الديمقراطية والنظام السياسي الإسلامي التعارض

Last Updated: 2024/05/30By

محاور التعارض بين النظام الديمقراطي والنظام السياسي الإسلامي

د. علي المؤمن

مفهوم الديمقراطية

يعود تاريخ الفكر الديمقراطي وتطبيقاته الأولى إلى المدن اليونانية القديمة، مثل أثينا وأسبارطة، التي تم فيها اختبار نوع من أنواع الديمقراطية، وهي الديمقراطية البدائية. وقد اشتقت الكلمة من اللغة الإغريقية، وتتكوّن من مقطعين: ديموس (Demos) بمعنى الشعب، وكراتوس (Kratos) بمعنى حكم، فيكون المعنى العام للكلمة «حكم الشعب»(1). وبذلك فإن مفهوم الديمقراطية يتسع لكل فكر سياسي، يعتمد الشعب مصدراً للسيادة وقاعدة للسلطة والتشريع.

وبعد قرون طويلة، اختفت خلالها الديمقراطية كنظرية وتطبيق، عادت إلى الظهور مع الثورتين الأمريكية (1783) والفرنسية (1789)، وتم اعتمادها في الولايات المتحدة الأمريكية بعد نجاح ثورتها، فيما بدأت بالانتشار ببطء في أوروبا، حتى باتت المذهب السياسي السائد في أوروبا الغربية بعيد الحرب (الاستعمارية) العالمية الثانية. وهي التي عرفت بالديمقراطية الغربية أو الديمقراطية التقليدية، والتي تطور مفهومها لتصبح – نظرياً – حكم الشعب بالشعب ومن أجل الشعب(2)، واستناداً إلى قاعدة اعتماد السلطة (بكل فروعها) أداة يحكم الشعب من خلالها نفسه، ويعبّر فيها عن إرادته وسيادته(3).

وقد ساهم في إثراء مفهوم الديمقراطية وتطويره، كثير من المفكرين السياسيين الغربيين، كل بحسب رؤيته وفهمه، وعبر عقود طويلة من الزمن أصبح للديمقراطية مفهوم واسع فضفاض(4)، وإطار يجمع في داخله تيارات فكرية وسياسية، تتفق على الخطوط العامة وتختلف في كثير من التفاصيل. إلا أن الديمقراطية الحديثة على مستويي النظرية والتطبيق، تبلورت بمرور الزمن في الديمقراطية الحديثة (التقليدية) السائدة في الغرب، والتي استحالت ثقافة عامة وفضاءً فكرياً ونظاماً سياسياً – اجتماعياً، يقوم بتنظيم المجالات العامة للحياة، من خلال التشريعات التي يصدرها ممثلو الشعب، ثم يراقبون السلطة التنفيذية في التزامها بهذه التشريعات، بالصورة التي تضمن للشعب كرامته وحق تقرير مصيره، وممارسته لإرادته وحريته، وهو ما يعبّر عنه بعض الباحثين بـ«الشعب الحاكم»(5). ومن الحقوق والحريات السياسية التقليدية لهذا الشعب: حرية التعبير والرأي، حق انشاء التجمعات والأحزاب، حق التصويت والترشيح لانتخابات مناصب الدولة.

ويعد مونتسكيو وروسو أهم من أسس للديمقراطية الحديثة ونظّر لها، إذ ابتكر مونتسكيو (1689 – 1755) مبدأ كون الشعب هو صاحب السيادة ومصدر شرعية الحكم(6)، فيما شرح روسو (1712 – 1778) المبدأ وأرجعه إلى الشعب كله، بحيث يكون عدد المواطنين الحكّام أكثر من المواطنين العاديين. وهو ما عرف بـ«الديمقراطية المباشرة» التي لم تجد لها أرضية للتطبيق؛ بسبب عدم إمكانية أن يكون الشعب كله حاكماً. واشترط روسو – ضمناً – أن يتفق الشعب في ما بينه على أن تحكمه الديمقراطية، أي أن يحكم نفسه بنفسه، وهو (اتفاق الشعب) أحد ضوابط «العقد الاجتماعي» الذي نظّر له(7). وكان للفيلسوف الألماني «أمانويل كانت» (1724 – 1804) مساهمة مؤثرة في دعم القيم الديمقراطية، من خلال فلسفته الأخلاقية التي أكد فيها مفهوم الكرامة الإنسانية، باعتبارها قيمة أخلاقية تدعو إليها الديمقراطية(8).

ويلخص الباحث الفرنسي المعاصر «موريس دوفرجيه» ما وصل إليه مفهوم الديمقراطية بعد التطوير الكبير الذي ظل يدخل عليه خلال قرنين ونصف من الزمن، فيقول: إن الديمقراطية هي النظام الذي يختار فيه المحكومون الحاكمين عن طريق العملية الانتخابية الحرة. وقد طوّر فلاسفة السياسة وعلماء القانون نظرية الانتخاب (التمثيل)، فبات بموجبها يعطي الناخب المنتخب وكالة يتكلم المنتخب بواسطتها باسم الناخب ويتصرف نيابة عنه، وبالتالي يكون البرلمان نائباً للأمة في تمثيل السيادة القومية(9). وتكاد تكون الانتخابات الوسيلة الوحيدة التي تستخدمها الديمقراطية في الوصول إلى السلطة أو مناصبها الأساسية، على اعتبار أنها الضمانة الوحيدة لحكم الأكثرية أو انتخاب من يمثل الأكثرية، في مقابل الوسائل الأخرى التي لا تقبل بها الديمقراطية، كالوراثة والاستخلاف والانقلاب (وكل أشكال العنف) وغيرها، بيد أن المفكرين السياسيين الغربيين ظلوا يسوغون مثل هذه الوسائل كغيرها من الممارسات التي تتعارض وروح الديمقراطية في ما لو حدثت في أوروبا الغربية أو كانت جزءاً من النظام الاجتماعي – السياسي لبعض دولها، ويضفون عليها صبغة ديمقراطية، لشرعنتها وإقناع الناس بإمكانية إيجاد باب لها في الفكر الديمقراطي، الأمر الذي يؤكد قابليته على استيعاب ألوان متنوعة من الأفكار والممارسات والثقافات. ومن هنا، فإن كثيراً من الأنظمة التي تعتمد مذاهب فكرية وسياسية وآليات في إدارة السلطة مختلفة ومتباينة، تصنّف نفسها في دائرة الأنظمة الديمقراطية، ومثال ذلك بعض الأنظمة الشمولية والوراثية والعسكرية وأنظمة الحزب الواحد.

رغم التأثيرات التي تتركها الديمقراطية على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي إلا أنها تبقى مذهباً سياسياً، وهي تهدف إلى تحقيق أهداف سياسية محض؛ والحقيقة أن الديمقراطيات التقليدية تعد الركن السياسي في مربع النظام الاجتماعي الغربي، أما ركنها الاقتصادي فيتمثل في الرأسمالية، وركنها الفكري في العلمانية، والاجتماعي في الليبرالية. ولا يمكن للديمقراطية أن تقوم بدورها وتحقق أهدافها بالمستويات التي نظّر لها المفكرون السياسيون الغربيون من دون التكامل مع الأركان الأخرى المذكورة (الرأسمالية، العلمانية، والليبرالية)، لأن بعضها يكمل بعضها الآخر، ولا سيما الليبرالية، التي تمثل فضاءً عاماً للنظام الاجتماعي الغربي، فمن خلالها تتحقق الحريات الفردية أو الاجتماعية والفكرية والعقيدية والاقتصادية والسياسية، الأمر الذي يفرض التوقف عندها؛ لتحقيق فهم علمي أعمق للديمقراطية، ويذهب الباحث الأمريكي «ماكفيرسن» إلى «أن الليبرالية كانت تعني دائماً تحرير الفرد من القيود البالية للمؤسسات التقليدية. وعند ظهور الليبرالية كليبرالية ديمقراطية أصبح ذلك مدعاة لتحرير كل الأفراد على قدم المساواة؛ ولتحريرهم من أجل الاستعمال الكامل لقدراتهم الإنسانية وتنميتها. ولكن مادام يوجد اقتصاد الندرة، فكان يبدو للديمقراطيين الليبراليين أن الوسيلة الوحيدة لبلوغ ذلك الهدف تكون من خلال إنتاجه رأسمالية المشروع الحر»(10).

إن الليبرالية هي نزعة فلسفية وفكرية ومذهب اجتماعي، يحتوي على مجموعة من المثل والقيم والنظم. ولا تترعرع الليبرالية إلا في مناخ رأسمالي اقتصادياً(11) وديمقراطي سياسياً، لأنها تدعو إلى الحرية الكاملة في المجالين الاقتصادي والسياسي، وتدعو إلى التعددية واحترام أفكار الآخرين واتجاهاتهم وسلوكياتهم على الصعد الفكرية والسياسية والتنظيمية. وترى الليبرالية أن تحقيق الاستقرار والتوازن الاجتماعي لا يتم إلا عبر إطلاق العنان للمنافسة بين أصحاب رأس المال في دائرة الاستثمارات والمبادرات والمشروعات، وكذلك بين السياسيين وتنظيماتهم في الطريق إلى السلطة. فضلاً عن إطلاق حرية الأفكار بمختلف ألوانها، وإن كانت تتعارض والاتجاه السياسي لغالبية المجتمع ومعتقداته الدينية والايديولوجية، ويتبع ذلك إطلاق يد المشرّع (البرلمان) ليقنن ما شاء دون محددات دينية أو فكرية أو سياسية أو عرفية. ولا شك في أن هذا المستوى من الحرية الاقتصادية والسياسية والفكرية، أشعر النظام الاجتماعي الغربي بنوع من الانفلات الذي يؤدي إلى عدم احترام حقوق الآخرين وحرياتهم، وبالتالي الإخلال بالنظام الطبيعي، الأمر الذي دفع بعض المفكرين الغربيين إلى الدعوة لتجاوز أفكار القرنين الثامن عشر والتاسع عشر والنصف الأول من القرن العشرين، والمتمثلة بـ«الليبرالية التقليدية» واستبدالها بـ«الليبرالية الجديدة» التي تسمح للدولة وسلطتها بالتدخل لتنظيم الحريات وعملية التنافس في إطار القانون، ومن ذلك السيطرة على المشروعات الاقتصادية الكبرى والثروات الوطنية. إلا أن هذا التدخل يبقى في حدوده الدنيا، أي بالمقدار الذي تتم فيه المحافظة على توازن النظام العام. وقد اعتمدت الليبرالية التقليدية أفكار ونظريات مجموعة من المفكرين الاقتصاديين والسياسيين الغربيين، مثل: الفرنسي «جان باتيست ساي» (1767 – 1832) «آدم سميث» (1723 – 1790) و«جون ستيوارت مل» (1806 – 1873)، فيما يعد الكاتب الأمريكي «والتر ليمان» (1889 – 1974) مؤسساً لفكر الليبرالية الجديدة(12).

وبرغم المفهوم الشائع للديمقراطية، إلا أنها تنقسم وفقاً لرؤيتها موضوع تمثل الشعب في السلطة – والذي يتجسد فيه حكم الشعب – إلى ثلاثة أنواع:

1 – الديمقراطية المباشرة:

ويقوم فيها الشعب بمهام السلطتين التشريعية والتنفيذية بنفسه ودون واسطة، أي إن الشعب لا ينتخب ممثليه في السلطتين التشريعية والتنفيذية، بل يمارسها بنفسه، إذ يسنّ التشريعات ويطبقها. وهذا النوع هو الأساس الذي قام عليه مفهوم الديمقراطية بأصوله الإغريقية (نظام الدولة – المدينة) ثم بلور صيغته الجديدة المفكر الفرنسي جان جاك روسو، فمفهومه حول انبثاق النظام السياسي والذي عرف بـ«العقد الاجتماعي» مبني على أساس الديمقراطية المباشرة، ووفقه تقوم الحكومة الديمقراطية على قاعدة الاتفاق والتراضي والعقد بين أفراد الشعب من جهة، وبين أفراد الشعب والشخص أو الأشخاص (الموظفين) الذين يمنحونهم حق إدارة الحكم من جهة أخرى، وهم السلطة التنفيذية(13). وهذا النوع من الديمقراطية ليس له مصداق خارجي في الوقت الحاضر؛ لاستحالة تطبيقه.

وقد ظهرت في الولايات المتحدة الأمريكية في ستينات القرن الماضي أصوات تطالب بالمشاركة الحقيقية للمواطن في الحكومة وقراراتها، في محاولة للعودة إلى حقيقة الديمقراطية وجوهرها، بعد أن أصبحت مشاركة الشعب في السلطة تتم عبر الحكام الذين ينتخبهم. وقد عرف ذلك النموذج من الديمقراطية بـ«الديمقراطية المبنية على المشاركة»، وهي تحاول التشبه بشكل أو بآخر بالديمقراطية المباشرة. وبرغم أن الحركات العمالية والطلابية التي بلورت هذا النموذج استطاعت في أوساط العقد المذكور دفع حكومة الولايات المتحدة إلى تبني جزء من برنامجها، بهدف تحقيق قدر أوسع من المشاركة الملموسة للمواطنين وأعضاء الجماعات المختلفة في الحياة السياسية(14).

2 – الديمقراطية غير المباشرة:

وفيها ينتخب الشعب ممثليه ليكونوا وكلاء أو نواباً عنه في السلطة التشريعية، كما ينتخب انتخاباً مباشراً أو غير مباشر مسؤولي السلطة التنفيذية، مع احتفاظ الشعب بحقه في محاسبة السلطات والاعتراض عليها، وتقرير المسائل الرئيسة عبر الاستفتاء، وحق الاقتراع الشعبي، وهي مظاهر الديمقراطية شبه المباشرة الكاملة. ويوجد نموذج للديمقراطية شبه المباشرة، وهي الجزئية، وفيها يمتلك الشعب حق إقالة النائب وحق حل البرلمان وعزل رئيس الجمهورية(15)، من خلال آليات تسمح للسلطتين التنفيذية والتشريعية بمراقبة إحداهما الأخرى وتطبيق الحقوق المذكورة، باعتبار أن كلاهما يمثل الشعب. وهذا النوع من الديمقراطية يتبناه كثير من الحكومات الديمقراطية.

3 – الديمقراطية النيابية:

وفيها ينتخب الشعب نواباً عنه لمدة معينة لتولي السلطة التشريعية، دون أن يتدخل مباشرة في تعيين السلطة التنفيذية، ودون أن يتمتع بحق محاسبة نوابه وحق إقالتهم وحق الاستفتاء العام؛ لأن البرلمان (مجلس نواب الشعب) هو الذي يمثل سلطة الشعب وإرادته، ولا يمثل فقط من انتخبوه، ويكون النواب بعد انتخابهم مستقلين عن إرادة الناخبين وغير ملزمين بآرائهم وتعليماتهم(16). وهذا النوع من الديمقراطية له تطبيقاته الواسعة في كثير من الدول التي تحكمها أنظمة ديمقراطية، وهو قريب مما عرف في الغرب بـ«الديمقراطية التوازنية» التي سادت ابتداءً من منتصف القرن الميلادي الماضي. ويطلق بعض الأدبيات السياسية الغربية على هذا النموذج: «النموذج النخبوي التعددي»، فالمجتمع التعددي هو الذي تلائمه الديمقراطية التوازنية، ويعتبر نخبوياً، لأنه يعطي لمجموعة قليلة من القادة الدور الرئيس في العملية السياسية. أما المراد من التوازنية فهو محافظة هذا النموذج على التوازن بين العرض والطلب في العملية السياسية.

ويفترض النموذج التوازني هذا أن الديمقراطية هي آلية لاختيار السلطة وتحويلها من قبل الشعب للحكومة، أي إنها ليست قيماً أخلاقية ولا تمثل نوعاً من المجتمع. وآلية العملية الديمقراطية تتمثل بتنافس مجموعتين أو أكثر من السياسيين (القادة – النخبة) المنتظمين في أحزاب سياسية؛ للحصول على الأصوات التي توصلهم إلى السلطة(17).

الديمقراطية في فكر المسلمين

يعتقد بعض الباحثين(18) أن المسلمين عرفوا الديمقراطية وكتبوا عنها منذ عهد ازدهار الترجمة، إذ ترجمها أول مرة الفيلسوف أبو نصر الفارابي (ت 950 م) ومن بعده الفيلسوف ابن سينا (ت 428 هـ) بعبارة «المدينة ذات السياسة الاجتماعية» أو «المدينة الجماعية». وقد وصفها ابن سينا بقوله: «أن يكون أهل المدينة – شرعاً – سواء فيما لهم من الحقوق والكرامة، (وما) عليهم من الأروش (الديات والغرامات). لا يروس أحد أحداً نحله غير إجماعهم عليه، ومهما شاؤوا استبدلوا به»(19). بينما يرى الفارابي أن غاية أهل المدينة الجماعية «أن يكونوا أحراراً، كل منهم يعمل ما يشاء، فلا يمنع هواه شيء أصلاً، ويكون من يرأسهم إنما يرأسهم بإرادتهم، وحقيقتها أنه ليس فيها رئيس ولا مرؤوس»(20).

وتدخل هذه الآراء وغيرها في إطار الفلسفة السياسية، فهي تطورات عقلية، تعبّر عن الاتجاه الفكري لأصحابها، ولا تعبّر عن تأصيل فكري إسلامي. وينطبق هذا على آراء معظم المفكرين المسلمين وعلماء الدين في القرن التاسع عشر الميلادي، من الذين تناولوا موضوع الديمقراطية، كخير الدين التونسي (1780 – 1879) ورفاعة رافع الطهطاوي (1801 – 1873) وعبد الرحمن الكواكبي (1848 – 1902) وجمال الدين الأفغاني (1839 – 1897) ومحمد عبده (1849 – 1905) وغيرهم، فهؤلاء حاولوا التأكيد على أن الشورى هي الديمقراطية أو أنها قريبة منها جداً، وفيها خلاص المسلمين من الاستبداد والتخلف والاستعمار. وهذا الاتجاه لا ينطلق من التأصيل الفكري أو الفقهي لشكل الحكم الإسلامي، وإنما منطلقه انعدام الخيارات الأخرى، فكانت الديمقراطية هي الخيار الذي يقابل الاستبداد والتخلف والتبعية، ما دفعهم إلى تكييف الشورى فكرياً لتوائم الديمقراطية.

والأمر نفسه ينطبق على المرجع الديني الميرزا محمد حسن النائيني(21) (1857 – 1936) وكل دعاة الحركة الدستورية في إيران والعراق خلال العقود الثلاثة الأولى من القرن الميلادي العشرين. إذ إن قضية التأصيل الفقهي للحكم الإسلامي لم تكن مطروحة آنذاك ولم تكن خياراً مقابل خيار الاستبداد؛ بل كان جل هم الميرزا النائيني وغيره من الفقهاء والمفكرين هو القضاء على الاستبداد، وإيجاد البديل الواقعي، ولو في الحدود الدنيا المقبولة شرعاً(22)، كالمشروطة أي الحكم الذي يشترط فيه الخضوع للدستور والقوانين العامة وتشريعات مجلس الشورى(البرلمان)، وهو ما يمكن التعبير عنه بالملكية الدستورية.

ومنذ أواسط القرن الميلادي الماضي أصبح الحديث عن الديمقراطية يأخذ منحى آخر في الوسط الإسلامي. وكانت حركة الإخوان المسلمين في مصر تتوزعها اتجاهات مختلفة حيال الموضوع. ويذكر بعض الباحثين(23) أن الشيخ حسن البنا (1906 – 1949) كان ميالاً نحو قبول آليات الديمقراطية وأساليبها، وهو ما عبّر عنه في محاضرة ألقاها في عام 1948 بجمعية الشبان المسلمين تحت عنوان: «الديمقراطية الإسلامية». وبعدها بأربع سنوات تقريباً أصدر الكاتب المصري عباس محمود العقاد (1889 – 1964) كتابه «الديمقراطية في الإسلام»، والذي أكّد فيه أن «فكرة الديمقراطية أنشأها الإسلام لأول مرة في تاريخ العالم»(24). وفي العام نفسه أصدر محمد ضياء الدين الريس كتابه «النظريات السياسية الإسلامية»، الذي قارن فيه بين الديمقراطية والإسلام، وحاول التقريب بينهما، مع التأكيد على نقاط الاختلاف أيضاً، «إذ ذكر أن ثمة أوجهاً للاتفاق كثيرة بين الإسلام والديمقراطية، لكن أوجه الاختلاف أكبر»(25).

وبالانتقال إلى المفكرين الإسلاميين المعاصرين، سنجد ثلاثة آراء صريحة لمصلحة الديمقراطية، وتحمل مضموناً واحداً تقريباً، الأول للشيخ يوسف القرضاوي والثاني للشيخ محمد مهدي شمس الدين والثالث للسيد محمد حسن الأمين إذ يذهب الشيخ القرضاوي إلى أن المتأمل لجوهر الديمقراطية يجد أنها من صميم الإسلام، فالإسلام ينكر أن يؤم الناس في الصلاة من يكرهونه ولا يرضون عنه، فقد ورد في الحديث الشريف: «ثلاثة لا ترتفع صلاتهم فوق رؤوسهم شبراً»، وذكر الحديث أن أولهم «رجل أمّ قومه وهم له كارهون». وإذا كان هذا في الصلاة – كما يقول الشيخ القرضاوي – فكيف في أمور الحياة والسياسة(26). أما الشيخ شمس الدين فيرى أن للديمقراطية ثلاث سمات، أولها الرؤية الفلسفية الليبرالية، والتي تعطي الشعب حق أن يحكم نفسه، والفهم الإسلامي – كما يقول – يؤكد صيغة «ولاية الأمة على نفسها»؛ والأخرى كون الديمقراطية آلية لإدارة السلطة وتداول السلطة، وهنا لا يوجد «في الشرع أي نص شرعي على الإطلاق – لا في الكتاب ولا في السنة ولا في الفقه العام – ما يمنع اعتماد الديمقراطية وأساليبها ومؤسساتها في هذا الحقل»؛ والسمة الثالثة كونها آلية تشريعية لسن القوانين من خلال المؤسسات النيابية ففي ما يتصل بما هو منصوص عليه، أي ثوابت الشريعة، فلا يمكن للبشر أن يشرّعوا فيها، وهو ما يتعارض والديمقراطية، أما في الجوانب التنظيمية والإدارية والعلاقات الخارجية ومعظم الجانب الاقتصادي، وفي حدود مراعاتها للمبادئ العليا للشريعة، «فذلك من شأن البشر وإدراكهم لمصالحهم»(27). ويعتقد السيد محمد حسن الأمين بأن الديمقراطية لا تتضمن مفهوماً ولا عقيدة بشأن الله والإنسان والكون والمجتمع، إنها – بذاتها – لا تعني أكثر من كونها نظاماً سياسياً واجتماعياً حراً، أي هي محاولة لوضع مفهوم «الحرية» ضمن نظام للسياسة والمجتمع… إنها نظام حيادي وإطار لتنظيم مبدإ حرية الإنسان»(28).

ويطرح المفكر الإسلامي السوداني حسن الترابي رؤية ناقدة للديمقراطية، من منطلق تعارضها مع المقاصد الروحية والأخلاقية التي يدعو لها الإسلام، فيقول بأن الديمقراطية الغربية «تنطوي على إطلاق الهوى والشهوات السياسية من قيود الأخلاق، ففي حدود احترام سيادة الشعب أو الأغلبية، يبقى كل عامل سياسي حراً، وتبقى كل حيلة أو تدبير سياسي مباحاً.. منذ «ميكافيللي» أُسست السياسة الغربية على الإباحية والمكر، وانتقلت تلك التقاليد إلى الديمقراطية فأعدتها بفساد عظيم… وظل الفساد ملازماً للأداء السياسي الغربي، فكل المكائد والمنافقات والرشاوى مباحة، شريطة ألا ينفتح الأمر على الكافة، ويقولون – عزاءً لأنفسهم – إن الفساد الديمقراطي خير من الاستبداد»(29).

وفي إيران – بعد تأسيس الجمهورية الإسلامية – بقي الحديث عن الديمقراطية يتراوح بين القطيعة معها، باعتبارها تنتمي إلى مرجعية حضارية مختلفة، وأن أي مصالحة معها ستؤدي إلى انهيار الحدود بين الفكر الإسلامي والفكر الوضعي، وإن التقى بها الفكر السياسي الإسلامي في بعض المجالات، وبين التصالح معها واقتباس ما ينفع منها، شريطة عدم تعارض ما يتم اقتباسه مع الشريعة الإسلامية، وبين تبنيها بكل خصائصها. وكان للإمام الخميني موقف صريح في هذا المجال، فهو لم يعالج هذه الإشكالية معالجة فكرية أو فقهية، كما أنه لم يعارضها أو يوافق عليها؛ بل كان يؤكد أن النظام الإسلامي هو مشروع حضاري مستقل وواضح، وفيه ما يضمن كل حاجات الإنسان ومتطلبات العصر، وهو ليس بحاجة للتشبث بأفكار الآخرين ومناهجهم، ولا سيما إذا كانت غامضة وفضفاضة، وكان يدعو الجميع إلى فهم الإسلام ونهضته ونظامه فهماً حقيقياً، للحيلولة دون الخلط بين روح الإسلام ومقاصده وبين أي مفاهيم ومعتقدات لا تنتمي إليه. فكان يسأل دعاة تبني الديمقراطية بقوله: «أين هي الديمقراطية التي مُلئ العالم باسمها إلى هذا الحد؟ وأي البلدان تعمل وفق الديمقراطية؟ وهذه القوى الكبرى.. أيها تعمل بموجب الموازين الديمقراطية؟ فللديمقراطية معنى مختلف بين بلد وآخر، لها معنى معين في الاتحاد السوفياتي، ولها معنى آخر في أمريكا، ولها معنى معين لدى أرسطو، وهي ذات معنى مختلف عند غيره. نحن نقول: إنها شيء مجهول ولها في كل مكان معنى معين، ولا يمكننا أن نضعها في دستورنا، بحيث يستطيع كل واحد أن يستفيد من أحد معانيها ويصوغها بشكل تبدو فيه لصالحه، ولذلك فإننا نقول: الإسلام، ونكتفي به»(30).

ولا شك في أن التطور الفكري والسياسي المتسارع الذي شهدته إيران في عقد التسعينات، أدخل جميع التيارات والجماعات السياسية والفكرية في دائرة السجال حول جدوى التعاطي مع المذاهب والمفاهيم السائدة في الواقع السياسي الغربي، وظهر هذا السجال بصورة واسعة وواضحة في الصحافة ووسائل الإعلام والندوات والجامعات والمنابر الحزبية والرسمية، وكان السجال يدور هذه المرة بين الإسلاميين أنفسهم، أي بين التيارات والجماعات السياسية الداخلة في إطار النظام نفسه. وأخذ السجال بعداً شمولياً أكثر عمقاً في أعقاب صعود جبهة السيد محمد خاتمي إلى الحكم، وسيطرتها على السلطتين التنفيذية (1996) والتشريعية (1998) وعلى معظم المجالس البلدية (1999) والاتحادات العمالية الطلابية والجامعات والصحف والدوريات، فبعد انتخابه رئيساً للجمهورية الإسلامية دعا السيد محمد خاتمي إلى جملة من المفاهيم السياسية والفكرية التي ساهمت في تحريك الواقع الفكري بقوة، كالديمقراطية الإسلامية والمجتمع المدني والتعددية وغيرها، ولم يقتصر هذا الاتجاه على تيار السيد محمد خاتمي؛ بل إن أصواتاً في التيار المقابل الذي يعرف بـ«المحافظين»، ذهبت إلى عدم وجود تعارض في جانب الممارسة بين الحكومة الإسلامية والديمقراطية، ومن هؤلاء الدكتور محمد جواد لاريجاني الذي يقول: «الحكومة الإسلامية من الناحية الذاتية ليست ديمقراطية، ولكن من ناحية الممارسة هي ديمقراطية بالكامل، وليس هناك أي تعارض بينها»(31).

هذا الاستعراض لبعض الأفكار والمواقف تجاه الديمقراطية، يؤكد الحقيقة التي سبق التطرق إليها، وهي وجود مساحات مشتركة بين الحكم الإسلامي والحكم الديمقراطي في جانب الممارسة وآليات إدارة السلطة وتداولها، ومساحات تعارض أخرى بينهما في الجانب الفلسفي والفكري والتشريعي.

محاور التعارض بين النظام الإسلامي والنظام الديمقراطي

كما أكد البحث سابقاً، فإن المقارنة التي نحن بصددها والتي تكشف عن مساحات التعارض واللقاء بين النظام الإسلامي والنظام الديمقراطي، ستقتصر على المذهب والنظام السياسي الإسلامي، ولا يتجاوزه إلى الإسلام كدين يستوعب كل مجالات حياة الفرد والمجتمع، على اعتبار أن الديمقراطية هي – بالأساس – مذهب ونظام سياسي، ومن هنا لا يمكن إقحام الدين في مقارنة مع مذهب سياسي. كما ستقتصر المقارنة على الديمقراطية كتجربة إنسانية لها تطبيقاتها في بعض الدول الغربية، تحديداً. وسيكون نموذج المقارنة النظام السياسي في الجمهورية الإسلامية الإيرانية، مع الافتراض أنه تجربة إنسانية – أيضاً – في واقع التطبيق، أو بكلمة أخرى، التأكيد على البعد الإنساني في تجربة النظام الإسلامي، دون التشديد على الجذور النظرية للتطبيق. ومن هنا، ستكون المقارنة بين تجربتين إنسانيتين، فيما لهما وما عليهما، أين تفترقان وأين تلتقيان، دون أن تكون إحداهما معياراً لصحة الأخرى أو خطئها. هذه الفرضية ستحل إشكالاً أساسياً يطرحه سؤال: من يمثل النظام الديمقراطي على الأرض؟ فالممارسات الخاطئة التي ارتكبتها أو ترتكبها الأنظمة السياسية التي تنتسب إلى الديمقراطية، شوّهت صورة الديمقراطية، وجعلت العثور على النموذج الحقيقي لها أمراً صعباً، فمعظم انتهاكات الحقوق والحرية كانت لا تزال تحصل باسم الديمقراطية ودفاعاً عن الحريات، وكذلك، إن الممارسات الخاطئة للأنظمة التاريخية والمعاصرة التي تنتسب إلى الإسلام، ظلت تحصل – غالباً – باسم الإسلام ودفاعاً عن شريعته.

وفيما يتعلق بمساحات التعارض بين النظامين الإسلامي والديمقراطي هناك مساحات أساسية ترتبط بالأسس الفكرية والنظرية، وما يترتب عليها في البعد التطبيقي، وفي مقدّمها بشرية النظام الديمقراطي في مرجعيته ومصادره وفكره، في حين أن مرجعية النظام الإسلامي ومصادره الأساسية دينية مقدسة. ومن هذا الفارق تتفرع فوارق أخرى، كالأهداف والمقاصد، ومصدر الحاكمية والمشروعية، ومصادر التشريع والتقنين، ودور الدين في النظامين، ومحور السلطة في النظامين، ونتوقف هنا عند هذه المساحات في إطار أربعة محاور رئيسة:

1 – الأهداف والمقاصد:

يحدد النظام الديمقراطي أهدافه ومقاصده في إطار مرجعية بشرية بحتة – كما سبق – ومن هنا فإن هذه الأهداف والمقاصد تقتصر على تحقيق غايات دنيوية مادية، أبرزها منح الشعب حقه في السيادة على نفسه من خلال سيطرة الأغلبية على مقاليد السلطة، وبذلك يضمن الشعب حريته السياسية وحقوقه في التعبير عن إرادته ورأيه. وبكلمة واحدة، إن مقاصد النظام الديمقراطي لا تتعدى حدود السياسة والسلطة. وتسوّغ الديمقراطية كل الوسائل والأساليب للجماعات المتنافسة؛ للوصول، دون تقييدها بضوابط روحية (دينية) أو أخلاقية؛ لأن الديمقراطية غير معنية أساساً بالجوانب الروحية أو الأخلاقية، فهي وليدة التقاليد السياسية الغربية التي ترعرعت في حضن «البراغماتية» وسياسة السوق والصراع مع التقاليد الدينية، وينسحب ذلك على كل مقومات الديمقراطية، بما فيها الأبعاد النظرية (الفلسفية والفكرية) والأبعاد العملية والتطبيقية (الآليات والوسائل). وبالتالي من الصعوبة البالغة تطبيق الديمقراطية في إطار حكم ديني، لأن مقوماتها لا يمكن أن تأخذ موقعها الطبيعي إلا في ظل حكم علماني رأسمالي ليبرالي.

أما النظام الإسلامي فهو نظام ديني ولا ينفصل عن الدين في رؤيته الكونية ومرجعيته وأهدافه ومقاصده، وهذه الأهداف والمقاصد تتسع لشؤون الدنيا والآخرة أي إن غايات النظام الإسلامي دنيوية، تسعى لخير الإنسان وسعادته، وتحقيق أمنه وحريته، وبناء حياته المادية كما هي أخروية، تسعى لتطبيق أحكام شريعة الله في البعد الاجتماعي الذي يعبّد للمجتمع طريق الوصول إلى الله تعالى، سواء في مجال العبادات أو العقود أو الحدود وغيرها. ولا تنحصر أهداف النظام الإسلامي في موضوع السياسة والسلطة؛ بل تشتمل على كل مجالات الحياة الأخرى. وفي الموضوع السياسي فإن السلطة في النظام الإسلامي مجرد أداة ووسيلة لتحقيق أهدافه الدنيوية والدينية، ولا تعد هدفاً بذاتها، وبالتالي فالعمل السياسي في إطار النظام الإسلامي له ضوابط روحية وأخلاقية، تكون فيه السلطة مسؤولية كبرى أمام الله تعالى، تترشح عن دورها في رعاية مصالح الناس وشؤونهم، كما هي أمانة إلهية يعبّر من خلالها الإنسان عن حقيقة استخلافه على الأرض.

2 – السيادة والحاكمية والمشروعية:

إن استخدام الفكر السياسي الإسلامي لبعض المصطلحات التي أفرزها الفكر السياسي الوضعي، كالسيادة والمشروعية وحاكمية الأمة وغيرها، فيه الكثير من التسامح؛ ورغم الاستخدام المشترك لهذه المصطلحات، إلا أن المفهوم الإسلامي لكل منها يختلف بنسب معينة عن مفهوم الفكر السياسي الوضعي لها.

فالسيادة أو الحاكمية في المفهوم الإسلامي هي للَّه تعالى بالمطلق، ويصطلح عليها عقائدياً: الولاية؛ وهي على قسمين: تكوينية وتشريعية. الولاية التكوينية تتجسد في سيادة الله تعالى على الكون أو على عالم الخلقة أجمع. والولاية التشريعية تعني سيادة الله تعالى وولايته على الإنسان وعمله، وتتجلى في التشريع، وينفذها الإنسان من خلال ولايته النسبية على عمله ومصيره، وهذه الولاية النسبية مصدرها ولاية الله تعالى(32). وبالتالي فالسيادة العليا المطلقة هي للَّه تعالى، والسيادة الأرضية النسبية هي للإنسان المستخلف. وصاحب السيادة المطلقة، أي الله، هو مصدر سيادة الإنسان الخليفة، وسيادة الدولة الإسلامية، ومصدر شرعية الحكومة الإسلامية وشرعية رئيسها، أي إنه مصدر السلطات جميعاً(33). وولاية الفقيه في النظام السياسي الإسلامي الحديث تعد امتداداً لولاية الرسول(ص)، عبر ولاية الإمام(ع)، كما في الفكر السياسي لمدرسة أهل البيت(ع). وولاية الرسول(ص) هي امتداد لولاية الله تعالى. وبذلك يمنح الولي الفقيه النظام الإسلامي الشرعية، ويترأسه في الوقت نفسه؛ لأنه يمثل الشريعة من جهة والأمة من جهة أخرى. والشريعة في عصر غيبة الإمام المعصوم هي السيد المباشر في النظام الإسلامي.

والدواعي التنظيمية تجعل الولاية التي يتمتع بها الفقيه تنقسم إلى نوعين:

الأول: ولاية بالقوة، وهي لكل الفقهاء الحائزين على شروط الاجتهاد والعدالة.

الثاني: ولاية بالفعل، وهي خاصة بالفقيه المتصدي للأمر ولإقامة النظام الإسلامي، والذي تقبل الأمة ولايته، أو الفقيه الذي يختاره للولاية الفقهاء المنتخبون من قبل الأمة.

والولاية هنا، تعني إمامة الأمة وقيادة النظام الإسلامي ورئاسة الدولة الإسلامية.

وتكتسب الولاية شرعيتها (الدينية) من كونها امتداداً للإمام المعصوم، كما تكتسب مشروعيتها (القانونية) من قبول الأمة لها، عبر أشكال البيعة المختلفة. ويتمثل دور الأمة بتفعيل ولاية الفقيه، أي إنها من خلال بيعتها وطاعتها للفقيه الذي تختاره، تعمل على تحويل ولايته من القوة إلى الفعل، أي إنها لا تمنحه الشرعية، فهي ليست مصدر سيادة الدولة والنظام، لأنها لا تمتلك السيادة. ومن هنا فمسار السيادة والحاكمية في النظام الإسلامي يبدأ من الأعلى.

والمشروعية في الفكر السياسي مصطلح قانوني، يمثل إفرازاً للسيادة والحاكمية، بمعنى أن من له السيادة والحاكمية هو الذي يمنح النظام أو الحكومة المشروعية. وفي الفكر السياسي الوضعي يكاد مفهوم المشروعية يرادف مفهوم الشرعية، فالشرعية هي نتيجة أن يكون الأمر مشروعاً. ويقسم بعض الباحثين(34) المشروعية إلى قسمين: مشروعية معتادة ومشروعية عليا، وتختص الأولى بالمشروعية الأرضية التي يصطنعها الإنسان، كما هو الحال مع الفكر الديمقراطي الذي يقرر بأن الشعب السيد هو الذي يمنح الحاكم المشروعية من خلال انتخابه له. وهو ما تلخصه نظرية العقد الاجتماعي الذي يمنح الحاكم المشروعية من خلال انتخابه له. وهو ما تلخصه عن جزء من حريته وحقه كسيد وحاكم لمصلحة فرد آخر يختاره مع مجموع أفراد المجتمع، ليعبّر عن إرادته وسلطته؛ وبالتالي، فإن التنازل عن ذلك الجزء سيضمن للفرد التمتع ببقية ما احتفظ به من الحرية والسيادة. وانتقل الفكر الديمقراطي الليبرالي في ما بعد إلى إيجاد مشروعية عليا مصطنعة، أيضاً، تستمد روحها من المشروعية المعتادة، وتلك المشروعية العليا تعبّر عن مبادئ وقيم نظرية، مثل: حقوق الإنسان أو المبادئ العليا للقانون أو القانون الطبيعي(35)، كمدخل للمشروعية المعتادة التي تمثل الجانب العملي أو التطبيقي. وقد جاءت المشروعية الديمقراطية نقيضاً للمشروعيات التقليدية، كالوراثة والطبقة والجنس والغلبة والقوة والكاريزما وغيرها.

وهناك فرق شكلي بين أنواع الديمقراطية في موضوع السيادة، فالديمقراطية المباشرة تذهب إلى أن مشروعية السلطات في الدولة نابعة من سيادة الشعب بأجمعه ومن الحق المطلق لأفراده – دون استثناء – في تقرير مصيرهم. أما الديمقراطية غير المباشرة أو الديمقراطية النيابية، فتذهب إلى أن مشروعية السلطات في الدولة مصدرها أصوات أكثرية الشعب، ومن خلال وكلاء الشعب، سواء من البرلمان أو الحكومة.

وفي الفكر السياسي الإسلامي الحديث يتميز مفهوم الشرعية بطبيعته الدينية، فالشرعية نسبة إلى الشرع والشريعة، وهي تمنح الدولة والحكومة صفة الشرعية الدينية، وكونها مقبولة دينياً، بينما تختص المشروعية بالبعد القانوني، أي إنها تمنح الدولة والحكومة الصفة القانونية والدستورية. ومن هنا فالنظام السياسي الإسلامي الحديث يتمتع بكلا الصفتين: الشرعية والمشروعية، والثانية تكمّل الأولى وتفعّلها؛ لأنها ترتبط بموقف الأمة ورضاها.

ويلخّص الإمام محمد باقر الصدر (1935 – 1980) الفارق بين النظامين الإسلامي والديمقراطي في موضوع السيادة بقوله: يطرح النظام الإسلامي «شكلاً للحكم يحتوي على كل النقاط الإيجابية في النظام الديمقراطي مع فوارق تزيد الشكل موضوعية وضماناً لعدم الانحراف، فالأمة هي مصدر السيادة في النظام الديمقراطي، وهي محط المسؤولية أمام الله تعالى في النظام الإسلامي، والدستور كله من صنع الإنسان في النظام الديمقراطي، ويُمثل على أفضل تقدير في لحظات مثالية تحكّم الأكثرية في الأقلية، بينما تمثل الأجزاء الثابتة من الدستور شريعة الله وعدالته التي تضمن موضوعية الدستور وعدم تحيزه»(36).

3 – التشريع والتقنين:

التشريع في الحكومة الإسلامية ليس تشريعاً بالمعنى الوضعي المتداول، ولا هو تقنين بالمطلق. فالتقنين أو التشريع – مجازاً – في الحكومة الإسلامية مقيد بقوانين الإسلام وموازينه المستخرجة من القرآن الكريم والسنة الشريفة؛ لأنهما مرجعية التقنين في النظام الإسلامي. والله تعالى – في إطار ولايته التشريعية – هو المشرّع، فيكون مجرى التقنين في النظام الإسلامي منطلقاً من الشريعة الإسلامية فقط، من خلال نواب الأمة (مجلس الشورى) بإشراف مباشر من الولي الفقيه. وتتم عملية التقنين أو التشريع هذه على النحو التالي:

أولاً: إن الأحكام الشرعية الثابتة المستخرجة من النص المقدس وبوضوح فقهي تام، تعد جزءاً ثابتاً في قوانين النظام الإسلامي وفي وثيقة الدستور.

ثانياً: في الأحكام الشرعية التي فيها أكثر من موقف اجتهادي فقهي، تسن القوانين في إطار الموقف الاجتهادي للولي الفقيه (القائد)، أو الموقف الذي يراه الأصلح للأمة، وإن لم يوافق اجتهاده، لأنه مستنبط عبر عملية الاجتهاد ويحقق مصلحة أكبر للأمة.

ثالثاً: في حال عدم وجود موقف حاسم للشريعة من تحريم ووجوب، فإن الشريعة فوّضت الإنسان اتخاذ الموقف الذي لا يتعارض والشريعة وينسجم مع روحها، وهو ما يمكن أن يصطلح عليه بـ«التفويض التشريعي» في المساحة التي يسميها الإمام الصدر بـ«منطقة الفراغ»(37). وحصر النظام الإسلامي هذه المهمة في نواب الأمة (مجلس الشورى)، الذين يسنون القوانين ويصدرون القرارات التي تتفق مع أحكام الشريعة الإسلامية ووثيقة الدستور والموقف الاجتهادي للولي الفقيه (القائد)، أو الموقف الاجتهادي الذي يرى فيه مصلحة أكبر للأمة.

ومن هنا، فالممارسة التشريعية لمجلس الشورى (السلطة التشريعية) تدخل في إطار البنود الثلاثة السابقة، والتي تتلخص في تحويل الأحكام الشرعية الثابتة إلى قوانين وقرارات رسمية، وهي مهمة تقنينية، وكذلك تحديد الموقف القانوني من الأحكام الشرعية التي فيها أكثر من موقف اجتهادي، وأخيراً ممارسة التشريع في إطار التفويض التشريعي في المنطقة المرخّص بها للإنسان. ويمارس الفقيه الحاكم دوره في الإشراف على شرعية قوانين مجلس الشورى وقراراته، من خلال الأعضاء الفقهاء في مجلس صيانة الدستور، كما تمارس السلطة القضائية إشرافها على دستورية قوانين مجلس الشورى وقراراته من خلال الأعضاء الحقوقيين في مجلس صيانة الدستور(38). وبذلك تأخذ قوانين مجلس الشورى وقراراته قوة التشريع عملياً بعد مصادقة مجلس الصيانة عليها، وتصبح واجبة التنفيذ على النظام الإسلامي والأمة، وملزمة لهما معاً.

تجدر الإشارة إلى أن مجلس صيانة الدستور لا يمارس التقنين أو التشريع؛ بل يبت فيما يصدره مجلس الشورى من قوانين وقرارات.

وضرورة وجود مجلس صيانة الدستور إلى جانب مجلس الشورى، تنبع من مبدئين: فقهي وقانوني، ويتمثل المبدأ الفقهي بحصر مهمة تفسير التشريعات الثابتة والاجتهاد بالفقهاء فقط، وهي على مستوى النظام الإسلامي مهمة الفقيه الحاكم أساساً، بهدف توحيد الموقف الشرعي للأمة. وقد اقتضت ضرورات اشتراك الأمة في القرار وفي ممارسة دورها في الاستخلاف، وكذلك الضرورات التنظيمية والهيكلية للدولة، أن يفوّض الفقيه الحاكم هذه المهمة لمجلس الشورى (البرلمان)، فكان لزاماً حينها أن يمارس الفقيه دوره في الإشراف على التشريعات التي يصدرها المجلس. وقد منح الفقيه ستة من الفقهاء الأعضاء في مجلس صيانة الدستور صلاحية الإشراف هذه. أما المبدأ القانوني فيتمثل بالحيلولة دون إصدار مجلس الشورى الإسلامي قوانين وقرارات تتعارض والدستور والقانون الدستوري للنظام الإسلامي. وعلى هذا الأساس فإن مجلس صيانة الدستور هو بمثابة محكمة فقهية – دستورية أو مرجعية فقهية – دستورية للتشريعات التي يصدرها مجلس الشورى الإسلامي(39).

وقد وضع النظام هذه القيود لعملية التشريع؛ بهدف ضبطها وترشيدها، أي بمعنى الحيلولة دون فتح أبواب التشريع للإنسان دون محددات وقيود تفرضها الشريعة الإسلامية، فمرجعية التشريع في النظام الإسلامي ليست أكثرية أصوات الشعب؛ بل أحكام الشريعة الإسلامية، فأكثرية أصوات الشعب ليس بإمكانها تعيين حدود الحلال والحرام، ولا جعل حكم محرم حلالاً أو جعل حكم حلال محرماً، ولا تغيير مسار النظام الإسلامي باتجاه يتعارض والقيم الإسلامية والأخلاقية، ومقاصد العقيدة والشريعة، ولا انتخاب أشخاص – لأي من سلطات النظام – غير مؤهلين إسلامياً من الناحيتين الفكرية والسلوكية أو يعملون بخلاف أسس النظام وأهدافه. ومن هنا فاستخدام النظام الإسلامي لأسلوب اتباع رأي أكثرية الشعب في انتخاب أعضاء مجلس الشورى الإسلامي، ثم اتباع مجلس الشورى الأسلوب نفسه في إقرار القوانين والتشريعات، إنما هو ضرورة تنظيمية تمليها متطلبات العصر والمصلحة في دفع الأمة لممارسة دورها في حركة النظام الإسلامي(40)، وهو ما يعبّر عنه الفقيه السيد كاظم الحائري بقوله: «الإسلام هو مشرّع القوانين الأساسية، والفقيه هو الذي يملأ منطقة الفراغ أو يعيّن من يملأها… نعم قد تستدعي المصلحة أن يعمل الفقيه بأسلوب التصويت في منطقة الفراع»(41). أو كما يذهب الفقيه الشيخ محمد عبده (1849 – 1905): «واشترطوا على عدم خطأ الأمة وجود المجتهدين لدفع الخطأ، فهم يجيزون خطأ الأمة كلها إذا خليت من المجتهدين»(42). فاحتمال إقرار أكثرية نواب الشعب لقانون يعارض أحكام الشريعة الإسلامية، بسبب عدم التخصص، يضع الفقهاء أمام مسؤولياتهم الشرعية، هذه المسؤولية التي حوّلها النظام السياسي الإسلامي الحديث إلى أدوات عمل مؤسساتي من خلال الفقيه الحاكم وعبر الأعضاء الفقهاء في مجلس صيانة الدستور.

وتبرز في مجال التشريع والتقنين مجموعة من المفاهيم والقواعد الفقهية التي تكرست أو اكتشفت بعد تأسيس الجمهورية الإسلامية الإيرانية، بفعل التحديات الكبيرة التي ظلت تواجه النظام الإسلامي في مختلف المجالات، وأصبحت جزءاً من قواعد الفقه السياسي وأدبياته، كالأحكام الأولية وقواعد الضرورة والمصلحة وغيرها. وأهمية حركة هذه المفاهيم والقواعد في عملية التشريع، والبعد النوعي وكذلك البعد الكمي الهائل في استخدامها من مجلس الشورى الإسلامي، جعلت الكثير من تشريعات المجلس (طوال سنوات عمر الجمهورية الإسلامية) تواجه برفض مجلس صيانة الدستور، الأمر الذي يضطر مجلس الشورى إلى تعديل هذه التشريعات أو تجميدها؛ بيد أن إصرار مجلس الشورى على بعض تشريعاته يضعه في خلاف مع مجلس الصيانة، ما دفع النظام الإسلامي إلى إيجاد مؤسسة عليا مهمتها تحديد مصلحة النظام الإسلامي في المجال التشريعي، ثم توسع عمل المؤسسة ليشتمل على المجالات التخطيطية أيضاً، وهو ما أقرّته وثيقة الدستور تحت عنوان «مجمع تحديد مصلحة النظام»(43).

وضوابط تطبيق المصلحة في التشريع، والتي تؤدي إلى إصدار التشريعات في إطار قواعد الأحكام الثانوية أو الضرورة وغيرها، تخضع لمقاصد وغايات النظام ومصلحة الأمة العليا، وبهدف صيانة الشريعة والنظام والأمة معاً، مع الأخذ بعين الاعتبار عدم تعارض المصلحة مع النصوص الشرعية الثابتة، وبالتالي فهي تدخل في صميم عملية التفويض التشريعي ومنطقة الفراغ.

وعلى الطرف الآخر، فإن قضية التشريع في النظام الديمقراطي مختلفة تماماً من الناحية النظرية، ومختلفة إلى حد كبير من الناحية العملية، فالتشريع في النظام الديمقراطي هو لنواب الشعب على نحو مطلق، أو هكذا يقال نظرياً على الأقل، دون وجود مرجعية حقيقية، سوى المرجعية البشرية المحضة المتمثلة بالضوابط والقيم العامة التي حددها مفكرو الديمقراطية ودستور الدولة، فضلاَ عن مرجعية مؤسساتية لها الحق في النظر في تشريعات مجلس النواب، كالمحكمة الدستورية أو المجلس الدستوري أو مجلس الدولة، إضافة إلى بعض الدول التي تعتمد نظام المجلسين (النواب والشيوخ). ومن جملة مبرّرات وجود مثل هذه المرجعيات المؤسساتية.

1 – الحيلولة دون استبداد البرلمان بتشريعاته.

2 – الحيلولة دون الاستخدام التعسفي لتشريعاته في مواجهة السلطة التنفيذية.

3 – الحيلولة دون تسرّعه في إصدار التشريعات.

4 – دفعه لرفع مستوى أدائه وكفاءته(44).

ودستور الدولة هو الكفيل بحل الإشكالات والخلافات التي تنشأ بين هذه المؤسسات. ومن الناحية العملية فإن المشرّعين (نواب الشعب) يقومون بتحقيق برامج الأحزاب والجماعات التي ينتمون إليها من خلال ما يصدرونه من تشريعات، أو بالأحرى تنفيذ برنامج الحزب الذي يتمتع بالأكثرية البرلمانية، ويتم ذلك في إطار المصلحة العليا، أي إن الاتجاه العام لهذه التشريعات تحدده مصالح أكثرية الشعب، وإن اصطدم ذلك بضابط قيمي وأخلاقي، عدا الدستور.

وتنحصر مصادر القانون الدستوري في الأنظمة الديمقراطية – عادة – في: الدستور، تشريعات البرلمان، وعموم القوانين العادية، وقرارات رئيس الدولة، والعرف والتقاليد الاجتماعية، إضافة إلى نظريات ورؤى مفكري الديمقراطية، وجميعها مصادر وضعية بشرية. أما مصادر القانون الدستوري في النظام الإسلامي فتنقسم إلى:

1 – مصادر مقدسة: القرآن والسنة الشريفة.

2 – مصادر تستند إلى المصادر المقدسة: الدستور وقرارات الولي الفقيه وأحكامه وقوانين مجلس الشورى الإسلامي وقراراته، وتستنبط هذه المصادر موادها وأحكامها من المصادر المقدسة عبر عملية الاجتهاد.

3 – المصادر الوضعية المقبولة شرعاً: العرف والتقاليد الاجتماعية.

ومن خلال ما سبق نجد أن عملية التشريع أو التقنين في النظام الإسلامي تنفتح على كل مجالات الحياة، كما تنفتح على كل القواعد الفقهية التي تسهل عصرنة النظام وتحديث أدواته.

4 – هيكل النظام السياسي:

يتدخل الدين في كل جوانب حركة النظام السياسي الإسلامي، وفي صياغة مضامينه وشكله ومؤسساته، وفي شروط من يمارس السلطة وصلاحياته. فرئيس الدولة (الفقيه الحاكم) تحدد له الشريعة الإسلامية موقعه ومواصفاته وصلاحياته، وتتدخل إرادة الإنسان – في ذلك – في حدود استنباط مواصفات هذا الموقع وصلاحياته من الأصول الإسلامية، ثم تقنينه دستورياً؛ وبالتالي اكتشاف الشخص الذي تنطبق عليه المواصفات.

وكان الإمام الخميني أبرز فقيه معاصر، بلور معظم ما يتعلق بهذا الموقع وبنى نظريته السياسية الإسلامية في إطاره. يقول الإمام الخميني: «الشروط التي ينبغي توافرها في الحاكم نابعة من طبيعة الحكومة الإسلامية»(45). ويذكر شرطين مهمين لهذا الحاكم، هما: العلم بالقانون الإسلامي والعدالة، أي أن يكون فقيهاً وعادلاً، وعدّ الشرطين من أهم أركان الإمامة(46). وهذان الشرطان يتفق عليهما معظم فقهاء السنة والشيعة، من السلف والمعاصرين، إذ يقول الفقيه السوري الشيخ وهبة الزحيلي بأن من شروط الإمام: «الكفاية العلمية، بأن يكون من العلم ما يؤدي به إلى الاجتهاد في ما يطرأ من نوازل وأحداث، أو يستنبط من أحكام شرعية وغيرها من أحوال السياسة الشرعية. وهذا الشرط متفق عليه بين العلماء»(47).

ومساحة ولاية الفقيه الحاكم في أمور المجتمع – كما يذكر الإمام الخميني – هي مساحة ولاية الرسول الأعظم(ص) نفسها، فهو يملك «من أمر الإدارة والرعاية والسياسة للناس ما كان يملكه الرسول(ص) وأمير المؤمنين(ع)»(48). ويؤكد دستور الجمهورية الإسلامية الإيرانية موضوع شروط رئيس الدولة (الفقيه الحاكم) وصلاحياته بالمضامين نفسها(49)، إضافة إلى عنصر الكفاءة الإدارية المشترط لتناسب الحكم والموضوع. أما تولي الفقيه لرئاسة الدولة، فهناك ثلاث نظريات هي الأبرز:

الأولى: الفقيه المنصوب، الذي تصدى بنفسه لأمر تأسيس الحكم الإسلامي، فهو واجب الطاعة على الأمة، ودور الأمة هنا مبايعة هذا الحاكم؛ لأنه معين – أساساً – تعييناً نوعياً من قبل الإمام المعصوم (ع)، على اعتبار أن هذا الفقيه امتداد رشيد للنبي(ص) والإمام(ع)(50)، ينوب عنهما إذا انحصر الحال به وتحققت فيه الشروط. وفي حال تعدد الفقهاء يكون دور الأمة الكشف عن الفقيه الأصلح للقيادة. والكشف – هنا – لا يعني الانتخاب؛ إذ إن الأمة لا تعطي الفقيه الشرعية بانتخابها له؛ بل تقوم بتفعيل قيادته(51).

الثانية: الفقيه المنتخَب، وهو الذي تنتخبه الأمة انتخاباً مباشراً أو غير مباشر. ودور الأمة – هنا – انتخاب الفقيه. وعملية الانتخاب هذه هي التي تعطي الفقيه شرعية ممارسة الحكم(52).

الثالثة: الفقيه المنصوب – المنتخب، وهي تجمع الرأيين، إذ تذهب إلى أن الفقيه منصوب من قبل الإمام المعصوم(ع)، إلا أن الأمة حين تنتخبه فإنها تعطيه المشروعية القانونية لممارسة الحكم(53).

والاختلاف بين هذه النظريات لا يخرج عن الإطار النظري، فهي تتفق على أن ولاية الحكم في الدولة الإسلامية هي للفقيه دون غيره، وفي حال وجود نظام إسلامي قائم، فإن الأمة هي التي تفرز الفقيه الحاكم. والاختلاف النظري يكمن – هنا – في تسمية هذا الفرز: الكشف أو الانتخاب أو الاختيار، ففي الأولى يكون الفقيه ولياً على الأمة، وفي الثانية وكيلاً لها، وفي الثالثة ولياً عليها، ووكيلاً لها في الوقت نفسه. ولكن من الناحية العملية أو على مستوى النتائج، فإن هذه النظريات لا تختلف في رئاسة الفقيه للدولة وفي قيادته للأمة وفي مساحة قيادته، وفي كون الفقيه متساوياً أمام الشرع والقانون مع كل فرد من أفراد الأمة، وفي تقنين الدستور لصلاحيات الفقيه. فضلاً عن أن هذه النظريات تتفق على أن التأييد العام للفقيه الذي يعمل على إنشاء النظام الإسلامي هو بمثابة بيعة له من الأمة، أي لا يوجد – هنا – معنى للانتخاب في ظل عدم وجود نظام إسلامي قائم، والبيعة أو التأييد – هنا – لهما أكثر من أسلوب، واختيار الآلية متروك للأمة، فمرة تكون البيعة مباشرة، من خلال أهل الحل والعقد (الخبراء) المنتخبين من قبل الأمة أو الذين تفرزهم المؤسسة الدينية من المشتهرين بالخبرة (الاجتهاد) والعدالة، وقد اعتمد دستور الجمهورية الإسلامية الإيرانية أسلوب الخبراء الفقهاء المنتخبين من الأمة، والذين يقومون بدورهم الذي يجمع بين الأصالة الشرعية والعصرية في الآلية.

والفقيه الحاكم في النظام السياسي الإسلامي هو صاحب السلطة العليا، وهو رئيس الدولة وقائد الأمة والقائد العام للقوات المسلّحة. وتحت إشرافه تعمل ثلاث سلطات مستقلة، هي التنفيذية (رئاسة الجمهورية ومجلس الوزراء) والتشريعية (مجلس الشورى الإسلامي) والقضائية (رئاسة القضاء).

وإلى جانب سلطة الولي الفقيه يوجد أعلى مجلس استشاري وتخطيطي في الدولة، هو مجمع تحديد المصلحة، إضافة إلى مجلس الخبراء المكوّن من الفقهاء الذين يختارون الولي الفقيه ويعزلونه. وإلى جانب مجلس الشورى الإسلامي هناك مجلس صيانة الدستور، وهذه من جملة الخصوصيات التي يتميز بها النظام السياسي الإسلامي الحديث.

أما في الأنظمة الديمقراطية التقليدية فلا دخل للدين في صياغة شكل النظام السياسي ومضامينه ومؤسساته والمواقع والمناصب التي تمارس السلطة، إضافة إلى شروط من يتسنّم هذه المواقع وصلاحياته؛ بل يدخل كل ذلك في إطار رغبة الإنسان وفكره وإرادته، فالنظام الديمقراطي هو نظام بشري شكلاً ومضموناً أي إن الديمقراطيات التقليدية لا يمكن تطبيقها – كما سبق – إلا في ظل الأنظمة العلمانية. وتتميز الأنظمة الديمقراطية بوجود ثلاث سلطات مستقلة أيضاً: تنفيذية وتشريعية وقضائية، وتكون رئاسة الدولة في النظم الجمهورية لرئيس السلطة التنفيذية، وفي النظم الملكية الديمقراطية يكون رئيس السلطة التنفيذية (رئيس الوزراء) الرجل الثاني في الدولة، ويحتفظ الملك برئاسة الدولة، وينتخب رئيس الوزراء من قبل البرلمان. أما الرئيس في الأنظمة الجمهورية فإنه ينتخب من قبل الشعب بشكل مباشر أو غير مباشر، وهذا الانتخاب هو الذي يمنحه الشرعية ويعطيه حق ممارسة السلطة. أي إن العملية الانتخابية في النظام الديمقراطي هي هدف وآلية في الوقت نفسه؛ لأنها الأساس الذي يقوم عليه النظام الديمقراطي، حتى لو كان التمسك بهذا الأساس شكلياً، ويلامس حقيقة الديمقراطية لا أكثر، وهو ما يحدث عادة، فالشعب يفتقد – غالباً – حق الانتخاب الحر، ويخضع لتأثير وسائل الدعاية والإعلام الحزبية، والتي تسد – كما يقول آية الله الخامنئي – طرائق الانتخاب الواعي بوجوه الناس(54). هؤلاء المنتخبون يمثلون – في أفضل الحالات – الأكثرية التي صوتت لهم في الانتخابات، وهذه الأكثرية هي في الواقع أقلية عددية قياساً بعدد أفراد الشعب، فغالباً ما تشترك فئة قليلة من الشعب ممن يحق لهم التصويت في الانتخابات. وسيعد المنتخبون – هنا – أقلية عددية منتخبة من قبل الأقلية العددية، وسيقوم هؤلاء – كما يقول بعض المفكرين السياسيين الغربيين – بممارسة دكتاتورية الأكثرية أو طغيان الأكثرية(55)، وهي في الواقع دكتاتورية الأقلية. وخلال العملية الانتخابية بوسع أي حزب أو جماعة الدخول في تحالف مع علمانيين أو ملحدين، وتستطيع الحكومة في النظام الديمقراطي التقليدي أن تكون ائتلافية بين أحزاب من مختلف الاتجاهات الفكرية السياسية، ولا دخل للدين أو الايديولوجيات في تشكيل الحكومة.

وتعبّر الانتخابات في النظام الإسلامي عن تأكيد الأمة لدورها في حركة الدولة، وعن إيمانها بالنظام الإسلامي ودعمها له، وعن حريتها في اختيار ممثليها في السلطات. وإطارها العام هو الشورى التي تعني المشاركة في الرأي والسلطة والنقد وغيرها من أنواع المشاركة السياسية والاجتماعية، أي إن آلية الانتخاب ليست هي الأساس، إذ لا يكون المسؤول المنتخب – أياً كانت مسؤوليته – مفوضاً من الشعب ليشرّع أو ينفّذ ما يريده الشعب؛ لأن الأخير لا يمتلك الولاية كي يفوضها للمسؤول؛ بل ليعمل المسؤول المنتخب في النظام الإسلامي وفقاً لتكليفه الشرعي وواجبه الديني، وليس وفقاً لما يريده الناخبون(56). وبرغم ذلك فإن المنتخبين في النظام الإسلامي يمثلون الأمة تمثيلاً حقيقياً؛ لأن الشعب يشترك بكثافة عددية متميزة في عملية الانتخاب، ويمارسونه بشكل حر، دون تدخل تأثيرات إعلامية كبيرة.

وقد وضع النظام الإسلامي عدداً من الضمانات التي تحول دون ممارسة ممثلي الأكثرية للدكتاتورية أو الاستبداد. والعملية الانتخابية في النظام الإسلامي هي آلية وأسلوب فني، تمت استعارته من المناهج الأخرى وأقرّته الشريعة الإسلامية، كأي آلية محايدة يمكن اكتشافها واستنباطها من الشريعة أو استعارتها من التاريخ أو من النظم الأخرى. وتأكيد دور الأمة في النظام الإسلامي هو انعكاس لنظرية الإمام الخميني السياسية التي وجدت طريقها إلى دستور الجمهورية الإسلامية. كما وجدت نظرية الإمام الصدر السياسية طريقها إلى دستور الجمهورية الإسلامية، والتي سماّها «خط الشهادة والخلافة»، وجمع فيها بين مبدإ ولاية الفقيه كاستمرار لولاية الرسول(ص) والإمام(ع)، ومبدإ حرية الإنسان في الاختيار. واجتماع المبدئين يعني اجتماع حاكمية الله المفوضة إلى الإنسان المتمثل بالفقيه (الشاهد)، وبالإنسان أو الأمة (الخليفة)(57).

ووجود الفقيه (القائد) على رأس النظام السياسي الإسلامي أعطى هذا النظام تسمية «النظام القيادي» – كما مر – مقابل النظم الرئاسية والبرلمانية السائدة في الديمقراطية التقليدية. والنظام القيادي هو – في الحقيقة – شكل جديد غير معروف قبل قيام الجمهورية الإسلامية الإيرانية.

إن النظام الإسلامي لا يعرف الحكم الائتلافي الذي يجمع الإسلاميين إلى جانب العلمانيين والملحدين، إذ لا يمكن أن يكون الشيوعي – مثلاً – وزيراً في الحكومة الإسلامية أو رئيساً لها، ولا يمكن كذلك أن يتسلم حزب علماني السلطة التنفيذية أو السلطة التشريعية في النظام الإسلامي، حتى بذريعة حرية المشاركة السياسية وخوض العملية الانتخابية؛ لتعارض ذلك مع مقاصد النظام الإسلامي وأهدافه، وهو ما تتدخل الشريعة الإسلامية في تقنينه. وتتدخل الشريعة أيضاً في تقسيم شعب الدولة الإسلامية إلى مسلمين، وأهل ذمة، وأهل عهد – مثلاً – رغم تمتعهم جميعاً بكامل حقوق المواطنة، وما ينطوي عليها من حقوق اجتماعية. وبالطبع، فإن متطلبات الزمان والمكان تفرض على الدولة الإسلامية التعامل مع موضوع غير المسلمين الموجودين داخل حدودها الجغرافية بالعناوين الثانوية التي تحددها القواعد الفقهية، وإعطائهم صفة المواطنة الكاملة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الإحالات

(1) د. عبد الغني بسيوني، النظم السياسية، ص 198.

(2) «حكم الشعب لصالح الشعب بواسطة الشعب» مقولة للرئيس الأمريكي إبراهام لنكولن.

انظر: موسوعة السياسة، ج2، ص 751.

(3) انظر: د. بسيوني، ص 198.

(4) بشأن تعريف الديمقراطية، فإنها أصبحت من الوضوح بحيث يصعب تعريفها، ويعتقد – مثلاً – المفكر محمد جابر الأنصاري بأن الديمقراطية لا تحتاج إلى تعريف؛ لأنها أصبحت مثل كلمة السماء.

انظر: الديمقراطية وحقوق الإنسان في الوطن العربي، ص 39.

(5) الشعب الحاكم تعبير للدكتور يحي الجمل، الأنظمة السياسية المعاصرة، ص 153.

(6) رغم إيمان مونتسكيو بالديمقراطية في مفهومها العام، إلا أنه ظل واقعياً ووفياً للمعادلات السياسية الاجتماعية التي كانت حاكمة في زمانه، إذ إنه لم ينكر على الملوك والأمراء الأرستقراطيين والنبلاء ما كانوا يتمتعون به من امتيازات خاصة تمثل تجاوزاً على حقوق الشعب وحرياته.

انظر: إمام عبد الفتاح إمام، الطاغية، ص 269.

(7) روسو، العقد الاجتماعي، ص 25، 27.

(8) للمزيد انظر: إمام عبد الفتاح إمام، الطاغية، ص 283 – 284.

(9) موريس دوفرجيه، الأحزاب السياسية، ترجمة: د. علي مقلد وعبد الحسن سعد، ص 267.

(10) انظر: د. مالك عبيد أبو شهيوة وآخرون، الآيديولوجيات والسياسة.. دراسات في الآيديولوجيات السياسية المعاصرة، ص 267.

(11) يرتب الفكر الغربي – وفقاً للباحث ولف – العلاقة بين الليبرالية والرأسمالية، على مقولة أن «ليست كل المجتمعات الرأسمالية ليبرالية، ولكن كل المجتمعات الليبرالية رأسمالية». ويذهب مفكر غربي – سيبلي – إلى أن الليبرالية «فلسفة تعكس مصالح الطبقة الرأسمالية».

انظر: المصدر السابق، ص 265 – 267.

(12) للمزيد انظر: موسوعة السياسة، ج2 ص167، أبو شهيوة، ص267 – 268.

(13) أبو شهيوة، ص 255 – 256.

(14) انظر: بسيوني،201، موسوعة السياسة، ج2 ص 807.

(15) موسوعة السياسة، ج ص 807، بسيوني، 215.

(16) انظر: يحي الجمل، ص 163 – 164، موسوعة السياسة ج2 ص 757 وص 808.

بسيوني، ص 205 – 212.

(17) أبو شهيوة، ص 243 – 244.

(18) عامر حسن فياض، المرجعية الحضارية للديمقراطية في العراق، مجلة المستقبل العربي، العدد 223، ص 115.

(19) أبو علي بن سينا، الشفاء، تحقيق: محمد سليم سالم، ص 62 – 63، نقلاً عن المصدر السابق، ص 116.

(20) أبو نصر الفارابي، آراء أهل المدينة الفاضلة، تحقيق: ألبير نصري نادر، ص 110، نقلاً عن المصدر السابق، ص 116.

(21) انظر: تنبيه الأمة وتنزيه الملة للشيخ النائيني.

(22) علي المؤمن، تطور الفقه السياسي الإسلامي، ص46.

(23) فهمي هويدي، الإسلام والديمقراطية، مجلة المستقبل العربي، العدد 166، 12/1992، ص 22.

(24) عباس محمود العقاد، الديمقراطية في الإسلام، ص 8.

(25) محمد ضياء الدين الريس، النظريات السياسية الإسلامية، ص 43.

(26) الشيخ يوسف القرضاوي، فتاوى معاصرة، ص 93.

(27) الشيخ محمد مهدي شمس الدين، العلمانية، الشورى، الديمقراطية مجلة منبر الحوار، ص 20 – 21.

(28) السيد محمد حسن الأمين، بين الشورى والديمقراطية، مجلة المنطلق، العدد 101، 200 ص 42.

(29) د. حسن الترابي، نظرات في الفقه السياسي، ص 88 – 89.

(30) من خطبة له في 7/ 11/ 1979 صحيفة نور، ج10، ص 154.

(31) د. محمد جواد لاريجاني، مجلة كيان، العدد 30، ص 21.

(32) الشيخ عباس علي عميد زنجاني، فقه سياسي، حقوق سياسي وقانون أساسي جمهوري إسلامي إيران، ج 1 ص 73 – 79.

(33) الإمام محمد باقر الصدر، لمحة فقهية عن مشروع دستور الجمهورية الإسلامية، الإسلام يقود الحياة، ص 17.

(34) انظر: د. مصطفى كمال وصفي، المشروعية في النظام الإسلامي، مجلة المسلم المعاصر، العدد 101، سبتمر 2001، ص 194 – 195.

(35) المصدر السابق، ص 195.

(36) الإمام الصدر، لمحة فقهية، ص 17 – 18.

(37) للمزيد انظر: المصدر السابق، ص 11.

(38) يتألف المجلس من اثني عشر عضواً، ستة منهم من الفقهاء المجتهدين، يعيّنهم الولي الفقيه (القائد)، أي أنهم بمثابة مفوّضين من قبله في البت في شرعية قوانين مجلس الشورى وقراراته، والستة الآخرون هم من رجال القانون، ويختارهم رئيس السلطة القضائية ويقرّهم على مجلس الشورى.

(39) انظر: دستور الجمهورية الإسلامية الإيرانية، المواد 91 – 99، ص 59 – 62.

(40) قد لا يكون لاختيار أعضاء السلطة التشريعية من قبل أكثرية أصوات الشعب علاقة بالعمل بمبدإ الشورى في التشريع، فتطبيق هذا المبدإ قد تكون له مجالات أخرى، على اعتبار أن اختيار أعضاء السلطة التشريعية بأي أسلوب آخر غير الانتخاب (التعيين مثلاً) ثم إقرار هؤلاء لتشريعاتهم بأسلوب آخر غير التصويت (الترجيح مثلاً) لا يتعارضان ومبدأ الشورى. ومن هنا فإن العمل بأسلوب الانتخاب والتصويت في مجال التشريع هو ضرورة تنظيمية لجأ إليها النظام، ومظهر من مظاهر دعم الأمة لنظامها وقبولها قراراته، وهو ما يمكن اعتباره أيضاً مظهراً من مظاهر مشروعية النظام الإسلامي (قانونيته).

(41) السيد كاظم الحائري، أساس الحكومة الإسلامية، ص 73.

(42) الشيخ محمد عبده، نقلاً عن: الشيخ محمد رشيد رضا، تفسير المنار، ج 5، ص 205.

(43) ويضم رؤساء السلطات الثلاث وكبار قادة الدولة وشخصياتها. انظر: دستور الجمهورية الإسلامية الإيرانية، المادة 112.

(44) بسيوني، ص 248 – 249.

(45) الإمام الخميني، الحكومة الإسلامية، ص 45.

(46) الإمام الخميني، الحكومة الإسلامية، ص 45 – 46.

(47) – يستدل الدكتور وهبة الزحيلي على اتفاق الفقهاء حول شرط الاجتهاد في الإمام (الحاكم) بكثير من المدوّنات الفقهية، كالأحكام السلطانية للماوردي، ص 6 و64، الإرشاد للجويني، ص 426، الرد على الباطنية، ص 75 وغيرها، انظر: نظام الإسلام، ص 199 – 204. ويذهب إلى الرأي نفسه الجرجاني في شرح المواقف، ج 8 ص 239، البيهقي في سننه، ج10 ص 118، الإمام الشافعي في الفقه الأكبر، القلقشندي في مآثر الأناقة، ج1 ص 37، النووي في روض الطالبين، الرميلي في نهاية المحتاج، ج7 ص 389.

(48) الإمام الخميني، ص 49.

(49) دستور الجمهورية الإسلامية، م 109، ص 68.

(50) الإمام محمد باقر الصدر، خلافة الإنسان وشهادة الأنبياء، الإسلام يقود الحياة، ص 152.

(51) جميع الفقهاء السلف ومعظم المعاصرين، وبينهم الإمام الخميني ومعظم تلامذته يتبنون هذه النظرية.

انظر: علي المؤمن، نظريات الدولة الإسلامية الحديثة، مجلة المنهاج، العدد 20، تشرين الأول 2000، ص 176. انظر أيضاً: محسن كديور، نظريات الحكم في الفقه الشيعي، ص89 – 106، ص 119 – 123.

(52) ونظرية الانتخاب هذه حديثة: انظر: علي المؤمن، نظريات الدولة الإسلامية الحديثة، ص 179. انظر أيضاً: محسن دكيور، ص 175 – 190، وعميد زنجاني، فقه سياسي، ج2 ص 112 – 115.

(53) وأول من قال بها الإمام الصدر في لمحة فقهية وخلافة الإنسان. وهو أيضاً ما ينص عليه دستور الجمهورية الإسلامية الإيرانية، المادة 107 ص 95. انظر: علي المؤمن، نظريات الدولة الإسلامية الحديثة، ص 180.

(54) الإمام الخميني، الحكومة في الإسلام، ص32.

(55) إمام، الطاغية، ص 65، 66.

(56) السيد محمود الهاشمي، مصدر التشريع ونظام الحكم في الإسلام، ص 108.

(57) الصدر، خلافة الإنسان، ص 152.

 

latest video

news via inbox

Nulla turp dis cursus. Integer liberos  euismod pretium faucibua

Leave A Comment