إيران أحد عناصر قوة النظام الاجتماعي الديني الشيعي

Last Updated: 2024/04/07By

إيران أحد عناصر قوة النظام الاجتماعي الديني الشيعي

علي المؤمن

 

ظلت إيران منذ أن دخل شعبها في الإسلام؛ محطةً أساسية لهجرة الشيعة العرب عموماً، والعراقيين وذرية أئمة آل البيت خصوصاً، أو لجوئهم هرباً من بطش السلطات الأُموية، ثم العباسية والأيوبية والعثمانية والبريطانية، وصولاً إلى السلطات البعثية([1]). وبرزت أهمية هذا الملجأ المذهبي بعد تأسيس أول دولة شيعية في إيران، وهي الدولة العلوية في طبرستان (محافظات مازندران وجيلان وجرجان الحالية) في العام (250 هـ/864 م)، على يد أحد أحفاد الإمام الحسن بن علي، الهارب مع أُسرته من العراق من قمع السلطة العباسية([2]).

وتكرس وجود إيران كإحدى حاميات الواقع الشيعي بعد تأسيس الدولة البويهية، ثم حامية وحيدة بعد انهيار جميع الدول الشيعية، الإدريسية في شمال إفريقية، والحمدانية في شمال العراق وسورية الكبرى، والفاطمية في مصـر، وتأسيس الدولة الصفوية على يد الأُسرة الموسوية الصفوية. واستمر هذا الوضع إلى العصر الحديث وتأسيس الدول القومية في العالم الإسلامي، حيث بقيت إيران الدولة الشيعية الوحيدة، إلى جانب (55) دولة سنية تحكمها أنظمة سنية، وخمس دول بات السنة والشيعة يشتركون رسمياً في حكمها، وهي (العراق ولبنان وسورية واليمن وآذربيجان).

وبرز دور إيران الإقليمي في دعم الحراك الإسلامي عموماً، والشيعي خصوصاً، وحمايته، بعد تأسيس نظام الجمهورية الإسلامية فيها، ولا تزال الداعم الوحيد للمشاركة الشيعية الحكومية في البلدان الخمسة المذكورة، ولولا هذه الحماية الطبيعية ذات المنشأ الديني والإنساني، لتخلخل واقع هذه المشاركة بشكل كبير.

هذا الحضور الإيراني الإقليمي الفاعل، هو عنصـر القوة الإيديولوجية والفكرية والثقافية والإعلامية والسياسية الأساسية للشيعة، ولنظامهم الاجتماعي الديني، ومنطلق الصعود الشيعي الكبير بعد العام 1979، والذي حقق إنجازات أساسية على الأرض، للشيعة عموماً، والشيعة العرب خصوصاً، وإن تخلل هذا الحضور والصعود أخطاء وإشكاليات غير مقبولة. وقد أثار هذا الصعود حفيظة جميع الأنظمة السنية، رغم كونها أنظمة علمانية غالباً، وكذا المؤسسات الدينية السنية والوهابية الرسمية وشبه الرسمية، وأكثر الأحزاب والجماعات السنية، العلمانية والإسلامية؛ لأنّ هذا الصعود غير المسبوق يتسبب في خلل في معادلة الهيمنة الطائفية في العالم الإسلامي، ويسمح للشيعة بالحصول على جزء من حقوقهم وحرياتهم المذهبية والسياسية والاجتماعية، وهو ما ظل مرفوضاً وممنوعاً طوال القرون الماضية، وتحديداً منذ سقوط الدولة الصفوية.

وراح خصوم الشيعة يصورون الحماية الإيرانية للشيعة بأنّها تدخّل سياسي وإيديولوجي إيراني في شؤون بلدان الصعود الشيعي، وأنه يهدف إلى تحقيق مصالح وطنية وسياسية لإيران. والحال؛ أنّ الشيعة عموماً يرون بأنّ المصالح الإيرانية المذهبية والسياسية تلتقي تلقائياً بمصالحهم، وبطموحاتهم في انتزاع حقوقهم الطبيعية، حتى وإن سلّمنا بأنّ دوافع الحماية الإيرانية هذه هي بالفعل مصالح وطنية وسياسية خاصة. وبالتالي؛ فهي مصالح مشتركة، حالها حال المصالح الإيديولوجية والقومية والسياسية والاقتصادية المشتركة بين دول العالم. إلاّ أن الخصوم يهدفون من وراء هذه الإثارات الدعائية إلى إحباط الحضور السياسي والمذهبي للشيعة، ولا سيما الشيعة العرب.

وقد تعاضدت جهود الأنظمة الطائفية في المنطقة، وخاصة أنظمة البعث في العراق والسعودية وبعض البلدان الخليجية، وكذا كثير من الدول الغربية، تتقدمهم الولايات المتحدة الأمريكية، من أجل ضرب إيران ونظامها الإسلامي الشيعي، وقوة الحماية التي تشكلها للشيعة، عبر استخدام أقوى وسائل الحرب، بدءاً بالحرب الإعلامية والدعائية والحرب العسكرية، وانتهاءً بالحرب الإيديولوجية والاقتصادية. والهدف من وراء كل تلك الحروب، توجيه ضربة مشتركة للواقع الشيعي برمته، وليس لإيران وحسب؛ لأنّ خصوم الشيعة يعلنون سراً وعلناً بأنّ «ضرب إيران سينجم عنه انهيار الواقع الشيعي برمته، خاصة في العراق ولبنان؛ لأنّ إيران هي رأس الأفعى الشيعية؛ فإذا قطع الرأس، مات الجسد والذيل تلقائياً»([3]).

 

([1]) من أهم الهجرات الجماعية الأُولى، هجرة قبيلة الأشعريين إلى منطقة قم في نهايات القرن الهجري الأول، وهم من الشيعة الكوفيين العراقيين، وقد قاموا بتأسيس مدينة قم، وتحويلها إلى حاضرة علمية دينية اجتماعية شيعية. وكذلك الهجرات الجماعية في العصرين الأُموي والعباسي، إلى خراسان وري (طهران) وسبزوار وطبرستان (آمل) والأهواز وشيراز وتبريز، حيث أقاموا في هذه المناطق مراكز اجتماعية دينية شيعية مهمة، تحولت بالتدريج إلى مراكز إشعاع لنشر التشيع في كل إيران. وكان عدد كبير من المهاجرين من السادة العلويين من أحفاد الإمامين الحسن والحسين. ولعل الهروب من ماكنة الاضطهاد والقتل الأُموية والعباسية هو السبب الأساس لهذه الهجرات.

([2]) أُنظر: الشيخ محمدجواد مغنية، «الشيعة في الميزان»، ص 135ـ137. عبد الرحمن ابن خلدون، تاريخ ابن خلدون «العبر وديوان المبتدأ والخبر»، ج3 ص356. مهدي جواد حسيب، «الدولة العلوية في طبرستان» (رسالة ماجستير).

([3]) أُنظر: الندوة التلفزيونية في قناة السعودية:

www. facebook. com/alialmomen644/posts/1503027039736910

latest video

news via inbox

Nulla turp dis cursus. Integer liberos  euismod pretium faucibua

Leave A Comment