نظرية القانون الدستوري الوضعي

Last Updated: 2024/06/11By

نظرية القانون الدستوري الوضعي

د. علي المؤمن

تتضح معالم نظرية القانون الدستوري الوضعي وتفاصيلها من خلال المحاور التالية:

1 ـ نشوء ظاهرة الدستور:

انتشرت ظاهرة تدوين القانون لدى الشعوب المتمدنة في العصور القديمة؛ نتيجة شعورها بالحاجة لتوحيد قوانينها العرفية وتقاليدها في تنظيم حياتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية. وبرزت هذه الظاهرة ـ ابتداءً ـ في الشرق خلال الألفية الثانية قبل الميلاد متأثرة بالتعاليم الدينية والروحية غالباً؛ وإن كان بعضها ينتسب للأديان مباشرة، وكانت مَواطنها الأُولى: العراق ومصر والهند والصين وإيران؛ إلّا أنّ العراق (حضارة وادي الرافدين) كان مهد القانون ومنبت الفكر الدستوري؛ فقد وضع الملك البابلي حمورابي (1728 ـ 1686 ق.م) قانوناً أساسياً لعموم مملكته؛ هو الأول في شكله ومضامينه؛ إذ تضمن معظم فروع القانون؛ بما فيها ملامح للقانون الدستوري والإداري، وتمت صياغة مواده وتنظيمها بأُسلوب شبيه بالقوانين الحديثة([1]). وقد سبق «مسلة حمورابي» بمئات السنين ظهور بعض المدوّنات القانونية في الدويلات السومرية جنوب العراق (كشفت عنها الألواح المسمارية)؛ أبرزها «أُورنامو» في حدود العام 2100 ق.م؛ إلّا أنّها لم تتحول إلى نظام قانوني شبه متكامل؛ كالذي وضعه حمورابي.

وفي الهند؛ ظهر قانون «مانو» خلال القرن الثالث عشر قبل الميلاد، وقد جمع بين المعتقدات الدينية وقوانين المعاملات، وهو الأمر نفسه مع تعاليم “بوذا” و”كنفوشيوس” في الصين وشرق آسيا، “وزرادشت” في إيران، وشريعة اليهود في فلسطين([2]). إلّا أنّ قانون “جوجونج” (1115 ـ 1079 ق.م) في الصين، والمعروف بـ «دستور جو»([3])؛ يُعدّ نقلة في مسار الفكر القانوني الدستوري، ولعلّه من أهم ما أفرزه الفكر الإنساني حتى ذلك الحين. كما يتميز قانون الفرعون “بوخوريوس” الذي وضعه في أوائل القرن الثامن قبل الميلاد في مصر بأنّه النظام القانوني الأبرز في تاريخ الحضارة الفرعونية، وإن ركّز على قوانين العقود([4]).

وفي إيران؛ أصدر الإمبراطور الأخميني “كوروش” منظومته القانونية في العام 539 ق.م؛ عندما استولى على بابل وأسقط مملكتها، وهي المنظومة التي يصفها المؤرخون بأنّها أول بيان عالمي لحقوق الإنسان([5]).

أمّا في أُوروبا؛ حيث ظهرت القواعد القانونية في وقت متأخر؛ أي بعد قرون عديدة من ظهورها في الشرق؛ فإنّ الكتابات أو النظريات الأُولى التي أسست للفكر السياسي ـ القانوني الغربي؛ تعود إلى العصر اليوناني القديم، وتحديداً مرحلة الكيانات السياسية التي عرفت باسم (دولة ـ المدينة) أو (المدينة ـ الدولة) (Polis). وهي كيانات شبيهة بالدويلات ـ المدن السومرية والبابلية في وسط وجنوب العراق، والتي سبق تأسيسها للدويلات اليونانية بحوالي ألف وخمسمئة سنة. وقد مثلت الكتابات القانونية اليونانية لوناً من الدساتير البدائية التي تعدّ مصادر تاريخية وجذور فنية لكثير من قواعد الفكر السياسي والقانوني المعاصر. وأبرز هذه الدساتير «دستور اسبارطة» (Greek Constitutions)؛ الذي دونه الفقيه القانوني “ليكورغوس” في القرن السادس قبل الميلاد، ووضع على رأس نظامه السياسي ملكين بصلاحيات متساوية ومحدودة، يساعدهما مجلس شيوخ، وإلى جانبه مجلس للعموم؛ يدخل في عضويته كل مواطن يزيد عمره عن ثلاثين عاماً، وللمجلسين صلاحيات تشريعية وتنفذية وقضائية؛ أخذت تتزايد بمرور الزمن. وكذلك «دستور أثينا» الذي وضعه “سولون” في نهاية القرن السادس قبل الميلاد، وأسّس لجمهورية ذات حكم ديمقراطي مباشر؛ حيث تقف الجمعية العمومية على رأس النظام السياسي، وتتألف من جميع المواطنين الذكور الذين بلغوا سن العشرين، ومن بينهم يتم انتخاب الأشخاص للمناصب التشريعية والقضائية والعسكرية والتنفيذية([6]). وقد كتب الفيلسوف اليوناني “افلاطون” (430 ق.م) عن هذه الدساتير ونظمها السياسية في كتابه «القوانين» مشيراً إلى طبيعة أنظمة الحكم التي سادت في ظل هذه الدساتير، وهي أنظمة حكم مقيدة بالقانون، وشبيهة بالديمقراطيات المباشرة([7]). ثم كتب أفلاطون كتابه «الجمهورية» تتويجاً لما وصل إليه الفكر السياسي والدستوري عند اليونانيين([8]).

وظهرت القوانين لدى الرومان منذ نشوء دويلة روما في القرن الثامن قبل الميلاد؛ إذ وضع مشرِّعوها نظاماً سياسياً مدوّناً؛ استمر حتى قيام النظام الجمهوري في روما في مطلع القرن السادس قبل الميلاد. وعندها تم وضع مجموعة من القوانين البديلة؛ التي شكلت تطوراً في الفكر السياسي والقانون الإنساني؛ أبرزه قانون «الألواح الاثني عشر». إضافة إلى ظهور مجموعات قانونية في نواحي أُخر من الإمبراطورية الرومانية (الشرقية والغربية) في القرون الرابع والخامس والسادس قبل الميلاد؛ أهمها مجموعات إمبراطور الدولة الرومانية الشرقية “جستنيان” والدستور المشترك للإمبراطورين الغربي “فالنتنيان الثالث” والشرقي “تيودور الثاني”([9]).

وكان أول ظهورٍ لقانونٍ يُعتدّ به في الجزيرة العربية هو ما سنّه (حلف الفضول) في مكة المكرمة من مقررات تدافع عن حقوق الإنسان وتنصف المظلومين؛ في ظل الظلام والفوضى اللذين كانت تعيشهما جزيرة العرب. وقد تشكّل حلف الفضول قبل عشرين سنة من ظهور الإسلام، وكان النبي محمد(ص) أحد أعضاء هذا الحلف، وقد امتدحه في كثير من أقواله، ومنها قوله: «لقد شهدت في دار عبد الله بن جدعان حلفاً ما اُحبّ أنّ لي به حمر النعم، ولو اُدعى به في الإسلام لأجبت»، وقوله: «تحالفوا أن تردّ الفضول على أهلها، وأن يعزّ ظالماً مظلوماً»([10]).

وبظهور الدين الإسلامي في الجزيرة العربية؛ دخلت البشرية عصراً جديداً من التشريعات الممنهجة المنظمة المتكاملة؛ التي نظمت الحياة في الجزيرة العربية والبلدان التي فتحها المسلمون، وأقامت الدولة، وأسست لنظمها السياسية والاقتصادية والعسكرية. وفي طول المصدرين الرئيسين لهذه التشريعات؛ أي القرآن الكريم والسنة النبوية؛ فقد كان أهم نتاجين قانونيين دستوريين وإداريين لما عرف بمرحلة صدر الإسلام؛ هما: صحيفة المدينة، وعهد الأشتر. ففي السنة الهجرية الأُولى (623م) أصدر رسول الله محمد(ص) قانوناً أساسياً لتنظيم الحياة السياسية والإدارية المدنية في المدينة المنورة؛ عُرف بـ «صحيفة المدينة»، وهو أول دستور مدوّن لدولة قائمة لا يزال نصّه محفوظاً حتى الآن. فقد نظم العلاقة بين المكونات الدينية والاجتماعية والقبلية لسكان المدينة (قبل اتساع رقعة دولة رسول الله)؛ بمن فيهم المسلمون (قبائل المهاجرين والأنصار) واليهود والمشركون وغيرهم، وقواعد العيش المشترك والحقوق الدينية والمدنية والسياسية لهذه المكونات في حالة السلم والحرب؛ على أساس العدل والحقوق. ووصفه المستشرق الروماني “كونستانس جيورجيو” (1916م) بأنّه ((أول دستور في الإسلام))([11]). وقد احتوى دستور المدينة المنورة على اثنين وخمسين مادة؛ خمسة وعشرون منها خاصة بأُمور المسلمين، وسبعة وعشرون مرتبطة بالعلاقة بين المسلمين وأصحاب الأديان الأُخر؛ ولا سيّما اليهود، والمشركين([12]).

أمّا النص الآخر؛ فهو الذي كتبه الإمام علي بن أبي طالب(ع) في سنة 38 ه/ 658م إلى واليه على مصر مالك الأشتر، والمعروف بعهد الأشتر، وهو ـ بعد نصوص رسول الله ـ أهم وثيقة قانونية سياسية إدارية حقوقية في التاريخ على الإطلاق؛ فقد أوضح الإمام علي فيه القواعد الشرعية في ممارسة الحكم والسياسة وتطبيق القانون، وضوابط إدارة الدولة، وسلوك الحاكم على كل الصعد؛ ولا سيّما منظومة العلاقة بالشعب، وصفات الوزراء والمستشارين والقادة العسكريين ومهامهم، والاستراتيجيات العسكرية، والسياسات الاقتصادية للدولة([13]).

وبذلك أسس ظهور الإسلام مفصلاً فكرياً وتطبيقياً مختلفاً في مسار تطور النظم القانونية الدستورية والإدارية، وأسدل الستار على الحقبة التاريخية للنظم القانونية التي سبقته. ولا يقتصر الاختلاف على الجانب المضموني المتفرد المتمثل بتطبيق أُصول العدالة والحقوق والحريات الإنسانية، بل يتعداه إلى الجوانب الشكلية والفنية أيضاً؛ إذ تحوّلت التشريعات إلى مدوّنات ممنهجة، وتحولت المدوّنات إلى نظم متكاملة قائمة على الأرض؛ اشتملت على جميع أبعاد الحياة؛ بدءاً بالنظام السياسي وانتهاءً بالنظام الإداري؛ بتقنيات لم تعرفها البشرية من قبل. وقد ترك هذا التحول المفصلي الإنساني آثاره على غير المسلمين أيضاً في القرون اللاحقة؛ ولا سيّما على الأُوروبيين؛ الذين كانوا يعيشون عصورهم المظلمة، والتي تميزت بالملكيات الثيوقراطية المطلقة والتراجع الشامل، ولا سيّما على صعيد القانون وحقوق الإنسان([14]).

ولم تشهد القوانين التي تعنى بالجانب السياسي والإداري في الملكيات الأُوروبية المطلقة؛ تطوراً يذكر في العصور اللاحقة؛ سوى في القرن الثالث عشر الميلادي؛ حين صدر قانون «الميثاق العظيم ـ ماغنا كارتا» (Magna Carta) عام 1215 في انجلترا، والذي يُعدّ أول وثيقة دستورية مدوّنة اهتمت بتحديد صلاحيات الملك الإقطاعية وهيمنته المطلقة على الكنيسة([15]).

وبعد أكثر من قرنين؛ بدأت الكتابات السياسية ـ القانونية بالظهور في صياغاتها ومضامينها الجديدة، والتي شكلت بداية مرحلة جديدة في هذا المجال، ويمكن وصفها بأنّها الكتابات التأسيسية الحقيقية للفكر السياسي والقانوني الحديث في أُوروبا، ومن أبرزها كتابات المفكر السياسي الإيطالي “نيكولو ماكيافيللي” (1469 ـ 1527) ؛ ولا سيّما كتابه «الأمير»، وكذلك كتب «الجمهورية» الستة للفيلسوف السياسي الفرنسي “جان بودان” (1530 ـ 1596) والفقيه القانوني الهولندي “هوغو غروسيوس” (1588 ـ 1679) في كتابه “لوياثان” (التنين). وتدخل كتابات هذه المرحلة ـ غالباً ـ في إطار تدعيم الحكم المطلق لملوك أُوروبا وتقوية سلطة الدولة سياسياً وقانونياً، ولكنها؛ وإن سوغت الحكومات الملكية المطلقة؛ فإنّها دلّت على حاجة المجتمع إلى الإصلاح السياسي الذي يترشح عنه تنظيم سياسي قائم على أُسس سياسية وقانونية رصينة تحظى بالقبول النسبي لدى المكوّنات الاجتماعية؛ بالصورة التي مهدت لظهور «نظرية العقد الاجتماعي» في فرنسا وانجلترا. فكان التطور الفكري المتصاعد حافزاً للانتقال من مبدأ الحكم المطلق الذي اعتمد قاعدة العقد الاجتماعي([16]) نظرية الحكم المقيد أو الدولة القانونية الغربية في العصر الحديث، والقائمة على أساس الديمقراطية، والتي طوّرت نظرية العقد الاجتماعي لتكون دعامة الديمقراطية؛ بفضل جهود مفكرين وفلاسفة سياسة وفقهاء قانون؛ أمثال الهولندي “باروخ سبينوزا” (1632ـ 1677)؛ الذي حاول الموازنة بين الإطلاق والتقييد في الحكم. في حين نظّر آخرون لمبدأ الحكم المقيد وعدّوه أداة تحقيق الحريات السياسية والمشاركة العامة وسلطة القانون. ومن أبرزهم: الإنجليزي “جون لوك”([17]) (1632ـ 1704) والألماني “توماسيوس” (1655 ـ 1728)، والفرنسي “مونتسكيو” (1689 ـ 1755)؛ فكانت معظم النظم السياسية الحديثة في أُوروبا، والتي تأسست في إطار ما عُرف بالدولة القومية؛ قائمة على أفكارهم، كما كانت الدافع لقيام حركة الدسترة وتدوين الدساتير الحديثة في أُوروبا والولايات المتحدة الأمريكية. وكان أول انعكاس لها في دستور ولاية فلادلفيا في الولايات الأمريكية الشمالية([18])، والتي أعلنت استقلالها عن بريطانيا في العام 1776.

وظهرت الأفكار القانونية الحديثة بأوضح صورها في إعلان حقوق الإنسان؛ الذي مثّل بيان الثورة الفرنسية في العام 1789؛ انسجاماً مع أهدافها التحررية، وكذلك في الدستور الفرنسي الذي صدر في العام 1791([19]). وبالرغم من الإنجاز الفكري والسياسي الكبير الذي حققته الثورة الفرنسية؛ إلّا أنّها قنّنت لاستبداد الثورة أو جماعة الثورة؛ فقد نقلت السلوك السياسي لأنظمة الحكم من استبداد الفرد إلى استبداد الجماعة؛ وهو النموذج الذي ظل قائماً في كثير من نظم الغرب حتى نهاية الحرب العالمية الثانية، ومعظم نظم العالم الثالث([20]).

وأدى انتشار ظاهرة تدوين الدستور في بعض بلدان أُوروبا خلال العقود الأُولى من القرن التاسع عشر، إلى الاهتمام بمبادئه وقواعده ومصادره وأساليب تشريعه؛ وهو ما عُرف ـ ابتداءً ـ بالعِلم الدستوري. وقد أبدى الإيطاليون اهتماماً واضحاً به؛ إذ كانوا أول من درّسه في المعاهد الجامعية، وذلك خلال العام 1798. إلّا أنّ اصطلاح (القانون الدستوري) (droit constitionnel)، وترجمته الحرفيه (الحق الدستوري)؛ على اعتبار أنّ القانون مرادف للحق في العرف القانوني الفرنسي؛ كان إنتاجاً فرنسيا؛ حيث أقرّه المجمع اللغوي الفرنسي في العام 1835، وتم تدريسه في كلية الحقوق بجامعة باريس؛ كمنهج مستقل؛ على أساس دستور فرنسا لعام 1830([21]). ويرجع بعض الباحثين سبب هذا التطور إلى محاولة جهاز الملك “لويس فيليب” الدعاية السياسية للحكم الملكي الجديد.

وقد أدت هذه النشأة التاريخية للقانون الدستوري إلى الربط بين وثيقة الدستور والقانون الدستوري، وكذلك الربط بين القانون الدستوري والنظام الانتخابي (الديمقراطي)، والربط بين القانون وشرعة الحقوق التي تكفل للأفراد والجماعات حقوقهم وحرياتهم([22]).

وانتقلت ظاهرة تدوين الدستور في نهايات القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين إلى مناطق أُخر من العالم، ومنها البلاد الإسلامية؛ ولا سيّما الدولتين الإيرانية والعثمانية([23]). كما اضطر قادة الاتحاد السوفيتي إلى الأخذ بفكرة الدستور في العام 1918؛ بالرغم من تعارضها مع رؤيتهم لموضوع الحريات والحقوق والفصل بين السلطات والنظام الانتخابي وقاعدة التنافس. ومن هنا فقد أخذوا بالفكرة في شكلها القانوني فقط؛ أمّا في اتجاهات الدستور ومضامينه؛ فقد أحدثوا قطيعة حقيقية مع ما أسموه بمخلفات المجتمعات الرأسمالية الليبرالية، وأقروا في الدستور تعريفاً جديداً للحقوق والحريات؛ لخّصها في مقدمته بإعلان ((حقوق الشعب العامل والمستغل يوم الرابع من كانون الثاني 1918))، وهو إعلان مختلف بالكامل عن إعلان حقوق الإنسان الذي استندت إليه الدساتير الغربية.

وكان للايديولوجيا الشيوعية ـ السوفيتية انعكاساً صريحاً على ما صدر من دساتير في دول المعسكر الشيوعي خلال النصف الثاني من القرن العشرين؛ كدول أُوروبا الشرقية والصين؛ التي صدر دستورها الأول في العام 1954([24]).

2 ـ العلاقة بين السياسة والقانون الدستوري:

تكشف الكتابات السياسية التي أسست للفكر السياسي في عصر النهضة الأُوروبية، ولمفهوم الدولة الحديثة عن مدى العلاقة الوثيقة بين السياسة والقانون الدستوري؛ إلى حد يمكن القول بأنّ القانون الدستوري تأسّس على قواعد الفكر السياسي الحديث؛ إذ يُعدّ القانون الدستوري أقرب فروع القانون للسياسة وعلومها ونظمها، بل كان يطلق على القانون الدستوري في مراحل نشوئه الأُولى تسمية القانون السياسي؛ وهو الوجه الآخر لتسمية الحقوق السياسية. ولكن تطور العلوم القانونية والسياسية أدى إلى فصل الحقوق السياسية عن السياسة ودمجها بالقانون.

إنّ الحقوق هي متغيرات تابعة؛ بمعنى أنّها تتبلور وتشكل مضامين وفقاً للتحولات السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وبالتالي فإنّ نوع النظام السياسي يحدده نوع الحقوق السياسية الممنوحة للفرد والمجتمع. ويعيدنا هذا إلى القول بأنّ القانون الدستوري يقنن أساسيات الفكر السياسي التي يقف عليها واقع النظام السياسي. وهو الفكر الذي تفرزه التجربة التاريخية لمجتمع ما. أي أنّ القانون الدستوري لا يوجِد النظام السياسي ولا يصنع التغيير، بل يعطي للنظام السياسي؛ المطلوب اجتماعياً أو سياسياً؛ شكله القانوني، وبتعبير آخر؛ يعطي النظام السياسي قوة الإلزام. فوجود النظام السياسي الذي يعبّر من خلال الإكراه أو التراكم التاريخي عن إرادة اجتماعية؛ هو سابق على تدوين الدستور؛ إذ تستعين هذه الإرادة بالقانون لفرض نفسها أو إلزام نفسها بالتنظيم السياسي الذي يترشح عن القانون.

ويرسم الباحث الدستوري الإيراني الدكتور فرح فلامكي مسار تكوين القانون الدستوري من منطلق الحاجة الاجتماعية؛ على النحو التالي:

الحاجة           الدافع          التطور             النظام            القوننة             الحق

القانون الحديث وتقسيماته             الدافع                الحقوق            التطور

التطور في مجالات واسعة             الحضارة              القانون العام

القانون الدستوري                الحقوق السياسية

الحقوق السياسية                   الحاجات المتغيرة… ([25]).

ثم يستند إلى مقولة الفقيه الدستوري الفرنسي “أندريه هوريو” الذي يذهب إلى أنّ القانون الدستوري هو (الإطار الحقوقي للظواهر السياسية)؛ ليرسم مساراً آخر حول تحديد القانون الدستوري لطبيعة السلوك السياسي للمواطنين، أو الحقوق السياسية للمواطن بكلمة أُخرى:

الدستور                   القانون الدستوري                 الحقوق السياسية

المؤسسة السياسية           مستوى الوعي السياسي           المجتمع السياسي

تطبيق الحقوق السياسية([26])

ويخلص الباحث إلى معادلة ترسم العلاقة بين القانون الدستوري وعلم السياسة؛ وصولاً إلى نتيجة ترتبط بمستوى ومعادل نمو المجتع السياسي:

الطرف الأول                                                                   الطرف الثاني

القانون الدستوري        1 ـ العلاقة المباشرة             السياسة العلمية

الحقوق السياسية          2 ـ العلاقة المكملة             السلطة وتطبيقها

(المجتمع السياسي)                                                           عن طريق

الوعي السياسي                                                           الجهاز التنفيذي

(نمو المجتمع السياسي)        المجتمع السياسي             (السلطة التنفيذية)

النتيجة = درجات ومعادلات نمو المجتمع السياسي([27])

 

وبالرغم من الترابط الوثيق الذي تفرضه المساحة الموضوعية المشتركة بين السياسة والقانون الدستوري، والمتمثلة بظاهرة السلطة، والمتمظهرة خارجياً في النظام السياسي للدولة؛ إلّا أنّ كلّاً من السياسة والقانون الدستوري ينظران لظاهرة السلطة من زوايا مختلفة؛ تبعاً لاختلاف مداخلهما وأدواتهما.

ويذهب بعض الباحثين القانونيين إلى أنّ اختصاص القانون الدستوري في الموضوع السياسي؛ يجعله عرضة للتقلبات والمتغيرات؛ الأمر الذي يدفعهم لإثارة جملة من الإشكالات حول انتسابه إلى القانون؛ قياساً بفروع القانون الأُخر؛ كالقانون المدني والقانون التجاري وقانون العمل، والتي تتمتع بثبات قانوني راسخ.

ولكن هذه الإشكالات لا تعني وجود اختلاف جوهري في الانتساب إلى القانون بين القانون الدستوري وفروع القانون الأُخر؛ لأنّ تعريف النظام الحقوقي الذي ينطبق على فروع القانون؛ ينطبق في الوقت نفسه على القانون الدستوري. ويتلخص هذا التعريف في أنّ النظام الحقوقي هو: القواعد التي تنظم السلوك الإنساني بطريقة خاصة، ويضع حدوداً للعلاقات الفردية والاجتماعية، وهو الإطار الذي يحتضن في داخله هذه العلاقات؛ بهدف تطبيق النظام والعدالة. كما أنّ تعريف القواعد القانونية ينطبق أيضاً على قواعد القانون الدستوري؛ لأنّها تصدر بصورة مباشرة أو غير مباشرة عن سلطة الشعب، وأنّ ضمانات تطبيقها تتم بالطرق القضائية والإدارية([28]).

ويقود هذا الموضوع إلى تناول علاقة القانون الدستوري بثنائية (السلطة والحرية)؛ لارتكاز السياسة أيضاً إلى هذه الثنائية. فهناك نوع من التقابل بين السلطة والحرية؛ لأنّ السلطة السياسية ظاهرة اجتماعية ضرورية لحفظ النظام، وتؤدي هذه المهمة إلى تقييد الحريات إلزاماً. في حين أنّ الحرية هي حاجة دائمة ومتجددة عند الإنسان؛ بهدف الانعتاق من قيود السلطة. ومن هنا؛ كان التوفيق بين الحرية والسلطة من أبرز المشاكل التي واجهها الفكر السياسي والفلسفي في مختلف العصور. وقد أُنيطت بالقانون الدستوري مهمة تحقيق المصالحة أو التعايش بين السلطة والحرية([29])؛ على اعتبار أنّ القانون الدستوري لا يكتفي بتنظيم السلطة، بل يهدف إلى تنظيم الحرية أيضاً، وهو ما دافع عنه ونظّر له “اندريه هوريو”([30]).

وبناءً على الحقائق الموضوعية التي سبقت؛ فإنّ الحديث عن الحاجة إلى الدستور لم يعد نوعاً من الجدل العلمي والفكري والسياسي؛ بسبب تضاؤل الآيديولوجيات التي تنفي الحاجة إلى الدستور أو تشكك في أهميته وضرورته. وبات الحديث في هذا المجال له علاقة ـ غالباً ـ بالجدل الذي كان يدور في مراحل معينة من التاريخ المعاصر؛ كما حصل في أُوروبا في مرحلة ما بعد عصر النهضة وحتى النصف الأول من القرن العشرين، وفي البلدان الإسلامية في مطلع القرن العشرين وحتى النصف الثاني منه أيضاً، وكذلك في الدول الشيوعية؛ ولا سيّما روسيا في العقد الثاني من القرن العشرين. ولكن لا تزال لبعض التيارات الدينية السياسية الإسلامية([31]) آراء معارضة لفكرة الدستور الحديث، وتعدها فكرة غربية أنتجتها البيئة الفكرية والسياسية الليبرالية ـ الرأسمالية، بل إنّ بعض النظم السياسية الليبرالية الغربية لا تزال تعتمد الأعراف الدستورية، ولم تدفعها الحاجة حتى الآن لتدوين دستورها؛ مثل بريطانيا؛ على الرغم من عراقة تاريخها القانوني وفكرها السياسي والدستوري([32]).

3 ـ الحاجة إلى الدستور:

نقارب موضوع الحاجة إلى الدستور في إطار المحاور الأربعة التالية:

أ ـ إنّ الحاجة إلى الدستور ترادف الحاجة إلى القانون؛ فالدستور يحدد طبيعة الحقوق والحريات والعلاقة بين السلطة والحرية، وبدونه تتحول الحرية إلى فوضى وانفلات، وتتحول السلطة إلى استبداد وطغيان. والدستور سقف النظام القانوني، وضمانته، والقيّم على عدم انحرافه. وهو ما دفع بعض فقهاء القانون الدستوري ـ وفي مقدمهم الفقيه القانوني النمساوي “هانز كلسن” ـ إلى اعتبار الدستور ((مسلّمة تشكل نوعاً من الشرط البديهي الذي يعد سقفاً نهائياً يُركن إليه تماماً؛ كما هي الحال مع حقائق علم المنطق والرياضيات))([33]). والركون إلى النص الدستوري يفك الارتباط بين مضمون القاعدة القانونية وإرادة السلطة التي تصدر القاعدة؛ فتكون القاعدة محصورة في إطار مضامين الدستور، وليست تعبيراً عن إرادة السلطة؛ باعتباره النص الأول الذي تتجسد فيه السيادة، وهو المؤسس للنظام السياسي الذي له الصفة القانونية([34]). ويكون الدستور هنا ضمانة لشرعية القاعدة القانونية وللسلطة التي تصدرها؛ إذ تفقد أية قاعدة أو عمل قيمتها إذا انتهك الدستور([35]).

ب ـ تتحق القيمة المتفردة للدستور بالآليات التي يضعها لضمان تطبيقه والالتزام به؛ وإلّا فبقاء الدستور مجرد تشريع ودون تطبيق أو إلزام حقيقي للمؤسسات والسلطات؛ لن يكون ذا جدوى؛ مهما كانت نوعية المواد التي تحتويه. فهناك ـ مثالاً ـ كثيرٌ من الدول التي تمتلك دساتير تتضمن أسمى معاني الحرية والحقوق والمشاركة والتنظيم؛ ولكنها تبقى مجرد مسوح وأشكال تشرعن للأنظمة أو الزعامات استبدادها وقمعها.

فمجرد وجود الدستور ـ إذاً ـ لا يُعدّ حلاً لمشاكل الحريات والحقوق والسلطة، ولا ضماناً لاستقامة التشريعات والقواعد القانونية وتطبيقها، بل بوجود ضمانات الإلزام الحقيقي بكل تفاصيل الدستور.

وقد تنبه الفيلسوف السياسي الفرنسي “جاك جون روسو” إلى هذه المشكلة؛ حين وصف «العقد الاجتماعي» بأنّه سيكون مجموعة أُصول لا طائل منها؛ إلّا إذا حوى إلزاماً ضمنياً؛ لأنّ هذا الإلزام يمكنه ـ حصراً ـ أن يكسب الإلتزامات الأُخر قوةً مؤداها: إنّ من يرفض أن يطيع الإدارة العامة؛ ترغمه هيئة السيادة كلها على الطاعة، ولولا هذا الإلزام لأصبحت الالتزامات المدنية عرضة لأسوأ أعمال تجاوز حدود السلطة([36]).

ت ـ يعبِّر الدستور عن المرتكزات الأساسية التي تشكل القيم المشتركة للمجتمع؛ أي أنّه ناظم لقيم المجتمع المشتركة والمجسد للنظام السياسي الاجتماعي الذي يطالب به المجتمع. وفي مقابل تعدد الاتجاهات الفلسفية والآيديولوجية والاجتماعية والسياسية في المجتمع؛ فإنّ الدستور يمثل التوافق الاجتماعي الأساس، والقاسم المشترك للاتجاهات الاجتماعية، ويعمل على التقريب بينها على أساس قيم تجمعها([37])، ويشد أواصر العلاقة بينها للحيلولة دون انفراط عقد المجتمع.

وهذا يعني أنّ الدستور لا يقف في مقابل القيم العليا للمجتمع ولا يصادرها أو يلغيها، بل يمثل الصياغات الفنية التي تجسد البعد التنظيمي للدولة والبعد الفكري للمجتمع؛ شريطة أن يكون هذا البعد الفكري ناشئاً في إطار سياقات طبيعية وليست قسرية أو مفروضة من أشخاص وجماعات. وفي الوقت نفسه يضمن الدستور عدم إقصاء المعتقدات والأفكار والرؤى السياسية التي تخالف القيم التي تؤمن بها الأكثرية السكانية أو الأكثرية الحاكمة؛ على أن لا تشكل تلك المعتقدات والرؤى تهديداً حقيقياً للأمن الاجتماعي. وهذا ما يجعل الدستور عقداً أساسياً بين أفراد المجتمع؛ يربطهم ببعضهم من جهة، وعقداً بين الشعب والحكّام؛ يحدد العلاقة بينهم من جهة أُخرى. وهذا العقد يفرض انفصالاً بين الدولة والحاكم، وبين السلطة وشخص الحاكم؛ الأمر الذي يجعل هذا العقد ضابطاً للعلاقات والخلافات، ومستنداً يحتكم إليه أفراد الشعب؛ كما يحتكم إليه الشعب والحكّام.

ولكي يكون الدستور عقداً يتضمن ما يتوافق عليه أفراد المجتمع من مرتكزات مشتركة؛ فإنّه يجب أن يصدر عنهم إجماعاً أو عن أكثريتهم؛ عبر سلطة تأسيسية تمثلهم. وبذلك يحول الدستور دون تضارب مصالح الاتجاهات الاجتماعية وتفاقم التباينات بينها([38])؛ سواء كانت أديان ومذاهب وطوائف أو قوميات وأعراق، أو مدارس فكرية وسياسية.

ث ـ يحدد الدستور شكل النظام السياسي للدولة ومضمونه، وينظم حركته واختصاصات مؤسساته. كما ينظم الدستور عمل السلطة السياسية وأساليب ممارستها والعلاقة بين سلطات الدولة، ويضمن سلامة العلاقة بين مكونات المجتمع السياسي وسلامة العلاقة بين الشعب والأشخاص أو الجماعات التي تمتلك حق اتخاذ القرارات باسم الدولة. وبخلاف ذلك ستستند السلطة إلى ألوان من القوانين والقرارات المتقلبة التي تتخذها انسجاماً مع مصالح أصحابها؛ فضلاً عن الأداء الارتجالي والفوضوي الذي ينسجم وهذه المصالح، ولا ينظر إلى مصلحة الشعب والدولة.

4 ـ موقع القانون الدستوري في النظام القانوني للدولة الحديثة:

على الرغم من أنّ وثيقة الدستور تقع في قمة هرم النظام القانوني للدولة؛ إلّا أنّ القانون الذي ينظم هذه الوثيقة؛ أي القانون الدستوري؛ له موقع مستقل في التقسيمات الموضوعية للنظام القانوني؛ فهو فرع من القانون العام الذي ينقسم إلى عدة فروع. وهذا لا يعني أنّ القانون الدستوري وقيمومته تتساويان مع باقي فروع القانون العام أو القانون الخاص، بل إنّ موقعه في هذا البعد يتشابه مع موقع وثيقة الدستور في المدوّنات القانونية للدولة؛ إذ إنّه يشكل البنية التحتية والمدخل لجميع فروع القانون.

والتقسيم الموضوعي التقليدي للنظام القانوني يعتمد معيار العلاقة القانونية بالدولة؛ أي أنّه يقسم القانون إلى قانون عام وقانون خاص؛ فالعام هو الذي تكون فيه الدولة طرفاً في العلاقة القانونية؛ بصفتها صاحبة السلطة والسيادة. أمّا القانون الخاص فهو الذي لا تكون الدولة طرفاً فيه، ويختص بالعلاقة بين الأفراد، أو بين الأفراد والدولة بصفتها المعنوية([39]).

ونعرض هنا ثلاثة مخططات؛ كنماذج للتقسيمات الموضوعية للقانون؛ تبين موقع القانون الدستوري في المنظومة القانونية للدولة الحديثة([40]):

 

 

القانون

 

 

 

القانون العام                                                   القانون الخاص

 

 

القانون الخارجي        القانون الداخلي                  القانون الخارجي         القانون الداخلي

 

 

الدولي           الدستوري     الإداري      المالي       الجنائي       الدولي          المدني         التجاري     العمل

 

 

 

تقسيم (1): تقسيم القانون وفق معيار العام والخاص

القانون

 

 

 

 

القانون الدولي                                               القانون الداخلي

 

 

القانون العام               القانون الخاص                        القانون الخاص               القانون العام

 

 

الدستوري    الإداري      المالي       الجنائي             العمل      المدني     التجاري    أُصول  المحاكمات

 

تقسيم (2): تقسيم القانون وفق معيار الدولي والداخلي

 

 

القانون

 

 

 

 

القانون العام                          القانون الخاص              القانون المختلط

 

 

 

الدولي                        الداخلي                                     المرافعات           الدولي الخاص

الدستوري   الإداري    المالي      الجنائي            المدني    التجاري    الجوي   البحري     العمل

 

 

 

تقسيم (3): تقسيم القانون وفق معيار العام والخاص والمختلط

 

([1]) يتكون قانون حمورابي من مقدمة وخاتمة، ومجموعة القوانين، وعددها 282 مادة.

اُنظر: زناتي، د. محمود سلام، «قانون حمورابي»، ص 34 وما بعدها، نقلاً عن: جعفر، د. علي محمد، «نشأة القوانين وتطورها» (مصدر سابق)، ص 24 ـ 26.

([2]) وهي خليط من تعاليم النبي موسى(ع) وغيره من أنبياء بني إسرائيل وملوكهم وأحبارهم. وتتمثل في «العهد القديم» (التوراة والأسفار التاريخية) و«التلمود». ويتميز سفر التثنية في التوراة باحتوائه على ملامح في النظم السياسية والقانونية.

اُنظر: «الكتاب المقدس»، «العهد القديم». وانظر أيضاً: جعفر، د. علي محمد (مصدر سابق)، ص 13ـ 35. والمؤمن، ماجدة، «بنو إسرائيل والحضارة المصرية»، دار الهادي، بيروت، 2005.

([3]) اُنظر: ول ديورانت، «قصة الحضارة»، ترجمة: محمد بدران، مكتبة الأُسرة، القاهرة، 2001، ج4، ص31.

([4]) شحاتة، د. شفيق، «التاريخ العام للقانون»، ص 268 وما بعدها، نقلاً عن جعفر، د.علي محمد (مصدر سابق)، ص29 ـ 31.

([5]) اُنظر: مبشري، د. أسد الله، «حقوق بشر» (حقوق الإنسان)، مكتب نشر الثقافة الإسلامية، طهران، 1979، ص34.

([6]) مجموعة مؤلفين، «موسوعة العلوم السياسية»، جامعة الكويت، ج1، ص283 ـ 284.

([7]) أفلاطون، «القوانين»، ترجمه عن الإنجليزية وحققه: محمد حسن ظاظا، الهيئة المصرية للكتاب، القاهرة، 1986.

([8]) أفلاطون، «الجمهورية»، ترجمه عن الإنجليزية: نظلة الحكيم ومحمد مظهر سعيد، ط3، دار المعارف، القاهرة (د.ت).

([9]) اُنظر: جعفر، د. علي محمد، (مصدر سابق)، ص 83 وما بعدها، ومصطفى، د.عمر ممدوح، «القانون الروماني»، الدار الجامعية، بيروت، 1987.

([10]) نصوص قول النبي حول حلف الفضول. اُنظر: ابن هشام، عبد الملك، «السيرة النبوية»، تحقيق: مصطفى السقا وآخرون، مكتبة الحلبي، القاهرة، 1952.

([11]) في كتابه «نظرة جديدة في سيرة رسول الله»، تعريب: محمد التونجي، الدار العربية للموسوعات، بيروت، 1983، ص190.

([12]) ذكر أصحاب السيرة نص «صحيفة المدينة» نقلاً عن محمد بن إسحاق (ت 151ه) فقط؛ الذي يعد أول وأهم مؤرخي السيرة النبوية؛ من خلال كتابه «سيرة رسول الله». وقد ضعّف روايات ابن إسحاق معظم علماء الحديث؛ دون تخصيص رواية «صحيفة المدينة»؛ إذ يعتقد كثير من المؤرخين بصحتها متناً وليس سنداً. وكان الباحث الهندي محمد حميد الله ممن تخصص في الوثيقة وأثبت في أُطروحته الدكتوراه (في بدايات العقد الرابع من القرن العشرين الميلادي) صحتها.

اُنظر: ابن هشام، عبد الملك، «السيرة النبوية» (مصدر سابق)، ج1، ص503. وابن كثير، إسماعيل، «السيرة النبوية»، تحقيق: مصطفى عبد الواحد، دار المعرفة، بيروت، 1976، ج2، ص322. وحميدالله، د. محمد، «مجموعة الوثائق السياسية للعهد النبوي والخلافة الراشدة»، ص39 ـ 41. والمستشرق الروماني كونستانس جيورجيو، «نظرة جديدة في سيرة رسول الله»، تعريب: محمد التونجي، ص190.

وأرى أنّ روح الوثيقة ومبادئها ونصها تنسجم بالكامل مع مبادئ الإسلام وشريعته ومع سيرة رسول الله(ص). وبالتالي فإنّ متن الرواية صحيح على وفق معايير علم دراية الحديث، بصرف النظر عن سندها.

([13]) نص العهد في كتاب «نهج البلاغة»، خطب ورسائل الإمام علي(ع) جمعه الشريف محمد بن الحسين الرضي، تحقيق: الشيخ صبحي الصالح، ص427. وانظر: المظفر، الشيخ عبد الواحد بن أحمد، «السياسة العلوية في شرح عهد مالك الأشتر». والناصري، الشيخ محمد باقر، «الإمام علي في عهده لمالك الأشتر».

([14]) اللافت هنا، أنّ أنظمة الحكم المسلمة التي تأسست بعد انتهاء ماعرف بعصر الخلافة الراشدة؛ بتنحي الإمام الحسن بن علي وانهيار آخر عاصمة للخلافة في الكوفة؛ تماهت شكلاً ومضموناً مع الإمبراطوريات والملكيات الأُوروبية؛ فكان حاكم الشام أو بغداد أو اسطنبول أو اصفهان؛ لا يختلف في شرعية دولته وسلطته، وفي سلوكه عن أي إمبراطور وملك أُوروبي يحكم بأمره؛ دون وازع من شريعة وقانون وضابطة شرعية أو إنسانية، بل ربما اختلفت التوصيفات فقط؛ فكان الحاكم المسلم يسمي نفسه خليفة رسول الله أو سلطان المسلمين، ويحاول أن يضفي على سلطته بعض الشكليات الشرعية المستمدة من فتاوى وبيانات وخطب بعض المفتين والفقهاء. ولم يكن الحاكم النصراني الأُوروبي يختلف عنه في توصيفاته الدينية، وفي علاقته بالكنيسة والكهنة.

([15]) ليلة، د. محمد كامل، «النظم السياسية»، دار النهضة العربية، القاهرة، 1996، ص5 ـ 6.

([16]) يقول الدكتور سليمان مرقس بأنّ «فكرة العقد الاجتماعي استخدمت في النصف الأول من القرن السابع عشر لتدعيم فكرة السلطة المطلقة؛ خلافاً للذائع من أنّ نظرية العقد الاجتماعي هي أساس الديمقراطية». اُنظر: «فلسفة القانون» (مصدر سابق)، ص 141.

([17]) يقول “جون لوك” في معرض دعوته لدولة القانون: «يبدأ الطغيان عندما تنتهي سلطة القانون، أي عند انتهاك القانون وإلحاق الأذى بالآخرين». اُنظر: «في الحكم المدني»، ترجمة: ماجد فخري، اللجنة الدولية لترجمة الروائع، بيروت، 1959، ص202.

([18]) أصبح هذا الدستور بعد تعديله أول دستور للولايات المتحدة الأمريكية، وقد صدر في العام 1787.

([19]) اعتمد الدستور الفرنسي كتاب «روح القوانين» للفيلسوف السياسي “مونتسكيو” في معظم أفكاره ومبادئه، ولا سيّما ما يرتبط بالحقوق والحريات السياسية والفصل بين السلطات. فضلاً عن أنّ الكتاب لعب منذ صدوره في العام 1748 دوراً في توعية الجماهير الفرنسية تجاه استبداد الأباطرة الفرنسيين وسلطاتهم المطلقة.

([20]) يقول الباحث الفرنسي المعاصر “موريس دو فرجيه” في هذا الصدد: بأنّ الوباء الكبير لانتشار النظم الدكتاتورية ولد مع الثورة الفرنسية، ولا تزال امتداداته حتى اليوم.

اُنظر: دو فرجيه، موريس، «في الدكتاتورية»، ترجمة: جورج سعد، المؤسسة الجامعية، بيروت، 1996، ص36.

([21]) بجهود وقرار وزير التعليم الفرنسي آنذاك “فرانسوا غيرو” الذي تعود إليه صياغة المصطلح كما يقول المؤرخون القانونيون. اُنظر: فلامكي، د. فرح، «كليات حقوق أساسي» (مبادئ القانون الدستوري) (مصدر سابق)، ص79.

([22]) اُنظر: بدوي، د. ثروت، «القانون الدستوري وتطور الأنظمة الدستورية في مصر»، دار النهضة العربية، القاهرة، 1972، ص9 ـ 10. وعبد الله، د. عبد الغني بسيوني، «القانون الدستوري

والأنظمة السياسية» (مصدر سابق)، ص377.

([23]) سنأتي على بيان هذا الموضوع خلال البحث في حركة الدسترة في البلاد الإسلامية في الفصل الخامس التالي.

([24]) مياي، د. ميشال، «دولة القانون: مقدمة في نقد القانون الدستوري»، ط2، المؤسسة الجامعية، بيروت، 1982، ص148.

([25]) فلامكي، فرح انكيز (مصدر سابق)، ص 34.

([26]) المصدر السابق، ص 88.

([27]) المصدر السابق، ص 91.

([28]) اُنظر: قاضي، د. أبو الفضل، «حقوق اساسي ونهادهاي سياسي» (القانون الدستوري والمؤسسات السياسية)، ط9، دار ميزان، طهران، 2003، ج1، ص53ـ54.

([29]) شكر، د. زهير، «القانون الدستوري والمؤسسات السياسية» (مصدر سابق)، ص9.

([30]) عبد الله، د.عبد الغني بسيوني (مصدر سابق)، ص25.

([31]) تعتقد هذه التيارات أنّ الشريعة الإسلامية هي الدستور الإسلامي، ووجودها يغني عن أية وثيقة قانونية أُخرى، ولا سيّما الدستور بمنهجيته الغربية. وسنأتي على آراء التيارات الإسلامية في موضوع الدستور في الفصل الخامس.

([32]) يتجاوز الدكتور ميشال مياي الجدل حول موضوع الدستور وأهميته إلى الجدل حول جدوى القانون الدستوري نفسه. اُنظر: «دولة القانون» (مصدر سابق).

([33]) نقلاً عن: صليبا، د. أمين، «دور القضاء الدستوري في إرساء دولة القانون» (مصدر سابق)، ص140.

([34]) المصدر السابق، ص 141.

([35]) اُنظر: الغزال، د. إسماعيل، «القانون الدستوري والنظم السياسية» (مصدر سابق)، ص32.

([36]) روسو، جان جاك، «العقد الاجتماعي»، ترجمة: بولس غانم، اللجنة اللبنانية لترجمة الروائع، بيروت، 1972، ص30.

([37]) اُنظر: الترابي، د. حسن، «السياسة والحكم»، دار الساقي، بيروت، 2003، ص92 ـ 93.

([38]) اُنظر: الفصل الأول من الكتاب.

([39]) اُنظر: نجفي أسفاد، د. مرتضى، «حقوق أساسي» (القانون الدستوري)، دار الهدى، طهران، 2001، ص13. وعاليه، د. سمير، «علم القانون والفقه الإسلامي» (مصدر سابق)، ص170 ـ 171. والجمال، د. مصطفى (مصدر سابق)، ص76 ـ 80.

([40]) تتفق كل المعايير المتنوعة للتقسيمات التقليدية على أنّ القانون الدستوري هو فرع من القانون العام الداخلي. اُنظر: الجمال، د. مصطفى؛ ود.عبد الحميد، «النظرية العامة للقانون» (مصدر سابق)، ص85. وعاليه، د.سمير (مصدر سابق)، ص 171ـ 193. وعميد زنخاني، عباس علي (مصدر سابق)، ج1، ص35 ـ 36. وعبد الله، بسيوني (مصدر سابق)، ص 365. وقاضي، د. أبو الفضل (مصدر سابق)، ص26. والغزال، د. إسماعيل (مصدر سابق)، ص5.

latest video

news via inbox

Nulla turp dis cursus. Integer liberos  euismod pretium faucibua

Leave A Comment