بدايات حزب الدعوة الإسلامية وجدلية الاجتماع الديني الشيعي

Last Updated: 2024/05/30By

بدايات حزب الدعوة الإسلامية وجدلية الاجتماع الديني الشيعي

د. علي المؤمن

الدوافع الواقعية لانبثاق حراك إسلامي شيعي

قبل أن تنبثق فكرة حزب الدعوة الإسلامية وتتحول إلى نظرية، ثم تنظيم، ثم حزب واقعي؛ كانت مجرد فكرة في أواسط الخمسينات من القرن الماضي في أذهان عدد من الشباب الإسلامي الشيعي الناشط في العراق؛ وتحديداً في النجف الأشرف؛ ممن هم في العشرينات من عمرهم أو دون ذلك. وكان وراء الفكرة مزيج من الدوافع العقلية والعاطفية التي تحفزها هموم الساحة الدينية العراقية ومنظوماتها وأساليب تفكيرها، والواقع الاجتماعي، وحالة القهر السياسي، والتمييز الطائفي التاريخية التي يعيشها شيعة العراق وعموم الشيعة العرب جراء ممارسات الأنظمة السياسية الحاكمة، والتقهقر الميداني والثقافي لحالة الإصلاح الإسلامي، ووجود التنظيمات العلمانية الجماهيرية الفاعلة.

ومن هنا؛ فإن مجمل دوافع هؤلاء الشباب كان وراءها الشعور باللوعة والهم الكبيرين؛ بسبب التراجع الذي عاشه التيار الإسلامي الإصلاحي والتغييري في العراق؛ منذ منتصف العقد الثالث وحتى أواسط العقد السادس من القرن الماضي، والذي كان يقابله جو مشحون بالتيارات والأفكار السياسية والايديولوجية العلمانية الوافدة، ووسط مهرجان من الأحزاب والتنظيمات العلمانية؛ التي يبرز من بينها التيار الماركسي الذي يمثله الحزب الشيوعي، والتيار القومي الذي يعد حزب البعث أهم أركانه، وما يعرف بالتيار الوطني، الذي يعد الحزب الوطني أحد أهم قواه. وما تبقى فقد كانت أحزاب سلطة أو أحزاب رموز. وكان انكماش الإسلام الحركي؛ يمثل فرصة مهمة للتيارات العلمانية ولاسيما الجماهيرية، للإمساك بالساحة السياسية والاجتماعية؛ حتى في المدن التي تمثل قلاعاً دينية حضارية، كالنجف الأشرف.

وكانت الحاجة إلى العمل المنظم الشامل الذي يتبنى عملية التغيير في واقع الأمة الثقافي والسياسي ولاسيما في الوسط الشيعي، كبيرة وملحة؛ لأن الوسط السني سبقهم إليه، فقد برزت منذ نهاية العشرينات تنظيمات وتجمعات إسلامية سنية كبيرة؛ كالإخوان المسلمين في مصر، وحزب التحرير في بلاد الشام، والجماعات الإسلامية في الهند وباكستان وتركيا وغيرها. ومن جانب آخر فإن الوجودات الشيعية الرائدة، كجمعية النهضة الإسلامية وحزب النجف والجمعية الإسلامية الوطنية وغيرها، كانت تجمعات آنية تشكلت لأغراض محدودة وانتهت حال ارتفاع هذه الأغراض. أما الجماعات الإسلامية الشيعية التي تأسست في أوائل وأواسط الخمسينات، كحركة الشباب المسلم ومنظمة المسلمين العقائديين وغيرهما، فكانت هي الأخرى محدودة وذات إمكانات متواضعة تنسجم مع أهدافها، ولم تسمح لها ظروفها باستيعاب الساحة؛ وبالتالي لم تكن قادرة على القيام بمهمة إحداث تغيير شامل في الواقع الإسلامي الشيعي، لأسباب وظروف تتعلق بقيادة هذه الجماعات وخصوصيات يتميز بها العراق بشكل عام، ووضع الوسط الديني العراقي بشكل خاص.

هذه الهموم التغييرية الكبيرة التي كان يحملها بعض علماء الدين والناشطين الإسلاميين المثقفين، دفتعهم للتوصل إلى مقاربة لعلاج الواقع، من خلال تبني أسلوب العمل التغييري المنظم الشامل في شكله الحزبي، بعد دراسة نظرية العمل السياسي في الإسلام، وتأريخ الأمة الإسلامية عموماً والعراق خصوصاً، وتجارب الشعوب وحركات المصلحين والوجودات الإسلامية السياسية السابقة. فكان نتاج الدراسات والمداولات العميقة المطولة يتمثل في تأسيس حزب إسلامي يتحرك في المجالات كافة، وقد أسموه فيما بعد بـ «الدعوة الإسلامية».

ولم يكن الحراك التغييري الانقلابي الجديد المتمثل بحزب الدعوة الإسلامية يسعى لأهداف سياسية أو تنظيمية محدودة؛ بل كان مؤسِّساً لحالة مختلفة في مسار التاريخ الشيعي؛ شكلت انعطافة كبرى على مستويات الفقه السياسي والسلوك الحركي والعمل التنظيمي والرؤية التأصيلية لعملية التأسيس العصرية للدولة الإسلامية القائمة على مذهب أهل البيت. وهو عمل لم يسبق إليه الدعاة أحد من النخبة الشيعية في العراق وغيره.

ولا يمكن تشبيه العمل التأصيلي التأسيسي للدعاة الأوائل بالتجارب النضالية والسياسية والحكومية للنخب الشيعية في المراحل التي سبقت تأسيس حزب الدعوة الإسلامية؛ كما هو الحال مع الدولة العلوية في طبرستان، وحكومة السربداران في سبزوار، والدولة الحمدانية في شمال العراق وبلاد الشام، والدولة الإدريسية في شمال أفريقيا، والدولة الفاطمية في شمال أفريقيا ومصر، والدولة البويهية في إيران والعراق، والدولة الصفوية في إيران والجوار، وصولاً إلى الحركات النضالية للنخب الشيعية في لبنان وإيران والعراق والبحرين في مطلع القرن العشرين الماضي وحتى أواسط الخمسينات، ومنها ثورة المشروطة في إيران، وثورتا النجف والعشرين في العراق، والثورة الدستورية في البحرين، والحراك السياسي في جنوب لبنان. وقد تفوق الإنجازات الميدانية لهذه التجارب إنجازات حزب الدعوة بكثير. ولكن حديثنا هنا ليس عن الإنجازات الميدانية وحسب؛ بل عن الإنجاز التأسيسي لفقه وفكر وبنية سياسية شيعية تختلف عن كل التجارب السابقة. فقد أسس حزب الدعوة لأول مرة لمبدإ إقامة الدولة الإسلامية في عصر غيبة الإمام المهدي (329 هـ/941 م)، وهي دولة تقوم على تأصيل فقهي خاضع لنظرية الشريعة الإسلامية وأحكامها التفصيلية، وليس دولة سلطانية تقوم على التوريث والطقوسية الشيعية؛ كما هو الحال مع الدول الشيعية التي قامت من قبل. وينسجم التأصيل في موضوعة الدولة مع التأصيل الفكري والفقهي للعمل السياسي والتنظيمي والجهادي لحزب الدعوة نفسه؛ لأنه ليس كالحركات النضالية السياسية الشيعية التي انبثقت لمواجهة ظرف معين(1).

وإذا أردنا أن نكون أكثر واقعية، فيجب أن نذعن إلى حقيقة تاريخية مهمة، تتمثل في السبق المستمر للنخب السنية في تحقيق الإنجازات الفكرية والسياسية والميدانية لمصلحة الواقع السني، وتعقبها النخب الشيعية في التشبه بهذا الإنجاز؛ لتحقيق مصالح للواقع الشيعي. فقد حاولت الحكومات الثورية والسلطانية الشيعية التأسيس لتقاليد وسلوكيات نضالية شيعية، تحفظ للواقع الشيعي حقوقه وبقاءه؛ وإن كانت مستقلة نسبياً عن الخط الخاص للشرعية الدينية؛ وهو ما حصل – ابتداء – مع حركة المختار بن يوسف الثقفي، الذي كان مؤسساً لأول تحرك ثوري وسياسي وعسكري شيعي؛ مستقل نسبياً عن الخط الخاص للشرعية الدينية الشيعية آنذاك متمثلة بالإمام علي بن الحسين السجاد، ومؤسساً لأول سلوك سلطاني في التاريخ الشيعي. واقتفت بعض النخب السياسية والثورية الشيعية بعد ذلك أثر حركة المختار؛ لضمان مصالح الطائفة وحقوقها، عبر الثورات والجيوب الحكومية والحركات السياسية المجتمعية. ثم تطور الأمر إلى التشبه بالحكومات السلطانية السنية؛ وهو ما بدأه العلويون في شمال إيران والحمدانيون في شمال العراق وبلاد الشام، ثم الأدارسة والفاطميون والبويهيون والصفويون.

وحيال ذلك اضطر بعض الفقهاء الشيعة إلى منح الشرعية لهذه الحركات الثورية والحكومات السلطانية التي لا تستند في أساس حاكميتها إلى الفقه السياسي الإسلامي بصيغته اللصيقة بموروث أهل البيت(ع). وكان الهدف من كل ذلك حماية المجتمعات الشيعية من الاستهداف والاستئصال والمذابح الجماعية والتهجير والتهميش والتمييز الطائفي الذي تتعرض له من الحكومات السنية والفقهاء السنة، وكذلك فسح المجال أمام العقيدة الإسلامية الشيعية للتحرك بحرية، بمعزل عن دعوات التكفير والإقصاء والنبذ الذي تتعرض له باستمرار. وهكذا أصبح للنخب الشيعية فقه سلطاني تتحرك في إطاره، أسوة بالنخب السنية، وأصبح للحكومات الشيعية منصب (شيخ الإسلام) أسوة بالحكومات السنية؛ لمواجهة قوة القهر العسكرية والسياسية؛ بقوة دفاعية تعادلها، ولمواجهة سلطة الفتوى، بسلطة أخرى توازيها(2)؛ وإلّا فالإبقاء على الحال كما كان عليه في عصر الدولة الأموية والفترات الأطول من عصر الدولتين العباسية والعثمانية؛ أي قوة وسلطة مهاجِمة من جهة، وبيئة مهمشة مدافعة من جهة أخرى؛ سيؤدي بالمجتمعات الشيعية إلى الاندثار والإبادة الجسدية الجماعية والفكرية، أو اللجوء إلى الغابات والجبال والقلاع والسواحل، وبالتالي الابتعاد عن أصول المعتقد وتبني معتقدات دخيلة، كما حصل مع المجتمعات الشيعية في شمال لبنان وغرب وشمال سوريا وشمال العراق وجنوب تركيا وشرق البانيا وكوسوفو، والذين يعرفون بـ «العلويين»، وهم بالأساس شيعة إماميون إثنا عشريون، وعددهم اليوم أكثر من خمسين مليون نسمة؛ وذلك لعدم وجود سلطة تحميهم في مقابل الإبادة الأموية والقمع العباسي والبطش السلجوقي والأيوبي والمملوكي والعثماني. وهو ما حدث بمفارقة أكبر مع عشرات الأسر الشيعية في لبنان وسوريا التي اعتنقت الديانة المسيحية، أو دفعت أولادها إلى الاحتماء بالأسر المسيحية؛ تخلصاً من القتل والإبادة الجماعية؛ لأن السلطات العثمانية كانت تحرِّم دم المسيحيين وتعدهم أهل ذمة، بينما تهدر دم الشيعي، وتستبيح ماله وعرضه، ولا تنفعه جزية دينية ولا ضريبة دنيوية!

وفي العصر الحديث ظلّت النخب الشيعية تتمثل النخب السنية في حراكها الميداني، فانتمى بعضها إلى الواقع الأوربي في تبني القوانين الوضعية والدساتير الزمنية، كما حدث مع النخب الإيرانية خلال ثورة المشروطة، أو تقتفي أثر الإسلامويين السنة في التبعية للدولة العثمانية في صراعها مع الغرب، أو تتجه نحو الحركات القومية المعادية للإنجليز والفرنسيين، أو المتحالفة معها. فكانت النتيجة خسارة الشيعة الكبرى بعد ثورة العشرين في العراق(3)، ومجيء حكم طائفي عنصري ينتمي إلى الحاضنة السنية العربية التي تبلغ نسبتها 16 بالمائة من نفوس العراق، وأذاق الأكثرية السكانية الشيعية الويلات حتى العام 2003(4)؛ حتى ترحّم الشيعة على طائفية الدولة العثمانية. وكذا خسارتهم في لبنان بعد تأسيس لبنان الحديث في العام 1934 ومجيء حكم طائفي يقوم على التحالف السياسي بين الأقلية السنية (ركيزة الاحتلال العثماني) والأقلية المارونية (ركيزة الاحتلال الفرنسي) ضد الأكثرية السكانية الشيعية (الركيزة الدينية الوطنية). وكذا الحال في البحرين، الذي ظلت تحكمه أسرة تنتمي إلى الأقلية السنية التي قوامها 20 بالمائة من نفوس البلاد. فكان الشيعة دائماً ضحايا الوطن والشعارات الوطنية واللحمة الوطنية والحراك القومي والأممي والثورات التحررية والصدام بالاستعمار والمحتل؛ تمسكاً بالموازين الدينية والمعايير الوطنية والانفعالات الإنسانية؛ التي يعبرون عنها بالتكليف الشرعي والانتماء الوطني والشعور القومي، دون أن يفكروا بواقعية ببناء حاضرهم ومستقبل أولادهم ومجتمعاتهم، أو بمرحلة استلام السلطة كنتيجة لمرحلة العمل النضالي. بينما تضع النخبة السنية عينها على السلطة قبل البدء بأي تحرك وطني أو ديني أو قومي أو تحرري. وبالتالي؛ عندما ينجلي غبار المعارك وتحين لحظة السلطة؛ يجد الشيعة أنفسهم خارج اللعبة، ويتحولون بالتدريج إلى معارضة وأقلية سياسية معزولة، وما يتبع ذلك من تهميش وتمييز طائفي وتهجير وإسقاط للجنسية وملاحقة، وصولاً إلى المقابر الجماعية؛ على الرغم من أنهم الأكثرية السكانية في العراق ولبنان والبحرين. أما إذا كان الشيعة يشكلون الأقلية السكانية في دول مسلمة أخرى؛ فإنهم سيعانون من تهميش واضطهاد أكثر عمقاً وأوسع نطاقاً وأكبر تعتيماً. وفي المقابل ترفع سلطة الأقلية الطائفية شعارات الوطن والوطنية واللحمة الاجتماعية والأهداف الدينية والالتزام القومي والتهديد الخارجي والتآمر الاستعماري؛ لاستغفال القواعد الشعبية وتسويغ أية ممارسات قمعية وتمييزية تقوم بها وضمان بقائها في السلطة.

هذه الحقائق ترفضها النخبة السنية في البلدان الثلاثة المذكورة وتنفيها بشدة؛ لأنها لا تنسجم مع مصالحها؛ فهي أقلية ذكية متمرسة في لعبة السلطة، وظلت تمسك بها طيلة مئات السنين؛ بالرغم من أن حاضنتها الاجتماعية تقل عن ربع سكان البلد؛ ولذلك تحتاج دائماً إلى شعارات ومقولات دينية ووطنية وقومية تخديرية؛ تدفع بها الشارع الشيعي إلى التضحية والصمت والعض على الجراح؛ مرةً بذريعة الدفاع عن بيضة الدولة الإسلامية؛ كما كان يحدث خلال صراع الدولة العثمانية مع الغرب؛ ومرة أخرى بذريعة الدفاع عن الوطن؛ كما كان يحدث خلال العهدين الملكي والجمهوري في العراق، ومرة ثالثة دفاعاً عن القومية العربية والبوابة الشرقية للوطن العربي؛ كما كان يحدث في العهد البعثي. وهي الذرائع التي انتهكت السلطات تحت ظلها كل حقوق الشيعة وكبدتهم ملايين التضحيات(5).

كما أن جزءاً مهماً من النخبة الشيعية يرفض الكشف عن هذه الحقائق ومقاربتها؛ لأنه يفضل أن يعيش حالة الاستغفال والغيبوبة والوهم، أو التماهي مع الشعارات الوطنية والقومية الاستهلاكية الموهمة التي ترفعها السلطة؛ أما تصديقاً لهذه الشعارات من بعض النخبة الشيعية، من منطلق الحس الديني والوطني والقومي الحقيقي؛ أو رغبة في اعتزال السلطة ومتاعبها وتبعاتها. فمثلاً أوليات الخوف من إسالة الدماء والحفاظ على الوحدة الإسلامية ومصالح الوطن العليا، تسببت جميعها في خسائر أكبر بكثير جداً؛ إذ خسر فيها شيعة العراق وطنهم وقوميتهم وأرواحهم وأعراضهم وأموالهم؛ طيلة أربعين عاماً من الحكم الطائفي العنصري (1963 – 2003)؛ كما كانوا يخسرون دائماً في كل العهود.

ويقود هذا الموضوع إلى الحديث عن التأثر الحسي للشيعة بالحراك الإسلامي السني المعاصر. ففي العام 1928 تأسست جماعة الإخوان المسلمين في مصر، ومثلت منعطفاً مهماً في الفكر السياسي الإسلامي السني؛ إذ كانت الحركة الإسلامية الأولى في التاريخ السني التي تدعو لحكم إسلامي على أساس الشورى، وليس لحكم سلطاني يقوم على الموروث الفقهي السياسي السلطاني السني؛ الذي حكم الواقع السني منذ ملكية معاوية الأموي وحتى سلطنة عبد المجيد العثماني. وتزامن تأسيس جماعة الإخوان مع نشاط جماعة النور في تركيا بقيادة بديع الزمان النورسي الذي تأثر به حسن البنا مؤسس الإخوان. وأعقب جماعة الإخوان تأسيس الجماعة الإسلامية في الهند بقيادة «أبو الأعلى المودودي»، ثم حزب التحرير في الأردن على يد تقي الدين النبهاني في العام 1953؛ الذي كان هو الآخر حركة سنية إسلامية تعارض الموروث السلطاني السني وتدعو لخلافة (راشدة). إضافة إلى جماعات إسلامية حركية سنية في بلدان أخرى. إلّا أن ما كان يميز جماعتي الإخوان والتحرير هو فكرهما الحركي العميق وعالميتهما؛ بينما كانت الجماعات الإسلامية السنية الأخرى حركات محلية أو نضالية.

وحيال ذلك؛ كانت النخب الدينية الشيعية العربية تنظر بإعجاب لجماعة الإخوان المسلمين وحزب التحرير؛ بالنظر لدعوتهما الدينية الفكرية الحركية المتجددة، وخطابهما التأصيلي العصري القائم على تطبيق الشريعة الإسلامية بأدوات حديثة، وبنيتهما التنظيمية القوية التي تقارب بنى الأحزاب العلمانية الايديولوجية في رصانتها وهيكليتها، وعالميتها، وبعدها عن الحالة التقليدية في الفرز الطائفي التي تتميز بها الجماعات السنية حيال الشيعة. ولكن لم تتخلص هاتان الجماعتان من موروث الاجتماع الديني والسياسي الطائفي. الأمر الذي دفع معظم الإسلاميين الشيعة المتأثرين بهاتين الجماعتين؛ ولاسيما في العراق والكويت ولبنان والبحرين؛ إلى مفارقتهما، بعد التنبه إلى انتمائهما إلى ذلك الموروث الطائفي، والمضي بإيجاد البديل الإسلامي الشيعي المشابه تقنياً.

ولذلك جاء تأسيس حزب الدعوة الإسلامية مستجيباً في مضمونه لمتطلبات الواقع الشيعي ذي الامتداد التاريخي، ومتأثراً في الجانب الشكلي بحركية جماعة الإخوان المسلمين وحزب التحرير؛ أي أنه ليس تاثراً بالمعنى الفقهي والفكري، بل بمعنى تلمس غياب العمل الشيعي المشابه، في الوقت الذي كان الواقع الشيعي بأمس الحاجة إليه. وبالرغم من هذا التشابه الشكلي؛ إلا أن حزب الدعوة الإسلامية – من خلال القوة الفكرية لمؤسسيه وأعضائه الأوائل من الشباب العشريني والثلاثيني، وحماستهم العالية، وعملهم الدؤوب، واحتمائهم بالسلطة الدينية الشيعية العليا، واستثمار النسبة السكانية للشيعة؛ باعتبارهم الأكثرية العددية في العراق ولبنان والبحرين – استطاع تجاوز جماعة الإخوان وحزب التحرير بمراحل متقدمة كبيرة من حيث العدة والعدد في هذه البلدان الثلاثة.

ويمكن اختصار الأهداف التاريخية العملية لتأسيس حزب الدعوة الإسلامية؛ وهي الأهداف الخاصة، غير المثبتة في أدبيات الحزب؛ بثلاث نقاط جوهرية:

1 – إيجاد نخبة إسلامية شيعية في العراق والبلدان العربية والإسلامية ذات الأغلبية السكانية الشيعية أو التي توجد فيها كثافة سكانية شيعية؛ تعمل على تغيير الواقع الثقافي والفكري؛ وصولاً إلى استلام السلطة وتأسيس دولة إسلامية تحكم بالشريعة الإسلامية.

2 – مواجهة الأفكار والأحداث والجماعات السياسية العلمانية والأنظمة الحاكمة في العراق والبلدان الإسلامية؛ ولاسيما المد القومي البعثي والناصري والمد الشيوعي والحكومات الملكية والجمهورية.

3 – تأسيس تنظيم إسلامي شيعي عقيدي عالمي؛ على غرار الأحزاب الإسلامية السنية، والأحزاب الماركسية، والأحزاب القومية العربية والكردية؛ لسد الفراغ التنظيمي في الساحة الشيعية؛ العراقية خصوصاً، والعربية عموماً.

مقاربة تاريخ تأسيس «الدعوة» واجتماع النجف التأسيسي

كانت الشخصية الأبرز التي ارتبط الحراك الإسلامي الجديد باسمها؛ هو الفقيه والمفكر الشاب السيد محمد باقر الصدر، الذي مثل نموذجاً نادراً لعلماء الدين. أما السيد محمد مهدي الحكيم إلى جانب مجموعة الحزب الجعفري: عبد الصاحب دخيل ومحمد صادق القاموسي وحسن شبر، إضافة إلى السيد طالب الرفاعي؛ فهم أصحاب فكرة إنشاء الحزب الإسلامي الشيعي، والذي حمل اسم حزب الدعوة الإسلامية فيما بعد. وفي هذا الصدد يقول السيد محمد مهدي الحكيم: إن فكرة تأسيس حزب إسلامي طرحت خلال العام 1958، واستمرت التحركات والاجتماعات التحضيرية أكثر من سنة، تباعدت فيها الأفكار وتقاربت، وتراجعت شخصيات وثبتت أخرى، وحتى تم في النهاية الاتفاق على شكل العمل وطبيعة تحركه. وكانت أول قضية طرحت على طاولة البحث (قبل التأسيس) هي: «مشروعية قيام الحكومة الإسلامية في عصر الغيبة»؛ فكتب آية الله السيد محمد باقر الصدر (وهو الفقيه الوحيد بين مؤسسي الحراك الجديد) دراسة فقهية برهن فيها على شرعية قيام الحكومة الإسلامية في عصر الغيبة، وكانت هذه الدراسة أول نشرة حزبية تتبناها «الدعوة». ويضيف السيد محمد مهدي الحكيم: أنه عرض فكرة تأسيس الحزب في العام 1958 على السيد طالب الرفاعي وعبد الصاحب دخيل ومحمد صادق القاموسي؛ فكان الأربعة يعقدون الاجتماعات التداولية الأولى لفكرة الحزب، ثم اقترح السيد طالب الرفاعي مفاتحة السيد محمد باقر الصدر؛ فوافق على الفور حين طرح عليه السيد مهدي الفكرة، ثم اقترح السيد الصدر ضم السيد مرتضى العسكري للعمل (وكان يقيم في الكاظمية)، حيث فاتحه بذلك من خلال رسالة حملها إليه السيد محمد مهدي الحكيم(6). ثم تمت مفاتحة السيد محمد باقر الحكيم والسيد حسن شبر والدكتور جابر العطا ومحمد صالح الأديب.

لقد استمرت مداولات تأسيس حزب الدعوة بين أصحاب الفكرة وأقرانهم الذين انفتحوا عليهم حتى أواسط العام 1957. وخلال الفترة من تموز/يوليو وحتى أيلول/سبتمبر من العام 1957 عقد أكثر من اجتماع تأسيسي تحضيري في النجف الأشرف، معظمها في بيت السيد محمد باقر الصدر. وكان آخرها هو الاجتماع التأسيسي النهائي الذي عقد في بيته، خلال شهر آب/أغسطس من العام 1957، وحضره ثماني شخصيات: السيد محمد باقر الصدر، والسيد محمد مهدي الحكيم، وعبد الصاحب دخيل، ومحمد صادق القاموسي، والسيد مرتضى العسكري، والسيد طالب الرفاعي، والسيد حسن شبر، والدكتور جابر العطا، والذي سبق اجتماع أداء القسم في كربلاء بشهرين. وفي تشرين الأول/أكتوبر من العام 1957 (ربيع الأول 1377 هـ) عقد اجتماع أداء القسم في دار إقامة المرجع الديني الإمام السيد محسن الحكيم في كربلاء؛ بحضور سبع شخصيات: السيد محمد باقر الصدر، السيد محمد مهدي الحكيم، عبد الصاحب دخيل، محمد صادق القاموسي، السيد مرتضى العسكري، السيد محمد باقر الحكيم ومحمد صالح الأديب، وغياب ثلاث أخرى من المؤسسين: السيد طالب الرفاعي والسيد حسن شبر والدكتور جابر العطا. وهو الاجتماع الذي يعده بعض مؤسسي «الدعوة» اجتماعاً تأسيسياً؛ كما يقول المؤسس محمد صالح الأديب؛ فيما يعده آخرون أول اجتماع رسمي للدعوة؛ كما يذهب المؤسس السيد مرتضى العسكري. بينما يعده مؤسسون آخرون اجتماعاً لأداء القسم وليس تأسيسياً؛ كما يؤكد المؤسسان السيد محمد مهدي الحكيم والسيد حسن شبر، وأن الاجتماع التأسيسي النهائي كان في النجف الأشرف وسبق اجتماع كربلاء بشهرين تقريباً؛ كما يثبت المؤسس السيد حسن شبر(7). في حين لا يعطي مؤسس آخر اجتماع كربلاء أية قيمة، ويعد التأسيس والتحضير كان في النجف الأشرف، وهي الرواية التي يتفرد بها المؤسس السيد طالب الرفاعي.

ويعتقد السيد طالب الرفاعي بأن كل اجتماعات حزب الدعوة التحضيرية والتأسيسية كانت في النجف حصراً، ولا وجود لاجتماع كربلاء الذي تم فيه أداء القسم، وأن الحزب تأسس بعد انقلاب 14 تموز من العام 1958، وهو ما ذكره في كتابه ((أمالي السيد طالب الرفاعي)). ومردّ هذا الاعتقاد إلى عدم حضور السيد طالب الرفاعي اجتماع أداء القسم في كربلاء، وأنه أدى القسم في النجف الأشرف بحضور السيد محمد باقر الصدر بعد اجتماع كربلاء بسنة تقريباً؛ أي بعد انقلاب 14 تموز من العام 1958؛ ولذلك يقرن تاريخ تأسيس حزب الدعوة بأدائه القسم شخصياً(8). في حين أن اجتماع كربلاء موثق توثيقاً دقيقاً، وقد وثّقته شخصياً نقلاً عن ثلاثة ممن حضروه: السيد محمد مهدي الحكيم والسيد محمد باقر الحكيم ومحمد صالح الأديب. كما وثّقه السيد حسن شبر عن جميع السبعة الذين حضروه؛ توثيقاً تفصيلياً(9)، كما دوّنه في بحوثه عن حزب الدعوة(10). وهو ما تقره أدبيات حزب الدعوة الرسمية بمزيد التفصيل(11). والمفارقة أن السيد طالب الرفاعي أشاد برواياتي في كتاب «سنوات الجمر» خلال لقائي به؛ بالرغم من أني تحدثت في الكتاب عن اجتماع كربلاء، وأبدى رضاه عن إنصافي لدوره؛ لأني أول من ذكر دوره في التأسيس والانطلاق(12). ولكن حين قرأت ما ذكره السيد الرفاعي في أماليه، وكنت أعدّ كلامه دراية وليست رواية؛ لكونه فاعلاً أساسياً في مشهد التأسيس منذ اللحظة الأولى لنشوء الفكرة خلال العامين 1956 و1957؛ فقد وجدت تعارضاً في بعض معلوماته وتحليلاته عن مرحلة التأسيس مع ما سمعته ودونته(13) على لسان كثير من المؤسسين والرعيل الأول؛ كالسيد محمد مهدي الحكيم والسيد محمد بحر العلوم والسيد محمد باقر الحكيم والسيد حسن شبر والسيد محمد حسين فضل الله والشيخ عبد الهادي الفضلي وآخرين. وقد ذكر لي السيد محمد بحر العلوم والسيد حسن شبر – بشيء من الاستغراب – ما يتعارض مع ما ذكره السيد الرفاعي في رواية التأسيس؛ بل عبّر السيد محمد بحر العلوم في أحد لقاءاتي به خلال العام 2013 عن انزعاجه من مصادرة السيد طالب الرفاعي لدوره وأدوار الآخرين وإلغائه بعض الوقائع(14).

ومن جانبه؛ يؤكد الشيخ على الكوراني وآخرون بأن مرحلة تأسيس حزب الدعوة وانطلاقه هي مرحلة عبد الصاحب دخيل بامتياز(15). كما يؤكد السيد حسن شبر بأن محمد هادي السبيتي التحق بهم بعد سنتين من التأسيس؛ وتحديداً في العام 1959(*). وتتعارض روايتا شبر والكوراني مع رواية عز الدين سليم الذي يعتقد بأن محمد هادي السبيتي كان في أجواء التأسيس، وأن فضل الانطلاق والتبلور يعود إليه، وأن دخيل كان الرجل الثاني(16).

ويبدو للوهلة الأولى أن هناك تعارضاّ في زوايا نظر المؤسسين والدعاة الأوائل فيما يرتبط بالتأسيس والخطوات الأولى. ولكنها في الحقيقة غير متعارضة؛ لأن مقتضى العمل السري وعدم انفتاح الدعاة على بعضهم واحتفاظ كل منهم بأسرار عمله، وتعدد الاجتماعات والمداولات؛ يؤدي إلى تنوع في الشهادات؛ فضلاً عن نسيان بعض المؤسسين والرواد التواريخ الدقيقة للأحداث والوقائع. وقد وجدت – عبر تفكيك الشهادات وتحليلها – بأنها تكمل بعضها؛ لأن كل مؤسس وملتحق بالتأسيس ينظر إلى الأمور من زاوية فعله ودوره وموقعه، ولا يوجد شخص بعينه يستطيع استيعاب جميع وقائع مرحلة نشوء الفكرة والتأسيس والانطلاق والانتشار خلال الأعوام (1956 إلى 1959)؛ لأن تأسيس حزب الدعوة كان جهداً جماعياً، ونواته الأولى كانت جماعية، وأن فكرة الحزب الإسلامي وتأسيس حزب إسلامي كانت حاضرة في أذهان جميع المؤسسين والدعاة الأوائل خلال عقد الخمسينات من القرن الماضي، وكان كثير منهم قد خطا خطوة لوحده قبل أن ينفتحوا على بعض خلال العام 1957؛ فضلاً عن طبيعة العمل السري ومحدودية انفتاح الدعاة على بعضهم. وبالتالي فإن وجود بعض الاختلاف في روايات المؤسسين أو الملتحقين بالتأسيس وأوائل الدعاة الذين كانوا في أجواء خطوات الحزب الأولى من العام 1956 وحتى العام 1959؛ يعود إلى أن كلاً منهم ينظر إلى مراحل التأسيس وخطوات العمل من زاويته وموقعه ودوره؛ كما ذكرنا سابقاً. ومن هنا كانت مهمتنا البحثية صعبة للغاية، وتتمثل في تفكيك هذه الإشكالية عبر تجميع الروايات وحصرها وضربها ببعض، ثم استخلاص النتائج منها. فمثلاً لا أزال أهتم بتواريخ انتماء الرواد إلى حزب الدعوة؛ لأنها تنفعني في مقاربة تواريخ الأحداث وتسلسلها؛ وعند طلبي ذلك منهم، وجدت أن كثيراً منهم لا يتذكر؛ حينها بات عليّ أن أستذكر تواريخ بعض الأحداث وتواريخ انتماء أقرانهم وغيرها من القرائن لأستخرج التاريخ الدقيق لانتمائهم، وبعدها أحدد تواريخ ووقائع أحداث اقترنت بأسماء هؤلاء الرواد.

وفي هذا الصدد يقول المؤسس السيد حسن شبر: ((الجلسة التي تم فيها أداء القسم في بيت السيد محسن الحكيم في كربلاء بتاريخ 12 تشرين الأول من العام 1957 كانت فقط لأداء القسم بالالتزام بمبادئ الحزب والعمل تحت خيمته والمحافظة على سريته. أما تأسيس الحزب فقد سبق جلسة أداء القسم بشهرين؛ أي في آب من العام 1957؛ خلال الجلسة الأخيرة التي عقدناها في بيت السيد محمد باقر الصدر في النجف الأشرف، وحضرتها أنا [السيد حسن شبر] والسيد محمد باقر الصدر نفسه والسيد محمد مهدي الحكيم وعبد الصاحب دخيل وجابر عطا والسيد مرتضى العسكري والسيد طالب الرفاعي ومحمد صادق القاموسي. وتم فيها مناقشة كل التفاصيل، بما فيها الاتفاق على أن تكون الجلسة اللاحقة لأداء القسم. أما فيما يخص تسمية الحزب فقد سمي بـ «الدعوة الأسلامية» في بداية العام 1958؛ أي بعد شهرين من أدائنا القسم. والدليل على أن الحزب تأسس قبل انقلاب 14 تموز من العام 1958 هذه الحادثة التي جرت خلال أيام الانقلاب التموزي: عندما شكل عبد الكريم قاسم حكومته استقطب بعض المختلفين في الأفكار السياسية، وحينها قال السيد مهدي الحكيم خلال أحد اجتماعاتنا: لو كنا قد أعلنا عن اسمنا لاختار عبد الكريم قاسم من حزبنا وزيراً أو اثنين))(17).

والرواية الرسمية لحزب الدعوة، التي أثبتها محمد صالح الأديب والسيد حسن شبر في أدبيات الحزب بعد العام 1980(بالرغم من أن الأديب لم يحضر اجتماع النجف وحضر اجتماع كربلاء، بينما حضر شبر اجتماع النجف ولم يحضر اجتماع كربلاء)؛ تعد اجتماع النجف اجتماعاً تأسيساً واقعياً، واجتماع كربلاء تأسيسياً رسمياً؛ لأن المؤسسين أدوا فيه القسم، ولأن الحزب حدد يوم 17 ربيع الأول 1377 هـ الذي يوافق 12 تشرين الثاني/أكتوبر من العام 1957 تاريخاً لانبثاقه.

أما نتائج بحوثي في هذا المجال، والتي استندت فيها إلى المعطيات التي حصلت عليها من خلال مقابلاتي مع كثير من مؤسسي الحزب وقادته وأعضائه الأوائل، واستخدام قواعد الجرح والتعديل، وتمحيص الروايات وضربها ببعض؛ فإن خلاصتها تؤكد أن حزب الدعوة الإسلامية تأسس في النجف الأشرف في آب/ اغسطس من العام 1957، وأن اجتماع النجف الأشرف في بيت السيد محمد باقر الصدر هو الاجتماع التأسيسي، وأن اجتماع أداء القسم في كربلاء في بيت السيد محسن الحكيم هو أول اجتماع رسمي للحزب، وأن من حضر أحدهما يعد من المؤسسين، وان المؤسسين هم عشرة: حجة الإسلام السيد محمد مهدي الحكيم، عبد الصاحب دخيل، آية الله السيد طالب الرفاعي، آية الله السيد محمد باقر الصدر، آية الله السيد مرتضى العسكري، آية الله السيد محمد باقر الحكيم، محمد صادق القاموسي، المحامي السيد حسن شبر، الدكتور جابر العطا، المهندس محمد صالح الأديب.

مؤسسو حزب الدعوة العشرة

يتلخص المعيار العلمي في تسمية مؤسسي حزب الدعوة الإسلامية في حضور أحد اجتماعين كما ذكرنا سابقاً:

1 – اجتماع النجف التأسيسي في آب/ أغسطس من العام 1957 في بيت السيد محمد باقر الصدر.

2 – اجتماع أداء القسم في كربلاء في 12 تشرين الثاني من العام 1957 في بيت السيد محسن الحكيم.

وبالتالي فليس حضور اجتماع النجف التأسيسي هو المعيار الوحيد، ولا اجتماع أداء القسم في كربلاء بعده؛ بل إن من حضر أحد الاجتماعين يعدّ مؤسساً. وبذلك فإن مؤسسي حزب الدعوة الإسلامية العشرة؛ على وفق معطيات وجودهم في مرحلة التأسيس في العام 1957، وحضورهم أحد اجتماعي النجف الأشرف وكربلاء؛ هم:

1 – آية الله السيد محمد باقر الصدر: عالم دين، كان عمره 22 عاماً حين شارك في تأسيس حزب الدعوة. ولد في مدينة الكاظمية (من توابع العاصمة بغداد) في العام 1935. حضر اجتماع النجف التأسيسي واجتماع أداء القسم في كربلاء. كان يدير معظم الاجتماعات التحضيرية والاجتماعين التأسيسيين، ويعدّ منظر حزب الدعوة والأبرز بين المؤسسين؛ باعتباره مجتهداً ومفكراً، ومحل ثقة علمية وفكرية وشخصية لدى المرجعيات الدينية النجفية والحوزة العلمية والوسط الثقافي الديني، وهو الذي كتب أسس حزب الدعوة وأطلق عليه اسم «الدعوة الإسلامية». وأصبح عضواً في أول لجنة قيادية رباعية للحزب. انسحب من التنظيم في العام 1961؛ أي أن عمره التنظيمي في حزب الدعوة أربعة أعوام؛ ولكنه بقي على علاقة وثيقة بالحزب حتى إعدامه؛ بل التحمت به تنظيمات حزب الدعوة في داخل العراق في العام 1979 وبايعته قائداً. أعلن مرجعيته الدينية في العام 1974. اعتقلته سلطات البعث العراقي عدة مرات، آخرها في بدايات نيسان/ابريل من العام 1980، وأعدمته في 9 نيسان/ابريل من العام نفسه؛ بعد أن عرضته لأشد صنوف التعذيب.

2 – حجة الإسلام السيد محمد مهدي الحكيم: عالم دين، كان عمره 22 عاماً حين شارك في تأسيس حزب الدعوة. ولد في مدينة النجف الأشرف في العام 1935. حضر اجتماع النجف التأسيسي واجتماع أداء القسم في كربلاء. وهو أول من فاتح الآخرين بفكرة الحزب. وتكمن أهميته المعنوية والاجتماعية في كونه نجل المرجع الأعلى للشيعة الإمام السيد محسن الحكيم والأنشط سياسياً بين أنجاله؛ فضلاً عن علاقاته الدينية والاجتماعية الواسعة. وكان السيد محمد باقر الصدر يميزه بدروس فقهية وأصولية خاصة. وبذلك فهو يمثل حلقة تأثير مهمة بين أبيه الإمام الحكيم والسيد محمد باقر الصدر. وأصبح عضواً في أول لجنة قيادية رباعية للحزب، ثم انسحب من التنظيم في العام 1961؛ أي أن عمره التنظيمي في حزب الدعوة أربعة أعوام؛ ولكنه بقي على علاقة وثيقة بالحزب حتى مغادرته العراق خلال العام 1969 بعد الهجمات الأمنية السياسية الإعلامية التي شنها نظام البعث على الحركة الإسلامية والنجف والمرجعية الدينية. بقي يعارض النظام حتى اغتاله نظام صدام خلال زيارته إلى السودان في العام 1988.

3 – آية الله السيد مرتضى العسكري: عالم دين، كان عمره 43 عاماً حين شارك في تأسيس حزب الدعوة. ولد في مدينة سامراء في العام 1912. حضر اجتماع النجف التأسيسي واجتماع أداء القسم في كربلاء. وهو أول من أدى القسم، باعتباره أكبر الحاضرين في اجتماع كربلاء سناً. وهو فقيه ومؤلف وباحث معروف، وصاحب حضور مهم في الوسط العلمي والاجتماعي في بغداد حيث كان يقيم. أصبح عضواً في أول لجنة قيادية رباعية لحزب الدعوة، ثم مسؤولاً للجنة القيادية بعد العام 1961 وحتى العام 1963. انتقل إلى إيران بعد ملاحقته من النظام البعثي. اختير بعد العام 1975 عضواً في لجنة الإشراف العليا على الحزب (القيادة العامة)، وبقي ضمن جسد الحزب حتى إجراء انتخابات القيادة في العام 1981؛ أي أن عمره التنظيمي في حزب الدعوة 24 عاماً متواصلاً؛ لكنه احتفظ بعلاقة وثيقة بالحزب بعد خروجه منه حتى وفاته في العام 2007.

4 – عبد الصاحب دخيل: ناشط إسلامي وتاجر، كان عمره 27 عاماً حين شارك في تأسيس حزب الدعوة. ولد في مدينة النجف الأشرف في العام 1930. حضر اجتماع النجف التأسيسي واجتماع أداء القسم في كربلاء. يمتلك وعياً حركياً مميزاً وخبرة في العمل التنظيمي الإسلامي؛ لأنه أسس مع آخرين الحزب الجعفري قبل عدة سنوات. وأصبح عضواً في أول لجنة قيادية رباعية للحزب، ثم عضواً في ثاني لجنة قيادية ثلاثية بعد العام 1961، ثم تناصف مهام الحزب مع محمد هادي السبيتي بعد العام 1963. عمره التنظيمي في حزب الدعوة 15 عاماً؛ تحمل خلالها مسؤولية العمل التنظيمي حتى اعتقاله في العام 1971 من نظام البعث العراقي. وبعد تعرضه لأشد صنوف التعذيب لحمله على الاعتراف؛ تم إذابة جسده وهو حي في حوض مادة حامض النتريك (التيزاب) في العام 1972.

5 – آية الله السيد طالب الرفاعي: عالم دين، كان عمره 26 عاماً حين شارك في تأسيس حزب الدعوة. ولد في مدينة الرفاعي (من توابع الناصرية في جنوب العراق) في العام 1931. حضر اجتماع النجف التأسيسي. كان متميزاً في وعيه الحركي، بسبب علاقاته بالأحزاب الإسلامية السابقة في تأسيسها، كجماعة الإخوان المسلمين وحزب التحرير. غادر العراق إلى مصر في العام 1969 ليكون ممثلاً للمرجعية الدينية فيه، وحينها انقطعت علاقته بحزب الدعوة؛ أي أن عمره التنظيمي فيه 12 عاماً. يعيش حالياً (2016) في الولايات المتحدة الأمريكية، وهو أحد مؤسسين اثنين فقط لا يزالان يعيشان على قيد الحياة.

6 – محمد صادق القاموسي: ناشط إسلامي وكاتب وشاعر وتربوي، كان عمره 35 عاماً حين شارك في تأسيس حزب الدعوة. ولد في مدينة النجف الأشرف في العام 1922. حضر اجتماع النجف التأسيسي واجتماع أداء القسم في كربلاء. تكمن أهميته في قربه من الفقيه المصلح الشيخ محمد رضا المظفر وعمله معه، فضلاً عن وعيه السياسي وخبرته في العمل التنظيمي الإسلامي؛ لاشتراكه في تاسيس الحزب الجعفري سابقا. درس في الحوزة العلمية النجفية إلى جانب دراسته في كلية منتدى النشر. انسحب من الحزب مبكراً؛ أي بعد حوالي عام على أداء القسم، وتفرغ للعمل الأدبي والثقافي والتربوي؛ أي أن عمره التنظيمي في حزب الدعوة عام واحد فقط. توفي في العام 1986.

7 – آية الله السيد محمد باقر الحكيم: عالم دين، كان عمره 18 عاماً حين شارك في تأسيس حزب الدعوة، وهو أصغر المؤسسين سناً(18). ولد في مدينة النجف الأشرف في العام 1939. حضر اجتماع أداء القسم في كربلاء، وهو نجل المرجع الأعلى الحكيم والتلميذ المقرب للسيد محمد باقر الصدر. وكانت العلاقة الخاصة للسيد محمد مهدي الحكيم والسيد محمد باقر الحكيم بالسيد محمد باقر الصدر، وكونهما نجلي المرجع الأعلى للشيعة، تميزانهما عن باقي المؤسسين في حسابات الاجتماع الديني الشيعي. انسحب من التنظيم في العام 1961؛ أي أن عمره التنظيمي في حزب الدعوة أربعة أعوام. استقر في إيران مهاجراً بعد ملاحقته من نظام البعث في العام 1980؛ وتوترت علاقته بالحزب في المهجر، نتيجة التنافس في مساحات العمل المشتركة. شارك مع فصائل الحركة الإسلامية العراقية في تأسيس «المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق» في العام 1982، ثم أصبح ثالث رئيس للمجلس في العام 1986(19). اغتيل في انفجار ارهابي في النجف الأشرف بعد عودته إلى العراق في العام 2003.

8 – المحامي السيد حسن شبر: محامي وناشط إسلامي، كان عمره 29 عاماً حين شارك في تأسيس حزب الدعوة. ولد في مدينة النجف الأشرف في العام 1928. حضر اجتماع النجف التأسيسي، كان يتميز باختصاصه الأكاديمي في القانون، وخبرته التنظيمية السابقة في الحزب الجعفري. تعرض للتعذيب الشديد بعد اعتقاله في العام 1971 حتى شارف الموت؛ لإصراره على عدم الاعتراف. أصبح ضمن قيادة حزب الدعوة في داخل العراق خلال العام 1979، وكان أحد الحلقات الرابطة بين السيد محمد باقر الصدر وحزب الدعوة حتى مغادرته العراق في العام 1980، ولايزال عضواً في قيادة الحزب (2016). عمره التنظيمي 59 عاماً دون انقطاع، وهو أطول عمر تنظيمي في تاريخ حزب الدعوة على الإطلاق. وهو أحد مؤسسين اثنين فقط لا يزالان على قيد الحياة.

9 – الدكتور جابر العطا: طبيب وناشط إسلامي، كان عمره 29 عاماً حين شارك في تأسيس حزب الدعوة. ولد في مدينة النجف الأشرف في العام 1928. حضر اجتماع النجف التأسيسي، وهو المؤسس الوحيد الذي ظل على تواصل سري بالحزب ولم يخرج من العراق طيلة فترة حكم النظام البعثي. وبعد سقوط نظام البعث استأنف عمله الحزبي في قيادة أحد أجنحة حزب الدعوة. عمره التنظيمي 54 عاماً؛ تخللتها فترة انقطاع متواصل في حدود 24 عاماً. توفي في العام 2011.

10 – المهندس محمد صالح الأديب: ناشط إسلامي ومهندس زراعي، كان عمره 25 عاماً حين شارك في تأسيس حزب الدعوة. ولد في مدينة كربلاء في العام 1932. حضر اجتماع أداء القسم في كربلاء. كانت له خبرة تنظيمية سابقة في منظمة الشباب المسلم. أصبح مسؤولاً عن تنظيم كربلاء منذ التأسيس، غادر العراق بعد ملاحقته من سلطات النظام العراقي السابق، وبقي قيادياً في الحزب حتى وفاته. عمره التنظيمي 39 عاماً دون انقطاع؛ من التأسيس وحتى وفاته في إيران في العام 1996.

ومن هنا؛ فإن من يعتقد أن المؤسسين غير هؤلاء العشرة، أو أنهم سبعة أو ثمانية، ويستثني اثنين أو ثلاثة من الأسماء أعلاه؛ فإنه لا يراعي المعيار العلمي في تسمية المؤسسين. وكذلك الأمر بالنسبة لتاريخ التأسيس؛ إذ إن من يعتقد أن التأسيس حصل بعد تشرين الأول من العام 1957، فهو أيضاً لا يراعي المعيار العلمي في قراءة عملية التأسيس وسياقاتها قراءة موضوعية دقيقة.

وفي هذا السياق تثار إشكالات حول علاقة السيد طالب الرفاعي والسيد حسن شبر والدكتور جابر العطا والسيد محمد باقر الحكيم ومحمد صادق القاموسي بعملية التأسيس. فهناك من يُشكل على ضم السيد طالب الرفاعي والسيد حسن شبر والدكتور جابر العطا إلى قائمة المؤسسين؛ بسبب عدم حضورهم اجتماع أداء القسم في كربلاء. وكما ذكرنا فإن اجتماع أداء القسم ليس المعيار الوحيد في تسمية المؤسسين؛ لأن الاجتماع التأسيسي كان في النجف، وحضره الثلاثة معاً؛ فضلاً عن أن الثلاثة كانوا مدعوين لاجتماع كربلاء، ولكنهم لم يحضروا بسبب سفر أو التزام طارئ. وقد تسبب عدم حضور السيد طالب الرفاعي اجتماع أداء القسم في كربلاء في نشوء شبهة لديه حيال حصول اجتماع في كربلاء أصلاً، وبالتالي نشوء شبهة لديه حول تاريخ التأسيس(20)، فضلاً عن عامل النسيان؛ بسبب عدم تدوين الأحداث وتواريخها في حينها.

وهناك من يُشكل على وجود السيد محمد باقر الحكيم ضمن المؤسسين، ويقول إنه كان يحضر الاجتماعات التحضيرية أحياناً لمرافقة أخيه السيد محمد مهدي الحكيم والاهتمام بالضيوف الحضور؛ سيما الاجتماعات التي كانت تعقد في النجف الأشرف في براني السيد محسن الحكيم وبيت السيد محمد باقر الصدر، وكان يافعاً لا يتجاوز عمره الثمانية عشر عاماً(21). ولكن بما أن السيد محمد باقر الحكيم قد أدى القسم في اجتماع كربلاء، وبقي متواصلاً مع العمل بعد ذلك لحوالي أربع سنوات، وكانت لديه حلقات تنظيمية، أصبح أعضاؤها من قادة «الدعوة» فيما بعد؛ فإنه يعد مؤسساً.

أما محمد صادق القاموسي؛ فهناك من يقول إنه خرج من الحزب مبكراً؛ أي بعد اجتماع أداء القسم بحوالي سنة تقريباً؛ لم يحضر خلالها سوى اجتماع أو اثنين، ولم يكن بناء الحزب قد اكتمل حينها. وربما من الصحيح القول بأن دور القاموسي لم يكن فاعلاً في بناء الحزب؛ ولكن الصحيح أيضاً أنه حضر اجتماعات النجف الأشرف منذ بدايات طرح فكرة الحزب، ولا سيما الاجتماع التأسيسي، ثم أدى القسم في اجتماع كربلاء، وبقي متواصلاً مع عمل الحزب لأكثر من سنة، وهذا يكفي لأن يكون أحد المؤسسين العشرة.

تجدر الإشارة إلى أن معدل عمر مؤسسي حزب الدعوة العشرة هو 27 عاماً، وأن 80 بالمائة من المؤسسين هم في العشرينات من أعمارهم. وظل الذين أمسكوا بقرار الحزب منذ العام 1961 شباباً دون الثلاثين من أعمارهم؛ بدءاً بعبد الصاحب دخيل وانتهاءً بمحمد هادي السبيتي والشيخ عارف البصري. وإذا كان معدل عمر المؤسسين وقادته الأوائل هو 27 عاماً؛ وأن قسماً منهم لم يكن قد تزوج بعد؛ فإن معدل عمر قادة حزب الدعوة الحالية (2016) هو 65 عاماً، وأن أعمار أحفاد بعضهم يساوي معدل عمر مؤسسي «الدعوة». ومن خلال المقارنة بين معدل عمر أعضاء أول قيادة للحزب وعمر أعضاء القيادة الحالية؛ يمكن التعرف على طبيعة المنتج الفكري والعقل الحركي والسلوك الميداني الذي قاد حزب الدعوة الإسلامية في سنواته الأولى ويقوده الآن.

ومن خلال التأمل في العمر التنظيمي لمؤسسي حزب الدعوة؛ يتوضح تأثيره ودوره في مسيرة الحزب. فمثلاً؛ محمد صادق القاموسي لم يكن له تأثير يذكر في مسيرة «الدعوة»؛ إذ ترك الحزب مبكراً؛ قبل أن يتبلور فكره وتنظيمه. بينما انقطعت علاقة السيد محمد باقر الحكيم بالحزب نهائياً بعد العام 1961، وانقطعت علاقة السيد طالب الرفاعي بالحزب في العام 1969، وقد كانت ضعيفة بعد العام 1964. بينما بقي السيد محمد مهدي الحكيم على علاقة بالحزب حتى العام 1969، كما بقي السيد الصدر على علاقة بالحزب حتى استشهاده؛ على الرغم من انفصال الأخيرين عن التنظيم في العام 1963. ويمكن القول إن السيد محمد باقر الصدر هو المؤسس الوحيد الذي بقيت علاقته مباشرة ومؤثرة بـ«الدعوة» حتى استشهاده؛ بالرغم من تركه التنظيم مبكراً.

وككل الأحزاب المعمِّرة؛ تتفاوت الأعمار الحزبية لمؤسسيها ورعيلها الأول وأعضائها تفاوتاً كبيراً؛ فهناك من المؤسسين من يغادر الحزب بعد مضي فترة قليلة على التأسيس، أو يبقى مسمّراً في التنظيم لعشرات السنين. ولكن ربما هناك ظاهرة يتفرد بها حزب الدعوة، ولها علاقة – أولاً – بمعادلات الوضع السياسي العراقي بعد العام 1968 والقمع الشديد الذي تعرض له شيعة العراق عموماً وحزب الدعوة خصوصاً، وأيضا لها علاقة – ثانياً – بمعادلات الاجتماع السياسي والديني الشيعي، والتي يضطر – عادة – عالم الدين والفقيه إلى مراعاتها؛ ولاسيما أن الذي يصل إلى وضع مميز في الحوزة العلمية أو في جهاز المرجعية الدينية أو في المنظومة الاجتماعية الدينية الشيعية؛ ألّا يكون حزبياً. ولذلك نجد المئات من علماء الدين الذين غادروا الحزب وتركوا التنظيم نزولاً على ضغوطات معادلات الاجتماع الديني الشيعي، والنجفي خصوصاً؛ لكنهم ظلوا يؤمنون بأهداف «الدعوة» ومسيرتها، وبقي كثير منهم متعاوناً مع الحزب ويساهم في حمايته ورعايته. حتى أن كثيراً من هؤلاء المغادرين يقولون بأنهم تركوا «الحزب» ولم يتركوا «الدعوة». ولذلك يوجد عرف راسخ في حزب الدعوة يقسم الدعاة إلى: «داعية منتظم»، وهو العضو الحالي الذي يعمل داخل التنظيم، و«داعية منقطع»، وهو العضو السابق الذي لا يزال يؤمن بمنهج الحزب وفكر الدعوة؛ ولكنه خارج التنظيم؛ سواء كان الخروج قصيراً أو طويلاً؛ مؤقتاً أو دائماً. كما أدت عمليات القمع داخل العراق إلى ابتعاد آلاف الدعاة عن الحزب قسراً، وقد عاد كثير منهم إلى التنظيم بعد سقوط دولة البعث في العام 2003؛ سيما الذين لم يغادروا العراق بعد تقطع خطوطهم التنظيمية وانفصالهم عن الحزب لعقدين متواصلين معدلاً. ومن هؤلاء – على سبيل المثال – أحد المؤسسين وهو الدكتور جابر العطا، الذي لم يغادر العراق، وانفصل قسراً عن تنظيمات الحزب لأكثر من عقدين من الزمن.

الرعيل الأول لحزب الدعوة

كانت هناك شخصيات موجودة أيضاً في أجواء تأسيس حزب الدعوة منذ البدايات الأولى؛ ولكنها كانت تبتعد مرة وتقترب أخرى، أو أنها كانت تشارك بشكل مساعد وليس مركزياً. وبالتالي لم تحضر اجتماع النجف التأسيسي الأول الذي سبق اجتماع كربلاء، كما لم تحضر اجتماع كربلاء؛ فلم تعد من المؤسسين؛ كالسيد محمد بحر العلوم والسيد محمد حسين فضل الله والشيخ محمد مهدي شمس الدين والشيخ عبد الهادي الفضلي وغيرهم. ولكن بعد التأسيس أصبح لها وجود مؤثر في «الدعوة».

إلى جانب المؤسسين العشرة؛ كان هناك عشر شخصيات محيطة بالمؤسسين، وكانوا مكملين لعملية التأسيس؛ خلال الأعوام من 1957 إلى 1959؛ هم:

1 – آية الله السيد محمد حسين فضل الله: عالم دين، كان عمره 23 عاماً حين انتمى إلى حزب الدعوة في العام 1958، ولد في النجف الأشرف في العام 1935، من أصل لبناني، انتقل إلى لبنان في العام 1966، وظل يرعى تنظيمات حزب الدعوة فيه. اختير بعد العام 1975 عضواً في لجنة الإشراف العليا على الحزب (القيادة العامة)، التي انحلت بعد العام 1981. كما كان الراعي اللبناني لحزب الله منذ تأسيسه. أعلن مرجعيته الدينية في نهايات عقد التسعينات من القرن العشرين بدعم قيادة حزب الدعوة وتنظيماته، وظل على علاقة وثيقة بالحزب حتى وفاته في بيروت في العام 2010.

2 – آية الله الشيخ محمد مهدي شمس الدين: عالم دين، كان عمره 22 عاماً حين انتمى إلى حزب الدعوة في العام 1958. مواليد النجف الأشرف في العام 1936، من أصل لبناني، انتقل إلى لبنان في العام 1969، وارتبط بتحرك السيد موسى الصدر، واختير نائباً له في رئاسة المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى، ولكنه بقي على علاقة وثيقة بحزب الدعوة؛ حتى أصبح بعد العام 1975 عضواً في لجنة الإشراف العليا على الحزب (القيادة العامة)، التي انحلت بعد العام 1981. توترت علاقته بحزب الدعوة بعد تصاعد خلافه مع السيد محمد حسين فضل الله، واختيار الحزب الوقوف إلى جانب السيد فضل الله. توفي في بيروت في العام 2001.

3 – آية الله الدكتور السيد محمد بحر العلوم: عالم دين وأكاديمي، كان عمره 31 عاماً حين انتمى إلى حزب الدعوة في العام 1958. من مواليد النجف الأشرف في العام 1927. انسحب من التنظيم في العام 1961. عمل في بغداد مع السيد محمد مهدي الحكيم والسيد مرتضى العسكري في إطار تمثيل مرجعية السيد محسن الحكيم في ستينات القرن الماضي. غادر العراق في العام 1970 بعد ملاحقته من سلطات البعث، وبقي في المهجر معارضاً للنظام حتى سقوطه في العام 2003، وحين عاد إلى العراق اختير رئيساً لمجلس الحكم الانتقالي. توفي في النجف الأشرف في العام 2001.

4 – الشيخ مهدي السماوي: عالم دين، كان عمره 23 عاماً حين انتمى إلى حزب الدعوة في العام 1958. ولد في مدينة السماوة في العام 1935. من تلاميذ السيد محمد باقر الصدر. كان فاعلاً في الحزب؛ فقد أسس تنظيمات الحزب في كثير من مدن جنوب العراق؛ انطلاقاً من مدينة السماوة. شارك في تفجير الحراك الثوري الذي قاده السيد محمد باقر الصدر في العام 1979؛ فاعتقلته السلطات البعثية، وتم إعدامه في العام 1980 ضمن وجبة ضمت أكثر من (150) من كوادر حزب الدعوة.

5 – آية الله الدكتور الشيخ عبد الهادي الفضلي: عالم دين وأكاديمي، كان عمره 23 عاماً حين انتمى إلى حزب الدعوة في العام 1958. ولد في مدينة البصرة في العام 1935، من أصل احسائي (شرق السعودية). من تلاميذ السيد محمد باقر الصدر. كان الشيخ عبد الهادي الفضلي مع محمد هادي السبيتي والشيخ عارف البصري أهم ثلاثة أشخاص من المجموعة الملتحقة بحزب الدعوة بعد مرحلة التأسيس. تم اختياره عضواً في اللجنة القيادة للحزب في العام 1963، وكان حينها عضواً في لجنة تنظيم النجف؛ ولكنه لم يلتحق بالقيادة؛ بعد أن رفض طلبه بإضافة عالم دين آخر للجنة القيادية، وبقي يعمل في تنظيم النجف حتى مغادرته العراق في العام 1971، وأقام في مدينة جدة السعودية؛ فتفرغ للعمل العلمي والأكاديمي. توفي في القطيف في العام 2013.

6 – المهندس محمد هادي السبيتي: مهندس كهرباء وناشط إسلامي وحركي، كان عمره 29 عاماً حين انتمى إلى حزب الدعوة في العام 1959. من مواليد بغداد في العام 1930، من أصل لبناني. كان عضواً في حزب التحرير قبل أن يكسبه السيد محمد مهدي الحكيم لحزب الدعوة. أصبح فاعلاً ومؤثراً في الحزب منذ بدايات انتمائه؛ حتى أصبح عضواً في اللجنة القيادية للحزب بعد العام 1961، وأهم منظر ومفكر في الحزب، ثم تناصف مسؤوليات الحزب مع رفيق دربه عبد الصاحب دخيل حتى العام 1972؛ وهو العام الذي أعدم فيه دخيل؛ حينها أصبح القيادي الأول في الحزب لغاية العام 1981، وكان يقود الحزب من لبنان ثم من الأردن بعد انتقاله إليه. أبعدته الانتخابات القيادية في العام 1981 عن الحزب؛ لأنه لم يشترك فيها. اعتقلته السلطات الأردنية في العام 1981، ثم سلمته إلى النظام العراقي بإلحاح شخصي من صدام حسين في العام 1984، وتم إعدامه في بغداد في العام 1988.

7 – آية الله الدكتور السيد عدنان البكاء: عالم دين وأكاديمي، كان عمره 20 عاماً حين انتمى إلى حزب الدعوة في العام 1959. مواليد النجف الأشرف في العام 1939. أصبح فاعلاً في الحزب، واختير عضواً في تنظيم النجف. بعد اعتقاله من سلطة البعث في العام 1971 وتعرضه للتعذيب، أطلق سراحه، وقطع علاقته بالحزب، وتفرغ للعمل العلمي، وتناقلت بعض أوساط الحوزة العلمية شبهة تعاونه مع نظام البعث، ولاسيما بعد تعيينه عميداً لكلية الفقه في النجف الأشرف في ثمانينات القرن الماضي.

8 – آية الله الشيخ مفيد الفقيه: عالم دين، كان عمره 22 عاماً حين انتمى إلى حزب الدعوة في العام 1959. ولد في النجف الأشرف في العام 1937، من أصل لبناني. من تلاميذ السيد محمد باقر الصدر. كان من الفاعلين في الحزب، ولكنه انسحب منه في أوائل عقد السبعينات من القرن الماضي، وتفرغ للعمل العلمي. انتقل إلى لبنان في العام 1991؛ بعد أن اعتقلت سلطات البعث ولديه وصهره وأعدمتهم في أعقاب فشل الانتفاضة الشعبانية في العام 1991. توفي في لبنان في العام 2016.

9 – حجة الإسلام الشيخ عارف البصري: عالم دين وأكاديمي، كان عمره 21 عاماً حين انتمى إلى حزب الدعوة في العام 1959. ولد في مدينة البصرة في العام 1937. كان عضواً في حزب التحرير قبل انتمائه للدعوة، وأصبح فاعلاً في الحزب منذ بدايات انتمائه؛ حتى تم اختياره عضواً في اللجنة القيادية للحزب في العام 1963، وكان حينها مشرفاً على لجنة تنظيم البصرة. وبعد إعدام عبد الصاحب دخيل في العام 1972 ومغادرة محمد هادي السبيتي العراق في العام 1973؛ أصبح الشيخ عارف البصري القيادي التنفيذي الأول في الحزب. اعتقلته سلطات البعث مع أكثر من (70) من قيادات «الدعوة» وكوادرها في العام 1974، وأعدمته في العام نفسه مع أربعة آخرين من كوادر حزب الدعوة.

10 – آية الله الشيخ كاظم الحلفي: عالم ديني وباحث، كان عمره 21 عاماً حين انتمى إلى حزب الدعوة الإسلامية في العام 1958، من مواليد مدينة المدينة (بمحافظة البصرة جنوب العراق) في العام 1937. انسحب من التنظيم في أواسط الستينات. أعدمه نظام صدام في العام 1982.

ولذلك يمكن القول إن أساس حزب الدعوة الإسلامية بُني بالعشرين المؤسسين والملتحقين بالتأسيس. ولكن تأثير بعض الذين أكملوا عملية التأسيس فاق دور بعض المؤسسين في بلورة فكرة الحزب وبناء فكره وهيكله؛ كمحمد هادي السبيتي والشيخ عبد الهادي الفضلي والشيخ عارف البصري. ولذلك إذا وضعنا من كان دوره الأقوى من المؤسسين إلى جانب من كان دوره متفوقاً من المحيطين المكملين لعملية التأسيس؛ فسنخرج بعشر شخصيات كانت الأكثر تأثيراً في تثبيت دعائم حزب الدعوة وتشييد أسسه؛ هم:

1 – السيد محمد باقر الصدر؛ مؤسس

2 – السيد محمد مهدي الحكيم؛ مؤسس

3 – عبد الصاحب دخيل؛ مؤسس

4 – السيد مرتضى العسكري؛ مؤسس

5 – السيد حسن شبر؛ مؤسس

6 – محمد صالح الأديب؛ مؤسس

7 – السيد محمد حسين فضل الله؛ ملتحق بالتأسيس

8 – الشيخ عبد الهادي الفضلي؛ ملتحق بالتأسيس

9 – محمد هادي السبيتي؛ ملتحق بالتأسيس

10 – الشيخ عارف البصري؛ ملتحق بالتأسيس

الجيل الأول من «الدعاة»

الجيل الأول في «الدعوة» هو جيل «الدعاة» الذين أعقبوا العشرين المذكورين من المؤسسين ومكملي عملية التأسيس. وقد انتسبوا إلى الحزب في الفترة من العام 1959 وحتى 1965، ومن أبرزهم:

1 – حجة الإسلام الشيخ مهدي الخالصي (عراقي)

2 – السيد هاشم الموسوي (عراقي)

3 – حجة الإسلام السيد إبراهيم المراياتي (عراقي)

4 – حجة الإسلام السيد هادي جواد الحكيم (عراقي)

5 – الدكتور السيد داود العطار (عراقي)

6 – آية الله الشيخ محمد مهدي الآصفي (عراقي من أصل إيراني)

7 – السيد موسى الخوئي (عراقي من أصل إيراني)

8 – السيد محمد كاظم البجنوردي (إيراني)

9 – السيد حامد المؤمن (عراقي)

10 – حجة الإسلام الشيخ مجيد الصيمري (عراقي)

11 – آية الله الدكتورالشيخ احمد الوائلي (عراقي)

12 – آية الله السيد مرتضى القزويني (عراقي من أصل إيراني)

13 – مهدي السبيتي (لبناني)

14 – آية الله السيد محمد حسين الطهراني (إيراني)

15 – آية الله الشيخ سلمان المدني (بحراني)

16 – آية الله السيد كاظم الحائري (عراقي من أصل إيراني)

17 – محمد بداي السالم (عراقي)

18 – آية الله الشيخ سلطان فاضل (أفغاني)

19 – هادي شحتور (عراقي)

20 – حجة الإسلام الشيخ علي أصغر الأوحدي (باكستاني)

21 – السيد حسين جلوخان (عراقي)

22 – السيد نوري طعمة (عراقي)

23 – حجة الإسلام السيد عبد الامير علي خان (عراقي)

24 – آية الله السيد علي الأمين (لبناني)

25 – حجة الإسلام السيد عبد الرحيم الشوكي (عراقي)

26 – آية الله الشيخ محمد هاشم الصالحي (أفغاني)

27 – آية الله السيد ذي شان حيدر (هندي)

28 – آية الله الشيخ محمد علي التسخيري (عراقي من أصل إيراني)

29 – آية الله الشيخ مهدي العطار (عراقي من أصل إيراني)

30 – حجة الإسلام السيد سامي البدري (عراقي)

31 – عز الدين سليم (عبد الزهرة عثمان) (عراقي)

32 – علي الأديب (عراقي)

33 – حجة الإسلام الشيخ حسن فرج الله (عراقي)

34 – آية الله الشيخ عيسى قاسم (بحراني)

35 – آية الله السيد عبد الله الغريفي (بحراني)

36 – آية الله الشيخ عبد الأمير الجمري (بحراني)

37 – حجة الإسلام الشيخ حسين الكوراني (لبناني)

38 – حجة الإسلام الشيخ صبحي الطفيلي (لبناني)

39 – حجة الإسلام الشيخ علي الكوراني (لبناني)

40 – حجة الإسلام الشيخ حسن ملك (لبناني)

41 – آية الله السيد عارف الحسيني (باكستاني)

42 – قاسم عبود (عراقي)

43 – حجة الإسلام الدكتور الشيخ عبد الزهرة البندر (عراقي)

44 – الدكتور محمد تقي مشكور (عراقي)

45 – آية الله السيد عبد الكريم القزويني (عراقي)

46 – حجة الإسلام الشيخ حسين علي البشيري (عراقي)

47 – الدكتور صاحب الحكيم (عراقي)

48 – حجة الإسلام السيد علاء الدين الحكيم (عراقي)

49 – حجة الإسلام الشيخ حسن عبد الساتر (لبناني)

50 – آية الله السيد نور الدين الإشكوري (عراقي من أصل إيراني)

51 – عمران الطريحي (عراقي)

52 – الدكتور خير الله السعداني (عراقي)

53 – كاظم التميمي (عراقي)

54 – حجة الإسلام السيد علاوي الهاشمي (عراقي)

55 – عدنان سلمان (عراقي)

56 – آية الله السيد عبد المنعم الشوكي (عراقي)

57 – حجة الإسلام الشيخ سهيل نجم (عراقي)

58 – حجة الإسلام السيد فخر الدين العسكري (عراقي من أصل إيراني)

59 – حجة الإسلام السيد عز الدين القبانجي (عراقي من أصل إيراني) (عراقي)

60 – السيد كاظم النقيب (عراقي)

61 – عبد العزيز الصفار (عراقي)

62 – السيد جواد طالب (عراقي)

63 – مهدي عبد مهدي (عراقي)

64 – عبد الحمزة الموسوي (عراقي)

65 – حسن كريم الكوفي (عراقي)

66 – حمادة الدفان (عراقي)

67 – الدكتور فخري مشكور (عراقي)

68 – حجة الإسلام السيد عماد الدين الطباطبائي (عراقي من أصل إيراني)

علماً أن عدد «الدعاة» وصل حتى العام 1961 إلى حوالي (100) داعية في كل العراق؛ يتركز معظمهم في خمس مدن: النجف وبغداد والكاظمية وكربلاء والبصرة. وارتفع العدد إلى حوالي (500) عضو حتى العام 1965. وقد جاءت القفزة العددية الكبيرة بعد العام 1967. أما انتشار «الدعاة» في الدول الأخرى فقد بدأ في إيران منذ العام 1961، ولبنان منذ العام 1962، والبحرين منذ العام 1965، والكويت والسعودية منذ العام 1967.

وأشير هنا إلى أن أنصار بعض الشخصيات التي انتمت في يوم ما إلى حزب الدعوة، يبذلون قصارى جهدهم لنفي حقيقة هذا الانتماء؛ سيما أنصار الشيخ محمد مهدي شمس الدين (لبنان) والشيخ سليمان المدني (البحرين) والشيخ أحمد الوائلي (العراق) والسيد محمد محمد صادق الصدر(العراق) والسيد عباس الموسوي (لبنان) والسيد حسن نصر الله (لبنان) وغيرهم. وبعد نشر أي مقال أو بحث في هذا المجال، تأتي اتصالات ورسائل لنفي هذه الحقيقة، ويفضّل آخرون التشهير على وسائل الإعلام. والحقيقة أن انتساب أية شخصية إلى حزب الدعوة في وقت من الأوقات، لا يعني بالضرورة أنها بقيت محتفظة بانتمائها للدعوة، أو بقيت تؤيد منهج حزب الدعوة وعمله وسلوكه، كما لا يمكن إسقاط الحاضر على التاريخ. وبالتالي؛ فلكل شخصية ظروفها الموضوعية والذاتية في الانتساب للدعوة وفي تركه أو في استمرارها وفي تأييده وفي معارضته. وانتساب الأشخاص إلى حزب الدعوة هو موضوع تاريخي صرف؛ لا يرفع من شأن الفرد ولا يحط منه؛ حتى لو سبق له الانتماء إليه يوماً واحداً فقط. وهكذا اختلافهم مع الحزب أو مع قيادته أو مع نظريته. وبالتالي، فإن النفي والإثبات لا يلغيان الحقيقة.

شخصية «الدعوة» في معايير الاجتماع الديني والسياسي

من خلال إخضاع مؤسسي حزب الدعوة الإسلامية العشرة والملتحقين بالتأسيس العشرة، وهم: السيد محمد باقر الصدر، السيد طالب الرفاعي،  السيد محمد باقر الحكيم، محمد صادق القاموسي، السيد محمد مهدي الحكيم، عبد الصاحب دخيل، السيد مرتضى العسكري، السيد حسن شبر، محمد صالح الأديب، الدكتور جابر العطا، السيد محمد حسين فضل الله، الشيخ محمد مهدي شمس الدين، الشيخ كاظم الحلفي، السيد محمد بحر العلوم، الشيخ مهدي السماوي، الشيخ عبد الهادي الفضلي، محمد هادي السبيتي، الشيخ عارف البصري، الشيخ مفيد الفقيه والسيد عدنان البكاء؛ إلى معايير علم الاجتماع السياسي والديني والثقافي؛ يمكننا الوقوف على الملامح الشكلية والجوهرية التي تميز بها حزب الدعوة الإسلامية عند تأسيسه؛ لأن انتماءات المؤسسين الاجتماعية ومناخاتهم الثقافية واختصاصاتهم، تؤثر حتماً في توجهات الحزب ومزاجه العام وملامحه الثقافية والاجتماعية، وأهم هذه الملامح:

1 – أن أغلبية المؤسسين والملتحقين بالتأسيس العشرين، كانوا يمتلكون وعياً سياسياً وحساً حركياً، سابقاً على تأسيس حزب الدعوة؛ وكانوا شخصيات عاملة وناشطة إسلامياً؛ ما يجعلهم يتميزون عن أقرانهم، سواء في الحوزة العلمية أو في الوسط الديني والاجتماعي.

2 – أن 70 بالمائة من المؤسسين والملتحقين بالتأسيس العشرين، هم من علماء الدين العاملين في الحوزة العلمية، و30 بالمائة منهم أصحاب مهن واختصاصات متنوعة: محامي، تاجر، مهندس، إداري وطبيب. وإذا أخذنا اجتماع النجف التأسيسي – مثلاً ـ؛ بحضور الشخصيات السبع؛ فسنرى أن حصة علماء الدين تفوق حصة غير علماء الدين بنسبة 10 بالمائة. أما اجتماع أداء القسم في كربلاء بحضور الشخصيات السبع التي أدت القسم الأول؛ فسنرى أن حصة علماء الدين هي 58 بالمائة مقابل 42 بالمائة لغير علماء الدين. وكانت القيادة الرباعية الأولى تتكون من 75 بالمائة علماء دين، و25 بالمائة من غير علماء الدين. وبقيت معادلة هيمنة علماء الدين على القيادة ومفاصل العمل حتى انسحاب السيد محمد باقر الصدر والسيد محمد مهدي الحكيم، وتبعه انتقال القيادة من النجف إلى بغداد عام 1961، وتشكيل القيادة الثلاثية؛ فكان أعضاؤها عالم دين واحد هو السيد مرتضى العسكري المشرف العام، واثنين من غير علماء الدين، هما عبد الصاحب دخيل المسؤول التنظيمي ومحمد هادي السبيتي المسؤول السياسي والفكري.

3 – إن جميع المؤسسين والملتحقين بالتأسيس العشرين، من مواليد العراق، و55 بالمائة منهم من مواليد النجف الأشرف، ومن أُسر نجفية معروفة أو مقيمة في النجف، هم: السيد مهدي الحكيم وعبد الصاحب دخيل والسيد محمد باقر الحكيم والسيد حسن شبر والدكتور جابر العطا ومحمد صادق القاموسي والسيد عدنان البكاء والسيد محمد حسين فضل الله والشيخ محمد مهدي شمس الدين والسيد محمد بحر العلوم والشيخ مفيد الفقيه. أما الـ 45 بالمائة الآخرين فهم من باقي المدن العراقية: محمد صالح الأديب مواليد كربلاء، محمد باقر الصدر ومحمد هادي السبيتي مواليد الكاظمية، السيد مرتضى العسكري مواليد سامراء، السيد طالب الرفاعي مواليد الرفاعي (محافظة الناصرية)، الشيخ عارف البصري والشيخ كاظم الحلفي والشيخ عبد الهادي الفضلي من مواليد البصرة، الشيخ مهدي السماوي من مواليد السماوة (جنوب العراق)، كما كان 85 بالمائة من المؤسسين والملتحقين بالتأسيس يقيمون في النجف الأشرف، فيما كان ثلاثة فقط يقيمون خارج النجف، هم: السيد مرتضى العسكري في الكاظمية ومحمد صالح الأديب في كربلاء ومحمد هادي السبيتي. كما كانت جميع اجتماعاتهم التمهيدية والتحضيرية، وكذلك الاجتماع التأسيسي تعقد في النجف الأشرف، عدا اجتماع واحد في كربلاء كان مخصصاً لأداء القسم. وظلت اجتماعات القيادة تعقد في النجف حتى العام 1961.

ومن خلال المعطيات الثلاثة السابقة يمكن الوقوف على طبيعة المزاج الديني الاجتماعي والثقافي النجفي الذي ميّز حزب الدعوة الإسلامية، وبقي لصيقاً به عدة سنوات. وأخذ يخفّ تدريجياً بعد انتقال مركزية القيادة من النجف إلى بغداد في العام 1961؛ ولكنه لم يختف؛ وإن كاد خلال العقد الذي سبق العام 2003. بيد أن التاثيرات الاجتماعية الدينية للنجف عادت بشكل ملحوظ بعد عودة قيادات حزب الدعوة وتنظيماته المهاجرة إلى العراق بعد سقوط دولة صدام حسين، واستعادة النجف ومرجعيته العليا دورهما الأساس في الواقع الاجتماعي السياسي للعراق.

4- إن 70 بالمائة من المؤسسين والملتحقين بالتأسيس العشرين هم عراقيون، و20 بالمائة من أصل لبناني، و5 بالمائة من أصل أحسائي (السعودية) و5 بالمائة من أصل إيراني، أي أن 95 بالمائة هم من العرب.

5 – أن 65 بالمائة من المؤسسين والملتحقين بالتأسيس العشرين، لم تكن لديهم أية تجارب تنظيمية سابقة: السيد محمد باقر الصدر والسيد محمد مهدي الحكيم والسيد طالب الرفاعي والسيد مرتضى العسكري والسيد محمد باقر الحكيم، و35 بالمائة كانت لديهم تجارب في تنظيمات إسلامية شيعية: السيد عبد الصاحب دخيل ومحمد صادق القاموسي والسيد حسن شبر والدكتور جابر العطا كانوا في الحزب الجعفري سابقاً، ومحمد صالح الأديب كان في منظمة الشباب المسلم، و15 بالمائة منهم كانت لديه تجربة تنظيمية مع حزب التحرير، هم: الدكتور جابر العطا ومحمد هادي السبيتي والشيخ عارف البصري. أي أن أياً منهم لم يكن على علاقة تنظيمية بجماعة الإخوان المسلمين بأي تنظيم إسلامي سني، في حين كان لثلاثة منهم علاقة تنظيمية بحزب التحرير.

ولكن بعد اتساع تنظيمات حزب الدعوة وصعود كوادر جديدة؛ وخاصة بعد انتقال قيادة «الدعوة» إلى بغداد؛ صعد إلى القيادة عضو سابق في حزب التحرير هو محمد هادي السبيتي؛ الذي فاتحه السيد محمد مهدي الحكيم بـ«الدعوة» في العام 1959، ثم صعد عضو سابق آخر في حزب التحرير إلى القيادة في العام 1963 هو الشيخ عارف البصري. مع الأخذ بالاعتبار أن المؤسسين والدعاة الأوائل؛ حين كانوا يدونون أدبيات حزب الدعوة وأسسه وتقنياته التنظيمية؛ كانوا يطّلعون على كل التجارب الحركية الإسلامية وغير الإسلامية؛ الشيعية والسنية؛ كمنظمة الشباب المسلم ومنظمة العقائديين وجماعة الإخوان المسلمين وحزب التحرير والحزب الشيوعي والجماعة الإسلامية الباكستانية. إضافة إلى تأثر بعض رموز «الدعوة»؛ ولاسيما محمد هادي السبيتي وعبد الصاحب دخيل؛ بالفكر الحركي والنهضوي لشخصيات إسلامية سنية، كالشيخ حسن البنا وسيد قطب والشيخ محمد تقي النبهاني ومالك بن نبي والشيخ أبو الأعلى المودودي. وهو ما يدفع بعض الكتّاب للحديث عن تأثر حزب الدعوة بالفكر الحركي السني والتقنيات التنظيمية للجماعات الإسلامية السنية(22). وهذا التاثر هو تأثر طبيعي في معايير علم النفس الاجتماعي، ولا يمكن لأية ظاهرة اجتماعية أن تكون بمنأى عنه.

6 – أن 60 بالمائة من المؤسسين والملتحقين بالتأسيس العشرين، ينتمون إلى الطبقة الاجتماعية الدينية الأولى، وفقا لمعايير الاجتماع الديني الشيعي؛ أي البيوتات الدينية العلمية، وهم: السيد محمد باقر الصدر، السيد محمد مهدي الحكيم، السيد محمد باقر الحكيم، السيد حسن شبر، السيد مرتضى العسكري، السيد محمد حسين فضل الله، الشيخ محمد مهدي شمس الدين، السيد محمد بحر العلوم، الشيخ عبد الهادي الفضلي، محمد هادي السبيتي، الشيخ مفيد الفقيه والسيد عدنان البكاء. بينما كان و40 بالمائة إلى الطبقة الاجتماعية الدينية المتوسطة: محمد صادق القاموسي، محمد صالح الأديب، عبد الصاحب دخيل، السيد طالب الرفاعي، الدكتور جابر العطا، الشيخ كاظم الحلفي، الشيخ مهدي السماوي والشيخ عارف البصري؛ ما يعطي «الدعوة» موقعاً اجتماعياً رفيعاً جداً في الطبقة الاجتماعية الدينية.

وما سبق يعني انتماء مؤسسي «الدعوة» والملتحقين بتأسيسها إلى طبقة النخبة الاجتماعية الدينية. وظلت هذه السمة غالبة في بنية (الدعاة) الاجتماعية الدينية؛ إذ ظلوا ينتمون غالباً إلى أسر متدينة ومميزة اجتماعياً.

7 – أن جميع المؤسسين والملتحقين بالتأسيس العشرين، ينتمون إلى الطبقة المتعلمة تعليماً عالياً؛ إذ كان أحدهم مجتهداً، هو السيد محمد باقر الصدر، وكان 70 بالمائة منهم في مرحلة الدراسات العليا (البحث الخارج، وهي تعادل مرحلة دراسة الدكتوراه الجامعية) في الحوزة العلمية: السيد محمد مهدي الحكيم، السيد مرتضى العسكري، السيد محمد باقر الحكيم، السيد طالب الرفاعي، السيد حسن شبر، محمد صادق القاموسي، السيد محمد حسين فضل الله، الشيخ محمد مهدي شمس الدين، الشيخ كاظم الحلفي، السيد محمد بحر العلوم، الشيخ مهدي السماوي، الشيخ عبد الهادي الفضلي ، محمد هادي السبيتي، الشيخ عارف البصري، الشيخ مفيد الفقيه والسيد عدنان البكاء، وواحد في مرحلة السطوح (تسبق الدراسات العليا)، هم: ، عبد الصاحب دخيل، رغم عدم ارتدائه الزي الديني. ، وهو السيد حسن شبر الذي كان في مرحلة الدراسات العليا في الحوزة، ومتخرجاً من كلية الحقوق في الوقت نفسه. وكان أربعة من المؤسسين والملتحقين بالتأسيس خريجين جامعيين، هم: السيد حسن شبر، خريج كلية الحقوق وكان يجمع بين التحصيل الديني والأكاديمي، ومحمد صالح الأديب، خريج كلية الهندسة الزراعية، وجابر العطا، خريج كلية الطب، ومحمد هادي السبيتي، خريج كلية الهندسة المدنية. وبذلك فإن من مجموع العشرين المؤسسين والملتحقين بالتأسيس، كان 80 بالمائة منهم من المحصلين تحصيلاً دينياً، و5 بالمائة يجمع بين التحصيلين الديني والأكاديمي و15 بالمائة من خريجي الجامعات الأكاديمية.

وهذا الطابع الثقافي والتعليمي النخبوي أصبح جزءاً من الطقوس التنظيمية للحزب؛ إذ ظل حزب الدعوة حزباً نخبوياً يتعاطى – غالبا – مع طبقة المتعلمين؛ وإن انفتح في نهاية السبعينات على الطبقات الأقل تعليماً.

8 – أن جميع المؤسسين والملتحقين بالتأسيس العشرين، ينتمون إلى الطبقة المتوسطة اقتصادياً؛ فلم يكن بينهم ثرياً أو ينتمي إلى العوائل الثرية، كما لم يكونوا من العوائل الفقيرة. وقد تغير هذا الواقع إلى حد ما بعد انتشار حزب الدعوة المكثف في الستينات والسبعينات؛ إذ استقطب حزب الدعوة أعداداً من الأثرياء الشيعة في العراق والكويت والسعودية والإمارات المتحدة. كما انتمت إليه أعداد أكبر من أبناء الطبقات الفقيرة، إلّا أن السمة الغالبة لحزب الدعوة انتماؤه إلى الطبقة المتوسطة في جميع البلدان التي انتشر فيه، وأولها العراق.

9 – أن 95 بالمائة من المؤسسين والملتحقين بالتأسيس العشرين، ينتمون إلى الاجتماع الحضري، بينهم 70 بالمائة ينتمون الى المدن العراقية المقدسة الأربع في الوسط؛ فكان السيد محمد مهدي الحكيم والسيد محمد باقر الحكيم والسيد حسن شبر وعبد الصاحب دخيل ومحمد صادق القاموسي والسيد محمد حسين فضل الله والشيخ محمد مهدي شمس الدين والسيد محمد بحر العلوم والشيخ مفيد الفقيه والسيد عدنان البكاء، ينتمون إلى حاضرة النجف، ومحمد صالح الأديب الى حاضرة كربلاء، والسيد محمد باقر الصدر ومحمد هادي السبيتي الى حاضرة الكاظمية، والسيد مرتضى العسكري الى حاضرة سامراء. بينما كان أربعة ينتمون الى حواضر جنوب العراق، هم: الشيخ كاظم الحلفي، الشيخ مهدي السماوي، الشيخ عبد الهادي الفضلي والشيخ عارف البصري، أما الوحيد الذي كان ينتمي إلى الاجتماع الريفي فهو السيد طالب الرفاعي، من ناحية الرفاعي في محافظة الناصرية جنوب العراق. وبذلك كان حزب الدعوة ينتمي في تأسيسه إلى الاجتماع الحضري الديني.

وظلت معظم السمات الاجتماعية التأسيسية التسع السالفة حاضرة بشكل وآخر في حزب الدعوة الإسلامية، وجزءاً من بنيته؛ أي أنه ظل ينتمي إلى الوسط النخبوي الشيعي؛ الاجتماعي والديني والتعليمي والثقافي.

القابلية على التغيير في حراك الدعاة الأوائل

قد يطرح استفهام موضوعي كبير حول قدرة (20) شاب بعمر العشرينات، وهم مؤسسو حزب الدعوة والملتحقين بالتأسيس، على إحداث كل هذا التغيير الذي تتحدث عنه أدبيات «الدعوة»؛ في ظل وجود آلاف الفقهاء وعلماء الدين في النجف خصوصاً والعراق عموماً؛ فضلاً عن التنظيمات الايديولوجية الجماهيرية المنتشرة في الوسط الشيعي؛ كحزب البعث والحزب الشيوعي، والإقطاع الاجتماعي والاقتصادي في العراق! وفي هذا الخصوص أرى أن جملة من المعادلات خدمت الدعاة الأوائل العشرينيين في إحداث التغييرات التي أشارت إليها أدبيات حزب الدعوة؛ أهمها:

1 – إن الوسط الشيعي كان يعاني من الفراغ في وجود تنظيم شيعي تغييري ايديولوجي، يواجه حزب البعث والحزب الشيوعي من جهة، ويوازي حزب التحرير وجماعة الإخوان المسلمين من جهة أخرى، ويكون في طول التقليدية الدينية من جهة ثالثة؛ الأمر الذي حقق لحزب الدعوة انتشاراً سريعاً ونوعياً في الوسط الشيعي الديني التواق إلى التنظيم وإلى الإصلاح على المستويات الدينية والاجتماعية والسياسية، وجعل الشباب الشيعي المتدين المتعلم يتفاعل بقوة مع التنظيم الجديد وينخرط فيه ويتبنى أفكاره. وحماس هذا الشباب في الحركة والتغلغل والنفوذ، جعلهم يمسكون بمفاصل التأثير المباشر في العمل الثقافي والديني وفي المؤسسات والجمعيات الثقافية والدينية والعلمية القائمة، ولاسيما جماعة العلماء وكلية الفقه وجمعية منتدى النشر في النجف الأشرف، ثم جماعة العلماء في الكاظمية وبغداد وغيرها.

2 – إن الدعاة الأوائل كانوا يتمتعون بحماية المرجعية الدينية العليا المتمثلة بالإمام السيد محسن الحكيم، ومن بعده مرجعية الإمام السيد أبي القاسم الخوئي؛ إضافة إلى المرجعيات الكبيرة الأخرى كالسيد عبد الله الشيرازي والسيد محمود الشاهرودي. فضلاً عن احتماء الدعاة بعدد من كبار الفقهاء الإصلاحيين، كالشيخ محمد رضا المظفر والشيخ مرتضى آل ياسين والشيخ محمد أمين زين الدين والسيد اسماعيل الصدر. بل كان لعمل أعضاء حزب الدعوة في إطار مرجعية الإمام الحكيم ومشروعاته الدينية والثقافية؛ كالمكتبات العامة مثلاً؛ أكبر الأثر في انتشار «الدعوة» وفي تغطيتها دينياً واجتماعياً. كما أن عدداً كبيراً من الدعاة الأوائل كان ينتمي إلى البيوتات الدينية العراقية واللبنانية والإيرانية ذات التاثير الاجتماعي الكبير في النجف؛ كآل الحكيم وآل الصدر وآل بحر العلوم وآل ياسين وآل فضل الله وآل شمس الدين وآل شبر وآل الغريفي وآل كاشف الغطاء وآل الجواهري وآل الخوئي. كما كان كثير من أولاد مراجع النجف وفقهائها وأحفادهم وأصهارهم أعضاء في حزب الدعوة. وبالتالي؛ كان لهذه الحماية الدينية الاجتماعية الأثر الأهم في تحرك الدعاة بحرية في الوسط الديني والاجتماعي الشيعي.

3 – ساهمت المدرسة الإصلاحية للشيخ محمد رضا المظفر مساهمة نوعية في احتضان الدعاة وحمايتهم وتسهيل انتشار حزب الدعوة ونموه؛ لأن «الدعوة» وجدت في أبناء هذه المدرسة قاعدة جاهزة اعتمدت عليهم في تحركها. حتى أن جمعية منتدى النشر في النجف الأشرف ومدارسها وكلية الفقه التابعة لها؛ وجميعها تأسس بجهود الشيخ محمد رضا المظفر، وظل يرأسها حتى وفاته في العام 1964؛ كانت بؤرة لعمل «الدعوة» ولتخريج الدعاة العلماء الجاهزين للتحرك. وهو ما كان يحصل في بغداد أيضاً في مؤسسات السيد مرتضى العسكري الدينية التعليمية في الكاظمية وبغداد؛ ولاسيما مدارس الإمام الكاظم والإمام الجواد وكلية أصول الدين. ولذلك نجد أن لمدرسة حزب الدعوة في التغيير والإصلاح جذوراً في أفكار وتوجهات الفقيه المجدد الشيخ محمد رضا المظفر، وبنسبة أقل في أفكار الزعماء الآخرين لحركة الإصلاح الإسلامي المعاصر في العراق في العقود الستة الأولى من القرن العشرين الميلادي؛ كالسيد هبة الدين الشهرستاني والشيخ محمد حسين كاشف الغطاء وغيرهما. ومن هنا؛ كانت البيئة التنموية التوعوية التي وفرتها مدرسة الشيخ المظفر لحزب الدعوة بالغ الأثر في احتضان الدعاة علمياً وفكرياً وثقافياً.

4 – بادر قياديو «الدعوة» وكادرها من علماء الدين العشرينيين إلى الانخراط في العمل ضمن جماعة العلماء في النجف الأشرف بعد تأسيسها في العام 1958 وجماعة العلماء في بغداد والكاظمية بعد تأسيسها في العام 1965. فقد كان الدعاة يمثلون الجهاز التنفيذي لجماعة علماء النجف، ويديرون مجلة الجماعة (الأضواء) ومنشوراتها وأعمالها الثقافية، وأبرزهم: السيد محمد باقر الصدر والسيد محمد مهدي الحكيم والسيد مرتضى العسكري والشيخ محمد مهدي شمس الدين والسيد محمد حسين فضل الله والسيد طالب الرفاعي والسيد محمد باقر الحكيم والسيد محمد بحر العلوم والشيخ عبد الهادي الفضلي والشيخ أحمد الوائلي والشيخ كاظم الحلفي والسيد عدنان البكاء والشيخ مهدي السماوي. وكانوا يستندون في حركتهم داخل الجماعة واستثمار إمكاناتها إلى دعم رئاستها المتمثلة بآية الله الشيخ مرتضى آل ياسين لهم وكثير من أعضاء الهيئة الإدارية للجماعة. أما ما يتعلق بجماعة علماء بغداد والكاظمية؛ فقد كان تأثير الدعاة أكبر حجماً؛ لأن معظم مسؤولي الجماعة كانوا من مؤسسي حزب الدعوة الإسلامية أو قادته.

5 – كان أعضاء حزب الدعوة من علماء الدين يمارسون من خلال عملهم كوكلاء وممثلين ومعتمدين لمرجعية السيد محسن الحكيم ومرجعية السيد أبي القاسم الخوئي ومرجعية السيد محمد باقر الصدر؛ دوراً ثنائياً؛ يعود بالفائدة المعنوية الكبيرة على حزب الدعوة، ويطرحه ممثلاً وحيداً وشرعياً للحالة الحركية الإسلامية الشيعية. وكان معظم هؤلاء الدعاة الوكلاء شباباً في العشرينات والثلاثينات، ولكنهم كانوا يتمتعون بالغطاء الديني المرجعي.

6 – كانت الأفكار التغييرية العميقة التي يطرحها الدعاة الأوائل؛ تلقى رواجاً كبيراً في الأوساط الاجتماعية الشيعية؛ التي تتلمس الحرمان السياسي والتمييز الطائفي بسبب ممارسات الدولة، ولاسيما في أوساط الشباب العربي القادم من مدن الفرات الأوسط والجنوب العراقي للدراسة في الحوزة العلمية النجفية وجامعة بغداد، إلى جانب الشباب الكردي والتركماني الشيعي القادم من شرق العراق وشماله. وكذا الشباب الشيعي القادم من جنوب لبنان وبقاعه، أو القادم من القرى البحرينية المحرومة، أو من المنطقة الشرقية المهمشة في السعودية، أو من قبائل الهزارة المستضعفة في أفغانستان. فكان تأثير هذه الأفكار المنبعثة من النجف الأشرف وبغداد أكبر بكثير من الوعظ الديني التقليدي، أو من الأفكار القومية التنظيرية والفكر الماركسي الذي يلامس حالة الحرمان بصورته العامة وليست الخاصة التي يعيشها الإنسان الشيعي بعنوانه المذهبي.

7 – كان الشباب العشريني الذي ينتمي لحزب الدعوة، هو الأنشط فكرياً وثقافياً على الساحة الدينية؛ فقد كان «الدعاة» هم العنوان الأبرز للتجمعات الثقافية ولحركة الكتابة والتأليف والخطابة والندوات. ومثال ذلك: السيد محمد باقر الصدر والسيد محمد مهدي الحكيم والسيد مرتضى العسكري والشيخ محمد مهدي شمس الدين والسيد محمد حسين فضل الله والسيد طالب الرفاعي والسيد محمد باقر الحكيم والسيد محمد بحر العلوم والشيخ عبد الهادي الفضلي والشيخ أحمد الوائلي والشيخ كاظم الحلفي والسيد عدنان البكاء والشيخ محمد مهدي الآصفي والشيخ محمد علي التسخيري والشيخ عارف البصري والشيخ علي الكوراني والسيد عبد الكريم القزويني والشيخ مهدي السماوي(23) وغيرهم. وكان تأثير كتاباتهم وحركتهم مهماً جداً في الهيمنة النسبية على الوسط الإصلاحي الديني. وكان هذا التأثير يحسب لمصلحة «الدعوة» وقدرتها على الاستقطاب؛ وإن كان الداعية يتحرك في مفصل معين بصفته الشخصية أو الدينية البحتة أو العلمية المؤسساتية.

8- كان الدعاة الأوائل، ومن بينهم المؤسسون والتشكيلة القيادية الأولى؛ ينتمون إلى عدة بلدان إسلامية؛ و لا سيما العراق ولبنان والسعودية وإيران وباكستان وأفغانستان والهند والكويت والإمارات المتحدة وسوريا وعمان والبحرين وغيرها، ومن أصول عرقية متعددة؛ عرب وكرد وفرس وتركمان وترك وهنود وأفغان وأذربيجانيين وهزارة وطاجيك وغيرها، وفيهم نسبة كبيرة من المستعربين المستعرقين من أصول إيرانية وهندية وباكستانية وأفغانية وأذربيجانية، وكذلك المستعرقين من أصول لبنانية وسعودية وعمانية وبحرينية، وأيضاً كويتيين وبحرينيين من أصول عراقية وإيرانية. وهذا التنوع في القوميات والوطنيات يعود إلى طبيعة الاجتماع الديني النجفي العالمي الذي ينتمي إليه حزب الدعوة، والذي قام على اندماج هذا الخليط وتجانسه وتضامنه؛ منذ أن تأسست حاضرة النجف الأشرف في العام 449 هـ/ 1057 م؛ أي قبل حوالي ألف سنة، وتحولها إلى عاصمة دينية اجتماعية لشيعة العالم، وقد أسس صرحها العلمي العرب والفرس والترك من بغداد والكوفة وخراسان وقم(24) وغيرها، وسكنتها قبل ذلك عوائل وعشائر من حواضر العراق وبواديه وأريافه، ومن حاضرة الحجاز وبادية نجد، ومن بلاد فارس وأذربيجان(25). ويضاف إلى خصيصة التنوع القومي والوطني والاجتماعي للدعاة الأوائل، الخصيصة الثقافية؛ فقد كانوا من المتعلمين تعليماً عالياً.

دور الإمام الصدر في تأسيس حزب الدعوة وقيادته

السيد محمد باقر الصدر هو أبرز المؤسسين العشرة لحزب الدعوة الإسلامية؛ بل أن أداءه ودوره أفرزاه قائداً للحزب في البعدين الفكري والإرشادي. وقد كان الحديث عن كون السيد الصدر مؤسساً للدعوة، متداولاً في أوساط الحزب منذ الستينات. ثم برز اسمه قائداً للحزب خلال العام 1979، بعد تفجير الصدر للتحرك المعارض لنظام البعث في العراق. ولكن تقدُّم السيد الصدر على باقي المؤسسين والقياديين في توجيه بوصلة حزب الدعوة خلال الفترة من العام (1957 إلى 1961)، ثم بقاءه مرشداً لحزب الدعوة وداعماً له؛ قد أقنع أجيال الدعاة والمؤرخين والمراقبين بأن السيد الصدر هو المؤسس الواقعي لحزب الدعوة وقائده الروحي ومرشده حتى استشهاده في العام 1980(26). ومن أبرز قرائن هذه الحقيقة:

1 – إن السيد محمد باقر الصدر هو أحد الخمسة الأوائل الذين ناقشوا فكرة الحزب بعمق ودقة، وأقرّ العمل على وفقها، وهو أبرز المؤسسين العشرة للدعوة.

2 – إن السيد محمد باقر الصدر ظل فقيه حزب الدعوة ومنظره وقائده الفكري؛ فقد أسس النظرية الفقهية لحزب الدعوة؛ التي دونها في بداية طرح فكرة الحزب في العام 1956، والتي استدل فيها على جواز إقامة تأسيس الدولة الإسلامية في عصر غيبة الإمام المهدي المنتظر، وإمكانية سعي جماعة إسلامية لتحقيق هذا الهدف. ولولا نظريته هذه لما تأسس حزب الدعوة. وهي في الواقع نظرية تأسيسية في الفقه السياسي الإسلامي الشيعي لم يسبقه فيها فقيه شيعي(27). كما كتب السيد الصدر أسس حزب الدعوة الإسلامية؛ المعروفة بالأسس الإسلامية؛ التي تمثل الأسس الفقهية والفكرية والسياسية للحزب، ولا تزال تمثل قاعدة حركة حزب الدعوة. وظل المؤسسون وقياديو «الدعوة» يعودون إلى السيد الصدر في التكييفات الفقهية والفكرية، وكان صاحب المبادرة في هذا المجال(28). وقد كان السيد الصدر الفقيه الوحيد في الحزب، وكان وجوده في الحزب أساسياً؛ لمركزه العلمي في الحوزة العلمية النجفية، ولحاجة الحزب إلى فقيه يقرر الموقف الشرعي للدعاة، ويواجه الإشكاليات التي تطرحها بعض أوساط الحوزة أو العناصر المتدينة حول الحزب ومواقفه وتفاصيل أدائه. وبالتالي فكثير من اهتمام المؤسسين كان منصباً على الإجابة على إشكاليات الفكر الفقهي التقليدي وتسويغ عملهم أمام المشككين في أوساط المنظومة الدينية الشيعية التي كانت لا تستسيغ العمل السياسي عموماً، والعمل الحزبي خصوصاً.

3 – كان السيد الصدر يدير الاجتماعات التحضيرية والتأسيسية في النجف الأشرف، وأدار اجتماع أداء القسم في كربلاء، وكان المفروض أن يكون أول من يقسم قسم الانتماء للحزب؛ لولا إصراره على ان يكون المرحوم السيد مرتضى العسكري أول من يؤدي القسم؛ باعتباره أكبر الأعضاء سناً (كان عمر العسكري آنذاك 45 سنة والصدر 22 سنة). وأقسم بعده السيد محمد باقر الصدر قسم الانتماء للحزب مباشرة؛ فكان ثاني من يقسم.

4 – اختار السيد الصدر للحزب اسم «الدعوة الإسلامية»، ونظّر لهذه التسمية كثيراً، ولم يكن اسماً؛ بل صفة وغاية وهدفاً ووظيفة.

5 – كان السيد الصدر العضو الأبرز في القيادة الرباعية الأولى (وإن لم تكن تسمى حينها قيادة رسمياً؛ بل تسمى لجنة العمل) التي تألفت بعد مرحلة التأسيس؛ والمؤلفة من السيد الصدر والسيد مهدي الحكيم وعبد الصاحب دخيل والسيد مرتضى العسكري، وكان الصدر يدير اجتماعاتها، وبمثابة أمينها.

6 – كان المشهور في مركز القرار الحوزوي النجفي والإيراني وأوساط المرجعيات الدينية، وقيادات الأحزاب السياسية العراقية واللبنانية والإيرانية؛ بأن السيد محمد باقر الصدر هو مؤسس حزب الدعوة الإسلامية ويقوده. فقد كشف حزب البعث العراقي هذا الأمر في وقت مبكر؛ فقام في عام 1961 أحد قيادييه في النجف (السيد حسين الصافي) بزيارة المرجعين السيد محسن الحكيم والسيد أبو القاسم الخوئي؛ وأبلغهم بخطورة الحزب الجديد الذي أسسه الصدر ويقوده؛ فكان جواب السيد الحكيم للصافي وهو ينهره: ((وهل تتصور أنك أحرص من السيد الصدر على الحوزة والنجف؟))(29). وكان جواب السيد الخوئي له: ((إذا كان السيد الصدر قد أسس هذا الحزب ويقوده؛ فأنا أول من ينتمي إليه)). وقد روى ذلك لي المرحوم الشيخ محمد باقر الأنصاري الذي كان حاضراً اللقاء(30). كما روى لي السيد موسى الخوئي أنه تحدث مع جده الإمام الخوئي حول الإشاعات التي كان يثيرها بعض حاشية (مكتب) السيد الخوئي ضد السيد الصدر أمام الوفود الطلابية التي كانت تزور النجف للقاء المرجعيات الدينية، ومنها شبهة كون السيد الصدر حزبياً وأنه يقود حزب الدعوة. فقال الإمام الخوئي: ((إذا كان محمد باقر الصدر في حزب الدعوة فأنا أيضاً سأكون في حزب الدعوة))(31). ونقل السيد كاظم الحائري عن المرجع الديني الإيراني السيد عبد الكريم الموسوي الأردبيلي، أنه امتدح السيد الصدر حين طرح بعض علماء الدين في إيران أواخر الخمسينات موضوع تأسيس السيد الصدر لحزب الدعوة(32). كما أني اطلعت على وثيقة سرية لحزب تودة الشيوعي الإيراني عام 1962 يؤكد فيها وجود حزب إسلامي شيعي في العراق اسمه حزب الدعوة ويقوده السيد محمد باقر الصدر. وكانت هذه الوثيقة ضمن محفوظات السافاك الإيراني (مخابرات الشاه). ومن المعروف أن بعض كوادر وقيادات حزب تودة الإيراني والحزب الشيوعي العراقي كان يتبادل المواقع التنظيمية بين الحزبين، فضلاً عن تبادل المعلومات بينهم لمواجهة الحركة الدينية في العراق وإيران.

7 – إن معظم تلاميذ السيد الصدر كانوا من الدعاة الأوائل أو دعاة المراحل اللاحقة، وأصبحوا من قيادات الحزب وكوادره فيما بعد، وكان هو الذي يبادر بتحريك بعض تلاميذه لضم زملائهم الآخرين إلى الحزب. وانتهى الأمر في العام 1979 إلى أن يكون ما يقرب من 60 بالمائة من تلاميذه، وحوالي 80 بالمائة من وكلائه في المدن العراقية كافة؛ أعضاء في حزب الدعوة. وبعد أن أصدر السيد الصدر حكمه الشرعي بفصل العمل الحزبي عن الحوزة العلمية في العام 1973؛ بهدف حفظ الحوزة العلمية النجفية والمرجعية الدينية وحزب الدعوة؛ فإنه استثنى بعض تلامذته داخل العراق، وكذلك وكلائه في المدن وتلامذته في خارج العراق؛ حرصاً على عدم إضعاف مسيرة الحزب وتنظيماته. وقد ألغى السيد الصدر حكمه نهائياً من خلال رسالته التي حملها تلميذه السيد عبد الكريم القزويني إلى قيادة الحزب خلال تواجدهم في مكة المكرمة في موسم الحج في العام 1979.

لم يحصل خلاف فكري أو منهجي أو سياسي أساس بين السيد الصدر وحزب الدعوة أو قيادته طيلة حياته. أما الحالات التي أدت إلى خلافات في الرأي والتوجه الميداني، فكان ذلك يدل على التلاحم بين الطرفين وعلى تدخل السيد الصدر المباشر في شؤون الحزب، وهو خلاف طبيعي يحصل في كل الأحزاب والتيارات والتنظيمات. فقد كانت الخلافات النظرية الميدانية والمزاجية بين أعضاء قيادة حزب الدعوة أنفسهم أكبر بكثير من أي خلاف مع السيد الصدر(33). صحيح أن السيد الصدر كان يبدي انزعاجه من تصرفات بعض قياديي «الدعوة» في الخارج وتصريحاتهم وكتاباتهم؛ ولكنها عموماً كانت تباينات لا تتجاوز الخلاف بين أبناء البيت الواحد؛ باستثناء رأيه بالشيخ علي الكوراني، الذي كان رأياً حازماً وعميقاً(34).

8 – كان السيد الصدر بعد العام 1974، وعلى إثر الضربتين الموجعتين اللتين وجهتهما دولة حزب البعث لحزب الدعوة؛ يجتمع مباشرة بالدعاة العسكريين والقائمين على التنظيم العسكري، ويدعوهم إلى تقوية التنظيم العسكري؛ لأنه الوحيد – في ظل القمع الشديد والإعدامات المتوالية – القادر على كبح جماح السلطة. وكان أحياناً يبدي عدم رضاه على حجم هذا التنظيم ويدفعه باتجاه الفاعلية الأكبر كماً ونوعاً. وبدأ من ذلك التاريخ يخصص للتنظيم العسكري أموالاً مما يصله من حقوق شرعية وحتى استشهاده.

9 – كان السيد محمد باقر الصدر حتى تاريخ استشهاده يدعو من يجتمع به من قيادة حزب الدعوة في الداخل ووكلائه ومعتمديه الدعاة في المدن العراقية بضرورة النهوض بعملية ضم الشباب المتدين إلى حزب الدعوة. وقد نقل لي عدد من وكلائه ومعتمديه؛ كالسيد حسن شبر والشيخ عبد الحليم الزهيري؛ بأن السيد الصدر في اجتماعاته الخاصة بهم في أواسط العام 1979 كان يؤكد ضرورة توسيع التنظيم وضم شباب جدد إليه(35). كما كان يجتمع بقيادة حزب الدعوة في الداخل مباشرة ويوجههم ويتابع عملهم، ولم تكن قيادة الداخل تخطو أية خطوة استراتيجية دون الرجوع إليه. ومن بين من كان يجتمع بهم من القياديين بانتظام: السيد حسن شبر ومهدي عبد مهدي والشيخ حسين معن وجواد الزبيدي.

10 – ظل السيد الصدر خلال العامين 1979 و1980 يكرر توصيته إلى مقربيه بالاهتمام بحزب الدعوة وبشبابه. وقد سَمع مقولاته المتواترة المشهورة ((أوصيكم بالدعوة خيراً فإنها أمل الأمة)) و((أوصيكم بشباب الدعوة فإنهم أملي)) كثير من تلامذته ومقربيه، ومنهم السيد محمود الهاشمي والسيد محمد باقر الحكيم والسيد حسن شبر والشيخ محمد رضا النعماني، ونقلوها عنه مباشرة.

11 – رفض السيد الصدر رفضاً قاطعاً طلب صدام حسين المتكرر إصدار فتوى بحرمة الانتماء لحزب الدعوة مقابل إيقاف قرار إعدامه. ولكنه فضّل الموت على ذلك. ولذلك كان حكم إعدامه طبقاً للقرار 461 الصادر في 31 آذار/مارس من العام 1980، على وفق المادة 156 عقوبات، والقاضي بإعدام كل من ينتمي إلى حزب الدعوة ويروج أفكاره ويعمل على تحقيق أهدافه(26).

وهناك قرائن ثانوية تشير جميعها إلى أن السيد محمد باقر الصدر كان أبرز مؤسسي حزب الدعوة؛ بل إن مسيرة التأسيس وسنوات الحزب الأولى أفرزته القيادي الأكثر تاثيراً؛ رغم أنه كان أحد الأعضاء الأصغر سناً بين المؤسسين العشرة؛ إذ كان السيد محمد باقر الحكيم الوحيد الذي يصغره سناً، أما السيد مهدي الحكيم فكان بعمره، أما المؤسسون السبعة الآخرون فكانوا أكبر منه سناً.

وفي السنوات اللاحقة؛ أي بعد انسحاب السيد الصدر من التنظيم في العام 1961؛ إثر طلب المرجع الأعلى السيد محسن الحكيم منه أن يبقى مرشداً للحزب؛ ولكن من خارج الحزب؛ فإن علاقته بـ«الدعوة» ظلت تلاحمية وقريبة جداً؛ إذ ظل يتابع شؤون الحزب ويتدخل لحل ما يعترضه من مشاكل وخلافات داخلية، ويشارك في التنظير والتخطيط له. وكانت أهم قضية تمكن من حسمها هو منع انهيار حزب الدعوة في العامين 1963 و1964؛ إثر حدوث خلاف عميق بين قيادة الحزب في بغداد ممثلة بالثنائي محمد هادي السبيتي وعبد الصاحب دخيل، ولجنة النجف ممثلة بالشيخ عبد الهادي الفضلي، وصدور بيانين انشقاقيين داخليين من الطرفين يفصل كل منهما الآخر من الحزب. فكان تدخل السيد الصدر حازماً في إنهاء الأزمة. بيد أن شوائب تعرضت لها العلاقة مع قيادة الحزب في عقد السبعينات من القرن الماضي، إلى مستوى التعارض في بعض القرارات، ولاسيما الفترة من العام 1972 وحتى مطلع العام 1979، حيث كانت العلاقة جدلية، وهي المرحلة التي كان فيها محمد هادي السبيتي القيادي الأول في الحزب. أي أن طبيعة العلاقة بين السيد الصدر وقيادة «الدعوة» ظلت ترتبط بنوعية حراك السيد الصدر في مواجهة النظام، ورؤية القياديين النافذين في «الدعوة» لهذه المواجهة. ففي الوقت الذي بادرت قيادة حزب الدعوة في الداخل إلى مبايعة السيد محمد باقر الصدر في العام 1979 على السمع والطاعة؛ فإن بعض أعضاء القيادة في الخارج كانوا يرون التريث في المواجهة لحين استكمال أدوات المعركة مع النظام العراقي(37).

موانع الاجتماع الديني والسياسي أمام انتشار«الدعوة»

في الوقت الذي كانت هناك حواضن لحزب الدعوة، وبيوتات دينية واجتماعية ومؤسسات ثقافية استثمرها الدعاة؛ فقد كانت هناك عقبات كبيرة أمام «الدعوة» وانتشارها وتمددها. فبعد مرحلة التأسيس الصعبة؛ واجه حزب الدعوة واقعاً أصعب خلال مرحلة الانتشار الأولى؛ التي استمرت حتى نهاية عام 1961. وتمثلت إشكاليات هذا الواقع بما يلي:

1 – إشكالية النظام السياسي في العراق؛ المبني على ركيزتي العنصرية والطائفية (عرب/سنة). وهو نظام قديم موروث تتمظهر ركيزتاه في تهميش الشيعة واضطهادهم على أساس طائفي، وتهميش الكرد والتركمان على أساس عنصري.

2 – إشكالية المنظومة الدينية الشيعية وموروثاتها الاجتماعية والسياسية فيما يرتبط بموضوعتي السياسية والدولة، وعلاقة الاجتماع السياسي الشيعي بالدولة والسلطة والمجتمع السياسي الرسمي؛ وهي علاقة انكفاء وقطيعة غالباً(38).

3 – إشكالية انتماءات النخبة الشيعية؛ الموزعة بين أحزاب السلطة الملكية، والتنظيمات القومية؛ العربية والكردية، والتنظيم الشيوعي، والتنظيمات الإسلامية السنية. وهذه الانتماءات هي قسرية وغير موضوعية غالباً؛ لأن النخب الشيعية عندما تريد التعبير عن نفسها سياسياً واجتماعياً وثقافياً؛ فإنها لم تكن تجد أمامها غير هذه التنظيمات العلمانية القومية والأممية، أو الإسلامية السنية(39).

4 – الموقف الفقهي والاجتماعي التقليدي للحوزة العلمية في النجف الأشرف؛ الذي لا يستسيغ التنظيم والتحزب والعمل السياسي وقيام دولة إسلامية. ويكمل هذا الواقع؛ غياب الموقف الفقهي في الموضوعات السياسية.

5 – الأوضاع السياسية والثقافية والاجتماعية الصعبة التي يعيشها الشيعة في مختلف دول العالم؛ ولاسيما في العراق ولبنان وإيران والكويت والسعودية والبحرين وباكستان وأفغانستان.

6 – فاعلية الحركات الإسلامية السنية؛ التي تعمل على الاستحواذ على الساحة الإسلامية بجانبيها السني والشيعي.

وعلى مستوى الحوزة العلمية النجفية؛ فقد عاش حزب الدعوة حالة الثنائية بين مرجعية الإمام الحكيم الإصلاحية ومرجعية الإمام الخوئي المحافظة. واستطاعت «الدعوة» إيجاد خط ثالث فاعل؛ ولكنه خفي وغير منظور؛ إلا أنه كان يتمظهر – غالباً – في الفعاليات والنشاطات المحسوبة على مرجعية الإمام الحكيم وجماعة العلماء في النجف الأشرف وكلية الفقة. وبذلك أصبح واقع الاجتماع الديني النجفي ينقسم في عقد الستينات من القرن الماضي إلى ثلاثة تيارات رئيسة:

1 – التيار الوسطي الإصلاحي؛ المتمثل في مرجعية الإمام السيد محسن الحكيم، وسمته: إصلاح شامل في الأمة وإصلاح مقيد في السلطة. ويتكون من خليط من علماء دين عراقيين وعرب وإيرانيين، وشبكة من البيوتات النجفية الدينية؛ العراقية وذات الأصول الإيرانية.

2 – التيار التقليدي المحافظ؛ المتمثل في مرجعية الإمام السيد إبي القاسم الخوئي، وسمته: إصلاح تقليدي في الأمة وانكفاء في موضوعة السلطة. ويتكون معظم التيار من علماء دين إيرانيين؛ فرس وأذربيجانيين (كان الإمام الخوئي من القومية الآذربيجانية الإيرانية).

3 – التيار التغييري الثوري؛ المتمثل في خط الفقيه الشاب السيد محمد باقر الصدر وحزب الدعوة الإسلامية، وسمته: إصلاح شامل في الأمة وتغيير جذري في السلطة. ويتكون معظم التيار من علماء دين شباب عراقيين وعرب وإيرانيين، وناشطين من غير علماء الدين من البيوتات الدينية النجفية والعراقية والعربية والإيرانية.

وبالرغم من أن تيار الصدر ـــــ حزب الدعوة؛ كان يحظى بدعم المرجعين الحكيم والخوئي، ويحتمي بهما حوزوياً وثقافياً واجتماعياً، ويحصل منهما على الدعم المالي والمعنوي؛ ولكنه كان يصطدم بشخصيات مؤثرة في مكاتبهما وفي إطار مرجعياتهما؛ لم تخف امتعاضها من وجود تيار إسلامي حزبي تغييري سياسي ثقافي يتعارض والطابع التقليدي المحافظ لحوزة النجف. في حين كان شخصا المرجعين الحكيم والخوئي ينظران بعين العطف والحماية للسيد الصدر وحزب الدعوة. الأمر الذي يقود إلى نتيجة راسخة مفادها أن الاجتماع الديني الشيعي العراقي لا يمكن أن يسير وينجح وينمو إلّا بوجود التيارات الثلاثة المذكورة (المحافظة والإصلاحية والثورية)؛ فهي ضرورية للإبقاء على حالة التوازن، شريطة أن تحافظ على تفاهمها وتكاملها وتوزيع الأدوار فيما بينها؛ كما كان الوضع عليه في عهد مرجعية الإمام الحكيم. وهذه المهمة الصعبة تقع على عاتق المرجع الأعلى في النجف؛ فهو الكفيل بتقوية التيارات الثلاثة معاً وخلق حالة التوازن بينها، وتنظيم أدوارها. وهو ما نجح فيه الإمام الحكيم والإمام الخوئي، ثم الإمام السيستاني فيما بعد؛ مع وجود تفاوت في نسب النجاح بالطبع؛ تبعاً لنوعية النظام السياسي الحاكم ولقدرة المرجع الأعلى على الإدارة العامة. مع الأخذ بالاعتبار أن الفرصة التي توافرت للإمام السيستاني بعد العام 2003 لم تتوافر لغيره من المرجعيات على مر التاريخ؛ إلّا لعدد محدود؛ كالشيخ المفيد والشريف المرتضى والشيخ الطوسي في بغداد خلال المرحلة البويهية، والشيخ الكركي والشيخ البهائي والشيخ المجلسي خلال المرحلة الصفوية.

وقد يرى بعض المراقبين مفارقة في هذا المجال؛ فكيف يدعم التيار الديني التقليدي المحافظ تياراً إصلاحياً وآخر ثورياً، أو العكس؟! والحقيقة أن من يعرف جزئيات تفكير المرجعية النجفية العليا وحركتها؛ يفهم بأن هذه المرجعية تمارس – عادة – دور الأبوة لكل التيارات والوجودات في الوسط الشيعي، وتعمل على حمايتها وعدم التفريط بها، وشدها إليها بهدوء وصبر؛ للحؤول دون انكفائها خارج المنظومة الدينية الشيعية؛ سواء كانت المرجعية نفسها ثورية أو إصلاحية أو محافظة.

بواكير حراك حزب الدعوة الإسلامية

لقد مارس حزب الدعوة الإسلامية نشاطه التنظيمي السري، والثقافي العلني عبر واجهات مختلفة؛ بشكل واسع بعيد انقلاب 14 تموز 1958؛ مستثمراً حالة حرية الرأي التي أوجدتها حكومة عبد الكريم قاسم؛ والتي تسبب في الوقت نفسه بانتشار موجات الإلحاد والأفكار العلمانية. فكانت هناك حاجة ملحة للتخفيف من وطأة تأثير هذه الموجات والتيارات على المجتمع العراقي. فضلاً عن الحاجة إلى بناء كتلة مؤمنة تغييرية قوية تعمل على بناء المجتمع عقائدياً؛ تمهيداً لإقامة دولة إسلامية؛ وهو المطلب شبه النهائي لحزب الدعوة. وعليه؛ لم يكن تأسيس «الدعوة» في حقيقة الأمر؛ رداً على تلك التيارات، وعلى الأحداث والأوضاع التي أفرزها انقلاب 14 تموز/ يوليو، أو المد الشيوعي، أو ليكون حزباً في مقابل الأحزاب الأخرى؛ بل كان مؤسسو حزب الدعوة ينظرون إلى عملهم باعتباره فعلاً استراتيجيا بعيد المدى، وذا أهداف كبيرة؛ بعيداً عن الأجواء الانفعالية والمؤثرات الآنية.

وانطلق الدعاة الأوائل يوسعون صفوفهم وينشرون تنظيمهم؛ فوجدوا أرضية خصبة في أواسط علماء الدين وطلبة الحوزة العلمية النجفية، وطلبة الجامعات والمعاهد في بغداد والبصرة والموصل وغيرها. وتغلغلت تنظيمات الحزب في الوسط الديني في النجف وكربلاء وبغداد والكاظمية والبصرة تغلغلاً كبيراً. وانفتح الحزب على غير العراقيين، وعلى أبناء الريف من الطبقات المتوسطة والمنخفضة. كما استقطب بكثافة غير مسبوقة أبناء القوميات غير العربية في العراق من كرد فيليين وتركمان وشبك وفرس. وقدر عدد أعضاء الحزب في العام 1960 بما يقرب من مائة عضو. ولكن العدد تضاعف بشكل كبير حتى العام 1963 بعد انتقال مركزية القيادة من العاصمة الدينية: النجف، إلى العاصمة السياسية: بغداد. وشهدت الطفرة العددية الكبيرة للحزب بعد العام 1964 حين أمسك بالتنظيم عبد الصاحب دخيل ومحمد هادي السبيتي. وقد شهدت انضمام بعض المتدينين السنة إلى حزب الدعوة؛ في العراق وخارجه؛ من منطلق رؤية القيادي محمد هادي السبيتي للدعوة باعتبارها حزباً عابراً للمذاهب. وكانت هذه الرؤية تحظى بقبول القياديَين الآخرين: عبد الصاحب دخيل والشيخ عارف البصري؛ ومعارضة قياديين آخرين؛ ولاسيما علماء الدين، كالسيد مرتضى العسكري. وظلت الرؤية العابرة للمذاهب تصطدم بالواقع وبموروثات الاجتماع الديني للمسلمين؛ بل ظلت تصطدم بالرؤية العقيدية والفقهية التي يطرحها غالبية علماء الدين في حزب الدعوة. وما لبثت أن انهارت الرؤية الانفتاحية للسبيتي بمرور السنين؛ ولاسيما بعد الصدام الشامل بين «الدعوة» والنظام العراقي في العام 1979.

وكان تعدد الانتماءات الاجتماعية والوطنية والقومية لأعضاء حزب الدعوة الأوائل؛ يساهم في تمكين حزب الدعوة من النفوذ في البلدان الأخرى. وقد أضافت هذه التعددية كثيراً لحزب الدعوة؛ إذ كان لها أكبر الأثر في مراكمة التنوع الثقافي الاجتماعي في بنية حزب الدعوة التنظيمية، وكانت تنسجم مع عالمية «الدعوة» وفكرها. واستطاع حزب الدعوة صهر هذا التنوع في بوتقته الفكرية، واستثمار إيجابياته وتجاوز سلبياته؛ مستفيداً بذلك من التجربة النجفية الوطنية والعالمية التي يزيد عمرها على الألف عام؛ على اعتبار أن حزب الدعوة هو وليد طبيعي للبيئة النجفية؛ وهي البيئة التي ظلت تمثل نتاجاً لتفاعل بيئات ثقافية اجتماعية متنوعة. وظل هذا النتاج غنياً، ومتفوقاً في عمقه وسعة أفقه على الأحاديات الثقافية المحلية؛ وهي ميزة نادرة تتمتع بها البيئة النجفية، وظلت تطبع حزب الدعوة بطابعها طيلة مراحل انتشار الحزب وامتداد تنظيماته إلى مختلف مدن العراق وغيره من البلدان العربية والإسلامية.

ولم يؤثر انفتاح حزب الدعوة على المدن والقوميات والبيئات الاجتماعية العراقية والعربية والمسلمة في الحفاظ على جذوره النجفية؛ فقد بدأ حزب الدعوة نجفياً في انتمائه الثقافي والاجتماعي؛ واستحال عراقياً وعالمياً في تنوع انتماءات أعضائه؛ إلّا أنه من الناحية الفكرية والتقاليد الدينية؛ بقي ينتمي إلى مدرسة النجف الأشرف. وربما كانت مرحلة المهجر هي التحدي الأكبر الذي واجه حزب الدعوة على هذا الصعيد؛ ولاسيما حين تواجدت قيادته في الجمهورية الإسلامية الإيرانية؛ حيث تأثيرات البيئة الفكرية الدينية الإيرانية وتقاليدها، ثم ظهور تيار مهم من فقهاء «الدعوة»؛ كالسيد كاظم الحائري والشيخ محمد مهدي الآصفي والشيخ محمد علي التسخيري وآخرين، وكثير من مثقفيها؛ يدعو إلى الذوبان في قيادة الإمام الخميني والدولة الإسلامية على وفق مبنى السيد محمد باقر الصدر؛ وهو مبنى لم يكن مألوفاً في النجف الأشرف. وفي مرحلة لاحقة اتجه عدد غير قليل من الدعاة إلى اتباع مدرسة السيد محمد حسين فضل الله غير التقليدية؛ المتباينة إلى حد ما في تقاليدها الفكرية والدينية عن مدرسة النجف؛ على الرغم من انتماء السيد فضل الله اجتماعياً وعلمياً إلى النجف. وفي المحصلة بقيت بوصلة حزب الدعوة تشير غالباً إلى مدرسة النجف. وهذا الأمر لا يزال قائماً؛ حتى في خضم الجدليات الجديدة/القديمة التي تحكم العلاقة بين حزب الدعوة والمرجعية النجفية.

قادة مراحل «الدعوة»

لتوضيح طبيعة تاثير الأفراد في التحولات الفكرية والسياسية والتنظيمية داخل حزب الدعوة، أو ما يمكن التعبير عنه بحجم التنظير الفكري والفعل التنظيمي والتاثير السياسي؛ نشير إلى أهم الشخصيات الفكرية والميدانية التي طبعت حزب الدعوة الإسلامية بطابعها؛ منذ تأسيسه وحتى كتابة هذه السطور:

1 – المرحلة التأسيسية ومابعدها (1957 – 1961): هي مرحلة السيد محمد باقر الصدر النجفية. ويلي الصدر في التاثير عبد الصاحب دخيل والسيد محمد مهدي الحكيم، ثم محمد هادي السبيتي بعد العام 1959. وفيها شهد الحزب أهم فصول التأصيل الفكري لنظريته، وبدأ يزحف تنظيمياً بهدوء خارج النجف باتجاه كربلاء والكاظمية وبغداد والبصرة. وهذه المرحلة تمثل مرحلة قيادة علماء الدين؛ فقد كان ثلاثة من أعضاء القيادة من علماء الدين وواحد فقط من غير علماء الدين. وانتهت هذه المرحلة بخروج اثنين من أعضاء القيادة من الحزب؛ هما السيد محمد باقر الصدر والسيد محمد مهدي الحكيم، ومعهما السيد محمد باقر الحكيم. وبذلك يكون أربعة من من مؤسسي الحزب قد تركوا التنظيم؛ إذ سبقهم في الخروج محمد صادق القاموسي في العام 1959.

2 – المرحلة الثانية (1961 – 1963): مرحلة السيد مرتضى العسكري البغدادية؛ يليه في التأثير الثنائي عبد الصاحب دخيل ومحمد هادي السبيتي. وهي المرحلة التي تسلم فيها العسكري مسؤولية اللجنة القيادية للحزب. وخلالها بدأ التحول التدريجي في بنية الحزب الحركية؛ ليأخذ شكله الحزبي الحديث. وقد بدأت هذه المرحلة بإعلان السيد مرتضى العسكري؛ عضو القيادة الرباعية العامة ومسؤول لجنة بغداد؛ بتحويل لجنة بغداد إلى قيادة عامة؛ بموافقة السيد محمد باقر الصدر. وكانت لجنة بغداد تضم إلى جانب العسكري عضوين هما عبد الصاحب دخيل ومحمد هادي السبيتي. وبذلك أضيف إلى القيادة عضو جديد هو محمد هادي السبيتي، واحتفظ العسكري ودخيل بعضويتهما في القيادة.

3 – المرحلة الثالثة (1963 – 1971): مرحلة الثنائي عبد الصاحب دخيل ومحمد هادي السبيتي البغدادية؛ يليهما في التأثير الشيخ عارف البصري؛ وذلك بعد أن ترك السيد مرتضى العسكري مسؤولية اللجنة القيادية في العام 1963. وتشكلت القيادة الرباعية – ابتداءً – من اثنين من علماء الدين هما الشيخ عبد الهادي الفضلي والشيخ عارف البصري، واثنين من غير علماء الدين؛ هما عبد الصاحب دخيل ومحمد هادي السبيتي. إلّا أن المسؤول البارز في لجنة النجف الشيخ عبد الهادي الفضلي اعترض على تساوي عدد علماء الدين مع غير علماء الدين في القيادة الجديدة، وطالب بإضافة عضو جديد من علماء الدين، وكان يقترح السيد طالب الرفاعي أو السيد محمد حسين فضل الله أو الشيخ محمد مهدي شمس الدين؛ الذين كانوا يدعمون الفضلي في توجهه. ولكن بعد فصول طويلة من الخلافات استمرت أكثر من سنة؛ تمكن السيد محمد باقر الصدر من حسمها في العام 1964؛ لتنتهي الأزمة بهيمنة غير علماء الدين على قيادة «الدعوة». بيد أن السيد العسكري والسيد الصدر لم يكونا يخشيان على سلامة فكر الحزب وعمله؛ لثقتهما الكاملة بسلامة فكر دخيل والسبيتي. وهذا الاختلاف هو امتداد لاختلاف مستمر حول موضوع أن يكون علماء الدين هم قيادة «الدعوة» أو أن يكونوا من غير علماء الدين (الأفندية)؛ بدأ في العام 1961؛ إذ كان السيد طالب الرفاعي والشيخ عبد الهادي الفضلي والسيد عدنان البكاء يمثلون اتجاه قيادة علماء الدين، ولذلك انفصلوا لسنة تقريباً في شق مستقل للدعوة؛ قبل أن يعودوا بوساطة السيد الصدر؛ بينما كان العسكري والسبيتي ودخيل ينظرون إلى الكفاءة والخبرة السياسية والفكرية والدينية وليس إلى الزي أو الاختصاص العلمي.

ويمكن القول إن هذه المرحلة هي الأهم في تاريخ الحزب؛ من ناحية اكتمال البناء الفكري والتنظيمي للدعوة. وكان خلالها الثنائي عبد الصاحب دخيل ومحمد هادي السبيتي يمسكان بجميع مفاصل العمل بشكل متوازن ومتكامل؛ على وفق الاختصاص، وقد يحصل تقدم وتأخر لأحدهما على الآخر على وفق الظروف. وكانت طبيعة المواهب الشخصية لكل منهما تجعله يتميز بدور معين. فمثلاً عبد الصاحب دخيل كان يمسك بالتنظيم المركزي لحزب الدعوة، أي أن أكثر من 75 بالمائة من خيوط التنظيم كانت بيده، وأحياناً يفوضها لبعض من كان معه في الحلقة التنظيمية المركزية، بينما كانت الـ 25 بالمائة يتقاسمها محمد هادي السبيتي والشيخ عارف البصري. وعلى هذا الأساس يمكن القول أن دخيل كان القائد التنظيمي للدعوة. بينما لم يكن محمد هادي السبيتي منشغلاً كثيراً بهموم التنظيم وخيوطه وخطوطه، قدر انشغاله بالتنظير للحزب والتخطيط له. ومن هنا يصح القول بأن السبيتي كان القائد الفكري للدعوة ومنظرها. وهذا لا يعني أن عبد الصاحب دخيل لم يكن ينظِّر للدعوة؛ فكثير من نشرات الفكر التنظيمي كان يكتبها بنفسه. فضلاً عن أن بعض تنظيمات «الدعوة» كان يشرف عليها السبيتي. وبالتالي كان لكل منهما موقعه القيادي المتفرد. وفي هذا الصدد تتباين الآراء إلى حد ما؛ فهناك قياديين ومسؤولين رواد يؤكدون بأن مرحلة ما قبل العام 1971 كانت مرحلة عبد الصاحب دخيل بامتياز، ويتبنى هذا الاتجاه بقوة الشيخ علي الكوراني؛ الذي يعتقد بأن عبد الصاحب دخيل هو الرجل الأول في «الدعوة» منذ التأسيس وحتى استشهاده، وأنه كان يهيمن بشخصيته وأدائه وعمره وفكره على جميع المؤسسين الآخرين والرعيل الأول؛ بمن فيهم السيد محمد باقر الصدر، وأن حضور دخيل في الحزب كان يضع الجميع في هامش العمل وليس صلبه. بينما يرى آخرون بأن محمد هادي السبيتي كان الرجل الأول في «الدعوة» منذ التأسيس؛ سيما بعد العام 1961؛ ومنظره وقائده. ويتبنى هذا الاتجاه بقوة عز الدين سليم.

والحقيقة أن كلا الرأيين المتعارضين للحليفين السابقين: عز الدين سليم والشيخ علي الكوراني بحاجة إلى تقويم؛ على وفق المعطيات والحقائق الثابتة؛ فبعد دراسة وافية لدور كلا الرجلين اعتماداً على تأكيدات قادة العمل ولاسيما العاملين معهما؛ توصلت إلى الحقيقة أعلاه؛ والمتمثلة في أن دخيل كان القائد التنظيمي، والسبيتي كان القائد الفكري والسياسي. وأكد لي السيد حسن شبر هذا الرأي؛ لأنه كان أكثر شخص لصيقاً بهما وبالسيد الصدر. وتتمثل الحقيقة في أن السيد محمد باقر الصدر كان أبرز وأهم من ترك بصمته في تأسيس الحزب، وأن عبد الصاحب دخيل كان الأهم تنظيمياً حتى العام 1972، وليس فكرياً، وأنه كان أحد أهم ثلاثة؛ إلى جانب السيد مرتضى العسكري ومحمد هادي السبيتي؛ بعد العام 1961، وأنه كان أحد أهم اثنين؛ إلى جانب محمد هادي السبيتي؛ بعد العام 1963، وبقي هكذا حتى اعتقاله في نهايات العام 1971، ولم يكن يوماً يقود الحزب بمفرده؛ كما يقول الشيخ علي الكوراني.

أما محمد هادي السبيتي فلم يشترك في تأسيس الحزب في العام 1957؛ بل التحق بالتنظيم بعد سنتين؛ أي في العام 1959 في وقت متقارب مع التحاق الشيخ عارف البصري بالحزب. وعندما التحق السبيتي بالحزب لم يصعد إلى قيادته؛ بل كان في الخط الثاني، في حين كانت اللجنة القيادية المتمثلة بالسيد محمد باقر الصدر والسيد محمد مهدي الحكيم وعبد الصاحب دخيل والسيد مرتضى العسكري هي التي تمثل الخط الأول حتى العام 1961، وكانت مركزيتها في النجف الأشرف؛ في وقت كان السبيتي يعمل تنظيمياً في بغداد، وكان مسؤول الحزب في بغداد هو السيد مرتضى العسكري. ولم يصعد السبيتي إلى القيادة إلا في العام 1961؛ حين خرج السيد محمد باقر الصدر والسيد محمد مهدي الحكيم من اللجنة القيادية. وحتى حين خرج العسكري من القيادة في العام 1963؛ فإن السبيتي بقي ثاني اثنين في قيادة الحزب. ولكنه أصبح بالفعل الرجل الأول في الحزب بعد العام 1971؛ عقيب اعتقال عبد الصاحب دخيل وإعدامه. وبقي السبيتي على هذا الحال حتى العام 1979، حين تحرك السيد محمد باقر الصدر في العراق، وتصدر زملاؤه وتلامتذته عمل الحزب؛ انطلاقاً من إيران؛ فانحسر موقع السبيتي بسرعة قياسية؛ ثم تلاشى دوره وفكره بعد العام 1981؛ جراء التحولات الثلاثة الكبيرة التي ذكرناها سابقاً.

وشهدت المرحلة الثالثة خروج مؤسس خامس من الحزب هو السيد طالب الرفاعي في العام 1969. وبذلك يكون عدد المؤسسين الذين خرجوا من الحزب حتى العام 1969 خمسة مؤسسين من مجموع عشرة؛ أي 50 بالمائة من المؤسسين. كما شهدت المرحلة خروج مفكر وفقيه وأكاديمي مهم من الحزب في العام 1971 هو الشيخ عبد الهادي الفضلي.

4 – المرحلة الرابعة (1972 – 1980): مرحلة محمد هادي السبيتي المهجرية؛ يليه الشيخ عارف البصري في التأثير حتى إعدامه في العام 1974؛ ثم الشيخ محمد مهدي الآصفي بعد العام 1979. وقد بدأت هذه المرحلة بإقدام سلطات البعث على اعتقال عبد الصاحب دخيل ثم إعدامه خلال العام 1972؛ فيما هجر محمد هادي السبيتي العراق في أواخر العام 1971 إلى لبنان. وبهذا أصبح السبيتي القيادي الأول في الخارج، والبصري القيادي الأول في العراق. وبعد إعدام الشيخ عارف البصري في العام 1974 والتصدع النوعي لقيادة الحزب وتنظيماته؛ فقد العراق ثقله القيادي الدعوي، وتنازل عن ثقله لمصلحة الكويت وإيران ولبنان؛ ففي الكويت بات يتواجد عدد كبير من القياديين والكوادر المتقدمة من العراقيين؛ كالشيخ محمد مهدي الآصفي والسيد هاشم الموسوي والسيد عبد الأمير علي خان وعز الدين سليم وغيرهم، إضافة إلى قيادات وكوادر غير عراقية كالشيخ علي الكوراني. بينما كانت لبنان تمثل الثقل الأول؛ بوجود القياديين اللبنانيين فيها؛ يتقدمهم رجل الحزب الأول محمد هادي السبيتي، إضافة إلى السيد محمد حسين فضل الله والشيخ محمد مهدي شمس الدين والشيخ صبحي الطفيلي وآخرين. أما إيران فكانت تمثل الثقل الثالث بوجود قياديين وكوادر متقدمة من ذوي الأصول الإيرانية؛ كالسيد مرتضى العسكري والسيد كاظم الحائري والشيخ محمد علي التسخيري.

وبعد إعدام الشيخ عارف البصري في العام 1974؛ بقي موقع الرجل الثاني في الحزب شاغراً حتى العام 1979؛ حين برز الشيخ محمد مهدي الآصفي رجلاً ثانياً في الحزب بعد محمد هادي السبيتي؛ بالرغم من سعي الشيخ علي الكوراني التصدي لهذا الموقع.

واللافت أن تصدع الثقل القيادي للحزب في العراق وتنظيماته في الأعوام (1972 وحتى 1976)، قابلته ست ظواهر إيجابية مهمة:

أ – التوسع الأفقي الكبير لتنظيمات الحزب داخل العراق؛ فقد شهدت المفاتحات خلال الأعوام (1976 وحتى 1979) كماً كبيراً يعادل كل ما كسبه الحزب من أعضاء طيلة تاريخه. وكان الكسب الجديد يتركز في ثلاث محطات مدنية أساسية هي جامعة بغداد وجامعة البصرة وجامعة الموصل.

ب – النمو الأفقي والعمودي لتنظيمات الحزب العسكرية؛ بشكل غير مسبوق؛ إلى مستوى استوعب كثيراً من قطاعات مؤسسة الجيش. ومن بين مئات الضباط التي استوعبتهم خطوط «الدعوة»، كان هناك دعاة يحملون رتباً عالية، فضلاً عن عدد من الطيارين(40).

ت – توسع تنظيمات الحزب أفقياً وعمودياً خارج العراق؛ بسبب الهجرات المكثفة للدعاة واستقرارهم في الدول العربية، ولاسيما لبنان والكويت والإمارات المتحدة، والدول الأوربية، ولاسيما بريطانيا. وفتح ذلك أمام الحزب أبواب استقطاب أبناء هذه البلدان بكثافة.

ث – تحوُّل الأسلوب التنظيمي للدعوة إلى مزيد من الحديدية والسرية؛ دفعاً لاختراق أجهزة النظام وضرباته. وبلغ الأمر أن يتحول الاتصال التنظيمي من الأسلوب العنقودي إلى الأسلوب الخيطي؛ فأصبح كل داعية مسؤولاً عن داعية واحد فقط في المدينة العراقية الواحدة، وينتهي الخيط إلى داعية يقيم في مدينة أخرى. ويكون مسؤول هذا الداعية مقيماً في خارج العراق. فمثلاً مسؤول تنظيم النجف يقيم في البصرة، وكان ارتباط هذا المسؤول بقيادي يقيم في الكويت. وبذلك تمكن الحزب خلال أربع سنوات من الاختفاء تماماً عن أعين السلطة؛ حتى تصورت أنها قضت على حزب الدعوة نهائياً؛ وهو ما تكشف عنه تقاريرها في العام 1976. ولكنها فوجئت بحجم تنظيمات «الدعوة» وقوتها خلال تحرك الشهيد الصدر خلال حزيران/ يونيو من العام 1979 وما بعده(41).

ج – تواجد معظم قياديي «الدعوة» وكثير من كوادرها خارج العراق وفي دول محددة؛ كلبنان والكويت وإيران؛ سمح له بكثير من الحرية بالانفتاح الأفقي بين هذه القيادات والكوادر؛ الأمر الذي كان يتيح لهم التنسيق الجماعي المباشر على مختلف الصعد(42).

ح – شهدت فترة مابعد العام 1974 دخول السيد محمد باقر الصدر في صلب عمل «الدعوة» في الداخل، وتواصله المباشر مع قادة «الدعوة» في داخل العراق، وإصغاء هؤلاء لتوجيهاته أكثر من إصغائهم لقيادات «الدعوة» العامة في خارج العراق؛ حتى أصبحت العلاقة بين تنظيمات حزب الدعوة في الداخل والسيد الصدر علاقة قائد ومقودين؛ ولاسيما بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران في شباط/ فبراير من العام 1979، وبروز السيد الصدر قائداً للتحرك الإسلامي الثوري المعارض للنظام الحاكم في العراق.

وكانت أبرز الأحداث التي ميزت هذه المرحلة؛ دخول حزب الدعوة مرحلة الصراع السياسي والكفاح المسلح في نهايات العام 1979؛ بعد حوالي 22 عاماً من العمل السري التغييري الفكري. وكذلك صدور قرار رسمي من رئيس النظام العراقي في 31 آذار/ مارس 1980 بإعدام كل من ينتمي إلى حزب الدعوة ويروج أفكاره، أعقبه إعدام مؤسس الحزب الإمام السيد محمد باقر الصدر في 9 نيسان/ ابريل من العام 1980. كما أعلن صدام حسين الحرب على الجمهورية الإسلامية الإيرانية في 22 أيلول/ سبتمبر من العام 1980؛ الأمر الذي فسح المجال لحزب الدعوة في الدخول في الحرب النظامية ضد دولة صدام حسين، إضافة إلى عمله المسلح داخل العراق.

5 – المرحلة الخامسة (1981 – 1992): مرحلة الشيخ محمد مهدي الآصفي الإيرانية؛ يليه في التأثير السيد كاظم الحائري حتى العام 1984، ثم الدكتور إبراهيم الجعفري (الأشيقر) بعد العام 1990. وقد شهدت هذه المرحلة العمل بمبدإ القيادة الجماعية المنتخبة؛ تبعاً لواقع الانكشاف السياسي والهجرة التنظيمية الذي حصل بعد العام 1979؛ وتبلور مفهوم القيادة العامة والقيادات الإقليمية والتنظيم العالمي بشكل قانوني كما حدده النظام الداخلي الجديد. ولكن بعد سنوات معدودات انهار معظم تنظيمات الحزب غير العراقية؛ ولاسيما إقليم لبنان في العام 1982 وإقليم الكويت في العام 1983 وإقليم البحرين في العام 1984 وإقليم افغانستان في العام 1989 وغيرها؛ فضلاً عن المناطق التابعة لها؛ وصولاً إلى انهيار التنظيم العالمي للحزب وحل القيادة العامة، وتحوّل «الدعوة» إلى حزب عراقي. وفي هذه المرحلة – ولأول مرة في تاريخ الحزب – تقيم معظم قيادات «الدعوة» في بلد واحد (إيران). ويمكن تسمية الفترة من العام 1981 وحتى العام 1984 بمرحلة هيمنة الفقهاء على الحزب؛ إذ كان توجيه الحزب يتم من علماء الدين عادةً؛ وتحديداً الشيخ محمد مهدي الآصفي والسيد كاظم الحائري والسيد مرتضى العسكري والسيد محمد حسين فضل الله والشيخ محمد مهدي شمس الدين والشيخ محمد علي التسخيري. وقد حصلت هذه الهيمنة بعد التحولات الداخلية التي خرج فيها محمد هادي السبيتي من القيادة، ثم انشقاق معظم من كان يمثل خطه؛ يتزعمهم الشيخ علي الكوراني وعز الدين سليم؛ والذي انتهى بتأسيس حركة الدعوة الإسلامية؛ التي بقي يترأسها القيادي عز الدين سليم حتى اغتياله في بغداد في العام 2004، إضافة إلى استحداث منصب «فقيه الدعوة» الذي شغله السيد كاظم الحائري؛ ثم تأسيس المجلس الفقهي بعد تصويت مؤتمر الزهراء للحزب على إلغاء المنصب. إلّا أن مرحلة هيمنة الفقهاء بدأت بالأفول تدريجياً بعد العام 1984 بخروج الحائري والتسخيري من الحزب، وابتعاد العسكري وشمس الدين عنه، وانتخاب قيادة جديدة كانت فيها نسبة علماء الدين أقل من غير العلماء. وقد تسبب إلغاء مادة المجلس الفقهي من النظام الداخلي في انشقاق عدد من الدعاة وأسسوا حزب الدعوة – المجلس الفقهي؛ الذي ما لبث أن انحل بعد سنوات قليلة. كما شهدت هذه المرحلة بوادر سقوط نظام البعث في العراق؛ إثر إعلان غزو صدام حسين دولة الكويت في العام 1990؛ أعقبه إخراج جيشه بالقوة منها في العام 1991، واندلاع الانتفاضة الشعبانية في العراق في 14 آذار/ نيسان من العام 1991؛ التي سقطت فيها 14 محافظة عراقية بيد الثوار من مجموع 18 محافظة عراقية. وقد أدخل هذا الواقع حزب الدعوة في مرحلة ممارسة سياسية صعبة؛ دخلت فيها الحركة الإسلامية العراقية المدعومة إيرانياً مرحلة التراجع؛ مقابل صعود الحركات العلمانية المدعومة أمريكياً.

6 – المرحلة السادسة (1992 – 2003): مرحلة الثلاثي: الدكتور إبراهيم الجعفري في بريطانيا؛ يليه في التأثير علي الأديب في إيران، ونوري المالكي في سوريا. في هذه المرحلة أخذ نجم الشيخ محمد مهدي الآصفي يأفل بالتدريج، مقابل صعود نجم الدكتور إبراهيم الجعفري وعلي الأديب ونوري المالكي؛ فأصبح هذا الرباعي أبرز شخصيات «الدعوة»؛ حتى استقالة الآصفي من القيادة في العام 1999. وحينها أصبح الفعل الأساس داخل «الدعوة» للثلاثي إبراهيم الجعفري وعلي الأديب ونوري المالكي. وفي هذه المرحلة؛ وبالتحديد حتى العام 2003؛ أخذت مرحلة تراجع دور الحركة الإسلامية العراقية المدعومة إيرانياً؛ مقابل صعود الحركات العلمانية المدعومة أمريكياً؛ تتبلور بالتدريج. وقد أسميتها بـ «سنوات الرماد». وفضلاً عن دعم واشنطن لأهم الجماعات العلمانية العراقية المعارضة؛ فقد دخلت لندن والرياض والكويت وعمّان على خط المعارضة العراقية أيضاً، وأصبح لكل منها الجماعات التي تدعهما؛ بعد أن ظل دعم المعارضة العراقية محصوراً من العام 1979 وحتى العام 1990 على دمشق وطهران فقط؛ وهو ما أحرج حزب الدعوة كثيراً حيال مسؤولياته وقواعده وجمهوره؛ بعد أن كان الجمهور الشيعي ينظر إلى حزب الدعوة والمجلس الأعلى للثورة الإسلامية بأنهما يمثلانه في المعركة مع نظام صدام حسين، والوحيدان الجديران بقيادة المعركة. وقد ساهم انشقاق مجموعة من القياديين والكوادر في العام 1999 في إضعاف حزب الدعوة ودوره، وانتهى الانشقاق إلى تأسيس تنظيم جديد حمل اسم حزب الدعوة – مؤتمر الإمام الحسين، ثم عرف فيما بعد بتنظيم العراق.

7- المرحلة السابعة (2003ــــ 2007): مرحلة الدكتور إبراهيم الجعفري العراقية. في هذه المرحلة اجتمعت قيادة حزب الدعوة للمرة الأولى في تاريخه في بلد واحد؛ هو العراق بعد سقوط دولة حزب البعث في العام 2003. وعلى إثر ذلك تسلم ممثل حزب الدعوة والقيادي الأبرز فيه ابراهيم الجعفري منصب رئيس مجلس الحكم الانتقالي ثم نيابة رئاسة الجمهورية ثم رئاسة الوزراء. وهي مرحلة مهمة؛ إذ تم فيها إعادة البناء السياسي للحزب، وتفعيل تأثيره في الواقع السياسي العراقي؛ بعد أكثر من عقدين تراجع خلالهما تميزه السياسي والإعلامي. ومن أبرز مظاهر هذه المرحلة التوقف الفكري للدعوة؛ وصولاً إلى حالة التشتت في المسار الفكري، وغلبة فكر الحكم وممارساته على فكر «الدعوة» وممارستها. وفي هذه المرحلة بادر حزب الدعوة ـــ تنظيم العراق (إنشقاق عن الحزب الأم) الى تغيير نظامه الداخلي، واستحدث منصب الأمين العام؛ وذلك في العام 2004. وقد تم تعيين مفكر الحزب السيد هاشم الموسوي أميناً عاماً للتنظيم.

8 – المرحلة الثامنة (2007 – …): مرحلة نوري المالكي العراقية؛ يليه في التأثير علي الأديب والدكتور طارق نجم والدكتور حيدر العبادي والشيخ عبد الحليم الزهيري. وهي مرحلة القوة التاريخية بالنسبة لحزب الدعوة، والتي تميّز فيها الحزب سياسياً وإعلامياً بشكل لم يتسن له من قبل؛ إلّا في مرحلة ظهوره الإعلامي القوي خلال العام 1980. ويعود ذلك إلى الكسب السياسي والجماهيري غير المسبوق الذي حققه نوري المالكي للحزب خلال دورتي رئاسته الحكومة العراقية، والذي حوّله إلى الحزب الأول في العراق طيلة ثمان سنوات. وفي هذه المرحلة تم ولأول مرة انتخاب قيادة الحزب في مؤتمر علني، واستحداث منصب الأمين العام؛ وذلك في بغداد في العام 2007. وإثر انتخاب رئيس وزراء العراق نوري المالكي أميناً عاماً للحزب، انسحب إبراهيم الجعفري من «الدعوة»، وأسس حركة مستقلة؛ أسماها «تيار الإصلاح الوطني»؛ وهو أول جناح من مدرسة حزب الدعوة لا يطلق على نفسه تسمية دعوية أو إسلامية. وفي هذه المرحلة جمع نوري المالكي بين رئاسة الوزراء والأمانة العامة للحزب ورئاسة ائتلاف دولة القانون الذي يضم حزب الدعوة والكتل الحليفة له. وأصبح نوري المالكي يمثل الرمزية القانونية لحزب الدعوة؛ كما نص النظام الداخلي الجديد؛ وهي سابقة لم تكن موجودة في الحزب قبل العام 2007. وفي هذه المرحلة أصبح التنسيق بين أجنحة «الدعوة» في أفضل حالاته؛ إذ تشكلت لجنة تنسيق دائمة بين حزب الدعوة (الأم) الذي يتزعمه نوري المالكي وحزب الدعوة (تنظيم العراق) الذي يتزعمه هاشم الموسوي. كما دخل التنظيمان في ائتلاف واحد في جميع الانتخابات المحلية والبرلمانية. وفي نهايات هذه المرحلة، برز القيادي في الحزب الدكتور حيدر العبادي؛ بعد أن حاز على منصب رئيس وزراء العراق في آب/ أغسطس من العام 2014؛ إثر تنحي أمين عام الحزب ومرشحه الرسمي نوري المالكي عن الترشح لرئاسة الحكومة. وهي قضية انطوت على ملابسات تنظيمية وقانونية وسياسية، وتسببت في تصدع الحزب وحدوث شرخ نفسي في لحمة قيادته(43).

 

الخلاصة

يمكن تلخيص نتائج عملية البحث والتقصي في خلفيات فكرة حزب الدعوة الإسلامية وتأسيسه ومؤسسيه وانتشاره؛ بما يلي:

1 – تأسس حزب الدعوة الإسلامية في آب/ أغسطس من العام 1957 في آخر اجتماع تأسيسي عقد في بيت السيد محمد باقر الصدر في النجف الأشرف، ولكن تأسيسه الرسمي على وفق أدبيات «الدعوة» هو في 12 تشرين الأول/ أكتوبر من العام 1957؛ الموافق لـ 17 ربيع الأول من العام 1377 للهجرة؛ بمناسبة ولادة الرسول الاعظم (ص) وحفيده الإمام جعفر الصادق، وهو اليوم الذي عقد فيه اجتماع أداء القسم في كربلاء في دار السيد محسن الحكيم؛ مستثمرين أجواء الزيارة في النجف واحتفالاتها بالمولد الشريف.

2 – استمرت مرحلة التحضير للحزب وتأسيسه وانبثاقه طيلة الأعوام 1956 و1957 و1958. وكان العمل يجري تحت عنوان «حزب إسلامي» و«عمل إسلامي» لحوالي سنة ونصف تقريياً؛ حتى تم إطلاق اسم «الدعوة الإسلامية» عليه في بدايات العام 1959.

3 – إنّ مؤسسي حزب الدعوة هم عشرة: السيد محمد مهدي الحيكم، عبد الصاحب دخيل، السيد طالب الرفاعي، السيد محمد باقر الصدر، السيد مرتضى العسكري، محمد صادق القاموسي، السيد محمد باقر الحكيم، السيد حسن شبر، الدكتور جابر العطا ومحمد صالح الأديب. وقد حضر ثمانية منهم اجتماع النجف التأسيسي: السيد محمد مهدي الحيكم، عبد الصاحب دخيل، السيد طالب الرفاعي، محمد صادق القاموسي، السيد محمد باقر الصدر، السيد مرتضى العسكري، السيد حسن شبر، والدكتور جابر العطا، ولم يحضره السيد محمد باقر الحكيم ومحمد صالح الأديب؛ بينما حضر اجتماع أداء القسم في كربلاء سبعة: السيد محمد مهدي الحيكم، عبد الصاحب دخيل، محمد صادق القاموسي، السيد محمد باقر الصدر، السيد مرتضى العسكري، السيد محمد باقر الحكيم، صالح الأديب، ولم يحضره ثلاثة: السيد طالب الرفاعي السيد حسن شبر والدكتور جابر العطا. ويعد مؤسساً من حضر اجتماع النجف التأسيسي واجتماع أداء القسم في كربلاء. وأول من أدى قسم الانتماء إلى حزب الدعوة هو السيد مرتضى العسكري؛ لأنه الأكبر سناً؛ تبعه السيد محمد باقر الصدر مباشرة. أما أركان فكرة الحزب فهم أربعة: السيد محمد مهدي الحكيم، عبد الصاحب دخيل، السيد طالب الرفاعي، والسيد محمد باقر الصدر.

4 – هناك عشرة شخصيات أساسية التحقت بالحزب وشاركت في إكمال عملية التأسيس، هي: السيد محمد حسين فضل الله، الشيخ محمد مهدي شمس الدين، السيد محمد بحر العلوم، الشيخ عبد الهادي الفضلي، الشيخ مهدي السماوي، محمد هادي السبيتي، الشيخ مفيد الفقيه، السيد عدنان البكاء، الشيخ عارف البصري والشيخ كاظم الحلفي. وأن أهم هؤلاء العشرة على صعيد بناء الحزب هم: السيد محمد حسين فضل الله، الشيخ عبد الهادي الفضلي، محمد هادي السبيتي والشيخ عارف البصري. ويضاف هؤلاء الأربعة إلى ستة فاعلين من المؤسسين؛ ليكونوا هناك عشر شخصيات هي الأهم في ولادة حزب الدعوة وبنائه الأساس، وهم: السيد محمد باقر الصدر، عبد الصاحب دخيل، السيد محمد مهدي الحيكم، السيد مرتضى العسكري، السيد حسن شبر، محمد صالح الأديب، السيد محمد حسين فضل الله، الشيخ عبد الهادي الفضلي، محمد هادي السبيتي، والشيخ عارف البصري.

5 – السيد محمد باقر الصدر كان محور عملية التأسيس، والمؤسس الأبرز، وهو من كتب النظرية الفقهية السياسية للحزب وأسسه الفكرية، وأطلق عليه اسم «الدعوة الإسلامية»، وكان الأبرز في اللجنة القيادية الرباعية التي أمسكت بالعمل بعد مرحلة التأسيس.

6 – اللجنة القيادية الرباعية التي أمسكت بالعمل بعد مرحلة التأسيس؛ تألفت من السيد محمد باقر الصدر والسيد محمد مهدي الحكيم وعبد الصاحب دخيل والسيد مرتضى العسكري. وأعقبتها في العام 1961 لجنة قيادية جديدة برئاسة السيد مرتضى العسكري وعضوية عبد الصاحب دخيل ومحمد هادي السبيتي. أما اللجنة القيادية الثالثة فتألفت في العام 1963 من عبد الصاحب دخيل ومحمد هادي السبيتي والشيخ عارف البصري؛ بعد أن رفض الشيخ عبد الهادي الفضلي الالتحاق بها.

7 – الشخصيات الأكثر تأثيراً في تكوين حزب الدعوة وبنائه وقيادة تحولاته ومسيرته منذ تأسيسه وحتى كتابة هذه السطور؛ حسب التسلسل التاريخي؛ هم ست شخصيات: السيد محمد باقر الصدر، عبد الصاحب دخيل، محمد هادي السبيتي، الشيخ محمد مهدي الآصفي، إبراهيم الجعفري ونوري المالكي.

8 – ينتمي حزب الدعوة إلى النجف الأشرف في تقاليد الاجتماع الديني والاجتماع الثقافي والاجتماع السياسي. وينتمي المؤسسون والدعاة الأوائل إلى طبقة النخبة الشيعية؛ فعلى مستوى الاجتماع الديني ينتمون إلى الطبقتين العالية والمتوسطة (البيوتات الدينية العلمية النجفية)، كما ينتمون إلى الطبقة المتوسطة اجتماعياً واقتصادياً، وإلى الطبقة المتعلمة تعليماً عالياً من ناحية الاجتماع الثقافي.

9 – حزب الدعوة هو أول حزب إسلامي شيعي في التاريخ؛ بالمعني المعاصر لكلمة الحزب. وهو أول جماعة دينية إسلامية شيعية تؤسس لإمكانية قيادة غير علماء الدين للعمل الإسلامي. وهو أول من أسس – على مستوى التاريخ الشيعي – منظومة في الفقه السياسي الإسلامي الشيعي تجيز قيام دولة إسلامية في عصر غيبة الإمام المهدي.

10 – يمثل حزب الدعوة التنظيم العالمي الشيعي؛ مقابل التنظيم العالمي السني للإخوان المسلمين والتنظيم العالمي السني لحزب التحرير.

11 – يمثل حزب الدعوة التنظيم الايديولوجي الديني؛ مقابل التنظيم الايديولوجي العلماني القومي (حزب البعث) والتنظيم الايديولوجي العلماني الإلحادي (الحزب الشيوعي).

12 – في الوسط الشيعي الإسلامي؛ المدني والحوزوي؛ يمثل حزب الدعوة تيار التغيير والفعل السياسي (مدرسة السيد محمد باقر الصدر)؛ مقابل تيارالوسط الإصلاحي (مدرسة السيد محسن الحكيم) والتيار التقليدي المحافظ (مدرسة السيد ابو القاسم الخوئي).

13 – يمثل حزب الدعوة تنظيم النخبة الشيعية التاريخية المعارضة؛ مقابل تنظيمات النخبة السنية التاريخية الحاكمة.

14 – إن الرؤية عابرة المذاهب التي انتشرت في حزب الدعوة طيلة عقد ونصف؛ لم تنجح؛ فعاد حزب الدعوة مذهبياً في نظريته الفقهية السياسية؛ كما هو الحال مع الجماعات الإسلامية السنية؛ التي فشلت في الانسلاخ عن مذهبيتها.

15- مرّ حزب الدعوة الإسلامية بثماني مراحل أساسية، ارتبط كل منها بشخصيات قيادية معينة:

ا- المرحلة التأسيسية والأولى (1957 – 1961): هي مرحلة السيد محمد باقر الصدر النجفية. ويلي الصدر في التاثير عبد الصاحب دخيل والسيد محمد مهدي الحكيم، ثم محمد هادي السبيتي بعد العام 1959.

ب – المرحلة الثانية (1961 – 1963): مرحلة السيد مرتضى العسكري البغدادية؛ يليه في التأثير الثنائي عبد الصاحب دخيل ومحمد هادي السبيتي. وهي المرحلة التي تسلم فيها العسكري مسؤولية اللجنة القيادية للحزب.

ت- المرحلة الثالثة (1963 – 1971): مرحلة الثنائي عبد الصاحب دخيل ومحمد هادي السبيتي البغدادية؛ يليهما في التأثير الشيخ عارف البصري؛ وذلك بعد أن ترك السيد مرتضى العسكري مسؤولية اللجنة القيادية في العام 1963.

ث – المرحلة الرابعة (1972 – 1980): مرحلة محمد هادي السبيتي المهجرية؛ يليه الشيخ عارف البصري في التأثير حتى إعدامه في العام 1974؛ ثم الشيخ محمد مهدي الآصفي بعد العام 1979.

ج – المرحلة الخامسة (1981 – 1992): مرحلة الشيخ محمد مهدي الآصفي الإيرانية؛ يليه في التأثير السيد كاظم الحائري حتى العام 1984، ثم الدكتور إبراهيم الجعفري (الأشيقر) بعد العام 1990.

ح ـ المرحلة السادسة (1992 – 2003): مرحلة الثنائي: الشيخ محمد مهدي الآصفي في إيران حتى استقالته من القيادة في العام 1997 والدكتور إبراهيم الجعفري في بريطانيا؛ يليهما في التأثير علي الأديب في إيران، ونوري المالكي في سوريا.

خ- المرحلة السابعة (2003ــــ 2007): مرحلة الدكتور إبراهيم الجعفري العراقية. في هذه المرحلة اجتمعت قيادة حزب الدعوة للمرة الأولى في تاريخه في بلد واحد؛ هو العراق بعد سقوط دولة حزب البعث في العام 2003.

د – المرحلة الثامنة (2007 – …): مرحلة نوري المالكي العراقية؛ يليه في التأثير علي الأديب والدكتور طارق نجم والدكتور حيدر العبادي والشيخ عبد الحليم الزهيري. وهي مرحلة القوة التاريخية بالنسبة لحزب الدعوة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الإحالات

(1) ومنها – مثالا – بعض الجمعيات التي تأسست خلال ثورة المشروطة في إيران في العام 1906 ضد الاستبداد القاجاري، ومنظمة «فدائيان إسلام» التي تأسست في إيران أيضاً في العام 1952 ضد الاستبداد البهلوي، وجمعية النهضة الإسلامية في العام 1917 وحزب النجف السري في العام 1918 في العراق ضد الاحتلال الإنجليزي، والحركة الدستورية في البحرين في العام 1956 ضد حكم آل خليفة، وبعض الجمعيات النضالية في جنوب لبنان في عشرينات وثلاثينات القرن الماضي لمواجهة الاستعمار الفرنسي.

(2) وهو ما حدث تحديداً خلال حكم الأسرة الصفوية في إيران. وهو خليط من الاجتماع الديني الشيعي، والسلوك الصوفي، والإرث الاجتماعي السياسي العربي والفارسي والآذري. ولا يختلف سلوك الأسرة الصفوية وفكرها السياسي عن تكييفات الأسرة العثمانية في تركيا؛ ومثلت سلطة الأسرة الصفوية رد فعل نوعياً مماثلاً على السلوكيات التاريخية الطائفية للأسر المختلفة مذهبياً. ولم تحظ الدولة الصفوية بدراسات موضوعية باللغة العربية كما حظيت به الدولة العثمانية؛ لأسباب طائفية أيضاً؛ بل إن كثيراً من الدراسات العربية حول الدولة العثمانية تسوغ للعثمانيين سلوكياتهم، وتعد تمدداتهم الجغرافية فتوحات إسلامية. بينما تنظر إلى الدولة الصفوية من منظار طائفي حاد؛ بالرغم من تشابه سلوك الدولتين؛ بل وسوء سلوك الدولة العثمانية تجاه أبناء السنة من القومية العربية، وطائفيتها التكفيرية – كما في عهد سليم الاول وسليمان القانوني – ضد الشيعة العرب. وفي إطار طأفنة – إن صح التعبيرـ العلم والفكر والتاريخ والثقافة والسياسة؛ فإن أكثر كتاب حظي بالنشر في البلدان العربية هو كتاب المفكر الإيراني الدكتور علي شريعتي «التشيع العلوي والتشيع الصفوي»؛ لأنه يسيء بشدة إلى المنظومة الدينية الشيعية والى رأس هذه المنظومة المتمثل بالفقهاء، ويدرس تاريخ الدولة الصفوية دراسة اجتماعية أحادية النظرة غير موضوعية، وتحمل إسقاطات الواقع الذي عاشه شريعتي وصراعاته مع بعض علماء الدين الإيرانيين في حقبة نهاية الستينات والسبعينات من القرن الماضي وهو شاب مندفع في مقتبل العمر. وبسبب أحكامه العامة ونتائجه السطحية ونزعته الاجتماعية الثورية؛ فقد أساء شريعتي كثيراً إلى المذهب الشيعي ومنظومته الاجتماعية الدينية، وتسبب في تلقف الطائفيين؛ ولاسيما القوميين الفرس والعرب لمصطلحات علي شريعتي في الكتاب؛ ولاسيما مصطلح الصفويين؛ للتنكيل بالشيعة.

انظر: التشيع العلوي والتشيع الصفوي، دار الأمير، بيروت، 1995.

(3) ثورة العشرين في العام 1920 مثلت تتويجاً لنضالات الشعب العراقي ضد الاحتلال الإنجليزي منذ العام 1914، وهي نضالات قادها فقهاء الشيعة في النجف وكربلاء والكاظمية وسامراء، ونفذها زعماء العشائر والسياسيون الوطنيون. ولذلك عاقب الإنجليز الشيعة بفرض حكم طائفي قومي على العراق، وساعدهم في ذلك عاملان: الأول يتمثل في تفضيل معظم الشيعة اعتزال السلطة والعمل السياسي والوظائف الحكومية، والثاني يتمثل في الممارسات الطائفية الحادة المعادية للشيعة التي مارستها بقايا العثمانيين في العراق والذين تحول ولاؤهم إلى الإنجليز خلال الحرب العالمية الأولى. وهناك مئات المصادر التي وثقت لهذا الواقع. انظر: علي المؤمن، «صدمة التاريخ: العراق من حكم السلطة إلى حكم المعارضة» و«سنوات الجمر: مسيرة الحركة الإسلامية في العراق»، وحسن العلوي، «الشيعة والدولة القومية في العراق» و«التأثيرات التركية في المشروع القومي العربي في العراق».

(4) انظر المصادر السابقة.

(5) انظر: المصادر السابقة.

(6) من ندوة حوارية للسيد محمد مهدي الحكيم خلال العام 1984 مسجلة على أربعة أشرطة، وتم إصدارها من مركز دراسات تاريخ العراق الحديث في كتيب تحت عنوان «التحرك الإسلامي في العراق» في العام 1988؛ بعد إعادة صياغتها وتعديلها. كما دونت هذه المعلومة منه مباشرة في لقاء معه في بيت السيد محمد باقر الحكيم في طهران خلال شباط/ فبراير من العام 1986.

(7) ولابد من الإشارة هنا إلى الدور المركزي الذي لعبته ما كانت تعرف بـ «مجموعة الحزب الجعفري» – عبد الصاحب دخيل ومحمد صادق القاموسي والسيد حسن شبرـ في تأسيس حزب الدعوة؛ فهذه المجموعة كانت منسجمة في حركتها وأفكارها، وكانت تحمل فكرة تأسيس حزب إسلامي منذ أوائل خمسينات القرن الماضي، وكانت لديها تجربة الحزب الجعفري الذي تأسس في العام 1952، ثم تم حله بعد سنة تقريبا؛ً نتيجة الضغوطات داخل منظومة الاجتماع الديني النجفي بكل تعقيداتها. وظلت فكرة الحزب تختمر في عقل المجموعة؛ حتى تمت المفاتحة بين السيد مهدي الحكيم وعبد الصاحب دخيل. وكان من الطبيعي أن يتداول عبد الصاحب دخيل الفكرة مع محمد صادق القاموسي وحسن شبر خلال العامين 1956 و1957. وعندها كان الشغل الشاغل لهذا الثلاثي هو الدفع باتجاه تفعيل فكرة تأسيس الحزب. وقد انسحب محمد صادق القاموسي من جهود إكمال مشروع الحزب بعد سنة تقريباً على تأسيسه؛ فيما ظل دخيّل وشبّر فاعلين أساسيين في حزب الدعوة.

(8) رشيد الخيون، «امالي السيد طالب الرفاعي»، ص 134.

(9) من مقابلات خاصة مع السيد حسن شبر خلال ثلاثة عقود.

(10) حزب الدعوة الإسلامية، الجزء الأول، ص 98.

(11) انظر: علي المؤمن، «سنوات الجمر»، ص 56.

(12) التقيته خلال زيارته بيروت في مقر إقامته في فندق الساحة في العام 2009؛ بحضور الدكتور إبراهيم العاتي.

(13) سنوات الجمر، ص 56، ط 3، 2014

(14) ضمن لقاءاتي مع السيد محمد بحر العلوم خلال الأعوام 2012 – 2014.

(15) الشيخ علي الكوراني، «تجربتي إلى طالب علم»، ص 46.

(16) في أكثر من مقابلة معه، ومنها ما دوّنه بخط يده – كملاحظة خاصة – على مسودة كتاب «جدليات الدعوة»؛ خلال العام 2015.

(17) انظر: تفاصيل هذا الرأي: أزهر السهر، «الدكتور علي المؤمن والملاحظات المنهجية حول دراسته عن حزب الدعوة الإسلامية»، بحث منشور على أربع حلقات في جريدة المواطن (البغدادية) للعام 2015 وعلى مواقع الإنترنت. وقد وضعت الدراسة – ابتداء – كملحق في كتاب «جدليات الدعوة»؛ إلا أن أسباباً منهجية وفنية دعت إلى رفعه من الكتاب.

(18) السيد حسن شبر، لقاء خاص، خلال العام 2015، وأيضاً مقابلة معه في جريدة البيان (البغدادية) في 15/9/2012.

(19) أكد لي السيد حسن شبر في أكثر من لقاء بأن السيد محمد باقر الحكيم لم يكن من المؤسسين؛ بالنظر لصغر سنه (18 عاماً)، ولم يحضر اجتماعات التحضير والتأسيس في النجف بصفته عضواً في الاجتماعات؛ بل كان يرافق – أحياناً – شقيقه السيد محمد مهدي الحكيم للاجتماعات؛ لأسباب يذكرها السيد شبر. ولكني تأكدت نقلاً عن الحاج صالح الأديب بأن السيد محمد باقر الحكيم حضر اجتماع أداء القسم في كربلاء في العام 1957، وكان آخر من أدى القسم من الحاضرين السبعة.

(20) أول رئيس للمجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق هو آية الله السيد محمود الهاشمي؛ رئيس السلطة القضائية في الجمهورية الإسلامية الإيرانية فيما بعد، واستمرت رئاسته للمجلس ما يقرب من ثلاث سنوات، وثاني رئيس هو السيد علي رضا الحائري؛ الذي ترأسه لستة أشهر فقط. أما الرئيس الثالث فهو السيد محمد باقر الحكيم، أعقبه السيد عبد العزيز الحكيم؛ منذ العام 2003. والأربعة هم من تلاميذ الإمام السيد محمد باقر الصدر.

(21) انظر: «أمالي السيد طالب الرفاعي»، ص 43.

(22) راجع الإحالة رقم (19).

(23) أكثر من يكرس هذه النزعة في كتاباته هو الشيخ علي الكوراني؛ بعد خروجه من حزب الدعوة في العام 1981 وصراعه مع قيادته؛ مستهدفاً بذلك منهج الإمام السيد محمد باقر الصدر الفكري والعقيدي؛ بقوله: إنّ السيد الصدر وقادة حزب الدعوة كانوا غير مذهبيين وعابرين للمذهبية ومتأثرين بحزب التحرير والإخوان المسلمين. وبالتالي فإن الشيخ الكوراني هو أول من طرح هذه الفكرة وروج لها. انظر: الإحالة رقم (1) من إحالات المقدمة.

(24) في الفترة بين العامين 1958 و1963؛ صدرت مجموعات من سلسلات الكتب والكراسات في النجف وكربلاء وبغداد، كما كانت تقام ندوات موسمية ومحاضرات دورية ودروس إسلامية عامة للشباب، إضافة إلى عدد من المجلات الثقافية والفكرية. وكان «الدعاة» يقفون وراء معظم هذه النشاطات.

(25) أسس حاضرة النجف العلمية الشيخ أبو جعفر الطوسي المعروف بـ «شيخ الطائفة» وهو من مدينة طوس في إقليم خراسان بإيران. وذلك بعد هجرته من مدينة بغداد في أعقاب الاضطهاد الذي تعرض له شيعة بغداد على يد الاحتلال السلجوقي الطائفي. وفضلاً عن مركزيتها العلمية الفقهية؛ فقد جعل الطوسي من النجف الأشرف عاصمة للمنظومة الاجتماعية الدينية. وهناك فقهاء آخرون من إيران والحجاز والعراق سبقوا الشيخ الطوسي في الإقامة والتدريس في النجف، وكان فيها مدارس دينية علمية، ولكنها أخذت شكلها الحالي على يد شيخ الطائفة الطوسي.

انظر: الشيخ عدنان فرحان، «تاريخ الحوزات العلمية والمدارس الدينية الإمامية»، ج4.

(26) من الأسر النجفية القديمة التي كانت لها سدانة مرقد الإمام علي(ع) خلال القرن الرابع والخامس الهجريين (العاشر والحادي عشر الميلاديين) هي أسرة شهريار (الفارسية). واعقبتها أسر عراقية وحجازية وأذربيجانية.

انظر: الدكتور حسن عيسى الحكيم، «المفصل في تاريخ النجف الأشرف».

(27) انظر هذه الآراء: أحمد أبو زيد العاملي، «موسوعة الإمام الشهيد محمد باقر الصدر»، الجزء الأول.

(28) وتمظهر ذلك في دراسته الأولى التي كتبها في العام 1956؛ والتي تأسس حزب الدعوة استنادا إليها. انظر: علي المؤمن، «الفقه والسياسة: تطور الفقه السياسي الإسلامي حتى ظهور النظريات الحديثة»، ص 78.

(29) بعد دراسته الأولى (إحالة 23) كتب السيد محمد باقر الصدر عدداً نوعياً من النشرات الداخلية لحزب الدعوة؛ أهمها على الإطلاق «أسس حزب الدعوة الإسلامية»، المعروفة بـ «الأسس الإسلامية».

(30) انظر: «سنوات الجمر»، ص 89.

(31) المصدر السابق.

(32) ضمن لقاءاتي بالسيد موسى الخوئي خلال العام 2015.

(33) «سنوات الجمر»، ص 91.

(34) حول الخلافات والتصدعات والانشقاقات داخل حزب الدعوة؛ راجع الفصل الخامس من هذا الكتاب.

(35) طلب السيد محمد باقر الصدر – أكثر من مرة – من تلميذه السيد كاظم الحائري إخراج الشيخ علي الكوراني من قيادة حزب الدعوة. كما كان الشيخ محمد مهدي شمس الدين والسيد محمد حسين فضل الله يضغطان على السيد مرتضى العسكري لإخراج الكوراني من الحزب؛ بسبب ما كان يثيره من مشاكل وحساسيات في الوسط الشيعي الكويتي واللبناني؛ إلّا أن الكوراني كان يحظى بدعم القيادي المتنفذ في الحزب محمد هادي السبيتي. كما كان بعض تلاميذ السيد الصدر من كوادر حزب الدعوة (السيد نور الدين الإشكوري نموذجاً) يتوسطون لدى الصدر للصفح عن الكوراني، الأمر الذي يؤدي إلى فشل محاولات إخراج الكوراني من القيادة.

وقد نقل لي السيد حسن شبر (خلال لقاءاتي به في العام 2015) كلاماً عن السيد محمد باقر الصدر بهذا الخصوص كان يردده خلال النصف الأخير من عقد السبعينات؛ يبدي فيها انزعاجه الشديد من سلوكيات وتصريحات الشيخ علي الكوراني، ويطالب بإخراجه من الحزب.

انظر أيضاً: الباحث اللبناني أحمد أبو زيد العاملي (صاحب موسوعة الإمام السيد محمد باقر الصدر) في سلسلة ردوده على الشيخ علي الكوراني، والتي تتضمن وثائق ومراسلات بهذا الشأن. وقد نشرها في صفحته الإلكترونية وعلى الموقع الإلكتروني لدائرة معارف الإمام الشهيد السيد محمد باقر الصدر http://www.mbsadr.com/main

(36) ضمن لقاءاتي بالشيخ عبد الحليم الزهيري والسيد حسن شبر خلال العام 2015.

(37) انظر تحليلاً عن القرار في كتاب «سنوات الجمر»، ص 340. واحمد ابو زيد، ج5، والشيخ محمد رضا النعماني، «سنوات المحنة»، ص 157.

(38) كانت قيادة الداخل والقيادة القتالية والقيادة التنفيذية وبعض أعضاء القيادة العامة مع التصعيد ضد النظام، ومع السير خلف السيد الصدر؛ بينما لم يكن القيادي الأبرز محمد هادي السبيتي مع التصعيد، ولم يكن يرى ان «الدعوة» والشعب العراقي مؤهلان لخوض معركة دموية مع النظام، وانها ستكون معركة خاسرة. وكان بعض تلامذة السيد الصدر مع هذا الرأي أيضاَ؛ كالسيد محمد باقر الحكيم، وهو ما جعله لا يوافق على الدخول في تشكيلة القيادة النائبة التي كان السيد محمد باقر الصدر يعدّ لها لقيادة الحراك الثوري الإسلامي ميدانياً خلال تلك الفترة أو عند اعتقاله أو إعدامه.

(39) حدث هذا الانكفاء بعد الإعلان عن تأسيس ما عرف بالدولة العراقية في العام 1921، وأعقبها فتوى بعض المرجعيات العليا في النجف الأشرف بحرمة المشاركة في الانتخابات النيابية والعمل الحكومي. وتعزز ذلك بعد تسفير مراجع النجف والكاظمية في العام 1924 إلى إيران ثم عودتهم إلى العراق بعد توقيع تعهد للحكومة العراقية بعدم ممارسة أي نشاط سياسي. واستمر هذا الوضع حتى سقوط الحكم الملكي في العام 1958 وبروز مرجعية الإمام السيد محسن الحكيم؛ فكان المرجع الأعلى يتدخل نسبياً في الشأن السياسي العام. واستمر هذا الوضع حتى العام 1968 بسيطرة حزب البعث على مقاليد السلطة، ثم وفاة الإمام الحكيم في العام 1970.

(40) يقول أحد مؤسسي حزب الدعوة السيد مرتضى العسكري بأن أحد الشباب المؤمنين راجعه خلال العام 1957 وهو في حيرة من أمره، وهو يريد ممارسة العمل السياسي التنظيمي الثوري، ولكنه لا يريد الانتماء للحزب الشيوعي لأنه حزب يعادي الدين، ولا يريد الانتماء لجماعة الإخوان المسلمين؛ لأنها جماعة سنية. وبذلك أخذ السيد العسكري يفكر بتأسيس حزب إسلامي شيعي.

(41) انظر قائمة بمن أعدمهم نظام صدام حسين من الضباط المنتمين لحزب الدعوة في الفترة من العام 1979 وحتى العام 1986: «سنوات الجمر»، ص 612.

(42) انظر: برزان التكريتي، «محاولات اغتيال الرئيس صدام حسين»، ص 116.

(43) كان الداعية في العراق لا يعرف إلّا داعية واحداَ فقط، على وفق التنظيم الخيطي. إلا أن الهجرة المكثفة أضافت عنصراً مهماً لنشاط «الدعوة» وفاعليتها الفكرية والتنظيمية.

(44) قاربنا هذا الموضوع في الفصلين الثالث والخامس من كتاب «جدليات الدعوة».

latest video

news via inbox

Nulla turp dis cursus. Integer liberos  euismod pretium faucibua

Leave A Comment