منهج دراسة النظام السياسي الإسلامي الحديث

Last Updated: 2024/06/10By

منهج دراسة النظام السياسي الإسلامي الحديث

د. علي المؤمن

مفهوم النظام السياسي

حاول علماء السياسة والقانون التفريق بين مفهومين مختلفين للنظام السياسي، لهما مصطلحان خاصان في الأدبيات السياسية الغربية، أحدهما: (Regime) ويراد به مضمون السلطة ومذهبها السياسي، ومثاله: الأنظمة الديمقراطية، الثيوقراطية، الشمولية، الدكتاتورية، الإسلامية وغيرها، وجمعه – بالعربية – أنظمة. والآخر: (System) ويراد به أسلوب ممارسة السلطة أو شكل الحكم، ومثاله: النظم الرئاسية، البرلمانية، القيادية، نظاما الحزب الواحد والجمعية وغيرهما، وجمعه نظم، وذلك للتفريق بينه وبين الأنظمة من ناحية المدلول. وقد تُطلق لفظة النظم على مجموعة النظم الداخلة في حركة الدولة، كالنظام الاقتصادي والنظام الاجتماعي والنظام التعليمي وغيرها. تجدر الإشارة إلى أن هذا التفريق لا يعبّر عن حقيقة علمية بقدر ما هو ضرورة لغوية.

والوقوف على الحقائق التي يتضمنها مفهوم النظام السياسي – كمصطلح تتناوله علوم السياسة والقانون والاجتماع السياسي – وتقسيم الأنظمة السياسية وخصائصها، سيساعد على تحديد الموضوعات التي يمكن من خلالها فهم الأطر القانونية للنظام السياسي الإسلامي وقواعده الفكرية والمؤسسات والقوى الداخلة فيه.

إن النظام السياسي (Regime) لأي دولة يحدده هيكل نظام الحكم والمؤسسات العاملة فيه وطريقة إدارة السلطة، إضافة إلى غايات النظام وأهدافه، والتي تتدخل – بوصفها القواعد الفكرية التي يقوم عليها النظام – في صياغة شكل النظام وآليات عمله وأجهزته. ويعطي علماء السياسة والقانون تعريفات مختلفة في صياغاتها وبعض مضامينها للنظام السياسي، إلا أنهم يتفقون على الخطوط العامة له. ولعلّ تعريف الدكتور ثروت بدوي يجمع هذه الخطوط؛ إذ يقول: إن النظام السياسي هو «مجموعة من القواعد والأجهزة المتناسقة المترابطة في ما بينها، تبيّن نظام الحكم ووسائل ممارسة السلطة وأهدافها وطبيعتها، ومركز الفرد منه وضماناته قبلها، كما تحدد عناصر القوى المختلفة التي تسيطر على المجتمع وكيفية تفاعل بعضها مع بعض، والدور الذي تقوم به»(1). أي إن مدلول النظام السياسي أوسع من الأبعاد القانونية لنظام الحكم؛ لأن موضوعه أكثر اتساعاً من الموضوعات التي يدرسها القانون الدستوري الذي تتركز الدراسة فيه على نظام الحكم في الدولة (شكل الدولة، شكل الحكومة ومؤسساتها الدستورية) من الناحية القانونية المجردة(2).

نجد – مثلاً – أن شكل بعض الدول اتحادي أو موحّد، وشكل بعض الحكومات ملكي أو جمهوري، ولكنها – جميعاً – تنتمي إلى نظام سياسي واحد، كما هو الحال في بريطانيا (دولة اتحادية، حكم ملكي ونظام برلماني) وفرنسا (دولة موحدة، حكم جمهوري ونظام رئاسي) وألمانيا (دولة اتحادية، حكم جمهوري ونظام برلماني؛ في وقت تنتمي الأنظمة السياسية في جميع هذه الدول إلى الديمقراطيات التقليدية. وبذلك فإن النظام السياسي لمعظم الدول لا يحدده شكل هذه الدول أو شكل حكوماتها، ولا العكس أيضاًَ؛ وإنما يحدده المذهب السياسي الذي يتبناه نظام الحكم(3).

وعلى مستوى النظام السياسي الإسلامي تبقى هذه القضية مدار بحث ونقاش، فهل يحدد هذا النظام شكل الدولة وشكل الحكومة؟ أم أن الموضوعين منفصلان؟ ويعود أصل هذا النقاش إلى تداخل مفاهيم الدولة والحكومة والنظام السياسي في الفقه السياسي الإسلامي، في حين تتمايز هذه المفاهيم في الأنظمة السياسية والحكومية الأخرى. وهو التداخل نفسه بين مفاهيم المجتمع المدني والمجتمع الديني والمجتمع السياسي، أي بين مجتمع الدولة والمجتمع الأهلي والمؤسسة الدينية في الاجتماع السياسي الإسلامي، في حين تتمايز في اتجاهات الاجتماع السياسي الأخرى. ويكاد يكون بعضها منفصلاً عن بعض. ومن خلال ذلك، يكون لمداليل النظام السياسي الإسلامي؛ ما يميزها عن مجمل اتجاهات الفكر السياسي الوضعي؛ وذلك ما ستركز عليه الفقرات والفصول القادمة من هذا البحث.

معايير تصنيف الأنظمة السياسية

هناك عدد من المعايير في تصنيف الأنظمة السياسة، وكل معيار ينظر إلى النظام السياسي من زاوية معينة. وتستوعب هذه المعايير أشكال الحكومات ومضامينها، بالصورة التي توضح طبيعة «العلاقة الكائنة بين الفرد والدولة وبين الأكثرية المحكومة والأقلية الحاكمة لتحقيق العدل والمساواة»(4). وهذه المعايير تكشف عن نوعية الخصائص المشتركة التي يجري وفقها تقسيم الأنظمة السياسية إلى مجموعات. فقد كان التصنيف التقليدي في الغرب منذ أرسطو يقوم على تمييز الملكية والأرستقراطية والديمقراطية؛ ولكن الفيلسوف الفرنسي شارل دو مونتسكيو (1689 – 1755) في «روح القوانين» اقترح تصنيفاً مختلفاً، أضاف إليه النظام الجمهوري والنظام الاستبدادي؛ في حين صنّف الجمهوري إلى ديمقراطي وأرستقراطي(5). ثم ميّز الفيلسوف الفرنسي جان جاك روسو (1712 – 1778) ثلاثة أنواع من الحكومات هي: الملكية، الأرستقراطية والديمقراطية (أو الشعبية)، وفقاً للعلاقة بين الحاكم والمحكوم، ففي الملكية تكون الحكومة مسندة إلى حاكم واحد، يستمد الآخرون سلطتهم منه، وفي الارستقراطية تسند الحكومة إلى بعض الأفراد، وفي الديمقراطية تسند الحكومة إلى الشعب أو معظمه (الأكثرية الحاكمة)(6).

ولا شك في أن هذه التصنيفات لا يمكن أن تكون دقيقة أو خاضعة لمعايير ثابتة؛ ولا سيما بعد التغييرات الفكرية والسياسية الكبيرة التي شهدتها أوروبا خلال القرن الميلادي العشرين؛ إذ بات هناك فصل أكثر وضوحاً بين الدولة والنظام السياسي والحكومة، وفقاً لتعريفات علمي القانون الدستوري والأنظمة السياسية، وبالتالي لم يعد لشكل الدولة ومضمونها علاقة مصيرية بشكل الحكومة ومضمونها؛ فهناك – مثلاً – دول ملكية ولكن حكوماتها ديمقراطية، وهناك جمهوريات تحكمها أنظمة استبدادية. وتبعاً لذلك برزت عدة محاولات علمية لإعادة تصنيف الأنظمة السياسية؛ فقد وضع “روبرت ماكيفر” أربعة معايير قسّم وفقها الأنظمة:

1 – المعيار الدستوري، ويقسم إلى:

  • الأوليغارشي (حكم القلة)، ويضم الحكومات الملكية، الاستبدادية، الثيوقراطية والرئاسية التعددية.
  • الديمقراطي، ويضم الملكية المقيدة والجمهورية.

2 – المعيار الاقتصادي، ويضم الحكومات: البدائية الاقتصادية، الاقطاعية، الرأسمالية والاشتراكية.

3 – المعيار الفئوي، ويشمل حكومات: الأقلية، القطر، الوطنية، المتعددة القوميات، العمالية.

4 – معيار السيادة، ويضم الحكومات: الوحدوية، الإمبراطورية، الاتحادية(7).

وكما هو واضح فإن هذا المنهج في اكتشاف المعايير يستقرئ تجربة الغرب في الحكم ويحاول تعميمها على كل التجارب الأخرى، بما فيها التجارب الخاصة التي تكثر في الشرق. ومن هنا اقترح علماء سياسة عرب ومسلمون وشرقيون معايير أخرى، منها المعيار الذي يمزج بين طريقة تشكيل المؤسسات السياسية التي تعمل داخل النظام، وغايات النظام وأهدافه، كما يقترح الدكتور يحيى الجمل(8)، ولكنه يعود فيقول إن هذا التقسيم لا يخلو من نقائص ولا يؤدي إلى تمييز كامل بين مجموعات الأنظمة السياسية؛ والتقسيم يتلخص في المجموعات التالية:

1 – أنظمة الديمقرطيات التقليدية.

2 – الأنظمة الشمولية: الدكتاتوريات الفردية والدكتاتوريات الطبقية.

3 – أنظمة العالم الثالث(9).

وهناك معايير أخرى، مثل المعيار القانوني الذي يقسّم الحكومات إلى: ملكية وجمهورية، ومعيار مصدر السلطة الذي يقسمها إلى: فردية، أقلية، وشعبية(10). ويعتقد شوفالييه أن المعيار الأساس الذي يضمن للحكومات شرعيتها هو القانون، أي العقد الذي توجهه الإرادة العامة. والقانون يبقي الحكومة خادمته ولا يسمح لها بالاندماج فيه، «حينئذ تكون الملكية بحد ذاتها جمهورية، لأن كل حكومة شرعية هي حكومة جمهورية»(11). وذلك في معرض نفيه شبهة الاستبداد التقليدي عن الملكيات الأوروبية.

وما يهمنا في هذا المجال هو تحديد موقع الدولة الإسلامية والنظام الإسلامي والحكومة الإسلامية ونظامها السياسي في هذه المعايير والمجموعات. وتحديد موقع النظام الإسلامي في إطار تقسيم علمي جديد يشكّل إضافة جديدة لموضوعات القانون الدستوري والأنظمة السياسية والاجتماع السياسي. فللنظام الإسلامي موقعه الخاص الذي يميزه من الأنظمة الأخرى، وهو في هذا الموقع المتميز يتشابه في مجال أو غيره مع نظام سياسي أو آخر، فهو من ناحية الشكل والغايات والعلاقة بين الحاكم والمحكوم يمكن أن يكون ضمن مجموعة أو أخرى من الأنظمة السياسية وفقاً للتقسيمات التي مر ذكرها؛ ويمكن أن يفترق عنها، فهو نظام جمهوري ويلتقي مع الأنظمة الجمهورية، ولكنه مقيّد بالعقيدة الإسلامية؛ وهو نظام قانوني، ولكنه القانون الذي تفرزه الشريعة الإسلامية. ومن هنا، يقترح الباحث تقسيماً مكمّلاً في إطار معيار مصدر الحاكمية (علاقة الشعب بالحاكم). في هذا التقسيم تصنف الأنظمة إلى أربع مجموعات:

1 – أنظمة الديمقراطيات التقليدية:

ومثالها الولايات المتحدة الأمريكية، بريطانيا، فرنسا، ألمانيا وأسبانيا. وتكتسب هذه الأنظمة شرعيتها – كما هو معلن – من الشعب؛ فهي وكيلته أو خادمته!

2 – الأنظمة الشمولية:

وتعرف بالتوتاليتارية أو الدكتاتورية، وتنقسم إلى قسمين يختلفان في الأسس الفكرية ويلتقيان في كثير من أساليب ممارسة السلطة وهما:

أ – الدكتاتوريات الفردية وتعرف بالأوتوقراطية، ومثالها ألمانيا الهتلرية، إيطاليا الموسولينية وبعض دول العالم الثالث؛ ومصدر شرعيتها سيادة الفرد الحاكم نفسه، باعتباره يمثّل خلاصة الأمة التي أنجبته، وفيها يكون الفرد هو الدولة والنظام.

ب – الدكتاتوريات الطبقية، ومثالها: الأنظمة الماركسية، كالاتحاد السوفياتي والصين. وتسمتد شرعيتها من سيادة الطبقة، وفيها تكون الطبقة هي الدولة والنظام.

3 – الأنظمة المختلطة والتوليفية:

ومثالها معظم أنظمة دول العالم الثالث. ومصدر شرعيتها متعدد، ويتوزع على الحاكم والشعب والأيديولوجية وغيرها، أي أنها تتخبط في موضوع الشرعية والسيادة؛ فهي وإن كان معظمها يحاول أن يجعل الشعب مصدراً لشرعيته، إلا أن القوة (السلطة نفسها) هي في الحقيقة مصدر لشرعية النظام وسيادة الدولة.

4 – النظام الإسلامي:

وهو بدوره ينقسم إلى عدة أنواع – وفقاً لمعايير متنوعة – منها مذهبي ومنها تاريخي وغيرهما. ولكن – عموماً – يختلف النظام الإسلامي في الكثير من المعايير عن الأنظمة السابقة، ولا سيما على مستوى مصدر الشرعية، إذ إنه يكتسب سيادته وشرعيته (من الناحية العقائدية والفقهية) من حاكمية الشريعة الإسلامية، وهي حاكمية تستمد سلطتها النهائية من الله تعالى، كما أنه يحظى بشرعية شعبية (من الناحية القانونية الدستورية)، وهذا المصدر الثاني مكمّل وليس في عرض المصدر الأول. وبذلك فإن النظام الإسلامي الحديث يختلف – أيضاً – عن الأنظمة الثيوقراطية في تجربتها التاريخية وأصولها الفكرية؛ وكذلك الأنظمة السلطانية المسلمة، فكلا النوعين يفتقد المشروعية الشعبية، رغم أنهما يزعمان أن مصدر شرعيتهما وسيادتهما هو الله تعالى.

وهناك أنظمة سياسية أخرى، كالثيوقراطية والأرستقراطية، نترك الحديث عنهما؛ لأن الأولى سنتحدث عنها بالتفصيل في الفصل الثاني من البحث، أما الثانية فلا وجود لها الآن في الواقع العالمي.

محور السلطة في النظام السياسي

درجت الدراسات المتخصصة في الأنظمة السياسية والقانون الدستوري على تصنيف الأنظمة السياسية، وفقاً لمعيار مركز السلطة أو محور حركة النظام، إلى عدة نظم، أهمها: النظام الرئاسي، النظام البرلماني، نظام الجمعية، النظام الملكي، نظام الحزب الواحد، النظم المختلطة. ولا شك في أن النظام الإسلامي له وضعه الخاص في هذا المجال، ولا يمكن ضمّه إلى أي من النظم أعلاه؛ رغم أن هناك صاحب للسلطة التنفيذية؛ بل إن رئيس الجمهورية فيه هو صاحب السلطة التنفيذية، ككل النظم الرئاسية، كما أنه ليس برلمانياً، وإن كان البرلمان إحدى سلطاته الأربع المستقلة. ومن هنا فإن النظام السياسي الإسلامي الحديث، وفقاً لما يقرره دستور الجمهورية الإسلامية الإيرانية، هو نظام قيادي، وهذا ما يميّزه عن النظم الأخرى المعاصرة، وكذلك عن النظم الإسلامية الأخرى، كنظام الخلافة (تاريخياً أو ما تدعو له بعض الجماعات الإسلامية المعاصرة) ونظام الإمامة (الخاص بعصر أئمة أهل البيت وحضورهم)، وعن النظم المنسوبة إلى الإسلام كالنظام السلطاني (تاريخياً). وبغية فهم أوجه التمييز بين النظام القيادي والنظم السياسية المعاصرة، نعرض لها هنا بإيجاز:

1 – النظام الرئاسي:

المراد به النظام الرئاسي في الأنظمة الديمقراطية وليس النظام الرئاسي الدكتاتوري الفردي. هذا النظام يعتمد رئيس الجمهورية حاكماً شخصياً نافذاً ومحوراً لحركة النظام، دون أن ينفرد بالسلطة؛ فهو رئيس السلطة التنفيذية، أي رئيس إحدى السلطات في الدولة، ولكنها السلطة الأولى وهي التي تنسّق بين السلطتين الأخريين (التشريعية والقضائية)؛ وبالتالي، فهو رئيس الدولة ورئيس الحكومة أيضاً. ويتم انتخاب رئيس الجمهورية انتخاباً مباشراً أو غير مباشر من قبل الشعب ولمدة محددة. وفي النظام الرئاسي تتمتع السلطتان التشريعية والقضائية بالاستقلالية إلى جانب السلطة التنفيذية (سلطة الرئيس)، أي إن هناك فصلاً واضحاً بين السلطات، فلا تستطيع السلطة التشريعية (البرلمان) مساءلة الرئيس ووزرائه، ولا تستطيع السلطة التنفيذية (الرئيس) حل البرلمان(12). ونظام الولايات المتحدة الأميركية هو نموذج للنظام الرئاسي.

2 – النظام البرلماني:

يكاد البرلمان فيه يكون مركز حركة النظام (في الأنظمة الديمقراطية بالطبع). والبرلمان هو السلطة التشريعية التي تقر اختيار رئيس الحكومة ووزرائه، وتراقبهم وتستجوبهم؛ لأن السلطة التشريعية هنا هي وكيلة الشعب في محاسبة المسؤولين التنفيذيين. والسلطات الثلاث في هذا النظام، مع أنها منفصلة، إلا أنها تكمل بعضها ومتوازنة فيما بينها وتتبادل الرقابة. ويكون لهذا النظام رئيس أعلى للدولة هو الملك أو رئيس الجمهورية، وهما يسودان ولا يحكمان، أي إنهما لا يمتلكان صلاحيات تنفيذية، وبالتالي فهما غير مسؤولين. والملك أو رئيس الجمهورية يقوم بدوره باختيار رئيس للوزراء، يكون رئيساً للحكومة ورئيساً للسلطة التنفيذية، وهو يمثل – عادة – الأكثرية البرلمانية. ثم يقوم رئيس الوزراء باختيار وزرائه، وهم – عادة – أعضاء في البرلمان في الأصل. ومع أن رئيس الجمهورية في هذا النظام ينتخب – غالباً – انتخاباً مباشراً من قبل الشعب، إلا أن صلاحياته المحدودة لا تختلف في مدى سعتها عن صلاحية الملك(13)؛ وبريطانيا والهند هما نموذجان للنظام البرلماني، علماً أن الأولى ملكية والثانية جمهورية.

3 – نظام الجمعية:

وهو تطبيق قريب لأفكار جان جاك روسو، وبمقتضاه تكون مظاهر السلطة واختصاصاتها في يد جهة واحدة هي جمعية ممثلي الشعب. وفي هذا النظام لا يوجد فصل بين السلطات، بل تدمج جميعاً وتجعل في يد ممثلي الشعب، وهم أعضاء الجمعية الذين يقومون بكل الوظائف التشريعية والتنفيذية والقضائية. وبكلمة أخرى، إن الجمعية النيابية هي التي تفرز السطلتين التنفيذية والقضائية وتختار مسؤوليها وتراقبهم وتعزلهم(14) ومثال نظام الجمعية الدولة السويسرية.

4 – النظام الملكي:

والمراد به النظام الذي يسود فيه الملك ويحكم، أي يكون رئيساً للدولة ورئيساً للسلطة التنفيذية والحكومة بالفعل، مع وجود رئيس وزراء – عادة – ينفـذ إرادة الملك. وفي الوقت نفسه يكون الملك فوق القانون وليس مسؤولاً. والأنظمة الملكية في دول العالم الثالث هي مثال لهذا اللون من النظام.

5 – نظام الحزب الواحد:

هو النظام الذي يحكمه حزب واحد، وهو حزب عقائدي – عادة – يكون محوراً لحركة الدولة ومهيمناً على كل أنواع السطلة ومراقباً وموجهاً لها، فمنه ينبثق البرلمان ومنه يتم اختيار الحكومة وهو الذي يحدد سلطة القضاء. وهذه الأنظمة تعيش في ظل الأنظمة التوتاليتارية؛ فهي لا تسمح لأي حزب أو رأي آخر بأن يكون له وجود في الدولة. ويكون رئيس الحزب أو أمينه العام هو رئيس الدولة الفعلي، والوجه الآخر للملك أو رئيس الجمهورية الذي يسود ويحكم. ومثال ذلك نظام الاتحاد السوفياتي والصين.

6 – النظم المختلطة:

وهي النظم التي تقتطع من كل نظام جزءاً، وتؤلف من هذه الأجزاء نظاماً ينسجم مع تطلعات الفئة الحاكمة ومع الوضع السياسي والاجتماعي القائم. فقد يكون النظام رئاسياً وبرلمانياً في وقت واحد أو رئاسياً وبرلمانياً ويحكمه حزب واحد؛ وقد يضاف إليها أن يكون عسكرياً. وهذه النظم تطـوّع نفسها غالباً لمصلحة رئيس الدولة لتمنحه صلاحيات إضافية، وإن كان هناك رئيس وزراء وبرلمان وحزب حاكم ومجلس للقيادة إلى جانبه. ويطلق عليه بعض الباحثين مصطلح «الرئاسية» تمييزاً له عن النظام الرئاسي(15). ومثالها معظم الأنظمة السائدة.

7 – النظام القيادي:

ويتميز بكون سلطة القائد فيه هي السطلة المحورية والأولى في الدولة، وهي التي تشرف على عمل السلطات الثلاث (التنفيذية، التشريعية والقضائية) وتراقبها وتنسق فيما بينها وترسم سياساتها العليا. أي إن هناك أربع سلطات في هذا النظام، إحداهما هي السلطة العليا وهي سلطة القائد (الولي الفقيه)، تليها السلطات الثلاث المستقلّة التي تتعاون فيما بينها وتتبادل الرقابة، وهي سلطة رئيس الجمهورية وسلطة البرلمان وسلطة القضاء. وهذا النظام انعكاس حقوقي (خاص بعصر الغيبة) لنظام الإمامة في مدرسة أهل البيت، وكذلك (إلى حد كبير) لنظام الخلافة في مدرسة الخلافة. ويختص به النظام السياسي الإسلامي الحديث المتمثل بالجمهورية الإسلامية الإيرانية(16).

ومن خلال ذلك يتضح أن النظام القيادي يمثل إضافة جديدة للنظم السائدة في مناهج القانون الدستوري والأنظمة السياسية، ولم تعرفه علوم السياسة والقانون من قبل. وتمييزه من النظم الأخرى يمثل ضرورة علمية مؤكدة؛ لأن هذا التمييز سيعطي النظام القيادي استقلاله في أن يكون مبحثاً قائماً بذاته، دون الحاجة إلى التفتيش عن مباحث موجودة لضم النظام السياسي الإسلامي إليها.

الفقه السياسي الموروث ومرجعية الواقع

ظلّت جهود الفقهاء والمفكرين الإسلامييين – غالباً – تتوقف عند حدود معينة، تفرضها إشكاليات الواقع بمكوّناته السياسية والاجتماعية والفكرية. ولعل الفقه السياسي هو المصداق الأكثر وضوحاً في هذا المجال، إذ حال ذلك الواقع دون بلورة نظرية سياسية فقهية شاملة، تتمتع بكل مواصفات الانتماء للشريعة الإسلامية، ومن ثم صياغة نظام سياسي مبنيٍ – بناءً حقيقياً – على أساسها. وقد ظهر من بين ثنايا هذا التوقف أو الإخفاق منهجان، يستندان إلى أرضية فكرية وسياسية، ولا تزال آثارهما قائمة حتى الآن:

المنهج الأول: تعامل مع موضوع النظام السياسي الإسلامي بأسلوب معكوس، إذ انطلق من الواقع السياسي القائم لبناء النظرية، فاستنبط نظريته السياسية أو فقهه السياسي من الواقع الذي خلّفته سيرة الخلفاء والملوك، ولا سيما في العهدين الأموي والعباسي. وبذلك أصبح الواقع مرجعية الفقه السياسي الإسلامي، وليس حقائق الشريعة التي تمثل المرجعية النهائية للفقه السياسي والنظام السياسي.

المنهج الثاني: انطلق من المرجعية الإسلامية الأصيلة في العقيدة والفقه بكل أبوابهما، لكنه شكل أسلوباً خاصاً في معالجة الموضوعات الفقهية وفي تبويبها، ما أدى إلى عدم ظهور نظرية سياسية كاملة لديه، فهناك موضوعات توقّف عن معالجتها أساساً، وهناك موضوعات تدخل معظم تفاصيلها في إطار الفقه السياسي، إلا أنه وضعها في أبواب متفرقه، كالجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والحسبة والخراج وولاية القضاء وولاية الحكم وغيرها(17).

هذان المنهجان المتوازيان خلّفا – خلال مسيرتهما – تراثاً ضخماً من المؤلفات والدراسات. وإذا أضفنا إلى هذا التراث مؤلفات كثيرة أخرى لمفكّرين وفلاسفة مسلمين، كانت لهم مناهج مستقلّة، يدخل معظمها في إطار الفلسفة السياسية، سنرى أن تراث المسلمين في مجالات السياسة والحكم والدولة، ليس فقيراً من الناحية الكمية، ولكنه من الناحية النوعية ظل بحاجة إلى المزيد من الجهود(18). فهذه الكتابات – وصولاً إلى كتابات القرون الأخيرة – تعجز عن تمثيل النظرية الإسلامية في الدولة ونظام الحكم تمثيلاً كاملاً. كما أن الأنظمة السياسية التي حكمت باسم الإسلام، سواء كانت تنتمي لمدرسة الخلافة أم إلى مدرسة أهل البيت، ابتداءً بالأمويين والعباسيين، ومروراً بالحمدانيين والفاطميين، وانتهاءً بالصفويين والعثمانيين، لا يمكن القول: إنها مما أفرزته الشريعة الإسلامية، بعقيدتها وفقهها؛ بل إنها – في الحقيقة – أنظمة سياسية تنتمي لقادتها ومؤسسيها؛ وكانت درجة التزامها بمحددات الفقه السياسي الإسلامي نسبية، وتختلف من نظام إلى آخر.

هذه الإشكاليات التي خلقتها جهود المسلمين السلف في بناء نظرية الحكم الإسلامي، حين قهرتهم مرجعية الواقع، تلتقي بها إشكاليات كبيرة شبيهة، أثرت – بنسب معينة – في أصالة جهود المعاصرين أيضاً، حين حاول قسم منهم التوليف بين موقف الشريعة الإسلامية وموقف النظريات السياسية الوضعية، أو حين انطلق قسم آخر من مرجعيات أخرى، بعد أن قرروا أن الإسلام يفتقر إلى الكمال في تشريعاته. وقد سمحت النتائج التي خرجت بها كتابات المتقدمين والمتأخرين لكثير من الباحثين بالجزم بأن رفع شعار الدولة الإسلامية ينطوي على غموض وإبهام، بالنظر إلى عدم وضوح أحكام الشريعة في مجال السياسة والحكم(19).

بيد أن التحول الذي شهدته العقود الأربعة الأخيرة، أدّى إلى إضافات نوعية كبرى؛ بل أساسية، على مستوى اكتشاف النظرية السياسية وتأصيلها وبلورتها في الإسلام والتأسيس المنهجي للفقه السياسي الإسلامي. ويعود الفضل في ذلك إلى الحوار المعمّق والدراسات العلمية، وما رافقها من تنقية ونقد وتقويم – وتحديداً – خلال عقد الثمانينات في القرن الماضي، إذ تحوّل موضوع إقامة النظام السياسي الإسلامي وتطبيق الشريعة الإسلامية من شعار غامض – كما يقول بعضهم(20) – إلى واقع قائم.

التجاذب بين الواقع والتنظير

إن السجال المستمر حول طبيعة النظام الاجتماعي الأمثل الذي يحقق للمجتمع المسلم الأمن والاستقرار والنمو والرقي الديني والدنيوي، اتخذ منحى أكثر عمقاً وذا أبعاد متعددة: عقائدية وعلمية وفكرية وسياسية، في أعقاب الاحتكاك السلبي بالغرب، والذي يعود إلى مجموعة من العوامل، أهمها: آثار الاستعمارين القديم والحديث في العالم الإسلامي، والبعثات الطلابية التي أرسلت من بلاد المسلمين إلى أوروبا، والغزو الثقافي والفكري الغربي، الأمر الذي تسبب ببروز نخب مثقفة تدعو للفكر الاجتماعي والسياسي الغربي بنسب معينة، تبدأ باستنساخ هذا الفكر والأخذ به بالمطلق، وتنتهي بالتوليف مع الأفكار والموروثات الإسلامية، أو بالتوليف مع أفكار جديدة، تعتمد أطراً محلية أو إقليمية أو قومية. وعبّرت تلك النخب عن نفسها من خلال الأحزاب والجماعات السياسية والثقافية والفكرية التي أنشأتها. ومن هنا يمكن القول: إن ذلك السجال ظل يدور بين ثلاثة اتجاهات في المنطقة الإسلامية:

الاتجاه الأول: يمثّله الإسلاميون أو أنصار تطبيق النظام الإسلامي الذين حاولوا التأصيل الفقهي والفكري في المجالين النظري والعلمي. ويتوزع هؤلاء بدورهم على اتجاهات عدة، تمثّل مدارس وتيارات متنوعة.

الاتجاه الثاني: يمثّله العلمانيون أو أنصار النظم السياسية الوضعية، وتحديداً الداعون إلى النظم الديمقراطية والاشتراكية. وهؤلاء رفضوا أي علاقة بين الإسلام (والدين عموماً) والنظام السياسي.

الاتجاه الثالث: يمثّله التوليفيون أو دعاة المصالحة بين النظم الإسلامية والنظم الوضعية، إذ عمدوا إلى التقريب بين الإسلام والديمقراطية أو بين الإسلام والاشتراكية، وجمعوا بينهما نظرياً، من منطلق الإحساس بأهمية الإسلام – كأمر واقع – في صياغة النظم الاجتماعية المحلية للمسلمين، وعدم إمكانية الاستغناء عنه، وكذلك استشعار وجود مساحات واسعة لم يعط الإسلام رأيه فيها، وأنه بالإمكان ملء هذه المساحات بفكر أرضي. أو من منطلق الاستنتاج بأن النظام الإسلامي هو نظام ديمقراطي أساساً، وأن الإسلام دين الديمقراطية، أو أنه نظام اشتراكي ودين الاشتراكية.

وأكثر ما يعنينا في هذا البحث هو السجال الذي تقوده هذه الاتجاهات الثلاثة حول المحاور المحددة التالية:

1 – السجال في دائرة الاتجاه الأول حول موقع الشورى في النظام الإسلامي، ووجه التشابه بين النظام الإسلامي من جهة والنظامين الديمقراطي والثيوقراطي من جهة أخرى.

2 – السجال في دائرة الاتجاه الثاني حول تشبيه النظام الإسلامي بالنظام الثيوقراطي.

3 – السجال في دائرة الاتجاه الثالث حول مساحات التوليف بين النظام الإسلامي والنظام الديمقراطي، أو المساواة بين الشورى والديمقراطية، مرةً بفرض الديمقراطية على النظام الإسلامي وأخرى بفرض الإسلام على النظام الديمقراطي.

وقد ظل هذا السجال نظرياً طوال ثمانية عقود من الزمن (منذ نهايات القرن الميلادي التاسع عشر وحتى نهايات العقد الثامن من القرن العشرين)، كتبت خلالها عشرات الدراسات والمؤلفات. ولكن منذ نهاية السبعينات من القرن الميلادي الماضي، أخذ السجال طابعاً علمياً، وبات يدور حول تجربة التطبيق، إذ أصبح الواقع الذي تمثله تجربة الجمهورية الإسلامية في إيران هو نموذج الاختبار والمحك وملاك المقارنة(21).

وبات التجاذب الفقهي الحقيقي يحدث بين الواقع (الاجتماعي والسياسي ببعديهما المحلي والدولي) والتنظير (الفقهي والفكري). فنجد هذا الواقع يفرض نفسه على النظرية، ويحاول تطويعها تبعاً لضغوطاته، وأحياناً تضغط النظرية على الواقع لتخضعه لها، وأحياناً أخرى يضطر الطرفان للتعاطي مع بعضهم بصورة متوازنة، تحفظ لكليهما حقه في التعبير. أو بكلمة أخرى، تفصح عن نفسها بالأسئلة التالية: هل الشريعة متقدمة على الواقع أم العكس؟ فإذا اصطدم الواقع بالشريعة، هل نضحي بالأخيرة أو نلوي عنقها – في أفضل الحالات – أم نحاول تكييف الواقع لينسجم مع الشريعة؟ ويبرز سؤال آخر إذا قلنا بالتكييف، فما نوعيته وصورته؟ هل هو التكييف الشكلي أم البنيوي؟ أو هل هو تكييف مفاجئ وقهري أم تكييف عقلاني مبني على أسس العلم والفهم الحقيقي للواقع ودرك كنه الشريعة ومقاصدها؟ وبالتالي ستكون العملية لقاءً وتعاضداً متوازناً بين الشريعة والواقع. وهنا بالتحديد تكمن إشكالية الاقتباس، وهي إشكالية منهجية، ترتبط بإمكانية اقتباس النظام الإسلامي وقواعده من الفكر البشري، سياسياً كان أم اجتماعياً أم اقتصادياً، في ضوء متطلبات الواقع. ومن دون شك، إن هذا السجال الذي لا يزال على أشده، يأخذ في الساحة الإيرانية أشكالاً ومضامين أكثر عمقاً واستيعاباً من أي ساحة فكرية أخرى، إسلامية وغير إسلامية، كما أنه أخذ عناوين ومداخل متنوعة، تنفتح على الفقه والفكر وعلم الكلام والفلسفة والموروثات الاجتماعية وغيرها. وهذا السجال هو أهم سبب للتنوع الفكري والسياسي في إيران، ومن أهم أسباب الخلاف الأساسي واليومي بين الجماعات الدينية والسياسية، سواء الداخلة في نطاق الحكم أو التي تقع خارج دائرته. هذا الواقع – بالطبع – أضاف محاور جديدة إلى دائرة السجال بين الاتجاهات الفكرية المذكورة، كالعلاقة بين الشورى وولاية الفقيه، وأوجه الشبه بين الإكليروس وعلماء الدين أو بين الحكم الإسلامي والنظام البابوي، وغيرها.

وقد تسبب هذا اللون المعقد من التنوع والتجاذب بثراء كمي ونوعي متفرّد للفضاء الفكري الإيراني، مردّه بقاء المرجل الفكري في الساحة الإيرانية يعمل بأقصى طاقته طوال أربعة وعشرين سنة، الأمر الذي ظل مدعاةً للساحة الفكرية العربية والعالمية للحاق بعجلة النتاج الفكري الإيراني واستيعاب كمه المتراكم، وبالتالي ظهور كم هائل – أيضاً – من الأسئلة والتفسيرات تجاه ما يحدث في إيران.

والنظام السياسي الإسلامي الحديث الذي تعبّر عنه تجربة الجمهورية الإسلامية هو إفراز لمجمل ذلك السجال والتجاذبات التي تعيشها الساحة الإسلامية (الشيعية الإيرانية تحديداً) منذ ثلاثة عقود تقريباً. وهي تجربة يحاول منظّروها وساستها أن يجمعوا فيها بين الواقعية السياسية في جانب المتغيرات، والأصول العقيدية والفقهية في جانب الثوابت. وهو ما نحاول أن نقف على حقيقته أيضاً في هذا البحث. وعموماً، إن البحث استعار أهم جوانب ذلك السجال، وحاول معالجتها في إطار معطيات تطبيقية تقف على دعامة الواقع الذي أفرزته تجربة الجمهورية الإسلامية. ولا شك في أن الدراسة المقارنة بين النظام السياسي الإسلامي والأنظمة الوضعية من خلال هذه التجربة ستكون أكثر ثمرة وأكثر قرباً من الحقيقة؛ لأنها دراسة لا تعتمد البحث النظري المجرد؛ بل تجمع بينه وبين الظواهر السياسية التي أفرزها الواقع؛ وهو ما يتطلبه المنهج العام لعلم الاجتماع السياسي الذي يدخل بحثنا في إطاره.

إشكاليات منهجية في بحوث الاجتماع السياسي الإسلامي

من المناسب هنا التوقف عند الإشكاليات المنهجية التي تظهر في كثير من البحوث التي تدرس تجربة الحكم والنظام والاجتماع السياسي الإسلامي الحديث. هذه البحوث تستخدم – غالباً – في التحليل والتقويم معايير ومرجعيات لا تمت بصلة عقائدية وفقهية للحقائق النظرية الإسلامية في السياسة، أو لا تمت بصلة لحقائق التجربة الإسلامية الحديثة في الحكم، فتدفع طوعاً أو تجبر قسراً باتجاه وضع تجارب أخرى في الحكم ميزاناً لقياس صحة النظام السياسي الإسلامي وخطئه واستقامته في نظريته وممارسته. ونطرح هنا نموذجين من هذه الإشكاليات المنهجية:

النموذج الأول: إشكالية فرض التجربة الغربية (التاريخية والمعاصرة) في الحكم معياراً لتقويم التجربة الإسلامية الحديثة، وبما أن أهم التجارب التي مرّ بها الغرب تتمثـل في الحكم الثيوقراطي والحكم التوتاليتاري والحكم الديمقراطي، فإن النتائج ستظهر – كما يقول دعاة هذا المعيار – عدم تطابق بين الديمقراطية الغربية والنظام الإسلامي، ما يعني أن النظام الإسلامي يتشبّه بالأنظمة الشمولية والثيوقراطية.

النموذج الثاني: إشكالية فرض التجربة التاريخية الإسلامية في الحكم على التجربة الحديثة. وهذا التقويم القهقرائي للنظام الإسلامي الحديث تجعله – قسراً – امتداداً للدولة السلطانية التي تعاقبت على حكم المسلمين بعد انتهاء عهد الخلافة الراشدة. والدولة السلطانية هي – في جوهرها – دولة وضعية أرضية منسوبة إلى الدين، وكانت تمثـل نوعاً معقداً من أنواع الحكم شبه العلماني وفصل السلوك الديني عن الدولة، حتى قبل اختراع مفهوم «العلمانية» بصيغته الغربية الصريحة.

وفي كلتا الإشكاليتين، فإن استخدام المعيار الديمقراطي (الغربي) والمعيار السلطاني (التاريخي)، سيؤدي إلى اعتقال البحث في زنزانة الأحكام المسبقة والمنمطة، وعدم السماح له باتخاذ مسار حر، في إطار نهج علمي موضوعي، لأن اعتماد مثل تلك المقدمات والفرضيات المنهجية يقود إلى نتائج غير سليمة. وبكلمة أخرى، إن تلك الإشكاليات تسوق البحث إلى نتائج وضعت كمقدمات وفرضيات في الأساس؛ ذلك أن المعايير الوضعية التي أفرزتها الديمقراطية بشكلها الغربي التقليدي هي معايير إنسانية مقبولة – حالياً – لدى كل أبناء البشر، أو لا بد أن تكون كذلك! وحينها سيتم الاحتكام إلى الديمقراطية في قياس مساحة الحريات العامة والحقوق السياسية في الدولة الإسلامية، وسيكتشف الكثير من الثنائيات المضادة، مثل: حاكمية الله وقواعد الشورى وولاية الفقيه من جهة، وسيادة الشعب وحقوقه وحرياته من جهة أخرى، والنصب الشرعي والانتخاب البشري، وقيمومة الشريعة ومجالس التشريع البشرية، وتاريخية فكر النظام السياسي الإسلامي وعصرية فكر النظم الغربية، وغيرها من الثنائيات. بينما لا يوجد لهذه الثنائيات موقع في الشريعة الإسلامية، لأنها تعبّر عن حكمة إلهية ومقاصد واضحة وتوازن دقيق.

إن تحكيم موازين العدالة والحرية والمساواة التي سبق أن فصّلها العقل الغربي على مقاسات تجربته وخبرته وبيئته، في قضايا الشريعة والقانون والسياسة الإسلامية، سيؤدي إلى (اتهام) النظام السياسي الإسلامي الحديث بثلاث (تهم) أساسية، أولاها أنه نظام ثيوقراطي، لأنه غير علماني، وثانيتها أنه نظام استبدادي، لأنه غير ليبرالي، وثالثتها أنه توتاليتاري، لأنه غير ديمقراطي. وهنا يكمن الخطأ المنهجي، حين توزن مبادئ ونظريات ونظم دينية مستقلّة، لها مناهجها الخاصة في صياغة نفسها، كما لها أداؤها الخاص في التطبيق، بميزان الأنظمة الأرضية والوضعية.

ولا شك في أن تلك الثنائيات مطروحة أيضاً على بساط البحث لدى الفقهاء والمفكرين والباحثين الإسلاميين، ولكن زاوية النظر إليها ومعالجتها لديهم تختلف عن زاوية نظر الباحثين الغربيين والعلمانيين والمتأثرين بهم. إذ إن زاوية النظر الإسلامية تقارن بين النظام الإسلامي والأنظمة الأرضية(22)، بهدف اكتشاف مساحات الاشتراك والافتراق، ومحاولة اكتشاف آليات محايدة نافعة موجودة في الأنظمة الأرضية، بغية أسلمتها واستخدامها في مساحات التفويض التشريعي(23) والمتغيرات.

وبرغم مرور ما يقرب من عقدين ونصف على بدء تجربة النظام السياسي الإسلامي الحديث، والنقلة النوعية التي حصلت على المسار النظري، إلا أن موضوع آليات عمل النظام وقواعده ونظريته لا يزال عرضة للفهم غير الموضوعي والخلط، بدوافع وأهداف مختلفة، بعضها يعبّر عن قصور معرفي، وآخر عن توجه أيديولوجي معين، وثالث عن إسقاط للممارسة اليومية للنظام على أسسه الفكرية وآليته في تحريك السلطة. وهنا تكمن أهمية البحث الذي نحن بصدده، فهو يهدف – منهجياً – إلى الدخول إلى صلب الإشكاليات والقضايا التي يفرضها الموضوع، والتعاطي معها في ضوء خصائص النظام السياسي الإسلامي نفسها، وطرح نموذج هذا النظام كما توصل إليه الاجتهاد الفقهي والعقل الإسلامي.

ومما لا شك فيه أن النتاجات التي أفرزها الاجتهاد – هنا – ليست ثمرة هذه البرهة الزمنية وحسب؛ بل هي عملية تراكم للاجتهادات والنظريات الفقهية والأفكار السياسية الإسلامية، التي بدأت منذ مئات السنين، وتخللها مخاضات وعمليات توالد ذاتي مستمرة، تعبّر عن دينامية الفقه الإسلامي. وكانت ثمرة ذلك، النظرية الفقهية التي قام النظام الحالي على أساسها، وهي النظرية الشيعية الوحيدة التي تمكنت من تأسيس نظام إسلامي في عصر غيبة الإمام المهدي (وفقاً لمدرسة أهل البيت)(24). وإذا ما استثنينا الثوابت (الأحكام القطعية) ومسائل الإجماع، فإن ما تبقى من موضوعات ترتبط بالنظام وآليات عمله تشكل مناطق تفويض تشريعي، أي أنه يدخل في دائرة المتغيرات التي تحدد شكلها ومضامينها عملية الاجتهاد والاكتشاف والتأسيس والتأصيل، وهي ثمرة جهود وإسهامات أفقية وعمودية متراكمة للفقهاء والمفكرين. ومن ذلك شكل الحكم الإسلامي وهيكله وسلطاته (في عصر الغيبة)، إذ تتسع مساحات التفويض فيها لتفسح المجال للعقل الإسلامي بأن يجتهد ويبدع ويبتكر لإنتاج معظم تفاصيل الحكم. وبما أن هذه الحركة الاجتهادية الفكرية تأخذ بنظر الاعتبار عنصري الزمان والمكان في الاستنباط، فإن نتاجاتها ستحمل في المستقبل صوراً وأشكالاً أكثر نضجاً وفاعلية وتأثيراً، وأكثر التصاقاً بمتطلبات العصر، في الوقت الذي تبقى فيه الثوابت والقطعيات هي المرجعية النهائية التي تضبط حركة المتغيرات هذه.

تجربة النظام الإسلامي في إيران

النظام الإسلامي هو التعبير الخارجي عن الشريعة الإسلامية والوجه التطبيقي لها. وتتسع الشريعة الإسلامية لتستوعب كل مجالات الحياة، وهو القانون الذي يلتزم به النظام الإسلامي لتنظيم حياة المجتمع الإسلامي. والقضايا المتعلقة بالإدارة السياسية للدولة والمجتمع هي جزء من القضايا التي يهتم بها النظام الإسلامي اهتماماً مباشراً ويحركها بالاتجاه الذي تريده الشريعة. وهذا الجزء الأساس أو بالأحرى الجزء الذي يقف على قمة هرم النظام الإسلامي، ينتظم في إطار النظام السياسي الإسلامي.

ويقوم النظام الإسلامي على مجموعة من الأسس تمثّل الأصول والقواعد العامة للإسلام، وقد لخصتها المادة الثانية من دستور الجمهورية الإسلامية الإيرانية بما يلي:

1 – الإيمان بالله الواحد (لا إله إلا الله) وتفرّده بالحاكمية والتشريع.

2 – الإيمان بالوحي الإلهي ودوره الأساس في بيان القوانين.

3 – الإيمان بالمعاد.

4 – الإيمان بعدل الله في الخلق والتشريع.

5 – الإيمان بالإمامة والقيادة المستمرة، ودورها الأساس في استمرار الثورة التي أحدثها الإسلام.

6 – الإيمان بكرامة الإنسان وقيمته الرفيعة، وحريته الملازمة لمسؤوليته أمام الله(25).

وتوضح المادة نفسها أن النظام الإسلامي «يؤمّن القسط والعدالة، والاستقلال السياسي، والاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي، والتلاحم الوطني»(26).

ومن هنا فالنظام يقف في شرعيته على أساس تفرده بالحاكمية والتشريع. ومن خلال الوحي الإلهي بيّن الله تعالى للبشرية أساليب تنظيم حياتها وهي الأساليب التي تتلخص في مفهوم «النظام الإسلامي». وقد أسس الرسول الأعظم(ص) النظام الإسلامي الأول وقاده، ومن بعده حمل المهمة خلفاؤه (الأئمة وفقاً لمدرسة أهل البيت، والخلفاء الراشدون وفقاً لمدرسة الخلافة).

وبالتالي فإن «القاعدة الأساسية للحقوق السياسية والعامة، القوانين ذات العلاقة بالنظام السياسي، حدود صلاحيات وواجبات الإمام والأمة وقضايا القانون الدستوري في الإسلام، تطرح أحياناً في مستوى أعلى من المقولات الحقوقية (القانونية).. باعتبارها جزءاً من التصور الإسلامي والعقائد الإسلامية»(27)، أي جزءاً من موضوعات الفقه من ناحية، وجزءاً من العقائد الأخرى. وبكلمة أوضح: إن الأسس النظرية التي تعبّر عنها الغايات والأهداف تعد جزءاً من العقائد، وهي غالباً ما تشكِّل الثوابت، أما الوسائل والأساليب والآليات فموقعها وبحثها الطبيعي هو الفقه.

وإذا خرجنا من الأطر العامة لندخل في صلب التجربة الحديثة للنظام الإسلامي المتمثّلة بالجمهورية الإسلامية الإيرانية، سنجد أنها تتبنى (انتماءً وولاءً) مدرسة أهل البيت في المجالين العقيدي والفقهي، وأنها حوّلت مبدأ «ولاية الفقيه» إلى واقع قانوني يحكمها، وهو المبدأ الذي بلور الإمام الخميني (1902 – 1989) من خلاله أهم نظرية سياسية لمدرسة أهل البيت في عصر الغيبة. وتتلخص آلية هذا المبدأ في انتقال الولاية (بمعنى الحكومة) خلال عصر الغيبة إلى النواب العامين للإمام المهدي المنتظر، وهم الفقهاء العدول الذين حدد أئمة أهل البيت خصائصهم ومواصفاتهم في عدد من الأحاديث(28). وبذلك فهم معيّنون لمهمة الحكم تعييناً نوعياً من خلال تلك المواصفات(29). أما مهمة فرز أحد هؤلاء الفقهاء ليكون إماماً للأمة ورئيساً للدولة الإسلامية، فتقع على عاتق أهل الحل والعقد، وهم في الجمهورية الإسلامية الخبراء الفقهاء الذين ينتخبهم الشعب.

والأسلوب الآخر لهذا الفرز يتمثل بتصدي أحد الفقهاء العدول (في حال عدم وجود فقيه متصدٍ آخر) لمهمة إقامة النظام الإسلامي، ويحظى بعد ذلك بانقياد الشعب له. وكلا الأسلوبين استخدم خلال مسيرة الجمهورية الإسلامية؛ ليأخذ مسار حاكمية الشريعة الإسلامية بعداً علمياً، وهو ما عبّر عنه الإمام الخميني بقوله: «ليس المقصود أن يكون اسم نظامنا هو النظام الإسلامي؛ بل المطلوب أن يحكم الإسلام وقانونه في حكومة الإسلام. ويجب أن لا يحكم الأشخاص وفقاً لآرائهم الشخصية، فنحن نريد أن تكون أحكام الإسلام هي السائدة في كل مجال، وأن تكون أحكام الله هي الحاكمة في جميع الصعد»(30). وهو ما عبّر عنه الدستور حين أكد في أكثر من مادة على أن النظام الإسلامي هو نظام القانون وحكومته حكومة القانون، الذي هو فوق الجميع، بمن فيهم رئيس النظام، فقد جاء في المادة السابعة بعد المائة بأن «القائد يتساوى مع كل أفراد البلاد أمام القانون»(31). والقانون – هنا – تعبير عن الشريعة والدستور، ولعل هذا هو أهم ما يميز النظام الإسلامي عن الأنظمة السياسية والاجتماعية الأخرى، إذ يقول الإمام الخميني: إن الحكومة الإسلامية «ليست حكومة مطلقة يستبد فيها رئيس الدولة برأيه، عابثاً بأموال الناس ورقابهم… وإنما هي دستورية، ولكن لا بالمعنى الدستوري المتعارف، الذي يتمثل بالنظام البرلماني أو المجالس الشعبية، وإنما هي دستورية بمعنى أن القائمين بالأمر يتقيدون بمجموعة الشروط والقواعد المبينة في القرآن والسنة، والتي تتمثل بوجوب مراعاة النظام وتطبيق أحكام الإسلام وقوانينه.. ويكمن الفرق بين الحكومة الإسلامية والحكومات الدستورية، الملكية منها والجمهورية، في أن ممثلي الشعب أو ممثلي الملك هم الذين يقننون ويشرعون، في حين تنحصر سلطة التشريع بالله عزّ وجل، وليس لأحد أن يشرّع»(32).

وهذا ما يعيدنا إلى القول: إن النظام الإسلامي لا يشبه أياً من الأنظمة المعاصرة ولا الأنظمة التي حكمت باسم الدين، سواء في الغرب أو في بلاد المسلمين. فالدولة الثيوقراطية التي حكمت باسم الدين في الغرب كانت دولة الملكيات المطلقة ودولة الكنيسة ورجال الدين، وبالتالي الدولة المناهضة للرأي والاجتهاد. أما الدولة السلطانية المسلمة التي حكمت باسم الدين – أيضاً – فكانت دولة السلطان الذي يصل إلى الحكم بالوراثة ويحكم بأمره، دون أن تختلف أساليب حكمه وشكل حكومته ومضمونها عن حكومة أي قيصر وكسرى وملك.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الإحالات

(1) د. ثروث بدوي، النظم السياسية: النظرية العامة للنظم السياسية، ص 25. وللمزيد انظر: د.عبد الله بسيوني، النظم السياسية: أسس التنظيم السياسي، ص 9 – 10، د. يحيى الجمل، الأنظمة السياسية المعاصرة، ص 18.

(2) انظر: د. عبد الله بسيوني، النظم السياسية، ص 10.

(3) المصدر السابق.

(4) د. أحمد جمال ظاهر، دراسات في الفلسفة السياسية، ص 73.

(5) انظر: جان جاك شوفالييه، تاريخ الفكر السياسي: من المدينة – الدولة إلى الدولة القومية، ترجمة: حمد عرب صاصيلا، ص 410.

(6) المصدر السابق، ص 508.

(7) انظر روبرت ماكيفر، تكوين الدولة، ترجمة: د. حسن صعب، ص 190.

(8) الجمل، ص 149.

(9) المصدر السابق، ص 150.

(10) انظر: بسيوني، ص 184.

(11) انظر: شوفالييه، ص 508.

(12) للمزيد انظر: د. عبد الوهاب الكيالي (إشراف)، موسوعة السياسة، ج 2 ص808 – 810، الجمل، ص 172 – 173، ظاهر، ص 131، بسيوني، ص 291.

(13) للمزيد انظر: الجمل، ص 193 – 199، بسيوني، ص 291.

(14) انظر: الجمل، ص 66، بسيوني، ص 288.

(15) انظر: موسوعة السياسة، ج 2، ص 808.

(16) لعل الشيخ عباس علي عميد الزنجاني في موسوعته «الفقه السياسي»، أول من أعطى مفهوم «النظام القيادي» حقه من التنظير القانوني – الأكاديمي. انظر: ج 1 ص 284.

(17) وهو ما يمكن ملاحظته في المدونات الحديثية والفقهية لمدرسة أهل البيت(ع)، كالمقنعة للشيخ المفيد، المبسوط للشيخ الطوسي، تذكرة الفقهاء للعلامة الحلي، جواهر الكلام للشيخ الجواهري والمكاسب للشيخ الأنصاري.

(18) انظر: للباحث نفسه، تطور الفقه السياسي الإسلامي حتى ظهور النظريات الحديثة، ص 19.

(19) انظر: برهان غليون، في نقد السياسة، ص 427.

(20) المصدر السابق.

(21) أنظر: عبد الجبار الرفاعي، موسوعة مصادر النظام الإسلامي، للوقوف على الكم الكبير من الكتب والدراسات التي كتبت خلال هذه الفترة.

(22) تجدر الإشارة إلى أن وحدة الموضوع هي العنصر الأساسي الذي لا بد من توفره في طرفي المقارنة، فالديمقراطية – مثلاً – لا يمكن أن تقارن بالإسلام أو النظام الإسلامي، لأن الإسلام دين، وهو يفرز نظاماً حياتياً كاملاً، يسمى بـ«النظام الإسلامي»، فيما الديمقراطية مذهب سياسي ونظام سياسي، وهي تقارن بالنظام السياسي الإسلامي الذي هو جزء من النظام الإسلامي.

(23) مساحات «التفويض التشريعي» يقصد بها الباحث المساحات التي فوّضت الشريعة الإنسان بها، ليتحرك فيها بحرية نسبية، ويوجهها توجيهاً شرعياً – فقهياً، من خلال عملية الاجتهاد، وهي دائرة متغيرات، ومعظم موضوعاتها، تستجد أو تتغير عبر الزمان والمكان. وفضلاً عن أحكامها الجديدة فربما تتطلب أساليب وقواعد ورؤى جديدة في الاجتهاد، تستطيع الاستجابة لتحديات الواقع الجديد. وهذه المساحات التفويضية تعبّر بمجموعها عن مرونة الشريعة الإسلامية، وبالتالي عن إمكانية الشريعة على استيعاب جميع المستجدات، ووضع الإنسان أمام مسؤوليته في بذل كل الجهود من أجل تطويع مساحات التفويض التشريعي للانسجام مع الشريعة وروحها ومقاصدها. وقد استخدم الباحث هذا المصطلح في بحث قدّمه لمؤتمر الوحدة الإسلامية في طهران (ربيع الأول1423هـ) ونشر جزء منه كافتتاحية لمجلة المستقبلية في عددها الثالث (2003م). ومضمون هذا المصطلح مستقى من المفهوم الذي ابتكره الإمام الشهيد محمد باقر الصدر تحت عنوان «منطقة الفراغ». انظر: اقتصادنا، ص 430.

(24) الغيبة الكبرى للإمام محمد بن الحسن المهدي المنظر (عج) بدأت سنة 255هـ، وستستمر حتى ظهوره(عج).

(25) دستور الجمهورية الإسلامية الإيرانية، المادة الثانية، ص23 – 24.

(26) المصدر السابق.

(27) عميد الزنجاني، ج1 ص35.

(28) انظر: الإمام الخميني، الحكومة الإسلامية، ص 91 – 158.

(29) التعيين النوعي للفقهاء، تعبير صاغه الإمام السيد محمد باقر الصدر في دراسته: «خلافة الإنسان وشهادة الأنبياء»، ضمن «الإسلام يقود الحياة» ص 146.

(30) من خطبة له 25/6/1979، صحيفة نور، ج 7، ص 201.

(31) دستور الجمهورية الإسلامية، ص 67.

(32) الإمام الخميني، الحكومة الإسلامية، ص 41 – 42.

 

latest video

news via inbox

Nulla turp dis cursus. Integer liberos  euismod pretium faucibua

Leave A Comment