تقديم كتاب الاستشراق

Last Updated: 2024/06/18By

تقديم كتاب “الاستشراق” للباحث المصري الدكتور محمد الدسوقي

(الكتاب الخامس من سلسلة كتاب التوحيد الدوري، 1995)

بقلم: علي المؤمن

رئيس التحرير

الاستشراق ـ باعتباره منظومة فكرية أفرزها الغرب الحديث ـ يمثل جزءاً من وعي الغرب لنفسه وللآخرين، أو جزءاً من رؤيته لحقائق (الأنا) و(الآخر) ـ كما يقول مفكروه! ـ وهي رؤية شبه متكاملة للحياة، أو (أيديولوجيا) بتعبير آخر. وبذلك فالاستشراق يشكِّل منظومة بالغة التعقيد في منطلقاتها وأهدافها وأساليبها وأنساقها وشموليتها. ومما يزيد هذا التعقيد ان هذه المنظومة تضم في إطارها عدة اتجاهات، متباعدة أحياناً ومتقاربة أخرى، في أهدافها وأساليب عملها. الأمر الذي يجعل الأحكام الكلية والفضفاضة والسريعة التي يمكن ان نصدرها على الاستشراق، تجانب الدقة والموضوعية.

فاتجاهات الاستشراق من حيث منطلقاتها ونشوؤها، لاسيما ما يتعلق بالدوائر المتخصصة بالإسلام والمسلمين، تنقسم إلى ثلاثة اتجاهات رئيسة:

الأول: الاستشراق السلطوي الذي تبنته الدول والحكومات الغربية، وجاء امتداداً للاستشراق الديني، إلاّ انه انفصل عنه في عصر النهضة الأوروبية وعزل الكنيسة عن الدولة، رغم محافظته على الرؤى وأسس المواجهة نفسها. منطلقات هذه المرحلة سلطوية وأهدافها استعمارية شاملة، فكان من نتائجها فرض الغرب هيمنته السياسية والاقتصادية والثقافية المباشرة علة كثير من بلدان الشرق، وخاصة الإسلامية.

الثالث: الاستشراق الأكاديمي، أو العلمي كما يحاول العاملون في هذا الحقل وصفه، حيث يؤكدون انّه استشراق موضوعي، وحر، وغير مؤدلج، وأهدافه علمية محضة، وأسلوبه في الدراسة منهجي أكاديمي، على العكس من النوعين السابقين. ولكن إذا فحصنا الواقع وجدنا ان كثيراً من الحالات تكشف عن خلاف ذلك. وهذا النوع من الاستشراق ظهر في مرحلة لاحقة؛ أي انه متأخر عن الاستشراق الديني والاستشراق السلطوي.

إذن.. من خلال ذلك، يمكن القول بأن الاستشراق في غالبية جهوده، يحمل منطلقات وأهدافاً متحيِّزة، وأحكاماً مسبقة، تكشف عن أيديولوجية الغرب وطبيعة علاقته الفوقية بـ(الآخر!). اما الجهود الاستشراقية الموضوعية والعلمية والحرة في منطلقاتها وأهدافها وأساليبها في البحث، فرغم ان لها وجوداً وحضوراً، إلاّ انّه وجود محدود، وحضور ضئيل التأثير في وعي الغرب للشرق. وغالبية أصحاب هذه الجهود انتهى بهم المطاف اما إلى التعاطف مع الإسلام والمسلمين، أو الانتماء الفعلي للإسلام.

من هنا يقع على عاتق أصحاب الرأي من المسلمين (علماء ومفكرين وباحثين وسياسيين ومثقفين) ان ينطلقوا في تقييم الاستشراق من دراسة موضوعية منهجية، عميقة في معالجاتها، وشاملة في استقرائها للموقف الاستشراقي بكل أنواعه وجوانبه ومجالات حركته؛ لكي تكون النتائج التي يعتمد عليها التقييم، ومن ثم التعامل مع الاستشراق، أكثر التصاقاً بالحقيقة وأقرب إلى الواقع.

وتمثل الدراسة التي نضعها بين أيدي المتخصصين والمهتمين، بل جميع أصحاب الرأي، محاولة جادة على هذا الصعيد. فالمقدمات الموضوعية التي وضعها المؤلف، والمنهجية العلمية، والمناقشة الهادئة للموضوع، أتاحت له الخروج بنتائج علمية، تمثل جزءاً من وعينا العلمي للغرب.

يقوم منهج الدراسة على مدخل وثلاثة فصول وخاتمة. ففي المدخل تحدّث الكاتب عن عالمية الإسلام، واختلافه عن كل الأديان التي خلت قبل بعثة محمد(ص)، وان إيمان المسلمين بهذه العالمية، والجهاد في سبيل ذلك، هو الذي حملهم على ان ينساحوا في الأرض لتبليغ الرسالة الخاتمة إلى كل إنسان.

والفصل الأول عقده الكاتب لدراسة تاريخ الفكر الاستشراقي، وقد قسمه إلى أربع مراحل، تتبّع فيها نشأة هذا الفكر وتطوره حتى الآن.

اما الفصل الثاني فقد عرض المؤلّف بعض آراء الاستشراق في عدد من القضايا، وخاصة قضايا الألوهية والعقيدة وشخصية الرسول(ص) والقرآن والسنة والفقه.

وفي الفصل الثالث قوّم المؤلف الفكر الاستشراقي، وبيّن ما له وما عليه. وخلال ذلك درس الكاتب طبيعة العلاقة بين الاستشراق والتبشير، وموقف الباحثين المسلمين من الفكر الاستشراقي، والعوامل التي أدّت إلى اختلاف آرائهم منه، وخلص من هذا إلى الرأي الذي يتبناه في تقويم ذلك الفكر، مع الإشارة إلى الأسس التي قام عليها هذا الرأي.

ثم لخّصت الخاتمة النتائج العامة للدراسة، ونبّهت إلى ما يجب على المسلمين تجاه ذلك العدوان الفكري، الذي يعد أفدح خطراً من العدوان العسكري، كما نبّهت إلى ان الفكر الاستشراقي كان وراء كل المواقف المعادية للإسلام والمسلمين قديماً وحديثاً، فهو الذي غرسها ونماها حتى آتت أكلها فيما بعد.. وحتى الآن.

وبصدور هذا الكتاب ـ الخامس من سلسلة كتاب التوحيد الدوري ـ يكون مشروع «كتاب التوحيد» قد أغلق ملف سنته الثانية، وهي السنة التي صدرت فيها أربعة من كتب السلسلة بانتظام، بمعدل كتاب كل ثلاثة أشهر. وهو ما نطمح ان يستمر في السنة الثالثة، وصولاً إلى الإصدار الشهري، ان شاء الله تعالى.

 

 

latest video

news via inbox

Nulla turp dis cursus. Integer liberos  euismod pretium faucibua

Leave A Comment