عناصر قوة الاجتماع الديني الشيعي

Last Updated: 2024/06/10By

عناصر قوة الاجتماع الديني الشيعي

د. علي المؤمن

ضمانات عناصر القوة

يحظى الاجتماع الديني الشيعي بعناصر قوة وثبات واستمرار، لا يحظى بها أي نظام اجتماعي ديني آخر، إسلامي وغير إسلامي، وهي ليست وليدة العصر الحاضر، بل إنّ بداياتها وقواعدها قديمةٌ قِدم النظام الاجتماعي الديني الشيعي العالمي، الذي وضع أُسسه في عصر غيبة الإمام المهدي، سفيره الأول الشيخ عثمان العمري، بعد العام 260 هـ (874 م)، ثم رسّخ دعائمه السفراء الثلاثة الذين أعقبوه، إضافة إلى جهود الفقهاء المؤسسين الأربعة: الشيخ الصدوق، والشيخ المفيد، والسيد المرتضى، والشيخ الطوسي. إلّا أنّ تطور هذه العناصر ونمو تفرعاتها وتبلور مضامينها الفكرية والشعائرية والطقسية؛ احتاج إلى قرون كثيرة، لتخرج بالصيغ التي عليها الآن.

هذه العناصر الواقعية تشكل ضمانة بقاء المذهب الشيعي والنظام الاجتماعي العالمي المتماسك الذي أفرزه، وقوة هذا النظام ومناعته، وتمدده واستمرار عنفوانه، بصرف النظر عن العناصر العقدية والفقهية الأساسية التي تمثل قاعدة نشوء مدرسة آل البيت وأسس وجودها، والمتمثلة بكتاب الله وسنة رسوله والأئمة من ولده؛ لأنّ منهجنا في المقاربة هنا يتناول العناصر الواقعية وليست العقدية والنظرية.

ومهما كان الدين والمذهب والعقيدة والإيديولوجيا والجماعة، تحظى بعناصر القوة النظرية الذاتية؛ إلّا أنّها ستتقهقر وتتراجع وتتعرض لمظاهر الانهيار، في حال تعرضت لمحاولات الإقصاء والاستئصال، وفيما لو لم تكن تتمتع بعناصر القوة الواقعية والحماية الميدانية، وهي ما يمكن التعبير عنها بالسلطة الداعمة، سواء كانت سلطة الحكم أو سلطة الفتوى أو سلطة المال المستقل أو سلطة السلاح أو سلطة الطقس الاجتماعي المتجذر وغيرها. وكلما اجتمعت هذه السلطات وتكاملت في منظومة واحدة؛ ازداد المذهب والجماعة قوة ومناعة وضمانات على الاستمرار والتمدد.

إنّ عناصر القوة الواقعية الأساسية التي تشكل الحماية لمدرسة آل البيت وأبنائها وللنظام الاجتماعي الديني الشيعي، هي اثنا عشـر عنصـراً أساسياً: القضية المهدوية، المرجعية الدينية، ولاية الفقيه، التماسك المجتمعي الديني، عالمية النظام الشيعي، الاستقلال المالي الديني، المراقد والمزارات، شعائر الإمام الحسين، إيران، المشاركة في الحكومات، الجماعات السياسية وجماعات المقاومة. وسنتناولها في الفقرات التالية:

1 ـ القضية المهدوية:

المهدوية ليست قضيةً نظريةً أو ثانويةً من منظار الإسلام، بل هو مبدأ عقدي ديني أساس من جهة، وواقع اجتماعي ديني قائم من جهة أخرى، فضلاً عن حضوره العميق في الفكر الديني والفكر الإنساني على حدٍّ سواء. والبحوث التي تتناول موضوع المهدوية، وخاصة في إطار مدرسة آل البيت، على مختلف مناهجها، ليست بحوثاً نظرية ترفية، ولا تهدف الى الجدل الفلسفي والكلامي، لأن الإيمان بالإمام المهدي هو امتداد للإيمان بأصل الإمامة الممتدة عن أصل النبوة، والموصول بأصل الربوبية والإلوهية.

وإذا كان مبدأ المهدوية عند أغلب مدارس المسلمين، وكذا الأديان الأخرى، السماوية والأرضية، التي تؤمن بعودة المخلص وظهور المنجي، هو مبدأ نظري وموضوع كلامي؛ فإنه بالنسبة لمدرسة آل البيت مبدأ عقدي وواقعي؛ فالمهدي في عقيدة الإمامية له اسم وسلسة نسب وتاريخ ولادة وتاريخ غيبة، وله سفراء ووكلاء وصِلات ولقاءات وأحاديث ورسائل في غيبته الصغرى، وله امتداد موضوعي على الأرض في غيبته الكبرى، ممثل بنوابه العامين، وهم المحدثون والفقهاء العدول. وهذا الامتداد هو الذي أشاد هيكل النظام الاجتماعي الديني الشيعي الذي يقوده هؤلاء النواب، والذين منحهم الأئمة ولاية الفتوى والقضاء والحسبة والمال الشرعي والحكم في عصر غيبة الإمام المهدي، أي أنّ وجود الإمام المهدي لا يتعلق بالمعتقدات النظرية والجدلية لمدرسة آل البيت وحسب، بل يرتبط ارتباطاً مباشراً بالاجتماع الديني لأتباعها، وبحياتهم اليومية، لأنه هو الذي يمنح النظام الاجتماعي الديني الشيعي في عصر الغيبة، شرعية الوجود والعمل.

وككثير من المعتقدات الدينية المستندة ـــ في إيمان المؤمن بها ـــ الى قاعدة الغيب: ((الذين يُؤمنون بالغيب))(1)؛ فإن الأصل في الإيمان بوجود الإمام المهدي الغائب، وإنه حي يرزق، وبظهوره وعصره، هو الإعجاز الغيبي. وحقيقة الأمور الغيبية هي في علم الله، ويبقى العقل البشري قاصراً عن معرفة حقيقة حكمته في خلقه وشرائعه وعقائده، وفي الظواهر التي يتحكم بها، كما أن العقل قاصر عن فهم ملايين الظواهر الكونية والأرضية، بل قاصر عن التوصل الى حل أبسط المشاكل التي لا تزال تقض مضجع البشرية. وعدم رؤية الظواهر والوقائع، وعدم الإحساس بآثارها أو عدم فهم أسرارها، لا يعني عدم وجودها وعدم فائدتها وعدم أهميتها، بل يعني أن عقلنا لم يتوصل بعد الى وعيها وحل ألغازها وأسرارها. أما لماذا لم يتوصل العقل البشري؛ فهي حكمة أخرى وسر آخر من أسرار الله في خلقه، و((عدم الوجدان لا يدل على عدم الوجود))(2) أو ((عدم العلم بالدليل ليس علماً بالعدم))(3)، وهما قاعدتان لا يختلف عليهما عاقلان.

ويؤمن المسلمون، بما شرّعه الله في كتابه الكريم، وبما أشار إليه الحديث من عقائد وأحكام، ويتعبدون بها، حتى وإن لم تتوصل عقولهم الى إدراك أسرارها، والأمثلة على ذلك كثيرة جداً، ومنها سر بعثة الرسول الخاتم في مكة وليس في الهند مثلاً، وأن هذا النبيَّ عربيٌّ وليس صينياً، وأن نسله من بنته السيدة فاطمة وليس من أولاده الذكور الذين درجوا في حياته. ثم أسرار واقعتي الإسراء والمعراج وحقيقتهما، وحكمة أن عدّة الصوم ثلاثين يوماً وليس عشرين يوماً، وأنه يقع في شهر رمضان وليس شعبان، وأن صلاة الصبح ركعتان والمغرب ثلاثة وليس العكس، وأن الطواف حول الكعبة سبعة أشواط وليست خمسة، وأن عدد أئمة آل البيت إثنا عشر وليسوا تسعة.

نعم؛ هناك آراء كثيرة حول أسرار هذه الوقائع والمعتقدات والأحكام وعللها ومقاصدها، لكنها ليست بالضرورة كاشفة عن العلة الحقيقية التي يعلمها الله فقط، ولم يتوصل العقل الى حكمتها حتى الآن. وبما أنّ جوهر الدين هو الإيمان بالغيب والإعجاز الإلهي؛ فيجب أن يتعبّد المسلم بكل أحكامه ومعتقداته، وليس ببعضها دون الأُخرى ((وَعِندَهُ مَفاتِحُ الغَيبِ لا يَعلَمُها إِلّا هُوَ)). وبالتالي؛ تأتي المقاربات البشرية، عبر الأدلة النقلية أو العقلية والفلسفية، للتوصل النسبي الى عللها وكنهها وحقائقها وآثارها، ومنها موضوع الإمام المهدي، وهو ما اجتهد فيه كثير من علماء المسلمين والباحثين، منذ بدء غيبته الصغرى في العام 255ه وحتى الآن.

وإذا كانت الأدلة النقلية التي تتطابق مع عنصر الإعجاز الغيبي، تؤكد أن الوجود الزمني للإمام المهدي في عصر الغيبة واجبٌ، وظهوره حتمي، وعصره لابدّي، وأن عدمه ممتنع ومحال، وأن حالات نظيرة أخرى، لاتزال قائمة أيضاً منذ آلاف السنين، كعمر نوح وغيبة الخضر وعروج عيسى، وأن الخضر حي يرزق في الأرض؛ فإن الأدلة العقلية، الكلامية والفلسفية، بما فيها الدليل الاستقرائي؛ تقود الى أن غياب الإمام المهدي وطول عمره ممكن، ولا يتعارض مع الفرضيات العقلية والفلسفية، بل انها تعضِّد وجوده وظهوره.

وفي النتيجة؛ فإن القضية المهدوية ليست قضية نظرية، بل هي قضية ميدانية حاضرة في الواقع الشيعي بأغلب تفاصيله؛ فالقيادة المرجعية للنظام الاجتماعي الديني الشيعي، تستند في نشوئها ووجودها إلى مبدأي نيابة الإمام والولاية الممنوحة للفقيه، وهما يرتبطان ارتباطاً مباشراً بالقضية المهدوية.  ويتلخص الأصل التشريعي لنشوء قيادة النظام الشيعي في عصر الغيبة، في تفويض الإمام المهدي ـ خلال غيبته ـ للفقهاء بأنّ ينوبوا عنه في الزعامة الدينية والاجتماعية للشيعة، لحين عودته، وهو أساس رجوع الشيعة إلى الفقهاء والولاء لهم([1])، وأنّ الخروج عليهم هو خروج على الإمام الغائب. وفضلاً عن هذا التولي؛ فإنّ تكليف الشيعي خلال عصر الغيبة، هو التمهيد لعصر الظهور، عبر مختلف الوسائل، ولا سيما التمهيد الإيجابي الذي تكرس في الفكر والواقع الشيعيين خلال المئة عام الأخيرة ([2])، والذي يتمظهر في التمهيد العلمي والثقافي والتكنولوجي والسياسي والعسكري.

هذا الواقع الجديد الذي خلقه مبدأ نيابة الإمام؛ يقود الى أهمية معرفة الفرق بين المهدي عند الشيعة والمهدي عند السنة؛ فهناك فرق جوهري كبير في الموضوع المهدوي بين السنة والشيعة؛ فالشيعة يؤمنون بظهور مهدي له اسم، أبوه معروف، سلسلة نسبه معروفة، تاريخه معروف، له حضور واقعي، في حين أن السنة يؤمنون بظهور مهدي، ولكن من هو هذا المهدي؟ ما هو تاريخه؟ ما هو نسبه؟ والأهم من كل ذلك ماهي صلاحياته ودوره في فترة غيبته؟. كل هذه الأمور لا تجيب عليها المذاهب السنية.

الأمر الآخر؛ إن المذاهب السنية لا تربط مستقبلها ولا نظامها الاجتماعي الديني بشخصية الامام المهدي الغائب، وانّما تربط كيانيتها ونظامها الاجتماعي الديني بالمؤسسة الدينية الحكومية القائمة في أي عصر ومكان، بينما يربط الشيعة شرعية وجود نظامهم الاجتماعي الديني بمبدأ الإمامة، وعبر هذا القائد الغائب، الذي ترك فيهم نواب خاصون أربعة ووكلاء، ثم نواب عامون بعد انتهاء عصر الغيبة الصغرى.

وقد ظل هذا العنصـر يتعرض لحملات كبيرة من التشويه والتشكيك والنفي، سواء من المذاهب الإسلامية الأُخر، رغم أنّ القضية المهدوية قضية إسلامية عامة، ولا تخص مذهباً دون آخر، أو من بعض العلمانيين الشيعة الذين يرون فيها قضية غير محسوسة وغير مقبولة عقلاً. إلّا أنّ المستهدف من وراء التشكيك بالعقيدة المهدوية ونفيها، ليس الجانب العقدي والنظري، بل الملازمات الواقعية للقضية المهدوية، بوصفها عنصر دعامة أساسية للواقع الشيعي، وأنّ انهيارها يعني انهيار ركيزة قيادة النظام الاجتماعي الديني الشيعي، وهذا هو الهدف المطلوب عند خصوم الشيعة.

ولكن هل ستنهار المرجعية الشيعية بانهيار العقيدة المهدوية؟ يعتقد خصوم الشيعة بأن أقصر طريق لضرب التشيع وتدمير النظام الاجتماعي الديني الشيعي، هو طريق ضرب العقيدة المهدوية، كونها تمثل القوام التشريعي لوجود المرجعية الدينية، التي هي الزعامة الدينية الاجتماعية للشيعة وقيادة نظامهم الاجتماعي الديني، استناداً الى مبدأ نيابة الفقيه عن الإمام الغائب، وأن أسهل طريق لضرب العقيدة المهدوية هو نفي حقيقة ولادة الامام المهدي. أي أن نفي ولادة الإمام المهدي سيؤدي الى انهيار العقيدة المهدوية، لانتفاء وجود المهدي أساساً، وانهيار العقيدة الإمامية الإثني عشرية، وانهيارها يؤدي حتماً الى انهيار منظومة المرجعية الدينية الشيعية، باعتبارها تنوب عن الإمام المهدي في غيبته، وأن انهيار منظومة المرجعية، سيؤدي الى انهيار النظام الاجتماعي الديني الشيعي، وأن انهيار هذا النظام يعني تشرذم الشيعة عقدياً وفقهياً واجتماعياً، وبالتالي؛ نهاية التشيع وطائفته الاجتماعية، أي الشيعة.

لذلك؛ نشاهد تركيزاً خلال العقود الماضية على ضرب العقيدة المهدوية عند الشيعة، من خلال نفي وجود الإمام المهدي، وأنه لم يولد، وقد صدرت عشرات الكتب والدراسات، وأُقيمت عشرات الندوات والمؤتمرات لهذا الغرض، وأُنيط ببعض ذوي الأصول الشيعية، من علمانيين ومتحولين، مهمة الكتابة والحديث في الموضوع، لاعتقاد خصوم الشيعة بأن ذوي الأصول الشيعية ربما يكونون أكثر تأثيراً في الرأي العام الشيعي، من الخصوم الطائفيين التقليديين.

والحقيقة أنّ هذا السيناريو لا يصمد أمام العوائق، لأن المرجعية الدينية ونيابة الفقيه عن الإمام، ليست نيابة عن شخص الإمام المهدي حصراً، بل هي نيابة عن منظومة الإمامة برمتها، وهي امتداد لمنظومة الإمامة واستمرار لها في عصر غيبتها؛ إذ أنّ أحاديث وراثة العلماء للأنبياء وحاكمية المحدثين والفقهاء ونيابة الفقهاء عن الإمام، سابقة لعصر الإمام المهدي، كما في روايات الرسول محمد: ((العلماء ورثة الأنبياء))، والإمام علي: ((العلماء حكّام على الناس))، والإمام الصادق: ((فإني جعلته عليكم حاكماً))، والإمام العسكري: ((فعلى العوام أن يقلدونه))، حتى أنّ علماء الحديث يضعِّفون الحديث الصادر عن الإمام المهدي خلال غيبته الصغرى: ((فإنهم حجتي عليكم))؛ ما يعني أن ما يعتد به من الأحاديث التي تؤكد موقع الفقيه وولايته، وكونه مرجعاً دينياً وزمنياً للشيعة، لم تصدر عن الإمام المهدي، وهي سابقة عليه بفترات زمنية طويلة، وأن أحاديث الأئمة بهذا الشأن كانت عامة، ولم تخصص النيابة عن شخص الإمام المهدي.

وإذ تؤكد الأدلة، الروائية منها والتاريخية، ولادة الإمام المهدي وحياته، ومنها أدلة لقائه سفراءه الأربعة وبعض صحابة الإمام العسكري خلال غيبتة الصغرى؛ فإنّ الجدال في وجوده الإمام المهدي خلال غيبته الصغرى لمدة (72) عاماً، لا معنى له. أما اختفاؤه عن أعين عامة الناس، بعد وفاة أبيه الحسن العسكري وبوصيته؛ فهو أمر طبيعي جداً، كاختفاء آلاف الزعماء والمجاهدين والمطارَدين سنين طويلة في السراديب أو في البراري أو في الأماكن النائية، اتقاء شر السلطة أو من يطاردونهم.

وقد يُشكل بعض الباحثين على إمكانية استمرار حياة الإمام محمد بن الحسن المهدي بعد نهاية غيبته الصغرى، أي بعد بلوغه (72) عاماً، وأنه ربما توفي بعدها، وهو أمر بايولوجي طبيعي، دون الحاجة الى كرامة وإعجاز. وبغض النظر عن تعارض هذا الإشكال مع الثابت من الأدلة الروائية، ومع موضوع الإعجاز والحكمة الإلهية الغيبية؛ إلّا أنها، كغيرها من الفرضيات، لاتتعارض مع مبدأ نيابة الفقهاء عن الإمام أو عن منظومة الإمامة بكلمة أدق، ولاتؤثر في الأصل التشريعي للنيابة وتطبيقاتها، ولاتخل في العقيدة الشيعية الإمامية الإثنى عشرية، ولا في قيادة الفقيه للشيعة ونظامهم الديني الاجتماعي.

2 ـ المرجعية الدينية:

وهي القيادة الدينية للمذهب الشيعي ونظامه الاجتماعي الديني. ويرتبط الشيعة بها عبر مبدأ الرجوع للفقيه في أحكام دينهم ودنياهم، أي تقليدها والتقيد بإرشاداتها وتوجيهاتها، ليس في الجانب العبادي والديني المحض؛ بل في الشأن الاجتماعي والسياسي العام أيضاً، وهو مقتضى نيابة الفقيه عن الإمام في غيابه. ونقصد بها تحديداً المرجعية العليا، التي تتركز ـ عادة ـ في النجف الأشرف منذ حوالي ألف عام، وليس كل عالم دين أعلن مرجعيته. وهذا العنصر الثاني الذي يقف عليه النظام الاجتماعي الديني الشيعي، وهو عنصر فائق القوة، ولولاه لفقد النظام قيادته ومركزيته وتماسكه وفاعليته العلمية والدينية.

وبالتالي؛ فإنّ المهمة الأكبر لخصوم الشيعة، منذ تأسيس النظام الاجتماعي الديني الشيعي وحتى الآن، هو ضرب هذا العنصـر بشدة، بمختلف أنواع الوسائل والخطاب، وفي مقدمتها التشكيك بمفهوم المرجعية وقيادتها، وبمبدأ التقليد، والتعرض لأداء المرجعية ومؤسستها بالشبهات والاتهامات، وخلق مرجعيات مزيفة، وعلماء دين مشاغبين، وإثارة الخلافات بين المرجعية العليا والمرجعيات الأُخر، أو بين المرجعيات عموماً، وخاصة بين مرجعية النجف وحوزتها وبين مرجعية قم وحوزتها، وكذا مع الولي الفقيه في إيران.

أي أنّ الأسلحة الأربعة التي يستخدمها خصوم الشيعة في ضرب المرجعية الدينية، بوصفه عنصـر القوة الواقعي الأهم في النظام الاجتماعي الديني الشيعي، هي:

  • التشكيك في الأصل التشريعي لمفهوم المرجعية الدينية.
  • إثارة الشبهات حول أداء مراجع الدين، وتحديداً المرجعية العليا.
  • خلق مجتهدين مزيفين مشاغبين.
  • إثارة الخلافات الداخلية بين المراجع والحوزات العلمية.

3 ـ ولاية الفقيه:

ونقصد بها ولاية الفقيه العامة، والتي تبلورت دعائمها التشـريعية والقانونية بعد العام 1979، وتحول هذا الموقع الديني ـ السياسي إلى أحد أهم عناصر القوة في الواقع الشيعي، والعقل المحرك لحماية النظام الاجتماعي الديني الشيعي وأتباع أهل البيت، من خلال استثمار إمكانات ومقدرات الموقع المرجعي الديني والموقع القيادي للدولة([3])، عبر القنوات الدينية والقانونية والسياسية المتعارفة. هذا العنصر قلب موازين المعادلات الطائفية في المنطقة العربية والإسلامية، وحوّل الشيعة، من رعية مضطهدة مقموعة مهمشة، إلى مكونٍ فاعل سياسياً واجتماعياً وفكرياً وثقافياً وإعلامياً.

ولم يكن هذا التحرك على حساب المذاهب الإسلامية الأُخر أو بدوافع سياسية أو طائفية؛ بل من منطلق ما يمليه الواجب الديني الذي يفرض على الولي الفقيه أن يدافع عن المسلمين، وخاصة أتباع آل البيت الذين يتعرضون إلى القمع والقتل والتهميش أكثر من غيرهم من المسلمين. ولذلك، فإنّ الولي الفقيه يمارس دوره الديني نفسه إزاء المسلمين غير الشيعة أيضاً، بالصورة التي تعزز وحدة المسلمين وتكافلهم وتعاونهم([4]).

هذه القوة الهائلة التي يمنحها موقع ولاية الفقيه للنظام الاجتماعي الديني الشيعي؛ تجعله عرضة لأكثر ألوان الطعن في أصله التشـريعي، والتآمر على حضوره في الواقع الشيعي والإسلامي، والتشكيك بدوافعه وأدائه، وخلق الخلافات بينه وبين المرجعيات، وخاصة مرجعية النجف؛ بهدف إفراغ الواقع الشيعي من أهم عناصر قوته الميدانية، وكشف ظهر الشيعة في ساحة المواجهة مع الأنظمة الطائفية والقوى الدولية المعادية والجماعات التكفيرية الإرهابية.

4 ـ التماسك المجتمعي الديني:

من أهم ما يميز النظام الاجتماعي الديني الشيعي؛ تماسكه الداخلي وتلاحم مكوناته وتعاون قواعده البشرية في مختلف بلدان التواجد الشيعي. وخلال مرحلة تأسيس النظام في عصر الغيبة، والمراحل التي تلتها، عمل زعماء الشيعة الدينيون وفقاؤهم على تحكيم قواعد هذا التماسك وفق المبادئ العقدية الإسلامية، فضلاً عن السياقات العملية والصياغات الهيكلية التي تشد مكونات النظام وعناصرها البشرية ببعضها.

وأخذ هذا التماسك، بمرور الزمن، صيغة وحدة المصير المجتمعي الديني، وبات مرتكز قدرة الشيعة على دفع التحديات المشتركة. وظلت أواصر هذا التماسك تزداد قوة كلما كبرت التحديات والتهديدات المشتركة التي تستهدف وجود الشيعة وحريتهم العقدية والمذهبية وشعائرهم وطقوسهم، وتصاعدت حدة القمع ضدهم. حتى بات هذا العنصر من أهم ما يميز النظام الاجتماعي الديني الشيعي عن غيره، واحد عناصر قوته الأساسية. ويستوعب عنصـر التماسك والتعاون هذا أغلب مجالات الحياة، بما فيها الجانب الشعائري والطقسي والاجتماعي والمالي والسياسي. وفي الوقت نفسه؛ ظل تفكيك هذا العنصر وضربه، أحد أكثر الأُمور التي تشغل خصوم الشيعة وتستأثر بمخططاتهم.

ولعل ما تشهده محاولات بث الفرقة وخلق الفتن والأزمات بين شيعة منطقة غرب آسيا، وخاصة بين شيعة العراق ولبنان وإيران، بل بين شيعة البلد الواحد، بالشكل الذي يحدث في العراق منذ العام 2003 وحتى الآن؛ إنّما هو التطبيق الواضح لمخططات الخصوم، وفق ما تزال تكشفه الوثائق الكثيرة. وتقف أنظمة السعودية وإسرائيل وأمريكا، فضلاً عن حزب البعث، في مقدمة الجهات التي تمارس الدور التقليدي في الوقت الحاضر، في تمزيق النسيج الاجتماعي الديني الشيعي، وهي الجهات التي أخذت ـ بالتدريج ـ مكان تركيا العثمانية وبريطانيا والنظام العراقي السابق.

وكما هو ثابت نظرياً وقائم ميدانياً؛ فإنّ الشيعة هم نسيج اجتماعي ديني واحد، والتمييز بينهم على أساس القومية واللغة والجغرافيا، منطق لا يصمد أمام رفض القرآن والرسول وأهل بيته: ((إن أكرمكم عند الله أتقاكم))، ((لا فرق بين عربي وأعجمي إلّا بالتقوى))، كما لا يستقيم هذا المنطق مع بديهيات عالمية المرجعية الدينية الشيعية ومع هيكلية منظومتها وامتداداتها، ومع طبيعة النظام الاجتماعي الشيعي العالمي الذي تقوده المرجعية ومع تقدم العنصر المذهبي في الهوية الشيعية. أما تكريس الايديولوجية القومية العنصرية فهو جزء من الحرب الشاملة التي تقودها اليوم أمريكا وبريطانيا والكيان الإسرائيلي والسعودية والبعث والجماعات الطائفية، بهدف تمزيق الشيعة وتشتيت مساراتهم وكشف ظهورهم وإضعاف قواهم. ومن أسس سياسة التمييز العنصري هذه؛ فهم آل أمية ومن تبعهم، وصولاً الى أنظمة بهلوي وأتاتورك والبعث.

5 ـ عالمية النظام الشيعي ووحدة مساراته:

عالمية النظام الاجتماعي الديني الشيعي، ووحدة مساراته الواقعية، هما الوجه الآخر لتماسك النظام وتعاون مكوناته؛ إذ إنّ هيكلية هذا النظام وسياقات عمله وحركته؛ تعزز عالميته، كما أسس لها زعماء الشيعة الدينيون منذ مئات السنين، وكما تفرضه القواعد الإسلامية البديهية، وهي العالمية المتماسكة واقعياً، وليست العالمية النظرية أو الفكرية. ولعل مبدأ عالمية مساحة حركة المرجعية الدينية وقيادة النظام، ينعكس تلقائياً على عالمية النظام المتماسك. وهذا الشكل من المرجعية الدينية العالمية، بصلاحياتها وهيكليتها وسياقات عملها، غير موجود في أي مذهب من المذاهب الإسلامية الأخرى، ولا الأديان الأخرى؛ فالمرجع الديني للسنة في مصر هو مصري إلزاماً، ويعيِّنه رئيس الدولة، وله درجة حكومية، سواء تمثل بشيخ الأزهر أو المفتي، وليس له صفة خارج مصر، وليس له دالة على المسلمين السنة في الدول الأخرى، وهكذا؛ فإن المفتي الديني للسنة في سورية هو سوري وفي إندونسيا إندونسي وفي نيجيريا نيجيري، وأن عمل كل هؤلاء محدود في بلدانهم، ويعملون وفق توجيهات حكومات بلدانهم.

أما عند الشيعة؛ فهناك مركزية عالمية للمذهب وللنظام الاجتماعي وقيادة مركزية وشبكة عالمية لتوجيه الظاهرة الاجتماعية الدينية، سواء تمثلت هذه المركزية في يوم ٍما بالنجف أو الحلة وكربلاء وجبل عامل وسامراء وإصفهان سابقاً أو بقم. هذه المركزية فيها مرجع ديني يقود أغلب الواقع الشيعي، سواء كان هذا المرجع عراقياً أو إيرانياً أو هندياً أو بحرانياً أو لبنانياً، ويتبعه الجمهور الشيعي ليس تبعية فتوائية ودينية فقط، يعني ليس مجرد رؤية الهلال، أو توقيتات الصلاة والصوم أو معرفة أحكام الحج وعقد الزواج، وفي حدود أبناء البلد الذي يحمل جنسية المفتي والموظف عند رئيس الدولة فقط، إنّما هي تبعية حسبية اجتماعية ودينية ومالية وقضائية، وصولاً إلى ما يتعلق بقضايا الدولة والسياسة. وهنا تكون الحدود والقوميات واللغات باهتة في داخل المذهب الشيعي. وهذه التبعية لا وجود لها في باقي المذاهب، بل ولا وجود لها في كل الأديان، وهنا يكمن الفرق الجوهري بين الأنظمة الاجتماعية للطوائف السنية والطائفة الشيعية الإثني عشرية.

وشبكة الوكلاء العالمية في النظام الاجتماعي الشيعي هي ميزة أخرى للنظام الاجتماعي الديني الشيعي عن كل المذاهب والأديان الأخرى؛ فالمرجع الديني الأعلى لديه مئات الوكلاء المنتشرين في كل بلدان العالم، من أمريكا وحتى أُستراليا، ومن روسيا وحتى جنوب أفريقيا، وهؤلاء الوكلاء هم شبكة عالمية متماسكة، لديهم مرجعية واحدة وتوجيهات مركزية على كل الصعد، وهم بمثابة وكلاء وممثّلين ومعتمدين ومندوبين وسفراء، لهم صلاحيات في حدود ما يمنحه لهم المرجع، كصلاحية استلام الحقوق الشرعية وتوزيعها، وصلاحية التنظيم الاجتماعي والأمور الحسبية، وصلاحية نشر الفتاوى واستلام الاستفتاءات، وبناء وإدارة المساجد والحسينيات والمراكز الثقافية والصحية ومؤسسات رعاية الفقراء والأيتام وغيرها، ومتابعة الشأن العام للشيعة في البلد، بما فيه الشأن السياسي.

كما أن التواصل بين الوكلاء والمرجع، بل بين عموم الشيعة والمرجع، هو ميزة أخرى في النظام الاجتماعي الشيعي العالمي، وهو بسيط، ولايزال نفسه منذ عصر الشيخ المفيد والشيخ الصدوق والسيد المرتضى والشيخ الطوسي؛ فهناك التواصل المباشر بين الوكلاء والمرجع وكذلك بين عامة الشيعة والمرجع، دون حواجز وتعقيدات وبروتوكولات، وهناك التواصل عبر الرسائل. وقد ظل الوكلاء أو عموم الشيعة، يحضرون الى مركز المرجعية، سواء في بغداد أو النجف أو قم وغيرها، وهناك حلقة مهمة هي مكتب المرجع، الذي يمثل ــ رغم بساطته اللافتة ـــ المقر الشيعي العام، أو المقر المركزي للنظام الاجتماعي الديني الشيعي.

وكثير من الهيكليات والسياقات في مجال تكريس تماسك النظام الاجتماعي الشيعي وعالميته، هي أمور تنظيمية تدبيرية متغيرة، ولها علاقة بالزمان والمكان؛ فكلما تعقّدت الحياة وتطورّت، تكون هناك أمور تنظيمية أكثر تطوراً وتعقيداً، وليس بالضرورة أن يكون لهذه النظم أصول تشريعية، لأنها شأن إداري تنظيمي، ولا يتعارض مع الأصول التشريعية. مثلاً؛ المرجعية النجفية لجأت إلى تقسيم العالم إلى قارّات أو إلى مناطق جغرافية، يكون على رأس كل منطقة جغرافية كبيرة وكيل عام مطلق، هذا الوكيل العام المطلق يتصل به مجموعة من الوكلاء الأقل صلاحية في الدول الأخرى، ويشرف كل وكيل على مجموعة من الوكلاء في المدن، وصولاً الى الوكلاء في القرى والأرياف. وهذه الشبكة متماسكة ومتعاضدة، ولا يقتصر عملها على الجانب الديني والفتوائي كما ذكرنا، بل يتسع حتى الى الجانب السياسي وتنظيم العلاقة بسلطات الدولة، وبالتالي فهي هيكلية إدارية عالمية متماسكة، ترتبط بالمركز، سواء عبر مناطق جغرافية أوسع أو من خلال اتصال بالنجف أو بقم مباشرة.

ومن أهم المفاهيم الواقعية التي أفرزتها سياقات العالمية والتماسك ووحدة المسارات في النظام الاجتماعي الديني الشيعي، هو مفهوم تحالف المصالح السياسية والاجتماعية المذهبية المشتركة بين المكونات الشيعية المتعددة قومياً واجتماعياً وإدارياً وسياسياً. ومن نماذج هذه التحالفات تاريخياً نموذج الدولة الصفوية وحلفائها الشيعة في دول المنطقة، وهذه التحالفات لا تسوّغ للدولة الصفوية أو أي من الكيانات الشيعية الأُخر بعض سلوكياتها غير الشرعية، لكنها؛ كانت أمراً واقعاً، وكان الفقهاء الشيعة يتعاملون معها على أساس ما تحققه للشيعة من مصالح مصيرية وجودية، وحماية كاملة لمجتمعاتهم وعقيدتهم وشعائرهم، بصرف النظر عن نواياها وغاياتها في هذا المجال؛ فهم يرون أن من العبث واللاعقلانية أن يسأل الإنسان من يحميه من سيف يريد ذبحه ورصاصة تريد قتله عن نواياه، أو يسأل من يمنع سارقاً من السطو على بيته عن نواياه، ويسأل من يريد تحريره من السجن عن نواياه، خاصة إذا كان الشخص الحامي والشخص المحمي يشتركان في العقيدة والشريعة والشعائر والطقوس والرمزيات والمظلومية والتاريخ والثقافة المجتمعية الدينية، وإن كان بعض سلوكيات الشخص الحامي خاطئاً؛ فالأخطاء هي سمة السلطة دائماً، عدا الحاكم المعصوم.

وسواء كان سلوك الدولة الصفوية في حماية الشيعة ونشر مذهب أهل البيت، يتم بدافع سياسي مصلحي، أو بدافع الصراع السلطوي مع العثمانيين الطائفيين، أو بدافع ديني، أو خليط من الثلاثة؛ فإن سلوكها، في النتيجة، كان ينتهي لمصلحة الشيعة، وخاصة الشيعة العرب، ويحافظ على كيانهم وأرواحهم ومعتقداتهم وشعائرهم من حملات الاجتثاث المستمرة، وهو السلوك الذي كان ممضياً من فقهاء الشيعة في ايران والعراق ولبنان، أي يحظى بقبولهم وتشجيعهم. وبما أن الشيعي غير الإيراني كان يستشعر تلاقي المصالح مع الدولة الصفوية؛ بل تطابقها غالباً؛ فلم يكن يعنيه البحث والتنقيب عن دوافع الدولة التي تدعمه وتحميه وتدفع عنه الأذى، وتستنهضه من أجل تحقيق أهدافه الدينية والدنيوية؛ لأن ما يجمع الطرفين هي المصلحة المذهبية الإنسانية المشتركة العليا، والتي ظلت تتعرض للمخاطر من الآخر الطائفي أو المستعمر على مر الزمن.

وبالتالي؛ كان من البديهي والعقلاني أن يتحالف شيعة العراق ولبنان والشام وآذربيجان والقوقاز والهند وأفغانستان والبحرين والحجاز مع الدولة الإيرانية الصفوية، في مواجهة التحالفات والتخندقات الطائفية التي تقودها الدولة التركية العثمانية ومعها السنة العرب قاطبة. وهنا نلاحظ مفارقة تاريخية؛ فقد كان مسموحاً للسنة العرب ممارسة الولاء المطلق للسلطان العثماني التركي والخضوع لحكمه وتقبيل أعتابه، بينما لا يسمح للشيعي التحالف مع الدولة الإيرانية الصفوية والاحتماء بها من ماكنة الذبح والتشريد والاجتثاث.

وهناك من يعتقد بأن سبب اضطهاد العثمانيين للشيعة هو وجود الدولة الصفوية ومطامع الصفويين، وأن المشكلة الطائفية ضد الشيعة سببها الصراع العثماني الصفوي، وهذا الاعتقاد مبني على عدم المعرفة بحقائق التاريخ، أو العلم بها، لكنه يخفيها بهدف التغطية على ممارسات الدولة العثمانية والأنظمة الطائفية ومجازرها ضد الشيعة، ويحول دون حصول أي تحالف شيعي ــ شيعي، أو احتماء شيعي بالدولة الشيعية الوحيدة. والحال؛ أنّ الدولة العثمانية تأسست قبل الدولة الصفوية بعدة قرون، وأن سياساتها التوسعية الاستعمارية واحتلالها البلدان العربية، وقمعها الطائفي للشيعة وعدائها لمذهب آل البيت، سبق تأسيس الدولة الصفوية بقرون، أي أن سياسات العثمانيين المعادية للشيعة لا علاقة لها بالصفويين إطلاقاً؛ بل ولا علاقة للسياسات القمعية للدول والحكومات الطائفية، التي سبقت العثمانيين أو أعقبتهم؛ بوجود أو عدم وجود دولة شيعية أو حراك شيعي أو عدم وجوده؛ بل أن قمع الشيعة هو جزء من التقاليد والأعراف الثابتة للدول الطائفية، على مر القرون، بسبب أو بدونه.

وإذا تم القبول جدلاً بمعادلة الصراع العثماني الصفوي في فترة تزامن وجود الدولتين؛ فإن العثمانيين لم يوقفوا قمعهم واضطهادهم للشيعة بعد سقوط الدولة الصفوية؛ إذ أن الحكم الصفوي اندثر في العام 1722، بينما سقطت الدولة العثمانية في العام 1924، أي بعدها بثلاثة قرون. والحال؛ إن مجازر العثمانيين ضد الشيعة العرب استمرت بأبشع ما يمكن تصوره، وكان آخرها مجزرة مدينة الحلة العراقية في العام 1915، حين استباحوها ثلاثة أيام، وقتلوا الرجال واغتصبوا النساء وهدموا البيوت وأحرقوا الأسواق، دون أن تكون هناك دولة صفوية أو صراع مع الفرس أو أطماع إيرانية.

وبناءً على وعي الشيعة غير الإيرانيين بحقائق الصراع وأهمية التحالف مع الدولة الصفوية والاحتماء بها؛ فإن التاريخ لم يسجل حينها موقفاً سلبياً واضحاً من علماء الدين والنخب والشعوب الشيعية غير الإيرانية ضد الدولة الصفوية. أما المواقف السلبية لبعض من يسمون أنفسهم المستنيرين الليبراليين والعلمانيين والقوميين الشيعة؛ فقد ظهرت في القرن العشرين فقط، وهي متأثرة بالدعاية الطائفية العثمانية والدعاية الطائفية القومية من جهة، وهو ما حصل في العراق، حين ظهرت بعض الأقلام المتأثرة بأفكار ساطع الحصري الطائفية والسلوك العارفي وسياسات حزب البعث، كما ظهرت في إيران أيضاً متأثرة بالمدارس الاستشراقية والفكرية والأكاديمية الغربية، وكان أبرز رموزها أحمد كسروي وعلي أكبر حلمي زادة وعلي شريعتي.

بيد أن الحملة الدعائية ضد الدولة الصفوية تزايدت بعد العام 1979، وراحت تعمل على تكريس مصطلحات التشيع العربي والتشيع العلوي والتشيع العراقي والتشيع الفارسي والتشيع الصفوي، وهي حملة شرسة ومكثفة، تنطوي على أهداف طائفية سياسية عميقة متجددة، وهي لا تستهدف الدولة الصفوية بتاتاً؛ بل تستهدف النهضة الشيعية الجديدة وعصرها وقيامتها، عبر تشبيه الجمهورية الإسلامية الإيرانية بالدولة الصفوية، وتشيعها بالتشيع الصفوي أو الفارسي، وهي إعادة لنفس سيناريو العثمانيين وأتباعهم الطائفيين، والذي يهدف الى تمزيق الواقع الشيعي ونسيجه وعالميته، ورفع الحماية والغطاء عنه، وإعادة الشيعة الى مرحلة ما قبل العام 1979؛ حین کان الشيعي في كل البلدان يعيش مرحلة انعدام الوزن، والقمع والقهر والتشريد والقتل والتهميش والاقصاء.

وهكذا فإن عنصر القوة هذا، أي عالمية النظام الشيعي ووحدة مساراته، ظل يتعرض لمزيد التآمر من خصوم الشيعة، عبر خلق شبهات التضاد بين مفاهيم الوطنية والقومية من جهة، ومفهوم عالمية النظام الاجتماعي الديني الشيعي من جهة أُخرى، وذلك من أجل تفتيته، وصولاً إلى فصل المجتمعات الشيعية، التي تتعرض للتهديد، عن بعضها، وسلبها عنصر الحماية الاجتماعية الدينية المتبادلة، وقمعها بصمت وإعادتها إلى عصور التهميش. والحال، أن الهويات الوطنية والقومية والمناطقية والعشائرية والحزبية، وأية هويات ثانوية أُخرى، لا تتعارض مع عالمية الإسلام والتشيع، أو عالمية الهوية الشيعية وعالمية النظام الاجتماعي الشيعي، فلكل هوية موقعها ودورها، وتعبر عن انتماء أساسي أو ثانوي، لا يتعارض مع باقي الانتماءات، بل يكملها غالباً.

ويمكن للأنظمة السنية في البلدان ذات الحضور الشيعي، أن تنظر إلى واقع عالمية النظام الشيعي، نظرة إيجابية منتجة، لإقامة دولة المواطنة والقانون، وتطبيق معايير التكافؤ الكامل في الحقوق والحريات المذهبية والاجتماعية والسياسية بين السني والشيعي؛ ليكون الشيعي في بلده متوازناً بين انتمائه لعالمية نظامه الاجتماعي الديني، وانتمائه لدولته ونظامها السياسي. وبالتالي؛ فإنّ ظهور بعض الإفرازات السلبية لعنصري التماسك والعالمية في النظام الاجتماعي الديني الشيعي، مردّه سياسات الأنظمة والنخب الدينية والسياسية السنية، التي يعمد أغلبها إلى سلب الشيعة حرياتهم وحقوقهم المذهبية والاجتماعية والسياسية، في بلدانهم، والتعامل معهم كمواطنين من الدرجة الثانية أو الثالثة.

6 ـ الاستقلال المالي الديني:

يتمتع النظام الاجتماعي الديني الشيعي بالاستقلالية المالية لقيادته المرجعية ومؤسسته الدينية ـ العلمية وشعائره وطقوسه، وذلك من خلال الحقوق الشرعية التي يدفعها المؤمنون للمرجعية الدينية، وفي مقدمتها الخمس والزكاة، فضلاً عن الهبات والتبرعات والأوقاف. هذه الاستقلالية المالية عن الدولة، هي المرتكز الأساس لاستقلالية المرجعية الشيعية والنظام الشيعي ومؤسسته العلمية الدينية واستقلالية قرارها، وعدم قدرة أي نظام سياسي وجهة اقتصادية أو حزبية مصادرة هذا القرار؛ لأنّ قيادة النظام الاجتماعي الديني الشيعي ومؤسسته الدينية لم تكن يوماً بحاجة إلى المال والدعم والترويج، سوى من مقلديها وأنصارها حصراً.

كما أنّ الحقوق المالية الشـرعية هي عنوان للتكافل والتضامن الشيعي الشامل؛ إذ إنّ صرفيات الأموال الشرعية والتبرعات التي تعطى للمرجعية، لا تقتصر على المؤسسة الدينية ومؤسسات المرجعية، بل تتسع للفقراء والأيتام ولكل أنواع المشاريع الخيرية الاجتماعية والتعليمية والصحية والاقتصادية وغيرها، فضلاً عن الإجازات بصرفها على شؤون ذات موضوعات سياسية ودفاعية وإعلامية وثقافية. وهذا ما يجعل الاستقلالية المالية للنظام الاجتماعي الديني الشيعي عنصر قوة هائل لقوامه وحركته واكتفائه الذاتي، ولدفع أية محاولة لتدميره والهيمنة عليه واحتوائه.

ولعل من أبرز محاولات الخصوم لقطع شريان هذه الحقوق والتبرعات والأوقاف، هو التشكيك المستمر بتشريع الخمس أو بحق مرجع التقليد في استلام الخمس، والشبهات بشأن كيفية صرفه، وهي شبهات تستند إلى سلبيات ترتبط بإدارة المال الشرعي([5])، لكن محاولات الخصوم لا تهدف إلى تصحيح الأخطاء والأداء، بل تعمل على مصادرة منظومة مالية عملاقة يستند إليها النظام الاجتماعي الديني الشيعي برمته، وتحقق المرجعية والمؤسسة الدينية من خلالها، استقلاليتهما من أية تأثيرات سياسية محلية أو دولية. وهذا التشكيك هو ــ غالباً ــ قياس على حالات فردية.

وهذا المال الشرعي، ليس كله حقوق شرعية، كالخمس مثلاً، بل أنّ كثيراً منه عبارة عن تبرعات طوعية من الموسرين والتجار ورجال الأعمال الشيعة في اوروبا والبلدان الخليجية والعراق والهند وايران، وليس فيه أي مصدر من الحكومات، وتقوم المرجعية بصرفه في موارده المعروفة، كالحوزات العلمية ومنتسبيها، والمؤسسات الدينية والمساجد والتبليغ الديني، والجامعات والمدارس والتعليم، والمؤسسات الصحية، والجمعيات الخيرية، وإعانة الفقراء والمرضى، وكفالة القصّر والأيتام، وهي من أهم مظاهر التكافل الاجتماعي والديني، التي لا تعرفها النظم الاجتماعية الدينية الأُخر. وبالتالي؛ فإن التشكيك بأصل تشريعات هذه الحقوق الشرعية ونظام التصرف بها؛ يهدف الى خلق حالة من النفور من المرجعية والتقليد ورجوع المؤمنين الى المرجع في أمور دينهم ودنياهم، وتسفيه واجب تقديم استحقاقات المال الشرعي الى المرجع، وصولاً الى هدف ضرب النظام الاجتماعي الديني الشيعي العالمي، الذي تقف المرجعية الدينية على رأسه.

7 ـ المراقد والمزارات:

وهي مراقد أئمة أل البيت وأبنائهم وأحفادهم والبارزين من ذراريهم، ومزارات صحابتهم وتلاميذهم، وكبار زعماء الشيعة الدينيين وعلمائهم. ولمزيد من التحديد، فإنّ المقصود بها المراقد والمزارات التي أمكن للشيعة استثمارها حتى الآن، وضمها إلى نظامهم الاجتماعي الديني، في إطار الصيغة الوقفية غالباً، وخاصة القائمة في العراق وإيران وآذربيجان ولبنان وسورية وتركيا وأفغانستان وباكستان والهند، والتي تشكل منذ مئات السنين، مراكز عالمية لتجمع الشيعة، ونشاطاتهم الدينية والعلمية والاجتماعية المشتركة. أمّا المراقد والمزارات القائمة في الحجاز والأُردن ومصر وشمال إفريقية وغيرها، فلا تتمتع بهذه الخصوصية المذهبية الاجتماعية؛ لأنّها خارج سيطرة الصيغ الوقفية الشيعية، ولا تسمح الأنظمة السياسية في هذه البلدان بتجمع الشيعة فيها وممارسة نشاطاتهم الدينية، خشية تحولها إلى مراكز للتبليغ الشيعي كما تقول.

وقد تحولت المراقد والمزارات الشيعية إلى أماكن مقدسة أو تحظى باحترام بالغ، وبنيت حولها ـ غالباً ـ الحوزات العلمية والمؤسسات الدينية. كما تحولت إلى محور جذب للشيعة من مختلف البلدان والقوميات والثقافات المحلية، من أجل السكن والعمل. أي أنّها أصبحت بمرور الزمن مراكز إشعاع ديني مذهبي، ومواطن تذوب فيها اللغات والقوميات والوطنيات. وبالتالي؛ فهي عنصر قوة كبير للنظام الاجتماعي الديني الشيعي، ولتماسك الشيعة وتعاونهم، واستثمار التنوع في الانتماءات الفرعية.

وظلت هذه المراقد والمزارات عرضة دائمة للإخفاء والتخريب والمنع من زيارتها، منذ العصور الأُموية والعباسية والأيوبية والسلجوقية والمملوكية والعثمانية والغزنوية، وصولاً إلى الوهابية السعودية والبعثية، وذلك بهدف حرمان الشيعة من عنصر القوة هذه، والحيلولة دون استثماره لأهداف التبليغ والترويج والنشاط الديني المذهبي والاجتماعي. كما جرت محاولات مسيئة لاختراع مزارات مزيفة. وكلا الظاهرتين: الإخفاء والتزييف يؤديان إلى ضرب عنصر القوة هذا.

8 ـ مظاهر إحياء أمر أل البيت:

تمثل مظاهر إحياء أمر أل البيت، وخاصة الإمام الحسين، وشعائرها والطقوس المنسوبة إليها؛ أحد أهم عناصر الشد العـقدي والوجداني والنفسي والمجتمعي المحورية للمذهب الشيعي ونظامه الاجتماعي الديني، وهي تلعب أدواراً نوعية ومتعددة في تقوية هذا النظام وتمييز هويته. ولعل المراقد والشعائر هما العنصران الأكثر التصاقاً بالوجدان الشعبي الشيعي، والأكثر إلهاباً لمشاعر الشيعة من بين عناصر قوة نظامهم الاجتماعي الديني الأُخر، ولا فرق في ذلك بين متدين مقلِّد للمراجع وبين غير متدين لا يقلد، أو بين إسلامي متزمت وبين علماني منفلت فكرياً، أو بين مؤمن وبين مقارب للإلحاد.

ومن أهم مخرجات الشعائر الحسينية وطقوسها أنّها تخلق طاقة محركة هائلة من الحماس المجتمعي الشامل لمواجهة أيّ تحدٍّ وتهديد للنظام الاجتماعي الديني الشيعي ومكوناته؛ الأمر الذي حوّلها إلى هاجسٍ وجودي للنظم السياسية الطائفية المتعاقبة، منذ واقعة استشهاد الإمام الحسين وحتى الآن، وظلت تعدّها تهديداً تلقائياً لها. ولذلك؛ عملت هذه الأنظمة بكل ما تمتلك من وسائل قوة قانونية وسياسية وأمنية وعسكرية، من أجل القضاء على هذه الشعائر وطقوسها. ويمكن ملاحظة مسار تعامل نظام البعث العراقي معها طوال 35 عاماً من حكمه([6])، كنموذج؛ للدلالة على طبيعة تعامل خصوم الشيعة مع عنصر القوة هذا.

وعلى العكس من ذلك؛ يمكن ملاحظة تعامل المرجعية الدينية والحوزة العلمية وأنظمة الحكم الشيعي والأحزاب الشيعية، مع الشعائر الحسينية وطقوس العزاء، وهو تعامل ينطوي على أبلغ مضامين التشجيع والدعم. وأهمية الشعائر الحسينية وقوة تأثيرها في الواقع الاجتماعي وكسب الأنصار وخلق الزعامات المحلية والوجاهات الاجتماعية؛ جعلتها عرضة للاختراق والاختلاق، فدخلت عليها بعض الممارسات غير المقبولة عرفاً وشرعاً، سواء على مستوى المظاهر العامة أو الأشعار والمقولات التي يرددها بعض المنشدين (الرواديد) وخطباء المنبر. إلّا أنّ هذه الشوائب والسلبيات ـ بالرغم من خطورة استفحالها واستثمارها من الخصوم ـ لا تقلل إطلاقاً من أهمية عنصـر الشعائر الحسينية وطقوس العزاء.

وبناء على الفرق الجوهري بين المذهب وبين مجتمع المذهب، وفق ما يقرره علم الاجتماع الديني الشيعي؛ فإن هناك فرقاً جوهرياً أيضاً بين الشعائر الدينية للمذهب، وبين طقوس مجتمع المذهب، أي بين الظواهر التي تحظى بأصول تشريعية دينية، وبين الظواهر التي أوجدها المجتمع الديني لإحياء ذكرى دينية أو واقعة تاريخية مصيرية ترتبط بأصول المذهب. بمعنى أن عقيدة المذهب وشعائره – مثلاً – تجسدان جوهر المذهب وبنيته الدينية، كأصول التوحيد والعدل والنبوة والإمامة والمعاد، وكذا فروض الصلاة والصوم والحج وغيرها، ولا يجوز نكرانها وتركها؛ لأن ذلك يشكل معصية وإثماُ دينياً؛ بل كفراً أحياناً إذا كان إنكاراً بيّنا، وفيه عقوبة أخروية، وعقوبة دنيوية في حال كانت هناك سلطة لتنفيذ أحكام الشريعة. والشعيرة المنصوص عليها بنص تشريعي صريح، من القرآن الكريم والسنة الشريفة؛ هي فرض توقيفي تعبدي، كمناسك الحج، وفق الآيات التي نصّت على كونها شعائر الله، وترك هذه الشعائر ذات الأصل التشريعي المنصوص، حرام شرعاً؛ فهي واجبة على جميع المسلمين المكلفين وفق طبيعة تشريع كل شعيرة.

أما الطقوس المجتمعية المتمذهبة فهي تحمل هوية منسوبة الى الدين أو المذهب أيضاً، بصرف النظر عن مستوى قبولها أو عدم قبولها من الشريعة. وتمثل هذه الطقوس هوية المجتمع بالدرجة الأساس، وليست هوية المذهب؛ بينما تمثل الشعائر هوية المذهب وليس المجتمع. والفرق الأساس بينهما هنا يتمثل بوجود النص أو بدرجة الإلزام والقدسية في الإيمان بها وممارستها. أي أن كل ما فيه نص من القرآن والحديث فهو (شعيرة)، وكل سلوك شرعي ينطبق عليه مفهوم الشعيرة فهو (مصداق) للشعيرة، وكل مظهر يبتكره الناس ويرون انه سلوك ينسجم مع الشعيرة أو مصاديقها؛ فهو (طقس).

ويعد إحياء أمر آل البيت، من الشعائر التي تحظى بأصل ديني تشريعي ((أحيوا أمرنا))(1)، بينما تعد مصاديق ومظاهر هذه المصاديق، ومنها إحياء مراسيم أفراحهم ومآتمهم؛ طقوساً اجتماعية غالباً، وقد أسست لها المجتمعات الشيعية في مختلف بلدان العالم، عبر السنين، وفق بيئة كل مجتمع وعاداته وتقاليده، كمظاهر وتجليات ومصاديق لشعيرة الإحياء والتأسي، وإظهار الفرح أو الحزن والجزع على مصائب آل البيت، أي أنها نتاجات إنسانية، وليست شعائر بالمعنى العقدي والفقهي، ويطلق عليها المجتمع (شعائر) مجازاً وتسامحاً، كونها منسوبة الى الشعيرة. وبالتالي؛ فهي بحاجة الى موقف الشرع، إقراراً أو نقضاً بالعنوان الأولي أو العنوان الثانوي أو حكم الحاكم الشرعي، ويكون القيام بها عملاً مستحباً، فيما لو كان هناك دليل شرعي على الاستحباب، أو مباحاً، فيما لو لم تتعارض مع أحكام الشريعة ومقاصدها.

وبما أن الطقوس المنسوبة الى الشعيرة مستحبة، في حال وجود دليل أو رأي فقهي على ذلك؛ فهي ليست واجبة، ولا يترتب على تركها جزاء أخروي أو دنيوي، ولكن قد يكون تركها مكروهاً ــ أحياناً ــ إذا ارتبطت بأصل شرعي واضح، أو حكم بذلك المرجع وفق العنوان الفقهي الثانوي، فيما لو كانت تؤدي الى تقوية المذهب وتحمي دعائمه وتواجه الظالم الطائفي. ولا تسير هذه الأمور بناء على رغبة الفرد الشيعي أو المزاج العام للمجتمع، بل تستند الى فتوى المرجع الديني الذي يمتلك الصلاحية الشرعية في تحديد مصداق الشعيرة من عدمه، وصحة مظهر الشعيرة شرعاً من عدمها، والاهم من ذلك صحة تمظهر المجتمع، وفق المصالح العليا للمذهب، لكيلا يتسبب المظهر في توهين المذهب وتشويه نقائه وصورته، وهي صلاحية حصرية للمرجع الأعلى، بوصفه قائد النظام الاجتماعي الديني الشيعي.

ولا يمكن أن تتحول الطقوس الى شعائر، ولا الطقوس الى شعائر، ولا يمكن إضافة شعائر جديدة الى الدين، وإن أطلق الناس مصطلح شعيرة على بعض المظاهر وتعارفوا عليها، لأن الشعائر مقيدة بضوابط وتعاليم محددة منصوص عليها لا تتوسع ولا تضيق، أي انها توقيفية شكلاً ومضموناً، ويمكن لمصاديقها ومظاهرها أن تتسع وتكبر ويعاد تنظيمها وصياغتها، وتتغير من بلد لآخر. ولذلك؛ لا يمكن اعتبار المشي ومجالس العزاء شعيرة؛ فهما مظهران للحزن على آل البيت، والحزن مصداق لشعيرة إحياء أمر آل البيت.

ويمكن توضيح الفرق بين شعيرة إحياء أمر آل البيت وبين مصاديقا ومظاهرها وفق التراتبية التالية:

  • إحياء أمر آل البيت، كونهم العترة الموصى باتباعها، هي شعيرة لها أصل ديني.
  • مجالس ذكر أهل البيت، حزناً وفرحاً، هي مصاديق لشعيرة إحياء امرهم، لأن الأئمة أنفسهم كانوا يحيون هذه المجالس.
  • إظهار الجزع والمشي والمسيرات والاهازيج والتطبير والزنجيل واللطم والردات والمشاعل والمشق والطبول والابواق والتشبيه والإطعام وغيرها، هي مظاهر للحزن، وليست مصاديق للشعيرة، أي أنها طقوس، والطقوس ليست مصاديق للشعيرة، بل مظاهر اجتماعية للمصاديق. وتعود لطبيعة كل مجتمع وتقاليده

9ـ إيران:

ظلت إيران منذ أن دخل شعبها في الإسلام؛ محطةً أساسية لهجرة الشيعة العرب عموماً، والعراقيين وذرية أئمة آل البيت خصوصاً، أو لجوئهم هرباً من بطش السلطات الأُموية، ثم العباسية والأيوبية والعثمانية والبريطانية، وصولاً إلى السلطات البعثية([7]). وبرزت أهمية هذا الملجأ المذهبي بعد تأسيس أول دولة شيعية في إيران، وهي الدولة العلوية في طبرستان (محافظات مازندران وجيلان وجرجان الحالية) في العام (250 هـ/864 م)، على يد أحد أحفاد الإمام الحسن بن علي، الهارب مع أُسرته من العراق من قمع السلطة العباسية([8]).

وتكرس وجود إيران كإحدى حاميات الواقع الشيعي بعد تأسيس الدولة البويهية، ثم حامية وحيدة بعد انهيار جميع الدول الشيعية، الإدريسية في شمال إفريقية، والحمدانية في شمال العراق وسورية الكبرى، والفاطمية في مصـر، وتأسيس الدولة الصفوية على يد الأُسرة الموسوية الصفوية. واستمر هذا الوضع إلى العصر الحديث وتأسيس الدول القومية في العالم الإسلامي، حيث بقيت إيران الدولة الشيعية الوحيدة، إلى جانب (55) دولة سنية تحكمها أنظمة سنية، وخمس دول بات السنة والشيعة يشتركون رسمياً في حكمها، وهي (العراق ولبنان وسورية واليمن وآذربيجان).

وبرز دور إيران الإقليمي في دعم الحراك الإسلامي عموماً، والشيعي خصوصاً، وحمايته، بعد تأسيس نظام الجمهورية الإسلامية فيها، ولا تزال الداعم الوحيد للمشاركة الشيعية الحكومية في البلدان الخمسة المذكورة، ولولا هذه الحماية الطبيعية ذات المنشأ الديني والإنساني، لتخلخل واقع هذه المشاركة بشكل كبير.

هذا الحضور الإيراني الإقليمي الفاعل، هو عنصـر القوة الإيديولوجية والفكرية والثقافية والإعلامية والسياسية الأساسية للشيعة، ولنظامهم الاجتماعي الديني، ومنطلق الصعود الشيعي الكبير بعد العام 1979، والذي حقق إنجازات أساسية على الأرض، للشيعة عموماً، والشيعة العرب خصوصاً، وإن تخلل هذا الحضور والصعود أخطاء وإشكاليات غير مقبولة. وقد أثار هذا الصعود حفيظة جميع الأنظمة السنية، رغم كونها أنظمة علمانية غالباً، وكذا المؤسسات الدينية السنية والوهابية الرسمية وشبه الرسمية، وأكثر الأحزاب والجماعات السنية، العلمانية والإسلامية؛ لأنّ هذا الصعود غير المسبوق يتسبب في خلل في معادلة الهيمنة الطائفية في العالم الإسلامي، ويسمح للشيعة بالحصول على جزء من حقوقهم وحرياتهم المذهبية والسياسية والاجتماعية، وهو ما ظل مرفوضاً وممنوعاً طوال القرون الماضية، وتحديداً منذ سقوط الدولة الصفوية.

وراح خصوم الشيعة يصورون الحماية الإيرانية للشيعة بأنّها تدخّل سياسي وإيديولوجي إيراني في شؤون بلدان الصعود الشيعي، وأنه يهدف إلى تحقيق مصالح وطنية وسياسية لإيران. والحال؛ أنّ الشيعة عموماً يرون بأنّ المصالح الإيرانية المذهبية والسياسية تلتقي تلقائياً بمصالحهم، وبطموحاتهم في انتزاع حقوقهم الطبيعية، حتى وإن سلّمنا بأنّ دوافع الحماية الإيرانية هذه هي بالفعل مصالح وطنية وسياسية خاصة. وبالتالي؛ فهي مصالح مشتركة، حالها حال المصالح الإيديولوجية والقومية والسياسية والاقتصادية المشتركة بين دول العالم. إلاّ أن الخصوم يهدفون من وراء هذه الإثارات الدعائية إلى إحباط الحضور السياسي والمذهبي للشيعة، ولا سيما الشيعة العرب.

وقد تعاضدت جهود الأنظمة الطائفية في المنطقة، وخاصة أنظمة البعث في العراق والسعودية وبعض البلدان الخليجية، وكذا كثير من الدول الغربية، تتقدمهم الولايات المتحدة الأمريكية، من أجل ضرب إيران ونظامها الإسلامي الشيعي، وقوة الحماية التي تشكلها للشيعة، عبر استخدام أقوى وسائل الحرب، بدءاً بالحرب الإعلامية والدعائية والحرب العسكرية، وانتهاءً بالحرب الإيديولوجية والاقتصادية. والهدف من وراء كل تلك الحروب، توجيه ضربة مشتركة للواقع الشيعي برمته، وليس لإيران وحسب؛ لأنّ خصوم الشيعة يعلنون سراً وعلناً بأنّ «ضرب إيران سينجم عنه انهيار الواقع الشيعي برمته، خاصة في العراق ولبنان؛ لأنّ إيران هي رأس الأفعى الشيعية؛ فإذا قطع الرأس، مات الجسد والذيل تلقائياً»([9]).

10 ـ السلطة السياسية:

إذا ما ستثنينا تجربة الأئمة في العمل السياسي وممارسة السلطة الزمنية، وتحديداً الإمام علي والإمام الحسن والإمام الرضا، لخصوصية التجربة وارتباطها بمبدأ الإمامة؛ فإن المختار الثقفي يعدّ على المستوى التاريخي أول سياسي شيعي، بالمعنى الحديث للعمل السياسي، وهو الذي أسس لثقافة السلطة لدى الشيعة، وحقق لهم إنجازات مهمة، أهمها تركيز قواعد الاجتماع الديني الشيعي، المستقل عن الاجتماع السياسي الطائفي للدولة السنية، والهوية الاجتماعية الشيعية، المستقلة عن الهوية السياسية الطائفية للدولة. ولذلك؛ لم يكن المختار على وئام ــ أحياناً ــ مع الخط الشيعي الأصولي، الذي يعمل وفق ما يعتقد أنه ثوابت شرعية، لكنها لاتنتج سلطة أو دولة، وهو ما كان يمثله خط التوابين بقيادة سليمان الخزاعي، والذي كان يتهم المختار أنه صاحب طموح سياسي. بينما ظل هدف المختار من المناورات السياسية والتحالفات المتنوعة؛ التحضير للثورة بمنهجية دقيقة وأدوات ناجحة، من أجل الوصول الى السلطة، وهي السلطة التي حققت للشيعة إنجازات كبيرة، وإن كان وراءها طموح المختار للسلطة. وسار على خطى المختار سياسيون شيعة بارزون، كإبراهيم ابن مالك الأشتر، لكنهم لم يكونوا بحنكة المختار، ولم يحققوا هدف السلطة.

وتمظهر العمل السياسي الشيعي في العصر العباسي بالحراكات المعارضة والثورات التي قادها أبناء الأئمة وأحفادهم، وأبرزها ثورات زيد بن علي ويحيى ومحمد النفس الزكية وادريس. وتتوجت جهودهم الشيعة السياسية والثورية والتبليغية في بادئ الأمر، بتأسيس الدولة الإدريسية في المغرب العربي بقيادة السيد إدريس بن عبد الله في العام 194 ه (788 م)، وهي أول دولة شيعية في التاريخ، والدولة العلوية في طبرستان بشمال إيران (مازندران وكيلان الحاليتين) بقيادة السيد حسن بن زيد في العام 205 ه (864 م)، والدولة الأُخيضرية في اليمن  في العام 206 ه (865 م)، ثم الدولة الحمدانية في شمال العراق وبلاد الشام في العام 293 ه (890)، وهي أول دولة شيعية إثني عشرية في التاريخ. وتبعتها الدولة الفاطمية في شمال افريقيا ومصر في العام 296 ه (909 م)، وهي أول دولة خلافة شيعية مستقلة في التاريخ، ثم الدولة البويهية في العراق وإيران في العام 321 ه (934 م) وغيرها من الدول والإمارات. ثم بقي الشيعة دون سلطة سياسية ما يقرب من أربعة قرون، أي منذ سقوط الدولة البويهية في العام 447 ه (1062م)، ثم الدولة الفاطمية في العام 567 ه (1171 م)، وحتى تأسيس الدولة الصفوية في العام 905 ه (1501 م).

وكانت هذه الدول تنتهج النهج السياسي للمختار الثقفي وثقافته في موضوعة السلطة وفقهها المرن المصلحي، أي أن الذي قاد الثورات باتجاه تأسيس هذه الدول هم القادة السياسيون والعسكريون وليس الفقهاء غالباً، بما فيها الدول التي كان حكامها من الشيعة الإثني عشرية. ففي عصر غيبة الإمام المهدي، تبلور خطان شيعيان، شبه متعارضين فكرياً، لكنهما متعاونان ميدانياً:

الأول: خط الفقهاء، وكان يفضل عدم خوض غمار الثورة وتأسيس الدولة، استناداً الى قواعد شرعية أو حذراً من الخوض في الدماء أو حفاظاً على الواقع الشيعي من التعرض للتدمير من الحكام الطائفيين.

والثاني: خط الثوار والسياسيين، الذي ظل يستنهض، ويعمل على تأسيس الدولة، بصرف النظر عن نواياه وطموحاته.

ولذلك؛ فإن الشيعة عندما حكموا كل العالم الإسلامي في فترة من الفترات؛ فإن ذلك حصل بفضل الثوار والسياسيين الشيعة، الى جانب دعم الفقهاء غالباً، الذين كانوا يرون في هذه الدول أمراً واقعاً يحقق فوائد للتشيع للشيعة، ويحميهم، دون أن يتحمل الفقهاء أنفسهم مسؤولية سلوكياتها وممارساتها.

واستمر هذه الظاهرة طيلة (1150) سنة، حتى ظهور الإمام الخميني، الذي مثل الاستثناء التاريخي، حين أسس لقواعد السلطة الشيعية وفقهها وثقافتها. ولذلك؛ فإن الإمام الخميني لم يكن مجرد قائد ثورة إسلامية شيعية، أو مؤسس دولة إسلامية شيعية وحسب، بل أنه قلب معادلة السلطة والحكم والدولة في الثقافة الشيعية الموروثة، وفقهها وقواعدها العقدية، ونقل مهمة الثورة وتأسيس الدولة وقيادتها، من السياسيين الشيعة الى الفقهاء. والى جانب الخميني المؤسس، كان هناك فقيه رائد آخر، عمل على استنهاض الشيعة باتجاه السلطة والدولة الإسلامية، هو السيد محمد باقر الصدر. كما ظهر فقيه آخر أسس لنهضة شيعية سياسية تنموية في لبنان، هو السيد موسى الصدر. ومن هنا؛ فإن الإمام الخميني، ومعه السيد محمد باقر الصدر، هما أول فقيهين في التاريخ الشيعي، بعد فقهاء العصر الصفوي، يستنهضون الشيعة باتجاه ثقافة السلطة وفقه السلطة. ولا نتحدث هنا عن مجرد نظريات وقواعد في الفقه السياسي الإسلامي، بل عن خطاب نهضوي وسلوك سياسي ثوري مدعوم فقهياً، وهو ما أثمر عن وضع أسس عصره الشيعي الذهبي بعد العام 1979، والذي نقل الشيعة من عصر التغييب والتهميش والقمع الى عصر المشاركة في قرار الشرق الأوسط، والقرار العالمي.

وعليه؛ فإن ظاهرة مشاركة الشيعة، كقوة محلية منظمة، في قيادة الدول والحكومات، إلى جانب السنة، هي ظاهرة جديدة، باستثناء التجارب الإيرانية التقليدية، ويمكن الإشارة هنا الى تجارب المشاركة هذه في عدد من الدول العربية والإسلامية:

    أ ـ لبنان:

مثّل لبنان نقطة التحول الأُولى في مسار مشاركة الشيعة الفاعلة في السلطة، وتحديداً بعد العام 1980. صحيح أنّ مشاركة الشيعة في مؤسسات الدولة اللبنانية، بعنوانهم الطائفي، يعود إلى ثلاثينات القرن الماضي، وذلك في إطار النظام السياسي اللبناني الطائفي ومحاصصاته، إلّا أنّها كانت مشاركة فردية أو عائلية، وتحت عناوين الأحزاب المسيحية أو السنية غالباً، وليس في إطار مشروع شيعي، ولكن دخول حركة أمل وحزب الله المعترك الحكومي حوّل عنوان هذه المشاركة إلى المشـروع الشيعي الحقيقي المنظم ذي الطابع المذهبي الإسلامي، أسوة بباقي الطوائف اللبنانية التي تمارس العمل الحكومي بمشاريعها الطائفية وأحزابها السياسية. وبالتدريج تحوّل الشيعة في لبنان من طائفة مهمشة ضعيفة متفرقة، يهيمن عليها الإقطاع الاجتماعي والسياسي والمالي الشيعي العائلي، إلى القوة السياسية والاقتصادية والاجتماعية الأُولى في لبنان منذ مطلع الألفية الثالثة، ومن ورائهم الدعم الإيراني المباشر. وتعود جذور هذا الصعود إلى ثلاثة مشاريع رئيسة: المشروع التأسيسي التنموي الشامل للسيد موسى الصدر، والمشروع التغييري الخاص لحزب الدعوة الإسلامية، ومشروع حزب الله بعد العام 1982.

    ب ـ آذربيجان:

في آذربيجان، برزت بدايات هذه المشاركة بعد انهيار الاتحاد السوفيتي واستقلال آذربيجان في العام 1992، وتحول التيار الإسلامي الشيعي، في غضون سنة واحدة، إلى القوة الثانية بعد التيار الشيوعي الذي أعاد بناء نفسه على أفكار جديدة، قومية ليبرالية علمانية، كما أعاد سيطرته على الدولة ولا يزال. ورغم أنّ العناصر البشرية للتيار العلماني الحاكم في آذربيجان هم من الشيعة (وراثياً)، إلّا أنّهم لا يرتبطون بالمذهب بأي رابط وجداني أو اجتماعي أو ثقافي أو ديني، على العكس من التيار الإسلامي الذي يطمح إلى استعادة آذربيجان الشيعية استحقاقها من الحضور الديني المذهبي الطبيعي. ورغم التدخل التركي القوي في الشأن الآذربيجاني بذريعة القرابة القومية، وهي قرابة غير واقعية؛ لأنّ القومية الآذرية ليست قومية تركية، بل هي جزء من العرقية الميدية الآرية([10])، إلّا أنّ حقيقة النفوذ التركي تقوم على قاعدة حماية النظام العلماني ودعم الأقلية السنية الآذربيجانية، للحيلولة دون عودة آذربيجان دولة إسلامية شيعية، كما كانت قبل اقتطاع روسيا لها من إيران في الأعوام 1821 ـ 1828. وهو الهدف الإسرائيلي نفسه؛ إذ يعمل النفوذ الإسرائيلي القوي في آذربيجان على تحويل البلد إلى قاعدة ضد الجارة الجنوبية إيران، والحيلولة دون استثمار إيران نفوذها الإيديولوجي الطبيعي في آذربيجان. وبالتالي؛ فإنّ التحالف الثلاثي بين النظام الآذربيجاني وتركيا وإسرائيل، هدفه منع النهوض الإيديولوجي الشيعي في البلاد، والذي يمثل أكثريته السكانية (75 % من عدد السكان).

    ت ـ أفغانستان:

اندفع شيعة أفغانستان نحو المشاركة في الحكومة ومؤسسات الدولة، بصورة منظمة، وكقوة سياسية إسلامية متميزة، بعد سقوط الحكم الشيوعي في العام 1992، عقب نضال طويل متواصل ضد مثلث القهر والتهميش، والتي تتمثل أضلاعه بالأنظمة الطائفية الملكية، ثم النظام الشيوعي والاحتلال السوفيتي، ثم مرحلة سيطرة الجماعات الوهابية التكفيرية. ومن خلال نفوذها في أفغانستان، فرضت إيران على حلفائها السنة أن يكون للشيعة حضوراً ثابتاً وحقيقياً في سلطات الدولة، تتناسب ونسبتهم السكانية؛ إذ احتفظ الشيعة بعد العام 2001 بمنصب نائب رئيس الجمهورية وعدد من الوزراء وأعضاء مجلس النواب والقضاة، رغم المعارضة الشديدة للسعودية وباكستان والقوى الوهابية والطائفية المحلية. وبذلك حقق شيعة أفغانستان المهمّشون، ما كان بالنسبة لهم مجرد أحلام ممنوعة قبل ذلك التاريخ.

    ث ـ العراق:

مثلت مشاركة شيعة العراق في قيادة الدولة والحكومة، بعد العام 2003، منعطفاً كبيراً في تاريخ الشيعة في العالم والمنطقة العربية والعراق، بل صدمة تاريخية متفردة ([11])، بالنظر لما يمثله العراق من أهمية ستراتيجية على كل المستويات؛ إذ ظل شيعة العراق طوال القرون السابقة، وتحديداً منذ سقوط الدولة الصفوية في إيران، محكومون من نظام سياسي تقوده الأقلية السنية العربية التي لا تزيد نسبتها على 16 % من عدد سكان العراق، رغم كون الشيعة يمثلون الأكثرية السكانية في البلاد (حوالي 65 % من عدد سكان العراق وفق إحصاءات العام 1990). في حين احتفظ الشيعة بعد العام 2003 بأهم مناصب الدولة، بما يتناسب ونسبتهم السكانية، في إطار نظام سياسي ديمقراطي تعددي، خلف النظام العراقي الطائفي العتيد. ولم تكن مشاركة الشيعة هذه شبيهة بالمشاركات الفردية لبعض الشيعة في مناصب الدولة أو في إطار الأحزاب السنية قبل ذلك التاريخ، بل بصفتهم المذهبية السياسية، وفي إطار قواهم الإسلامية السياسية المنظمة، كحزب الدعوة الإسلامية والمجلس الأعلى الإسلامي العراقي والتيار الصدري وغيرها. ورغم ما يعتري هذه المشاركة من إشكاليات واتهامات وشبهات؛ إلّا أنّ ما نتحدث عنه هو أصل المشاركة وتشريعاتها، وليس الأداء؛ إذ إنّ الأداء والتنظيمات والأشخاص يتغيرون بمرور الزمن، ولكن يبقى أصل مبدأ المشاركة، الذي ترى القوى الشيعية الإسلامية العراقية في المحافظة عليه واجباً مصيرياً ووجودياً. وقد مارست إيران ومرجعية النجف دوراً أساسياً في التأسيس لهذه المشاركة ودعمها والمحافظة عليها.

وترى النخبة الشيعية بأن فرصة السلطة بالنسبة لشيعة العراق ولعموم الشيعة العرب، هي فرصة تاريخية استثنائية، ينبغي الإمساك بها بكل قوة، وتثقيف المجتمع العراقي على ذلك، الى جانب التقويم والإصلاح والتصحيح على يد عناصر قوية أمينة من داخل النظام الاجتماعي الديني والسياسي الشيعي، وليس من خارجه، وليست متعارضة معه. وتراهن هذه النخبة على ظهور جيل جديد في العقود القادمة، يحقق الغايات والأهداف التي انتظرها شيعة العراق طوال (1350) عاماً، كما يحقق للعراق أمنه السياسي والمجتمعي، وتقدمه، ورفاه شعبه، بكل مكوناته، لأن نجاح التجربة الشيعية العراقية سينعكس إيجاباً على الشيعة في مختلف البلدان العربية.

    ج ـ سورية:

في سورية حدث انقلاب في موازين القوى الإقليمية والمحلية بعد شن الحرب على النظام السوري بعد العام 2011 من القوى الطائفية الإقليمية، ودخول سورية رسمياً في المحور الإيراني، أي انتقال العلاقة من حالة التحالف بين البلدين إلى حالة التبني الإيراني للنظام السوري، ومنع إيران سقوطه بكل الوسائل. وقد سمح هذا الواقع بتحول شيعة سورية إلى قوة سياسية وقتالية مؤثرة إلى جانب علويي سورية الحاكمين، الأمر الذي خلق واقعاً مذهبياً جديداً في النظام السياسي، دفع بعض شيعة سورية إلى مواقع متقدمة في القوات المسلحة والحكومة والمؤسسة الدينية.

    ح ـ اليمن:

مثلما كان المنعطف العراقي بعد العام 2003 صادماً للتاريخ وللأنظمة والجماعات الطائفية؛ فإنّ ما حدث في اليمن من تحول سياسي كبير بعد العام 2015 من خلال سيطرة جماعة أنصار الله (الحوثيون) على العاصمة صنعاء والسلطة في اليمن؛ شكل منعطفاً صادماً هو الآخر. صحيح أنّ جماعة أنصار الله هي جماعة شيعية زيدية وليست اثنا عشـرية بالأساس؛ إلّا أنّ عوامل مختلفة، بينها التبني الإيراني للجماعة، وتصاعد نفوذ اليمنيين الشيعة الاثني عشرية داخل الجماعة، إضافة إلى العامل التاريخي الأساسي المتمثل بطائفية النظام السياسي في اليمن ودعمه للجماعات الوهابية ضد الشيعة الزيدية، وتدخل النظام السعودي المباشر لدعم تحركات النظام والقبائل والجماعات الوهابية المسلحة للقضاء على حراك الزيديين؛ دفع القادة الزيديين للتحالف مع الاثني عشرية وإيران وبعض القوى الشيعية العراقية واللبنانية؛ مما أعطى دفعاً قوياً للواقع الشيعي في اليمن ومشاركة عناصره في مراكز القرار السياسي والعسكري.

هذه التجارب الست المهمة للقوى السياسية الشيعية، في لبنان وآذربيجان وأفغانستان والعراق وسورية واليمن، والتي أخرجت أنظمة هذه البلدان من معسكر الأنظمة الطائفية الموغلة في تهميش الشيعة وقمعهم، إلى معسكر الأنظمة السياسية المحايدة مذهبياً؛ قلبت موازين المعادلة الطائفية السياسية في منطقة الشرق الأوسط، وتحولت إلى مصدر رئيس لقوة النظام الاجتماعي الديني الشيعي. هذا الانقلاب في المعادلة الطائفية السياسية؛ دفع الأنظمة الطائفية في المنطقة والجماعات الطائفية المحلية، إلى شن حروب شاملة ضد تجارب المشاركة الشيعية هذه، وضد القوى السياسية الشيعية التي تتصدرها، وضد إيران الداعمة لها، بمختلف الذرائع الطائفية والسياسية والدعائية، وصولاً إلى دفع الجماعات التكفيرية والقومية المسلحة للقيام بأعمال العنف والتفجير المروعة، فضلاً عن التخريب السياسي والتشويه الإعلامي.

11 ـ التنظيمات السياسية:

ونقصد بها الجماعات السياسية المنظمة التي تحمل مشروعاً إسلامياً شيعياً أو هماً شيعياً سياسياً واجتماعياً، وتنسجم مع الخط العام للنظام الاجتماعي الديني الشيعي، وليست الجماعات التي يكون عناصرها من الشيعة وحسب؛ فهناك ـ مثلاً ـ أحزاب ذات إيديولوجيات علمانية أو أهداف سياسية سلطوية محضة، ويشغل الشيعة فيها أكثرية عددية، كما هو الحال مع كثير من الأحزاب الإيرانية والعراقية والآذربيجانية القومية والشيوعية، لكنها بعيدة عن المشروع الديني الاجتماعي السياسي الشيعي وهموم الاجتماع الديني الشيعي. هذه الأحزاب لا تمثل عنصر قوة للنظام الاجتماعي الديني الشيعي؛ بل لعل بعضها يشكل خطراً على هذا النظام.

لقد التحق التيار الديني الشيعي بركب العمل التنظيمي والحزبي في وقت متأخر، رغم أنّه يمثل الوجود الاجتماعي الأقوى في بعض البلدان، أو وجوداً مهماً وفاعلاً في بلدان أُخر. وقد سبقته التيارات الدينية السنية والعلمانية في تأسيس أحزاب وتنظيمات فاعلة، تمكنت من تعزيز الحضور الايديوبولوجي والسياسي لتلك التيارات في الاجتماع السياسي والديني والثقافي ومؤسسات الدولة في مختلف البلدان العربية والإسلامية. وكان التياران الدينيان الشيعيان العراقي والإيراني، السباقين للنزوع نحو العمل التنظيمي. ففي العقدين الأول والثاني من القرن العشرين الميلادي، وبالتزامن مع ثورة المشـروطة في إيران والمقاومة العراقية ضد الاحتلال البريطاني، أسس التيار الديني الشيعي في البلدين عدداً من الأحزاب والجمعيات السياسية والدعوية والجهادية، لكنها لم تكن أحزاباً بالمفهوم الحديث للأحزاب، بل ردود أفعال آنية على الأحداث السياسية، وسرعان ما انهارت مع زوال الأحداث وآثارها. كما تكررت التجارب التنظيمية في أربعينات وخمسينات القرن الماضي في البلدين المذكورين([12])، إضافة إلى ظهور تجارب فتية في البحرين وباكستان والهند، ولم تكن بأفضل من سابقاتها.

وحصلت النقلة الكبيرة مع تأسيس حزب الدعوة الإسلامية في العراق في العام 1957، انطلاقاً من الحاضرة الدينية المركزية للشيعة، النجف الأشرف، وكان في مقدمة مؤسسيه الإمام السيد محمد باقر الصدر. وانتشر الحزب خلال أقل من عقدين في أغلب بلدان الحضور الشيعي، وخاصة لبنان وإيران والبحرين والكويت وأفغانستان وباكستان والهند والإمارات العربية وعمان وسورية وأُوربا وأمريكا، وظل حتى العام 1979 العنوان الحزبي الشيعي العالمي الوحيد في أغلب بلدان التواجد الشيعي([13]).

وبرغم أنّ جماعات إسلامية شيعية تأسست قبل حزب الدعوة، إلّا أنّها لم تكن أحزاباً بقدر ما كانت جمعيات ثقافية، كما هو الحال مع حركة الشباب المسلم ومنظمة المسلمين العقائديين في العراق اللذان أسسهما الشيخ عز الدين الجزائري، أو منظمات جهادية كما هو الحال مع منظمة «فدائيان إسلام» في إيران بقيادة السيد مجتبى نواب صفوي. وأعقب تأسيس حزب الدعوة، ظهور تنظيمات كثيرة في إيران، مثل «حزب ملل إسلامي» بقيادة السيد محمد الموسوي البجنوردي و«الجمعيات المؤتلفة» بقيادة مهدي عراقي، ثم نهضت آزادي (حركة الحرية) بقيادة مهدي بازرگان، وجماعة علماء طهران المجاهدين بقيادة الشيخ محمد رضا مهدوي كني.

كما ظهرت في لبنان حركة المحرومين وواجهتها العسكرية حركة «أمل» بقيادة السيد موسى الصدر. وانطلاقاً من العراق، تحرك تنظيم التيار الشيرازي لينتشر في بعض بلدان الحضور الشيعي، والذي حمل اسم منظمة العمل الإسلامي فيما بعد. كما تأسس في أفغانستان تنظيم الحركة الإسلامية بقيادة الشيخ محمد أصف محسني.

وقد شهد العمل التنظيمي الإسلامي الشيعي ثورة كبيرة، على المستويين النوعي والكمي، بالتزامن مع تأسيس الجمهورية الإسلامية في إيران في العام 1979، ويمكن أن نعدها الموجة الثانية، فقد تأسست في إيران أحزاب إسلامية جديدة كثيرة، أهمها حزب الجمهورية الإسلامية بقيادة السيد محمد حسين بهشتي والسيد علي الخامنئي، والذي تحول بعد العام 1981 إلى الحزب الحاكم في إيران حتى تم حله في العام 1987، بسبب الخلافات بين أجنحته الرئيسة الثلاث، والتي عرفت ـ فيما بعد ـ باليسار الإسلامي (الإصلاحيين)، واليمين الإسلامي (المحافظين أو الأُصوليين)، والوسط (المعتدلين).

وفي السنوات اللاحقة، تحالف جناح اليسار في حزب الجمهورية الإسلامية مع جناح اليسار في «منظمة مجاهدي الثورة الإسلامية» التي تصدّى لقيادتها محمد سلامي بعد إعادة تأسيسها في العام 1991، مع «مجمع العلماء المجاهدين» بقيادة الشيخ مهدي كروبي والسيد محمد خاتمي، والذي يمثل جناح اليسار المنشق عن جماعة علماء طهران المجاهدين. وكوّنت تحالفات أجنحة اليسار في الأحزاب والجماعات الإسلامية الإيرانية، جبهة سياسية عريضة، أطلقت عليها اسم «جبهة الإصلاحيين»، ثم دخل جناح الوسط بقيادة الشيخ أكبر هاشمي رفسنجاني في تحالف أيضاً مع جبهة الإصلاحيين، وخاضا أغلب الانتخابات المحلية والبرلمانية والرئاسية في قوائم مشتركة، وشكلا معاً أكثر من حكومة ائتلافية. بينما تحالف جناح المحافظين في حزب الجمهورية الإسلامية ـ بعد حله ـ مع الجناح الأُصولي في منظمة مجاهدي الثورة الإسلامية بعد خروج عناصره من المنظمة والتفرغ للمواقع القيادية في حرس الثورة الإسلامية، مع جماعة علماء طهران المجاهدين بعد خروج جناح اليسار الإسلامي منها، وكوّنت جبهة سياسية كبيرة عرفت بــ «جبهة الأُصوليين». ودخلت جبهتا الإصلاحيين (اليسار) والأُصوليين (المحافظين) في منافسات سياسية شديدة، منذ العام 1992، وحقق كل منهما انتصارات انتخابية متكافئة تقريباً على مستوى الانتخابات الرئاسية والبرلمانية والمحلية. ولكن ظلت كفة الإصلاحيين هي الأرجح في الانتخابات الرئاسية غالباً؛ إذ شكلوا جميع الحكومات الإيرانية منذ العام 1992، عدا دورتين فقط، بينما كانت كفة الأُصوليين هي الأرجح في الانتخابات البرلمانية، واحتفظوا برئاسة البرلمان منذ العام 1992 وحتى الآن([14]).

كما تأسست في أغلب بلدان الحضور الشيعي أحزاب وتنظيمات إسلامية سياسية فاعلة، مثل «حركة تطبيق الفقه الجعفري» في باكستان في العام 1979 بقيادة السيد جعفر حسين ثم السيد عارف الحسيني، و«المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق» في العام 1982، والذي تزعمه السيد محمد باقر الحكيم منذ العام 1986، و«حزب الله» في لبنان في العام 1982، والذي يتزعمه السيد حسن نصر الله منذ العام 1992، والذي حقق لشيعة لبنان ـ إلى جانب «حركة أمل» برئاسة نبيه بري ـ حضوراً سياسياً واجتماعياً وثقافياً واقتصادياً غير مسبوق([15]). وتأسست في الكويت والبحرين والسعودية تنظيمات حملت اسم «حزب الله»، لكنها لم تستمر بسبب القمع الذي واجهته في هذه البلدان.

كما دفع الاحتلال السوفيتي لأفغانستان شيعة البلاد لتأسيس أحزاب كثيرة، حمل أغلبها الطابع الجهادي، وقد حلت تسعة من هذه الأحزاب نفسها في حزب كبير واحد في العام 1989، حمل اسم «حزب الوحدة الإسلامية» بقيادة الشيخ عبد العلي مزاري. وبعد سقوط الاتحاد السوفيتي واستقلال آذربيجان تأسس عدد من الأحزاب الشيعية، أهمها «الحزب الإسلامي» في العام 1991 بقيادة علي إكرام علييف، والذي ظل يتعرض للقمع من النظام العلماني ذي الجذور الشيوعية. كما تأسست «حركة الوفاق الوطني الإسلامية» في البحرين بقيادة الشيخ علي سلمان في العام 2001، وحققت انجازات سياسية مهمة على صعيد حقوق الأكثرية السكانية الشيعية (70 % من عدد سكان البحرين).

وظهرت الموجة الثالثة لتأسيس الأحزاب الإسلامية الشيعية بعد قيام الدولة العراقية الجديدة في العام 2003، وكان أهمها الأحزاب التي انبثقت عن التيار الجماهيري الذي أوجده السيد محمد الصدر، وأبرزها التيار الصدري الذي يقوده السيد مقتدى الصدر، وحزب الفضيلة برعاية الشيخ محمد اليعقوبي، وعصائب أهل الحق بزعامة قيس الخزعلي. كما تحولت قوات بدر في هذه الفترة إلى تنظيم سياسي حمل اسم منظمة بدر بقيادة هادي العامري. ودخلت هذه الأحزاب في الدورات الانتخابية الأُولى والثانية في ائتلاف موحد، وحصلت على الأغلبية البرلمانية، محققة بذلك فوزاً تاريخياً ساحقاً للشيعة وتيارهم الديني. وأبرز الأحزاب السياسية الشيعية المشاركة في قيادة الدولة العراقية وحكومتها في المرحلة الحالية: حزب الدعوة الإسلامية الذي يتزعمه نوري المالكي، والذي تسلم ثلاثة من قادته رئاسة الحكومة العراقية لأربع دورات (2005 ـ 2018)، والتيار الصدري الذي يقوده السيد مقتدی الصدر، والمجلس الأعلى الإسلامي العراقي الذي قاده السيد عبد العزيز الحكيم ويقوده الآن الشيخ همام حمودي، وتيار الحكمة الذي يقوده السيد عمار الحكيم، ومنظمة بدر التي يقودها هادي العامري.

وقد شكّل تأسيس الأحزاب والتنظيمات الشيعية اللصيقة بهموم الاجتماع الديني الشيعي، والملتزمة بثوابته وقيادته المرجعية، عنصـر قوة كبير للنظام الاجتماعي الديني الشيعي منذ بروز ظاهرتها الحديثة في خمسينات القرن الماضي، ولعبت مسيراتها الثقافية والسياسية والنضالية دوراً أساسياً في الدفاع عن الحقوق والحريات التي سلبتها الأنظمة الطائفية من الإنسان الشيعي. ولذلك؛ ظلت هذه الأحزاب وعناصرها عرضة لكل أنواع البطش والقمع والقتل والتشويه من السلطات الطائفية والعلمانية في بلدان الحضور الشيعي، ولعل مراجعة بسيطة لما تعرضت له الأحزاب الإسلامية الشيعية في إيران (الشاه) والعراق والبحرين ولبنان وأفغانستان وآذربيجان وباكستان؛ تكشف عن حجم التضحيات الجسام لهذه الأحزاب الشيعية وهي تحاول انتزاع الحقوق الإنسانية والمذهبية لمجتمعاتها.

12 ـ جماعات المقاومة:

ظهرت الفصائل الإسلامية الشيعية الثورية المسلحة في التاريخ الحديث والمعاصر، بالتزامن مع موجات الاحتلال الغربي للبلدان الإسلامية، وانطلاق الحركات التحررية المضادة له، وكانت بداياتها في الهند خلال القرن التاسع عشر الميلادي ضد الاحتلال البريطاني، ثم في إيران ضد النفوذ البريطاني والروسي وضد الاستبداد الشاهنشاهي في مطلع القرن العشـرين الميلادي، وكان الفصيلان الأبرز «نهضة الغابات» بقيادة الشيخ ميرزا كوجك خان في شمال إيران، وحركة رئيس علي دلواري في جنوب إيران، فضلاً عن الجماعات المسلحة التي ظهرت خلال ثورة المشروطة وما بعدها([16]).

وفي الفترة ذاتها كانت هناك حركات مسلحة تستهدف الاحتلال التركي العثماني في العراق، ثم الاحتلال البريطاني، وأهمها الفصيل الذي قاده السيد محمد سعيد الحبوبي في العام 1914، وأعقبه تأسيس حزب النجف السـري، والجمعية الإسلامية في كربلاء، وحركة النهضة الإسلامية في النجف، التي مهدت لثورة النجف ثم ثورة العشرين الجماهيرية المسلحة. وكانت عشائر العراق الشيعية ـ هي الأُخرى ـ عبارة عن فصائل مسلحة تأتمر بفتاوى المرجعية الدينية وتوجيهاتها في التحرك الثوري المسلح ضد الاحتلال التركي ثم البريطاني([17]).

كما ظهرت في العقود الثلاثة الأُولى من القرن الماضي فصائل شيعية مسلحة ضد الاحتلال الروسي ثم السوفيتي في آذربيجان وبعض مناطق القوقاز. وكذلك ضد الاحتلال الفرنسي في لبنان وسورية في أربعينات القرن العشرين.

وشهد عقد الخمسينات والستينات من القرن العشـرين ظهور عدد من الجماعات الشيعية المسلحة في كشمير ضد الاحتلال الهندي، وكذا في إيران ضد الاستبداد الشاهنشاهي، وكان أهمها «منظمة فدائيان إسلام»، والجناح العسكري في «حزب ملل إسلامي». وأعقبها بعد عقدين تقريباً ظهور «أفواج المقاومة اللبنانية» (أمل) في العام 1975. وكان خلالها حزب الدعوة الإسلامية يعمل على إنشاء وتنمية أجنحته العسكرية في لبنان والعراق. ثم ظهرت مجموعات مسلحة كثيرة في إيران بالتزامن مع اندلاع الثورة الإسلامية، كان أهمها المجموعات السبع التي توحدت فيما بعد تحت اسم «منظمة مجاهدي الثورة الإسلامية».

وشهدت مرحلة ما بعد العام 1979 منعطفاً تاريخياً في مسار العمل الإسلامي الشيعي المسلح، بالتزامن مع سبعة أحداث كبيرة، هي:

  • تأسيس الجمهورية الإسلامية في إيران وإجراءات حمايتها.
  • القمع الشديد الذي تصاعد ضد الحالة الدينية في العراق من قبل النظام البعثي.
  • الاجتياح العسكري السوفيتي لأفغانستان.
  • الحرب العراقية الإيرانية.
  • الاعتداءات الإسرائيلية على لبنان وصولاً إلى اجتياحه.
  • نشاط الجماعات الوهابية التكفيرية ضد شيعة باكستان والهند.
  • الحراك الجماهيري والمسلح الجديد ضد الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين.

هذه الانعطافات السبع عجّلت في ظهور المزيد من الفصائل المسلحة التي تهدف إلى الدفاع عن بلدان الحضور الشيعي وحماية شيعة هذه البلدان من حملات القمع والاجتثاث. وكان أبرز هذه الفصائل التي ظهرت في هذه الفترة: «حرس الثورة الإسلامية» في إيران في العام 1979، وعدد من الفصائل العراقية في العام نفسه، أهمها: «قوات الشهيد الصدر» التابعة لحزب الدعوة والجناح العسكري لمنظمة العمل الإسلامي، و«حركة المجاهدين العراقيين»، ثم «قوات بدر» في العام 1985.

كما تأسس عدد من المنظمات المسلحة في أفغانستان في العام 1980، أبرزها: «منظمة نصر» و«حراس الجهاد الإسلامي» والجناحان العسكريان للحركة الإسلامية (آصف محسني) وحزب الدعوة، ثم توحدت جميعها في الجناح العسكري لحزب الوحدة الإسلامية في العام 1989.

وكذلك لعبت «قوات الإمام علي» في باكستان في ثمانينات القرن الميلادي الماضي دوراً في حماية الشيعة من الهجمات الإرهابية المتكررة للجماعات الوهابية المسلحة.

وفي لبنان، تأسست «قوات الصف» التابعة لحزب الدعوة في لبنان في العام 1976 والجناح العسكري لحزب الله في لبنان في العام 1982، وقد حلّت «قوات الصف» نفسها بعد حل تنظيم حزب الدعوة اللبناني نفسه، واندمجت في الجناح العسكري لحزب الله، وبات هذا الجناح مع الجناح العسكري لحركة أمل القوتان العسكريتان الإيديولوجيتان الشيعيتان الوحيدتان في لبنان.

كما ظهرت في فلسطين «حركة الجهاد الإسلامي»، وهي تنظيم إيديولوجي مسلح يضم خليطاً مذهبياً سنياً شيعياً، وقد أسسها الدكتور فتحي الشقاقي في العام 1981.

وفي آذربيجان أيضاً، ظهرت فصائل شيعية مسلحة حاربت إلى جانب الجيش الآذربيجاني في العام 1992 لانتزاع المناطق الآذربيجانية المحتلة من أرمينيا، أبرزها الجناح العسكري للحزب الإسلامي.

وشهدت الموجة الثالثة التي تزامنت مع الاحتلال الأمريكي للعراق وسقوط النظام البعثي في العام 2003، وتصاعد حدة استهداف الشيعة في العراق من الجماعات الوهابية التكفيرية، وخاصة تنظيم القاعدة وتنظيم داعش، ثم الحرب الداخلية والإقليمية ضد النظام السوري؛ ظهور عدد كبير من الفصائل الشيعية المسلحة، أهمها في العراق: «جيش المهدي» و«سرايا السلام» التابعين للتيار الصدري و«عصائب أهل الحق» و«كتائب حزب الله» و«حركة النجباء» و«سرايا عاشوراء» و«كتائب جند الإمام» و«فرقة العباس» و«فرقة الإمام علي»، والتي توحّد أغلبها في هيئة الحشد الشعبي، وهي هيئة حكومية رسمية، لعبت دوراً رئيساً في مواجهة تنظيم  داعش الوهابي، وتحرير الأراضي العراقية التي احتلها بعد العام 2013.

أمّا في اليمن، فقد نهض الشيعة الزيدية والاثنا عشـرية منذ العام 2004 بعمل جماهيري مسلح كبير، دفاعاً عن وجودهم واسترجاعاً لحقوقهم، وقد حمل هذه العمل اسم «حركة الشباب المؤمن» ثم «حركة أنصار الله» فيما بعد، وتمکّن جيش الحركة بعد العام 2014 من القيام بثورة أطاحت بالنظام والسيطرة على العاصمة وإقامة نظام تشاركي جديد.

وفي سورية، تأسست ـ خلال الحرب الداخلية والإقليمية ضد نظامها في العام 2011 ـ «قوات الدفاع الوطني» السورية، وهي قوات رسمية وطنية مكونة من الشيعة السوريين فقط. وقاتلت إلى جانبها قوات «زينبيون» الباكستانية وقوات «فاطميون» الأفغانستانية، فضلاً عن بعض الفصائل العراقية واللبنانية، وقد حققت ـ إلى جانب بعضها ـ انجازات عسكرية كبيرة على الأرض ضد الجماعات الطائفية والتكفيرية، وكانت أحد أهم الأسباب التي حالت دون سقوط العاصمة دمشق بيدها.

كما ظهرت في فلسطين «حركة الصابرين» بوصفها فصيلاً شيعياً إيديولوجياً مقاوماً في العام 2014 بعد انشقاقها من حركة الجهاد الإسلامي، وبات لها وجود ثقافي وعسكري ملحوظ.

ويمكن القول: إنّ أهم خمس قوات مسلحة منتمية إلى الواقع الإسلامي الشيعي في الحال الحاضر، هي:

1 ـ «قوات حرس الثورة الإسلامية» في إيران، وهي قوات مسلحة حكومية رسمية، يصل عديدها إلى حوالي (550) ألف عسكري، إضافة إلى قوات المتطوعين (البسيج) البالغ عددهم (15) مليون شخص. وتشكل «قوات القدس» المعنية بالشأن الخارجي جزءاً أساسياً من تشكيلات قوات حرس الثورة.

2 ـ قوات «الحشد الشعبي» في العراق، وهو جزء رسمي من القوات المسلحة العراقية، ويبلغ عديدها الرسمي حوالي (130) ألف عسكري، إضافة إلى قوات الاحتياط والمتطوعين الذين يقارب عددهم (500) ألف شخص. ورغم وجود فصائل سنية ومسيحية عاملة في إطار الحشد الشعبي؛ إلّا أنّ البنية العقدية للحشد وكتلته البشرية الأساسية تنتميان إلى الاجتماع الديني الشيعي.

3 ـ «قوات الدفاع الوطني» في سورية، وتتكون من متطوعين شيعة سوريين، يقارب عددهم (25) ألف عسكري، وتعمل بشكل رسمي إلى جانب القوات المسلحة الحكومية.

4 ـ الجناح العسكري لحزب الله في لبنان، وهو حزب مشارك في الحكومة، ويبلغ عدد قواته حوالي (30) ألف مسلح، إضافة إلى (50) ألف احتياط.

5 ـ الجناح العسكري لحزب الوحدة في أفغانستان، وهو حزب مشارك في الحكومة، ويبلغ عدد قواته الرسمية والاحتياط حوالي (50) ألف مسلح.

6 ـ القوات المسلحة لأنصار الله في اليمن، وهي خليط مذهبي شيعي (زيدي ـ اثنا عشري)، يقدر عدده (400) ألف مسلح.

وتحظى أغلب الفصائل التي ظهرت خلال الموجتين الثانية والثالثة، بدعم «فيلق القدس» الذي كان يقوده الجنرال الإيراني قاسم سليماني، قبل اغتياله على يد القوات الأمريكية في مطلع العام 2020، وهي قوات تابعة لحرس الثورة الإسلامية في إيران.

ويظهر من خلال دوافع تأسيس الفصائل المسلحة الإسلامية الشيعية المذكورة، ومسارات حراكها وأدائها؛ أنّها حركات دفاعية تقاوم محتلاً خارجياً أو مستبداً قمعياً داخلياً، وليست جماعات طائفية مهاجمة، تحمل السلاح لتصفية حسابات داخلية أو لحسم خصومات سياسية. وبما أنّ سلاح هذه الفصائل يلعب دوراً أساسياً في حماية بلدان الحضور الشيعي والمجتمعات الشيعية، من التهديدات المتواصلة للخصوم، سواء كانوا دول احتلال أو أنظمة قمعية أو جماعات سياسية طائفية، ويحافظ على منجزات الشيعة السياسية التاريخية التي حققوها خلال العقود الأربعة الأخيرة؛ فإنّ الدعوات من هؤلاء الخصوم ظلت تتصاعد باطراد، لضرب هذه الفصائل وحلها ونزع سلاحها، تحت مختلف الذرائع، وفي مقدمتها الإرهاب، من أجل القضاء على أحد أهم عناصر قوة الردع والدفاع عن النظام الاجتماعي الديني الشيعي وحماية قواعده البشرية، وإعادة الشيعة إلى عصور الاجتثاث والقمع والتشريد والمقابر الجماعية. والحال، أنّ هذه الفصائل وحواضنها الاجتماعية هي خط المواجهة الأول ضد مصادر الإرهاب، سواء المتمثل بإرهاب الاحتلال والاستكبار أو إرهاب الدولة أو إرهاب الجماعات العنصرية والتكفيرية.

رهانات ضرب عناصر قوة الشيعة

لقد تنبّه المؤسسون الثمانية للنظام الاجتماعي الديني الشيعي في عصر الغيبة، وغيرهم من الفقهاء والزعماء الدينيين والسياسيين والعسكريين الشيعة، عبر مئات السنين، إلى أهمية عناصر القوة الشيعية الواقعية، وانشغلوا بتأصيلها وتطويرها وتنميتها، إلى جانب تقوية البعد النظري، العلمي والفقهي والفكري لمدرسة آل البيت؛ فكانت عبقرية هؤلاء الزعماء تعمل على خطين متكاملين: الخط النظري والخط الواقعي الميداني، وهو ما نشاهد نتائجه اليوم. ولولا هذا العمل التكاملي، لما تمكن الشيعة من البقاء، ولما وصل عددهم اليوم إلى أكثر من (400) مليون نسمة، منتشـرين في أغلب دول العالم؛ لأنّ شدة حملات الإقصاء والقتل والتشريد والقمع والاضطهاد، طوال 1380 عاماً، كان من شأنها القضاء على أي مذهب وجماعة دينية، مهما كان حجم قوتهما النظرية.

وفي الوقت نفسه، كان خصوم النظام الشيعي المتمثلون في الإيديولوجيات المذهبية الإقصائية والأنظمة السياسية الطائفية والقوى الاستعمارية العالمية ووسائل الإعلام والدعاية المعادية والجماعات المسلحة، منذ اللحظة الأُولى لنشوء عناصر القوة الواقعية هذه، وحتى الآن؛ يخططون ويعملون بكل جدية، من أجل تدمير عناصر القوة الشيعية الواقعية، وتمزيقها وتشويهها؛ بهدف إفراغ المذهب الشيعي ونظامه الاجتماعي من عناصر القوة والمناعة.

وهكذا لا يزال الصـراع الوجودي قائماً بين النظام الاجتماعي الديني الشيعي وخصومه الطائفيين والاستكباريين، ولكل منهما أهدافه ووسائله؛ فبينما يهدف النظام الاجتماعي الديني الشيعي إلى المحافظة على نفسه وأبنائه، وعلى عقيدته وشعائره وطقوسه، وعلى عناصر قوته وبقائه، فإنّ الخصوم يهدفون إلى تدمير هذا النظام وتمزيقه.

وفضلاً عن الوسائل الخارجية التي يستخدمها خصوم الشيعة في ضرب التشيع ونظامه الاجتماعي الديني؛ فإنّهم يستخدمون أيضاً عناصر داخلية من الشيعة أنفسهم، ويحركونها بشكل مباشر، عبر شراء ذممها وتشغيلها كعملاء ومرتزقة، أو بشكل غير مباشر، دون أن تشعر بأنّ من يحركها ويرسم لها مساراتها في تمزيق الواقع الشيعي، خصمٌ خارجي.

وبصرف النظر عن الخلاف في وجهات النظر حول بعض عناصر قوة الشيعة الواقعية المذكورة، والخلل والخطأ في أدائها أحياناً، والجدل حول اتهامات القصور والتقصير التي تتوجه إليها، وبصرف النظر أيضاً عن المواقف الشخصية والنفسية والعاطفية تجاهها؛ فإنّها ـ دون أدنى شك ـ تمثل عناصر قوة حقيقية للمذهب الشيعي ونظامه الاجتماعي الديني. ولذلك، فإنّ جزءاً من الحرب ضد الشيعة هو تضخيم خصومهم لمؤشرات الخلل والخطأ في بعض هذه العناصر، وخلق الصراعات والخلافات الداخلية، وإقناع بعض الشيعة بالعمل ضد هذه العناصر، وهو مكمن الخطر الأكبر؛ لأنّ الخصوم الداخليين، المرتبطين ارتباطاً مباشراً أو غير مباشر بالخصم الخارجي، هم الأكثر تشدداً واندفاعاً ضد الواقع الشيعي العام في عملية الصراع بين الشيعة وخصومهم، وكأنهم يمثلون الوجه الداخلي الآخر لسلطة آل أُمية وجيش صلاح الدين الأيوبي والدولة العثمانية والمذهب السعودي الوهابي وحزب البعث ومنظمة القاعدة وتنظيم داعش الوهابي وسياسات أمريكا وبريطانيا.

وتزداد أهمية تقويم عناصر القوة الاثني عشر المذكورة، وإصلاحها وممارسة واجب النصيحة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر معها، إلى جانب واجب دعمها وإسنادها وعدم تضعيفها؛ كلما ازداد تأثيرها وحضورها في الواقع الشيعي، وكلما ازداد الخلل في أدائها، دون أن تتحول تمظهرات الواجبين إلى ولاء عاطفي أعمى غير واعٍ، أو خصومة تهريجية مخربة.

 

([1]) راجع الفصل الثالث من هذا الکتاب.

([2]) أُنظر في مجال التمهيد الإيجابي: الشيخ عبد الهادي الفضلي، «في انتظار الإمام». ولعل من أهم الركائز الفكرية لنهضة الإمام الخميني ودولته ركيزة التمهيد الإيجابي لظهور الإمام المهدي، ويتجلى ذلك في خطابه الفقهي وسلوكه السياسي وكلماته.

([3]) تُعدّ الجمهورية الإسلامية الإيرانية التي أسسها الإمام الخميني أول دولة في التاريخ تقوم في دستورها ونظامها السياسي وسلطاتها على مبدأ حكومة الفقيه العامة.

([4]) ومن ذلك التأكيد المؤسسي على مشروع الوحدة الإسلامية والتقريب بين المذاهب والاهتمام العملي بقضايا المسلمين العامة، كالقضية الفلسطينية وقضايا مسلمي شرق آسيا وشرق أوربا، كقضية البوسنة وغيرها.

([5]) للقضاء على بعض السلوكيات السلبية في إدارة المال الشرعي، يطرح كثير من الفقهاء حل العودة إلى مبدأ وحدة بيت المال، بالشكل الذي أشار الإمام الخميني في مؤلفاته وخطبه ورسائله، ومنها موضوع الأحكام المالية في دروسه في (ولاية الفقيه) كتاب «الحكومة الإسلامية»، ص29 ـ 31، وكتاب «البيع»، مبحث الخمس، ج2. وأشار إليها الشهيد الصدر في مؤلفاته، ولا سيما «اقتصادنا» و«الإسلام يقود الحياة» في البحثين الثاني والثالث حول اقتصاد المجتمع الإسلامي. وبحث هذا الموضوع بكثير من التفصيل الشيخ المنتظري في موسوعته الفقهية «دراسات في ولاية الفقيه وفقه الدولة الإسلامية». أُنظر في هذا المجال أيضاً: دراسة للشيخ محمد علي التسخيري تحت عنوان: «الولاية على الحقوق الشرعية»، مجلة التوحيد، العدد 63، كانون الثاني ـ شباط 1993، ص87 ـ 96.

([6]) أُنظر: علي المؤمن، «سنوات الجمر: مسيرة الحركة الإسلامية في العراق»، الفصلان الثالث والرابع.

([7]) من أهم الهجرات الجماعية الأُولى، هجرة قبيلة الأشعريين إلى منطقة قم في نهايات القرن الهجري الأول، وهم من الشيعة الكوفيين العراقيين، وقد قاموا بتأسيس مدينة قم، وتحويلها إلى حاضرة علمية دينية اجتماعية شيعية. وكذلك الهجرات الجماعية في العصرين الأُموي والعباسي، إلى خراسان وري (طهران) وسبزوار وطبرستان (آمل) والأهواز وشيراز وتبريز، حيث أقاموا في هذه المناطق مراكز اجتماعية دينية شيعية مهمة، تحولت بالتدريج إلى مراكز إشعاع لنشر التشيع في كل إيران. وكان عدد كبير من المهاجرين من السادة العلويين من أحفاد الإمامين الحسن والحسين. ولعل الهروب من ماكنة الاضطهاد والقتل الأُموية والعباسية هو السبب الأساس لهذه الهجرات.

([8]) أُنظر: الشيخ محمدجواد مغنية، «الشيعة في الميزان»، ص 135ـ137. عبد الرحمن ابن خلدون، تاريخ ابن خلدون «العبر وديوان المبتدأ والخبر»، ج3 ص356. مهدي جواد حسيب، «الدولة العلوية في طبرستان» (رسالة ماجستير).

([9]) أُنظر: الندوة التلفزيونية في قناة السعودية:

www. facebook. com/alialmomen644/posts/1503027039736910

([10]) الميديّون من الشعوب الآرية النازحة من آسيا الوسطى إلى غرب إيران، وهم أجداد الكُرد والآذريين. أما الترك فهم من القوميات الطورانية النازحة من غرب الصين.

([11]) أُنظر: علي المؤمن، «صدمة التاريخ: العراق من حكم السلطة إلى حكم المعارضة»، ص10 ـ 18.

([12]) علي المؤمن، «سنوات الجمر»، ص15 ـ 28.

([13]) أُنظر: المصدر السابق، الفصل الأول. وعلي المؤمن، «جدليات الدعوة»، الفصل الرابع.

([14]) أُنظر: دارابي، الدكتور علي، «التيارات السياسية في إيران».

([15]) أُنظر: الشيخ نعيم قاسم، «حزب الله: المنهج، التجربة، المستقبل».

([16]) د. جلال الدين مدني، «تاريخ إيران السياسي المعاصر»، ج1، ص183 ـ 223. ود. آمل السبكي، «تاريخ إيران بين ثورتين»، ص58 ـ 76.

([17]) علي المؤمن، «سنوات الجمر»، ص15 ـ 28.

latest video

news via inbox

Nulla turp dis cursus. Integer liberos  euismod pretium faucibua

Leave A Comment