اتهام الفرس بالمجوسية والكيد بالإسلام

Last Updated: 2024/03/24By

اتهام الفرس بالمجوسية والكيد بالإسلام

د. علي المؤمن

يتميز الفرس بدور تاريخي خاص في حركة ظهور المذاهب في الإسلام وانتشارها، ولا يمكن للأبحاث العلمية المختصة بتأريخ المذاهب أن ترقى لمستوى أهدافها بمعزل عن دراسة هذا الدور بموضوعية، لأن عمق دور الفرس وسعة مساحته يشمل جميع المذاهب، بشكل أو بآخر، سواء الفرق والمذاهب السنبة أو الفرق والمذاهب الشيعية. ولكن، ما يعنينا هنا انقلاب الصورة تجاه هذا الدور بمجرد تحول إيران رسمياً الى دولة شيعية خلال العصر الصفوي.

فبعد تشيع من تبقى من شعوب بلاد فارس على يد الدولة البويهية ثم الدولة الصفوية، وتحول بلاد فارس رسمياً الى دولة شيعية، وتأجج نار الصراع الطائفي ــ السياسي بين الدولة السلجوقية والدولة البويهية ثم بين الدولة العثمانية والدولة الصفوية؛ فإن المنظومة الطائفية المخاصمة للمذهب الشيعي؛ أخذت تغير من لهجتها تجاه الفرس ودورهم العلمي، وأعادت الى الأذهان دعاية العقيدة الأموية الطائفية العنصرية ضد غير العرب وغير السنة، ولاسيما الفرس الشيعة، وأخذت تربط دور الفرس في التاريخ الإسلامي بظهور المذهب الشيعي وانتشاره، في إطار الحالة الطائفية المتعصبة، فالاتهام بالفارسية يُقصد منه هنا الإساءة والتشويه، وما يترتب عليه من محاولات الطعن بالشعوبية، والبحث عن جذور غير إسلامية و غير عربية لهذا المذهب أو ذاك.

وتبنى بعض المستشرقين الأوروبيين هذه الرؤية، ثم المؤرخين المسلمين السنة الذين تأثروا بهم، ومن أبرزهم، المستشرق “دوزي”، الذي رأي أن الفرس وجدوا انسجاماً بين إدانتهم بالملكية الوراثية والإمامة الوراثية، في حين يرى “فلهوزن” أن الشيعة نبعت من اليهودية أكثر من الفارسية. أما “كارل بروكلمان” فيقول بأن حزب علي (الشيعة) أصبح فيما بعد ملتقى جميع النزعات المناوئة للعرب، ويعني ذلك أن التشيع كان مرادفاً للشعوبية. ومن المؤرخين المعاصرين الذين ذهبوا إلى هذا الرأي، أحمد أمين في كتابه “فجر الإسلام”، والشيخ محمد أبو زهرة في كتاب “تاريخ المذاهب الإسلامية”، إذ يقول أحمد أمين بأن «نظرة الشيعة في علي وأبنائه هي نظرة آبائهم الأولين من الملوك الساسانيين»، وهو مضمون رأي “دوزي” نفسه، فيما يقول الشيخ أبو زهرة: «في الحق إنا نعتقد أن الشيعة قد تأثروا بالأفكار الفارسية حول الملك ووراثته… وإن الشيعة الأولين كانوا من أهل فارس».

وبالتالي؛ فإن التأكيد على سلبية دور الفرس جاء متأخراً، وتحديداً مع تصاعد الدعاية العثمانية ضد الدولة الصفوية والشيعة، ثم انتقال الدعاية العثمانية الى ولايتها العربية، وصولاً الى تقريرها رسمياً في كتابات المؤرخين والباحثين العرب المعاصرين، بينما لم يجرِ الحديث عن مجوسية الفرس وكيدهم بالإسلام قبل ذلك، حتى أصبح هذا الحديث، أحد أبرز حراب الماكنة الدعائية للتكفيريين الجدد ضد الفرس الشيعة، ليس لأنهم فرساً، بل لأنهم شيعة.

ورغم أن هذه الماكنة الدعائية لا تصرح بفارسية ومجوسية المذاهب الإسلامية السنية، لكنها حين تقرن الفرس بصفة المجوس والكيد بالإسلام في تنظيراتها وكتاباتها وإعلامها؛ فإنها توحيان تلقائياً بأن أهل السنة هم أتباع المجوس، وأن المذاهب السنية التي تتبع أئمة وفقهاء ومحدثين ومفسرين من الفرس؛ باتت فاقدةً لشرعية التمذهب، لأن الفرس إذا ظلوا على مجوسيتهم بعد الفتح الإسلامي لبلاد فارس، وعلى كيدهم بالإسلام؛ فهذا يعني أنهم أسسوا مذاهب أهل السنة وكتبوا أحاديثهم وفسروا لهم القرآن الكريم وكتبوا تاريخهم وقننوا لهم النحو والصرف وفقه اللغة العربية، من منطلق الكيد بالإسلام، وهي دعوى لا تصح عقلاً وشرعاً.

وغير خاف على أحد أن السلفية التكفيرية هي الفرقة الأكثر تكريساً لقواعد التمييز العرقي والقومي، وتفضيل العرب على غيرهم من المسلمين، ووصف كل من يدعو للتساوي بين المسلمين بأنه شعوبي ومعادٍ للعرب، وهي نزعة جاهلية أعرابية أسسها الأمويون، وأورثوها للمدرسة السلفية التكفيرية، ثم تلقفها منهم بعض العرب الشوفينيين؛ ليمعنوا تكريس فلسفة الكراهية للشعوب المسلمة، ولاسيما للفرس؛ ولكن ليس على أساس ديني؛ بل على أساس عنصري. وبذلك مثّل السلفيون التكفيريون الجناح اليميني الثيوقراطي من الايديولوجيا الأموية الجديدة، فيما مثلت العقيدة الشوفينية لبعض العرب الجناح اليساري العلماني للايديولوجيا الأموية؛ على اعتبار أن جوهر الحكم الأموية كان علمانياً ببرقع ثيوقراطي.

ولاشك أن هدف المنظومة الطائفية العنصرية في وصف المسلمين الفرس بالمجوسية بالأساس، هي مدرسة أهل البيت وليس المذاهب السنية، لأن مشكلتها ليست مع الفرس بل مع الشيعة، حين تصف التشيع بأنه فارسي، وبالتالي فهو دين مجوسي، ولكن؛ حين تفشل هذه الدعاية في إثبات حقيقة فارسية التشيع بالأدلة العقدية والفقهية والرجالية والتاريخية؛ فإنها سترتد على المذاهب الإسلامية السنية، بقصد أو بدونه، إلّا إذا أخذنا بالتفسيرات الطائفية الانتقائية التي تخلو من أي منطق ومنهج علمي، والتي ترى بأن الفارسي يكون مجوسياً حين يكون شيعياً، أما الفارسي السني فهو ليس مجوسياً، بل مسلم ينطبق عليه حديث (( لا فرق بين عربي وأعجمي إلا بالتقوى))، وإن  كان هذا الفارسي السني شعوبياً وعدواً للعرب. في حين لو كان الفارسي شيعياً وعادلاً وتقياً، بل من أصل عربي وسيد شريف من سلالة رسول الله، ولكن بما انه شيعي؛ فلابد أن يكون مجوسياً وعدواً للعرب!.

latest video

news via inbox

Nulla turp dis cursus. Integer liberos  euismod pretium faucibua

Leave A Comment