أحداث عهد خلافة الإمام علي وتعميق فرقة المسلمين

Last Updated: 2024/04/01By

أحداث عهد خلافة الإمام علي وتعميق فرقة المسلمين

د. علي المؤمن

حين انتخب الإمام علي للخلافة، سعى لتجاوز الماضي، ولفت أنظار المسلمين إلى ما يحيق بهم من مخاطر، وإلى واقعهم الصعب، فيقول عندما يسأله رجل عن رأيه بأمر الخلافة بعد وفاة الرسول: «كانت أثرة شحت عليها نفوس قوم، وسخت عنها نفوس آخرين، والحكم الله، والمعود إليه القيامة….

ودع عنك نهباً صحيح في حجراته              ولكن حديثاً ما حديث الرواحل»

وفي سنوات خلافة الإمام علي، وقعت للمسلمين أحداث كبيرة، لم يكن من السهل أبداً جبر الكسر الذي نتج عنها، حتى أصبح السيف هو الفيصل بين المسلمين، وأهمها:

1 – رفض بعض الصحابة مبايعة الإمام علي.

2 – خروج طلحة والزبير ومعهما عائشة على الإمام، مطالبين بدم الخليفة عثمان بن عفان، ونشوب معركة «الجمل»، التي أحلّت مبدأ القتال بين المسلمين، والصحابة منهم على وجه التحديد.

3-رفع آل أمية راية العصيان ضد وصي رسول الله الإمام علي، حتى بعد أن انتخبه المسلمون للخلافة الدنيوية. وكان معاوية هو رمز آل أمية بعد أبيه أبي سفيان، إذ رفض معاوية (والي الشام) تقديم فروض الطاعة لخليفة المسلمين، وخروجه عليه فيما بعد، ونشوب معركة «صفين» بين الطرفين.

4 – ظهور فرقة الخوارج خلال معركة صفين، وفي أعقاب خدعة التحكيم، فكانت أحد طرفي معركة «النهروان».

5 – ظهور بوادر الدعامات العقدية للطوائف والفرق، نتيجة الآراء والمواقف المختلفة، التي اختلطت فيها المفاهيم الفكرية والحوادث السياسية والمصالح السلطوية.

ومن أهم تلك الدعامات العقدية، ما ظهر من آراء المتناقضة حيال معركة صفين. فأحدها رأى: أن كلا الطرفين المتحاربين كافر، ورأى الآخر: أن كليهما فاسق، وآخر: كلاهما تأوّل فأخطأ، ورابع قال: أحدهما فاسق والآخر مؤمن، وخامس: أرجأ وأمسك القول. كما كان خروج الزبير بن العوام في معركة الجمل من جهة، وقتل عمار بن ياسر في صفين من جهة أخرى؛ أبرز عاملين في ظهور بعض الأسس المذهبية، التي يقف في مقدمتها: «الاجتهاد مقابل النص». ففي تسويغ قول النبي: «الزبير يقاتل علياً وهو له ظالم» و«عمار تقتله الفئة الباغية» قال بعضهم: ((كلا، ما بغى من قتل عماراً، ولا ظلم الزبير حتى قاتل علياً، بل اجتهدا فأخطأ، والمجتهد المخطئ مأجور ومغفور له)). وقال آخرون بأن ((الذي تسبّب في قتل عمار هو علي))، وإن كان أهل الشام قد قتلوه بالفعل.

واستمرت هذه الفترة حافلة بالمفاهيم الجديدة التي حُمّلت على الإسلام، والتفسيرات والاجتهادات الخاصة والكيفية بشأن القرآن الكريم والسنة النبوية. فكان الكثيرون يبتدعون الآراء والمدارس الفكرية، ثم يفرضونها على القرآن والسنة، لتسويغها وتثبيتها، بدلاً من استلهام أفكارهم من القرآن أو عرضها عليه. وامتدت أيدي دعاة التفرقة والعصبيات المذهبية والسياسية إلى القرآن الكريم، «وأخذوا يوجهون العقول في فهمه وجهات تتفق وما يريدون… فأصبحنا نرى من يؤوّل الآيات للتوافق مع مذهب فلان، ومن يخرجها عن بيانه الواضح، وغرضها المسوقة له، لكيلا تصلح دليلاً لمذهب فلان، وبهذا أصبح القرآن تابعاً، بعد أن كان متبوعاً، ومحكوماً عليه، بعد أن كان حاكماً». وهنا يقول الإمام علي: «فاجتمع القوم على الفرقة، وافترقوا على الجماعة، كأنهم أئمة الكتاب وليس الكتاب إمامهم».

وعلى رغم كل حالات التفرقة والتمزق التي شهدتها فترة خلافة الإمام علي، إلا أنه كان يبذل جهده للم الصدع، والحيلولة دون اتساع رقعة الشقاق والخلاف، وكان يحث المسلمين على ذلك. ففي إحدى خطبة يقول: «واحذروا ما نزل بالأمم قبلكم… فالزموا كل ما لزمت العزّة به شأنهم، وزاحت الأعداء له عنهم، ومدّت العافية به عليهم، وانقادت النعمة له معهم، ووصلت الكرامة عليه حبلهم، من الاجتناب للفرقة، والّلزوم للأُلفة والتحاض عليها، والتواصي بها، واجتنبو كل أمرٍ كسر فقرتهم، وأوهن متنهم، من تضاعن القلوب، وتشاحن الصدور، وتدابر النفوس، وتخاذل الأيدي. ألم يكونوا أرباباً في أقطار الأرضين، وملوكاً على رقاب العالمين، فانظروا إلى ما صاروا إليه في آخر أمورهم، حين وقعت الفرقة، وتشتتت الأُلفة، واختلفت الكلمة والأفئدة، وتشعّبوا مختلفين، وتفرّقوا متحاربين، قد خلع الله عنهم لباس كرامته، وسلبهم غضارة نعمته، وبقي قصص أخبارهم فيكم عبراً للمعتبرين».

وفي الخطبة – أيضاً – تفاصيل عن الأكاسرة والقياصرة وغيرهم، وتأكيد الاعتبار بمصيرهم، ونبذ الطائفية والنزاع. بيد أن عمق الخلاف والظروف المريرة التي كانت تسيطر على الأمة حينها، لم تدعم الإمام في مساعيه، الأمر الذي جعله يعاني طيلة تلك الفترة من الفتن وعدم طاعة أوامره في هذا المجال وغيره، حتى قال للناس في إحدى خطبة متبرماً: «يا أشباه الرجال ولا رجال، حلوم الأطفال، وعقول ربات الحجال، لوددت أني لم أركم ولم أعرفكم معرفة – والله – جرت ندماً، وأعقبت سدماً. قاتلكم الله؛ لقد ملأتم قلبي قيحاً، وشحنتم صدري غيظاً، وجرعتموني نغب التهمام أنفاساً، وأفسدتم علي رأيي بالعصيان والخذلان… ولكن لا رأي لمن لا يطاع».

وكان التآمر على الإسلام ورمزه الحاضر الإمام علي، وكذا ظهور الأسس العقدية المنحرفة في أوساط المسلمين بشكل مبكّر؛ السبب المباشر في مقتل الإمام علي على يد أحد الخوارج، بقرار مشترك من معاوية والخوارج. وحتى حين بايع المسلمون من بعده ولده الإمام الحسن، فإن التآمر على الإسلام ممثلاً بالتمرد الأموي بقيادة معاوية، دخل مرحلة أكثر تشدداً؛ الأمر الذي اضطر الحسن بن علي للتنازل عن الخلافة لمعاوية بن أبي سفيان، وحينها بدأت مرحلة جديدة من تاريخ الانشقاقات والخلافات.

 

latest video

news via inbox

Nulla turp dis cursus. Integer liberos  euismod pretium faucibua

Leave A Comment