أسباب ظاهرة الانشقاق والانقطاع في حزب الدعوة الإسلامية

Last Updated: 2024/04/01By

أسباب ظاهرة الانشقاق والانقطاع في حزب الدعوة الإسلامية

د. علي المؤمن

يمكن تلخيص أسباب ظاهرة الانشقاق والانقطاع والتصدع والتساقط في حزب الدعوة الإسلامية؛ بما يلي:

1 – إن حزب الدعوة الإسلامية هو حزب أيديولوجي، والعامل الايديولوجي هو عامل ذاتي بنيوي أساسي، وتأثيره في الانشقاق أقوى من العوامل الخارجية، ومن أهم مخرجاته مزاعم الأفراد والمجموعات المنسجمة فكرياً ومزاجياً ومصلحياً داخل «الدعوة» تمثيل الحزب وفكره وسلوكه، واحتكار هذا الحق.

2 – إن حزب الدعوة الإسلامية – من وجهة نظر علم الاجتماع الديني – نشأ في بيئة ضاغطة على أعضائه وطاحنة لانتماءاتهم الفرعية؛ وتعتمد معادلات معقدة وصعبة؛ وهي البيئة النجفية الخاضعة لمعادلات المرجعيات والبيوتات والبرانيات والشأنيات. فكان الانتماء لحزب الدعوة يشكل انتماءً فرعياً لعلماء الدين من أبناء الاجتماع الديني النجفي، وليس انتماء أصلياً؛ على عكس انتماء غير المعممين أو المعممين من خارج الاجتماع الديني النجفي. فعندما يوضع عالم الدين المنتمي إلى الاجتماع الديني النجفي؛ بين خيار الانتماء للحزب وخيار الانتماء لاجتماعه الديني؛ فإنه يختار الأخير؛ لأنه انتماؤه الأصلي والأساس. وهي حالة لا تزال قائمة؛ أي أنها ليست ظاهرة تاريخية في حزب الدعوة.

ولم يتخلص حزب الدعوة من الضغط الهائل للاجتماع الديني النجفي إلّا حينما انتقلت القيادة إلى بغداد؛ وتحديداً حين هيمن عليها غير علماء الدين بعد العام 1963. ولو بقي الحزب في النجف قيادة وفكراً وسلوكاً؛ فسيبقى محاصراً بقواعد الاجتماع الديني النجفي؛ ولتحجّم قبل أن يبلغ عامه الخامس؛ لأن الصدام في المساحات المشتركة كان سيأتي لا محال. ولكن في الوقت نفسه؛ حمل التخلص النسبي للحزب من ضغط الاجتماع الديني النجفي؛ حمل معه بذور انشقاقات جديدة، وخلق حالات من الضبابية في انتماء شخصية الحزب إلى تفاصيل عقيدة أهل البيت؛ استمرت حتى العام 1975؛ وهو العام الذي جهر فيه حزب الدعوة بانتمائه لكل تفاصيل مذهب آل البيت. ثم عاد الحزب بعد سقوط نظام البعث في العام 2003 إلى ضغط الاجتماع الديني النجفي، الذي لن يتخلص منه إلّا بتنظيمه وتقنينه.

3 – طبيعة القيادة الجماعية ونوعية الهيكلية التنظيمية، وعدم وجود قيادة كارزمية ضاغطة مهيمنة؛ في ظل منظومة نفسية اجتماعية عراقية عربية شرقية؛ تعيش رواسب البداوة؛ ظلت ثغرة تنفد من خلالها عوامل الانشقاق والتصدع. بينما تقل هذه الظاهرة في ظل وجود قيادة ضاغطة مهيمنة تستمد قوتها من طبيعة البيئة المجتمعية التي تتماهى مع قيادة كهذه وتذعن لها.

4 – عدم وجود مرجعية عليا للحزب وقيادته؛ تعمل على حل الخلافات وتردع المخطئين؛ كأن تكون ولاية فقهية أو مرجعية دينية. أو على أقل تقدير هيئة إرشادية تحكيمية عليا تكون خارج إطار قيادة الحزب والدولة؛ شبيهة بالهيئة الشرعية في حزب الله لبنان، أو المجلس العلمائي الراعي لحركة الوفاق في البحرين. وهو ما ينسجم مع طبيعة النظام الاجتماعي الديني الشيعي.

5 – تأثير الفكر التربوي لحزب الدعوة على الداعية، وأساليب صقل شخصيته كـ(قائد في الأمة)؛ وصولاً إلى تحوله إلى واحد من قادة الأمة باعتباره من نخبة الدعوة القائدة للأمة، وخلق حالة المسؤولية لديه تجاه «الدعوة» باعتباره ((دعوة تمشي على قديمين))، وغيرها من مفاهيم كبيرة ومصطلحات أكبر؛ ربما تحفز الداعية على الفعل وتدفعه للعمل والإنتاج والعطاء؛ ولكنها في الوقت نفسه تتسبب في حالات انتفاخ وتعالي لا شعورية ولا إرادية؛ لا ينفع مع بعضها أساليب التهذيب والإرشاد ومواعظ التواضع. ومن جانب آخر فإن الداعية حين يتفاعل وينشط ويقدم؛ ثم يريد ممارسة دور القائد والمسؤول داخل الحزب؛ فإنه يكتشف أنه ليس قيادياً ولا مسؤولاً، ولا يمثل «الدعوة»، ولا «دعوة» تمشي على قدمين؛ بل إن «الدعوة» هي مجموعة القيادات والكوادر التاريخية حصراً. وهذا ما يجعله يتمرد وينشق ويتكتل؛ أما حفاظاً على تاريخه وحضوره في حزب الدعوة من الضياع، أو شعوراً بالمسؤولية تجاه «الدعوة»؛ جراء ما يعتقده أخطاء لدى القيادة.

6 – الاختلاف في المصالح الشخصية وفي أساليب إدارة المواقع وتسنمها؛ سواء على مستوى المواقع الحزبية أو مناصب الدولة. ويلعب اختلاف الأمزجة وعدم القدرة على تطويعها دوراً مهماً في هذا المجال. ثم في مرحلة الدولة برزت ظاهرة التداخل والجمع بين المسؤوليات التنظيمية والمسؤوليات الحكومية لتلعب دوراً سلبياً أيضاً في الخلافات الشخصية؛ ولاسيما أن معظم الدعاة المسؤولين دخلوا في دوامة العمل الحكومي في العراق بعد العام 2003.

7 – التفسيرات والقراءات المختلفة والمتعارضة للأفكار والأحداث والوقائع المستجدة. وتبني بعض الدعاة أفكاراً جديدة تتعارض مع الفكر التاريخي للدعوة أو ما نستطيع أن نسميه بالثوابت والتابوهات؛ بصورة إفراط وتفريط وعدم توازن. ومن هذه الأفكار المتعارضة: التمسك بقيادة علماء الدين والالتزام بأوامر المرجعية الدينية والذوبان في مؤسسات ولاية الفقيه، أو ما يعاكسها في الاتجاه؛ أي تبني الانتماء الوطني حصراً، والإيمان بالليبرالية والديمقراطية (كفلسفتين وسلوكين سياسيين)، والابتعاد عن قيادة علماء الدين. وظل هذا العامل فاعلاً منذ العام 1979 وحتى الآن؛ بسبب عدم حسم حزب الدعوة موقفه الفكري والسياسي في كثير من الملفات، وتركها لعنصر الفعل ورد الفعل.

8 – العامل الخارجي، الذي برز بعد قيام الجمهورية الإسلامية الإيرانية. وهو عامل مهم جداً؛ تسبب في تصدعات وانشقاقات عديدة؛ سواء في تنظيم «الدعوة» العالمي أو تنظيم «الدعوة» العراقي. وكان هذا العامل يجد بيئات ملائمة داخل الحزب؛ تتماهى مع النموذج الفقهي والفكري والسياسي والسلوكي الذي تطرحه الأجهزة الثورية في الجمهورية الإسلامية. وقد خفّ تأثير هذا العامل كثيراً بعد العام 2003.

وهذه العوامل تتحول بسرعة من القوة إلى الفعل بسبب عدم تحمل الخلاف في الرأي والموقف والقراءة داخل الحزب؛ بل يؤدي الخلاف غالباً إلى صراع داخلي وتراشق متبادل بالتقصير، ثم انشقاق أو خروج فردي أو جماعي. وهناك ثلاثة أنواع من الانشقاقات والتصدعات الفردية والجماعية شهدتها مسيرة حزب الدعوة الإسلامية:

  • خروج على القيادة والتنظيم.
  • خروج على النظرية والفكر.
  • خروج على التنظيم والفكر والمنهج معاً.

وقد شهد حزب الدعوة عدداً كبيراً من حالات الانسحاب الفردي منذ تأسيسه؛ على خلفية تغيير المسار الفكري أو العملي لهؤلاء الأفراد، أو الخلاف مع القيادة، إضافة إلى سبع حالات انشقاق؛ لا يزال أربعة منها قائماً إلى جانب الحزب الأم؛ إذ يتوزع الدعاة المنتظمون حالياً على خمسة تنظيمات تنتمي الى مدرسة «الدعوة»، أهمها «حزب الدعوة الإسلامية» الذي يتزعمه أمينه العام السيد نوري المالكي، ويمثل ما يقرب من 75 بالمائة من حجم مدرسة «الدعوة»، ويسمى بالتنظيم الأُم. ويليه من حيث الحجم «تنظيم العراق» الذي يتصدره أمينه العام الدكتور خضير الخزاعي، ويمثل 15 بالمائة من حجم مدرسة «الدعوة»، والذي انشق عنه «تنظيم الداخل» الذي يتزعمه المهندس عبد الكريم العنزي، وهو يمثل 5 بالمائة من حجم مدرسة «الدعوة»، ثم «حزب وارثون» الذي يتصدره أمينه العام السيد حيدر الشحماني، ويشكل 2 بالمائة من حجم مدرسة «الدعوة»، إضافة الى «حركة الدعوة الإسلامية التي يقودها محمد العبادي، والتي تشظت بدورها الى عدد من الجماعات، وتمثل بمجموعها 3 بالمائة من مدرسة «الدعوة». ويقتصر وجود الدعاة المنتظمين على هذه التنظيمات الخمسة، بعد تجميد أو حل تنظيمات وجماعات أُخرى خلال السنوات الماضية، أهمها «تيار الإصلاح الوطني» الذي كان يزعمه الدكتور إبراهيم الجعفري.

 

 

latest video

news via inbox

Nulla turp dis cursus. Integer liberos  euismod pretium faucibua

Leave A Comment