استراتيجيا البناء الثقافي الإسلامي

Last Updated: 2024/04/01By

استراتيجيا البناء الثقافي الإسلامي

د. علي المؤمن

هناك ثلاثة أنماط ثقافية متصارعة في مجتمعات المسلمين:

النمط الأول: الثقافة الإسلامية الأصيلة، ويمثّلها: علماء الدين الواعون والمثقفون الملتزمون، وكثير من قطاعات الأمة.

النمط الثاني: ثقافة الحاكمين والمستعمرين، وتمثّلها السلطة والنخب المتغربة، وأجهزتهما، المنفصلة أحياناً والمتداخلة أخرى.

النمط الثالث: الثقافة التوفيقية الانتقائية، وهي ثقافة هجينة حاولت أن توفق بين الثقافة الإسلامية الأصيلة والثقافات المستوردة.

ورغم حملات التغريب الشديدة التي كانت تمارسها السلطة والنخب الثقافية المتغربة، إلا أن الثقافة الإسلامية، وبفضل جهود علماء الدين الواعين والمثقفين الملتزمين؛ ظلت ثورة كامنة في نفوس الأمة، وكانت هناك فئات عريضة جداً مخلصة لعقيدتها تواجه حملات التغريب والتحريف الثقافيين بكل ما تملك من قوة.

من هنا؛ فالمسلمون يحظون بإرث ثقافي إسلامي نوعي وكمي، يمكن للنهضات الإسلامية استثماره لمساعدة الفرد والمجتمع على اكتشاف هويتهما وذاتهما وأصالتهما والعودة إليهما، وبالتأكيد، فإن هذا الواقع هو الذي يفجّر النهضات ويمنحها الديمومة والاستمرار، ودفع الأمة لإزالة غبار الثقافة الاستعمارية عنها.

وفي الوقت نفسه، فإن واقع الصراع بين الثقافتين الإسلامية الأصيلة والثقافة التغريبية المستوردة؛ يخلق وسطاً ثقافياً قلقاً، تكمن فيه الخطورة على مجتمعات المسلمين، وهو الوسط الثقافي الهجين الذي يرفع الشعارات والأسماء الإسلامية؛ لكنه يخلط في المضامين والسلوك الثقافي الإسلامي. هذا الوسط الثقافي القلق الهجين لا يريد مساعدة نفسه من أجل العودة إلى ذواته وأصالته. وحيال هذه الثقافة الهجينة، كان الإمام الخميني يبدي أسفه باستمرار، كما في قوله: ((للأسف، إن بعض المثقفين لا يستطيعون أن يتحرروا من تبعيتهم للشرق أو الغرب)).

وأحد أبرز أساليب هؤلاء المثقفين الهجينين؛ القيام بالدعاية لبعض العملاء الثقافيين أو المفكرين الهجينين، وطرحهم كمفكرين مسلمين إصلاحيين، والدعوة إلى تبني أفكارهم، ومحاولة التأثير على بعض الشرائح الاجتماعية؛ للحيلولة دون الإفادة من كتب المفكرين الإسلاميين الأصلاء، بل ويصعِّد بعض التحريفيين مواقفهم ضد المفكرين الإسلاميين الأصلاء، الى مستوى محاولة تصفيتهم معنوياً أو جسدياً. وظل الإمام الخميني واعياً بدقة الى هذا الصراع وخلفياته ومآلاته وعلاجه، فكان يطرح معادلاته على الأمة باستمرار ويحذرها من السقوط في براثن الثقافة الهجينة، ويوصى بالمفكرين الإسلاميين الأصلاء، ويدعوا إلى قراءة كتبهم ودراسة أفكارهم، باعتبارها تمثّل الفكر الإسلامي الأصيل، ففي وصيته إلى الأمة؛ طالبها بالاستفادة من مؤلفات السيد محمد باقر الصدر ((آمل أن يستفاد من كتب هذا الرجل العظيم وأن تدرس من قبل المطلعين))، وكذلك كتب الشيخ مرتضى المطهري قال ((أوصي الطلاب والطبقة المثقفة الملتزمة أن لا يتركوا كتب هذا الأستاذ العزيز، تودع في زاوية النسيان بمؤامرة أعداء الإسلام)).

ولعل وعي حقائق الصراع الثقافي في مجتمعات المسلمين، والتعرف على مصادر البناء الثقافي الإسلامي المعاصر، هما القاعدتان الأهم اللذان تستند إليهما استراتيجيا البناء الثقافي الإسلامي.

وتتوزع عملية تنفيذ هذه الاستراتيجيا على عدد من المحاور، أهمها:

1 – الهدم: ويتمثّل بتصفية مظاهر الموروث الثقافي الدخيل والمنحرف، محلياً كان أم خارجياً، واقتلاع جذوره، رغم أن هذا العمل ليس هيّناً أمام حجم الموروث الثقافي ونوعه.

2 – التصدي: أي التدافع مع بنى الثقافة المضادة وأدواتها، وإيقاف زحف الغزو الثقافي وإفراغ محتواه ومواجهة رموزه ووسائله، الوافدة من الخارج أو أصدائها في الداخل. ولا شك في أن الأمة تتحمل العبء الأكبر في عملية المواجهة؛ لأن هدف المستكبر المتفوق هو هدم البناء الثقافي للأمة. وحينها يكون حصن الأمة وسلاحها في عملية المواجهة والتصدي هو الثقافة الإسلامية الأصيلة، التي يقع نشرها وتركيزها في أوساط الأمة على عاتق العلماء والمفكرين ووسائل الثقافة الجماهيرية.

3 – البناء: ويتمثّل بتشييد بناء الثقافة الإسلامية الأصيلة، وتحويل المجتمع المسلم إلى وحدة ثقافية إسلامية مترابطة، وصولاً إلى مرحلة هيمنة الثقافة الإسلامية على كل مفاهيم وأفكار وسلوك وأنماط حياة المجتمع.

4 – التعريف: ويعني التعريف بالثقافة الإسلامية الأصيلة للمجتمعات الإنسانية الأخرى؛ ليتبين الآخر المختلف دينياً وفكرياً وثقافياً؛ عمق مرجعية هذه الثقافة، وقوة قواعدها، ليشكّل ذلك حماية استراتيجية ثقافية للواقع الإسلامي، يدافع عنه، ويدفع ثقافة الاستعمار وعملائه، وصولاً الى إمكانية تحوّل الصراع مكانياً إلى جغرافيا المستكبر المتفوق والجغرافيا الخاضعة لهيمنته الثقافية، ونقصد بهما بلدان الغرب وبعض البلدان التي تدور في فلكها.

ولا شك؛ إن النجاح النسبي في تحقيق أهداف هذه المحاور الأربعة؛ سيحوِّل الثقافة الإسلامية في المجتمعات الإسلامية الى واقع ثقافي أصيل وعميق ومحصّن، ويكون العمود الفقري للبناء الإسلامي الحضاري الجديد. وباختصار، فإن نجاح الاستراتيجية الثقافية الإسلامية رهين تنفيذها من كل شرائح الأمة، وبصيغة تعاضدية، بدءاً بالمؤسسة الدينية والمؤسسة التعلمية والدولة، وانتهاء بمؤسسات المجتمع المدني، مع توزيع تكاملي للمهام؛ فيد تهدم الموروث الثقافي المتراكم عن العهود المختلفة، وأخرى تتصدى للهجمات الثقافية المستمرة، وثالثة تبني الصرح الشامخ للثقافة الإسلامية الأصيلة، ورابعة تعرف الإنسانية بهذه الثقافة. وحينها تقوم المؤسسات الإسلامية بطرح بدائلها الثقافية على مختلف الصعد، وخاصة القضايا المعاصرة التي تتسم بكثير من التعقيد، والقضايا الفكرية والسلوكية التي أفرزها التطور العلمي والتكنولوجي الهائل، والذي يأخذ اتجاهاً تصاعدياً لا يمكن السيطرة عليه.

وطرح البدائل الثقافية يتم عبر مختلف الوسائل والأساليب التي تنسجم مع الواقع ومع حقائق التطور، ومن أبرزها: وسائل الصحافة والإعلام، وخصوصاً الإذاعة والتلفزيون، ومواقع الإنترنيت والتواصل الاجتماعي، والسينما والمسرح والموسيقى وغيرها من الفنون، وكذلك مؤسسات البحث العلمي، ومؤسسات التبليغ، والتنظيمات الاجتماعية الفاعلة الخاصة بالشباب والأطفال والمرأة والعمال. إضافة إلى الوسيلة الأكثر أهمية، أي التعليم، الذي يعدّ العنصر الأساس في العملية الثقافية ونقلها وتطويرها، إلى درجة جعلت معظم علماء الاجتماع يضعون التعليم ومستواه في المجتمع أساساً لتقسيم أنواع الثقافات واكتشاف نوعية الثقافة السائدة في أي مجتمع.

 

latest video

news via inbox

Nulla turp dis cursus. Integer liberos  euismod pretium faucibua

Leave A Comment