حوار المستقبَلات

Last Updated: 2024/06/18By

حوار المستقبَلات

(افتتاحية مجلة اتجاهات مستقبلية، العدد الخامس، 1999م))

بقلم: علي المؤمن

رئيس التحرير

ليس المستقبل الإسلامي المنشود رهين سقوط المستقبلات الأخرى، فالمسلمون لا يشيدون دعائم مستقبلهم على حساب الآخرين، ولو كانوا الأضداد النوعيين، كما فعل ويفعل هؤلاء الأضداد، حين بنو مدنياتهم على حساب الشعوب الأخرى التي قدر لها أن تتراجع عن ركب الحضارة في ظروف معقدة يطول شرحها، فاستعمروها واستغلوها ونهبوا خيراتها وثرواتها واستدرجوها باتجاه التبعية السياسية والاقتصادية والثقافية لهم، ثم قننوا (علمياً!) لهذه الفجوة الحضارية من خلال العلوم الاجتماعية والسلوكية الغربية، كالانثروبولوجيا والاثنولوجيا، وأظهروا شعوب الجنوب أجناساً من الدرجة الثانية والثالثة والرابعة.. هوامش وأطراف وعبيد، تبعاً لمعايير التطور المادي وأساليب التفكير والعيش والجنس واللون والموقع الجغرافي.

في حين ينظر الإسلام للناس كافة نظرة واحدة متكاملة، فيساوي بينهم (كأسنان المشط)، ويقرر إنهم إما أخوة في الدين أو نظرة في الخلق، وفقاً لمعاييره الإنسانية التي أثبتتها العقيدة الإسلامية «ولقد كرّمنا بني آدم…». من هنا، فإن بناء الحضارة الإسلامية المستقبلية بناء مستقبل على أرضها وقيمها وتراثها وفكرها، وليس على أنقاض الحضارات الأخرى وقيمها وأفكارها ومدنياتها. وقد تكون الحضارات الأخرى في طريقها للانهيار، ولكن الحضارة الإسلامية المستقبلية لن تنتظر هذا الانهيار لتبني صروحها. وقد يضطر المسلمون للتدافع مع الحضارات الأخرى وممارية هجوم مضاد، خلال دفاعهم عن أنفسهم إزاء هجمات الآخرين الشاملة «ولولا دفع اللَّه الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض..»، ولكن الأصل هو أننا نتحاور مع هذه الحضارات والمدنيات ما دامت لا تستل سيف البغي ضدنا، لأننا لا يمكن أن ننكفئ على أنفسنا في بناء مستقبلنا، ولا يمكن أن تكون بمعزل عن دائرة التأثير والتأثر، ولأن خطابنا الإسلامي هو خطاب عالمي للناس كافة، ولأن المسلمين يعملون في إطار حمل الأمانة والتكليف والمسؤولية الشرعية والأخلاقية تجاه الآخرين «وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين». وعلى هذا الأساس يسعى الإسلام لبناء المستقبل الأفضل للإنسانية جمعاء «وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيراً ونذيراً»، الأمر الذي يجعل مستقبلات الآخرين رهن المستقبل الذي ينشده الإسلام.

إن المستقبل الإسلامي هو مستقبل الإنسانية جمعاء.. المستقبل الذي يبشر العالم بحياة العدل والحق والخير والجمال والحرية، وهو رسالة اللَّه تعالى التي أمر نبيه الكريم(ص) بتبليغها للناس كافة، ليحقق الإنسان من خلالها أهداف الاستخلاف والإعمار.

و«المستقبلية الإسلامية» هي خطاب الإسلام المستقبلي للبشر على مختلف انتماءاتهم ومشاربهم.. إنها تحاور مستقبلات الآخرين، وتدعو خلاله لعرض النموذج الإسلامي الحضاري الإنساني المشرق الذي يفيض بخيره على كل الناس. ويجتذب عقولهم وضمائرهم نحو سعادة الدارين (الدنيا والآخرة).

 

 

latest video

news via inbox

Nulla turp dis cursus. Integer liberos  euismod pretium faucibua

Leave A Comment