بين الثقافتين الحسينية واليزيدية

Last Updated: 2024/05/30By

بين الثقافتين الحسينية واليزيدية

د. علي المؤمن

جذور الثقافتين الحسينية واليزيدية

إذا تأملنا في جذور الثقافتين أو المدرستين الحسينية واليزيدية، فسندهش لطبيعة التضاد بينهما، وهو التضاد العقائدي السابق لانبثاق المدرستين، ثم ورثتاه، وأورثتاه عبر الأجيال، لتبقى لكل ثقافة رموز واتباع وامتدادات. فأبو سفيان، المشرك، الذي شن أشرس الحملات العسكرية والاقتصادية والاجتماعية والإعلامية، وحملات الاضطهاد والتعذيب والتشريد والتنكيل، ضد الإسلام والمسلمين، وضد رسول الإسلام (ص) هو المؤسس الأصلي لهذه الثقافة. وقد كان مستوى إيمان أبي سفيان بعد أن أجبرته مصالحه على التظاهر بالإسلام، هو ما أعلنه بعيد وفاة الرسول الأعظم(ص)، حين قال للإمام علي(ع) بعد إعلان خلافة أبي بكر: «والله إني لأرى عجاجة لا يطفئها إلاّ دم». فأجابه أميرالمؤمنين (ع): «إنك والله ما أردت بهذا إلا الفتنة، وإنك والله طالما بغيت بالإسلام شراً»(1).

وأبو سفيان هذا هو جد يزيد. أما جدة يزيد، فهي هند، أبرز المؤلبات ضد الإسلام، وآكلة كبد حمزة عم النبي(ص). وأبو يزيد هو معاوية الذي خرج على إمام المسلمين وخليفة رسول الله علي بن أبي طالب(ع)، ومجيش الجيوش ضد معسكر الإسلام في عهد الإمام علي(ع)، وقاتل الصحابة والأخيار، وأول من ابتدع الملك الوراثي في الإسلام.

وقد استمد يزيد جذور العقائدية والثقافية والاجتماعية من هذا البيت، الذي رفع شعار الكفر والنفاق والردة والفسق، والعداء الكامل للإسلام.

أما مدرسة الحسين (ع)، فهي امتداد للنبوة، وخلاصة الإسلام الأصيل، فجد الحسين هو محمد (ص)، رسول الله وخيرة خلقه، وخاتم المرسلين والأنبياء. وجدته خديجة الكبرى، التي كان عطاؤها أحد الأركان التي شيد محمد (ص) عليها الإسلام، وأبوه هو علي بن أبي طالب (ع)، أول القوم إسلاماً، وحبيب رسول الله وابن عمه وصهره ووصيه وخليفته، وأول أئمة الهدى بعد رسول الله (ص)، والذي قال فيه: «علي مع الحق والحق مع علي، ولن يفترقا حتى يردا علي الحوض»(2)، و«يا علي أنت مني بمنزلة هارون من موسى»(3). وأمه فاطمة الزهراء (ع) سيدة نساء العالمين، وبضعة رسول الله، التي قال فيها نبي الهدى (ص): «يا فاطمة إن الله عز وجل ليغضب لغضبك، ويرضى لرضاك»(4).

رموز الثقافتين

إن إمعان النظر في شخصيتي الرمزين اللذين عرفت المدرستان بهما وتميزت باسميهما، سيرينا أن التباين أو التضاد هو امتداد أيضاً، ولكنه أكثر إثارة للعجب هنا:

أولاً: يزيد بن معاوية:

يصف المؤرخون يزيداً بأنه: «صاحب طرب وجوارح وكلاب وقردة وفهود ومنادمة على الشراب. وأنه جلس ذات يوم على شرابه وعن يمينه عبيد الله بن زياد، وذلك بعد قتل الحسين(ع)؛ فأقبل على ساقيه فقال:

«اسقني شربة تروي مشاشي                   ثم مل فاسق مثلها بن زياد

صاحب السر والأمانة عندي                  ولتسديد مغنمي وجهادي»

ثم أمر المغنين فغنوا، وغلب على أصحاب يزيد وعماله ما كان يفعله من الفسوق، وفي أيامه ظهر الغناء بمكة والمدينة، واستعملت الملاهي، وأظهر الناس شرب الشراب(5).

وفي سنوات حكمه الثلاث فقط، قام يزيد بن معاوية بأبشع ثلاث جرائم عرفها تاريخ الإسلام، وهي:

1 – وقعة كربلاء عام 61 هـ:

وفيها قتل يزيد الإمام الحسين بن علي(ع)، ثالث أئمة آل البيت (ع)، وسبط رسول الله (ص) وريحانته؛ الذي قال فيه: «حسين مني وأنا من حسين»(6)، وقتل أهل بيت النبوة من الطالبيين والعلويين، وجمعاً من الصحابة والتابعين، بشكل مروع، وقتل الأطفال أيضاً، وبينهم الرضيع الذي لا يزيد عمره على ستة أشهر. وهجم جيشه على مخيم النساء وأحرقه، وشرّدهن وسباهنّ مع الأطفال، وأسر الإمام علي بن الحسين (زين العابدين)، رابع أئمة آل البيت، وكان حينها في مرض شديد.

ثم حمل جيشه السبايا إلى الكوفة، ومنها إلى الشام، حيث أُدخلوا على يزيد، الذي أخذ يشتم آل البيت(ع)، ويضرب رأس الحسين(ع) بالسوط، بل كاد يقدم على إعطاء بعض بنات بيت الوحي (من بنات الإمام علي والإمام الحسين) جواري وخادمات لبعض ندمائه(7).

2 – استباحة المدينة المنورة ووقعة الحرة عام 63 هـ:

يقول المؤرخون: «لما شمل الناس جور يزيد وعماله، وعمهم ظلمه وما ظهر من فسقه، من قتله ابن بنت رسول الله(ص) وأنصاره، وما أظهر من شرب الخمر، وسيره سير فرعون، بل كان فرعون أعدل منه في رعيته، أخرج أهل المدينة عامله عليهم عثمان بن محمد بن أبي سفيان… وسائر بني أمية»(8).

وعلى إثرها سيّر يزيد جيشاً جراراً إلى المدينة، على رأسه مسلم بن عقبة، الذي هجم على مدينة رسول الله (ص) بعد وقعة الحرة، هجوم الكواسر الجائعة، فاستباحها بالكامل ثلاثة أيام بلياليها، إذ قتل أهلها، ونهبها، وسرق ما فيها من مال أو رقة أو سلاح أو طعام(9)، واغتصب العساكر نساءها. ثم أجبر من تبقى من أهلها على مبايعة يزيد عبيداً وليس رعية، كما سمّى بن عقبة المدينة بـ«نتنة»، خلافاً لقول الرسول (ص) الذي أسماها «طيبة»(10).

أما في وقعة الحرة التي التقى فيها جيش يزيد بقيادة مسلم بالمدافعين عن المدينة المنورة، ومعظمهم من بين هاشم؛ فقد ذكر المؤرخون أن قتلى أهل المدينة بلغ حوالي (420) شخصاً من بني هاشم وقريش وسائر الناس(11).

3 – انتهاك حرمة بيت الله ورجم الكعبة بالمنجنيق عام 64 هـ:

حادث رجم الكعبة سبقته مقدمات مهمة، انتهكت خلالها حرمة البيت الحرام؛ فحين أراد يزيد إجبار المسلمين على البيعة بقوة السيف، لجأ عبد الله بن الزبير إلى المسجد الحرام، فأرسل إليه يزيد عشرة من أعوانه، بينهم عبد الله بن عضاة الأشعري والنعمان بن بشير الأنصاري، وألح هؤلاء على ابن الزبير بالبيعة ليزيد، لكنه رفض. وحينها هموا بقتله وهو في المسجد الحرام. فقال عبدالله بن الزبير لأحدهم: «أتستحل قتلي في هذا الحرم؟!»، فأجاب: «نعم، إن أنت لم تجب طاعة أمير المؤمنين»، فأشار ابن الزبير إلى حمامة كانت في المسجد قائلاً: «وتستحل قتل هذه الحمامة؟»، فقام أحد رسل يزيد وصوب سهمه نحوها قائلاً: «يا حمامة أتعصين أمير المؤمنين؟»، ثم التفت إلى ابن الزبير قائلاً: «أما لو أنها قالت نعم لقتلتها»(12).

وبقي عبد الله بن الزبير متحصناً في المسجد الحرام، حتى حلّ عام64 هـ، ففي أوائل شهر محرم الحرام من هذه السنة، حوصر المسجد الحرام من قبل جيش يزيد بقيادة الحصين بن نمير، فنصب العربات والمجانيق على جبل «أبو قبيس»، وأخذ يقصف الكعبة والمسجد بالمنجنيق، حتى تهدم بناء الكعبة، واحترقت نتيجة ذلك. ويصف أحدهم ضرب جيش يزيد الكعبة بقوله: «رأيت الحجارة تصك وجه الكعبة من أبي قبيس حتى تخرقها، فلقد رأيتها كأنها جيوب النساء وترتج من أعلاها إلى أسفلها»(13).

وبعد عودة الحصين بن نمير، وفك الحصار عن عبدالله بن الزبير، دخل عبيد الله بن سعد المسجد الحرام والكعبة محترقة، فخاطب الناس: «… فقد والله فعلتم؛ لقد قتلتم ابن بنت نبيكم(14)، وحرقتم بيت الله، فانتظروا النقمة»(15). وهو بذلك يصف أكبر جريمتين وقعتا بعد بزوغ فجر الإسلام.

ثانياً: الحسين بن علي(ع):

الحسين (ع)، تجسيد لمعنى القربى في آية المودة: ((قل لا أسألكم عليه أجراً الّا المودة في القربى))(16)، وأحد أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً، في آية التطهير(17)، كما أنه تجسيد لمعنى أبناء الرسول (ص)، في آية المباهلة ((فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين))(18)، وهو الذي قال عنه رسول الله (ص): «حسين مني وأنا من الحسين، أحب الله من أحب حسيناً، حسين سبط من الأسباط»(19)، وهو وارث مسيرة التوحيد منذ عهد آدم (ع)، برموزها وخطها العقائدي، كما تصفه «زيارة وارث» المأثورة عن الإمام الصادق (ع). وأخيراً توج الإمام الحسين (ع) حياته وجهاده بالشهادة في سبيل الأهداف الربانية، ليحمل لقب «سيد الشهداء» حتى تقوم الساعة.

يقول الرسول الأعظم (ص): «الحسن والحسين ابناي، من أحبهما أحبني، ومن أحبني أحبه الله، ومن أحبه الله أدخله الجنة، ومن أبغضهما أبغضني، ومن أبغضني أبغضه الله، ومن أبغضه الله أدخله النار على وجهه»(20).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الإحالات

(1) الطبري، تاريخ الأمم والملوك، م2 ص237.

(2) الخطيب البغدادي، تاريخ بغداد، ج14 ص123.

(3) البخاري، صحيح البخاري، ج5 ص129.

(4) المحب الطبري، ذخائر العقبى، ص39.

(5) المسعودي، مروج الذهب ومعادن الجوهر، ج3 ص77.

(6) الترمذي، سنن الترمذي، ج2 ص307.

(7) انظر: أبو مخنف، مقتل الحسين ومصرع أهل بيته وأصحابه في كربلاء، وتاريخ الطبري، م3، والسيد عبد الرزاق المقرم، مقتل الحسين، وغيرها من كتب التاريخ والمقاتل.

(8) مروج الذهب،ج 3 ص78.

(9) وذلك طبقا لأوامر يزيد، انظر: تاريخ الطبري، م3 ص353 – 359.

(10) مروج الذهب، ج3 ص78.

(11) المصدر السابق، ج3 ص78.

(12) أبو حنيفة الدينوري، الاخبار الطوال، ص263.

(13) محمد الارزق، أخبار مكة وما جاء فيها من الآثار، ج1 ص199.

(14) يقصد الإمام الحسين بن علي(ع).

(15) أخبار مكة، ج1 ص169.

(16) سورة الشورى، الآية 23. وقد ذكر أحمد بن عبدالله الأصبهاني في حلية الأولياء، ج3 ص201 وآخرون، أن الإمام الحسين(ع) هو أحد الذين نزلت فيهم هذه الآية.

(17) سورة الاحزاب، الآية 23. وقد ذكر الترمذي في سننه ج5 ص30، وآخرون، أن الإمام الحسين(ع) أحد أهل البيت الذين نزلت فيهم الآية.

(18) سورة آل عمران، الآية 61، انظر بشان نزولها في أهل البيت ومنهم الإمام الحسين: سنن الترمذي، ج4 ص19.

(19) المحب الطبري، ذخائر العقبى، ص39.

(20) الحاكم النيسابوري، مستدرك الصحيحين، ج3 ص66.

latest video

news via inbox

Nulla turp dis cursus. Integer liberos  euismod pretium faucibua

Leave A Comment