إخفاقات السعودية المتراكمة في مخططاتها الطائفية

Last Updated: 2024/04/01By

إخفاقات السعودية المتراكمة في مخططاتها الطائفية

د. علي المؤمن

لقد خسرت الدولة السعودية ما تبقى من سمعتها في تقاربها العلني وتحالفها مع إسرائيل، وخسرت مئات المليارات من أموالها لحساب أمريكا في عملية ابتزاز مهينة، وصل رقم بعض فواتيرها الى (450) مليار دولار، وخسرت الآلاف من جنودها وإمكاناتها العسكرية والمخابراتية في معركتها مع مستضعفي اليمن، رغم أنها دمّرت معظم البنية التحية لليمن وذبحت آلاف الأطفال والنساء، ومزقت الشعب اليمني، إلّا أن خسائرها باتت أقرب الى الفضائح العسكرية والسياسية التاريخية. وحين عملت على نقل معاركها الى الداخل الإيراني، وحرّكت عملائها التكفيريين واستنزفت أموالها، وقامت بعمليات مسلحة في الأهواز وزاهدان وطهران وسنندج؛ فإن المعركة ارتدت عليها في الداخل السعودي بطريقة مرعبة. كما تحول تحالفها مع إسرائيل ضد حزب الله في لبنان الى هزيمة ماحقة لكليهما، كما أصبح النظام السعودي في المعركة مع سوريا؛ الخاسر الأكبر، بعد أن انتهت المعركة باستقرار سوريا، وفي العراق أيضاً؛ فرغم أن النظام السعودي أشعل فيه الفتنة الطائفية، وقتل عملاؤه ما يقرب من (500) ألف عراقي، وأمعن في تخريب العراق؛ لكنه لم يحقق هدفه في إعادة العراق الى ماضيه الطائفي.

إلّا أن هذه الهزائم والخسائر الكبيرة المتوالية التي ظلت تتحملها الدولة السعودية؛ لن تجعلها تغير من ثوابتها الطائفية وأطماعها، ولن تكف عن مشاريعها وخططها، ولن تغلق معامل تفريخ الجماعات الطائفية التكفيرية. وحيال كل ذلك؛ فإن الجدوى الوحيدة النهائية الكفيلة بتجفيف منابع الإرهاب التكفيري؛ إقليمياً وعالمياً؛ تكمن في تفكيك أسلحة الدمار الشامل التي تمتلكها الدولة السعودية، والمتمثلة في السلطة الدينية الوهابية الطائفية الرسمية، وأدواتها وتمظهراتها في داخل السعودية، وجميع أذرعها في بلدان العالم، من هيئات ومؤسسات وجامعات ومساجد ضرار ومدارس ومناهج وكتب ومنشورات ووسائل إعلام ومشايخ ودعاة ومطاوعة، وكذا المناهج الدراسية المدنية من الابتدائية وحتى الدراسات العليا، وإعادة هيكلة المؤسسات التعليمية المدنية، وإتلاف جميع مصادر العقيدة الوهابية ومراجعها وشروحاتها، بدءاً  بكتب ابن تيمية وابن القيم، وانتهاء بكتب محمد بن عبد الوهاب ومشايخ الوهابية من القرن الثامن عشر.

وكذلك إصدار قرارات أممية وإقليمية ومحلية، بمنع الترويج للفكر الوهابي التكفيري، في أية دولة أخرى ومحفل محلي وإقليمي ودولي، واعتبار ذلك جرماً جنائياً يعاقب عليه القانون الدولي والقوانين المحلية؛ بالمنهجية نفسها التي تم تطبيقها على النازية والفاشية. الى جانب إصدار قرارات أممية ومحلية بمحاكمة كل من تورط بفتاوى وممارسات من أمراء ومسؤولي ومشايخ المملكة الوهابية السعودية؛ أدت الى القتل والتدمير وأية خسائر أخرى؛ بحق مواطني المملكة أو مواطني الدول الأخرى، وخاصة العراق والبحرين وسوريا ولبنان وليبيا وأفغانستان وباكستان والشيشان وإندونيسيا ونيجيريا ومالي والصومال.

ولكي نكون واقعيين؛ فإن القيام بهكذا إجراءات، يحتاج الى شبه إجماع دولي وإقليمي وإسلامي، تتبعه إرادة على التنفيذ، ولا سيما في ظل وجود الدعم الأمريكي الاستراتيجي المطلق للنظام السعودي، بوصفه الخندق المتقدم للاستعمار الغربي في قلب العالم الإسلامي، الى جانب الخندق الثاني، إسرائيل، ولو زال الدعم الغربي لهذين الكيانين لتغير سلوكهما الداخلي والخارجي قطعاً، وصولاً الى انهيارهما.

ولذلك؛ يمكن أيضاً التعامل مع إجراءات أخرى، تمثل الحد الأدنى في الضغط على المملكة السعودية، وإحباط بعض مخططاتها، مثل قطع العلاقات الدبلوماسية والسياسية والثقافية والاقتصادية والإعلامية مع المملكة السعودية وأذرعها وامتداداتها، والتعامل بالمثل معها في المجالات الدينية والثقافية والسياسية والإعلامية والاقتصادية والأمنية وغيرها، ومحاربة أية فكرة ومنهج وسلوك ذي علاقة بالعقيدة الوهابية، واعتبار الترويج له جرماً يعاقب عليه القانون، وإتلاف جميع الكتب والمنشورات والمجلات ذات العلاقة، والتحرك الجاد والمستمر على المنظمات الدولية والإسلامية والإقليمية؛ لإصدار قرارات تمنع انتشار الفكر التكفيري الإرهابي الوهابي، وفي مقدّمها مطالبة المملكة السعودية باتخاذ كل الإجراءات العملية الملموسة لمنع الترويج للفكر الوهابي التكفيري، ومنع الفتاوى الجديدة وإلغاء الفتاوى القديمة، وصولاً الى مطالبتها بتفكيك سطوة السلطة الدينية الرسمية وأذرعها وأدواتها.

وهناك من يرى بأن إخفاقات النظام السعودي، دفعته الى تغيير نهجه الطائفي والتخفيف من ضغوطات المؤسسة الدينية، وأن هناك تغييراً نسبياً بعد العام 2021، وتكرس في العام 2023، على مستوى الحريات وممارسة السلطة والانفتاح على الخارج والاعتدال الديني، وأن السعودية اليوم غير السعودية قبل عقد أو عقدين من الزمن. وبصرف النظر عن نوايا القائلين بهذا الرأي ودوافعهم، ومستوى موضوعيتهم؛ فإن الوقائع تثبت عكس ذلك، وتؤكد تمسك النظام السعودي بنهجه الثابت حيال الموضوع الطائفي وحرية التدين والتمذهب والحقوق العامة والسياسية.

فعلى المستوى الطائفي، لاتزال المناهج الدراسية كما هي، تبجِّل (خليفة رسول الله) يزيد و(التابعين) من قتلة آل البيت، وتعد الحسين (خارجاً) على إمام زمانه، كما تفرض على الشيعة تعلّم عقائد الوهابيين وفقههم وتاريخهم، وأغلبها ذم للشيعة ورموزهم، ويضطر الطالب أن يمتحن في القضايا التي تذمه وتكفره، وبالعقائد والتاريخ والأمور الدينية التي تتعارض مع وجوده وما يؤمن به، ولذلك؛ يضطر الشيعة الى تعليم أبنائهم الحقائق في بيوتهم. كما لاتزال الاعتقالات بحق الشيعة، والإعدامات بالسيف، وأسماء الشوارع والمدارس باسم معاوية ويزيد وعبد الرحمن بن ملجم وابن زياد والحجاج، كما هي، ولاتزال قبور أئمة البقيع والزهراء وآل البيت مسواة مع الأرض، ولايزال الشيعة ــ عملياً ــ مواطنون من الدرجة الثالثة، ولايزالون محرومون من حقوقهم وحرياتهم السياسية والدينية، وممنوعون من أن يكونوا في مناصب عليا مدنية أو عسكرية أو قضائية، وحتى في المناصب البسيطة لا تتجاوز نسبتهم ١ بالمائة من عدد المناصب، رغم أن نسبتهم تبلغ ٢٠ بالمائة من عدد سكان الدولة، ولايزال الشيعي في الأدبيات الدينية الرسمية للدولة وفتاواها رافضياً كافراً لا يجوز أكل ذبيحته، وغير ذلك من الوقائع الكثيرة جداً.

ولم يتغيّر برنامج ضرب الشيعة في الشرق الأوسط الذي وضعه بندر بن سلطان في العام ٢٠١٣ عندما كان رئيساً للمخابرات السعودية، ولا دعم المخابرات السعودية للانتحاريين والمرتزقة في العراق وسوريا ولبنان واليمن وإيران، ولايزال الجيش السعودي يحتل اليمن والبحرين، وهو الذي دخل لضرب الشيعة. ولم تعوّض السعودية العراقيين عن الخسائر التي نجمت عن الجرائم التي قامت بها أجهزتها الرسمية ومواطنوها بعد العام ٢٠٠٣، وبينها دعم الجماعات الإرهابية المسلحة والتفجيرات والعمليات الانتحارية التي قام أكثر من خمسة آلاف انتحاري سعودي، والتي يقدِّرها الخبراء القانونيون بأكثر من ترليون دولار (ألف مليار دولار)، لأن التغيير يكون بتسديد ديون الماضي وليس مجرد التوبة، إن كانت هناك توبة.

ولاتزال المؤسسة الوهابية الدينية الحاكمة كما هي، بهيكليتها ومدارسها وجامعاتها وكتبها وفتاوى التكفير والإرهاب التي لا تخفيها، وبمساجدهم في كل العالم التي تنشر الفكر الوهابي، الى جانب افتقاد الدولة للدستور، والبرلمان المنتخب، والقضاء المستقل، وحرية الرأي، والصحافة الحرة، والمعارضة، والأحزاب، ولا تزال الحكومة ضمن سلطة أُسرة آل سعود. أما التغيير الواقعي؛ فيقتصر على حرية إقامة حفلات الغناء والرقص المختلطة، وغض النظر عن بيع وتوزيع الخمور وأوكار الدعارة وحرية السفور فقط، وفتح صالات سينما، والسماح للمرأة بقيادة السيارة، وإلغاء فتوى تكفير من يقول بكروية الأرض، والسماح للأجانب المسيحيين واليهود بدخول مكة والمدينة، وحرية العلاقات بين المرأة والرجل. أما انفتاحهم الخارجي الواقعي؛ فهو الانفتاح على الكيان الصهيوني والعلاقات الأمنية والسياسية والاقتصادية مع الصهاينة.

وإذا كان هناك من يرى بأن التغيير يتمثل في إعادة العلاقات مع إيران خلال العام 2023؛ فهذا ليس تغييراً، لأن العلاقات السعودية الإيرانية كانت قائمة منذ العام 1979، وظلت عرضة للتحولات والتقلبات، وسبق أن انقطعت وعادت مرتين.

 

latest video

news via inbox

Nulla turp dis cursus. Integer liberos  euismod pretium faucibua

Leave A Comment