إشكالية البقاء على تقليد الفقيه الميت

Last Updated: 2024/04/01By

إشكالية البقاء على تقليد الفقيه الميت

د. علي المؤمن

بعيداً عن الجدل في موضوعات تقليد الفقيه والمباني الشرعية والعقلائية في الرجوع إليه، والأعلمية ومعاييرها التقليدية والحديثة، ووظائف الفقيه وصلاحياته وولاياته، والتي فصّلناها في كتاب “الاجتماع الديني الشيعي”؛ فإن الموضوع الذي نطرحه هنا يرتبط ارتباطاً مباشرة بأضلاع هذا المثلث؛ إذ ننطلق من كونها فرضيات ثابتة أو مسلّمات افتراضية، لكي نركز الحديث على الموضوع الذي يترشح عنها، وهي مسوغات البقاء على تقليد الفقيه المتوفي أو تقليده ابتداءً، أي ابتداء المكلّف بالرجوع الى الفقيه وهو ميت.

إن الفقيه الشيعي ــ كما مر ــ ليس مجرد مفتي، أي أنه ليس رجل دين جالساً في صومعته ومدرسته، ليصدر قرارات التحليل والتحريم، ويقدم المواعظ والإرشادات الدينية والأخلاقية، بل هو مرجع ديني وزمني، أي مشروع قيادة اجتماعية دينية، وفق ما تشير إليه الروايات الدالة على ولاياته في الفتوى والقضاء والحسبة والمال الشرعي، وهي ولايات الحد الأدنى المُجمع عليها بين الفقهاء. وعليه؛ فإن البقاء على تقليد الفقيه الميت أو تقليده ابتداءً، يتعارضان مع طبيعة وظيفة الفقيه وواجباته، وإن كان أعلماً وفق قناعة بعض أهل الخبرة؛ وبالتالي؛ لا يوجد مسوغ عقلائي أو شرعي يسمح بالتبعيض في ولاياته والرجوع إليه في الفتوى حصراً بعد وفاته، وعدم الرجوع إليه في الولايات الأخرى، والتي تحتاج الى حضوره الواقعي المباشر، وليس الافتراضي من خلال فتاواه.

ولو كان الفقيه الشيعي مجرد رجل دين يحلل ويحرم ويعظ، كأي قس مسيحي أو كاهن يهودي أو رجل دين سني؛ لأمكن البقاء على الرجوع إليه في فتاواه ومواعظه بعد موته، ولكن أن يكون أيضاً ولياً على أمور الحسبة والقضاء والمال والحكم؛ فكيف يستقيم الرجوع إليه في هذه المجالات وهو ميت؟!. كما أن تميز الفقه الشيعي في مجالات الاجتهاد المستمر ومدخلية العقل في الكشف، ورفض القياس والاستحسان، ومعايير الاجتهاد الجديد الفاعل المرتبط بوعي العصر والمستقبل ومساراتهما، والاستجابة لحاجات الفرد والمجتمع في متغيرات السياسة والاقتصاد والثقافة وغيرها؛ تتعارض مع إمكانية الفقيه الميت على حيازة عناصر الاجتهاد الجديد، واستمراره في استثمارها للتعبير عن موقف الشريعة من الموضوعات، بما فيها القديمة المتحولة.

وفضلاً عن الإشكالية الفقهية الواقعية في هذا المجال؛ فإن هناك مشكلة واقعية أخرى تترشح عن قضية البقاء على تقليد الميت وتقليده ابتداءً، ربما لا تقل في تعقيداتها عن المشكلة الأولى، وهي اقتضاء استمرار مكتب الفقيه مفتوحاً وفاعلاً بعد وفاته، أو بكلمة أخرى استمرار مرجعيته الدينية قائمة فاعلة على يد ذويه، من أجل الاستمرار في إدارة مقلديه القدماء والجدد، وما يترتب على ذلك من استمرار تدفق الحقوق الشرعية، وصدور الفتاوى، بمسوغ صدورها وفق مبانيه الفقهية، وصدور البينات، بما في ذلك البيانات التي تعبر عن مواقف سياسية. والحال أن استمرار مكتب الفقيه مفتوحاً وبقاء مرجعيته فاعلة؛ بحاجة الى الوجود الفعلي الواقعي للفقيه نفسه، لكي يشرف إشرافاً مباشراً على مكتبه ويضبط حركته، لأنه مكتبه المرجعي الشخصي، أي مقترناً بوجود شخصه حصراً، وإلّا يكون بقاء المكتب سالباً بانتفاء موضوعه.

وكلا الإشكالين لا مسوغ شرعي وعقلائي لهما، حتى وإن أمضاهما أحد الفقهاء الأحياء، وكانت فتواه تقول بجواز البقاء على تقليد الميت، بذريعة الأعلمية، وهو قول يتعارض مع بديهيات وظيفة الفقيه، كما ذكرنا، ومع الوقائع الزمانية والمكانية المتسارعة، والتي تحتاج الى ضبط وملاحقة أو استباق من شخص الفقيه، من أجل الإجابة عليها.

 

latest video

news via inbox

Nulla turp dis cursus. Integer liberos  euismod pretium faucibua

Leave A Comment