استثمار مراسيم الأربعينية لخدمة أهداف نهضة الحسين

Last Updated: 2024/04/01By

استثمار مراسيم الأربعينية لخدمة أهداف نهضة الحسين

د. علي المؤمن

مراسيم الأربعينية الحسينية المتفردة تاريخياً وجغرافياً؛ دليل ميداني واضح على قدرة العراقيين الفائقة على التنظيم والإدارة والتدبير والعطاء والتضحية والبذل من أجل إنجاح أضخم مراسيم كمية في العالم. ولعل بالإمكان استثمار هذه القدرة وتعميمها؛ لتتحول المراسيم من ظاهرة موسمية كمية الى ظاهرة نوعية مثمرة على مدار السنة؛ عبر توظيف معطيات الظاهرة في الجانب الاجتماعي التكافلي، والديني التوعوي، والجهادي، والتنموي المستدام؛ لتكون قاعدة للنهوض الوطني الشامل؛ لأن شعباً بهذا التألق والإشراق والنجومية، ودولة بهذا الحجم من قبول التحدي والإصرار على النجاح؛ جديران بأن يكونا في مصاف الشعوب والدول المتقدمة الكبيرة في نموهما الداخلي وحضورهما الدولي وإنجازاتهما على كل الصعد وتحقيق طموحاتها المستقبلية. وبالتالي؛ فإن هذه المراسيم الأضخم عالمياً هي أعظم مولد لطاقة الأمة، وأعظم دافع نحو البناء والتخطيط السليم، وأروع مظهر لتلاحم جماعات الأمة وأفرادها، وتعاونهم وتكافلهم وتوادهم وتحاببهم.

العراق بكله؛ بحاجة الى استثمار نوعي لهذا الحدث السنوي العالمي؛ باتجاه مزيد من التمسك بأهداف آل البيت الإنسانية والأخلاقية والدينية وبقضية الإمام الحسين وغاياتها، وصولاً تحقيق أهداف الدين والوطن؛ ليعود العراقي الى مدينته وقريته وبيته ومحل عمله؛ وهو مشحون بطاقة الصلاح والإصلاح والبناء والتنمية الشخصية والمجتمعية، ومندفع نحو خدمة المجتمع والبلد، وملتزم بالعبادات وأحكام الشريعة في كل مجالات الحياة.

لو قامت الدولة العراقية والمرجعية الدينية والحوزة العلمية ومنظمات المجتمع المدني والمؤسسات الدينية والهيئات الحسينية ووسائل الإعلام والجماعات الإسلامية وقطاعات السوق والتجار ورجال الأعمال؛ باستثمار الطاقة الكبرى التي تولدها مراسيم الأربعينية في نفوس العراقيين وعقولهم؛ لتغيرت معادلة العراق قطعاً، ولا نسحب هذا النجاح الموسمي السنوي الى نجاحات باهرة مستدامة.

الى جانب المراسيم الموسمية السنوية نفسها؛ يمكن تخصيص جزء من التبرعات أو مضاعفتها، وبعض المنشآت والمباني، وأعداد من المتطوعين؛ لتأسيس مؤسسات لمهمات محددة؛ تعمل على مدار السنة، ويمكن أن تحمل اسم “الأربعينية الحسينية”؛ لكيلا يخرج العطاء عن هذه المناسبة كما يرغب بذلك أهل العطاء. مثالاً:

1- جمعيات وطنية ومحلية كبرى للتكافل الاجتماعي؛ تهتم بمساعدة المحتاجين والأيتام والعجزة والمرضى، ودعم زواج الفقراء، ومشاريع إسكان المعوزين.

2- مشاريع وقفية اقتصادية تنموية لتشغيل العاطلين، ولمساعدة العاطلين أيضاً في إقامة مشاريع عمل صغيرة.

3- مؤسسات فنية وإعلامية لإنتاج أفلام وثائقية وروائية ومسلسلات تلفزيونية وكليبات وغيرها من الأعمال الفنية، وبمختلف لغات العالم، حول حياة أهل البيت والقضية الحسينية وتاريخها وجهاد الحسنيين على مر التاريخ ومحاربة الطغاة لشعائر أهل البيت، واستنهاض الأمة للدفاع عن مقدراتها ضد الإرهاب والجماعات الإرهابية والتكفيرية.

4- جمعيات ومؤسسات دينية إرشادية دعوية ثقافية؛ تعمل على تقوية الجانب الإيماني والعبادي والعقائدي لدى المشاركين بالمراسيم.

5- لجان للتحرك على العراقيين غير الشيعة وغير المسلمين؛ من أهل السنة أو المسيحيين؛ للمشاركة بكثافة عددية وحضور نوعي وعناوين واضحة في مراسيم الأربعينية؛ لتحويلها الى نطاق داعمة لمشروع التلاحم الوطني.

وهناك أفكار عملية كثيرة أخرى يمكن تنفيذها بتعاضد علماء الدين والمثقفين والمسؤولين والتجار وأصحاب الهيئات الحسينية.

هل يمكن كسر نظام ديني اجتماعي بهذا الاقتدار؟

د. علي المؤمن

تخيّل أن نظاماً اجتماعياً دينياً، يستطيع سنوياً تحشيد ما يقرب من (24) مليون إنسان من أتباعه، من (75) دولة، تحشيداً ذاتياّ، في منطقة واحدة، ويسيرون مشياً على الأقدام باتجاه مدينة واحدة، على طرق مجموع طولها (10) آلاف كم، لمدة (2- 15) يوماّ، بدرجة حرارة (50) مئوية، وينصبون (100) ألف محطة خدمة مؤقتة على هذه الطرق، ممولة ذاتياّ، تقدم بالمجان الطعام والشراب والإسكان والعلاج ومحلات العبادة وغيرها من الخدمات، وبواقع (500) مليون وجبة طعام، و(500) مليون لتر مياه، و(مليار) قدح شاي، و(100) مليون قنينة عصير، و(500) ألف طن فواكه. ويرفع هؤلاء المشاة (3) ملايين علم وراية ويافطة، ويطلقون الشعارات والهتافات نفسها، ويمارسون المراسيم نفسها، كلّ بلغته، ثم يجتمعون في المدينة المقصودة في آخر يوم من هذه المراسيم؛ ليجددوا عهد الارتباط والانتماء والولاء لأحد أهم رموز نظامهم الاجتماعي الديني.

تخيّل أنّ هذه المراسيم، الفريدة في حجمها ونوعها على مستوى التاريخ والجغرافيا؛ تقام ذاتياً بتنظيم عالي المستوى، دون وجود جهة داعية أو منظِّمة، أو حتى مشرفة، ودون أن تحصل خلالها أية مشاكل اجتماعية واقتصادية وأمنية، وهي أسرار لا يحتويها سوى نظام اجتماعي ديني واحد في هذا العالم.

تخيّل أنّ هذا النظام الاجتماعي الديني المتفرد، الذي يعيش عصره الذهبي، بعد أن بلغ هذا المستوى من الفاعلية والعالمية والتماسك والمركزية والتمويل الذاتي، وينتج هكذا ظواهر عالمية فريدة؛ هل يمكن كسره وإركاعه؟!، وهل يمكن إعادته الى عصور التهميش والعزل والظلام والقمع والتشريد؟!

منذ البداية؛ قررت أن لا أذكر عنوان هذه المراسيم، ولا النظام الاجتماعي الديني الذي يقوم بها، ولا الدولة التي تقام فيها؛ لكي أترك للقارئ الإجابة على الأسئلة دون أن تكون متأثراً بخلفيات طائفية أو دينية أو سياسية مسبقة.

 

 

latest video

news via inbox

Nulla turp dis cursus. Integer liberos  euismod pretium faucibua

Leave A Comment