خصائص الثقافتين الحسينية واليزيدية

Last Updated: 2024/06/09By

 

خصائص الثقافتين الحسينية واليزيدية

د. علي المؤمن

قد يكون من الصعب في هذه الدراسة المختصرة، الحديث بالتفصيل عن خصائص الثقافتين (الحسينية واليزيدية)، فضلاً عن الإسهاب في معالم كل خصيصة، ولكن نتأمل في ثلاث من أبرز خصائصهما:

1 – العلاقة بالله (تعالى):

المدرسة الحسينية هي مدرسة الحب والعشق الإلهيين. فالحسين(ع) وهو في ذروة المحنة، حين يقف وحيداً في عرصات كربلاء مثخناً بالجراح، والخيل تدوس صدره، يجسد أروع مشاهد وآيات العرفان والحب، وهو يقول: «بسم الله وبالله وعلى ملة رسول الله، إلهي إنك تعلم أنهم يقتلون رجلاً ليس على وجه الأرض ابن بنت نبي غيره، هوّن علي ما نزل بي أنه بعين الله»(1). كما إن مراسيم الصلاة التي أقامها في ظهيرة عاشوراء والجيش الأموي يحيط به من كل جانب، ويرميه بالسهام والرماح، إنما تشير إلى عمق صلته بالله تعالى. وهناك أبيات من الشعر قيلت على لسانه(ع) وهو يودع الحياة في واقعة الطف، مخاطباً خالقه تعالى:

«تركت الخلق طراً في هواكا                 وأيتمت العيال لكي أراكا

فلو قطّعتني في الحب إربا                           لما مال الفؤاد إلى سواكا»

وكان الإمام الحسين(ع) يردد هذا الدعاء في الشدة والفرج: «اللهم ارزقني الرغبة في الآخرة، حتى أعرف صدق ذلك في قلبي بالزهادة مني في دنياي. اللهم ارزقني بصراً في أمر الآخرة حتى أطلب الحسنات شوقاً، وأفر من السيئات خوفاً»(2).

وأبناء ثقافة عاشوراء من أصحاب الحسين(ع) جسدوا أروع مشاهد القرب من الله تعالى، فالمؤرخون يصفونهم في ليلة عاشوراء بأنهم كانوا «مقبلين على الله بكل مشاعرهم وأفكارهم، فهم بين راكع وساجد، قائم وقاعد، وبين تال للقرآن ومستغفر، ولهم دوي كدوي النحل»(3).

وأتباع هذه المدرسة ينتسبون إليها بدافع الإيمان بالله تعالى وقربهم منه؛ فبواعثهم عقائدية وأخروية، وجهادهم في صفوفها هو من أجل العقيدة والفكرة والرمز الشرعي. وهو ما يتضح من سلوكهم وأقوالهم قبل الواقعة وأثناءها. فالمعلّا (أحد أصحاب الحسين) ارتجز يوم عاشوارء بهذه الأبيات:

«أنا المعلّا حافظاّ لأجلي                    ديني على دين النبي وعلي

أرجو ثواب خالقي الأزلي                   ليختم الله بخيرٍ عملي»(4)

ويقول برير بن خضير الهمداني، مخاطباً الإمام الحسين(ع) قبل بدء القتال: «والله يا ابن رسول الله، لقد منّ الله بك علينا أن نقاتل بين يديك وتقطع فيك أعضاؤنا، ثم يكون جدك شفيعنا يوم القيامة»(5). ويعقبه نافع بن هلال الجملي يخاطب إمامه: «من نكث عهده، وخلع بيعته، فلن يضر إلّا نفسه، والله مغن عنه؛ فسر بنا راشداً معافى، مشرّقاً إن شئت أو مغرّباً، فوالله ما أشفقنا من قدر الله، ولا كرهنا لقاء ربنا»(6).

فنرى من خلال ذلك مقدار وضوح الرؤية العقائدية، والاستقرار النفسي المطلق لأتباع ثقافة عاشوراء، فذكر الله (تعالى) لا يزول من ألسنتهم، وهو في قلوبهم، يموتون في سبيله ومن أجل أهدافه.

وفي المقابل، نجد أن المدرسة اليزيدية تعبر عن مستوى سحيق جداً من الابتعاد عن الله تعالى، والذي يصل إلى حد الشرك والكفر. فيزيد (رمز المدرسة) اتخذ سلوكاً وتفكيراً هما الكفر بعينه. فيذكر المؤرخون أن مجموعة من وجهاء المدينة المنورة رجعوا من زيارة يزيد، فقالوا عنه: «إنا قدمنا من عند رجل ليس له دين، يشرب الخمر، ويعزف بالطنابير، ويضرب عنده القيان، ويلعب بالكلاب، ويسامر الحراب والفتيان»(7).

فهل يمكن إطلاق صفة الإسلام أو التوحيد على جريء يردد أبيات الشعر هذه بعد قتله الحسين؟:

ليت أشياخي ببدرٍ شهدوا                         جزع الخزرج من وقع الأسل

لو رأوه لا ستهلّوا فرحاً                             ثم قالوا يا يزيد لا تشل

لست من خندف إن لم أنتقم                      من بني أحمد ما كان فعل

لعبت هاشم بالملك فلا                             خبرُ جاء ولا وحيً نزل

قد أخذنا من علي ثأرنا                            وقتلنا الفارس الليث البطل

وقتلنا القرم من ساداتها                             وعدلناه ببدرٍ فاعتدل(8)

أما اختيار عمر بن سعد قتال الحسين(ع)، بعد أن مَنَّاهُ عبيد الله بن زياد إذا قتل الحسين(ع) وولاية الري، فهو يعبر باختياره عن ضحالة إيمانه، بل عن شركه بالله، وتشكيكه بما جاء به الرسول(ص). ويتضح ذلك من خلال الأبيات التي رددها:

«أأترك ملك الري والري منيتي                      أم ارجع مأثوماً بقتل حسين

يقولون إن الله خالق جنة                           ونار وتعذيب وغل يدين

فإن صدقوا فيما يقولون إنني                أتوب إلى الرحمن من سنتين

وإن كذبوا فزنا بدنيا عظيمة                 وملك عقيم دائم الحجلين»(9)

هذه الأبيات تجسد الواقع النفسي والعقيدي المنهار لمعظم أصحاب الثقافة اليزيدية، والفاصلة الشاسعة بينهم وبين الله تعالى وشرعته ودينه، وحقيقة دوافع انتسابهم لمدرستهم، والتي إما تكون إغراءً بالمال والجاه، أو خوفاً من الموت والفقر، وإما تكون انسجاماً مع مكامن الكفر والشرك والجاهلية والانحراف الفكري والسلوكي في أعماق أنفسهم.

فهذا شمر بن ذي الجوشن يقف بكله إلى جانب الباطل، ويمثله، مع علمه الكامل بالحق، كما هو الحال مع يزيد وعمر بن سعد. فعندما ركب الشمر صدر الحسين؛ يريد حز رأسه، دار بينهما الحوار التالي:

الإمام الحسين(ع) مخاطباً الشمر: أما تعرفني؟!

الشمر: بل أنت الحسين وأبوك المرتضى وأمك الزهراء وجدك المصطفى وجدتك خديجة الكبرى.

الإمام(ع): ويحك، إذا عرفتني فلم تقتلني؟

الشمر: أطلب بقتلك الجائزة من يزيد.

الإمام(ع): أيما أحب إليك، شفاعة رسول الله(ص) أم جائزة يزيد؟

الشمر: دانق من جائزة يزيد أحب إليّ منك ومن شفاعة جدك وأبيك.

وبعد أن كشف الشمر عن لثامه ورآه الإمام الحسين(ع)، قال: صدق جدي رسول الله(ص).

الإمام(ع): سمعته يقول لأبي، يا علي يقتل ولدك هذا أبرص أعور، له بوز كبوز الكلب وشعر كشعر الخنزير.

الشمر: يشبّهني جدك رسول الله بالكلاب!. والله لأذبحنك من القفا جزاءً لما شبّهني جدك.

ثم إن الشمر أكب الإمام الحسين(ع) على وجهه، وجعل يحز أوداجه بالسيف، وهو يقول:

أقتلك اليوم ونفسي تعلم                    علماً يقيناً ليس فيه مغرم

أن أباك خير من يكلّم                      بعد النبي المصطفى المعظم

أقتلك اليوم وسوف أندم                    وإن مثواي غداً جهنم(10)

وشمر بن ذي الجوشن يعبر هنا عن موقف الذين اشتركوا في الحرب ضد الحسين(ع). فحين توجه الإمام الحسين(ع) إلى جيش يزيد يحاججه، قائلاً: «يا ويلكم علام تقاتلونني؟!، على حق تركته، أم على سنّة غيّرتها، أم على شريعة بدّلتها؟!».

أجابوه: «بل نقاتلك بغضاً منا لأبيك وما فعل بأشياخنا يوم بدر وحنين»(11).

وذكر المؤرخون موقفاً آخر لشمر بن ذي الجوشن. فعندما دخل على يزيد بن معاوية وبيده رأس الإمام الحسين(ع) قال ليزيد:

«إملأ ركابي فضة أو ذهبا                   إني قتلت السيد المهذبا

قتلت خير الناس أماً وأباً                    وأكرم الناس جميعاً حسبا

سيد أهل الحرمين والورى                    ومن على الخلق معاً منتصبا»

فقال له يزيد: إذا علمت أنه خير الناس فلم قتلته؟!.

فأجابه الشمر: أطلب منك الجائزة(12).

وهذه العقلية السقيمة، يصفها أحد الهاشميين من الذين استشهدوا مع الحسين(ع)، وهو محمد بن عبد الله بن جعفر الطيار، بأرجوزته:

أشكو إلى الله من العدوان                   قتال قوم في الردى عميان

قد تركوا معالم القرآن                 ومحكم التنزيل والتبيان

وأظهروا الكفر مع الطغيان(13)

2 – الأهداف:

تهدف المدرسة الحسينية في حركتها وثقافتها إلى تحكيم الشرع المقدس، وإحقاق الحق، وإزهاق الباطل، ونشر العدل بين الرعية، وصلاح دين الأمة ودنياها. وليس في حسابها أية مغانم شخصية.

فالإمام الحسين(ع) أوضح هدفه من الثورة على نظام يزيد في وصيته لأخيه محمد بن الحنفية: «وإني لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا مفسداً ولا ظالماً، وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي(ص)، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر، وأسير بسيرة جدي وأبي علي بن أبي طالب»(14).

وليس للحسين(ع) في الثورة على النظام الأموي أي مطمح خاص في سلطة أوجاه أو مال، كجده رسول الله(ص)، الذي أجاب مشركي قريش: «لو وضعتم الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر حتى يظهره الله أو أهلك فيه؛ ما تركته»(15). وكأبيه الإمام علي(ع)، بقوله حين وافق على الخلافة: «اللهم إنك تعلم أنه لم يكن الذي كان منا منافسة في سلطان، ولا التماس شيء من فضول الحطام، ولكن لنرد المعالم من دينك، ونظهر الإصلاح في بلادك، فيأمن المظلومون من عبادك، وتقام المعطلة من حدودك»(16).

أما الثقافة اليزيدية فإنها على العكس من ذلك تماماً، فهي – أولاً – تعمل للدنيا ومن أجلها، وكل أهدافها شخصية ومادية صرفة، وعلى حساب كل القيم والمبادئ الإنسانية والدينية والأخلاقية. وهي – ثانياً – تحاول في سبيل ذلك، تخريب المجتمع فكرياً وسلوكياً. وقد نجحت في تحقيق قسم من أهدافها هذه في فترات مختلفة من التاريخ، كان أبرزها الفترة الأولى، أي الفترة التي تزامنت مع حركة الإمام الحسين(ع).

إن العلاقة بين نمو الثقافة اليزيدية وبقائها، والمجتمع المنحرف واستشراء أمراضه، هي علاقة تفاعل متبادل، إذ يساعد المجتمع المنحرف على نشر هذه الثقافة وتغذيتها، وفي الوقت نفسه تكرس الثقافة اليزيدية – في المقابل – أمراض المجتمع وانحرافاته، وتخلق فيه أمراضاً أخرى. حيث يصف الإمام الحسين(ع) الواقع السياسي والاجتماعي في عهد يزيد وأبيه في مجموعة من كلماته؛ منها قوله مخاطباً أهل البصره: «أنا أدعوكم إلى كتاب الله وسنة نبيه(ص)، فإن السنة قد أميتت وإن البدعة قد أحييت»(17). وقوله مخاطباً كتيبة الحر بن يزيد الرياحي التي جعجعت به في الطريق إلى كربلاء: «إن هؤلاء قد لزموا طاعة الشيطان، وتركوا طاعة الرحمن، وأظهروا الفساد وعطلوا الحدود، واستأثروا بالفيء، وأحلوا حرام الله، وحرموا حلاله»(18).

وقوله في أصحابه: «ألا ترون إلى الحق لا يعمل به، وإلى الباطل لا يتناهى عنه. ليرغب المؤمن في لقاء الله محقاً، فإني لا أرى الموت الّا سعادة، والحياة مع الظالمين الّا برما»(19).

3 – الشرعية الدينية:

المدرسة الحسينية هي مدرسة الإمامة والولاية الشرعية؛ المنصوص عليها من قبل الله تعالى. وقد ورد النص على لسان رسول الله(ص) في أكثر من موضع، ومنه: «الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا»(20) وإن «الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة»(21)، وإنهما «سبطا هذه الأمة»(22). كما إن الرسول(ص) أمر بنصرة الحسين بقوله: «إن ابني هذا يقتل في أرض من أرض العراق، فمن أدركه فلينصره»(23).

لقد ورث الحسين(ع) إمامة الأمة عن جده النبي الأكرم(ص)، وتصدى لها بعد وفاة أخيه الحسن(ع). يقول الإمام الحسن(ع): «إن الحسين بن علي، بعد وفاة نفسي ومفارقة روحي جسمي، إمامٌ من بعدي، وعند الله (جل اسمه) في الكتاب، وراثة من النبي(ص)… فاصطفى منكم محمداً(ص) واختار محمدٌ علياً، واختارني علي بالإمامة، واخترت أنا الحسين»(24).

ولذلك فإن شرعية وجود المدرسة الحسينية، وأصالة ثقافتها، وتحركها على مختلف المستويات، تنبع من شرعية جذورها ورموزها وخصائصها وأهدافها، ومن كونها القيادة الشرعية الدينية والزمنية للامة الإسلامية.

وبقدر تجاهل المدرسة اليزيدية الأموية للشرعية، ورفع راية الحرب ضدها، نرى الوعي العميق لأتباع المدرسة الحسينية لتلك الحقيقة، فهذا يزيد بن مسعود (زعيم البصرة) يخاطب الإمام الحسين(ع)، بعد أن دعاه لنصرته، بقوله: «إن الله لم يخل الأرض قط من عامل عليها، أو دليل على سبيل نجاة، وأنتم حجة الله على خلقه، ووديعته في أرضه، تفرعتم من زيتونة أحمدية هو أصلها وأنتم فرعها»(25).

كما يتجسد هذا الوعي بوضوح في أرجوزة العباس بن علي بن أبي طالب(ع)، بعد أن قطعوا يده اليمن خلال الواقعة، حيث يقول:

«والله إن قطعتموا يميني                     إني أحامي أبداً عن ديني

وعن إمامٍ صادق اليقين                     سبط النبي الطاهر الأمين»(26)

وفي المقابل، نجد أن أتباع المدرسة اليزيدية يصفون يزيد بـ «الخليفة الشرعي»، أو «أميرالمؤمنين»!؛ برغم كل أفكار الكفر والشرك التي يحملها وينادي بها علناً، وكل سلوك الانحراف والفسق وسفك الدماء والظلم والاستبداد، فضلاً عن أصل تولية العهد، وشرعية خلافة أبيه معاوية، الذي ولّاه العهد من بعده.

وقد أجمع الصحابة ومعظم التابعين على عدم شرعية ولاية يزيد للعهد وخلافته، وكان ذلك سبباً في دس معاوية السم للإمام الحسن بن علي(ع) ولسعد بن أبي وقاص، ثم خروج الإمام الحسين بن علي(ع) وعبدالله بن الزبير على يزيد، وخلع فقهاء المدينة وأشرافها يزيد، بعد أن زاروه ورأوا منه الأعاجيب من أعمال الكفر والفسق، وكان بينهم عبدالله بن حنظلة (غسيل الملائكة) وعبدالله بن أبي عمر المخزومي والمنذر بن الزبير، فأعلنوا لأهل المدينة: «إنّا نشهدكم انّا قد خلعناه»، فتابعهم الناس(27).

وقد وصف الشوكاني يزيد بن معاوية بأنه السكير، الهاتك لحرمة الشريعة المطهرة(27).     كما جزم بكفره وصرح بلعنه القاضي أبو يعلى والحافظ ابن الجوزي والتفتزاني والسيوطي(28). إذ قال التفتزاني: «الحق أن رضى يزيد بقتل الحسين واستبشاره به وإهانته أهل بيت النبي مما تواتر معناه.. فنحن لا نتوقف في شأنه، بل في إيمانه، لعنة الله عليه وعلى أنصاره وأعوانه»(29).

وبذلك فإن أبرز ما قامت به المدرسة الحسينية، خلال مسيرتها عموماً وحركتها الثورية خصوصاً، أنها قضت على كل ادعاءات المدرسة اليزيدية الأموية، التي حاولت فرض نفسها على المسلمين سلطة شرعية تحكم باسم الإسلام، لتحرفه وتشرع ما تشاء، فسحبت المدرسة الحسينية البساط من تحت أقدامها، وكشفت زيفها وبطلانها. كما وضعت المدرسة الحسينية معايير واضحة ثابتة للثقافة اليزيدية؛ لتكشف الأمة من خلالها مصاديق المدرسة اليزيدية في كل زمان ومكان. ومن ذلك قاعدة الثورة على السلطان الجائر المستحل لحرام الله، حيث خاطب الإمام الحسين(ع)، طلائع الجيش الأموي بالقول: «أيها الناس، إن رسول الله(ص) قال: من رأى سلطاناً جائراً مستحلّاً لحرام الله، ناكثاً لعهد الله، مخالفاً لسنّة الله، يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان، فلم يعير عليه بفعل ولا قول، كان حقاً على الله أن يدخله مدخله»(30).

امتداد الثقافتين

بقيت الثقافة الحسينية على طول التاريخ تمارس الأدوار ذاتها التي مارسها الإمام الحسين(ع) نفسه، وتفرز النتائج العاشورائية ذاتها. وقد عبر الإمام الخميني عن هذه الحالة بقوله: «إن هذا الدم الطاهر يغلي على امتداد التاريخ ليسقي دين الله ويحرس ثماره». كما يقول الإمام محمد حسين كاشف الغطاء: «الإسلام محمدي الوجود حسيني البقاء»(31). ويقول الإمام محمد عبدة في هذا الصدد: «لولا الحسين لما بقي لهذا الدين أثر»(32).

ونستنتج من كل ذلك، أنه لولا المدرسة الحسينية لتحول الدين أموياً، ولأصبح رموز الانحراف هم قادته وفقهاؤه، دون أية معارضة.

وتأثير الثقافة الحسينية في حركة التاريخ لا يزال على قوته نفسها التي كان عليها في البداية، ولا يزال شاخصاً في وعي الأمة وضميرها، فهي ما زالت تقدم أنجع الحلول لمشكلة الإنسان الاجتماعية وعلى مختلف المستويات، وتجعل الماضي على صلة وتأثير مباشرين بالحاضر والمستقبل. ويختصر الإمام الخميني كل هذه القضايا بكلمة واحدة: «كل ما لدينا هو من عاشوراء».

إن فهم حقيقة منهاج كلا المدرستين ورموزهما وامتداداتهما، ثم الانطلاق من خلال ذلك نحو ممارسة المنهاج الحسيني سلوكاً حياتياً عملياً، سيضمن للمجتمع المسلم الحصول على حاجاته المختلفة في الفكر والعمل، ويضمن له حياة الاستقلال، والعدل، والكرامة، والحرية، في ظل الحكومة الشرعية(33).

 

 

إحالات الفصل الثالث

(1) الموفق الخوارزمي، مقتل الإمام الحسين، ج2 ص34.

(2) الأربلي، كشف الغمة في معرفة الأئمة، ج2 ص274.

(3) انظر: تاريخ الطبري، م3 ص317، وابن كثير، البداية والنهاية، ج8 ص177.

(4) مقتل أبي مخنف، ص110.

(5) السيد محسن الامين، مقتل الحسين، ص90.

(6) الشيخ المجلسي، بحارالانوار، ج44، ص383 – 382.

(7) تاريخ الطبري، م3 ص350.

(8) مقتل أبي مخنف، ص199.

(9) المصدر السابق، ص79.

(10) المصدر السابق، 145 – 147.

(11) المصدر السابق، ص132.

(12) المصدر السابق، ص202.

(13) مقتل الأمين، ص154.

(14) مقتل الخوارزمي، ج1 ص88.

(15) تاريخ الطبري، م1 ص545.

(16) الإمام علي، نهج البلاغة، تحقيق: د. صبحي الصالح، ص198، الخطبه 131.

(17) تاريخ الطبري، م3 ص280.

(18) المصدر السابق، م3 ص307.

(19) المصدر السابق نفسه.

(20) كشف الغمة في معرفه الأئمة، ج2 ص159، الشيخ المفيد، الإرشاد، ص210.

(21) صحيح الترمذي، ج2 ص306.

(22) ابن الأثير، أسد الغابة في معرفة الصحابة، ج1 ص123.

(23) الكليني الرازي، الأصول من الكافي، ج2 ص238 (كتاب الحجة)، تصحيح الشيخ نجم الدين الآملي، وأسد الغابة في معرفة الصحابة، ج1 ص123.

(24) مقتل الأمين، ص38.

(25) مقتل أبي مخنف، ص92.

(26) تاريخ الطبري، ج3 ص350.

(27) الشوكاني، نيل الأوطار، ج7 ص147.

(28) مقتل المقرم، ص1.

(29) التفتزاني، شرح العقائد النسفية، ص181.

(30) تاريخ الطبري، م3 ص307.

(31) الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء، الآيات البينات، ص25.

(32) الشيخ محمد عبدة، التوجيه الديني، ص40.

(33) انظر: علي المؤمن، بين مدرستين، مجلة التوحيد، العدد 54، آب 1991، ص4.

 

latest video

news via inbox

Nulla turp dis cursus. Integer liberos  euismod pretium faucibua

Leave A Comment