القانون الدستوري والنظام السياسي

Last Updated: 2024/05/30By

القانون الدستوري والنظام السياسي للجمهورية الإسلامية الإيرانية

د. علي المؤمن

المقدمة

يتباين النظام السياسي للجمهورية الإسلامية الإيرانية في بعض مضامينه وهياكله وسلطاته مع النظم السياسية المعروفة، كما يشترك معها في أخرى. فالنظام السياسي الإيراني الحالي يسمى بـ «النظام القيادي»(1) تمييزاً له عن النظم الرئاسية و البرلمانية والمركبة (الرئاسية – البرلمانية) ونظام الحزب الواحد أو نظام الجمعية.

ويتميز النظام القيادي بكون سلطة «القائد ـ الولي الفقيه» فيه هي السلطة المحورية والأولى في الدولة، وهي التي تشرف على عمل سلطات الدولة الثلاث التنفيذية و التشريعية والقضائية. وهذا النظام انعكاس عقدي و حقوقي لنظام الإمامة في مدرسة أهل البيت في عصر غيبة الإمام الثاني عشر للمسلمين الشيعة، و كما هو انعكاس تطبيقي ـ إلى حد ما ـ لنظام الخلافة في مدرسة الخلافة؛ أي أن هذا النظام يستقي مضمونه العقدي وبنيته الفقهية من مدرسة الشيعة الإمامية، كما يستفيد من بعض الرؤى التطبيقية المشتركة من مدرسة الخلافة(2).

والنظام القيادي الذي تطبقه الدولة الإيرانية القائمة كصيغة للحكم؛ يمثل إضافة نوعية جديدة للنظم السائدة في مناهج القانون الدستوري والأنظمة السياسية، ولم تعرفه علوم السياسة والقانون من قبل. ولذلك فإن تمييزه عن النظم الأخرى يمثل ضرورة منهجية علمية؛ لأن هذا التمييز سيعطي النظام القيادي استقلاله في أن يكون مبحثاً قائماً بذاته، دون الحاجة إلى التفتيش في النظم التي تدرسها مناهج القانون الدستوري والأنظمة السياسية لتطبيقها على النظام السياسي الإيراني(3).

وقد أخذنا بالاعتبار في هذه الدراسة ما تتطلبه الخصوصيات المنهجية المذكورة للنظام السياسي الإيراني؛ لضمان الخروج بمقاربات ونتائج أكثر دقة و وعياً بحقيقة هذا النظام. كما استخدمت الدراسة منهجاً وصفياً تحليلياً يتلائم و طبيعة دراسات النظم السياسية والقانون الدستوري.

نشأة دستور الجمهورية الإسلامية الإيرانية

يصنِّف فقه القانون الدستوري أساليب نشأة الدساتير إلى نوعين رئيسين: أساليب غير ديمقراطية، وأساليب ديمقراطية. فالأساليب غير الديمقراطية تعبر عن غلبة إرادة الحاكم على إرادة الشعب المحكوم، أو على الأقل اشتراك الإرادتين في وضع الدستور. في حين يترجم النوع الثاني تفوق الإرادة الشعبية وسيادتها على إرادة الحاكم، أو أنها هي التي تصنع إرادة الحاكم.

بعد إعلان انتصار الثورة الإسلامية إيرانية ضد نظام الشاه في 11 شباط / فبراير من العام 1979؛ بادر قائدها الإمام الخميني إلى ضمان الإجراءات التي تعطي للنظام السياسي الجديد الذي تطمح لتأسيسه، والدستور الذي يفرز هذا النظام؛ بعدهما اللصيق بإرادة الشعب؛ لكي تكون هذه الإرادة هي الحاكم الحقيقي على مسار نشوء الدستور وتأسيس الدولة ونظامها واختيار مسؤوليها ومنحهم الشرعية القانونية. وبالتالي لم يأت نشوء دستور الجمهورية الإسلامية حدثاً منتزعاً من الصيرورة الطبيعية لنشوء النظام الجديد على يد الشعب الإيراني.

وبسقوط النظام الشاهنشاهي؛ سقط دستور العام 1907 المعروف بدستور المشروطة. ومن أجل الحيلولة دون دخول البلاد في فراغ إداري وقانوني ودستوري؛ فقد قام الإمام الخميني بإجراءين استباقيين أساسيين قبل انتصار الثورة:

الأول: تشكيل مجلس لقيادة الثورة برئاسة الشيخ مرتضى المطهري في 12 كانون الثاني/ يناير 1979حين كان في باريس؛ ليقوم بمهمة القيادة التنفيذية للثورة لحين انتصارها، ثم مهمة السلطة التشريعية بعد انتصارها؛ لحين قيام السلطة التشريعية الدائمة (البرلمان) في الدولة الجديدة.

الثاني: تشكيل حكومة مؤقتة برئاسة مهدي بازركان في 1 شباط/ فبراير من العام 1979؛ لإدارة البلاد؛ لحين تشكيل حكومة دائمة.

ثم جاءت الخطوة الأولى باتجاه التأسيس الجديد الدائم للدولة؛ عبر طرح جوهر الدولة ومضمون نظامها السياسي الجديد للإستفتاء الشعبي العام؛ وهو ماجرى في يومي 30 و31 آذار/ مارس 1979، أي بعد 47 يوماً فقط على انتصار الثورة؛ فكانت النتيجة تصويت 2،98 بالمائة من المشاركين لنظام «الجمهورية الإسلامية»؛ وفق الأهداف والمضامين والصيغ التي كان يطرحها الإمام الخميني في خطبه وكتاباته؛ ولاسيما كتاب «الحكومة الإسلامية». وقد أراد الإمام الخميني من هذا الاستفتاء تحصين النظام الإسلامي بحصانة قانونية متفق عليها دولياً، وكذلك الاحتجاج بإرادة الأمة على معارضين تأسيس النظام الإسلامي؛ وهي الإرادة التي فرضت على الدولة الجديدة أن يكون دستورها وقوانينها ومساراتها إسلامية بالكامل (4).

أما دستور ايران الجديد؛ فقد بدأ الطريق نحوه بتكليف الإمام الخميني الفقيه القانوني وعضو مجلس الثورة الإيرانية الدكتور حسن حبيبي بكتابة مسودة الدستور، وذلك في أواخر العام 1978؛ أي خلال فترة إقامة الإمام الخميني في باريس. ثم عكف مجلس الثورة والحكومة المؤقتة على دراسة مسودة الدستور وتعديلها، وإقرارها. وحينها أجرت الحكومة المؤقتة الإنتخابات العامة ليختار الشعب الإيراني أعضاء المجلس التأسيسي أو ما سمي رسمياً بمجلس خبراء الدستور، والبالغ عددهم (73) عضواً، وهم من فقهاء الشريعة والقانون وخبراء النظم السياسية والاقتصاد وعلماء الاجتماع السياسي والناشطين السياسيين. وبعد شهرين من المناقشات، وتحديداً في 14 تشرين الثاني/ نوفمبر؛ صادق مجلس الخبراء 1979 على وثيقة الدستور المؤلفة من إثني عشر فصلاً  و175 مادة(5).

ونشرت الحكومة وثيقة دستور الجمهورية الإسلامية في الصحافة و وسائل الإعلام؛ ليطلع عليها الشعب؛ تمهيداً لإجراء الإستفتاء الشعبي العام في 2 و3 كانون الأول/ ديسمبر 1979، والذي صوّت فيه الشعب على دستور الجمهورية الإسلامية بنسبة 99.5 بالمائة من المشاركين في الإستفتاء. وبعد مصادقة الإمام الخميني على الدستور بصفته قائد الثورة الإسلامية والولي الفقيه صاحب البيعة؛ أصبح الدستور جاهزاً للتطبيق(6). فكان أول دستور من نوعه؛ يجمع بين أصالة الإحتكام التام للشريعة الإسلامية، وعصرية الصياغات الفنية والسلطات والمؤسسات التي أنتجها. كما كان معبراً تعبيراً مباشراً عن إرادة الشعب الإيراني وخياره.

النظام السياسي المؤسَس على دستور الجمهورية الإسلامية

يتكون هيكل النظام السياسي الإسلامي الإيراني الذي يرسمه دستور الجمهورية الإسلامية(7)؛ من مجموع السلطات الدستورية التالية:

1 – سلطة القيادة:

«القائد» (رهبر) هو التسمية الدستورية الرسمية للولي الفقيه في النظام السياسي الإيراني القائم، وهو رئيس الدولة، ومرجعها الديني والزمني، والمشرف على سلطاتها الثلاث، والقائد العام للقوات المسلحة(8). وبما أن سلطة القائدة هي السلطة الأولى في النظام السياسي الإيراني؛ لذلك جرت تسميته منهجياً بـ «النظام القيادي»؛ تمييزاً له عن الأنظمة السياسية المعروفة؛ كالرئاسي والبرلماني. ويُنتخب القائد انتخاباً غير مباشر من الشعب؛ عبر مجلس خبراء القيادة المنتخب مباشرة من الشعب. و قد وضع دستور الجمهورية الإسلامية الإيرانية مجموعة شروط في القائد؛ أهمها الشروط الثلاثة التالية(9):

أ – الاجتهاد: أو الفقاهة؛ أي القدرة العلمية على استنباط الأحكام الشرعية من مصادرها، وهو مايخول الفقيه ليكون مرجعاً في الفتيا.

ب – العدالة: التقوى والاستقامة والنزاهة العالية.

ت – الكفاءة: القدرة على القيادة والإدارة والتدبير، والوعي السياسي الفائق(10).

ولم يشترط دستور الجمهورية الإسلامية الإيرانية في القائد ـ الولي الفقيه أن يكون إيرانياً، وهو العرف الشرعي الذي سارت عليه المنظومة الدينية الشيعية منذ تأسيسها؛ إذ لا ينظر الشيعة في تقليدهم ورجوعهم الى قائد المنظومة الإجتماعية الدينية الشيعية إلى جنسية المرجع الديني وقوميته(11).

ويمكن تقسيم مسؤوليات القائد وفق ما جاء في المادة 110 من الدستور الإيراني على النحو التالي:

القسم الأول: المسؤوليات ذات العلاقة بالإشراف على أجهزة النظام الرئيسة، مثل: تعيين وعزل: الأعضاء الفقهاء في مجلس صيانة الدستور، رئيس السلطة القضائية، رئيس مؤسسة الإذاعة والتلفزيون، إقرار انتخاب الشعب لرئيس الجمهورية، إقرار عزل رئيس الجمهورية بعد حكم المحكمة العليا ضده أو تصويت مجلس الشورى الإسلامي على عدم كفاءته السياسية، تعيين جزء من أعضاء مجمع تشخيص مصلحة النظام.

القسم الثاني: المسؤوليات ذات العلاقة بمهمة إرشاد النظام، مثل: رسم السياسات العامة للدولة، إصدار قرار الاستفتاء العام، حل معضلات النظام التي لا تحل بالطرق العادية ويستعصي على القانون حلها.

القسم الثالث: المسؤوليات ذات العلاقة بالسيطرة على قرار أمن النظام، مثل: المسؤولية المباشرة عن القيادة العامة للقوات المسلحة وإعلان الحرب والسلم.

وهناك ثلاث مؤسسات دستورية لها ارتباط مباشر بمنصب القائد وعمله:

الأولى: «مجلس خبراء القيادة» (مجلس خبرگان رهبرى): وهو منتخب من الشعب انتخاباً مباشراً، ويتألف من حوالي (85) عضواً من كبار علماء الدين (الفقهاء). وهذا المجلس ينتخب القائد ـ الولي الفقيه، ويراقب أداءه، ويعزله إذا فقد الشروط الدستورية(12).

الثانية: «مجمع تشخيص مصلحة النظام» (مجمع تشخیص مصلحت نظام): وهو أعلى مؤسسة تخطيط واستشارة وقرار في الدولة، ويضم نخبة قادة البلاد؛ بمن فيهم رؤساء السلطات الثلاث الحاليين والسابقين، وأبرز قادة الأجنحة السياسية. ويُعيّن جزء من أعضائه بصفاتهم الرسمية، والجزء الآخر يعينهم القائد بصفاتهم الشخصية(13).

الثالثة: «القوات المسلحة»: وتتمثل في الجيش وقوات حرس الثورة الإسلامية وقوى الأمن الداخلي. وحصر الدستور بالولي الفقيه – بصفته القائد العام للقوات المسلحة – تعيين القيادات العليا للجيش وقوات حرس الثورة الإسلامية وقوى الأمن الداخلي أو عزلهم(14).

2 – السلطة التنفيذية:

تتمثل السلطة التنفيذية في نظام الجمهورية الإسلامية الإيرانية برئيس الجمهورية، وهو المنصب الدستوري الثاني في الدولة بعد منصب «القائد»، ويتم انتخابه انتخاباً مباشراً من الشعب لأربع سنوات؛ تجدد لمرة واحدة فقط. ويختار رئيس الجمهورية وزراءه، ويعرضهم على مجلس الشورى الإسلامي للموافقة عليهم والتصويت عليهم تصويتاً فردياً. ورئيس الجمهورية هو رئيس الحكومة أيضاً. ويتولى رئيس الجمهورية رئاسة عددٍ من المجالس العليا في الدولة؛ أهمها «المجلس الأعلى للأمن الوطني»(15).

3 – السلطة التشريعية:

وتسمى في إيران سلطة التقنين؛ أي أنها تقوم بعملية وضع القوانين. و تتمثل السلطة التشريعية في النظام السياسي الإيراني بـمجلس الشورى الإسلامي (مجلس شوراي إسلامي)، الذي ينتخب الشعب أعضاءه انتخاباً مباشراً لفترة أربع سنوات، وعددهم (270) عضواً. ومهمة المجلس تشريعية وتخطيطية ورقابية. وقد وضع دستور الجمهورية الإسلامية الى جانب مجلس الشورى مجلساً دستورياً مصغراً، هو «مجلس صيانة الدستور» (شوراى نگهبان قانون أساسي)؛ للمصادقة على القوانين والقرارات التي يصدرها مجلس الشورى، وإعادتها إلى المجلس فيما إذا كانت متعارضة مع دستور الجمهورية الإسلامية وأحکام الشريعة الإسلامية. أي أنه يمارس دور سلطة النقض التي يمارسها المجلس الدستوري أو المحكمة الدستورية أو مجلس الدولة في البلدان الأخرى(16). ويتألف مجلس صيانة الدستور من إثني عشر عضواً؛ بينهم ستة فقهاء؛ يعينهم القائد، وستة حقوقيين؛ يرشحهم رئيس السلطة القضائية ويصادق عليهم مجلس الشورى الإسلامي(17).

4 – السلطة القضائية:

يقف على رأسها رئيس السلطة القضائية، ويعينه القائد لمدة خمس سنوات؛ قابلة للتمديد لدورة واحدة، ويشترط فيه الاجتهاد والعدالة والكفاءة. ويمارس رئيس السلطة القضائية صلاحياته من خلال المؤسسات القضائية؛ كالمحكمة العليا والإدعاء العام والمحكمة الإدارية ووزارة العدل(18).

 

هيكل النظام السياسي للجمهورية الإسلامية الإيرانية ومؤسساتها الدستورية

كما بينه دستور الجمهورية الإسلامية الإيرانية (19)

 

ركائز نظرية القانون الدستوري للجمهورية الإسلامية الإيرانية

الميزة الأساس لنظرية القانون الدستوري في الجمهورية الإسلامية الإيرانية هو التزامها بجميع قواعد القانون الدستوري الوضعي الحديث، وفي الوقت نفسه تمسكها بكل معايير الشريعة الإسلامية وأحكامها ومقاصدها. أي أنها صيغة تكاملية؛ صهرت في داخلها أصالة الشريعة الإسلامية وعصرية القانون الوضعي. وتمظهرت هذه الصيغة في توفيقها المنهجي بين ثنائيات إشكالية أساسية في مضمون الدولة ونظامها السياسي ومؤسساتها الدستورية؛ ظلت محاور للجدل العقدي والفقهي والفكري والسياسي منذ دخول المسلمين مرحلة الإنفتاح على متطلبات العصرنة والتحديث، وحتى الآن. وأهم هذه الثنائيات :الدولة المدنية والدولة الدينية، حاكمية الشريعة وحاكمية الشعب، مبدأ ولاية الفقيه ومبدأ الشورى، تقدّم الشريعة وسمو الدستور.

وتقف نظرية القانون الدستوري الإسلامي الإيراني على ثلاث ركائز أساسية؛ هي: حاكمية القانون و حاكمية الشريعة و حاكمية الشعب. ونقارب هذه الركائز في إطار المحاور التالية:

1 – حاكمية القانون:

تتمثل المعايير الأساسية لحاكمية القانون في الدولة الحديثة بخمسة معايير: سيادة القانون، سمو الدستور، تدرج القواعد القانونية، الفصل بين السلطات و الرقابة. ونحاول هنا مقاربة حقيقة حاكمية القانون في نظام  الجمهورية الإسلامية الإيرانية على أساس هذه المعايير:

أ – سيادة القانون: انعكس مبدأ سيادة القانون؛ كما أقرته الشريعة الإسلامية وقننه القانون الوضعي؛ على نظرية القانون الدستوري في الجمهورية الإسلامية الإيرانية ودستورها ونظامها السياسي؛ فكان ركناً أساسياً في منظومتها القانونية وتشكيل سلطاتها وسياقات عمل اجهزتها، وفي العلاقة بين الشعب والهيئات الحاكمة. وفي إطار مبدإ سيادة القانون؛ فإن جميع مواطني الدولة متساوون أمام القانون؛ بدءاً برئيس الدولة (الولي الفقيه – القائد) وانتهاء بأي مواطن عادي، وليس لأي مسؤول في الدولة حصانة أمام القانون؛ بمن فيهم القائد؛ فهو مسؤول عن تصرفاته وأدائه الشخصي والرسمي، وموقفه أمام القانون كموقف رئيس الجمهورية أو رئيس مجلس الشورى أو رئيس القضاء؛ وكأي مواطن آخر في الدولة. وتنص المادة (107) من الدستور على مايلي: «يتساوى القائد مع كل افراد البلاد أمام القانون»، فضلاً عن باقي مسؤولي الدولة. كما تنص المادة (174) على وجود دائرة قضائية خاصة تعرف بدائرة التفتيش العام؛ مهمتها مراقبة تنفيذ القوانين في مؤسسات الدولة. وكذلك دائرة قضائية أخرى تعرف  بـ «محكمة العدالة الإدارية»، ومهمتها الفصل في شكاوى الناس ضد الحكومة وقراراتها وأجهزتها(20). ونصت مادة أخرى على تشكيل محكمة أخرى خاصة بالقضاة؛ تفصل في الشكاوى الموجهة ضد القضاة. ولم يسمح الدستور بإيجاد محاكم سياسية أو عسكرية خارج السلطة القضائية(21) للحيلولة دون وقوع مخالفات قانونية.

ب – سمو الدستور: دستور الجمهورية الإسلامية الإيرانية هو دستور مدني دائم، وقد حدد ضمانات صيانته وسموه؛ عبر «مجلس صيانة الدستور» الذي يضمن دستورية قوانين السلطة التشريعية، فضلاً عن رقابة رئيس الدولة ورئيس الجمهورية والبرلمان والقضاء على ضمان تطبيق الدستور(22).

ت – تدرج القواعد القانونية: ويعني ذلك أن النظام القانوني للدولة يبدأ من الدستور؛ الحاكم على جميع القوانين الأخرى. ثم تأتي بعد ذلك الأوامر الولائية لرئيس الدولة وقراراته، و تليها تشريعات البرلمان، وقرارات مجلس تشخيص مصلحة النظام، وقرارات مجلس صيانة الدستور، ولوائح وقرارات السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية، والأنظمة الداخلية للأجهزة الدستورية في الدولة(23).

ث – الفصل بين السلطات: أقرّ دستور الجمهورية الإسلامية الإيرانية مبدأ الفصل بين السلطات وتوزيعها، واعتبارها سلطات ناشئة عن سيادة الشعب(24). وجاء في المادة (57) من الدستور: «السلطات الحاكمة في الجمهورية الإسلامية الإيرانية هي: السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية والسلطة القضائية، وتمارس صلاحيتها بإشراف ولي الأمر وإمام الأمة». أي أن تقسيم السلطات إلى تنفيذية وتشريعية وقضائية هي من نقاط الاشتراك الأساسية بين الأنظمة الديمقراطية ونظام الجمهورية الإسلامية الإيرانية؛ إلّا أن الأخير يتميز من الأنظمة الديمقراطية بوجود سلطة عليا هي سلطة القائد (الولي الفقيه)، التي تشرف على أعمال السلطات الثلاث وتنسق فيما بينها، وتتدخل في المجالات التي حددها القانون.

ث – الرقابة: حدد دستور الجمهورية الإسلامية الإيرانية سبعة أنواع متشابكة من الرقابة والتحكم والإشراف؛ تكمل بعضها، وعلى النحو التالي:

أولا: الرقابة الشعبية: تمثل رقابة الشعب العمود الفقري لمنظومة الرقابة في الجمهورية الإسلامية كما يوضح دستورها؛ إذ يراقب الشعب عمل سلطات الدولة ويعبر عن مستويات سخطه ورضاه وتقويمه؛ من خلال التصويت والإنتخابات ومختلف مظاهر الإعتراض والمطالبة، والدعوة إلى الخير و النصيحة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر(25).

ثانياً: رقابة الولي الفقيه (القائد): وضعت المادة (57) من دستور الجمهورية الإسلامية الإيرانية أداء السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية تحت إشراف الولي الفقيه (القائد)، وهو أحد ضمانات ممارستها لوظائفها بشكل دقيق وسليم(26).

ثالثاً: رقابة مجلس خبراء القيادة: يتحمل مجلس خبراء القيادة مسؤولية الرقابة على الولي الفقيه (القائد)، والتحقيق في استمرار شروط الفقاهة والعدالة والكفاءة فيه؛ فاذا فقد بعضها؛ يستطيع المجلس عزله وانتخاب آخر محله(27).

رابعاً: رقابة السلطة التنفيذية: من أبرز مهام رئيس الجمهورية (رئيس السلطة التنفيذية)؛ مراقبة تطبيق السلطات الثلاث للدستور(28).

خامساً: الرقابة البرلمانية: يقوم مجلس الشورى الإسلامي بمهمة الرقابة الإدارية والمالية والقانونية على أداء الحكومة. وفي حال وجد مخالفة قانونية أو إدارية أو مالية فإنه يقوم باستدعاء الرئيس والوزراء؛ وصولاً إلى استجوابهم وحجب الثقة عنهم(29).

سادساً: الرقابة الدستورية: يقوم مجلس صيانة الدستور بمهمة تشخيص دستورية تشريعات مجلس الشورى الإسلامي، وهو هيئة مستقلة لا ترتبط بسلطات الدولة(30). ولاتعد قرارات مجلس صيانة الدستور نهائية؛ فقد وضع الدستور مؤسسة أخرى أسماها مجمع تشخيص مصلحة النظام للتحكيم بين مجلس الشورى ومجلس صيانة الدستور؛ بما يتوافق ومصلحة البلاد العليا(31).

سابعاً: الرقابة القضائية: من أهم واجبات السلطة القضائية في نظام الجمهورية الإسلامية الإيرانية هي الرقابة على أداء جميع سلطات الدولة وأجهزتها، والتحقيق في مخالفات المسؤولين الإدارية والمالية، ومحاسبة المتخلفين منهم(32). وتمارس السلطة القضائية في إيران رقابتها من خلال عدد من الأجهزة التابعة لها، وأهمها: «ديوان العدالة الإدارية» أو ديوان المظالم. ويقوم بمهمة رفع الظلم والأخطاء التي تقوم بها الدوائر الحكومية بحق عامة الناس(33)، وكذلك «مؤسسة التفتيش العام» التي تقوم بمهمة الرقابة على عملية تطبيق القوانين في كل البلاد(34)، و«المحكمة العليا» التي تراقب أداء القضاة وقراراتهم وأحكامهم، وتمييزها،ومحاكمة المتخلفين منهم(35). كما خوّل الدستور رئيس السلطة القضائية التحقيق بشأن ممتلكات مسؤولي الدولة، بدءاً بالولي الفقيه (القائد) ورئيس الجمهورية ومعاونيه والوزراء، وانتهاءً بزوجاتهم وأولادهم، ومحاسبتهم على الإثراء غير المسوغ(36).

2 – حاكمية الشريعة:

تتجسد حاكمية الشريعة الإسلامية في الجمهورية الإسلامية الإيرانية في ثلاثة أركان أساسية: إسلامية مضمون الدولة، ووجود الفقيه على رأس الدولة، وتشريعات الدولة:

أ – إسلامية مضمون الدولة: يتصف نظام الدولة بالإسلامي عبر التزامه بأحكام الشريعة الإسلامية وتطبيقها في الواقع بكل تفاصيله؛ سواء تمثلت بأحكام شرعية أو قوانين أو نظم وأداء وسلوكيات عامة وخاصة. ولم يكتف دستور الجمهورية الإسلامية الإيرانية بالنص على أن «الإسلام دين الدولة»؛ بل أكد أن الشريعة الإسلامية هو المصدر الوحيد للدستور وللقوانين كافة. وحدد لهذا الغرض سياقات وآليات حازمة؛ تمنع صدور أي قانون وقرار ولائحة ونظام وحكم لايتطابق وقواعد الشريعة الإسلامية. كما حدد آليات واضحة لتطبيق هذه القوانين وتحويلها إلى واقع قائم في جميع مجالات حركة الدولة والشعب(37).

ب – رئاسة الولي الفقيه للدولة: يعبر الولي الفقيه عن موقف الشريعة الإسلامية أزاء تشريعات الدولة وأداءها؛ بوصفه الامتداد الموضوعي لخط النبوة والإمامة؛ كما يعبر السيد محمد باقر الصدر(38)، وكما يوضح الدستور الإيراني(39).

ت – التشريعات: نصّ دستور الجمهورية الإسلامية على أن جميع تشريعات الدولة يجب أن تستند إلى الشريعة الإسلامية بالكامل(40). وأهم أداة قننها دستور الجمهورية الإسلامية الإيرانية لضمان تطابق تشريعات مجلس الشورى الإسلامي مع أحكام الشريعة الإسلامية وغاياتها، هو «مجلس صيانة الدستور»؛ كما مر تفصيله.

3 – حاكمية الشعب:

تتجسد حاكمية الشعب وسيادته في القانون الدستوري للجمهورية الإسلامية في ثلاث ركائز أساسية: شكل الدولة الجمهوري، وقاعدة الحكم الشورية، والحقوق والحريات العامة والسياسية:

أ – شكل الدولة: الجمهورية: النظام السياسي في إيران هو نظام جمهوري؛ أي أنه يعتمد الشعب أساساً لمشروعية الدولة وسلطاتها. ولكي تنسجم «الجمهورية» مع إسلامية الدولة؛ فقد تم تقييدها بمفردة «الإسلامية». وهذا القيد العقدي يعبر هو الآخر عن إرادة الجمهور (الشعب الإيراني) الذي صوّت في الإستفتاء العام على إسلامية جمهوريته، ثم تحول مفهوم نظام الجمهورية الإسلامية إلى نص دستوري؛ لتأكيد إسلامية الدولة وأصالتها؛ فضلاً عن طبيعة دور الشعب (الجمهور) فيها. كما أن الدولة التي أسس لها دستور الجمهورية الإسلامية الإيرانية هي دولة دينية – مدنية؛ إذ يكون الإنتماء إليها سياسياً؛ أي أنها دولة المواطنة التي تراعي خصوصيات البلد وتنوعه الديني والمذهبي والفكري والقومي.

ب – قاعدة الحكم: الشورى: يستند نظام الجمهورية الإسلامية الإيرانية في شرعية حكّامه وقرارتهم و نوعية أدائهم الى ثلاثة مستويات من الشورى:

الأول: الشورى أداةً لاختيار الشعب مسؤولي النظام، ومن ذلك انتخاب الولي الفقيه ـ القائد، و رئيس الجمهورية وحكومته، و أعضاء البرلمان، وأعضاء مجلس الخبراء، وأعضاء المجالس البلدية وغيرها.

الثاني: الشورى مركزاً لاتخاذ القرار بصورة جماعية، وذلك من خلال المجالس واللجان والدوائر المختصة. فمجمع تشخيص مصلحة النظام ومجلس الشورى الإسلامي ومجلس الخبراء ومجلس صيانة الدستور والمجلس الأعلى للأمن الوطني وغيرها؛ جميعها تتخذ قراراتها بالشورى ووفقاً لرأي أكثرية الأعضاء.

الثالث: الشورى أداةً لتقوية السلطة؛ إذ تمدّها بالرأي والمشورة. ولاتكون الشورى هنا في موقع اتخاذ القرار؛ بل من خلال ترجيح المسؤول لآراء المستشارين. وهذا النوع من الشورى يمكن مشاهدة تطبيقاته في علاقة القائد بمجمع تشخيص مصلحة النظام، ورئيس الجمهورية بمجلس الوزراء، ورئيس السلطة القضائية بمجلس السلطة القضائية(41).

ت – الحقوق والحريات العامة والسياسية: نصّ دستور الجمهورية الإسلامية الإيرانية على أن الحقوق والحريات الممنوحة للإنسان من الله تعالى، والتي قننها النظام السياسي للجمهورية الإسلامية في مواد دستورية؛ تشتمل على: حق المساواة والتكافؤ، وحق الأمن، وحق الحرية السياسية والاجتماعية، وحق العمل، وحق الضمان الإجتماعي، وحق التربية والتعليم، وحق السكن والإقامة، وحق التظلم، و حق الملكية(42). في حين حمل الفصل الثالث من الدستور عنوان: «حقوق الشعب». وكما جاء في دستور الجمهورية الإسلامية الإيرانية؛ فإن ضمان الحريات السياسية والاجتماعية في حدود القانون هو من واجبات الدولة الإسلامية(43). كما بيّن أنواع الحقوق والحريات السياسية التي ألزم نظام الجمهورية الإسلامية الإيرانية نفسه بتطبيقها وحدد آليات ذلك. وهي: حرية المعتقد، وحرية الصحافة، وحرية الاتصال، وحرية تشكيل الأحزاب السياسية والاتحادات المهنية، و حرية الإعتراض والتظاهر(44).

مصادر القانون الدستوري للجمهورية الإسلامية الإيرانية

تتنوع مصادر القانون الدستوري للجمهورية الإسلامية الإيرانية تبعاً لخصوصيات الدولة في بعديها الديني والمدني، وبعديها الإسلامي العام والوطني الخاص، وهو ماتقتضيه طبيعتها المركبة، وهو فارق جوهري مع دول العالم الأخرى؛ سواء الدول المدنية المحضة التي تستبعد المصادر الدينية؛ ككل الدول العلمانية، أو الدول الدينية المحضة التي تستبعد المصادر المدنية؛ كالفاتيكان، أو الدول المسلمة المدنية التي تنص دساتير ـ معظمها ـ على الشريعة الإسلامية كأحد مصادر قانونها الدستوري، وعلى الإسلام ديناً رسمياً للدولة(45). أما الجمهورية الإسلامية فقد وضع قانونها الدستوري الشريعة الإسلامية مصدراً حاكماً على جميع مصادره المدنية، وهو منهج متداول في تدرج القواعد القانونية. و لكن القانون الدستوري الإيراني حين استخدم التدرج؛ وضع وثيقة الدستور في مرتبة ثانية بعد المصادر المقدسة للتشريع؛ أي القرآن الكريم والسنة الشريفة؛ ليكونا بذلك مصدرين حاكمين على وثيقة الدستور.

وتنقسم مصادر القانون الدستوري للجمهورية الإسلامية الإيرانية الى:

1 – المصادر الحاكمة: القرآن الكريم والصحيح من السنة الشريفة. ويقعان في قمة هرم النظام القانوني الدستوري للدولة، و يهيمنان على جميع ما يليهما من مصادر متدرجة؛ باعتبارهما مصدرين حاكمين على التشريع الإسلامي، ويشكلان المعيار النهائي لحقيقة إسلامية الدولة ونظامها السياسي ومنظومتها القانونية(46).

2 – المصادر الكاشفة: الإجماع والعقل. ويتم اللجوء إليهما في الموضوعات التي لانص فيها من القرآن الكريم والسنة الشريفة، أو التي فيها نصوص ذات دلالات ظنية وليست قطعية؛ بما يتيح استمرار عملية الاجتهاد، واستنباط الأحكام الشرعية الجديدة؛ للإستجابة إلى جميع متطلبات الدولة والحكم والحياة السياسية(47).

3 – المصادر المكملة (التابعة): العرف والعادة. ويشترط فيهما: الإطراد والتتابع، وتعارف الناس عليها، وعدم تعارضها مع قواعد الشريعة الإسلامية. ويشكل العرف الدستوري أحد أهم مصاديق العرف المطرد(48).

4 – المصادر المباشرة (الرسمية): وهي المصادر المتفق عليها تقريباً في نظم القانون الدستوري العالمية. وتنقسم إلى عامة وخاصة؛ فالعامة تتمثل في ثيقة الدستور وقرارات الولي الفقيه (رئيس الدولة – القائد)(49). أما الخاصة فأهمها القوانين العادية، وقرارات مجمع تشخيص مصلحة النظام، والنظم الداخلية للمؤسسات الدستورية(50).

5 – المصادر غير المباشرة (التفسيرية): وتتمثل في أحكام مجلس صيانة الدستور وقراراته؛ بصفته الجهة الدستورية التي ينحصر بها قرار دستورية القوانين وتفسير الدستور. وهي في الوقت نفسه تمثل السوابق القضائية في البلدان التي تحتكم إلى السلطة القضائية في الدعاوى الدستورية(51).

وهناك مِن فقهاء القانون الدستوري الإيراني مَن يضع بعض قواعد القانون الدستوري في البلدان الأخرى ضمن المصادر غير المباشرة أيضاً؛ فيقسم المصادر غير المباشرة إلى تفسيرية (مجلس تشخيص مصلحة النظام) واستشارية (بعض قواعد القانون الدستوري) في دول العالم المتقدم؛ للاستئناس بها؛ بما لايتعارض والمصادر الحاكمة والكاشفة والمكملة والمباشرة للقانون الدستوري الإسلامي الإيراني. وتدخل هذه المصادر في إطار مايعرف بالسوابق القانونية الدستورية(52).

 

 

مصادر القانون الدستوري للجمهورية الإسلامية الإيرانية

في إطار قاعدة تدرج القوانين (53)

     النتائج

القانون الدستوري للجمهورية الإسلامية الإيرانية هو التعبير القانوني عن الفقه السياسي الذي أفرزه مبدأ ولاية الفقيه وفقاً لصياغة الإمام الخميني.

القانون الدستوري للجمهورية الإسلامية الإيرانية ونظامها السياسي يمثلان تجربة متفردة على المستويات الفقهية والقانونية والسياسية. وبالقدر الذي يتميز فيه القانون الدستوري للجمهورية الإسلامية الإيرانية عن القوانين الدستورية الوضعية في المداليل الفكرية والآيديولوجية، ولا سيما في جانب الرؤية الكونية والأهداف والمصادر، فإنه يتساوق معها في القيمة العلمية؛ بالنظر لنوعية صياغاته الفنية ومداليله السياسية.

وقد استندت نظرية القانون الدستوري في الجمهورية الإسلامية الإيرانية إلى جملة من المباديء الأساسية؛ أهمها: أن الدولة الإسلامية هي دولة القانون والمؤسسات القانونية، ويتساوى الجميع أمام القانون؛ بدءاً برئيس الدولة (القائد) وانتهاء بأي مواطن عادي، وأن هذه الدولة وسلطاتها تستند في شرعيتها الدينية إلى الأصول الإسلامية وتفاصيلها الاجتهادية، وفي مشروعيتها القانونية إلى إرادة الشعب، وإنها دولة دينية – مدنية؛ يكون الإنتماء إليها سياسياً؛ أي أنها دولة المواطنة التي تراعي خصوصيات البلد وتنوعه الديني والمذهبي والفكري والقومي، وهي دولة الشورى؛ التي لايستبد فيها الحكّام بقراراتهم؛ بل يستندون إلى الشعب في ذلك؛ عبر المؤسسات الشورية، وأن دستورها يعبر عن إرادة الشعب وإجماعه؛ كجزء من حقوق الشعب التي كفلها الشعب من جميع النواحي، وأن جميع قوانين الدولة هي قوانين تستند إلى الشريعة الإسلامية بالكامل؛ بالشروط التي وضعها الدستور على سلطة التقنين (التشريع) وجميع سلطات الدولة، وأن سلطاتها الدستورية منفصلة عن بعضها في الإدارة والأداء.

وتتنوع مصادر القانون الدستوري للجمهورية الإسلامية الإيرانية؛ تبعاً لخصوصيات الدولة في بعديها الإسلامي والوطني؛ فمصدراه الأساسيان المقدسان هما: القرآن الكريم والسنة الشريفة، ومعهما المصدران الكاشفان: الإجماع والعقل؛ بما يتيح استمرار عملية الاجتهاد. ثم تأتي المصادر الأخرى المتفق عليها تقريباً في الدساتير العالمية؛ كوثيقة الدستور نفسها، وأحكام رئيس الدولة (القائد) وقراراته. وهناك مصادر ثانوية أخرى للقانون الدستوري الإسلامي الإيراني؛ كسوابق النقض لمجلس صيانة الدستور، وقرارات مجلس تشخيص مصلحة النظام، وبعض تشريعات مجلس الشورى الإسلامي.

والنظام السياسي الذي انتجه دستور الجمهورية الإسلامية يعتمد دعامتين أساسيتين متلازمتين: ولاية الفقيه وشورى الأمة؛ أي إعتماد مبدإ حاكمية الشريعة التي يمثلها الفقيه، ومبدإ حاكمية الشعب التي يمارسها عبر انتخاب الولي الفقيه وعبر انتخاب سلطات الدولة بكل عناوينها. ويمثل الولي الفقيه السلطة الأولى في الدولة، ويقف على رأس نظامها السياسي، وسماه الدستور بـ «القائد»؛ فهو رئيس الدولة والقائد العام للقوات المسلحة، والمشرف على أداء سلطات الدولة. وينتخب الشعبُ القائدَ عبر مجلس خبراء القيادة المنتخب شعبياً. ويشترط في القائد: الفقاهة، والعدالة، والكفاءة. ولذلك يسمى النظام السياسي في إيران بـ «النظام القيادي»؛ تمييزاً له عن الأنظمة الرئاسية والبرلمانية، وهو إضافة منهجية للنظم السياسية.

وبعد سلطة القيادة؛ هناك ثلاث سلطات؛ منفصلة في إدارتها وأدائها ومهامها، ومترابطة في مخرجات أعمالها، وهي: السلطة التنفيدية التي يقف على رأسها «رئيس الجمهورية»، وهو المنصب الدستوري الثاني في الدولة بعد منصب «القائد»، وهو رئيس الحكومة. والسلطة التشريعية التي تتمثل في «مجلس الشورى الإسلامي»، والى جانبه «مجلس صيانة الدستور»، وهو بمثابة المحكمة الدستورية والشرعية. والسلطة القضائية التي يقف على رأسها رئيس السلطة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

    الإحالات

  • لعل أهم من نظّر منهجياً لمفهوم «النظام القيادي»؛ هو الفقيه والحقوقي الإيراني الشيخ عباس علي عميد زنجاني. انظر: كتابه «الفقه السياسي»، ج1، ص284.
  • يعود استخدام مصطلح «مدرسة الخلافة» المتمثلة في التسنن، ومصطلح «مدرسة الإمامة» المتمثلة في التشيع؛ إلى الفقيه العراقي السيد مرتضى العسكري في كتابه «معالم المدرستين»، ج1، ص7. أنظر أيضاً: علي المؤمن، «من المذهبية إلى الطائفية»، ص13. ويرى الأكاديمي القانوني المصري الدكتور توفيق الشاوي بأن النظام السياسي للجمهورية الإسلامية الإيرانية قارب كثيراُ بين الفقه السياسي الإسلامي السني والفقه السياسي الاسلامي الشيعي. أنظر كتابه: الشاوي، د. توفيق، «فقه الحكومة الإسلامية»، ص73.
  • للمزيد انظر: المؤمن، علي، «النظام السياسي الإسلامي الحديث»، ص25.
  • بقيت إيران بدون دستور دائم لحوالي عشرة أشهر، وتعتمد على تشريعات مجلس قيادة الثورة وفتاوى الإمام الخميني وأحكامه الولائية؛ بصفته الولي الفقيه الحاكم. أنظر: مسيح مهاجري، «إنقلاب إسلامي: راه آينده ملت ها» (الثورة الإسلامية: طريق المستقبل للشعوب)، ص18.
  • أنظر: مسيح مهاجري (مصدر سابق)، ص117، ود. أصغر شيرازي، «إيران: الدولة والسياسة»، ص56 – 59، و د. جلال الدين مدني، «حقوق أساسي جمهوري إسلامي إيران» (القانون الدستوري للجمهورية الإسلامية الإيرانية)، ص16 – 20.
  • مهاجري، مسيح (مصدر سابق)، ص18.
  • اعتمدنا النص الفارسي الأصلي لوثيقة دستور الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وقمنا بترجمة المواد التي نحتاجها في البحث إلى اللغة العربية؛ وذلك لمزيد الدقة. انظر: «قانون أساسي جمهوري إسلامي إيران» (دستور الجمهورية الإسلامية الإيرانية)، إصدار مجلس الشورى الإسلامي، طهران، 1989.
  • «دستور الجمهورية الإسلامية الإيرانية»، المواد 5 و107 و110.
  • وهي تقنين لما كتبه الإمام الخميني في كتابه «الحكومة الإسلامية»، ص45 – 49.
  • يستدل الدكتور وهبة الزحيلي في كتابه «نظام الإسلام»، ص199 – 204 على إجماع المذاهب الإسلامية على شرط الاجتهاد في ولي الأمر (الحاكم). أنظر أيضاً: السيد كاظم الحائري، «الإمامة وقيادة المجتمع»، ص68، و «دستور الجمهورية الإسلامية الإيرانية»، المادة 109. وللوقوف على التفاصيل المفهومية لشروط الفقاهة والعدالة والكفاءة في الولي الفقيه؛ انظر: الشيخ محمد علي التسخيري، دراسة منشورة في كتاب «الرؤى الحضارية لدستور الجمهورية الإسلامية الإيرانية»، ص280 – 291.
  • وذلك لتركيز البعد الديني للولي الفقيه (القائد). وقد كان المراجع الدينيين الرسميين للدولة الإيرانية (الصفوية والنادرية والقاجارية) عرباً من لبنان والبحرين والعراق.
  • «دستور الجمهورية الإسلامية الإيرانية»، المواد 107 و108 و111.
  • المصدر السابق، المواد 110 ـ 112.
  • المصدر السابق، المواد 110 و143 – 150.
  • المصدر السابق، المواد 113 – 117 و124.
  • د.عبد الغني بسيوني عبد الله، «القانون الدستوري والنظم السياسية»، ص248 ـ 259.
  • «دستور الجمهورية الإسلامية الإيرانية»، المواد 133 و 124و 176.
  • المصدر السابق، المادة 91.
  • د. علي المؤمن، «الفقه والدستور»، ص 221.
  • «دستور الجمهورية الإسلامية الإيرانية»، المادتان 173 و174.
  • ، الشيخ محمد علي التسخيري، (مصدر سابق)، ص289.
  • «دستور الجمهورية الإسلامية الإيرانية»، المواد 91 – 99.
  • علي المؤمن، «الفقه والدستور»، ص 118.
  • «دستور الجمهورية الإسلامية الإيرانية»، عنوان الفصل الخامس، والمادة 57.
  • «دستور الجمهورية الإسلامية الإيرانية»، المواد 6 و8 و62 و199 و107 و117. وأعتفد أن من أفضل من كتب حول منظومة الرقابة والإشراف والتحكم في نظام الجمهورية الإسلامية الإسلامية باللغة العربية هو الشيخ محمد علي التسخيري في بحثه المنشور في كتاب «الرؤى الحضارية لدستور الجمهورية الإسلامية الإيرانية»، ص307 وما بعدها.
  • «دستور الجمهورية الإسلامية الإيرانية»، المواد 57 و110 و112.
  • المصدر السابق، المادة 111.
  • المصدر السابق، المادة 113.
  • المصدر السابق، المواد 54 و 55 و70 و 88  و 112 و 175 – 177.
  • المصدر السابق ، المواد 91 – 94.
  • المصدر السابق، المادة 112.
  • المصدر السابق، المادة 174.
  • المصدر السابق ، المادة 173.
  • المصدر السابق، المادة 174.
  • المصدر السابق، المادة 161.
  • المصدر السابق، المادة 142.
  • المصدر السابق، المواد 4 و72 و94.
  • السيد محمد باقر الصدر، «لمحة فقهية تمهيدية عن دستور الجمهورية الإسلامية»، و«خلافة الإنسان وشهادة الأنبياء»، من كتاب «الإسلام يقود الحياة».
  • «دستور الجمهورية الإسلامية الإيرانية»، المادتان 2 و 5.
  • المصدر السابق، المواد 4 و72 و94.
  • علي المؤمن، «النظام السياسي الإسلامي الحديث»، ص182 – 183.
  • «دستور الجمهورية الإسلامية الإيرانية»، المواد 19ـ
  • المصدر السابق، المادة 156.
  • المصدر السابق، المواد 23ـ 27.
  • المصدر السابق، المواد 156 – 162. انظر: علي المؤمن، «النظام السياسي الإسلامي الحديث»، ص 59 – 60.
  • انظر: د. علي المؤمن، «الفقه والدستور»، ص 304.
  • المصدر السابق، ص 305.
  • المصدر السابق، ص 306.
  • حول مصدرية قرارات رئيس الدولة للقانون الدستوري؛ انظر: د. عبد الغني بسيوني (مصدر سابق)، ص389، و د. عميد زنجاني (مصدر سابق)، ج2، ص216 – 219، و د. مرتضى أسفاد نجفي، «حقوق أساسي جمهوري إسلامي إيران» (القانون الدستوري للجمهورية الإسلامية)، ص26 – 30.
  • «دستور الجمهورية الإسلامية الإيرانية»، المواد 91 و94 و96 و و حول مصدرية الأنظمة الداخلية للقانون الدستوري؛ انظر: د. مرتضى أسفاد نجفي، (مصدر سابق)، ص 30 – 31، و د. جلال الدين مدني، (مصدر سابق)، 52، و عميد زنجاني (مصدر سابق)، ج2، ص226.
  • د. علي المؤمن، «الفقه و الدستور»، ص 307.
  • حول مصدرية القوانين الدستورية في البلدان الأخرى للقانون الدستوري؛ انظر: انظر: د. مرتضى أسفاد نجفي، (مصدر سابق)، ص 31، و د. جلال الدين مدني، (مصدر سابق)، ص 53، و عميد زنجاني (مصدر سابق)، ج2، ص226.
  • علي المؤمن، «الفقه و الدستور»، ص 334.

المصادر والمراجع

– الترابي، حسن، «السياسة والحكم»، دار الساقي، بيروت، 2003.

– التسخيري، محمد علي، «حول الدستور الإسلامي»، مؤسسة الهدى، طهران، 1412هـ.

– الجمل، يحيى، «الأنظمة السياسية المعاصرة»، دار النهضة العربية، القاهرة، 1990.

– الخميني، روح الله الموسوي، «الحكومة الإسلامية»، مؤسسة نشر آثار الإمام الخميني، طهران، 1996.

– دوفرجيه، موريس، «المؤسسات السياسية والقانون الدستوري»، ترجمة: د. جورج سعد، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر، بيروت، 1992.

– الشاوي، توفيق ، «فقه الحكومة الإسلامية بين السنة والشيعة» منشورات العصر الحديث ، 1995.

– شيرازي، أصغر، «السياسة والدولة في الجمهورية الإسلامية»، ترجمة: حميد سلمان الكعبي، دار المدى، دمشق، 2002.

– الصدر، محمد باقر، «الإسلام يقود الحياة»، دار التعارف للمطبوعات، بيروت، 1990.

– عميد زنجاني، عباس علي، «فقه سياسي وحقوق اساسى جمهوري إسلامي إيران »، ج1و 2، مؤسسة أمير كبير، طهران، 1994.

– «قانون أساس جمهوري إسلامي إيران» (دستور الجمهورية الإسلامية الإيرانية)، مجلس الشورى الإسلامي، طهران، 1989.

– المؤمن، علي، « الفقه والدستور: التقنين الدستوري الوضعي للفقه السياسي الإسلامي»، مركز دراسات المشرق العربي، بيروت، 2018.

– المؤمن، علي، «النظام السياسي الإسلامي الحديث وخيارات الثيوفراطية والديمقراطية والشورى»، ط2،  دار روافد، بيروت، 2017 .

– مجموعة مؤلفين، «الرؤي الحضارية لدستور الجمهورية الإسلامية الإيرانية»، المستشارية الثقافية لسفارة الجمهورية الإسلامية الإيرانية بدمشق، 2004.

– مدني، جلال الدين، «حقوق أساسي ونهادهاي سياسى جمهوري إسلامي إيران» (القانون الدستوري والمؤسسات السياسية في الجمهورية الإسلامية الإيرانية)، همراه، طهران، 1990.

– منوجهري، عباس، «نظام سياسى إيران» (النظام السياسي في إيران)، مركز مطالعات فرهنك بين المللى، طهران، 2003.

– مهاجرى، مسيح، «إنقلاب إسلامي: راه آينده ملت ها» (الثورة الإسلامية: طريق الشعوب المستقبلي)، دار فرهنك إسلامي، طهران، 1986.

– المودودي، أبو الأعلى، «نظرية الإسلام وهديه في السياسة والقانون والدستور»، ترجمة: محمد عاصم الحداد، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1969.

– مياى، ميشيل، «دولة القانون: مقدمة في نقد القانون الدستوري»، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر، بيروت، 1982.

– وصفي، مصطفى كمال، «النظام الدستوري في الإسلام مقارناً بالنظم العصرية»، نشر مكتبة وهبة، القاهرة، 1973.

 

latest video

news via inbox

Nulla turp dis cursus. Integer liberos  euismod pretium faucibua

Leave A Comment