أهداف الثقافة المضادة وأدواتها

Last Updated: 2024/04/07By

أهداف الثقافة المضادة وأدواتها

د. علي المؤمن

الغزو الثقافي: هو هجوم وحرب وعدوان غير مشروع، تقوم به دولة أو قوة أو جماعة، متفوقة عسكرياً وعلمياً وتكنولوجياً ومالياً، ضد دولة أو مجتمع أو جماعة أخرى، باستخدام وسائل ثقافية وإعلامية وفنية وتعليمية وفكرية. أما الثقافة المضادة؛ فهو الهدف الذي يعمل الغزو الثقافي على تحقيقه في مجتمع آخر مختلف ثقافياً، وهي تشبه النظام السياسي العميل الذي يزرعه الاحتلال العسكري الأجنبي في البلد الذي يحتله.

وتتسع أهداف «الثقافة المضادة» للثقافة الإسلامية، لجميع أوجه العملية الثقافية، وهو وعي وسلوك ونمط حياة يفرزه الغزو الثقافي، وتستهدف الثقافة المضادة أربعة دوائر رئيسة:

الدائرة الأولى: الإسلام، بصفته النظرية العقدية، وبكينونته وقيمه وثقافته ورموزه ومساره التاريخي ومستقبله، وهي دائرة واسعة جداً، وتشتمل على جميع الحقائق ذات العلاقة ببناء الإسلام.

الدائرة الثانية: الفرد المسلم، بصفته الإنسانية الدينية، ووعيه وسلوكه ونمط حياته الفردية.

الدائرة الثالثة: المجتمع المسلم، ووعيه وسلوكه ونمط حياته الاجتماعية.

الدائرة الرابعة: الدولة الإسلامية ونظريتها ومفهومها، وتجارب تطبيقها وثقافة مواطنيها وأمنها الثقافي والنماذج الثقافية التي تطرحها، وهي دائرة محددة ومركّزة.

أما الأهداف الرئيسة والضمنية للثقافة المضادة؛ فإنها تختلف باختلاف التيار الثقافي المضاد، وتنسجم مع مبادئه ومتبنياته؛ لكنها – بشكل عام – تشتمل على ما يلي:

1 – مهاجمة كل ما يمت للإسلام بصلة، ورفض أغلب المعتقدات والقيم والنماذج العملية التي يطرحها، أو التي تطرحها الثقافة الإسلامية، وتشويهها والتشكيك بها.

2 – محاولة إضعاف الارتباط الشرعي والفكري والعاطفي للأمة بقيادتها الإسلامية وبالتجارب السياسية المنتمية للإسلام.

3 – التأثير على مناهج تفكير المسلمين، وأصولهم الفكرية.

4 – خلق حالة من التبعية النفسية والثقافية للاستكبار، من خلال نشر الأفكار والأُطروحات المنحرفة والوافدة والمتغربة، ووضعها في مواجهة الثقافة الإسلامية، في محاولة لتجريد الثقافة الإسلامية من الروح التغييرية، وجعلها مجرد اهتمامات فكرية وعقلية.

5 – التنظير للفساد الاجتماعي في جميع المجالات، ونشر الأفكار والتوجهات الثقافية التي تخلق الفساد الاجتماعي، والتخريب الاجتماعي، الذي يعبّر عنه نوع السلوك والقيم الاجتماعية المنحرفة.

      وتنقسم الأدوات والعوامل المحركة للثقافة المضادة ووسائلها وأساليبها إلى مجموعتين:

الأولى: خارجية، وتتمثل بالدعاية والإعلام والنشر، كدور النشر والمؤسسات الثقافية، والصحافة والإذاعات والفضائيات ومواقع الانترنيت ووسائل التواصل الاجتماعي، والسينما والفنون، إضافة الى الرموز الإنسانية، السياسية والثقافية والفنية.

الثانية: داخلية، وتتمثل بالوسائل المذكورة في المجموعة الأولى نفسها، لكنها أدوات وعوامل ووسائل داخلية، أي من داخل مناخات المسلمين، ويضاف إليها الرموز والنخب والجماعات الداخلية المنحرفة أو العميلة ثقافياً وفكرياً وعقدياً. والأدوات الداخلية؛ إما تكون مستقلة وتعمل بدوافع داخلية، وتمثل ردود أفعال، أو تكون مرتبطة بأهداف وبرامج خارجية تتكامل مع أدوات المجموعة الأُولى، أو تمثل امتداداً لها.

ولعل وسائل الإعلام والدعاية والتواصل الداخلية والخارجية هي من أخطر هذه الوسائل والأدوات، وأشدها تأثيراً؛ إذ تبقى البلدان الاستكبارية، ولا سيما الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا و(إسرائيل) ودوائرها المتخصصة وامتدادتها المحلية، في حالة استنفار وهجوم وغزو منظم ودائم وواسعة ومركّز، ضد الدوائر الإسلامية التي مرّ ذكرها، وتعمد إلى تسخير أحدث التقنيات العلمية باتجاه تحقيق أهدافها، وصولاً إلى الهدف الثقافي المركزي، المتمثل بفرض هيمنته الثقافية عالمياً أو عولمة ثقافته، تحت شعار «الثقافة العالمية» أو «الثقافة المشتركة»، وهو الشعار الأخطر الذي ترفعه مؤسسات الاستعمار الثقافي، اعتماداً على ما يسمّى بانعدام المسافات الجغرافية بين الدول والشعوب، في أعقاب التطور التكنولوجي الهائل الذي جعل العالم كقرية واحدة في الحال الحاضر، أو بيتاً واحداً في المستقبل.

وهكذا؛ فإن «الثقافة المضادة» هي أخطر أنواع التآمر ضد المجتمع الإسلامي؛ إذ أن تفشي ثقافة الغازي والمستكبر، وتحولها الى أفكار ومعارف سائدة، وأنماط حياتية وسلوك وظواهر اجتماعية، يؤدي إلى تآكل بناء المجتمع من الداخل وضرب هويته العقدية والاجتماعية الدينية ومقومات تميزه الايديولوجي، ومن ثم إلحاق هزيمة شاملة بالأمة، تفوق آثارها وتبعاتها الهزائم العسكرية والسياسية والاقتصادية.

ولعل بعض المنفعلين والمتغربين في الداخل الإسلامي؛ يعترض على مفاهيم وحقائق راسخة في حضورها في حياة الفرد المسلم ومجتمعه، كالغزو الثقافي والثقافة المضادة للإسلام والثقافة الإسلامية، ويسخر من النداءات التي تقرع أجراس الإنذار وتنبّه المسلمين إلى ما يحيق بهم من مخاطر ثقافية، ويعد ما نصفه بالغزو الثقافي والثقافة المضادة؛ نوعاً من التفاعل والاحتكاك بالثقافي والتلاقح الفكري والانفتاح الاجتماعي. وهذا الزعم – بحد ذاته – تسويغ للغزو الثقافي وجزء من ممارسته، ومحاولة لإيهام المسلمين والاستخفاف بعقولهم، بهدف إحباط أي استعداد للمواجهة. في حين أن الواقع وتفاصيله لا يتركان مجالاً للشك حول وجود التآمر الثقافي على الإسلام والمسلمين وأمنهم الثقافي والحضاري. وربما لا يفرق بعض هؤلاء المنفعلين والمتغربين بين مفاهيم مرفوضة كالغزو الثقافي والفكري والسلوكي، تؤدي الى سلب هوية المسلمين العقدية والثقافية لمصلحة ثقافة الغازي المتسلط، المتفوق في أدواته، والمستكبر في أهدافه، وبين مفاهيم مقبولة مثل التفاعل الثقافي والتلاقح الفكري بين المتكافئين في امتلاك أدوات التأثير وحجمها ونوعيتها، وفي المساحات الحيادية والقضايا الإنسانية العامة، كالمشتركات الحضارية والتطور المدني والعلوم والتكنولوجيا وغيرها.

وبالتالي؛ فإن الغزو الثقافي وزرع الثقافة المضادة للمسلمين، هما حقيقتان محسوسان، وليسا مجرد إثارات إعلامية تهدف إلى اتخاذ إجراءات احترازية مسبقة من قبل المسلمين. بل أن البلدان الغربية الرائدة في مجال الغزو الثقافي، كالولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، لا تخفي إطلاقاً برامجها ومشاريعها في هذا المجال، وتعد ذلك جزءاً من مهماتها الإنسانية لانتشال المسلمين (المتخلفين) من دينهم ومنظوماتهم العقدية والفكرية والفقهية، وتعطي لنفسها الحق في احتلال أراضي المسلمين ومصادرة استقلالهم السياسي وسلب ثرواتهم والتحكم بمقدراتهم؛ بمختلف الذرائع. وهذه الحقائق ليست جزءاً من التاريخ أو الماضي، وليست بروباغاندا معادية للغرب، بل هو المناخ المحسوس الذي يتنفس المسلمون هواءه يومياً، منذ ثلاثة قرون وحتى الآن.

وعلى الرغم من الإنجازات التي ظلت تحققها التيارات والمؤسسات الإسلامية على صعيد مواجهة الموروث الثقافي الاستعماري وجذوره، والتصدي للثقافة المضادة وأدواتها، ونشر الثقافة الإسلامية، رغم غياب التكافؤ في امتلاك الأدوات وحجمها ونوعيتها، إلّا أن الصراع الثقافي لايزال على قوته وحجمه. من هنا؛ فسبل مواجهة الغزو ووسائلها لا بد أن تنسجم مع خلفيات الصراع وحجمه وتطور أدواته ووسائله وأساليبه، وهي مواجهة شاملة وشرسة، وذات مسارات عديدة بالغة التعقيد والأهمية. وهناك مقدمات في هذا المجال لا يمكن تجاوزها؛ لأن المخرجات والخواتيم لن تستطيع تحقيق أهدافها في المواجهة دون تحقيق مقدماتها، ومن أبرزها:

  • الإذعان بوجود الغزو الثقافي، وتقدير حجمه ومستوى خطره، تقديراً علمياً وموضوعياً، بعيداً عن حالات الاستهانة أو التهويل والإثارات الإعلامية. ويستدعي ذلك دراسة اتجاهات الغزو وأهدافه ومظاهره بعناية بالغة.
  • التركيز على مفهوم الغزو الثقافي وإشاعته في أوساط الأمة، واعتباره جزءاً من عوامل التحصين الثقافي للمجتمع المسلم، بهدف رفع مستوى الحساسية الاجتماعية تجاه كل مضامين الغزو الثقافي ومظاهره ورموزه.
  • تحديد مضامين الثقافة الإسلامية التغييرية الأصيلة وأنماطها، ضمن صيغ دقيقة وواضحة، على المستويين المعرفي والسلوكي، ومنها الصيغة التي تحددها الثقافة الإسلامية الأصلية بشأن مسألة التعامل مع الثقافات الأخرى، وتحديداً ثقافة الغرب، لتجنب أي نوع من أنواع الإفراط والتفريط، والتي تنتج ثقافات غير سوية تزعم تمثيلها الإسلام، سواء كانت متطرفة في تمسكها بتفسيرات السلف وسننهم المتعارضة، والتي تؤدي الى الفكر التكفيري والسلوك الإرهابي، أو المنفلتة في التزامها بالمعايير والقواعد الإسلامية.

إن الهدف من ترصين المقدمات؛ طرح بدائل عملية في مواجهة ما تطرحه الثقافة المضادة، التي يؤمن حملتها بالانفتاح الكامل على ثقافة الغرب، بحيث تؤدي عملية الاقتباس العشوائية منها إلى وقوع المتغربين والتوفيقيين في الكثير من المطبات الشرعية والفكرية والسياسية، وتنتهي بهم إلى التبعية الثقافية الكاملة للغرب. وفي المقابل، هل تقضي الثقافة الإسلامية بالقطيعة الكاملة للغرب؛ للحؤول دون أي تفاعل أو احتكاك ثقافي، أم إنها تتعامل مع الثقافات الأخرى – ومنها ثقافة الغرب – بالقدر الذي لا يؤثر سلباً على الواقع الإسلامي؟

 

latest video

news via inbox

Nulla turp dis cursus. Integer liberos  euismod pretium faucibua

Leave A Comment