الشيعة والارهاب التكفيري

Last Updated: 2024/05/30By

حين يكتب الوهابيون التاريخ بالمقلوب:

الشيعة ومسؤولية الإرهاب التكفيري أنموذجاً

د. علي المؤمن

المنهج الوهابي في قراءة عصر صدر الإسلام

بعد ظهور المسميات الجديدة للجماعات الوهابية التكفيرية الإرهابية؛ كالقاعدة وأنصار الإسلام وانصار الشريعة وأنصار السنة وطالبان والشباب وبوكوحرام وداعش وغيرها، منذ ثمانيات القرن الماضي وحتى الآن، وما قامت به من إرهاب منظم وإبادة جماعية وتفجيرات واغتيالات، وانتهاك للأعراض، واستيلاء على الأموال والممتلكات والأراضي، وتشويه بشع لحقيقة الإسلام، وتقديم صورة متوحشة عن المسلمين، وإحداث فتنٍ كبرى بينهم، وتفتيت أمنهم الوطني، وتمزيق نسيجهم الاجتماعي، وتدمير اقتصادياتهم، وتحويل بلدانهم الى ساحات للصراعات المذهبية والطائفية والسياسية والإعلامية والمجتمعية، وضمان أمن الكيان الإسرائيلي، وإعطاء الغرب كل مسوغات احتلال بلاد المسلمين؛ بعد كل هذا أو بموازاته؛ اكتشفت المخابرات السعودية والمشايخ الوهابيون وبعض الطائفيين السنة في البلدان العربية والإسلامية؛ مقتفين بذلك منهج ابن تيمية في التدوين الايديولوجي الفنتازي للتاريخ؛ اكتشفوا أن الشيعة وإيران يقفون وراء هذه الجماعات الوهابية الإرهابية التكفيرية، ووراء جميع أعمالها الإجرامية في العراق وسوريا وباكستان وأفغانستان والسعودية ولبنان وإيران والكويت.

ولم يصدق أحد هذا الاكتشاف؛ ولايزال الجميع يسخرون من هذا الادعاء؛ ولاسيما الأوربيين والأمريكان؛ الذين يزعمون أنهم يعلمون بدقة تفاصيل جذور هذه الجماعات وأصولها الحديثة وكيفية نشوئها ودعمها وتمويلها ورعايتها وقادتها؛ إذ يجمعون على أنها صناعة وهابية سعودية بامتياز؛ وبرعاية أمريكية ودعم إسرائيلي.

ولكن بعد دراسة معمقة للتاريخ الإسلامي ونشوء الفرق والمذاهب والجماعات الإسلامية؛ وصولاً الى واقعنا الحالي؛ توصلتُ أيضاً الى الحقيقة التي يؤكدها الوهابيون السعوديون والطائفيون من السنة، والتي يكابر الغربيون والشرقيون عندما لا يصدِّقونها. توصلتُ الى هذه الحقيقة عبر استخدام المنهج الفنتازي الايديولوجي لمجدد الفكر التكفيري الإرهابي الشيخ محمد بن عبد الوهاب في التدوين التاريخي؛ وهو المنهج الأسطوري الذي يخترع الوقائع بناءً على القبليات العقيدية وحاجة المؤرخ والمحلل التاريخي والسياسي للحدث والواقعة اللتين يستدل بهما لإثبات معتقده وفكره ومذهبه الفقهي؛ وهو شبيه بالمنهج الفنتازي في تدوين الحديث الشريف، والذي سمح للمحدثين والرواة الكذَبة في العصرين الأموي والعباسي بوضع آلاف الأحاديث على رسول الله (ص) أو تحريف الصحيح من الأحاديث؛ لتسويغ سلوكيات السلطة السياسية أو تمرير ايديولوجيا سياسية أو مذهبية معينة.

هذه باختصار مفارقات الفنتازيا الذي يؤسس لها المنهج الوهابي؛ والتي تنتهي الى التصديق بأن الشيعة هم الذين افتعلوا السقيفة، واستغفلوا أبا بكر وعمر وعثمان، وقتلوا علياً والحسن والحسين وجميع أئمة أهل البيت، وهددوا معاوية ويزيد، وجنّدوا صلاح الدين الأيوبي، وعلّموا ابن تيمية وابن القيم ومحمد بن عبد الوهاب مناهج التكفير والقتل، وأسسوا مملكة آل سعود، وأسسوا القاعدة والنصرة وداعش وأنصار الإسلام وانصار الشريعة وجماعة التكفير والهجرة وطالبان وبوكو حرام وساحات الاعتصام في العراق وهيئة علماء السنة في العراق، ويسيطرون على المناهج الدراسية وهيئة كبار علماء المسلمين والمساجد والخطباء والهيئات والمؤسسات الدينية والأمنية في السعودية، وأخضعوا المخابرات السعودية والقطرية والتركية والأردنية لسيطرتهم، وأسسوا حلفاً طائفياً سنياً تركياً قطرياً سعودياً أردنياً؛ لمواجهة الهلال الشيعي الذي أسسوه أيضاً.

يا ترى من المجنون والمخرِّف والمنحرف والدجال والمنافق والمرتزق في هذه الفوضى المنتجة: الشيعة ومنهجهم؟! أم الوهابيون ومنهجهم؟!

ثم أين المذاهب السنية: الحنفية والمالكية والشافعية ومنهجها بين الإثنين؟ وهل يوافق أتباعها على الفنتازيا التاريخية التي سبق ذكرها؛ والتي تمثل مخرجات ونتائج حتمية فيما لو اتّبعنا منهج ابن تيمية وخلفه محمد بن عبد الوهاب وسياسات الدولة الوهابية السعودية وأقوال مشايخها وحركة مخابراتها وخطاب إعلامها؟

وتتبين هذه الحقيقة الخطيرة من خلال المحطات التاريخية؛ منذ وفاة رسول الله (ص) وحتى الآن، على وفق المنهج الوهابي الذي يكتب التاريخ بالمقلوب:

 من السقيفة الى خلافة علي بن أبي طالب 

في السنة 11 للهجرة؛ الموافق 632 للميلاد؛ توفي رسول الله محمد (ص). وقبل أن ينتهي صهره ووصيه الإمام علي بن أبي طالب (ع) وبنو هاشم من غسله ودفنه؛ بادر شيعة علي بن أبي طالب الى التجمهر في سقيفة بني ساعدة في المدينة المنورة؛ يقودهم أبو سعيد الخدري وسلمان الفارسي وأبو ذر الغفاري والأحنف بن قيس وأُويس القرني والأصبغ بن نباتة وحبيب بن مظاهر وجابر الأنصاري وخزيمة بن ثابت وزيد بن صوحان وسليمان بن صرد الخزاعي وعمرو بن الحمق الخزاعي وعبد الله بن بديل وهاشم المرقال والمقداد بن الأسود وابو رافع وثابت بن قيس وحذيفة بن اليمان والبراء بن عازب والحارث الهمداني وسهل بن حنيف وقيس بن سعد الأنصاري وعمار بن ياسر. لقد تجمهروا وهم يعرفون معرفة يقينية حق الإمام علي (ع) في خلافة رسول الله (ص)، وسمعوا وصيته لعلي بالولاية والخلافة والإمامة من بعده، وبايعوا عليا في الغدير؛ إلّا أن هؤلاء الشيعة وقادتهم انقلبوا على وصايا الرسول وتأكيداته، وتنكروا لبيعة الغدير، وطالبوا بتقاسم السلطة والثروة، ثم أجبروا أبا بكر على القبول بالخلافة، على الرغم من رفضه ورفض عمر بن الخطاب ومعظم الحاضرين لهذا الانقلاب، وتمسكهم بالبيعة لعلي. ثم شهر شيعة علي بن ابي طالب السيوف بوجه الأنصار والمهاجرين، وأرغموهم على بيعة أبي بكر خليفةً للمسلمين.

وبعد فترة مرت على خلافة أبي بكر؛ تنبّه الخليفة وأصحابه، ولا سيما عمر وعثمان الى ما قام به الشيعة من سلوك عنيف أدى تنحية الإمام علي (ع) عن حقه الشرعي؛ وما أعقبه من هجوم على بيت الإمام علي والسيدة فاطمة الزهراء (ع)؛ قام به زعماء الشيعة يقودهم سلمان الفارسي، وعدوانهم على سيدة النساء ومحاولة إجبارهم الإمام علياً على البيعة، ثم تآمر زعماء الشيعة على السيدة فاطمة؛ والذي انتهى الى منعها من حقها في “فدك”، وألقوا بتبعية العمل على الخليفة الأول والخليفة الثاني.

وحيال ذلك أجرت سلطات الخلافة تحقيقاً شاملاً في هذه الملفات؛ فتبين أن الصحابي سلمان الفارسي الذي ادعى أن الرسول لقّبه بالمحمدي؛ وهو فارسي مجوسي، وعميل للإمبراطورية الفارسية، قد قام بأكبر اختراق للصف العروبي الإسلامي؛ إذ كان مكلفاً من مخابرات كسرى انوشيروان بتنفيذ مؤامرة فارسية مجوسية بتدمير القومية العربية؛ بالتعاون مع العميل الرومي صهيب والعميل الحبشي بلال؛ عبر عزل علي بن ابي طالب عن خلافة الرسول؛ لأن الفرس لا يشتهون أن تجتمع النبوة والخلافة في بني هاشم، وبذلك كانت السقيفة أول عمل يقوم به الشيعة العرب؛ بدفع من الفرس؛ لحرف الإسلام عن خطه الأصيل، وقد نجحوا في ذلك؛ فكان هذا التأسيس هو المنهج المنحرف الذي ظل الشيعة يسيرون عليه طيلة التاريخ، وحتى يومنا هذا.

الانقلاب على الدولة الإسلامية

قام يعض زعماء الشيعة؛ يتقدمهم محمد بن أبي بكر وميثم التمار وكميل بن زياد وحبيب بن مظاهر وسليمان بن صرد الخزاعي وصعصعة بن صوحان وغيرهم؛ باستحصال فتوى من فقيه المسلمين الصحابي الهاشمي الشيعي عبد الله بن عباس بقتل الإمام علي، بالرغم من أنهما ابني عم؛ فنسقوا انقلابهم مع معاوية بن ابي سفيان، واخترقوا فرقة الخوارج وأقنعوهم بالفتوى، ثم غرر هؤلاء الشيعة بالخارجي عبد الرحمن بن ملجم عبر إرسال امرأة من الخوارج اليه اسمها قطام؛ لينفذ جريمته بقتل أمير المؤمنين غيلة في محراب صلاة الفجر عام 40 للهجرة. علماً أن مؤامرة اغتيال أمير المؤمنين سبق أن خطط لها أبو ذر الغفاري وسلمان الفارسي ومالك الأشتر وعمار بن ياسر والمقداد بن الأسود؛ ولكنهم توفوا أو استشهدوا بين يدي الإمام علي قبل تنفيذ مؤامرتهم.

وعلى إثر ذلك قام أهل السنة بقيادة معاوية وأهل القرآن من الخوارج؛ بالانتقام لدم الإمام علي من شيعته الذين تآمروا عليه؛ فشنوا عليهم الحروب وسجنوهم وقتلوهم وشرّدوهم وسبوا نساءهم. كما أثبتت تحقيقات معاوية إن بعض القادة الفرس من بقايا الإمبراطورية الفارسية قد أرسلوا أموالاً وأسلحة ومخططات ومستشارين الى قادة شيعة العراق؛ للقيام بالتآمر على الإمام علي وبث الخلاف بينه وبين معاوية؛ فكانوا وراء الخلاف بين سنة العراق وشيعته من جهة، وبين مسلمي العراق ومسلمي الشام من جهة أخرى؛ بهدف الإمعان في ضرب العروبة في الصميم. واستمر الشيعة وحلفاؤهم الفرس في تفريق المسلمين؛ حين عزلوا الحجاز أيضا عن ولايات المسلمين الأخرى، وسلّموها لعبد الله بن الزبير، وأعلنوه خليفة في مكة. وبهذا استطاع أتباع التشيع الفارسي من تمزيق الدولة الإسلامية؛ حين نصّبوا الإمام الحسن خليفة في الكوفة ومعاوية خليفة في دمشق وعبد الله بن الزبير خليفة في مكة.

  • قام زعماء الشيعة من أصحاب الإمام الحسن (ع)؛ يتقدمهم أبو تمامة السيداوي وجابر الانصاري وابراهيم الاشتر؛ بإقناع معاوية والخوارج بالالتزام بفتوى جديدة لعبد الله بن عباس بقتل الإمام الحسن هذه المرة؛ وذلك في سنة 50 للهجرة. وبالغ زعماء الشيعة في إقناع زوجة الإمام الحسن جعدة بنت الخارجي الأشعث بن قيس؛ لتدس له السم، وهو ما فعلته تحت الترغيب بالزواج من يزيد بن معاوية، وتحت الترهيب؛ بالسبي والذبح والسلخ على يد الشيعة. ثم قام الشيعة برمي نعش الإمام الحسن بالسهام والنبال، ومنعوا أهل السنة الغيارى من دفنه الى جوار مرقد جده الرسول (ص).

إثر هذه الجرائم الإرهابية التكفيرية النكراء للشيعة؛ قامت قوات معاوية بالانتقام لدم الإمام الحسن، وقتلوا المئات من الشيعة وشتتوهم في البلدان. كما تبين لمعاوية أن مجموعة من التجار الفرس الشيعة المتضررين من سياسة الإمام الحسن الذي منع النفوذ الفارسي في العراق؛ قد دفعوا أموالاً طائلة لقادة شيعة العراق لقتل الإمام الحسن؛ بهدف غزو أسواق العراق بالبضاعة الفارسية، واحتكار الاستثمارات فيه. وقد أصدر معاوية عدة بيانات يوبخ فيها شيعة العراق بسبب تأثرهم بالتشيع الفارسي؛ مشدداً على ضرورة الفرز بين التشيع العربي والتشيع الفارسي. وهذه نقطة استراتيجية تسجّل لمعاوية؛ لأنه أول من حذّر من خطر التشيع الفارسي على الشيعة العرب.

الشيعة والوضع في الحديث  

يقتضي منهج ابن تيمية الى أن الوضع في الحديث يقف وراءه الشيعة، وينتهي الى أن ثلة من محدثي الشيعة وعلمائهم برئاسة حبر الأمة عبد الله بن عباس، خلال العقدين الخامس والسادس من القرن الأول الهجري، مستعينين ببعض الكهنة والحكماء الفرس واليهود، قامت بوضع الأحاديث غير الصحيحة على رسول الله (ص) أو تحريف الصحيح من السنة النبوية؛ بهدف تسويغ سياسات معاوية وابنه يزيد، خلال فترة حكمهما، وتمرير مؤامراتهما ضد الإسلام، وتكفير المسلمين واتهامهم بالشرك، واستحلال دمائهم وأعراضهم وأموالهم. وقامت هذه الثلة الشيعية العلمية والسياسية بالضغط على معاوية لقتل عدد كبير من صحابة الرسول، كحجر بن عدي وغيره، كما أجبرته على إعطاء ولاية العهد لابنه يزيد. وبعد أن تسنى لزعماء الشيعة تنصيب يزيد بن معاوية سلطاناً على المسلمين عقب وفاة أبيه، وجعل الحكم الإسلامي ملكاً وراثية عضوضاً؛ قاموا بإجبار يزيد لاجتثاث جميع من يعارض سلوكه في قتل المسلمين وشرب الخمر وممارسة الزنا واللعب بالنرد (القمار) وإقامة مجالس الرقص والخلاعة وكل أنواع الفسق والفجور. وكان عملاء بقايا المخابرات الفارسية بالتنسيق مع زعماء الشيعة يغررون بيزيد للقيام بهذه السلوكيات الكافرة.

ثم استقدم هؤلاء الشيعة عدداً من المستشارين الفرس الشيعة والروم النصارى واليهود، وفرضوهم على الخليفة يزيد كمستشارين له؛ فكانت نتيجة التآمر الشيعي الفارسي اليهودي الرومي على الإسلام؛ تهديد يزيد ودفعه بالقوة للقيام باستباحة المدينة المنورة وقتل صحابة الرسول وبني هاشم في “واقعة الحرة”، واغتصاب نساء المدينة وسرقة ممتلكات أهلها.

ولم يكتف الشيعة بذلك؛ بل دفعوا يزيد للهجوم على مكة بجيش يقوده الحصين بن نمير؛ أحد عملاء الشيعة والمرتبط ببقايا المخابرات الفارسية المجوسية، ولقصف المسجد الحرام والكعبة بالمنجنيق وتهديمهما. وفي الوقت نفسه؛ كان الشيعة يشكلون طابوراً خامساً في مكة، ويدفعون عبد الله بن الزبير للتمرد على الخليفة الشرعي يزيد؛ فكانوا بذلك يعمقون الخلافات بين مسلمي الشام ومسلمي الحجاز ومسلمي العراق؛ بأموال ومخططات وسلاح فارسي.

حركة اجتثاث الأمويين للعلويين

عقد قادة الشيعة العرب، وبتمويل وتحريض من الجيوب المتمردة في بلاد فارس؛ مؤتمراً سرياً في الشام سنة 60 للهجرة؛ برئاسة الفقيه الهاشمي الشيعي عبد الله بن عباس، وحضور: المختار الثقفي وابراهيم الاشتر وحبيب بن مظاهر وسليمان بن صرد الخزاعي وهاني بن عروة وأكثر من خمسين شخصية شيعية وفدت من العراق والحجاز والبحرين واليمن ولبنان، وقرروا الضغط على يزيد بن معاوية لاستحصال البيعة من الإمام الحسين بن علي (ع)؛ فرفض يزيد الطلب، احتراماً لسبط رسول الله، وإكراماً لجده. ولكن الشيعة المتآمرين السلطويين المنحرفين لم يقيموا لهذه الاعتبارات أي وزن؛ فاستمروا في مساعيهم؛ فعززوا موقفهم بالكثير من الفتاوى والأحاديث النبوية التي وضعوها؛ مما اضطر يزيد الى الإذعان لفتاوى الشيعة وتهديداتهم. وحين رفض الإمام الحسين بيعة يزيد؛ أصدر قادة الشيعة وعلماؤهم ومحدثوهم فتاوى وقرارات بقتل الإمام الحسين. وأعقبه استقدامهم الآلاف من أتباعهم من شيعة الشام والعراق وإيران والحجاز والبحرين ولبنان؛ لقتال الإمام الحسين، وطلبوا من يزيد بن معاوية أن يمنحهم الغطاء الشرعي والقانوني فقط؛ فتكون الحرب باسمه، ويكون قادة المعركة ممن ينسِّبهم الخليفة.

واستجاب يزيد مكرهاً؛ فطلب من واليه على الكوفة عبيد الله بن زياد تنسيب بعض القادة لحرب الحسين؛ مشترطاً أن يكون حضورهم في المعركة شكلياً فقط ولا يقوموا بأي دور؛ ليكون قتل الحسين على يد شيعة أبيه فقط. وبالفعل كان دور القادة اليزيديين، كعمر بن سعد وشمر بن ذي الجوشن وشبث بن ربعي وحجار بن أبجر والحصين بن نمير وعمرو بن الحجاج وغيرهم؛ شكلياً بالكامل. وقد قام الشيعة القادمين من كل البلدان بقتل الإمام الحسين وأهل بيته وأصحابه وذبح أطفاله وحرق خيامه وسبي نسائه. وهي جريمة وحشية لا نظير لها؛ ولكن الشيعة اعتادوا على القيام بهكذا جرائم دموية تنتهك كل أنواع المقدسات والأعراف الإنسانية والدينية والاجتماعية؛ منذ أجبروا هند زوجة أبي سفيان على أكل كبد الحمزة عم النبي (ص).

ولكن التحقيقات التي قام بها المختار الثقفي فيما بعد؛ أثبتت أن القادة اليزيديين الذين اشتركوا شكلياً في واقعة كربلاء؛ كانوا عملاء للشيعة الذين اخترقوا بلاط عبيد الله بن زياد ويزيد بن معاوية وآل أُمية، بمخطط فارسي مجوسي رهيب، يستهدف إيقاع الفتنة بين الأشقاء العرب من السنة والشيعة؛ فأغلق المختار الثقفي ملف التحقيقات، وأسرع الى قتل كل من شارك في قتل الحسين بن علي. وبذلك استطاع أن يكسب ود عوام الشيعة، وكذا التخلص من شركائه الذين كانوا يهددون بفضحه؛ لكون المختار أحد أهم المحرضين أيضاً على قتل الحسين، والمنفذين للمخططات الفارسية المجوسية بتدمير العروبة. وهو بالتالي يتحمل مسؤولية كل قطرة دم شيعية أهرقت في العراق والحجاز وإيران؛ لأنه بسبب عمالته للفرس وتوتر علاقته بالروم والتفرد بالسلطة وعدم السماح لحلفائه الزبيريين والديلم والشيعة في المشاركة بالقرار؛ كان السبب في استيلاء الجماعات الإرهابية التكفيرية الأموية على كثير من أراضي العراق؛ وصولاً الى احتلاله بالكامل وعودة السلطة الأُموية الى العراق.

شيعة آل البيت يتآمرون على أئمة أل البيت

استمر الشيعة طيلة فترة إمامة أهل بيت النبوة؛ في القرون الأول والثاني والثالث الهجرية؛ بدءاً بالإمام السجاد بن الحسين (ع) وانتهاءً بالإمام المهدي بن الحسن العسكري (ع)؛ بالتآمر على الأئمة وعلى خط الإسلام الأصيل؛ بالتعاون مع الجيوب الفارسية المجوسية التي كانت تكيد بأهل البيت. فكان فقهاء الشيعة ومحدثوهم ومتكلموهم يسوغون للحكام الأمويين والعباسيين ممارساتهم وجرائمهم في كل المجالات؛ الدماء والأعراض والأموال، من خلال ما يصدرونه من فتاوى تكفيرية إرهابية وما يكتبونه من كتب تحمل فكراً ومعتقدات تكفيرية إرهابية.

كما كان فقهاء الشيعة يجبرون الحكام العباسيين على عدم السماح للمذاهب غير السنية بالظهور والإعلان عن نفسها؛ حتى نجحوا أخيراً في إجبار الحاكم العباسي المنتصر بالله على إغلاق باب الاجتهاد وحصر المذاهب الإسلامية في المالكية الحنفية والشافعية والحنبلية فقط. وبهذا تسبب التآمر الشيعي والتمويل الفارسي في منع الترويج للمذهب الجعفري؛ وهو مذهب آل البيت وامتداد الإسلام الأصيل، وبات المسلم المتمذهب بفقه آل البيت مضطهداً ومحارباً ومشروعاً للقتل والحبس.

والأنكى؛ إن قادة التشيع العربي كانوا يجبرون الحكام الأمويين والعباسيين بقوة السلاح؛ لمحاصرة أئمة أهل البيت وحبسهم واضطهادهم وقتلهم، في حين كان أتباع التشيع الفارسي يحرضون الحكّام على اضطهاد الشيعة العرب وقتلهم أو تشريدهم؛ بدوافع عنصرية شوفينية؛ للتخلص من منافسيهم الشيعة العرب، ولا سيما بعد تألُّق الحوزة العلمية الشيعية في قم بزعامة المرجع الديني الفارسي الشيخ ابن بابويه القمي ثم ولده الشيخ الصدوق؛ بهدف القضاء على الحوزة العلمية الشيعية في بغداد بزعامة المرجع الديني العربي الشيخ المفيد، ثم الشريف المرتضى والشيخ المرتضى. وبقي الصراع بين الحوزتين على أشده؛ حتى استطاعت المخابرات السلجوقية المخترقة من بعض عملاء الشيعة الفرس المجوس في بغداد من سرقة المرجعية الشيعية المركزية من العرب وإعطائها الى فارسي عميل اسمه الشيخ أبو جعفر الطوسي، والذي نقل الحوزة من عاصمة الرشيد العربية بغداد الى النجف عاصمة الإمام علي الهجينة؛ بحجة التخلص من إرهاب السلوكيات الإجرامية الدموية الطائفية التي قام بها السلاجقة في بغداد ضد الشيعة، بتحريك وضغط وتمويل عملاء الإمارة الفارسية الشيعية في طبرستان.

الشيعة يدفعون الأمويين والعباسيين لاضطهاد الشيعة

كان الاضطهاد الذي مارسه الأمويون ثم العباسيون ضد الشيعة العرب؛ بدفع من عملاء التشيع الفارسي؛ يتسبب في هروب أبناء أئمة آل البيت وذراريهم ومئات الآلاف من أنصارهم العرب الى بلاد فارس؛ فكان أتباع التشيع الفارسي يقومون بملاحقة ال البيت والشيعة العرب وقتلهم في الحواضر الشيعية، كخراسان والأهواز وري وطبرستان وقم وسبزوار وشيراز، بدون علم السلطات الأموية والعباسية في بلاد فارس. وردّاً على ذلك؛ كانت السلطات الأموية السنية ثم العباسية السنية، تقوم بملاحقة الشيعة الفرس المجوس، وتعتقلهم وتدفن الآلاف منهم أحياء، أو تبنيهم في أعمدة المباني؛ انتقاماً لعروبة آل البيت والعلويين، بل كان حكام آل أمية وآل العباس يشربون الخمر بجماجم آل البيت والعلويين، دون أن يعلموا بأن هذه هي جماجم العلويين، وذلك بسبب مكر الفرس وخداعهم؛ إذ كان الشيعة العرب وبمخططات فارسية يجلبون هؤلاء العلويين الى الحكام الأمويين أو العباسيين، ويستغفلون الحكّام بالقول بأن هؤلاء مرتدين وخارجين عن الإسلام ومناهضين للخلافة الشرعية؛ فيقوم الحكام بتعذيب العلويين وقتلهم ثم سلخ جلودهم وفقء عيونهم وتكسير جماجمهم ليشربوا بها الخمر، دفاعاً عن الإسلام.  كل ذلك بسبب التآمر الشيعي الفارسي المتحالف مع اليهود.

وخلال القرون الثالث والرابع والخامس الهجرية؛ تأسست حكومات ودول شيعية عربية في المغرب العربي (الأدارسة) ومصر (الفاطميون) وشمال العراق وبلاد الشام (الحمدانيون) وغيرها، إلّا إن أتباع التشيع الفارسي كانوا يحقدون أشد الحقد عليها؛ فقاموا بتجنيد عدد كبير من الشيعة العرب في هذه الدول لمصلحتهم ولتنفيذ مخططاتهم الطائفية العنصرية المجوسية؛ فكان هؤلاء العملاء الشيعة العرب ينخرون بناء هذه الدول والحكومات من الداخل، حتى تمكنوا من إضعافها.

ثم قام الشيعة العراقيون من عملاء التشيع الفارسي؛ خلال النصف الثاني من القرن السادس الهجري؛ بتجنيد قائد عسكري سني كردي، أصله من بلاد فارس ويقيم في تكريت بالعراق، هو صلاح الدين الأيوبي؛ بعد أن قدّموا له الإغراءات وهددوه أيضاً بكشف علاقته بالماسونية العالمية؛ فقام صلاح الدين مُكرهاً حيناً ومتأثراً حيناً آخر بأصوله الكردية الإيرانية المعادية للعرب، بتنفيذ مخططات الشيعة الإجرامية في تدمير الكيانات الشيعية العربية، بدءاً بالدولة الفاطمية في مصر، ثم بلاد الشام، ثم غرب وشمال العراق. وقد قتل صلاح الدين من شيعة شمال افريقيا ومصر وبلاد الشام والعراق ما يقرب من (250) ألف شخص (ما يعادل 25 مليون شخص في الوقت الحاضر)، واستحل الدماء والأعراض والأموال، وذلك بفتوى من كبار فقهاء الشيعة العراقيين، وفي مقدّمهم الشيخ محمد بن ادريس الحلي والشيخ ابن بطريق الأسدي والشيخ ورّام الحلي. بل أن صلاح الدين حين اعترض عليه بعض السنة الغيارى بسبب ذبحه المسلمين الشيعة بالجملة ودفنهم في المقابر الجماعية، وقتالهم من بلد الى بلد؛ بدلاً من محاربة الصليبيين الروم والبيزنطيين والفرنجة الذين يهددون تخوم البلاد الإسلامية ويغيرون عليها ويقتلون المسلمين باستمرار؛ فإنه استفتى فقهاء الشيعة في ذلك؛ للخروج من المازق الإجرامي الخياني الكبير؛ فأجابه المحدث الشيعي ابن ورّام الحلي: ((عليك بالقضاء على الشيعة الروافض أولاً؛ لأنهم عدو داخلي خبيث، وهم أكثر شرّاً وخطراً من الصليبيين الروم والبيزنطيين والفرنجة ومن اليهود)). فأخذ صلاح الدين يكرر هذه المقولة أينما ذهب، وهي في الواقع جملة قرأها فقهاء الشيعة في أذنه واستغفلوه، وهو ليس مسؤولاً عنها وعن الإبادة الجماعية الطائفية التي ليس لها نظيراً في التاريخ؛ إذ ذبح في ثلاثة أيام في مدينة حلب السورية (عاصمة الدولة الحمدانية) وما جاورها، أكثر من (40) ألف شيعي (ما يعادل أربعة ملايين شخص في الوقت الحاضر)، ثم مثل بجثثهم وأحرقها.

وقد أصابت الدهشة دول اوروبا جراء الزحف الأيوبي السريع وقدرته الفائقة على إرهاب الناس واستسهال قتلهم؛ فشكلوا لجنة مختصة في القسطنطينية للتحقيق في الموضوع؛ فتبيّن أن صلاح الدين الأيوبي كان يحظى بغطاء شرعي من الشيخ ابن ادريس الحلي زعيم الشيعة في الحلة، وإن الشيخ الحلي كان يرتبط بمخابرات سلطان مازندران الشيعي الفارسي ابن قارن؛ عبر الشيخ ابو الحسن الطبرسي، أحد فقهاء التشيع الفارسي، والذي كان يشجع بقوة ابن ادريس الحلي في دعمه لصلاح الدين الأيوبي. وكان ابن قارن يزود صلاح الدين بأخطر أنواع السلاح الناري، ويغدق عليه بالأموال من العملة البيزنطية الصعبة. كما كانت قواتٌ مما يعرف الآن بـ “المليشيا” الشيعية التابعة لنقيب الأشراف في خراسان السيد محمد بن يحيى الحسيني تقوم بدعم جيش صلاح الدين الأيوبي في المهمات القذرة وترافقه عند دخوله المدن، وتقوم بسرقة البيوت ثم تحرقها أو تهدمها على رؤوس ساكنيها، وتدمر المساجد والحسينيات، وتسرق الماشية والدواب، وتغير الطبيعة الديمغرافية لهذه المدن لمصلحة السنة، وتغتصب النساء بحجة زواج المسيار وجهاد النكاح. وكانت تحصل كل هذه التجاوزات دون علم صلاح الدين الأيوبي.

وحين علم بالأمر؛ انتقم من هذه “المليشيا” شر انتقام؛ إذ اكتشف صلاح الدين إن هذه الميليشيا الشيعية الفارسية تقوم بتدمير مقدّرات الشيعة العرب؛ لتشويه سمعته ولبث الفرقة والخلاف بينه وبين أشقائه الشيعة العراقيين. كما قام بقتل من تبقى من الشيعة العرب في مصر وبلاد الشام وشمال العراق عن أخرهم؛ للحيلولة دون تسرب أنباء اختراق المليشيات للجيش الأيوبي؛ ولكيلا ينقل الشيعة العرب حقيقة ما تعرضوا له من جرائم على يد “مليشيا” السيد محمد بن يحيى الحسيني الى أجيالهم اللاحقة؛ فتتشوه صورة صلاح الدين النقية الحضارية المدنية الطاهرة؛ لكونه استعان بمليشيا شيعية فارسية وأموال فارسية وأسلحة فارسية على قتل معظم الشيعة العرب.

تأسيس الشيعة للتيمية والوهابية

في النصف الثاني من القرن السادس الهجري، وبإيعاز من سلطان بلاد فارس محمد خدابنده وتخطيط مخابراته، وتحقيقاً لحلم سبق للشيخ نصير الدين الطوسي أن أسرّه لتلميذه العلامة إبن مطهر الحلي، والذي اصبح فيما بعد زعيم الشيعة في الحلة؛ فقد قام العلامة الحلي بتشكيل لجنة علمية عليا برئاسته، وعضوية عدد من كبار فقهاء الشيعة ومتكلميهم، كولده الشيخ فخر الدين الحلي وتلميذيه السيد عميد الدين الأعرجي والشيخ قطب الدين الرازي البويهي، وغيرهم من علماء النجف الأشرف وكربلاء وقم وخراسان؛ مهمتها التأسيس لعقيدة وفقه جديدين لأهل السنة والجماعة، تتعارضان والعقيدة السنية الأشعرية وتكفِّر القائلين بها، وتتعارضان وفقه المذاهب السنية المالكية والحنفية والشافعية، وتعمقان المنهج السلفي في المذهب الحنبلي.

وقد تمظهر هذا التأسيس في تأليف عدد من الكتب العقائدية والفقهية والحديثية التي تقول بتجسيم الله (تعالى)، وتكفر جميع المسلمين ممن لا يؤمنون بالعقيدة الجديدة، وتتهمهم بالارتداد والشرك، وتستحل ذبحهم وحرقهم وهتك أعراضهم واسترقاق نسائهم والاستيلاء على أموالهم وممتلكاتهم وأراضيهم، مع التشديد على معاداة الشيعة. وظل العلامة الحلي يبحث عن فقيه سني ليلقنه هذه العقيدة ولينشر هذه الكتب باسمه؛ بهدف إحداث فتنة وشقاق ونفاق وصراعات بين مذاهب المسلمين أنفسها من جهة، وبينهم وبين الشيعة من جهة أخرى، وصولاً الى هدف تمكين المغول والروم والفرنجة من بلاد المسلمين. أما الهدف النهائي فهو خلط الأوراق لمصلحة التشيع الفارسي المجوسي، كما ورد في أمر السلطان محمد خدابنده.

وبعد البحث والتقصي؛ رفض جميع علماء السنة هذا العرض، على الرغم من انه مغرٍ جداً؛ فهو يحقق للشخص الشهرة الكبيرة والخلود، كما يحقق له حماية من الدولة الفارسية المازندرانية، فضلاً عن حياةٍ مرفهة جداً. وأخيراً عثرت مخابرات السلطان محمد خدابنده على شيخ سني حنبلي يسكن دمشق، اسمه أحمد بن تيمية الحراني، والذي وافق فوراً على العرض. وأخبروا ابن مطهر الحلي بالأمر؛ فأرسل وراء ابن تيمية؛ فوجده الشخص المناسب بكل المعايير. وجلس ابن تيمية بضع سنوات عند ابن مطهر الحلي وهو يتلقى منه عقيدة التجسيم وفقه التكفير والقتل، ثم عاد ابن تيمية الى الشام ونشر الكتب باسمه؛ وهي الكتب التي سلّمها له العلامة الحلي، وأخذ يبشر بالعقيدة والفقه اللذين لقنه إياهما فقهاء الشيعة؛ إذ ظلت أفكار ابن تيمية كأفعى الكوبرا التي تبث سمومها بعنف بين المسلمين وتفرقهم طرائق قددا.. متقاتلين متصارعين؛ وكوباء الجرب الأسود الذي ينتقل كالنار في الهشيم بين البشر الأصحّاء؛ فيدمر البشر ويهلك المدن والبلدان. وبذلك تحقق ما كان يهدف إليه فقهاء الشيعة وقادتهم وسلطانهم من وراء تسترهم وراء ابن تيمية.

ثم لعب الشيعة الدور نفسه مع تلاميذ ابن تيمية ومن جاء بعده، كابن مفلح والزرعي والذهبي وابن قيم الجوزيه والجويني وغيرهم؛ فقد احتضنونهم ولقنوهم مباديء التكفير والقتل والحرق والسبي والعدوان بكل أشكاله؛ فكانوا دعاة نجناء للفكر الذي بثه فقهاء الشيعة وزعماؤهم من خلالهم؛ خدمة لأهداف التحالف الشيعي الفارسي اليهودي الماسوني.

وفي العام 1723 م، وبعد طول عناء وبحث من الفقيه الشيعي الشيخ يوسف البحراني، وجد الأخير ضالته في محمد بن عبد الوهاب، وهو شيخ طموح وذكي ومن أسرة دينية سنية تتبع المذهب الحنبلي؛ فأوعز ملك بلاد فارس الشاه حسين الصفوي الى استخباراته والى مرجعية النجف باتخاذ ما يلزم مع محمد بن عبد الوهاب بالصيغة نفسها التي فعلها ابن ادريس الحلي مع صلاح الدين الأيوبي، وفعلها العلامة الحلي مع ابن تيمية. ولكن هذه المرة كانت أوامر إمبراطور بلاد فارس مشددة جداً، وتقضي بإيجاد شريك سياسي لمحمد بن عبد الوهاب، كيلا تفشل تجربة صلاح الدين الأيوبي؛ لأنه لم يكن يمتلك شريكاً دينياً حقيقياً، أو تجربة ابن تيمية الذي لم يكن يمتلك شريكاً سياسياً.

ومن محاسن الصدف أن تعثر الاستخبارات الصفوية في الوقت نفسه على قاطع طريق من نجد نصّب نفسه أميراً، اسمه محمد بن سعود. ومما زاد من فرح الاستخبارات الصفوية التي هي مظهر للتشيع الصفوي الفارسي المجوسي؛ إن محمد بن سعود هو من أصول يهودية، واسم جده موردخاي؛ بالنظر للتحالف السرمدي الأبدي بين الشيعة واليهود، وبذلك ستكون يهودية محمد بن سعود عاملاً مساعداً لإنجاح الخطة الشيعية الصفوية.

وعقد اجتماع رباعي في النجف الأشرف في منطقة بادية النجف قرب قرية الرحبة في السادسة فجراً من أحد أيام عام 1744 م، حضره العالم الشيعي الشيخ يوسف البحراني ورئيس الاستخبارات الصفوية والشيخ محمد بن عبد الوهاب والأمير محمد بن سعود. وأعطيت الأوامر لمحمد بن عبد الوهاب بضرورة إحياء فكر ابن تيمية بكل قوة، وإضافة أفكار وأحكام وفتاوى أكثر تطرفاً وتشدداً ودموية، وأن يتحالف مع محمد بن سعود تحالفاً مصيرياً أبدياً، ويدعم حركته وزحفه بكل ما يحتاجه من فتاوى، وتكون السلطة الدينية للشيخ عبد الوهاب وذريته من بعده، وتكون السلطة السياسية لمحمد بن سعود، بصفته أميراً وملكاً فيما بعد، ثم لذريته من بعده. وأعطيت الأوامر لمحمد بن سعود للتحرك على أعراب البادية؛ لتكوين جيش ديني قبلي بدوي منهم؛ وفقاً لفتاوى ابن تيمية وما سيصدره ابن عبد الوهاب من فتاوى تكفر جميع المسلمين وتستحل دماءهم وأعراضهم وأموالهم وبلدانهم؛ إلّا من دخل في العقيدة الوهابية وبايع الدولة السعودية. وتم تزويد محمد بن عبد الوهاب بمئات الفتاوى التكفيرية الدموية الجاهزة التي كتبها له فقهاء الشيعة في النجف، وأمروه بإصدارها باسمه، إضافة الى بعض الكتب العقيدية والفقهية الجاهزة التي سينشرها باسمه أيضاً.

وشدد المرجع الديني الشيعي ورئيس الاستخبارات الصفوية على أهمية تحقيق أهداف التشيع الصفوي من خلال تحالف محمد بن سعود ومحمد بن عبد الوهاب؛ ومن أهمها: تحويل البلدان الإسلامية الى ساحات للفتن والصراعات والاقتتال والاحتقان المذهبي والطائفي والقومي، وتمزيق نسيجها الاجتماعي، وإعادة المسلمين الى عصور الجاهلية في عاداتهم وتقاليدهم وأفكارهم، ونشر الكراهية بين المسلمين، وإلغاء أي مقدس في معتقدات المسلمين وأفكارهم، وإعادة الحياة لفكر النواصب الذين يعادون آل البيت، وتقديم صورة بشعة لغير المسلمين عن الإسلام والمسلمين؛ ليكرهوا الإسلام ويحتقروا المسلمين، وغيرها من الأهداف الإستراتيجية والتكتيكية التي سترسل الى الحلف الوهابي السعودي فيما بعد. وتم تسليم مبالغ طائلة من الحقوق الشرعية الشيعية ومن خزينة الدولة الإيرانية الى طرفي الحلف للقيام بمهمامهما فوراً.

وبالفعل قام الحلف الوهابي السعودي بأداء دوره المذكور بدقة، وحولوا الجزيرة العربية الى أنهار من الدماء والى ساحة للسلب والنهب وانتهاك الأعراض. ثم قامت قوات التحالف الوهابي السعودي عام 1802 م بالهجوم على النجف الأشرف وكربلاء؛ لهدم مرقدي الإمام علي والإمام الحسين، بأوامر سرية من المرجعين الدينيين في النجف السيد مهدي بحر العلوم والشيخ جعفر كاشف الغطاء، وبتوجيه وتمويل وتخطيط من الاستخبارات الفارسية القاجارية. وقد قتل في الهجمات أعداد كبيرة من شيعة العراق، وتم تدمير معظم معالم كربلاء؛ حتى اصطبغت أرضها بلون الدماء.

وبعد فترة من التراجع والمد والجزر؛ عاد التحالف الوهابي السعودي بقوة أكبر بقيادة عبد العزيز آل سعود، وبفضل فتاوى المفتي الأكبر الوهابي وقوات البدو الأعراب المسماة بجيش الإخوان الذي استباح كل شيء وأحل كل محرم؛ ليستولى على معظم إمارات ومناطق الجزيرة العربية وأعلن دولة المملكة الوهابية السعودية عام 1932 م. وكان ذلك بدعم وتخطيط وتمويل مشترك من المرجعية الشيعية في النجف ممثلة بشيخ الشريعة الإصفهاني والشيخ الميرزا النائيني والسيد أبو الحسن الإصفهاني والدولة البهلوية الإيرانية التي قدّمت كل ما يحتاجه عبد العزيز آل سعود لنشر العقيدة الوهابية.

وقبل ذلك؛ كان فقهاء النجف الأشرف قد أجبروا مفتي السعودية ومشايخ المدينة المنورة، وبتهديد السلاح، لإصدار فتوى بهدم مراقد أئمة أهل البيت (ع) في مقبرة البقيع في المدينة المنورة ومعها قبور عشرة آلاف علوي وهاشمي وصحابي وتابعي؛ فتم هدمها عام 1925 م بمعاول وفؤوس أرسلتها إليهم الاستخبارات الإيرانية الصفوية المجوسية، عبر ميليشياتها الشيعية المتمركزة في جنوب العراق وجنوب لبنان.

منهج الوهابي في قراءة عصر الشيعة الجديد

في عام 1979 م قرّر الفرس الصفويون تغيير نظام دولتهم في إيران من الملكية الوراثية الى الجمهورية الإسلامية؛ تتويجاً لمؤامرة شعبية كبرى قادها المرجع الديني الشيعي السيد روح الله الموسوي الخميني. وقاموا بتأسيس مجموعة من الأجهزة السياسية والتنظيمية والإعلامية والأمنية والاستخباراتية والعسكرية، مهمتها تجنيد القادة والمسؤولين العرب والأجانب من مسلمين وغير مسلمين؛ لتحقيق أهداف الدولة الصفوية الجديدة؛ فقامت هذه الأجهزة الإيرانية ـ ابتداءً ـ باختراق مخابرات وحكومات خمسة دول: الولايات المتحدة الامريكية والكيان الإسرائيلي والعراق وإيران وروسيا، وتجنيد كثير من قادتها ومسؤوليها، وبدأت في تنفيذ مخططها في تدمير العالم الإسلامي وضرب المسلمين ونشر الفوضى في منطقة الشرق الأوسط، وتمزيق القومية العربية، التي كانت دولها وحكوماتها وأحزابها و زعماؤها، يعيشون أعظم حالات الوحدة والتكاتف والتعاضد والتضامن والتعاون والتضحية المتبادلة والقرار المشترك، قبل تأسيس دولة الخميني الصفوية في ايران. ولكن بفعل التآمر الشيعي الفارسي اليهودي الأمريكي الماسوني المشترك، والذي قادته إيران؛ انهارت هذه الوحدة، وضعف الوطن العربي الواحد، وتحولت بلدانه الى ساحة للصراعات والدمار والانقلابات والاقتتال والغزو المتبادل.

وكانت المخابرات الإيرانية الصفوية قد أوعزت لعمليها صدام حسين بشن الحرب على إيران، متذرعة بأعمال مسلحة قامت بها مليشيا شيعية عراقية يقودها عميلها المرجع الشيعي السيد محمد باقر الصدر لإسقاط عميلها صدام حسين. كما أمرت عميلها الرئيس الأمريكي رونالد ريغان بإعطاء الضوء الأخضر لصدام بشن الحرب. وهكذا شن الرئيس العراقي صدام الحرب على إيران عام 1980 واستمرت ثمان سنوات؛ بهدف إسقاط الجمهورية الإسلامية الشيعية في إيران الفارسية المجوسية. بينما أمر حرس الثورة الصفوي عملاءه من آل سعود؛ ولاسيما الملك فهد ووزير الخارجية سعود الفيصل ومدير المخابرات وغيرهم، بدعم صدام حسين في حربه ضد إيران بأكثر من (40) مليار دولار، وهو ما أمرت به إيران عملاءها في الدول الخليجية الأُخر أيضاً.

وأوعز مكتب الخميني الى مجلس قيادة الثورة العراقي بتهجير أكثر من نصف مليون عراقي شيعي الى إيران؛ للاستفادة منهم في المخططات الإيرانية التخريبية داخل العراق. كما أوعز له بقتل المرجع الشيعي العراقي السيد محمد باقر الصدر وقتل مئات الفقهاء وعلماء الدين والخطباء في الحوزة العلمية في النجف الأشرف ومحاصرة آخرين واضطهادهم؛ بهدف تدمير الحوزة النجفية العربية لمصلحة الحوزة الفارسية في قم. وفي السياق نفسه أمرت المخابرات الإيرانية عملاءها في الأمن العام العراقي والمخابرات العراقية باعتقال وتعذيب وإعدام جميع الإسلاميين الشيعة العراقيين المرتبطين في الوقت نفسه بالمخابرات الإيرانية. وبالفعل وصل عدد من أعدمهم نظام صدام العميل لإيران الى حوالي (550) ألف شيعي عراقي صفوي عميل لإيران.

وفي الوقت نفسه أوعزت إيران لعميلها الرئيس السوفيتي بريجينيف باحتلال افغانستان عام 1979، بحجة حماية حكومة بابرك كارمل الشيوعية الأفغانية من تخريب المتطرفين الإسلامين عملاء إيران. وقامت المخابرات الإيرانية وقوات حرس الثورة الصفوية بتأسيس مجاميع جهادية في أفغانستان ذات عقيدة وهابية. وكان الرابط معها هو عميل إيران عبد الله عزام. وأوعز حرس الثورة الإيرانية الى المخابرات السعودية والمؤسسة الدينية الرسمية الوهابية بدعم هذه المجاميع بالمال والسلاح والفتاوى والتعبئة الإعلامية. كما جنّد الإيرانيون الصفويون سفير السعودية في واشنطن بندر بن سلطان لجلب الدعم الأمريكي الى هذه المجاميع، والقيام بعملية التنسيق. وكان الجنرال العربي في حرس الثورة الإيرانية علي شمخاني هو المسؤول المباشر عن الأمير بندر بن سلطان والأمير سعود الفيصل. أما العرب الأفغان؛ أي الجهاديون العرب الوهابيون العاملون في افغانستان ضد الوجود السوفيتي وحكومتها الشيوعية العميلة للاتحاد السوفيتي؛ فقد كانوا يرتبطون بمكتب حركات التحرر في إيران. وهو المكتب الذي استطاع النفوذ الى السجون المصرية وتجنيد عدد كبير من قادة جماعة التكفير والهجرة؛ وفي مقدمهم أيمن الظواهري.

وفي وقت لاحق جنّد عملاء إيران في السودان الزعيم الوهابي السعودي أسامة بن لادن، ثم عقدت المخابرات الصفوية تحالفاً بين الظواهري وبن لادن لتأسيس منظمة القاعدة. وبقيت ترعى هذه المنظمة رعاية كاملة؛ حتى عثرت على مجاميع من الطلبة الدينيين الأفغان الذين يتعلّمون في المدارس الوهابية في باكستان؛ فنصّب الإيرانيون أحد هؤلاء واسمه الشيخ عمر قائداً عليهم، وأطلقوا عليهم اسم “حركة طالبان”. ثم أسسوا تحالفاً بين طالبان والقاعدة لاحتلال افغانستان وتأسيس إمارة وهابية تكفيرية فيها، وهو ما نجح فيه الإيرانيون بالفعل عام 1995 م. وأول أمرٍ أصدره حرس الثورة الصفوية لحكومة طالبان العميلة له، هو قتل تسعة دبلوماسيين إيرانيين صفويين في كابل، بهدف خلط الأوراق. كما أصدر حرس الثورة لجماعة طالبان بالقيام بإبادة جماعية للشيعة الأفغانيين عملاء إيران في مناطق الهزارة وفي العاصمة كابل؛ بهدف تعبئة شيعة العالم طائفياً ضد السنة؛ بحجة أن طالبان والقاعدة هما جماعتان سنيتان.

وفي لبنان؛ طلبت إيران من حلفائها اليهود الإسرائيليين احتلال لبنان، بهدف دفع شيعته للتوحد في إطار مليشيا واحدة تكون مرتبطة بإيران مباشرة، حيث تم خلال الاحتلال اللبناني عام 1982 م تأسيس مليشيا حزب الله العميل. وكانت إيران من خلال هذه المليشيا تقوم بقتل الشيعة والسنة معاً في لبنان؛ لتأجيج الفتنة الطائفية وتحويلها الى صراع مسلح دائم.

الشيعة يدفعون الوهابيين لتكفير الشيعة وقتلهم

الاختراق الأهم الذي بدأه الشيعة منذ مطلع الثمانينات ولايزال مستمراً بكل قوة ودقة واتساع نوعي وعددي، هو اختراقهم للدولة الوهابية السعودية بكل تفاصيلها؛ فقد قامت الجماعات الشيعية العراقية واللبنانية والبحرينية والباكستانية، وبإشراف مباشر وتخطيط وتمويل من مكتب حركات التحرر في حرس الثورة الصفوية، ثم قوات القدس الإيرانية التي يقودها الجنرال قاسم سليماني، باختراق معظم أجهزة الدولة السعودية، كما ذكرنا في فقرة سابقة، ولا سيما مكتب الملوك خالد وفهد وعبد الله وسلمان، والمخابرات السعودية واستخبارات الجيش واستخبارات الحرس الوطني ووزارة الخارجية ووزارة الداخلية ووزارة التربية ووزارة التعليم العالي ومعظم جامعاتها وهيئة كبار علماء المسلمين ومعظم مساجد السعودية وخطبائها وهيئاتها الدينية.

واستثمرت الأجهزة الإيرانية كل هذه الاختراقات لتأسيس الجماعات الإرهابية والتخطيط لها ودعمها ودفعها للقيام بالعمليات الإرهابية في أكثر من بلد، بدءاً بباكستان والهند وافغانستان، ثم لبنان وسوريا ومصر وليبيا وتونس والجزائر وكينيا ونيجيريا والصومال، وانتهاءً بفرنسا وبريطانيا وأمريكا، مروراً بإيران نفسها، إضافة الى تزويد هذه الجماعات بما تحتاجه من مصادر وكتب وفتاوى لابن تيمية وابن مفلح والذهبي والشوكاني وابن القيم والجويني وابن عبد الوهاب والآلوسي والخطيب والألباني وابن باز وعبد العزيز آل الشيخ وابن عثيمين والفوزان وابن جبرين والوصابي وغيرهم، وهي كتب وفتاوى تم طبع معظمها في قم وطهران والنجف والضاحية الجنوبية لبيروت.

كما كلّفت قوات القدس الصفوية عدداً كبيراً من علماء الدين والمشايخ الشيعة في إيران والعراق ولبنان والبحرين وسوريا واليمن، بكتابة آلاف الخطب التي تدعو الشباب الوهابي السعودي وغير السعودي لتكفير المسلمين والقيام بالعمليات الإرهابية والانتحارية المنظمة والمستمرة ضد المسلمين وغير المسلمين، تحت مسمى الجهاد، ولا سيما ضد الرافضة الشيعة، بعد التشديد على تكفيرهم وذبحهم وسلخ جلودهم وحرقهم والتفنن في تعذيبهم.

وسُلّمت هذه الخطب الى أئمة المساجد في كل أنحاء السعودية وكل المساجد والمؤسسات الوهابية في العالم؛ فقام هؤلاء الخطباء مكرهين أو مستغفلين بقراءة هذه الخطب في جموع المصلين بعد كل فريضة، أي خمس مرات في اليوم. وهدّد حرس الثورة الصفوية هؤلاء الخطباء بقطع رواتبهم أو طردهم من وزارة الأوقاف السعودية والهيئات الدينية الرسمية في حال لم يقرأو هذه الخطب، وبحماس منقطع النظير، يتخلله افتعال التأثر الشديد بموضوعات الخطب، وخاصة خلال الحديث عن الدعوة للتكفير والتفخيخ والتفجير والذبح والانتحار والسلب والنهب وسبي النساء وجهاد النكاح والدعاء على الشيعة، ثم التباكي والتشنج، وصولاً الى تكسير العصي والمايكرفونات واللوحات إذا اقتضى الأمر. كما قامت الأجهزة الإيرانية المختصة بكتابة جميع المناهج الدراسية لمدارس السعودية وجامعاتها الرسمية والأهلية، وخاصة المناهج الدينية والتاريخية والاجتماعية والإنسانية والأدبية.

ثم بادرت مؤسسة الإذاعة والتلفزيون الإيرانية الى تأسيس العديد من القنوات التلفزيونية التكفيرية الوهابية، منها قناتي وصال وصفا. كما شكّلت المؤسسات الإيرانية المحلية والعالمية المختصة، كوزارة الإرشاد ومنظمة الثقافة والعلاقات ومنظمة الإعلام الإسلامي ومجمع أهل البيت ومجمع التقريب بين المذاهب؛ لجنة عليا في العام 1994، برئاسة عالم الدين الصفوي الدولي الشيخ محمد علي التسخيري، مهمتها تأليف ونشر وإعادة طباعة آلاف الكتب المعادية للتشيع وأهل البيت، والتي تكفِّر الشيعة وتبيح دماءهم وأعراضهم وأموالهم. ونُسبت هذه الكتب الى مؤلفين وهابيين سعوديين وغير سعوديين، دون علمهم؛ لأنها لاتحتاج الى إذنهم، باعتبارهم مجنّدين في قوات القدس والمخابرات الإيرانية. وعلى الرغم من أن هذه الكتب طبعت في قم وطهران والنجف وضاحية بيروت الجنوبية، إلا أن اللجنة كتبت عليها أسماء دور نشر في مكة والمدينة والرياض وجدة وعمّان والقاهرة.

القراءة التيمية للصدمة التاريخية العراقية

في عام 2003 م سقط نظام حزب البعث في العراق، بمؤامرة صفوية، من خلال عملاء إيران من الأمريكان والبريطانيين والسعوديين؛ بعد أن استنفدت الحكومة الإيرانية الصفوية أغراضها من بطل التحرير القومي العربي صدام حسين ونظامه العروبي الشوفيني. وأخذت أجهزة المخابرات الإيرانية واستخبارات حرس الثورة وقوات القدس، تدعم الجماعات السنية المتطرفة والتكفيرية القائمة، وخاصة تنظيمات حزب البعث والنقشبندية والقاعدة. كما أسست جماعات جديدة كهيئة علماء السنة، وسلمتهم الأموال والسلاح والخرائط والخطط للقيام بالتفجيرات في المناطق الشيعية وباغتيال الشخصيات الشيعية. وكان ممن اغتالهم الإيرانيون الصفويون عدد مهم من عملائهم، أبرزهم زعيم المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق السيد محمد باقر الحكيم، واثنين من قادة حزب الدعوة، هما عز الدين سليم والشيخ مهدي العطار، بهدف إفساح المجال أمام العملاء الأكثر ارتباطاً بنظام ولاية الفقيه.

وفي المقابل؛ دعمت الدولة الإيرانية الصفوية العملية السياسية في عراق ما بعد عام 2003، وساندت الجماعات الشيعية العراقية بكل ما تستطيع للسيطرة على الدولة العراقية واستلام الحكم فيها، ولولاها لما استطاع شيعة العراق تحقيق أياً من أهدافهم. كما دعمت المرجعيات الشيعية الفارسية في النجف ممثلة بالمرجع الأعلى علي السيستاني، الذي كان ينفذ إملاءات القيادة الإيرانية الصفوية، وهو الذي أفتى بتفجير مرقدي الإمامين علي الهادي والحسن العسكري في سامراء؛ لكي يشعل فتنة طائفية كبيرة بين الأشقاء السنة والشيعة. وقد نفذ العملية مجموعة من العملاء المقربين للجنرال الفارسي المجوسي قاسم سليماني، يقودها أبو مصعب الزرقاوي، وهي مجموعة تنتمي لمنظمة القاعدة، فيها عراقيون وسعوديون وأردنيون وباكستانيون.

وفي هذه الفترة تنكّرت إيران لجميع عملائها الشيعة، واختارت عميلها نوري المالكي لرئاسة حكومة العراق؛ فقام بمهمته الطائفية في ضرب السنة وتحويل الحكم في العراق الى حكم شيعي صفوي. وهو ما جعل زعيم الدولة الإيرانية الصفوية علي الخامنئي يضغط على جميع عملائه من الكرد والسنة والشيعة والأمريكان باتجاه بقائه على رأس الحكومة والقيادة العامة للقوات المسلحة لأكثر من دورة.

وعندما استنفدت إيران أغراضها من تنظيم القاعدة، وتخلصت من عميلها أبي مصعب الزرقاوي الأردني؛ بادرت الى تأسيس تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام المعروف (داعش) في العام 2009، واختارت لقيادته إبراهيم البدري، وهو أحد عملائها الذين جندته المخابرات الإيرانية خلال وجوده في معتقل بوكا عام 2005، وأطلقت عليه اسم ((أبو بكر البغدادي))، ودعمته بالسلاح والأموال والخطط والرجال. ونشط عناصر داعش بعد عام 2011 في غرب العراق وشرق وشمال سوريا؛ وتحديداً في الرقة السورية والأنبار وصلاح الدين ونينوى وديالى وكركوك العراقية.

كان هذا النشاط يجري بقوة خلف ما عرف بساحات الاعتصام التي قام بها مجموعة من عملاء إيران السنة يتقدمهم رافع العيساوي وطارق الهاشمي وغيرهما. وكانت إيران تجبر المخابرات السعودية والقطرية والتركية والأردنية لدعم ساحات الاعتصام بالأموال والسلاح والإعلام، كما كان عملاء إيران من الإعلاميين والباحثين الشيعة العراقيين يقومون بكتابة الشعارات التكفيرية والإرهابية التي يرددها المتظاهرون في ساحات الاعتصام، والخطب التي يلقيها رجال الدين وشيوخ العشائر والسياسيين في ساحات الاعتصام، والتي تشتم الشيعة وتكفرهم وتهددهم بقطع الرؤوس وهدم البيوت واستعادة بغداد من الصفويين وعملاء إيران. وحين انتهت إيران من تحقيق أهدافها من ساحات الاعتصام؛ بعد أن أعدّت داعش لعمل عسكري نوعي وشكّلت ما عُرف بجبهة ثوار العشائر السنية؛ فإنها أمرت عميلها نوري المالكي بفض الاعتصامات نهائياً.

ومنذ مطلع عام 2014 م؛ بدأت إيران الصفوية بتحريك داعش الوهابية لاحتلال مناطق السنة في العراق الواحدة تلو الأُخر، بالتحالف مع أجنحة حزب البعث وجيش النقشبندية وثوار العشائر وبقايا القاعدة وهيئة علماء السنة وبعض السياسيين السنة المنخرطين في العملية السياسية في العراق. وبالغت إيران في دعمها لهذا التحالف الوهابي الإرهابي التكفيري؛ حتى مكّنته من احتلال الرمادي والفلوجة وبيجي والموصل وتلعفر وتكريت وبعقوبة والمقدادية وأجزاء من كركوك. وكانت العمليات الإرهابية التي يقودها جنرالات فرس مجوس، تركز على ذبح الرجال وسبي النساء وتجويع الأطفال وتفخيخ البيوت وتدمير السدود وقطع المياه وتخريب المزارع والاستيلاء على حقول النفط، مستعينين بفتاوى كتبها الفقهاء الشيعة، لكنهم نسبوها الى مشايخ الوهابية في السعودية.

وظل سليماني يصدِّر النفط العراقي على يد داعش وعبر عملائه في كردستان العراق الى عملائه في تركيا، بأسعار بخسة، بهدف تمويل داعش بجزء منها وتمويل المليشيات الشيعية العملية له أيضاً بجزء آخر منها. كما كان قوات القدس الصفوية تضع عملاءها المستشارين العسكريين والاستخباراتيين الأتراك والسعوديين والبعثيين في واجهة تحرك داعش، لتغطي على تواجد ضباطها بينهم.

وفي الوقت نفسه أمرت إيران المليشيات الشيعية المرتبطة بها، لاسترجاع المناطق التي سيطر عليها داعش، ودعمتها بمليارات الدولارات وبأقوى أنواع السلاح والمستشارين والخطط العسكرية، بهدف إبقاء العراق مشتعلاً وضعيفاً ومحطماً؛ تنفيذاً لرغبات ملالي قم وطهران المريضة؛ فكان الجنرال قاسم سليماني يبيت ليلة مع داعش ليخطط لهم ويقودهم، ويبيت الليلة الثانية مع المليشيات الشيعية ليقوم بالدور نفسه.

مفارقات الفنتازيا الوهابية

في العام 2011 م قامت اللجنة العليا لقيادة الهلال الشيعي التي تترأسها إيران، والمشكّلة من شيعة العراق ولبنان وسوريا وإيران؛ قامت بإشعال الدولة السورية، عبر عملائها في المعارضة السورية. وظلت اللجنة تدير المعركة ضد عميلها بشار الأسد ونظامه البعثي القومي العلوي الطائفي. كما أمرت اللجنة عملائها في الحكومات التركية والسعودية والقطرية بتنظيم عمل المعارضة السورية ودعمها وتمويلها، وجرِّها بالتدريج الى أعمال العنف المسلح والمواجهة العسكرية. وكانت إيران تحرك داعش من خلال المخابرات السورية، التي ظلت تشرف على عمل داعش مباشرة.

ثم حرّكت إيران عميلتها جبهة النصرة، وهي واجهة تنظيم القاعدة، للقيام بمواجهة عسكرية ضد عميلها تنظيم داعش؛ للإيقاع بين الأشقاء الوهابيين، ودعمت الطرفين للتسبب في مزيد الضحايا، ثم جمّدت القتال ووزعت مساحات النفوذ بين الطرفين. وخلال ذلك أوعزت لجنة الهلال الشيعي الى عملائها المشايخ الوهابيين بتصعيد لهجة الخطاب التكفيري الإرهابي الطائفي، والإفتاء بتدمير مراقد الأنبياء وأهل البيت وصحابة رسول الله والتابعين والأولياء في سوريا، فضلاً عن كثير من الآثار الإسلامية والمساجد والحسينيات. وعلى الفور نفّذ عملاء إيران في جبهة النصرة وتنظيم داعش وجند الشام وغيرها عمليات الاستهداف والتدمير والحرق لهذه المعالم والمراقد والمشاهد الدينية.

كما أوعزت إيران الى عميلها حسن نصر الله الذي يتزعم مليشيا حزب الله اللبناني، والى عملائها في العراق؛ وخاصة حكومة المالكي ومليشيا حزب الدعوة ومنظمة بدر وعصائب أهل الحق وكتائب الإمام علي وكتائب سيد الشهداء وكتائب حزب الله ولواء أبي الفضل العباس، للقيام بأعمال دفاعية مسلحة ضد الجماعات التكفيرية الوهابية التي كانت تهدف الى تدمير المراقد والمعالم الإسلامية في دمشق وريفها. وكان الطرفان الشيعي والوهابي يستندان معاً في حربهما الى فتاوى من مراجع النجف وقم.

وفي مقابل الهلال الشيعي؛ قامت إيران بتشكيل طوق سني لمواجهة الهلال الشيعي الذي تقوده، وضم أنظمة تركيا والسعودية وقطر والأردن والإمارات ومصر، وحكومة فلسطين، وجماعات المعارضة السورية وداعش والنصرة والإخوان المسلمين وحماس والجماعات السنية في لبنان وثوار العشائر السنية وهيئة علماء السنة والكتل السنية العراقية المنخرطة في الحكومة. وإذا كان هدف إيران من تشكيل الهلال الشيعي مفهوماً؛ بهدف تنظيم حركة جبهة المقاومة والممانعة في الشرق الأوسط؛ فإن تشكيلها للطوق السني المعادي للشيعة، لا يزال مبهماً حتى اللحظة.

وخلال هذه السنوات الخمس ( 2011 – 2015 م)، ظلت اللجنة العليا لقيادة الهلال الشيعي بزعامة إيران، مسؤولة عن جميع عمليات غسيل الأموال وخفض أسعار النفط وتدمير اقتصاديات الدول النفطية وتهريب المخدرات، وعن زعزعة استقرار البلدان العربية والإسلامية وتزوير الواقع السياسي والانتخابات في كثير منها عبر الإعلام والتآمر السياسي والمال الحرام، وعن حالات الاحتراب الاجتماعي بين المكونات المذهبية والدينية والقومية والفكرية في المنطقة، وعن وسائل الإعلام المضللة التي تنشر الرذيلة والفساد والانحطاط من جهة، والإرهاب الفكري وثقافة التكفير والشحن الطائفي من جهة أخرى، وعن الاختراقات المسلحة لما يسمى بثورات الربيع العربي في تونس ومصر وليبيا واليمن، وعن التفجيرات وعمليات الاغتيال وأعمال العنف ضد السنة والشيعة واليهود والمسيحيين في كثير من بلدان العالم، ولاسيما في إيران وسوريا والسعودية وتركيا وافغانستان وباكستان والهند ولبنان والكيان الإسرائيلي ولبنان ومصر وتونس وامريكا وكينيا وفرنسا وروسيا ونيجيريا والصومال والبحرين واليمن والكويت، من خلال الجماعات الوهابية السلفية الجهادية العميلة لها، على مختلف أسمائها ومسمياتها، أمثال: القاعدة وطالبان أفغانستان وطالبان باكستان وجيش الصحابة وقوات عمر وجند الشام وداعش والنصرة وثوار العشائر وجماعة علماء السنة وبوكو حرام والشباب وجيش النقشبندية وأنصار الإسلام وأنصار الشريعة، وهي جماعات وهابية تيمية جهادية تكفيرية، تنتمي الى الجبهة السعودية، وخرجت من عباءة المخابرات السعودية والأمريكية والقطرية والتركية، وتُموَّل وتُحرَّك منها، ولكنها في الواقع تأتمر بأوامر النظام الإيراني الشيعي الطائفي الفارسي المجوسي.

فكيف كان يتم ذلك؟! الجواب نجده عند مشايخ العقيدة الوهابية ومخابرات آل سعود ووسائل الإعلام الممولة سعوديّاً.

ومن هنا؛ فقد ظلّ ذكاء الهلال الشيعي ناجحاً في توجِيه الأنظار وأصابع الاتهام في التخطيط لكل هذه الأعمال وتحريكها وتمويلها وتنفيذها؛ نحو تركيا والسعودية وقطر والكيان الإسرائيلي، ويقدم جميع الوثائق الدامغة التي تثبت ذلك.

ومن خلال التدقيق والتحقيق والبحث والدراسة والتصحيح والتمحيص والفحص، على وفق فنتازيا التدوين التاريخي والعقيدي والفقهي لابن تيمية وامتداداته العبقرية؛ أمثال: الذهبي وابن القيم والشوكاني والجويني وابن عبد الوهاب والآلوسي ورشيد رضا والألباني وابن باز وابن عثيمين وآل الشيخ والوصابي؛ يظهر أن الشيعة بحكوماتهم وأحزابهم وعلمائهم وعوامهم، ليسوا مجرد كفار ومشركين ومنافقين ومرتدين ومنحرفين وحسب؛ بل أنهم مجانين ومرضى نفسيين وفوضويين وعبثيين، وبلا هدف في الحياة؛ فلا يستحقون القتل وحسب؛ بل يجب اقتلاعهم واقتلاع دينهم من الجذور. وبعد قتلهم عن آخرهم وحرق جثثهم، يتم تطهير الأراضي التي عاشوا فيها بكل أنواع المطهرات الشرعية والطبيعية والكيمياوية؛ لأن الشيعة قومٌ عجبٌ؛ فهم يتآمرون على أنفسهم، ويستأجرون مرتزقة وهابيون مغفّلون ويعطونهم الفتاوى والسلاح والأموال ليقتلوا أنفسهم بها، ويبنون الصروح والمباني والمساجد والحسينيات والمعسكرات، ويستأجرون الوهابيين الانتحاريين ويعطونهم كل ما يحتاجون لتدميرها، ويخططون ويدفعون الى الوهابيين ثمن تخريب بيوتهم وبلدانهم واحتلال أراضيهم واغتصاب نسائهم والاستيلاء على أموالهم، ويكتبون الكتب والأفكار والفتاوى التكفيرية الإرهابية ويجندون الوهابيين لتطبيقها ضد أنفسهم، كما يخصصون مؤسسات وأموال طائلة لنقض هذه الأفكار وتفنيدها وتسخيف تلك الفتاوى، ويؤسسون المنظمات الشيعية والسنية المسلحة لحماية أنفسهم وحماية المسلمين من الجماعات المسلحة الوهابية الإرهابية التكفيرية التي أسسوها هم أيضاً أو استأجروها.

latest video

news via inbox

Nulla turp dis cursus. Integer liberos  euismod pretium faucibua

Leave A Comment