنستان ذات الأغلبية التركمانية السنّية، بينما يقطن البلوش في الجنوب الغربي قرب الحدود مع باكستان وبجوار مناطق البلوش الباكستانيين السنة. وهناك أيضاً عدد من أهل السنة من أصول قومية مختلفة يقطنون شمال شرقي إيران على الحدود مع تركمنستان وأفغانستان إضافة إلى عدد قليل من العرب السنة(41) الذين يقطنون الموانئ الجنوبية الخليجية. هذا التوزيع الجغرافي السكاني يجعل من المناطق السنية؛ خاضعة خضوعاً مباشراً لتأثير العاملين الطائفي والقومي للدول المجاورة، وبؤراً للغزو الطائفي.

4- الدور السلبي لبعض علماء الدين:

لا يشغل علماء الدين الطائفيون، سنة وشيعة، موقعاً رسمياً، ولا يمارسون غالباً أدواراً سياسية، بل يعنى أغلبهم بالشأن المذهبي، ويتحركون في إطاره بذهنية وأدوات متعصبة ومتطرفة. ففي إطار الشيعة –وكما ذكرنا- هناك علماء الدين يعترضون بشدة على الجمهورية الإسلامية لعدم اهتمامها اهتماماً كافياً بالقضايا المذهبية الشيعية الخاصّة، وعلى دعوتها للوحدة الإسلامية العامة، التي ستؤدي –حسب اعتقادهم- إلى ذوبان الشيعة في السنة، وبأن قادة الجمهورية الإسلامية، بمن فيهم الأمام الخميني الراحل والسيد الخامنئي، يطرحون الإسلام طرحاً عاماً وليس طرحاً شيعياً مذهبياً.

وفي المقابل؛ هناك من علماء الدين السنة من يفكر بالاتجاه المخالف تماماً، وخاصة الذين درسوا في باكستان والسعودية والإمارات ومصر، فهؤلاء يلتقون عند موقف من الشيعة يصل إلى حد الإخراج من الملة والتكفير. «وقد ذهبوا إلى حد تكفير نواب البلوش الأربع المنتخبين في البرلمان، بعدما اتهموهم (بموالاة) الكافرين الشيعة»(42). وهناك في مناطق أهل السنة الأخري، وخاصة كردستان، نماذج مشابهة، إن لم نقل أكثر تطرفاً. وهؤلاء المتطرفون أو أصحاب الأجندات الخارجية، من أي مذهب كانوا، مهمتهم تصنيف المسلمين إلى شيع وفرق وطوائف، يكفّر هذا ويفسّق ذاك (43).

  5- الوضع السياسي للجمهورية الإسلامية الإيرانية:

الأوضاع السياسية والأمنية التي عاشتها ايران في الأعوام الأولى من عمر الجمهورية الإسلامية؛ لم يسمح لها بتطويق المشكلة الطائفية، إذ لم تكن أجهزتها قد اكتملت أو اكتسبت الخبرة اللازمة لإدارة البلاد. بل كان هناك نوع من الارتباك على المستويات السياسية والإدارية والاقتصادية. فضلاً عن انشغالها في مواجهة التحركات المضادة المستمرة والمؤامرات المتزامنة المتوالية الأخرى، والتي كانت تستهلك معظم وقت المسؤولين واهتمامهم وطاقتهم، الأمر الذي يحول دون معالجة الكثير من المشاكل الداخلية في البلاد، ومنها المشاكل في المناطق السنية.

وقد مثلت العوامل الخمسة التي مرت؛ منطلق تبلور المسألة الطائفية بعد تأسيس الجمهورية الإسلامية، ثم نموها وتفجيرها مع بدء الغزو الطائفي، كما شجّعت فرسان الغزو الطائفي على إذكاء نار الفتنة، بعد أن نجح جزء منها. فلم تمض أشهر على انتصار الثورة الإسلامية؛ حتى اخذت المشكلة الطائفية طابعاً آخر اكثر عمقاً وخطورة، خلال تموز/ يوليو 1979 كانت النار تلتهم معظم مناطق أهل السنّة بالتدريج، ابتداءً من كردستان وانتهاءً بتركمان صحرا وگنبد وبلوشستان وبند لكنه وطوالش، بتحريك من التنظيمات والجماعات الطائفية والقومية والماركسية، وبتدخل مباشر من مخابرات النظام البعثي العراقي والمخابرات الأمريكية ومخابرات الاتحاد السوفييتي، ففي منطقة تركمان صحرا –مثلاً- تأزّم الوضع بكل كبير، وخاصة في مدن كند وبندر تركمان وآق قلعة وكمش تبة. وهنا يقول الشيخ صادق الخلخالي (رئيس محاكم الثورة حينها) بأن التحقيقات أثبتت ضلوع مخابرات الاتحاد السوفييتي في أزمة “تركمان صحرا”، ولا سيما في المناطق الشمالية المحاذية للحدود الروسية، حيث كان بعض طلبة العلوم الدينية في المدارس السنّية هناك ينشرون التعاليم الماركسية-اللينينية إلى جانب رفع شعار الطائفية، بدلاً عن تعاليم الإسلام، ويحرّضون على محاربة الجمهورية الإسلامية. حينها اضطر الشيخ الخلخالي -كما يقول في مذكراته- إلى ترك كردستان التي كانت مشتعلة حينها، والتوجه إلى تركمان صحرا، لإخماد الفتنة(44).

وكانت المنظومة الطائغية تتحرك في إيران من خلال أدوات ورموز محلية تنتمي إلى تيارات فكرية مختلفة، لكن الرموز المؤثرة منها كانت تنتمي إلى التيار الديني، ولعل أبرزها في بدايات عقد الثمانينات من القرن الماضي: الشيخ عز الدين الحسيني والشيخ عثمان النقشبندي والشيخ احمد مفتي زاده، مع الفارق في طبيعة وحجم الدور الذي لعبه كل منهم، واتجاهه الفكري وعلاقاته بالخارج؛ فالشيخ أحمد مفتي زاده ـــ مثلاًـ ــ كان  موالياً للجمهورية الإسلامية في يداياتها، إلا أنّه انتهي كأبرز رموز المنظومة الطائفية المحلية، وهو بذلك يختلف عن الحسيني والنقشبندي، اللذين عارضا الجمهورية الإسلامية، منذ البداية فضلاً عن اتجاهاتهما الفكرية وسلوكياتهما المتعارضة مع الدين.

إذ كان عز الدين الحسيني عضواً في الحزب الديمقراطي الكردستاني، ثم تركه، وأسس تياراً خاصاً يقف على ثلاث دعامات: القومية الكردية والاشتراكية العلمية والديمقراطية الأخلاقية، وفي الوقت نفسه كان زعيماً لإحدي الطرق الصوفية، كما كان يدعم جماعة «الكوملة» الماركسية الماوية، ثم هرب إلى العراق، وبقي معارضاً للجمهورية الإسلامية بدعم من النظام البعثي العراقي، وحينها أصدر فتوي بالجهاد ضد الجمهورية الإسلامية بتاريخ 20 آب/ اغسطس 1980، وطالب فيها العراق وبعض الدول العربية بالنصرة والمشاركة في الجهاد، في الوقت الذي لم يكن نظام صدام قد أعلن الحرب على ايران. وإثر ذلك؛ قامت قواته بحرق ما يقرب من (250) من الجنود الإيرانيين وهم أحياء، كما قتلت ثمانية من علماء الدين السنة الموالين للجمهورية الإسلامية.

أما الشيخ عثمان النقشبندي؛ فرغم كونه زعيم الطريقة الصوفية النقشبندية، إلا أنه كان يدعم الحركات الماركسية والقومية الكردية، وبشكل خاص جماعة «رزگاري» الشيوعية، والتي كان زعيمها الماركسي أحمد النقشبندي (زوج شقيقة الشيخ عثمان)، يلقب نفسه بـ “شيخ الإسلام”، حتى انه كان يعلن على المنبر بأن “لينين” أفضل من النبي محمد، دون أن يعترض عليه الشيخ عثمان، ثم لجأ الإثنان مع جماعتهما (رزگاري) إلى العراق، وبقيا يحضيان بدعم النظام البعثي العراقي، ثم النظام السعودي. وقد صرح عثمان النقشبندي لإحدى المجلات السعودية بأنه ينوي أن يتّخذ من تركيا مقراً موقتاً يقود منه حملته «لإنهاء حكم أعداء الإسلام» في إيران(45).

وكان الشيخ أحمد مفتي زادة، قد حظي بدعم إعلامي وسياسي ومالي من أنظمة العراق والسعودية، بما يفوق جميع رموز الفتنة الطائفية الأخرى، وكان أنصاره وكذا الإعلام العربي الطائفي، يعرفونه بأنه «قائد الشعب الكردي المسلم في إيران» و«قائد المسلمين السنّة في إيران». وقد كان في بداية عمله السياسي عضواً في الحزب الديمقراطي الكردستاني، ولكن بعد تعرّفه إلى بعض علماء الدين والمثقفين الإسلاميين الشيعة، كالدكتور محمد جواد باهنر (ثالث رئيس وزراء في الجمهورية الإسلامية الإيرانية)، وحواره المتواصل معهم؛ ترك الاتجاه القومي والماركسي، وانتسب إلى التيار الإسلامي. لكنه بعد تأسيس الجمهورية الإسلامية الإيرانية وتصاعد العمل المسلح في كردستان الإيرانية من قبل الجماعات القومية والماركسية المدعومة من النظام البعثي العراقي؛ بدأ ينحاز ضد الجمهورية الإسلامية، ويتحالف مع  قادة الأحزاب العلمانية، أمثال عز الدين الحسيني وعبد الرحمن قاسملو، وتصاعدت معارضته للجمهورية الإسلامية بعد ان تم طرح مادة المذهب الرسمي للبلاد في الدستور للحوار العام، وحينها تناسى مفتي زادة على كل خلافاته العقدية  والسياسية، بوصفه إسلامياً، مع الجماعات القومية والماركسية، وعقد اجتماعاً معها في 4 تموز/ يوليو 1979؛ للوصول إلى موقف مشترك للحيلولة دون إقرار تلك المادة في دستور الجمهورية الإسلامية.

من مظاهر الغزو

حين كانت الجمهورية الإسلامية الإيرانية مشغولة بترتيب أوضاعها الداخلية، في الوقت الذي كانت كردستان مشتعلة وتتعرّض للتهديد الحقيقي من قبل القوميين والماركسيين، أعلن الشيخ أحمد مفتي زادة عن مطاليبه الطائفية من حكومة الجمهورية الإسلامية وأخذ يواجه الأخطاء التي ترتكبها الأجهزة التنفيذية في كردستان، بردود فعل متشنجة، فيزيد من مطاليبه ومن ابتعاده عن نظام الجمهورية الإسلامية. وسبق له أن أرسل مبعوثاً إلى الفكر الإسلامي الباكستاني الشيخ أبي الأعلي المودودي يسأله الرأي بهذا الشأن، فأجابه المودودي: «يا شيخ أحمد هذا وقت الواجبات فأدّوا واجبكم تجاه ثورة الإسلام، وبعد أن يستقر حكم الإسلام طالبوا بالحقوق»(46). إلا أن مفتي زاده رفع إلى الحكومة قائمة مطاليبه، مانحاً إياها مهلة (15) يوماً فقط للإجابة. وكان جزء من مطاليبه إنشاء جامعة في سنندج تحت إشرافه، ومشاريع اخري ثقافية وعمرانية ويذكر أن السيد محمد حسين البهشتي (رئيس مجلس القضاء الأعلي حينها) الذي كانت تربطه علاقة جيدة بالشيخ مفتي زاده قال حينها: «الشيخ أحمد رجل جيد، لكنّه عجول»(47).

وبعد تأسيس «المركز الإسلامي الكبير في غرب بلاد»، اتهم مفتي زادة علماء الدين السنّة المساهمين في تأسيس المركز وإدارته أو المنظّمين إليه بأن هدفهم محو التسنن، واتّهم علماء السنة الذين كانوا يحضرون مؤتمرات الوحدة ويساهمون في عملية الوحدة بين السنّة والشيعة في إيران بأنّهم عملاء ومخدوعون. ورداً على ذلك؛ أعلن مفتي زادة في اجتماع عام لأتباعه، عن مطاليبه، وأهمها أن يكون البرمان الإيراني (مجلس الشوري الإسلامي) مقسّماً بالتساوي بين الشيعة والسنّة بالتساوي، وتعديل بعض مواد الدستور، ولاسيما المادة التي تنص على التشيع مذهباً رسمياً للبلاد، ورفع «أشهد أن علياً ولي الله» من الأذان رسمياً في أنحاء البلاد، وهدّد باستخدام السلاح ضد الحكومة إن لم تنفّذ المطاليب فوراً.

وفي أعقاب ذلك؛ نشرت جماعة مفتي زادة بياناً مطولاً، حول أساليب تعامل الجمهورية الإسلامية مع المسألة الطائفية، جاء فيه: «من أول تلك المظالم اعتبار غير المذهب الجعفري خارجاً على الإسلام، ومن المظالم المستهدفة تصفية أهل السنّة وإبادتهم اعتقادياً، ومحاولات النظام المسعورة بكل ما يملك من طاقات وإمكانيات لنشر التشيع بين أوساط الشعب السنّي المختلفة، فطلبة المدارس مكلّفون يتعلّم التعاليم الشيعية غير مأذونين يتعلّم تعاليم مذهبهم. والموظفون مهدّدون بنقص الأجور أو الفصل أو النفي أو السجن إن لم يعترفوا بولاية الفقيه. أما عن الكتب الحديثة والقديمة المعادة الطبع فحدّث ولا حرج. ومنها بل ومن آيات العداوة لله ولرسوله وللمؤمنين إهانة وسب وتفسيق وتكفير الذين رضي الله عنهم ورضوا عنه، ومنها مكر الحكومة بالشعب الكردي المنكوب، حيث استخدمت ما كانت تملك من الوسائل لصرفه عن الالتفات حول قائده مفتي زادة، وخدعت السلطة الشعب المظلوم بأنّ فصل الدين عن السياسة أمر طبيعي».

وقد فند المسؤولون الإيرانيون هذه الإتهامات، وطالبوا مفتي زادة وجماعته بأدلة ملموسة وواقعية عليها. ولكن تبين ـــ فيما بعد ـــ إن النظامين البعثي العراقي والسعودي يدعمان جماعة احمد مفتي زادة بالتوجيهات والمال والدعاية.

وخلافاً لرموز المنظومة الطائفية؛ فإن غالبية علماء الدين السنّة في إيران؛ أعلنوا في مناسبات مختلفة بيعتهم للإمام الخميني بيعة شرعية؛ الأمر الذي جعلهم عرضة لاضطهاد التيارات العلمانية  الموجودة في مناطقهم، وخاصة كردستان، إذ ارتكبت جماعات الحزب الديمقراطي الكردستاني والكوملة والحسيني خلال الأعوام 1979-1984 أعمال اعتقال وتعذيب وتشريد وقتل وهدم للبيوت واعتداء على الأعراض ضد هؤلاء، حتى بلغ عدد من قتلتهم هذه الجماعات، خلال السنوات الخمس المذكورة، أكثر من (100) عالم دين وشخصية إسلامية سنية، بينهم الشيخ شهري كندي، إمام جمعة مدينة مهاباد وخريج جامعة الأزهر وأحد الشخصيات العلمية والسياسية البارزة في المنطقة، والشيخ حيدر فهيم الشافعي، إمام جمعة مدينة آويهنك، وهو رجل طاعن في السن (81عاماً) وصاحب منزلة علمية واجتماعية، فقد اختطفوه وعذّبوه مدّة (23) يوماً، ثم قتلوه؛ لأنه رفض أن يخلع بيعته للإمام الخميني. وكذلك الشيخ محمد كريميان الذي أحرق داخل مكتبته، والشيخ مصطفي مردوخ، وغيرهم.

امتدادات مشاريع التقريب والتضامن الإسلامي

في مقابل تيارات التجزئة والتكفير والعزلة، على مختلف انتماءاتها المذهبية، والتي ظلت تمثل أوجه مختلفة لظاهرة التطرف والتخلف الفكري، برزت تيارات مخلصة واعية، من الشيعة والسنة، استلهمت مناهجها وفكرها من التعاليم الإسلامية الأصيلة، إضافة إلى تمثُلها سيرة الأئمة والفقهاء والصالحين، ونظرتها الموضوعية الواقعية إلى المصلحة الإسلامية العليا. وطرحت هذه التيارات فكرة العودة إلى قواعد «الأمة الواحدة» و«الجسد الواحد» و«الاعتصام بحبل اللَّه»، برغم قبولها بالخلاف المذهبي، وكان من روادها السيد جمال الدين الأفغاني والشيخ سليم البشري والشيخ محمود شلتوت والسيد حسين البروجردي والشيخ مصطفى المراغي والسيد عبد الحسين شرف الدين والشيخ حسن البنّا والشيخ محمد حسين كاشف الغطاء والشيخ أحمد حسن الباقوري والشيخ محمد تقي القمي والسيد محسن الأمين والسيد محسن الحكيم والشيخ محمد جواد مغنية والإمام الخميني وأبو الأعلى المودودي. وتمخض حراك جزء من هذه التيارات خلال عقود الثلاثينات والأربعينات والخمسينات من القرن الميلادي الماضي، عن تأسيس «دار التقريب بين المذاهب الإسلامية في القاهرة»، بجهود بعض علماء إيران ومصر، بهدف التقريب بين مذاهب المسلمين وأتباعهم. وظلت جهود هؤلاء العلماء الرواد تجد صداها في حراكات الجيل اللاحق من دعاة التقريب والوحدة، كالشيخ عمر التلمساني والسيد موسى الصدر والسيد محمد باقر الصدر والسيد علي الخامنئي والسيد علي السيستاني والسيد محمد حسين فضل الله والدكتور كليم صديقي والشيخ محمد الغزالي والشيخ محمد علي التسخيري.

وتمكنت هذه التيارات الوحدوية الواعية من إحباط كثير من مخططات الطائفيين ومنظومتهم، رغم محاولة هذه المنظومة التأثير، بكل وسائل الإغراء والترهيب، على رموز هذه التيارات؛ فمثلاً حاول النظام السعودي وأنظمة خليجية أخرى دفع الشيخ أبي الأعلي المودودي (أمير الجماعة الإسلامية في باكستان)، للتصريح ضد الإمام الخميني وثورته، واتهامها باطائفية، إلا أن المودودي واجهها بما يمليه عليه الموقف الواعي، فقال: «ثورة الخميني ثورة إسلامي، والقائمون عليها هم جماعة إسلامية وشباب تلقّوا التربية في الحركات الإسلامية، وعلى جميع المسلمين عامة، والحركات الإسلامية خاصة، تأييد هذه الثورة والتعاون معها في جميع المجالات»(48)، كما طلب الشيخ المودودي من الشيخ مفتي زادة (المعارض السني الإيراني) في بدايات العام 1980، الكف عن أي تحرك من شأنه إضعاف الثورة الإسلامية وهي في أول طريقها.

وفي السياق نفسه قال شيخ الأزهر الأسبق: «إن الإمام الخميني أخ في الإسلام ومسلم صادق. إن المسلمين باختلاف مذاهبهم اخوة في الإسلام، والخميني يقف تحت لواء الإسلام كما أقف أنا»(49). كما قال الشيخ عمر التلمساني (المرشد العام الراحل لجماعة الاخوان المسلمين): «إن أعداء الإسلام ابتدعوا في السنوات الأخيرة شعار «الشيعة وأهل السنة»، وخاصة بعد الثورة الإيرانية التي زلزلت الكثير من مخططاتهم»(50).

وذكر الشيخ مفتي محمود(51) (زعيم جمعية علماء باكستان) في نيسان/ ابريل 1980: «إن أهم ميزة فيها (الثورة الإسلامية في إيران) أنها ليست فارسية أو شيعية أو سنية، ولا تقوم على مبدأ التمايز المذهبي في الإسلام، بل تقوم على أساس إسلامي بحث». وينقل الدكتور كليم صدّيقي حادثة معبّرة عن الشيخ المفتي محمود خلال زيارته لإيران، إذ إن هذه الحادثة وعشرات غيرها هي التي أوجدت ذلك الانطباع لدي المفتي محمود، فيقول صدّيقي: «خلال زيارتنا لإيران ذهبنا إلى مدينة قم، وكان من أعضاء جماعتنا «مولانا مفتي محمود» من باكستان. هذا المفتي لم يدخل المسجد لأداء صلاة «الظهر»؛ إذ ظلّ واقفاً في فناء المسجد، لأنه أراد أن يتحاشي أداء الصلاة خلف عالم شيعي. أما داخل المسجد فقد طلب علماء الشيعة إلى عالم «سنّي» أن يؤم الصلاة»(52).

وتذهب الداعية الإسلامية المصرية زينب الغزالي إلى الرأي نفسه، بل وتعتبر إنّ إثارة قضية السنة والشيعة في هذه المرحلة هي مؤامرة صهيونية، بقولها: «لا شك أن هذه مؤامرة صهيونية، إنني أري أن الشيعة الجعفرية والزيدية مذاهب إسلامية مثل المذاهب الأربعة لدي السنة. وعلي عقلاء السنة والشيعة وعلي قيادات السنة والشيعة أن يجتمعوا في صعيد واحد، وأن يتفاهموا وأن يتعاونوا على ربط المذاهب الأربعة والمذهب الشيعي بعضهم ببعض… وأدعو إلى اجتماع علماء الإسلام من كل المذاهب للتصدي لتلك المؤامرة الصهيونية»(53).

وما برحت رموز هذا التيار الواعي، تتبرأ من الطائفيين المحسوبين على الجماعات التي يقودونها، بهدف إخماد الفتن التي يثيرها هؤلاء؛ فالشيخ عمر التلمساني ــ مثلاً ــ صرح مرة بأنه لا يعرف «أحداً من الاخوان المسلمين في العالم يهاجم إيران»(54). بالطبع لم يكن يخفي على الشيخ التلمساني أن بعض الخطوط المحسوبة على الاخوان، أو المستقلة عنها، كانت تهاجم الجمهورية الإسلامية، كالخط الذي كان يتزعمه الشيخ صلاح أبو اسماعيل في مصر، وخط البيانوني وعدنان سعد الدين في سوريا، وهما الخطان اللذان كانا متحالفين مع حزب البعث العراقي، إضافة إلى المجموعة الإخوانية الطائفية التي كانت تقف وراء مجلة الأخبار (الطلابية)، وجماعة الإخوان المسلمين في الكويت (جمعية الإصلاح). بيد أن الشيخ التلمساني لم يكن يعتبر هذه الخطوط تمثل موقف جماعة الاخوان المسلمين. وهو ما أكده الدكتور كليم صديقي بقوله: «إنا على اتصال مباشر مع بعض أهم ممثلي الرأي العام في كل أنحاء الأمة المسلمة. وأنا على يقين من أن عدد مؤيدي الثورة الإسلامية في خارج إيران من أهل السنة أكثر عدداً من مؤيديها الشيعة… إنّ معظم قواعد جماعة الاخوان المسلمين يؤيد الجمهورية الإسلامية»(55).

وفي الهند، وبعد الفتاوي التي أصدرها الطائفيون الوهابيون ضد الشيعة وإيران، أمثال منظور نعماني، الذي يمثّل خط تكفير الشيعة، وكانت كتبه، مع كتب إحسان إلهي ظهير في باكستان، تُطبع على نفقة السعودية بمئات الآلاف من النسخ وتوزع مجاناً؛ فإن مجلس المشاورة الإسلامي لعموم الهند (وهو يمثل مسلمي الهند وذو أغلبية سنية)، بادر إلى مواجهة حملة تكفير الشيعة، من منطلق الحرص على وحدة الموقف الإسلامي، وأصدر بياناً جاء فيه: «إن مجلس المشاورة الإسلامي لعموم الهند يستنكر إحياء حملة تكفير جميع أفراد الطائفة الشيعية الذين هم من مسلمي هذا البلد، والتي شنّها بعض المنظمات والمؤسسات الإسلايمة وبعض الزعماء، ويعتبرها مغرضة وشريرة»(56). وظل يحدث الشيء نفسه في باكستان، حيث تبادر كثير من الجماعات والشخصيات الإسلامية السنية إلى إدانة أعمال الجماعات الوهابية المتطرفة في باكستان، ومنها جماعة قوات الصحابة (سباه صحابه)، وخاصة عمليات تفجير مساجد المسلمين الشيعة، وأسواقهم ومدارسهم.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الإحالات

1- انظر في هذه المجال: الشيخ عبدالحسين النجفي الأميني، الغدير في الكتاب والسنة والأدب، وكارل بروكلمان، تأريخ الشعوب الإسلامية، وأسد حيدر، الإمام الصادق والمذاهب الأربعة، محمد بن عبدالكريم الشهرستاني، الملل والنحل، وعبدالقادر بن القادر البغدادي، الفرق بين الفرق، والشيخ جعفر السبحاني، الملل والنحل، والسيد مرتضي العسكري معالم المدرستين.

2- انظر: جلال العالم، دمّروا الإسلام أبيدوا أهله، ص 60.

3-مجلة آخر ساعة، العدد 2106، 5/3/1975 ، نقلاً عن المصدر السابق.

4-د. يوسف القرضاويف الحلول المستورد وكيف جنت على أمّتنا.

5- من المؤامرات البارزة في هذا المجال محاولة (نوجه) الانقلابية، التي كشفت عن رقم مثير يرتبط بأحد دوافع المحاولة. يقول العقيد «ركني» وهو من أبرز قادة المحاولة في اعترافاته: «من الأسباب المهمة التي دفعتنا للقيام بالمحاولة هو اعتقادنا بأننا سنفقد إيران بالفعل، فإيران آخذه بالتحوّل إلى دولة عربية، ولم يبق إلا أن يقول مسؤولوا الجمهورية الإسلامية للناس لا تتحدّثوا بالفارسية.

انظر: سيد على موسوي، الانقلاب والانقلاب المضاد، ص195.

6- احمد مفتي زاده، آخر لقاء وآخر كلمة.. قضايا أهل السنة في إيران، ترجمة: مسلم إيراني، الصفحة د.

7-المصدر السابق نفسه.

8- انظر: متی يطلق سراح المجاهد أحمد مفتي زاده؟، مجلة المجتمع (الكويتية)، العدد 635، 30/8/1983، ص18-19.

9- الشيخ ضيائي، أحوال العرب السنة في إيران، مجلة المجتمع العدد 589، 2/10/1982، ص17.

10- صحيفة الرأي العام (الكويتية)، العدد 5469، نقلاً عن: جعفر حسين نزار، إيران في المخاض، ص 134.

11-مجلة إلى الامام، العدد 651، نقلاً عن المصدر السابق.

12-د. عز الدين إبراهيم، الشيعة والسنة ضحة مفتعلة، مجلة النور (المقدسية)، العدد الأول، آب 1982، ص 26.

13- نقلاً عن: محمود النجار، الثورة الايرانية واحتمالات الخطر في الخليج، ص 24.

14-المصدر السابق، ص 244.

15- المصدر السابق نفسه.

16-الشيخ محمد الغزالي، دفاع عن العقيدة والشريعة، ص 264.

17- وهي وثائق مستلة من ملفات جهاز الساواك ووزارة الخارجية الايرانية، وحددت هذه الوثائق المبالغ التي سلّمها الساواك أو السفارات الإيرانية إلى رؤساء تحرير ومدراء مؤسسات صحيفة معروفة. وقد نشرت الصحافة الإيرانية، ومنها صحيفة كيهان العربي، خلال عام 1982م مجموعة من هذه الوثائق.

18- انظر: على المؤمن، المسألة الطائفية في الإسلام، ص 105-108.

34- الحديث عن إشكالية تحديد المذهب دستورياً، فهو ما سنوكله لأحد فصول الكتاب، ولكن أردنا القول من خلال طرح هذه القضية بأن إقرار الدستور للمذهب الرسمي كان المفترق الذي كشف عن حقيقة تحرك الكثيرين وحدد موقفهم من الغزو الطائفي.

35- الأدبيات الشرعية والقانوني للجمهورية الإسلامية لا تعترف بمصطلح «الأقليات القومية، ومصطلح الأقليات تطلقه الجمهورية الإسلامية على الأقليات الدينية فقط (اليهود، والنصاري والمجوس).

36- “الآذريون” بعرفون بأتراك إيران، ويشكلون 24% من عدد السكان، وهم شيعة، وشركاء تاريخيون للفرس في السلطة. أما اللر فهم احفاد العيلاميين، ويتكونون من فيليين وبختيارية وكلهريه وبويرية، وتتم نسبتهم للكرد خطاً، وهم شيعة أيضاً، وينحدر أغلب مسؤولي الدرجة الأولى في الجمهورية الإسلامية من أصول فارسية وآذرية ولرية.

37-فهمي هويدي، إيران من الداخل، ص352.

38- ينتمي 95% من عرب إيران إلى المذهب الشيعي، ويتركزون في محافظة خوزستان. أما العرب السنّة (5 % من مجمل عرب إيران) فمركزهم محافظة هرمزكان.

39-فهمي هويدي، إيران من الداخل، ص353.

40-مجلة صوت الوحدة الإسلامية، العدد 38-39، شباط 1983، ص88.

41-من مذاكرات الشيخ صادق الخلخالي، مجلة كيهان سال (كيهان السنوية) لعام 1985، ص18.

42-في عهد الشاه كان شيوخ الطرق الصوفية يسيطرون على الأوضاع الدينية والإجتماعية، وأحياناً الاقتصادية، في كردستان، وذلك بدعم من الحكومة.

43-د. عزالدين إبراهيم وأحمد صادق، أربعة أعوام على انتصار الثورة الإسلامية، مجلة الطليعة الإسلامية، العدد الثاني، فبراير (شباط) 1983، ص49.

44-المصدر السابق، ص29.

45-د. عز الدين إبراهيم و أحمد صادق، أربعة أعوام على انتصار الثورة الإسلامية (مصدر سابق)، ص50.

46-المصدر السابق.

47-آخر لقاء، ص 45.

50-أحوال العرب السنّة في إيران، مجلة المجتمع، العدد 589، 2/10/1982، ص16

 

 

 

 

latest video

news via inbox

Nulla turp dis cursus. Integer liberos  euismod pretium faucibua

Leave A Comment