النظام السياسي للجمهورية الإسلامية الإيرانية

Last Updated: 2024/05/30By

النظام السياسي للجمهورية الإسلامية الإيرانية

د. علي المؤمن

يختلف النظام السياسي للجمهورية الإسلامية في بعض المضامين والأشكال عن النظم السياسية المعروفة، كما يشترك معها في أُخر؛ فالنظام الإيراني يسمى بـ (النظام القيادي)([1]) تمييزاً له عن النظام الرئاسي أو البرلماني أو المختلط (الرئاسي ـ البرلماني) أو نظام الحزب الواحد أو نظام الجمعية. ويتميز النظام القيادي بكون سلطة (القائد) (الولي الفقيه) فيه هي السلطة المحورية والأُولى في الدولة، وهي التي تشرف على عمل السلطات الثلاث (التنفيذية، التشريعية والقضائية) وتراقبها وتنسق فيما بينها وترسم سياساتها العليا. أي أنّ هناك أربع سلطات في هذا النظام، إحداهما السلطة العليا وهي سلطة القائد (الولي الفقيه)، تليها السلطات الثلاث المستقلّة التي تتعاون فيما بينها وتتبادل الرقابة، وهي سلطة رئيس الجمهورية وحكومته وسلطة البرلمان وسلطة القضاء، وهذا النظام انعكاس حقوقي لنظام الإمامة في مدرسة أهل البيت، خاص بعصر الغيبة([2]).

ومن خلال ذلك يتضح ـ وكما ذكرتُ ـ أنّ النظام القيادي يمثل إضافة جديدة للنظم السائدة في مناهج القانون الدستوري والأنظمة السياسية، ولم تعرفه علوم السياسة والقانون من قبل. وتمييزه عن النظم الأُخر يمثل ضرورة علمية؛ لأنّ هذا التمييز سيعطي النظام القيادي استقلاله في أن يكون مبحثاً قائماً بذاته، دون الحاجة إلى التفتيش عن مباحث موجودة لضم النظام السياسي الإسلامي الإيراني إليها([3]). ويمكن تشبيهه بالنظام الرئاسي ـ البرلماني (المختلط)؛ الذي يتقاسم فيه رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء السلطة.

وفي النظام الإيراني يتشابه منصب القائد مع منصب رئيس الجمهورية في النظم المختلطة؛ فكلاهما في موقع رئيس الدولة؛ بينما يتشبه منصب رئيس الجمهورية في النظام الإيراني بمنصب رئيس الوزراء في النظام المختلط؛ فكلاهما يترأس الحكومة. مع فوارق شكلية بين النظامين؛ في مقدمها أنّ رئيس الجمهورية في النظام الإيراني يُنتخب من الشعب انتخاباً مباشراً؛ بينما يتم تعيين رئيس الوزراء في النظام المختلط من رئيس الجمهورية؛ بصفته ممثل الكتلة النيابية الأكبر. أمّا القائد في النظام الإيراني فأنّه ينتخب من الشعب انتخاباً غير مباشر؛ أي عبر مجلس الخبراء المنتخب شعبياً، ويبقى في منصبه لطالما يتوافر على شروط القيادة؛ بينما ينتخب رئيس الجمهورية في النظام المختلط انتخاباً شعبياً مباشراً، ولفترة يحددها الدستور.

وإذا أخذنا نموذج النظام الفرنسي نموذجاً للنظام المختلط (الرئاسي ـ البرلماني)؛ فسنرى أنّ رئيس الجمهورية ينتخب شعبياً انتخاباً مباشراً لمدة خمس سنوات قابلة للتمديد لمرة واحدة فقط، وهو رئيس الدولة ورمزها وراسم سياستها العليا والقائد العام للقوات المسلحة، ويقوم بترشيح رئيس الوزراء الذي يمثل الكتلة النيابية الأكبر؛ ثم يطرح اسم الأخير على البرلمان مع الحكومة (الوزراء) للتصويت عليهما([4]). وبالمقارنة بالنظام الإيراني؛ فإنّ القائد في النظام الإيراني يمارس دور رئيس الجمهورية في النظام الفرنسي؛ بينما يمارس رئيس الجمهورية في النظام الإيراني دور رئيس الحكومة في النظام الفرنسي.

وقد أفرز الدستور الإيراني نوعين من الحاكمية: حاكمية الشريعة الإسلامية المتجسدة بالقائد (الولي الفقيه)، وحاكمية الشعب المتمثلة بالسلطات الثلاث: التنفيذية والتشريعية والقضائية. وهذا لا يعني أنّ حاكمية الفقيه منفصلة عن حاكمية الشعب؛ بل إنّ الشعب ينتخب أيضاً الولي الفقيه ويراقبه ويعزله عبر مجلس الخبراء المنتخب شعبياً؛ وبذلك يكون الشعب هو مركز سلطات الدولة. وهذا الانتخاب الشعبي للولي الفقيه؛ يمثل نقطة الالتقاء العقدي والفقهي والقانوني بين حاكمية الشعب وحاكمية الفقيه، وهو ما يعبر عنه السيد محمد باقر الصدر بالتحام خط الخلافة (خلافة الأُمّة والإنسان) بخط الشهادة (شهادة الفقيه على الأُمّة؛ باعتباره امتداداً نوعياً شرعياً لخط الأنبياء والأئمة)؛ وذلك عندما تختار الأُمّة وليها الفقيه وتبايعه بأحد وسائل الانتخاب والبيعة المتعارفة تعارفاً شرعياً وقانونياً([5]).

هيكل النظام السياسي في إيران

وللتعرف على هيكل النظام السياسي في إيران؛ نقارب سلطاته الدستورية على وفق ما جاء في دستور الجمهورية الإسلامية الإيرانية:

 1 ـ سلطة القائد:

القائد (رهبر) في النظام السياسي الإسلامي الإيراني هو الولي الفقيه، ورئيس الدولة ورمزها، وراسم سياساتها العليا، ومرجعها الديني والزمني، والمشرف على سلطاتها الثلاث، والقائد العام للقوات المسلحة([6]). وتسمية (القائد) هي التسمية الدستورية([7]). ويُنتخب القائد انتخاباً غير مباشر من الشعب؛ عبر مجلس خبراء القيادة المنتخب مباشرة من الشعب. ويشترط دستور الجمهورية الإسلامية الإيرانية في القائد شروطاً كثيرة؛ أهمها الشروط الأساسية الثلاثة([8]):

أ ـ الاجتهاد: أو الفقاهة؛ أي القدرة العلمية المطلقة على استنباط الأحكام الشرعية من مصادرها الأصلية والكاشفة والاجتهادية، وهو ما يخوّل الفقيه ليكون مرجعاً في الفتيا، وليكون ولياً على الفتوى والقضاء والحقوق الشرعية والقاصرين والحكم([9]).

ب ـ العدالة: وتعني في المفهوم الشرعي: التقوى والاستقامة والنزاهة العالية([10]).

ج ـ الكفاءة: أي الوعي السياسي والقدرة على القيادة والإدارة والتدبير([11]).

ولكي يركز الدستور البعد الديني للولي الفقيه القائد؛ فأنّه لم يشترط فيه أن يكون إيرانياً أو من أُصول إيرانية، وهو العرف الشرعي الذي سارت عليه المنظومة الدينية الشيعية منذ تأسيسها وحتى الآن؛ إذ لا ينظر الشيعة في تقليدهم إلى جنسية المرجع الديني وقوميته. وقد كان المراجع الرسميين (شيخ الإسلام) للدولة الإيرانية (الصفوية والنادرية والقاجارية) عرباً ـ غالباً ـ من لبنان والبحرين والعراق.

ويتدخل الشعب (الأُمّة) في اختيار الفقيه الحاكم، تدخلاً مباشراً أو غير مباشر؛ بعد أن تحرز فيه الشروط التي يجب توافرها، والتي ثبتتها المدوّنات الفقهية، والمدوّنات القانونية.

وبذلك يضمن النظام السياسي الإسلامي تحقيق ثلاثة أهداف شرعية:

الأول: تكامل خطي الشهادة والخلافة، والتحامهما، من خلال انتخاب خط الخلافة (الأُمّة) لمصداق خط الشهادة (الفقيه)، فيتجسد الخطان في الفقيه الحاكم؛ الأمر الذي يجعل مساحة ولايته (وفقاً لمبدأ ولاية الفقيه) كولاية المعصوم؛ كما يقول السيد محمد باقر الصدر([12])والإمام الخميني([13]).

الثاني: ممارسة الأُمّة دورها الحقيقي في الاستخلاف على الأرض، من خلال انتخاب ولي أمرها.

الثالث: تأكيد الحيلولة دون حصول التعارض والتزاحم بين الفقهاء، واقتصار الولاية على الحكم وقيادة المجتمع على الفقيه الحاكم دون غيره.

وتنتظم عملية إشراف القائد على سلطات الدولة الثلاث من خلال عدد من الآليات التي حددها الدستور؛ فهو يصادق على انتخاب رئيس الجمهورية، ويراقب عمل السلطة التنفيذية، ويعين رئيس السلطة القضائية والمدعي العام للبلاد، ويعين الفقهاء الستة الأعضاء في (مجلس صيانة الدستور) (المحكمة الدستورية وهيئة الضبط الفقهي لتشريعات مجلس الشورى الإسلامي)، كما يعين الذوات الشخصيين في (مجمع تشخيص مصلحة النظام)([14]).

ويمكن تقسيم مسؤوليات القائد وفق ما جاء في المادة 110 من الدستور كما يلي:

القسم الأول: المسؤوليات ذات العلاقة بالإشراف على أجهزة النظام الرئيسة، مثل تعيين وعزل: الأعضاء الفقهاء في مجلس صيانة الدستور، رئيس السلطة القضائية، رئيس مؤسسة الإذاعة والتلفزيون، إقرار انتخاب الشعب لرئيس الجمهورية، إقرار عزل رئيس الجمهورية بعد حكم المحكمة العليا ضده أو تصويت مجلس الشورى الإسلامي على عدم كفاءته السياسية، تعيين أعضاء مجمع تشخيص مصلحة النظام الذي يساعد القائد في رسم السياسات العامة للدولة وحسن تنفيذها.

القسم الثاني: المسؤوليات ذات العلاقة بمهمة إرشاد النظام، مثل: رسم السياسات العامة للدولة، إصدار قرار الاستفتاء العام، حل معضلات النظام التي لا تحل بالطرائق العادية ويستعصي على القانون حلها.

القسم الثالث: المسؤوليات ذات العلاقة بالسيطرة على قرار أمن النظام، مثل: المسؤولية المباشرة عن القيادة العامة للقوات المسلحة، إعلان الحرب والسلم، إعلان التعبئة العامة، تعيين وعزل: القائد العام للجيش، والقائد العام لقوات حرس الثورة الإسلامية، والقائد العام لقوى الأمن الداخلي، وكبار قادة القوات المسلحة.

وكما أقرّ الدستور حق الأُمّة في اختيار قائدها، وذلك من خلال مجلس الخبراء الذي تنتخبه الأُمّة؛ فإنّه أوكل للمجلس مهمة مراقبة القائد وعزله فيما لو اختل عنده أحد الشروط، ولا سيما الاجتهاد والعدالة والكفاءة السياسية والإدارية. وهذه العملية تجمع بين الأصالة الفقهية في اختيار ولي الأمر وعصرية الإدارة بالمضمون نفسه الذي تقرّه الديمقراطيات التقليدية.

وهناك ثلاث مؤسسات دستورية لها ارتباط مباشر بمنصب القائد وعمله؛ بعضها تشرف عليه، وأُخرى تحت إشرافه:

أ- مجلس خبراء القيادة (مجلس خبرگان رهبرى):

وهو منتخب من الشعب انتخاباً مباشراً، ويتألف من حوالي (85) عضواً من كبار علماء الدين؛ الذين يشترط فيهم مقاربة الاجتهاد؛ إضافة إلى العدالة والكفاءة؛ وهي شروط القائد نفسها تقريباً. وهذا المجلس ينتخب القائد (الولي الفقيه) من بين من تتوافر فيهم شروط القيادة، كما يراقب عمل القائد، وله صلاحية عزله إذا فقد الشروط التي ثبتها الدستور([15]).

ب ـ مجمع تشخيص مصلحة النظام (مجمع تشخيص مصلحت نظام):

وهو أعلى مؤسسة تخطيط واستشارة في الدولة، ويضم أكبر قادة الدولة؛ بمن فيهم رئيس الجمهورية ومعظم رؤساء الجمهورية السابقين، ورؤساء مجلس الشورى الحالي والسابقين، ورؤساء القضاء الحالي والسابقين، وأبرز الوزراء الحاليين والسابقين، وغيرهم.

وتنقسم طريقة تعيين أعضاء المجمع إلى قسمين؛ فيُعين القسم الأول تلقائياً بصفاتهم الرسمية كما نص عليه الدستور، وقسم يعينهم القائد بصفاتهم الشخصية([16]). وفضلاً عن وظيفة المجمع في التخطيط للدولة، ومساعدة القائد في رسم سياساتها العليا؛ فإنّه يفصل في الخلافات بين السلطة التشريعية (مجلس الشورى الإسلامي) والمحكمة الدستورية (مجلس صيانة الدستور)؛ في حال أصرّ كل طرف على صحة موقفه التشريعي؛ إذ لم يعط الدستور صلاحيات نهائية لمجلس صيانة الدستور للبت في عدم صحة التشريعات؛ بل أسند لـ (مجمع تشخيص مصلحة النظام) مهمة البت نهائياً في صحة التشريع. وفي حال بت المجمع في صحة التشريع أو القانون المختلف عليه أو قام بتعديله؛ فإنّ قرار المجمع حينها يكون ملزماً لمجلس الشورى ومجلس الصيانة([17]).

ج ــ القوات المسلحة:

وتتمثل في قوات الجيش وقوات الحرس الثوري وقوى الأمن الداخلي، وتجتمع في (رئاسة الأركان المشتركة للقيادة العامة للقوات المسلحة). وحصر الدستور بالولي الفقيه ـ بصفته القائد العام للقوات المسلحة ـ تعيين القيادات العليا للجيش وقوات الحرس الثوري وقوى الأمن الداخلي أو عزلهم([18]).

وهناك مؤسسات دستورية أُخر تخضع لإشراف القائد؛ كمؤسسة الإذاعة والتلفزيون([19]).

أي أنّ هذه المؤسسات لا تخضع لسلطة الحكومة؛ بل لسلطة الدولة؛ فهي مؤسسات الدولة، وليست مؤسسات الحكومة.

2 ـ السلطة التنفيذية:

تتمثل السلطة التنفيذية برئيس الجمهورية؛ فهو المنصب الدستوري الثاني في الدولة بعد منصب (القائد)، وهو رئيس الحكومة، ويتم انتخابه انتخاباً مباشراً من الشعب لأربع سنوات؛ تجدد لمرة واحدة فقط. ويختار رئيس الجمهورية وزراءه، ويعرضهم على مجلس الشورى الإسلامي للموافقة عليهم والتصويت عليهم تصويتاً فردياً. ولرئيس الجمهورية نائب أول وعدد من المعاونين([20]).

وأهم مؤسستين تتبعان رئيس الجمهورية:

أ ـ الحكومة: يترأس رئيس الجمهورية الحكومة المتكونة من النائب الأول لرئيس الجمهورية، ومعاوني الرئيس، والوزراء. ويتم ترشيح الوزراء من قِبَل رئيس الجمهورية ويقدمهم إلى مجلس الشورى ليصوت على كل وزير على حدة([21]).

وقد ساعد تعديل دستور الجمهورية الإسلامية في العام 1989 على تركيز السلطة التنفيذية في يد رئيس الجمهورية، بعد أن كانت موزعة بين رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء؛ إذ تمّ حذف منصب رئيس الوزراء، الذي كان يتمتع بصلاحيات واسعة، واستحدث بدلاً منه منصب النائب الأول لرئيس الجمهورية([22]).

ب ـ المجلس الأعلى للأمن الوطني (شوراى عالى أمنيت ملى): ويتألف من كبار القادة الأمنين والعسكريين والوزراء ذوي العلاقة، ويترأسه رئيس الجمهورية([23]). ويترأس رئيس الجمهورية عدداً من المجالس العليا الأُخر في الدولة؛ ومنها مجالس أساسية لم يذكرها الدستور؛ ولكن تمّ تشريعها بقوانين من مجلس الشورى الإسلامي أو بقرارات قيادية، ومنها: المجلس الأعلى للثورة الثقافية، وغيرها. وتنتظم علاقة رئيس الجمهورية والحكومة بالسلطة القضائية من خلال وزير العدل، كما تنتظم علاقتهما بالجيش وقوات الحرس من خلال وزير الدفاع، وبالشرطة من خلال وزير الداخلية.

3 ـ السلطة التشريعية:

تسمى السلطة التشريعية في دستور الجمهورية الإسلامية الإيرانية بـ (قوه مقنّنه)؛ أي (سلطة التقنين)، وتتمثل في مجلس الشورى الإسلامي (مجلس شوراى اسلامى)، الذي ينتخب الشعب أعضاءه انتخاباً مباشراً لفترة أربع سنوات، وعددهم (270) عضواً. ومهمة المجلس تشريعية ورقابية.

وتعتمد كثير من الأنظمة الديمقراطية نظام المجلسين التشريعيين، مثل: مجلسي العموم واللوردات في بريطانيا، ومجلسي النواب والشيوخ في الولايات المتحدة الأمريكية. ويرى غالبية علماء السياسة والقانون بأنّ نظام المجلسين التشريعيين هو الأكثر انسجاماً مع روح الديمقراطية وأهدافها؛ لأنّه يمنع استبداد السلطة التشريعية؛ فوجود مجلس واحد قد يدفعه للاستبداد بالتشريعات والقوانين والقرارات، أو التعسف في استعمالها في مواجهة السلطة التنفيذية؛ ولا سيما إذا كانت كل سلطة يسيطر عليها حزب مختلف، كما يمنع نظام المجلسين التسرّع في التشريع ووضع القوانين وإقرارها([24]).

وقد اعتمد نظام الجمهورية الإسلامية أُسلوباً خاصاً في عمل السلطة التشريعية؛ للمحافظة على الأصالة الفقهية لطبيعة هذه السلطة وعملها، وفي الوقت نفسه استخدام الأدوات العصرية في حركتها واختيار أعضائها. فقد وضع الدستور مجلساً دستورياً مصغراً، هو مجلس صيانة الدستور (شوراى نگهبان قانون أساسى)؛ للمصادقة على القوانين والقرارات التي يصدرها مجلس الشورى، وإعادتها إلى المجلس فيما إذا كانت متعارضة مع دستور الجمهورية الإسلامية والشريعة الإسلامية. أي أنّ مجلس صيانة الدستور لا يقنّن ولا يشرّع؛ بل يصادق على تشريعات مجلس الشورى الإسلامي، أي أنّه يمارس دور سلطة النقض التي يمارسها المجلس الدستوري أو المحكمة الدستورية أو مجلس الدولة في البلدان الأُخر([25]).

ويتألف مجلس صيانة الدستور من اثني عشر عضواً؛ بينهم ستة فقهاء؛ يعينهم القائد، وستة قانونيين؛ يرشحهم رئيس السلطة القضائية ويصادق عليهم مجلس الشورى الإسلامي([26]).

وقد أوجد الدستور ـ كما سبق ـ مؤسسة دستورية ثالثة هو مجمع تشخيص مصلحة النظام المؤلف من كبار قادة الدولة؛ لحل أي خلاف يَعلَق بين مجلس الشورى الإسلامي ومجلس صيانة الدستور، وليعطي مجلس الشورى فرصة تمييز قرارات مجلس صيانة الدستور، وليحول دون تفرد مجلس صيانة الدستور بالنقض التشريعي.

4 ـ السلطة القضائية:

يقف على رأسها رئيس السلطة القضائية، ويعينه القائد لمدة خمس سنوات؛ قابلة للتمديد لدورة واحدة، ويشترط فيه الاجتهاد والعدالة والكفاءة، ويمارس رئيس السلطة القضائية صلاحياته من خلال المؤسسات القضائية؛ كالمحكمة العليا والادّعاء العام والمحكمة الإدارية ووزارة العدل. وفضلاً عن رئيس السلطة القضائية؛ فإنّ رئيس المحكمة العليا والمدّعي العام اشترط الدستور فيهما أن يكونا مجتهدين([27]).

وفي إطار بحث موضوع هيكلية النظام السياسي للجمهورية الإسلامية؛ نلاحظ أنّ التعديل الذي أُجري على الدستور في العام 1989 أدخل تغييرات مهمة في الهيكلية والصلاحيات والتسميات الوظيفية؛ الأمر الذي يدل على أنّ هذه الصيغ متغيرة، وتخضع باستمرار للتطور النُظمي الذي تفرضه متطلبات الزمان. أمّا الأُسس الثابتة؛ كإسلامية الدولة وتشريعاتها ومذهبها الرسمي ومبدأ ولاية الفقيه؛ فهي الأُخرى يمكن تغيير أدواتها وتسمياتها، وإعادة صياغتها دستورياً بالمضامين نفسها وفق الحاجة الموضوعية.

والمخطط التالي يبيّن وظائف السلطات الأربع وصلاحياتها، كما بيّنه دستور الجمهورية الإسلامية الإيرانية ([28]):

هيكل النظام السياسي للجمهورية الإسلامية الإيرانية ومؤسساتها الدستورية

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

([1]) أهم من نظّر قانونياً وأكاديمياً لمفهوم (النظام القيادي) الفقيه الشرعي والقانوني الإيراني الدكتور عباس علي عميد زنجاني. أُنظر: موسوعته «الفقه السياسي»، ج1، ص284.

([2]) الغيبة الكبرى للإمام محمد بن الحسن المهدي المنتظر (ع) بدأت سنة 255ه ، وستستمر حتى ظهوره.

([3]) أُنظر: عميد زنجاني، د. عباس علي، (مصدر سابق)، ج1، ص279؛ والمؤمن، علي، «النظام السياسي الإسلامي الحديث»، ص25.

([4]) أُنظر: الجمل، د. يحيى، «الأنظمة السياسية المعاصرة»، ص228.

([5]) الصدر، السيد محمد باقر، «خلافة الإنسان وشهادة الأنبياء»، من كتاب «الإسلام يقود الحياة»، ص154.

([6]) «دستور الجمهورية الإسلامية الإيرانية»: المواد 5 و107 و110.

([7]) هناك تسميات صاغتها بعض وسائل الإعلام في وصف (القائد)؛ مثل (المرشد)، وهي تسمية خاطئة دستورياً وفقهياً وواقعياً. فالدستور نصّ على تسمية (رهبر) أي (القائد). ومن خلال الوظائف والصلاحيات التي كفلها دستور الجمهورية الإسلامية الإيرانية للقائد؛ يتضح أنّها ليست رمزية ولا إرشادية، ولا تقتصر على الرقابة والتوجيه؛ بل تتجاوزها إلى الوظائف والصلاحيات التنفيذية الأساسية؛ كالقيادة العامة للقوات المسلحة مثلاً. أُنظر: دستور الجمهورية الإسلامية الإيرانية، المادة 110.

([8]) وهي تقنين لما كتبه الإمام الخميني في كتابه «الحكومة الإسلامية»، ص45 ـ 49.

([9]) يستدل الدكتور وهبة الزحيلي في كتابه «نظام الإسلام»، ص199 ـ 204 على إجماع المذاهب الإسلامية على شرط الاجتهاد في ولي الأمر (الحاكم)؛ من خلال استعراض أقوال الماوردي في «الأحكام السلطانية»، ص6 و64؛ والجويني في «الإرشاد»، ص426؛ والبيهقي في «المسند»، ج10، ص118؛ والشافعي في «الفقه الأكبر».

([10]) أُنظر: الحائري، السيد كاظم، «الإمامة وقيادة المجتمع»، ص68.

([11]) دستور الجمهورية الإسلامية الإيرانية، المادة 109. وللوقوف على التفاصيل المفهومية لهذه الشروط في بعديها الفكري والفقهي، أُنظر: التسخيري، الشيخ محمد علي، «الرؤى الحضارية لدستور الجمهورية الإسلامية الإيرانية»، ص280 ـ 291.

([12]) أُنظر: الصدر، السيد محمد باقر، «خلافة الإنسان وشهادة الأنبياء»، من كتاب «الإسلام يقود الحياة»، ص151 ـ 153.

([13]) أُنظر: الخميني، الإمام روح الله، «الحكومة الإسلامية»، ص48.

([14]) «دستور الجمهورية الإسلامية الإيرانية»: المادتان 57 و110.

([15]) «دستور الجمهورية الإسلامية الإيرانية»: المواد 107 و108 و111.

([16]) المصدر السابق: المواد 110 و111 و112.

([17]) المصدر السابق.

([18]) المصدر السابق: المواد 110 و143 ـ 150.

([19]) المصدر السابق: المادة 110.

([20]) المصدر السابق: المواد 113 ـ 117 و124.

([21]) المصدر السابق: المادة 133.

([22]) المصدر السابق: المادة 124.

([23]) المصدر السابق: المادة 176.

([24]) عبد الله، د. عبد الغني بسيوني، (مصدر سابق)، ص248.

([25]) أُنظر: المصدر السابق: ص259.

([26]) «دستور الجمهورية الإسلامية الإيرانية»: المادة 91.

([27]) المصدر السابق: المواد 156 ـ 162.

([28]) أُنظر: علي المؤمن، «النظام السياسي الإسلامي الحديث»: ص 174.

 

 

latest video

news via inbox

Nulla turp dis cursus. Integer liberos  euismod pretium faucibua

Leave A Comment