التأسيس للمنظومة الطائفية في تاريخ المسلمين

Last Updated: 2024/05/30By

التأسيس للمنظومة الطائفية في تاريخ المسلمين

د. علي المؤمن

الانشقاق الأساس

إذا كانت بعض العقائد والأفكار تحمل التناقض أو بذور الخلاف والتفرقة في داخلها أو في تكوينها، فإن الإسلام على العكس من ذلك تماماً، إذ جاء رحمة للبشرية كافة، جاء ليوحدهم ويلم صدعهم ويردم ما يفصل بينهم من اختلاف وتمييز وتباين، على جميع المستويات. وفي كلمة للإمام علي(ع) حول الرسول محمد(ص)، يقول: «فصدع بما أُمر به، وبلَّغ رسالات ربّه، فلم الله به الصَّدع، ورتق به الفتق، وألّف به الشّمل بين ذوي الأرحام»(1).

ولكن بعد وفاة الرسول مباشرة، بدأت بوادر الانقسام الأول بالظهور بقوة في الواقع الإسلامي، بشكل ومضمون غير متوقعين، حيث اجتمع المسلمون في سقيفة بني ساعدة في المدينة، لاختيار من سيخلف رسول الله، قبل أن يتم دفن الرسول، وحين كان علي بن أبي طالب يقوم بدفن النبي ومعه عدد من آل البيت. وهنا بذرت بذرة الانقسام، وبدأ الانشقاق الأساس في الواقع الإسلامي، والذي تمحور حول من سيخلف رسول الله في قيادة المسلمين ورئاسة الدولة الإسلامية، واللتين تلخصتا في منصب «الخلافة».

وقد انقسم المسلمون المجتمعون في السقيفة – ابتداء – إلى ثلاث جماعات، إحداها مالت إلى أبي بكر، وأخرى إلى سعد بن عبادة (رئيس الخزرج)، والثالثة إلى علي بن أبي طالب، ثم انتهوا إلى جماعتين:

  • أكثرية، بايعت أبي بكر بالخلافة، وفيهم أغلب الصحابة، يتقدمهم عمر بن الخطاب، الذي لعب الدور الأساس في إقناع أغلب الجمع بمبايعة أبي بكر، ثم تبلورت هذه الأكثرية – فيما بعد – بما عرف بـ «أهل السنّة».
  • أقلية، رفضت بيعة أبي بكر، وأصرّت على أن علي بن أبي طالب هو صاحب الحق الوحيد بالخلافة، وضمّت الأسرة النبوية وبني هاشم وبعض المهاجرين والأنصار، ويقف على رأسهم الإمام علي نفسه، وتمخضت – فيما بعد – عما عرف بـــ «الشيعة».

وقد ساهمت رؤوس المعارضة للإسلام، يتقدمهم أبو سفيان عميد الأسرة الاموية، مساهمة فاعلة في تعميق الانشقاق والخلاف، إذ كان يدعو أبو سفيان عشيرته الى سرقة الزعامة والقيادة بقولته الشهيرة: ((تلاقفوها آل أمية))(2)، بل أنه بعد انتهاء اجتماع السقيفة، وخروج القيادة من آل البيت والأسرة النبوية، ذهب الى قبر الحمزة عم النبي (سيد شهداء العهد النبوي) ليركله برجله ويعلن النصر على الإسلام(3).

وهنا يمكن تسجيل عدد من الملاحظات على هامش مخرجات اجتماع السقيفة والمرحلة التي أعقبته:

  • إن الصراع على منصب إمامة المسلمين وقيادة دولتهم، لم يكن ليحدث لو تم الالتزام بنصوص رسول الله على من سيخلفه (4)، وهي نصوص ووقائع ينبغي أن تكون حاسمة وواضحة عند الصحابة.
  • إن الانشقاق تسبب في حرف المفهوم الديني لإمامة الأمة بعد رسول الله، وفي اختراع منصب دنيوي عنوانه “الخلافة”، في حين أن منصب “الإمامة” هو امتداد للنبوة، وهو منصب ديني ودنيوي، ومصداقه الحصري بعد الرسول هو علي بن ابي طالب. وربما يمكن هنا اعتبار هذا المفصل، بدايةً لتاریخ الممارسة العلمانیة عند المسلمین؛ فقد کان الخلیفة خلیفةً للنبي في البعد الزمني لشخصية النبي، أي خليفةً لرئیس الدولة وامتداداً للحکومة الزمنیة، ولیس خليفة للنبي في بعده الديني، في حين أن هذان المنصبان کان منصباً واحداً في عهد النبي، ولم يكن الفصل بينها بعد وفاة النبي، سوى قراراً سياسياً مقابل النص. وهذا الفصل بين المنصبين هو جوهر فصل السیاسة عن الدین، بعد أن أصبح حاکم المسلمین حاكماً سياسياً، وليس حاكماً سياسياً دينياً. بينما نصّ رسول الله علی استمرار وحدة المنصبین بعد وفاته، من خلال منصب الإمامة، الذي هو إمامة دینیة وسیاسیة، وامتداد للنبوة في بعديها الديني والدنيوي، وكان الإمام علي، وفق نصوص النبي، یمثل هذا الامتداد، إلّا أن إبعاده عن موقعه، خلق إشکالیة الممارسة العلمانیة التاريخية في واقع المسلمين.
  • بقیت عملیة الفصل مستمرة بين الموقعين الديني والزمني؛ حتی اتحدا ثانیة بانتخاب الامام علي خلیفة للمسلمین، إذ نصّب هذا الانتخاب الامام علياً حاکماً زمنياً للمسلمین، ولم ینصبه في موقع الإمامة الدینیة، لأن موقع الامامة الدینیة هو موقع منصوص عليه وذاتي وخاص بالامام علي والأئمة من بعده، وفق العقيدة الإمامية، ولا یفقده الإمام، حتى لو يكن حاکماً زمنياً للمسلمین. أي أن الإمام علياً کان في عهد الخلفاء الثلاث، یمتلك منصب الإمامة والخلافة الدینیة بالقوة والفعل، كما يمتلك منصب الخلافة السياسية بالقوة وليس بالفعل، ما يعني أنه کان الإمام الشرعي، ولکن لم یکن مبسوط الید. أما بعد استلامه زمام الخلافة السیاسیة، فقد اتحد المنصبان بالفعل مرة أخری، وبالتالي؛ کان انتخابه للخلافة تفعیلاً لموقعه الشرعي ولیس ؛عطاء الشرعیة له، أو بکلمة أُخری إعطاءه المشروعیة القانونیة لممارسة السلطة الزمنیة علی المسلمین. وقد استمر هذا الأمر (وحدة المنصب) في عهد الإمام الحسن.
  • بعد انتقال السلطة السیاسیة إلی معاویة في الظروف المعروفة تاریخیاً، انفصل المنصبان مرة أخری؛ فأصبح معاویة حاکماً سیاسیاً للمسلمین، ولکن بقي الحسن بن علي هو الامام الشرعي للمسلمین، إذ أنه تنازل عن السلطة السیاسیة ولم یتنازل عن منصب الإمامة، الذي هو منصب خاص وذاتي، وليس بيده أن يتنازل عنه.
  • تعرض عترة الرسول الى التدمير المعنوي والمادي، وهي التركة التي أوصى رسول الله المسلمين بالتمسك بها الى جانب القرآن الكريم(5).
  • سيطرة المعارضة للإسلام، والمتمثلة بآل أُمية، على حكم المسلمين، من خلال مروان بن الحكم صهر الخليفة عثمان، سيطرة مباشرة، الأمر الذي مهّد لسيطرتهم النهائية على مقدرات الإسلام والمسلمين فيما بعد.

ومع أن الإمام علي بقي يرى نفسه أحق بالخلافة الزمنية(6)، إلا أنه بذل كل سعيه لتجاوز آثار الخلاف، حفاظاً على وحدة الأمة، وكان يردد: ((لأُسالمنّ ما سلمت عليه أمور المسلمين))(7)، ويقول أيضاً: «وليس رجل – فاعلم – أحرص على جماعة أمة محمد وأُلفتها مني»(8)، واضعاً بذلك الأسس الأولى للتقريب والوحدة بين المسلمين، باتجاهاتهم الفكرية والسياسية المختلفة؛ إذ لم يكن يمانع من مد يد العون والمشورة والنصح للخلفاء الثلاثة، ولم يكن خلافه معهم سبباً في إيجاد الفرقة والنزاع بين المسلمين، وهو ما كان يحمل الخليفة الثاني عمر بن الخطاب على القول أكثر من مرة: «لولا علي لهلك عمر» و«لولاك لافتضحنا»(9).

والاتجاهات التي كان لها موقف من قضية “الخلافة”، انقسمت حيال محورها (الإمام علي بن أبي طالب) إلى أربع فئات رئيسية:

  • فئة بغت عليه وغالت في عدائه، وهم «الخوارج» و«النواصب»، وفي مقدمهم آل أمية.
  • فئة غالت في حبّه، وهم «الغلاة»، بل أن قسم منهم رفعوه الى مرتبة الإلوهية.
  • فئة ساوته بأبي بكر وعمر وعثمان، وقدّمتهم عليه في المنزلة، واعتبرت أن اتجاهها واقعي وينسجم مع التراتبية التاريخية، وهي مدرسة الخلفاء، أو من يطلقون على أنفسهم «أهل السنّة».
  • فئة عرفت حقّه في النص عليه كخليفة لرسول الله وإماماً دينياً ودنيوياً للأمة من بعده، ووالته عقدياً وواقعياً، وهم «الشيعة»، أي شيعة علي.

وربما لا يكون هذا التقسيم حقيقة مطلقة، بل بين فئاته ثمة تداخل أحياناً، ولكن نذكره هنا لتلخيص الصورة المعقدة التي كانت سائدة آنذاك. وفي هذا المقام يقول الإمام علي: «سيهلك فيّ صنفان: محبٌ مفرط يذهب به الحبّ إلى غير الحق، ومُبغضٌ مُفرطٌ يذهب به البغض إلى غير الحقّ، وخير الناس فيَّ حالاً النمط الأوسط فالزموه، والزموا السواد الأعظم فإن يد الله مع الجماعة، وإياكم والفرقة»(10).

وحين انتخب الإمام علي للخلافة، سعى لتجاوز الماضي، ولفت أنظار المسلمين إلى ما يحيق بهم من مخاطر، وإلى واقعهم الصعب، فيقول عندما يسأله رجل عن رأيه بأمر الخلافة بعد وفاة الرسول: «كانت أثرة شحت عليها نفوس قوم، وسخت عنها نفوس آخرين، والحكم الله، والمعود إليه القيامة….

ودع عنك نهباً صحيح في حجراته            ولكن حديثاً ما حديث الرواحل»(11)

وفي سنوات خلافة الإمام علي، وقعت للمسلمين أحداث كبيرة، لم يكن من السهل أبداً جبر الكسر الذي نتج عنها، حتى أصبح السيف هو الفيصل بين المسلمين، وأهمها:

1 – رفض بعض الصحابة مبايعة الإمام علي.

2 – خروج طلحة والزبير ومعهما عائشة على الإمام، مطالبين بدم الخليفة عثمان بن عفان، ونشوب معركة «الجمل»، التي أحلّت مبدأ القتال بين المسلمين، والصحابة منهم على وجه التحديد.

3-رفع آل أمية راية العصيان ضد وصي رسول الله الإمام علي، حتى بعد أن انتخبه المسلمون للخلافة الدنيوية. وكان معاوية هو رمز آل أمية بعد أبيه أبي سفيان، إذ رفض معاوية (والي الشام) تقديم فروض الطاعة لخليفة المسلمين، وخروجه عليه فيما بعد، ونشوب معركة «صفين» بين الطرفين.

4 – ظهور فرقة الخوارج خلال معركة صفين، وفي أعقاب خدعة التحكيم، فكانت أحد طرفي معركة «النهروان».

5 – ظهور بوادر الدعامات العقدية للطوائف والفرق، نتيجة الآراء والمواقف المختلفة، التي اختلطت فيها المفاهيم الفكرية والحوادث السياسية والمصالح السلطوية.

ومن أهم تلك الدعامات العقدية، ما ظهر من آراء المتناقضة حيال معركة صفين. فأحدها رأى: أن كلا الطرفين المتحاربين كافر، ورأى الآخر: أن كليهما فاسق، وآخر: كلاهما تأوّل فأخطأ، ورابع قال: أحدهما فاسق والآخر مؤمن، وخامس: أرجأ وأمسك القول(12). كما  كان خروج الزبير بن العوام في معركة الجمل من جهة، وقتل عمار بن ياسر في صفين من جهة أخرى؛ أبرز عاملين في ظهور بعض الأسس المذهبية، التي يقف في مقدمتها: «الاجتهاد مقابل النص». ففي تسويغ قول النبي: «الزبير يقاتل علياً وهو له ظالم» و«عمار تقتله الفئة الباغية» قال بعضهم: ((كلا، ما بغى من قتل عماراً، ولا ظلم الزبير حتى قاتل علياً، بل اجتهدا فأخطأ، والمجتهد المخطئ مأجور ومغفور له))(13). وقال آخرون بأن ((الذي تسبّب في قتل عمار هو علي)) (14)، وإن كان أهل الشام قد قتلوه بالفعل.

واستمرت هذه الفترة حافلة بالمفاهيم الجديدة التي حُمّلت على الإسلام، والتفسيرات والاجتهادات الخاصة والكيفية بشأن القرآن الكريم والسنة النبوية. فكان الكثيرون يبتدعون الآراء والمدارس الفكرية، ثم يفرضونها على القرآن والسنة، لتسويغها وتثبيتها، بدلاً من استلهام أفكارهم من القرآن أو عرضها عليه. وامتدت أيدي دعاة التفرقة والعصبيات المذهبية والسياسية إلى القرآن الكريم، «وأخذوا يوجهون العقول في فهمه وجهات تتفق وما يريدون… فأصبحنا نرى من يؤوّل الآيات للتوافق مع مذهب فلان، ومن يخرجها عن بيانه الواضح، وغرضها المسوقة له، لكيلا تصلح دليلاً لمذهب فلان، وبهذا أصبح القرآن تابعاً، بعد أن كان متبوعاً، ومحكوماً عليه، بعد أن كان حاكماً»(15). وهنا يقول الإمام علي: «فاجتمع القوم على الفرقة، وافترقوا على الجماعة، كأنهم أئمة الكتاب وليس الكتاب إمامهم»(16).

وعلى رغم كل حالات التفرقة والتمزق التي شهدتها فترة خلافة الإمام علي، إلا أنه كان يبذل جهده للم الصدع، والحيلولة دون اتساع رقعة الشقاق والخلاف، وكان يحث المسلمين على ذلك. ففي إحدى خطبة يقول: «واحذروا ما نزل بالأمم قبلكم… فالزموا كل ما لزمت العزّة به شأنهم، وزاحت الأعداء له عنهم، ومدّت العافية به عليهم، وانقادت النعمة له معهم، ووصلت الكرامة عليه حبلهم، من الاجتناب للفرقة، والّلزوم للأُلفة والتحاض عليها، والتواصي بها، واجتنبو كل أمرٍ كسر فقرتهم، وأوهن متنهم، من تضاعن القلوب، وتشاحن الصدور، وتدابر النفوس، وتخاذل الأيدي. ألم يكونوا أرباباً في أقطار الأرضين، وملوكاً على رقاب العالمين، فانظروا إلى ما صاروا إليه في آخر أمورهم، حين وقعت الفرقة، وتشتتت الأُلفة، واختلفت الكلمة والأفئدة، وتشعّبوا مختلفين، وتفرّقوا متحاربين، قد خلع الله عنهم لباس كرامته، وسلبهم غضارة نعمته، وبقي قصص أخبارهم فيكم عبراً للمعتبرين»(17).

وفي الخطبة – أيضاً – تفاصيل عن الأكاسرة والقياصرة وغيرهم، وتأكيد الاعتبار بمصيرهم، ونبذ الطائفية والنزاع. بيد أن عمق الخلاف والظروف المريرة التي كانت تسيطر على الأمة حينها، لم تدعم الإمام في مساعيه، الأمر الذي جعله يعاني طيلة تلك الفترة من الفتن وعدم طاعة أوامره في هذا المجال وغيره، حتى قال للناس في إحدى خطبة متبرماً: «يا أشباه الرجال ولا رجال، حلوم الأطفال، وعقول ربات الحجال، لوددت أني لم أركم ولم أعرفكم معرفة – والله – جرت ندماً، وأعقبت سدماً. قاتلكم الله؛ لقد ملأتم قلبي قيحاً، وشحنتم صدري غيظاً، وجرعتموني نغب التهمام أنفاساً، وأفسدتم علي رأيي بالعصيان والخذلان… ولكن لا رأي لمن لا يطاع»(18).

وكان التآمر على الإسلام ورمزه الحاضر الإمام علي، وكذا ظهور الأسس العقدية المنحرفة في أوساط المسلمين بشكل مبكّر؛ السبب المباشر في مقتل الإمام علي على يد أحد الخوارج، بقرار مشترك من معاوية والخوارج (19). وحتى حين بايع المسلمون من بعده ولده الإمام الحسن، فإن التآمر على الإسلام ممثلاً بالتمرد الأموي بقيادة معاوية، دخل مرحلة أكثر تشدداً؛ الأمر الذي اضطر الحسن بن علي للتنازل عن الخلافة لمعاوية بن أبي سفيان، وحينها بدأت مرحلة جديدة من تاريخ الانشقاقات والخلافات.

ولعل أهم العوامل التاريخية التي ساهمت في سقي بذور الخلاف والتفرقة بين المسلمين، ونمائها:

1 – المصالح الشخصية والسلطوية التي تحكمت بكثير المسلمين، والتي دفعت بعضهم الى العصيان والتمرد على خليفة المسلمين ورئيس الدولة الإسلامية، سواء في عهد الإمام علي أو عهد الإمام الحسن.

2 – تآمر الفئات التي بقيت متمسكة بجاهليتها وعدائها للإسلام، وبينها فئة المنافقين، إضافة الى يهود الجزيرة وصليبيو الشام، والذين لم يتركوا يوماً محاولات الفتك بالإسلام وتمزيق وحدة أبنائه.

3 – الاختلاف في تفسير القرآن وضبط السُنّة النبوية ورواتها ودلالاتها، والاجتهادات الخاصة، التي تجاوزت ما نص عليه النبي من العودة الى العترة في التفسير والاختلاف (20)، والتي انتقلت من الصعيد النظري إلى المجال العملي، ثم تحولت إلى أنواع مخيفة من التعصب الأعمى.

مفصلية العقيدة الأموية في التأسيس للمنظومة الطائفية

من أبرز الحقائق التاريخية التي تظل مفصلاً أساسياً موجعاً في مسار الانشقاقات في واقع المسلمين، هي مركزية العامل الأموي، فليس هناك أدنى شك بأن كل أنواع الشقاق والاختلاف بين المسلمين، كان سينتهي في عهد الإمام علي، وخاصة بعد أن وأد الإمام علي الفتنة عقيب معركة الجمل، وكادت أمور المسلمين تعود الى سابق عهدها، وتزول كل تبعات سقيفة بني ساعدة والانقسام حول الخلافة، لولا عصيان معاوية وتمرده على الخليفة الشرعي الإمام علي ثم الإمام الحسن، وصولاً الى استيلائه على رئاسة الدولة الإسلامية وتأسيس عقيدة دينية سياسية خاصة به. فحين أصبحت العقيدة الأموية هي التي تحكم الدولة الإسلامية؛ فإن العودة الى واقع الوحدة العقدية والميدانية بين المسلمين، بات أمراً مستحيلاً، وخاصة بعد اختياره ابنه يزيد خليفة من بعده، ثم الأباطرة الأمويون من بعده بالوراثة، كأي سلطة إمبراطورية أخرى في العالم. وقد أدى حكم العقيدة الأموية الى فقدان الصبغة الدینیة التي کانت یتمتع بها الخلفاء الثلاث الأوائل، والذين تم انتخابهم بألوان مختلفة من التعیین والشوری.

“الأموية” هي عقيدة دينية سياسية، وهي أولى الايديولوجيات في تاريخ المسلمين، ولم تكن مجرد تاريخ أو دولة أو حكم أسرة استولت على مقدرات المسلمين في مرحلة ماضية. وقد انتجت هذه العقيدة أول سلطة شمولية، كخليط ثيوقراطي ديني ــ علماني سياسي، في تاريخ المسلمين، وهي نسخة عربية مطابقة للثيوقراطيات الأوربية والشرق آسيوية في العصور الوسطى، بل أنها تتطابق مع النموذج الثيوقراطي ـــ السياسي الذي أسسه الإمبراطور الروماني “قسطنطين الأول”(272 ـــ 337 م)، والذي طرح نفسه الوريث الديني والزمني الحصري للسيد المسيح، وتجلي الرب على الأرض. وبسيف هذه العقيدة الدينية ـــ السياسية، ذبح قسطنطين جميع معارضيه السياسيين والدينيين، بمن فيهم المسيحيين اللصيقين بالعقيدة الأولى للسيد المسيح، وبذلك؛ أسس ديناً جديداً ينتسب الى السيد المسيح شكلاً، لكنه في الايديولوجيا والسلوك ينتمي الى الإمبراطور قسطنطين.

وتماهياً مع النموذج القسطنطيني، خلق معاوية عقيدة جديدة، تنتسب الى رسول الإسلام شكلاً، لكنها في الحقيقة عقيدةً سلطويةً من صنعه، تقف على دعامتين، تكمل أحداهما الأخرى، وتجتمعان معاً في شخصية الإمبراطور الأموي، بوصفه الوريث الديني والزمني الحصري لرسول الله:

الأولى: الدعامة الثيوقراطية الدينية، التي تتمظهر في السلطة الدينية للإمبراطور الأُموي، وهي التي تشرعن للمؤسسة السياسية التنفيذية ايديولوجيتها وفقهها السلطاني وسلوكياتها.

الثانية: الدعامة العلمانية السياسية، التي تتمظهر في السلطة السياسية للإمبراطور الأموي، والتي تحدد للمؤسسة الدينية التنفيذية دورها وصلاحياتها في إطار حركة الدولة.

ولكل من الدعامتين المذكورتين مقوماتهما الفكرية وثقافتهما ووسائل تطبيقهما وسلوكياتهما، ويستخدمهما الإمبراطور الأموي بأسلوب منظم ومنهجي وفقاً للحاجة والظرف.

وحينها بات التشابه بين العقيدة الأموية السلطوية، بشكلها الإسلامي، والعقيدة القسطنطينية السلطوية بشكلها المسيحي؛ يقارب التطابق، وخاصة من ناحية الاستعانة بمحدثي البلاط ووعاظ السلاطين والكهنة، من أجل في تحريف الدين والتأسيس لمعتقدات وتشريعات وضعية ونسبتها للدين، بهدف إطلاق يد السلطان على كل الأصعدة بمسوغات دينية، وأهمها تسويغ التأسيس للحكم الملكي الوراثي الثيوقراطي المطلق، والسلوكيات السلطوية الإمبراطورية، وصولاً الى محاولات مصادرة الدين الأصيل، وقمع المؤمنين الحقيقيين وذبحهم، والاستغلال الايديولوجي، بهدف توسيع رقعة الإمبراطورية باسم الفتوحات الزائفة، على حساب أراضي الشعوب وحقوقها وحرياتها، وهو ما يتعارض مع بديهيات الدين الإلهي، فضلاً عن حجم الانحراف الأخلاقي والفساد الشامل لكل مجالات حركة الدولة.

وقد ظلت العقيدتان القسطنطينية والأموية تتستران بالمسميات الأصلية التي اختطفتاها، أي نصرانية النبي عيسى وإسلام النبي محمد؛ إمعاناً في الخديعة التاريخية الكبرى التي مارسها الإمبراطوران المؤسسان بحق أتباع الديانتين المسيحية والإسلامية، والتي مكّنت قسطنطين الأول من التحول الى قديس مسيحي وإلى رسول النبي عيسى الى العالم، رغم أنه أخضع كل أوروبا وأغلب الشرق الأدنى لسلطانه، بالسيف والذبح والاحتلال واستعباد الشعوب، بمن فيها شعوب المسيحية الأصلية في مصر والشام، التي رفضت ديانته التخريفية السلطوية، وصولاً الى إقناع كل مسيحيي العالم بأن ديانته هي الديانة المسيحية الحقة، وإن ما عداها كفر وهرطقة وانحراف. وبأساليب الخديعة نفسها، تمكن معاوية من إعلان نفسه خليفة رسول الله وأمير المؤمنين وسلطان المسلمين، رغم أن سيفه ذبح المسلمين وقمعهم ونكّل بهم، قبل أن يذبح شعوب شمال أفريقيا وشرق آسيا ويستعبدها. وهكذا تمكن معاوية من إقناع جموع غفيرة من المسلمين بأنه الخليفة الحق وأنه أمير المؤمنين(21).

وظل أغلب أتباع عقيدة معاوية يجهلون بأنهم منحرفون عن دين محمد بن عبد الله، ويعدون معاوية صحابياً مقدساً لا يمكن القدح بعدالته. ولا شك أن تشبّه معاوية بقسطنطين واتّباعه خطاه، ليس من نتاج اختطاف معاوية للخلافة وتنصيب نفسه أميراً للمؤمنين؛ بل يسبقه زمنياً الى مرحلة عمله والياً على الشام، وهو ما صرح به علانية الخليفة عمر بن الخطاب، بعد سفره الى الشام ولقائه معاوية، ثم عاد الى المدينة غاضباً منه؛ لكنه لم يعزله، وهو ما سمح لمعاوية بالاندفاع أكثر نحو اقتفاء أثر قسطنطين.

وإذا كان الإمبراطور قسطنطين الأول قد بدأ حركته التوسعية الاستعمارية، بعد اعتناقه المسيحية، ثم اختطاف تعاليمها، وتحويلها الى الركيزة العقدية لحركتة الاستعمارية، ومطلقاً على نفسه ألقاب القديس ورسول المسيح، لكي يشكل ذلك بيعة دينية له في أعناق الشعوب المحتلة والمستعبدة، وضماناً لاستمرار استعباد الشعوب بسلطة الدين؛ فأن ورثته ساروا على سيرته أيضاً، وكانت وسيلتهم في تحقيق أهدافهم الاستعمارية أيضاً؛ شن الحروب وذبح الناس واضطهادهم ومصادرة أموالهم و سبي نسائهم، باسم المسيحية، حتى تمكنت الإمبراطورية الرومانية من احتلال معظم أوروبا وكثير من شمال أفريقيا وغرب آسيا، تحت شعار نشر المسيحية. كما سار على نهج قسطنطين أغلب أباطرة أوروبا وملوكها من بعده، حتى استحالت الديانة المسيحية ديانة أوروبية سلطوية، وركيزة من ركائز الاستعمار الأوروبي، في الوقت الذي تتعارض ممارسات الاستبداد والاستعباد والاضطهاد، ونهب أراضي الغير وثرواته واسترقاق أعراضه؛ تعارضاً تاماً مع تعاليم السيد المسيح المتمثلة بالمحبة والأخوة والتسامح والسلام، ورفض العدوان وإراقة الدماء.

أما الاستعمار الأموي، فهو الآخر اندفع في حمّى الاستيلاء على أراضي الغير، واستعباد الشعوب، بحجة نشر الدين الإسلامي، وتحت عناوين الفتوحات ووحدة الدولة الإسلامية، وهو ما لم يفعله الرسول محمد، بل أن بديهيات الشريعة الإسلامية في العدل والمساواة، وحرمة الدماء والعدوان على الأنفس والأعراض والأموال، وعدم الإكراه وحرية الاعتقاد واحترام الأديان وأتباعها، والعطف والرحمة والأخلاق تجاه جميع البشر، بل تجاه الحيوان والنبات؛ تتعارض مع المنهج الإستعبادي الذي أسسه له معاوية وآل أمية.

بيد أن مشكلة الديانة الإسلامية أقل تعقيداً من مشكلة الديانة المسيحية في موضوع التحريف والاختطاف، لأن النبي محمداً وضع ضمانتين أساسيتين للحيلولة دون اختطاف الإسلام اختطافاً جوهرياً ودائماً، وهما القرآن والعترة (أئمة آل البيت)(22)، وهي خاصية لا تتوافر في الدين المسيحي؛ إذ عملت الثورات ضد الحكم الأموي، وكذا الجهود العلمية والدينية والتبليغية التي قام بها أئمة آل البيت؛ عملت على تقويض أغلب معالم العقيدة الأموية، ولولا ذلك لاستحال الإسلام ديناً أموياً، كما استحالت المسيحيةُ قسطنطينيةً بامتياز.

وعليه؛ فإنّ معاوية لم يكن مجرد حاكم مستبد أو مجرد ظاهرة سياسية تاريخية يقتدي به الطغاة في سلوكهم السياسي؛ فهذه النظرة سطحية جداً قياسا بما قام به معاوية، عندما أسس عقيدة وايديولوجية متكاملة لصيقة بوعي أهل السنة بأنفسهم وبالآخر المختلف مذهبياً وطائفياً، وأصبح له الدور الاساس في تشكيل العقل السني، الذي رسّخه آل امية، ولاتزال افرازاته ومخرجاته قائمة بقوة. وهذا لايعني أنّ التسنن أسّسه معاوية، بل أنّ معاوية أسس شريعة جديدة، فيها سنة وعقيدة وفقه، وسارت عليها دولة آل أمية ومن تبعها، ولهذه الشريعة تأثيرات كبيرة على الفرق الكلامية والمذاهب السنية والدول السنية، وخاصة في مجال فقه الدولة، وفي مجال النظرة الى التشيع والشيعة، وهي نظرة ستاتيكية راسخة في العقل السني منذ ١٤٠٠ عاماً وحتى الآن، وهذه النظرة هي من أهم عوائق بناء قاعدة رصينة للتآلف والتآخي بين السنة والشيعة. واستمراراً بسياسات التشدد في تطبيق العقيدة الأموية؛ فقد قام السلطان الأموي يزيد بن معاوية بقتل إمام المسلمين الحسين بن علي وأل بيت الرسول وصحابته وتابعيه، وأسر إمام المسلمين علي بن الحسين السجاد. وسبقها بوقعة “الحرة” التي قتل فيها آلاف المسلمين، واستباحة مدينة الرسول، ثم حرق الكعبة وهدمها بقذائف المنجنيق، وذبح المسلمين داخل المسجد الحرام. ولم يتخلف سلاطين بني أمية عن هذه السياسات، بل كان كل سلطان يبتكر أساليب جديدة لتطبيق عقيدة معاوية.

حركة الوضع في السنة النبوية كمتلازمة للخلافات

من أهم القضايا التي جرّت البلاء على المسلمين، وعمّقت ما بينهم من فرقة وخلاف، هي حركة وضع الحديث والرواية، التي أصبحت عنصراً بارزاً من عناصر تحريف تعاليم الإسلام وأحكامه، ومن قواعد التعصب الطائفي. وقد بدأت على يد الراهب اليهودي كعب الأحبار، الذي أعلن إسلامه، لكنه استمر مع آخرين من اليهود والمنافقين، في الكيد بالإسلام، من خلال الوضع في الحديث ودس الروايات، وهو ما يعرف في علم الحديث بـــ “الإسرائيليات”.

واستمراراً لهذا النهج اليهودي، قام آل أُمية، بدءاً من ولاية معاوية، بأخطر مؤامرة لحرف عقائد الإسلام وأحكامه، عبر التأسيس لمدرستهم الخاصة للوضع في سنة رسول الله وتحريفها، واختلاق الأحاديث وتحريف الصحيح منها، وأخذت عملية التحريف والدس في الحديث والرواية والتاريخ تأخذ شكلاً منظماً، إذ انكبّ عدد من المحدّثين والمؤرخين على وضع عشرات الأحاديث الكاذبة عن الرسول وتحريف أخرى، الأمر الذي قلب الكثير من الموازين والأحداث، وعمّق الشقاق المجتمعي بين المسلمين. وكانت الأحاديث التي وضعت بحق معاوية نفسه، هي الأكثر إثارة للدهشة على حجم الجرأة التي تمتلكها ماكنة الدعاية الأموية.

من هذه الأحاديث، حديث الائتمان، المروي عن واثلة، عن الرسول: «إن الله ائتمن على وحيه جبرائيل وأنا ومعاوية، وكاد أن يبعث معاوية نبياً، من كثرة علمه وائتمانه على كلام ربي، يغفر الله لمعاوية ذنوبه ووقاه حسابه وعلّمه كتابه وجعله هادياً مهدياً وهدى به»(23). ويروي المقدسي أنه كان يوماً بجامع واسط، فإذا برجل يروي عن رسول الله: «إن الله يدني معاوية يوم القيامة، فيجلسه إلى جنبه، ويغلفه بيده، ثم يجلوه على الناس كالعروس»، فقال له المقدسي: كذبت يا ضال!، فأشار الراوي على المقدسي قائلاً للناس: «خذوا هذا الرافضي»؛ فأقبل الناس عليه يريدون الفتك به؛ فعرفه بعض الكتبة ودفعوهم عنه. ويروي المقدسي أيضاً أن في أصفهان من كان يعتقد بأن معاوية مُرسل، وأنه خامس المرسلين بعد الخلفاء الأربعة. ويقول بأنه عندما قال لهم أن أبا بكر وعمر وعثمان وعلي كانوا خلفاء ومعاوية ملكاً، اعتبروا أنه أتاهم بمذهب جديد، حين رفض أن يكون معاوية رسولاً، واتهموه بأنه رافضي، وكادوا يبطشوا به لولا أنه هرب(24).

ولم تقتصر هذه الحركة الواسعة المتفشية على وضع الحديث عن الرسول، وتحريف ما جاء عنه من حديث صحيح، بل شملت إضافة إلى وضع الرواية واختلاقها أو تحريفها، اختلاق بعض الشخصيات التي ليس لها وجود خارجي ومنها ما نسب إلى الصحابة والتابعين(25)، وكذلك تحريف الأحداث والوقائع التاريخية، وخاصة التي جرت على عهد الرسول والخلفاء الأربعة، واختلاق الكرامات والمعاجز لبعض الصحابة والتابعين والفقهاء وأئمة المذاهب وشخصيات أخرى. وكان ذلك يتم خدمة لأغراض شخصية بحتة أو لخدمة مذهب أو اتجاه فكري معين، أو جهلاً، حين يتصوّر بعضهم أنه يخدم الإسلام بوضعه الأحاديث والروايات التي تعضد الإسلام والقرآن وسنة الرسول. إضافة إلى أن قسماً من الوضاعين والمحرفين كانوا مندسّين في صفوف المسلمين، ويهدفون الكيد للإسلام، وبينهم يهود وزنادقة. وقد لا تهمنا نيات هؤلاء بقدر الآثار التي تركوها.

وفي رسالته لبعض الوضّاعين، فعل معاوية ما هو أخطر من ذلك، حين قال للوضاعين: «لا تتركوا جزءاً يرويه أحد من المسلمين في أبي تراب(26) إلاّ وأتوني مناقض له في الصحابة مفتعل، فإن هذا أحب إلىَّ وأقرّ لعيني وأدحض لحجة شيعة أبي تراب»(27). فوُضِعت نتيجة ذلك أحاديث لا تحصى، منها ما روي عن رسول الله: أن جبرائيل نزل عليه وقال له: «يا محمد إن الله عز وجل يقرئك السلام ويقول لك: سل أبا بكر هل هو عني راض، فإني عنه راض»(28). وكذلك الحديث المنسوب إلى رسول الله: «لو لم أبعث لبُعث عمر»(29). وحديث آخر عن الرسول أيضاً: «ما احتبس عني الوحي قط إلا ظننته قد نزل على آل الخطاب»(30).

وفتح هذا المجال في جانب منه الباب لسنّة أخرى – سنّها معاوية – وهي شتم الإمام علي على المنابر، حيث يقول الجاحظ في كتاب «الرد على الإمامية» بأن معاوية كان يقول في آخر خطبه: «الّلهم إن أبا تراب ألحد في دينك، وصدّ عن سبيلك فالعنه لعناً وبيلاً، وعذّبه عذاباً أليماً». فكان الخطباء في سائر البلاد الإسلامية يرددون هذه العبارة على المنابر ويزيدون، وخاصة في خطبتي صلاة الجمعة، حتى منعها الخليفة عمر بن عبد العزيز بعد أكثر من أربعين عاماً. وحاول الأمويون إعادتها بعد وفاته، لولا رفض هشام بن عبد الملك(31).

وكرد فعل على سب الإمام علي بن أبي طالب؛ برزت ظاهرة توجيه الإهانة لبعض الصحابة في أوساط بعض أتباع الإمام علي، برغم أن أئمة أهل البيت يكرهون لأتباعهم أن يكونوا سبّابين أصلاً، فحين سمع الإمام علي أن بعض أهل العراق يسبّون أهل الشام، قال: «إني أكره، لكم أن تكونوا سبّابين، ولكنكم لو وصفتم أعمالهم، وذكرتم حالهم، كان أصوب في القول، وأبلغ في العذر، وقلتم مكان سبّكم إياهم: اللهم احقن دماءنا ودماءهم، وأصلح ذات بيننا وبينهم، واهدهم من ضلالتهم، حتى يعرف الحق من جهله ويرعوي عن الغي والعدوان من لهج به»(32).

واستمرت حركة الوضع والتحريف في السنة النبوية، ووجدت لها سوقاً رائجة ومربحة في فترة ظهور المذاهب، والفترة التي أعقبت رحيل الأئمة الأربعة (أي القرنين الثاني والثالث للهجرة)، حتى أصبحت الخبز اليومي لمعظم الوضّاعين والمحرِّفين.

وكان سيف بن عمرو التميمي (ت170هـ) من أبرز هؤلاء الوضّاعين، الذين شوّهوا الكثير من جوانب التأريخ الإسلامي، وتركوا أثراً بالغاً في ساحة الاختلاف والشقاق بين المسلمين، رغم ان مؤرخي ومحدثي السنة والشيعة المتقدمين، قالوا عنه بأنه كذاب وليس بثقة ومتروك الحديث، فالنسائي يذكر بأنه «ضعيف، متروك الحديث، ليس بثقة، ولا مأمون»، ويقول عنه أبو داود: «ليس بشيء، كذاب»، ويقول الحاكم بأنه «متروك، اتهم بالزندقة»(33).

والغريب أن كل هذه الشهادات السلبية التي تنال من عدالة سيف والثقة به، وتؤكد كذب مروياته، لم تثن أو تؤخر عدداً من المؤرخين، وأبرزهم الطبري (في تأريخه)، عن نقل مختلقاته وأكاذيبه التي انفرد بها في كتابيه «الفتوح والردة» و«الجمل ومسير عائشة وعلي»، وأبرزها الأسطورة المعروفة بـ«السبئية»، والتي تتلخص في أن مؤسس التشيع هو رجل يهودي من أهل اليمن اسمه «عبد الله بن سبأ». وكان ابن سبأ – وفق أسطورة سيف – قد أظهر الإسلام وقصد مكة في خلافة عثمان، وأخذ يبشّر بأفكار جديدة حاول دسها في صفوف المسلمين، كيداً للإسلام. وكان محور أفكار ابن سبأ يدور حول أحقية علي بن أبي طالب بالخلافة، وأنه وصي رسول الله. وادّعى سيف أن ابن سبأ تحرك على بعض الصحابة والتابعين، وتمكن من استقطاب بعضهم إلى مذهبه، كأبي ذر الغفاري وعمار بن ياسر ومحمد بن أبي بكر ومالك بن الأشتر، واستمر يوسع دائرة نشاطه، حتى تم له إعمال الفتنة ضد عثمان، والتي انتهت بمقتله. كما كان «السبئيون» السبب في اندلاع حرب الجمل ومادتها الأساس(34).

وإذا تجاوزنا سيف وأساطيره، نجد أن التاريخ الإسلامي، يحفل بالمئات من أمثاله. فهناك أكثر من (700) محدِّث وراوية، يمكن الإشارة إليهم بالأسماء(35)، كلهم وضّاعون وكذابون، كانوا يضعون الحديث عن رسول الله(ص) أو يحرفون الصحيح منه، ويضعونه أيضاً على ألسنة أئمة المذاهب الأربعة. ومن هؤلاء أبان بن فيروز بن عياش، الذي نقل أكثر من ألف وخمسمائة حديث ليس لأكثرها أصل، ويقول عنها الإمام ابن حنبل: «إن أبان كذّاب»، ويقول: «لأن يزني الرجل خير من أن يروي عن أبان»(36).

كما وضع أحمد بن عبد الله الشيباني الجويباري، مع محمد بن تميم ومحمد بن عكاشة عشرة آلاف حديث حديث، ويقول عنه البيهقي: «وضع أكثر من ألف حديث، وسمعت الحاكم يقول: هذا كذاب خبيث، وضع الكثير من فضائل الأعمال، لا تحل رواية حديثه بوجه. وقال السيوطي: وضع ألوف الأحاديث الكراميّة»(37). ووضع عثمان بن مقسم البري الكندي أو حرّف، ما يقرب من خمسة وعشرين ألف حديث، ويقول فيه أبو داود: «في صدري عشرة آلاف حديث عن عثمان وما حدّثت به»(38). ومنهم علي بن الجهم، الذي يقول عنه الشيخ الأميني بأنه «أكذب خلق الله»، كان يلعن أباه لأنه سماه علياً، لشدة كرهه علي بن أبي طالب(39).

ويقول الجزري عن وضّاع ومحرف آخر اسمه محمد بن حميد الرازي: «ما رأيت أجرأ على الله منه، وقال: عندي عن ابن حميد خمسون ألف حديث ولا أحدث عنه بحرف»(40). ومن هؤلاء أيضاً عبد الكريم ابن أبي العوجاء، وهو أحد مشاهير الزنادقة في العصر العباسي، والذي رفض العدول عن ردته، وقال ساعة قتله بأنه ((وضع أربعة آلاف حديث، حلل بها الحرام وحرم الحلال))(40).

ومن أمثلة الاستخفاف الغريب في مجال وضع الحديث، ما فعله الخليفة العباسي المهدي بن المنصور (والد الرشيد)، حيث دفع عشرة آلاف دينار لغياث بن ابراهيم النخعي، وهو أحد محدثي عصره، بعد أن وضع حديثاً عن الرسول، كدليل من السنة النبوية لتسويغ حب الخليفة اللعب بالحمام، فقال غياث، عن الرسول: «لا سبق إلا في خف أو حافر أو جناح»، وهنا أضاف «جناح» إلى نص الحديث الصحيح. وحين قام غياث قال المهدي: «أشهد أن قفاك قفا كذاب على رسول الله، ما قال رسول الله جناح، ولكنه أراد أن يتقرب إلي»(41).

ومن مجموعة السبعمائة وضّاع، خمسة وثلاثون فقط وضعوا وقلبوا نحو مائة ألف حديث. وبإضافة المتروكات لستة آخرين منهم، فإن عدد الأحاديث الموضوعة والمحرفة تصل إلى أكثر من أربعمائة ألف حديث(42). وهو رقم مخيف يستحق الكثير من التأمل.

والسؤال هنا: أين ذهبت تلك الآلاف المؤلفة من الأحاديث والروايات الموضوعة والمحرفة؟! وفي أي كتب دست؟!

ظهور الفرق العقدية والمذاهب الفقهية

قبل الخوض في الجانب التاريخي والعقدي، نشير إلى الفرق الاصطلاحي بين «الفرقة» و«المذهب»؛ فالفِرقة (جمعها فرق) تختلف مع بعضها في المجالات العقدية أو أصول الدين، ويبحث في هذا الاختلاف «علم الكلام». والمذهب (جمعها مذاهب)(43) تختلف مع بعضها في المجالات الفقهية، أي التشريعات وفروع الدين، ويبحث في هذا الاختلاف «علم الفقه». وترتبط الفرقة والمذهب المنتمين الى تيار إسلامي واحد بأصول واحدة وأواصر قوية، وتجمع بينها علوم إسلامية أخرى، غير الكلام والفقه، كعلوم القرآن والحديث والرجال، فمثلاً يمكن اعتبار «التشيع» عموماً فرقة كبرى، تضم العديد من الفرق والمذاهب الصغيرة، كما أن الإمامية الاثني عشرية هي فرقة ومذهب في الوقت نفسه، وهكذا بالنسبة للإباضية، أما المالكية والحنفية والشافعية والحنبلية والظاهرية – مثلاً – فهي مذاهب، والأشاعرة والسلفية والمعتزلة فرق، وكلها تنضوي تحت راية مدرسة «التسنن».

ولم يكن ظهور الفِرق والمذاهب في الواقع الإسلامي فجائياً أو منطلقاً من فراغ، بل إن له من الخلفيات والأرضية المناسبة والعوامل ما تفاعل بقوة، حيث بات ظهورها أمراً طبيعياً ومتوقعاً. ويمكن حصر أهم العوامل والأسباب التي أدت إلى الإعلان عن قيام المذاهب بشكل رسمي بما يلي:

1- أرضية الخلاف الواسعة، والتي كانت مزيجاً من عاملين: عقدي ــ سياسي، كما مر.

2- ظهور مناطق فراغ في المجالين العقدي والفقهي، وحاجة المسلمين لمعرفة تكليفهم الشرعي؛ الأمر الذي حمل الفقهاء والمتكلمين على سد هذه المناطق، من خلال بلورة أفكار واتجاهات وأصول متباينة، حيال تفسير القرآن وتطبيقه، وإخضاع ذلك للاجتهادات، وكذا الحال بالنسبة للسُنّة النبوية، وبذلك يختلف الموقف من القضايا المطروحة، «فيؤدي ذلك إلى اعتبارها حقيقة إسلامية عند البعض، وبعيدة عن الإسلام عند البعض الآخر»(44).

3- حاجة الخلفاء والسلاطين إلى أحكام عقدية وفقهية وتشريعات تسوغ سلوكياتهم في الحكم وفي التعامل التيارات الإسلامية التي تخالفهم فكرياً وسياسياً، وإلى غطاء ديني يدعم ممارساتهم.

4- الوضع السياسي العام، وحالة الانفتاح خلال الفترة الانتقالية التي فرضها سقوط الدولة الأموية وقيام الدولة العباسيّة، والاستقرار النسبي الذي شهدته البلاد الإسلامية، وخاصةً على مستوى الوضع الداخلي، وحركة الفتوحات.

5- شعور بعض التيارات العقدية ـــ السياسية، التي لها عمق زمني في الواقع الإسلامي، بضرورة إظهار كيانيتها العقدية المذهبية الاجتماعية المستقلة، انطلاقاً من اعتقادها بأنها تمثل الموقف الإسلامي الشرعي الأصيل، وبأحقية تصوراتها في المجالات العقدية والفقهية والسياسية، إضافة إلى الرد على حالة العداء العميق التي تتعرض له من الحكام الذين قبضوا على زمام السلطة والولايات.

وقد تركّز ظهور الفرق والمذاهب خلال العصرين الأموي والعباسي، مع الإشارة الى أن المذاهب الفقهية ظهرت في وقت متأخر عن الفرق العقدية أو الكلامية، لأن النصف الأول من القرن الهجري، وخاصة خلال خلافة الإمام علي ثم السلطة الأموية، كان يعتمد في الأحكام على النص القرآني وتفسيره، وعلى الرواية السننية من جهة، ويحتاج الى تكييفات عقدية للوقائع التي كان تحدث بين المسلمين، ولم يكن المسلمون، بحاجة الى الفتوى والاجتهاد من الفقهاء، وبالتالي؛ كانت الحاجة الى الفقهاء كلما ابتعد المسلمون عن عصر التشريع والنص. وكان المجتمع السني بحاجة الى الفقهاء مبكراً قبل المجتمع الشيعي، لأن الشيعة ظلوا يتمتعون بوجود الأئمة الذين يعدونهم امتداداً لرسول الله، ويحصلون منهم على ما يحتاجونه من روايات وتعاليم وتفسيرات وأحكام.

وهناك تقسيمات موروثة للفرق والمذاهب الإسلامية، تعود لمؤرخين وعلماء كلام وفقهاء سلف، وقد استند بعضهم الى قواعد موضوعية، بينما أسقط بعضهم تعصبه العقدي والفقهي عليها؛ فكان تقسيمه منحازاً؛ فمثلاً كان بعضهم يقسم الفرق والمذاهب الى: أهل السنة وأهل البدع، أو أهل السنة وأهل المذاهب وأهل البدع، أو على أساس الأحقية بالخلافة بعد الرسول، أو على أساس الموقف من قضية عقدية محددة، كما كان عليه في العصر العباسي دائماً، كالموقف من خلق القرآن، أو الموقف من التجسيد والتشبيه، أو الأخذ بالرأي مقابل الجمود على النص.

أما التقسيم الموضوعي لأبرز الفرق الكلامية والمذاهب الفقهية، وخاصة القائمة والحية منها؛ فهو على النحو التالي:

    1- الفِرق:

“الشيعة”، وهي أقدم الفرق في الإسلام، وتمثل مدرسة آل البيت، ويعود تأسيسها الى الإمام علي بن أبي طالب، وتعرف بــ”الإمامية”، لأنها تعتقد بأحقية الأئمة في الخلافة الدينية والدنيوية، ومذهبها الأساس هو “الإمامي الإثنا عشري”، بناءً على عدد الأئمة الإثني عشر. وقد ضمت ــ فيما بعد ــ عدداً من الفرق والمذاهب الفرعية(45).

  • “الخوارج”، وهي فرقة، تأسست إثر انشقاق عدد من المقاتلين عن معسكر الإمام علي في معركة صفين، وتحولت بالتدريج الى فرقة، ثم مجموعة من الفرق والمذاهب، وتلخصت فيما بعد بــ “الإباضية”، نسبة الى الفقيه عبد الله بن إباض (ت86هـ) وهي فرقة ومذهب(46).
  • “المرجئة”، وهي فرقة عقدية ــ سياسية، ظهرت إثر اتفاق الناكثين والقاسطين والسواد الأعظم على خلافة معاوية، في أعقاب استشهاد الإمام علي، وينسبها المؤرخون الى بلاط معاوية ووعاظه. وسميت بهذا الإسم لأنها (رجت) أن يغفر الله لجميع المسلمين الذين تحاربوا في عهد الإمام علي، وإن حسابهم عند الله، لأنهم مؤمنون بإقرارهم الظاهر بالإيمان. وقد اندمجت المرجئة فيما بعد بالأشعرية والسلفية، وباتت عقيدتها هي العقيدة الرسمية لأهل السنة(47).
  • المعتزلة، وهي فرقة تعطي للعقل ومخرجاته أهمية بالغة، وتلتقي في كثير من آرائها العقدية العقلية بالتشيع، ومؤسسها واصل بن عطاء (ت 181هـ)، وسميت بهذا الاسم بناء على اعتزال واصل دروس حسن البصري(ت…….هـ)، لاختلاف الرأي بينهما، أو لأنه اعتزل الخوارج والمرجئة، حسب رأي آخر(48).
  • الأشعرية، نسبةً إلى مؤسسها أبي حسن الأشعري (ت 324هـ)، الذي اختلف مع المعتزلة، وتحديداً مع أستاذه الجبائي في عدة مسائل، تتعلق بالتوحيد والعدل الإلهي وموقع العقل في المعرفة وغيرها، واتبعته مذاهب أهل السنة في أصولها، باستثناء بعض الحنابلة السلفية. وتعتبر الأشعرية عموماً من الفرق الصفاتية(49).
  • الجبرية، وهي فرقة ناقضت المعتزلة في مسألة تفويض الإنسان في أفعاله، إذ يقول الجبرية بأن الإنسان مجبر في أفعاله، بينما تقول المعتزلة بأنه مخير، بينما حسم الإمام الصادق (إمام الشيعة) المسألة بقوله: ((لا جبر ولا تفويض، بل أمر بين أمرين))(50).
  • السلفية، وهي فرقة، تدخل في التصنيف التقليدي، ضمن المدرسة السنية، وقد بلورها أحمد بن حنبل (إمام الحنابلة والسلفيين)، وبلورها أحمد بن تيمية (ت……هـ)، وبات يمثلها عقدياً، رغم أن السلفيين يقولون بأنهم لا ينتمون جميعا الى بن حنبل وبن تيمية(51).

والاتجاهات الكلامية الخمسة الأخيرة هي فرق عقدية، أما الشيعة والخوارج فهما فرقتان تجمعان بين العقائد والفقه، أي بين الأصول والفروع.

2-المذاهب:

  • مذهب الإمامية، الذي بدأ عقيدة وفقهاً على يد علي بن أبي طالب (ت 40 ه)، ثم رسخ قواعده محمد بن علي الباقر (ت 114ه)، وبلوره ونشره جعفر بن محمد الصادق (ت 148هـ).
  • مذهب عبد الله بن أباض (ت86هـ).
  • مذهب الحسن البصري (ت110 هـ).
  • مذهب أبي حنيفة النعمان(ت 150هـ).
  • مذهب الأوزاعي (ت 157هـ).
  • مذهب سفيان الثوري (ت 161هـ).
  • مذهب الليث الإصفهاني (ت 175هـ).
  • مذهب مالك بن أنس (ت 179 هـ).
  • مذهب محمد بن ادريس الشافعي (ت 198 هـ).
  • مذهب سفيان بن عيينة (ت198هـ).
  • مذهب أحمد بن حنبل(ت 241 هـ).
  • مذهب داود الظاهري (ت سنة 270هـ).
  • مذهب محمد بن جرير الطبري (ت310هـ).

وقد اندثر أكثر هذه المذاهب بعد موت مؤسسه، أما من بقي منها، فقد تعرض لتقنين السلطة العباسية، وتحديداً بعد قرار الخليفة العباسي المستنصر( ت 636 ه) حصر المذاهب في أربعة فقط، والمعاقبة على من يتعبد بغيرها(52). أما المذاهب التي استمرت فهي:

1 – مذاهب أهل السنة:

وهي المذاهب الأربعة التي قرر المستنصر العباسي الإبقاء عليها وإجبار المسلمين على التعبد بها:

أ- المذهب الحنفي، نسبة الى الإمام أبي حنيفة النعمان (ت 150ه).

ب- المذهب المالكي، نسبة الى الإمام مالك بن أنس (ت 179ه)،

ت- المذهب الشافعي، نسبة الى الإمام محمد بن إدريس الشافعي (ت 198 هـ)

ث- المذهب الحنبلي، نسبة الى الإمام أحمد بن حنبل (ت 241 هـ).

وتنقسم هذه المذاهب، وفق قواعد التشريع فيها، إلى مدرستين فقهيتين رئيستين، هما:

أولاً: أهل الحديث، وأهل الرأي، فمدرسة الحديث كان مركزها «المدينة المنورة» وتأثرت بالاتجاهات الفقهية لعبد الله بن عمر وزيد بن ثابت والزبير بن العوام، وتبلورت فيما بعد بمذاهب الإمام مالك والإمام الشافعي والإمام ابن حنبل، وتتلخص خصائص هذه المدرسة بما يلي:

1- الاجتهاد في تفسير النصوص، لغرض الوصول إلى الحكم الشرعي، دون اللجوء إلى الرأي.

2 – استسهال قبول الحديث، وإن لم يكن متواتراً، لتجنب الاعتماد على الرأي الذي يخطئ ويصيب.

3 – كراهية الفتوى بالرأي، بشكل عام، والفتوى في المسائل الفرضية بشكل خاص.

ثانياً: مدرسة الرأي فقد تأسست في «الكوفة» على يد إبراهيم النخعي، وتأثرت بعبدالله بن مسعود وعلقمة بن قيس، ثم تمخضت عن ولادة مذهب الإمام أبي حنيفة، تلميذ النخعي. وخصائصها:

1-الإكثار من المسائل الافتراضية في الفقه.

2-عدم التهيب في الفتوى وعدم كراهيتها.

3- التهيب من رواية الحديث، والتحفظ في الرواية، خاصة بعد تفشي حركة الوضع(53).

وفضلاً عن المذاهب الأربعة المذكورة، هناك المذهب الظاهري، نسبة إلى داود الظاهري الأصبهاني، الذي كان شافعياً واختلف معه في مسائل، منها القياس. ويذكر بعض المصادر أن المذهب الظاهري اندثر هو الآخر، وتحديداً خلال القرن السابع الهجري، إلّا أن هناك من لايزال من المسلمين من يتبعه في بعض بلدان المغرب العربي.

2 – مذاهب الشيعة:

وتنتمي جميعها إلى الإمام علي بن أبي طالب، فيما تدخل من الناحيتين الفقهية والأصولية ضمن المدرسة التي كشف عنها الإمام محمد بن علي الباقر(ت  114هـ)، ثم ولده الإمام جعفر بن محمد الصادق(ت 148هـ)، الذي تبلورت على يده المدرسة الفقهية الشيعية، بفضل الظرف السياسي الانتقالي الذي عاش فيه، ما بين نهاية الدولة الأموية وبداية الدولة العباسية، حتى عدّه المؤرخون مؤسساً للمدرسة العلمية الشيعية، في جانبها العقدي والفقهي، بعد أن سمح له الظرف السياسي بتدوين تعاليمها ونشرها وكانت مدرسة الإمام الصادق أوسع المدارس الفقهية، وأبرزها في عصره على الإطلاق، إذ ضمّت أكثر من أربعة آلاف عالم معظمهم من الفقهاء، وبينهم أئمة مذاهب، كمالك وأبي حنيفة وسفيان الثوري.

وقد تعرضت المدرسة الشيعية للانشقاق، وظهر في إطارها المذهب الزيدي، نسبة إلى زيد بن علي السجاد (ت 121 ه)، والذي بدأ حراكاً ثورياً شيعياً ضد السلطة الأموية، ثم انتهى تياراً مذهبياً، وكذلك المذهب الإسماعيلي، نسبة إلى إسماعيل بن جعفر الصادق (ت  142ه)، والذي رأى أتباعه إن الإمامة الشرعية بعد الإمام الصادق ينبغي أن تكون لابنه البكر إسماعيل الذي توفي في حياة أبيه. بيد أن المذهب الإمامي الاثنا عشري بقي ممثلاً عقدياً وفقهياً للتشيع، بالنظر لانتمائه المباشر المستدام لأئمة أل البيت المنصوص عليهم، ولكون الأغلبية الساحقة من الشيعة ينتمون اليه. أما «الغلاة» فليسوا من الشيعة، ونسبتهم إلى الشيعة خطأ علمي وتأريخي(54)، فقد لعنهم أئمة أهل البيت وتبرأوا منهم بفرقهم ومذاهبهم جميعاً، ومن أبرز رموزهم بزيغ بن موسى الحائك، وأبو الخطاب الأجدع، والمغيرة بن سعيد، وحمزة البربري(55).

3 – مذاهب الخوارج:

المذاهب الذي عدّ فيما بعد ممثلاً لتيار الخوارج العقدي والفقهي هو المذهب الإباضي، نسبة إلى عبد الله بن إباض (ت 86 ه).

خطورة الخلط بين السنة والنواصب

في مرحلة استيلاء معاوية بن أبي سفيان على السلطة في الدولة الإسلامية؛ نجحت المنظومة الأموية في تنفيذ الجزء الأكبر من مخططها باختطاف الإسلام، وتأسيس عقيدة بديلة جديدة، تحمل في ظاهرها الطقوسي والعقدي اسم الإسلام، لكنها في حقيقتها عقيدة ونظام سياسي وسلوكيات مختلفة، متشبّهة بالنظام المسيحي الثيوقراطي الإمبراطوري الروماني الذي أسسه قسطنطين الأول. وقد تسنى ذلك لمعاوية وآل أمية عبر موجات الوضع في الحديث النبوي، وتأسيس الملكية الوراثية المطلقة، واستخدام سلوكيات الترغيب والترهيب ضد المسلمين، وبناء مجتمع أموي موالي في الشام، وقمع الأسرة النبوية المكلّفة بخلافة رسول الله، والعمل على تهميش دورها حتى في البعد الديني.

العملية الأساس الأولى التي مثّلت جدار الصد لعملية الاختطاف الأموي للإسلام؛ كانت نهضة الإمام الحسين بن علي، وما أعقبها من ثورات على خطاها، وأهمها ثورة التوابين وثورة المختار الثقفي وثورة زيد بن علي وثورات العلويين وأتباع آل البيت اللاحقة.

أما العملية الأساس الثانية فتمثلت في المواجهة العلمية والدينية والتبليغية التي قام به أئمة آل البيت لمخطط اختطاف الإسلام، والتي تألقت في عصر الإمامين الباقر والصادق، والذي شهد أيضاً ظهور محدّثين فقهاء كبار في المدينة والكوفة، ينتمون الى مدرسة الخلافة (السنية)؛ عملوا على الابتعاد عن المنهج الحديثي والعقدي والفقهي الأموي، وتأصيل فقه مدرسة الخلافة بما ينسجم مع الكليات العامة للإسلام، خاصة أن كثيراً منهم درس عند الإمامين الباقر والصادق. وقد تبلورت هذه المنظومة السنية عقدياً وفقهياً خلال القرن الأول من الحكم العباسي، والذي يمثل نفسه هذه المنظومة، إذ رفضت هذه المنظومة كثيراً من قواعد الايديولوجية الأموية وسلوكياتها، ومنها مناصبة آل البيت العداء، لكنها كانت تقمع البيت النبوي وآل البيت بشدة إذا ما أحسنت بأي تهديد، ولو كان وهمياً، وبالتالي، فهي كانت تمارس ضد آل البيت سلوكاً سياسياً تجاه ما تفترضه معارضة سياسية لحكمها، وليس سلوكاً عقدياً اجتثاثياً ناصبياً.

وقد كان نتاج مواجهة أئمة آل البيث لمؤامرة المنظومة الأموية؛ الحيلولة دون تمكينها من اختطاف الإسلام بشكل كامل. كما أدى وقوف آل البيت بوجه الانحراف العباسي وممارساته القمعية؛ الى الحيلولة دون سقوط المسلمين كافة في شرك الواقع العباسي. وبالتالي؛ أدى مسار الصراع السياسي والعقدي بين المنظومات الثلاث: النبوية والأموية والعباسية، الى تجذّر الانقسام بين المسلمين نظرياً وعملياً، وتبلوره نهائياً في ثلاث شرائح، لاتزال قائمة حتى الآن:

  • الشريحة الأولى: اختارت التمسك عقدياً وروحياً واجتماعياً وسياسياً بمدرسة آل البيت النبوي، و أخذت عنوان “التشيع”، وهي مدرسة “الإمامة” الشيعية، وكان يمثلها ويقودها رسمياً الأئمة الإثني عشر من آل البيت، وبات الإمام جعفر الصادق يمثل رمزيتها العقدية والفقهية والاجتماعية، ثم أصبح لها بالتدريج كياناتها العلمية الدينية، كالمدينة والكوفة وبغداد وقم والنجف، والاجتماعية، في أغلب البلدان الإسلامية، والسياسية، ممثلة بدولتي الإمام علي والإمام الحسن، ثم الدول التابعة والمنتسبة لهذه الشريحة في إيران والعراق والشام ومصر والمغرب العربي والهند. أما اليوم فتنتمي إليها دولة واحدة فقط هي إيران، إضافة الى أجزاء أساسية من أنظمة العراق ولبنان واليمن. كما تعد النجف وقم أبرز من يمثل هذه الشريحة من الناحية العلمية- الدينية.
  • الشريحة الثانية: اختارت الانخراط عقديا وسلوكياً وسياسياً بمدرسة آل أمية، وأخذت عنوان “النصب”، أي العداء للإسلام الأصيل المتمثل بآل البيت، وصولاً الى انبثاق العقيدة التكفيرية السلفية لأحمد بن تيمية، وكان وجودها السياسي التأسيسي متمثلاً بالدولة الأموية، ثم بعض الدول الفرعية للدولة العباسية، وتحديداً دولة صلاح الدين الأيوبي. أما أبرز مصاديقها اليوم؛ فهي الفرقة “الوهابية” ومؤسستها الدينية الحاكمة في الدولة السعودية، والتي كرّست عقيدة التكفير كوجه آخر لعقيدة النصب، وكيانها السياسي المتمثل بالدولة السعودية، إضافة الى الكيانات السياسية المؤقتة، كداعش وطالبان. كما يمثلها من الناحية الطائفية- السياسية حزب البعث العراقي، وتحديداً التيار الذي سيطر على الحزب بعد العام 1979.
  • الشريحة الثالثة: اختارت الحياد بين المنظومة الأموية ومدرسة آل البيت، وفضّلت التمسك بما أسمته سيرة الخلفاء الراشدين والصحابة، أي أنها لم تأخذ بعقيدة الإمامة وفقه آل البيت ولا بعقيدة آل أمية ومنهج النصب والتكفير، وحملت عنوان “التسنن” بمرور الزمن، وهي مدرسة “الخلافة” أو “أهل السنة”، والتي عبًر عنها فقهاء ومتحدثون وعلماء كلام مؤسسون، كالأشعري والإمام مالك والإمام أبي حنيفة والإمام الشافعي والإمام الظاهري. ولعل أكثر الكيانات السياسية تعبيراً عنها هي الدولة العباسية ثم العثمانية، ثم البلدان الإسلامية وأنظمتها في الوقت الحاضر. وتعد مؤسسة الأزهر في مصر المؤسسة الدينية العلمية الأكثر تعبيراً عن عقيدة هذه الشريحة وفقهها.

ولكي نكون أكثر التصاقاً بالحقيقة؛ فإن مدرسة “أهل السنة” كانت ولا تزال منحازة لآل البيت عاطفياً، ولا تخفي حبّها لهم، لكنها عقدياً وفقهياً لا تتبعهم؛ بل تتبع فقهاء ومتكلمين آخرين من مدرسة “الخلافة”، كالأشعري والماتريدي وأبي حنيفة ومالك والشافعي وابن حنبل، وهذا هو ما يميزها عن مدرسة “التشيع” ومدرسة “النصب” والتكفير. أي أنها مدرسة بين المدرستين. لكن هذه المدرسة – كما ذكرنا – لا تتردد عن ممارسة القمع ضد مدرسة آل البيت وأتباعها، عند الإحساس بأي تهديد عقدي وسياسي، وإن كان وهمياً، مع الأخذ بالاعتبار أن هذا القمع لا يتم على خلفية عقيدة النصب والتكفير، بل على خلفية طائفية – سياسية غالباً.

وعندما نتحدث عن مدرسة النصب لآل البيت وتكفير من لم يعتقد بأفكارها؛ فإنما نقصد الجانب العقدي والسلوك العقدي لهذه المدرسة غالباً. صحيح أن جذور عقيدة هذه المدرسة وفقهها يعودان الى الإمام أحمد بن حنبل، الذي يعد مؤسس مذهب فقهي وكلامي، مستقل فقهياً عن المذاهب السنية التي سبقته، وعن الفرق الكلامية كالأشاعرة والماتريدية والظاهرية، وكانت فرقته تعرف آنذاك بـ “الأثرية”، وهي تتشبه بالفرقة “الحشوية”، ثم استقرت فيما بعد على اسم “السلفية”؛ بيد أن بعض شيوخ الفرقة الأثرية السلفية، انحرف بالتدريج عن عقيدة ابن حنبل في موقفها من آل البيت، حتى جاء ابن تيمية، وهو حنبلي أساساً، لكنه كان زعيماً لإحدى الجماعات المنحرفة المنسوبة الى الحنبلية السلفية؛ ليعيد الحياة لعقيدة آل أمية، ويعلن مذهب التكفير والنصب، ولا سيما عبر كتابه “منهاج السنة النبوية”، ثم عمّق هذا المعتقد محمد بن عبد الوهاب المتحالف مع محمد بن سعود، وبات سلطة فتّاكة بيد الدولة الوهابية السعودية لمحاربة آل البيت وتكفير أتباعهم.

ويمكن القول أن الشيخ أحمد ابن تيمية هو الذي بلور مدرسة النصب نظرياً، وأعطاها بعداً عقديا وفقهياً، بوصفها امتداداً للعقيدة الأُموية؛ فقد ذكر ابن حجر العسقلاني: ((أن ابن تيمية خطّأ أمير المؤمنين عليًّا كرّم الله وجهه في سبعة عشر موضعاً خالف فيها نص الكتاب، وأن العلماء نسبوه إلى النفاق لقوله هذا في علي كرّم الله وجهه، ولقوله أيضًا فيه: إنه كان مخذولاً، وإنه قاتل للرئاسة لا للديانة))(56). وقال العلوي بن طاهر الحداد بشأن نصب ابن تيمية: «وفي منهاجه، من السب والذم الموجّه المورد في قالب المعاريض ومقدمات الأدلة في أمير المؤمنين علي والزهراء البتول والحسنين وذريتهم، ما تقشعر منه الجلود وترجف له القلوب، ولا سبب لعكوف النواصب والخوارج على كتابه المذكور إلّا كونه يضرب على أوتارهم ويتردد على أطلالهم وآثارهم»(57).

وقد دوّن ابن تيمية عدد من النصوص في هذا المجال: «وليس علينا أن نبايع عاجزاً عن العدل علينا ولا تاركاً له، فأئمة السنة يسلمون أنه ما كان القتال مأموراً به لا واجبًا ولا مستحبّاً»(58). وكذلك: «وإن لم يكن علي مأموراً بقتالهم ولا كان فرضاً عليه قتالهم بمجرد امتناعهم عن طاعته مع كونهم ملتزمين شرائع الإسلام»(59). كما يذكر أن قتال علي في صفّين والجمل كان بالرأي، ولم يكن علي مأموراً بذلك: «فلا رأي أعظم ذمّاً من رأي أريق به دم ألوف مؤلفة من المسلمين، ولم يحصل بقتلهم مصلحة للمسلمين لا في دينهم ولا في دنياهم، بل نقص الخير عمّا كان وزاد الشر على ما كان»(60)، ويقول: «وأما الإجماع فقد تخلَّف عن بيعته والقتال معه نصف الأمة أو أقل أو أكثر، والنصوص الثابتة عن النبي تقتضي أن ترك القتال كان خيراً للطائفتين، وأن القعود عن القتال كان خيراً من القيام فيه، وأن عليّاً مع كونه أولى بالحق من معاوية لو ترك القتال لكان أفضل وأصلح وخيراً»(61). ويقول: «والمقصود هنا أن ما يُعتذر به عن علي فيما أُنكر عليه يُعتذر بأقوى منه في عثمان، فإن عليًّا قاتل على الولاية وقُتل بسبب ذلك خلق كثير عظيم، ولم يحصل في ولايته لا قتال للكفار ولا فتح لبلادهم ولا كان المسلمون في زيادة خير»(62).

ويقول ابن تيمية: «ولم يكن كذلك علي فإن كثيرًا من الصحابة والتابعين كانوا يبغضونه ويسبونه ويقاتلونه»(63). ويقول: «والذي عليه أكابر الصحابة والتابعين أن قتال الجمل وصفين لم يكن من القتال المأمور به، وأن تركه أفضل من الدخول فيه، بل عدُّوه قتال فتنة، وعلى هذا جمهور أهل الحديث وجمهور أئمة الفقهاء»(64) ويقول: «ولهذا كان علماء الأمصار على أن القتال كان قتال فتنة، وكان من قعد عنه أفضل ممن قاتل فيه، وهذا مذهب مالك وأحمد وأبي حنيفة والأوزاعي بل والثوري ومن لا يحصى عدده»(65)، ويقول: «وخلافة علي اختلف فيها أهل القبلة، ولم يكن فيها زيادة قوة للمسلمين ولا قهر ونقص للكافرين»(66).

وبشأن تشكيكه في إسلام الإمام علي يقول ما نصه: «وعلي يثبت له حكم الكفر والإيمان وهو دون البلوغ، والصبي المولود بين أبوين كافرين يجري عليه حكم الكفر في الدنيا باتفاق المسلمين، وإذا أسلم قبل البلوغ على قولين للعلماء، بخلاف البالغ فإنه يصير مسلمًا باتفاق المسلمين، وكان إسلام الثلاثة مخرجًا لهم من الكفر باتفاق المسلمين، وأما إسلام علي فهل يكون مخرجًا له من الكفر على قولين مشهورين، ومذهب الشافعي أن إسلام الصبي غير مخرج له من الكفر»(67).

وقال أيضًا في منهاجه ما نصه: ((وقد أنزل الله تعالى في علي: ((يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَقْرَبُوا الصَّلاَةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ))(68)، لما صلى فقرأ وخلط))(69).

ولعل جزءاً مهماً من خديعة الفرقة التيمية الوهابية؛ زعمها أنها تمثل مذهب أحمد بن حنبل وفرقته السلفية الأثرية، وأنها جماعة سنية مجدِّدة، وليست فرقة مستقلة عن أهل السنة، لكن هذا الزعم يخالف الواقع، ودليل ذلك تصنيف ابن تيمية نفسه، الذي يؤكد بأن مصطلح أهل السنة ينطبق على الفرقة السلفية حصراً، وليس على المذاهب الأخرى التي تدعي الانتساب لأهل السنة، كالمالكية والحنفية والشافعية؛ إذ يقول بأن المراد من لفظ أهل السنة معنيان: الأول: هو ما يقابل الشيعة (الرافضة)، وتدخل فيه كل طوائف المسلمين المعترفين بخلافة الخلفاء الثلاثة، كالأشاعرة والماتريدية والمعتزلة والإباضية، وحتى الصوفية، والثاني: المعنى الخاص، ولا تدخل فيه الطوائف السابقة إنما هو خاص بالسلفية، ويعبِّر عنهم بـ (أهل الحديث)(70).

لذلك؛ ينبغي أن يتنبه أتباع مدرسة آل البيت الى أهمية عدم الخلط بين مدرسة “السنة” والخلافة وبين مدرسة “النصب” والتكفير، لأنهما مدرستان مختلفتان، بل متعارضتان في كثير من المسائل العقدية، وفي النظرة لآل البيت وللشيعة، وفي المنهج التربوي والسلوك الاعتقادي، وفي تفسير التاريخ. كما ينبغي الحذر الشديد من أي كلام أو سلوك يدفعان أتباع المذاهب السنية الى الارتماء في أحضان مدرسة “النصب” والتكفير، لأن أهم هدف لهذه المدرسة هو تنصيب نفسها مدافِعاً عن أهل السنة وناطقاً باسمهم، واستقطاب أكبر عدد ممكن من أتباع المدرسة السنية، وتحويلهم الى أعداء للشيعة، وأدوات لتدمير الواقع الإسلامي برمته، عبر إقناعهم بالعقيدة الأموية التيمية الوهابية.

محاور الخلاف والاتفاق بين الشيعة والسنة

قبل الخوض في محاور الخلاف السني ــ الشيعي؛ نشير الى أن أحداث العصرين الأُموي والعباسي، ساهمت في بلورة مفهومي «الشيعة» و«السنة»، للدلالة على منظومتين مختلفتين، عقدياً وفقهياً، وسياسياً واجتماعياً، رغم أن تسميتي الشيعة والسنّة لا تعبران عن حقيقة علمية، فاستخدام المصطلحات والتسميات في تلك الحقبة، لم يكن واقعياً ومتجرداً، بل كان يخضع ـــ غالباً ـــ للمزاج الفكري والميل السياسي والتعصب الطائفي، فمصطلح «أهل السنة» أُريد منه أن الشيعة يرفضون السنّة النبوية، في حين أن الشيعة وهم يؤمنون بالسنّة كل الإيمان، يُعدّون من أهل السنّة أيضاً، كما لا تعني «الشيعة» أنهم شيعة علي فقط، وليسوا شيعة الرسول، ولا كما يقول النواصب بأن الشيعة شايعوا عليّاً، لأنهم يعتقدون أنّه أولى بالنبوة من الرسول. ثم أطلق مصطلح «الرافضة» أو «الروافض» على أتباع أهل البيت، فصار مرادفاً للشيعة، لأنهم رفضوا شرعية اعتبار أن يكون الإمام علي خليفة رابعاً، كما نسب الى الإمام زيد بن علي (71). وهكذا كان التلاعب بالألفاظ والمصطلحات جزافاً، يجر بالضرورة إلى أفكار وتصورات وأحكام تفرض على تلك المصطلحات بالقوة والفعل، وكان يراد بذلك تعميق الفرقة في صفوف المسلمين.

ولعل الاستخدام الأقرب إلى الواقع، هو إطلاق تسمية «مدرسة الخلفاء» على المدرسة الإسلامية التي تُعرف تاريخياً بأهل السنة، وإطلاق تسمية «مدرسة أهل البيت» على الشيعة(72).

ويمكن حصر محاور الخلاف بين الشيعة والسنة بستة محاور:

  • الإمامة والخلافة:

بدأ الخلاف بين المسلمين حول موضوع خلافة رسول الله فور وفاته، وهو أساس انشقاق المسلمين؛ فقد ذهبت جماعة من المسلمين الى اختيار أحد الصحابة قائداً للمسلمين وللدولة الإسلامية، خلفاً للنبي، وأطلقت عليه لقب “الخليفة”، وهي مدرسة الخلافة التي ـــ تلخصت فيما بعد ـــ  بمدرسة أهل السنة، بينما أصرت جماعة أخرى على النص النبوي في إمامة علي بن أبي طالب، ليس بوصفه الخلف السياسي للرسول وحسب، بل الديني والسياسي، لأن الإمام ــ في العقيدة الشيعية ــ هو امتداد ديني ودنيوي للنبي، وهي مدرسة الإمامة التي تلخصت بمدرسة الشيعة. وليس الخلاف هنا يتعلق بموضوع سياسي أو يتعلق بالسلطة، كما تذهب المدرسة السنية، بل هي قضية عقدية تتعلق بالتمسك بنص الرسول على علي وولده كأئمة للمسلمين من بعده، وبالتالي؛ فالخلافة عند السنة هي موضوع سياسي وزمني، وعند الشيعة موضوع عقدي.

ويضع الشيعة شروطاً أساسية ينبغي توافرها في إمام المسلمين، أهمها: النص والأعلمية والعدالة، في حياة الأئمة الإثني عشر، ثم الفقاهة والعدالة والكفاءة بعد نهاية عصرهم، وهي الشروط التي لا يراها أهل السنة إلزامية في خليفة رسول الله، بل يرتضون بالسلطان الذي يأتي بالوراثة (ولاية العهد) أو بالحرب والانقلاب (الغلبة) أو الانتخاب الخاص (الشورى الخاصة)، أو الوصية من الخليفة الذي يسبقه، وإن كان هذا السلطان فاقداً لكل شروط الأهلية لهذا المنصب الخطير، ومثال ذلك سلاطين الأمويين والعباسيين والعثمانيين.

  • أصول الدين:

وهي الإطار النظري العقدي للخلاف بين السنة والشيعة، فالشيعة يضعون الإمامة أصلاً من أصول الدين، إضافة الى التوحيد والعدل والنبوة والمعاد، والسنة يكتفون بثلاثة أصول هي التوحيد والنبوة والمعاد. ويذهب الشيعة الى أن عدم الإيمان بأصل الإمامة لا يخرج المسلم من ملة الإسلام، ولذلك؛ قالوا بأن العدل والإمامة هما من أصول المذهب. ويترتب على أصل الإمامة عند الشيعة كثير من القضايا العملية، كونه امتداد ديني لأصل النبوة، ويكتمل الإيمان به، وأهمها الاعتقاد بإمامة علي وولده الأحد عشر، بالنص والاسم، وكونهم أصحاب الحق بقيادة المسلمين الدينية والسياسية وبرئاسة الدولة الإسلامية، وكذلك بعصمة هؤلاء الأئمة ومنزلتهم التشريعية والتكوينية الخاصة.

  • فروع الدين:

وهي الخلافات المرتبطة بمجال العبادات والمعاملات، فالمسلمون يتفقون على الصلوات الخمس بالكيفية نفسها، والاتجاه خلالها نحو الكعبة في مكة، وصوم شهر رمضان، والزكاة، والحج الى بيت الله، والجهاد، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لكنهم يختلفون في تشريع الخمس، الذي يحصره أهل السنة في غنائم الحرب في عصر الرسول، بينما يعده الشيعة فرعاً مستمراً لما بعد عصر الرسول، وشاملاً لكل الأرباح، شأنه شان الزكاة. وهناك أيضاً فرعان يعدهما الشيعة من فروع المذهب، هما الولاء لأهل البيت والبراءة من أعدائهم، وهما التشريعات المتفرعان عن أصل الإمامة.

ويتفق الشيعة والسنة على أن من أنكر أصلاً أو فرعاً ثبت بضرورة الشريعة، أنه ليس مسلماً، وكذا من استحل إحدى المحرمات الأساس، كمعظم النجاسات، ومنها الخمر، والفقاع، والخنزير، والميسر، والزنا، والسرقة، والكذب، والقتل – دون حق – وغيرها، فهو غير مسلم، وينبغي الإشارة إلى أن الإنكار والاجحاد يختلفان عن المعصية، فالمعصية، وإن اختلف علماء العقيدة في نوعها وحجمها، لا تستوجب الكفر والخروج عن ملة الإسلام.

  • أصول التشريع والاجتهاد:

يتفق المسلمون، سنة وشيعة، على أن القرآن الكريم هو المصدر الأول في التشريع، وهو القرآن الموجود بين أيدينا الآن، دون زيادة ولا نقصان(73)، مع وجود اختلافات حول تفسير بعض آياته وأسباب نزوله، كما يتقفون على أن السنة النبوية هي المصدر الثاني في التشريع، لكنهم يختلفون في رواة السنة النبوية وأسانيدها وطرق ثبوتها، فأهل السنة يأخذون الحديث من طريق الصحابة، بينما يقصر الشيعة الرواية على أئمة آل البيت، كما يعد الشيعة سنة أئمة آل البيت امتداداً لسنة الرسول، ولذلك؛ فإنهم يضعونها جزءاً من أصل التشريع الثاني. أما الأصل الثالث، أي الإجماع، فهناك اتفاق حوله، لكن الشيعة يشترطون أن يكون كاشفاً لرأي الإمام.

ويضع أهل السنة مصادر أخرى، كالقياس والاستحسان وسنة الصحابي، بينما يرفضها الشيعة، ويضعون العقل مصدراً رابعاً للتشريع، أو بمعنى أدق مصدراً كاشفاً عن رأي الشريعة، وليس مصدراً مستقلاً للتشريع(74). كما لا يأخذ الشيعة بسير الصحابة كمصدر تشريعي، ويعدونها سيراً شخصية متعارضة، ولايمكن أن تكون جزءاً من الدين،

  • السياسة والتاريخ:

يختلف السنة والشيعة في النظر الى كثير من الأحداث والوقائع التي حفل بها تاريخ المسلمين، وأبرزها الخلاف حول سلوكيات بعض الصحابة، ولا يعدونهم جميعاً عدولاً، بل رجال أصابوا وأخطأوا، بل تقاتلوا، وفسّقوا بعضهم، وكذلك شرعية وسلوكيات السلاطين الأمويين والعباسيين، فأهل السنة يعتقدون بشرعية هؤلاء السلاطين، ويعدونهم خلفاء لرسول الله، ويمتدحونهم، بينما يرفض الشيعة أن يكون هؤلاء خلفاء لرسول الله، لأنهم يفتقدون الى أدنى شروط الأهلية لتمثيل الإسلام وقيادة المسلمين، بل أنهم اغتصبوا حق أهل البيت في خلافة رسول الله، وقد قتلوا الأئمة وذراريهم وشيعتهم، وارتكبوا كل أنواع الموبقات، وحرفوا مسار المسلمين عن خط الإسلام الأصيل.

  • الاجتماع الديني والسياسي:

وهو الخلاف الذي يدخل في إطار شكل المؤسسة الدينية الاجتماعية لكل من السنة والشيعة وجوهرها، فالمؤسسة الدينية عند أهل السنة، بمحديثها وعلماء كلامها وفقهائها ومفتيها ومبلغيها ودعاتها، هي جزء من الدولة، أو بكلمة أدق جزء من سلطة الخليفة. كما أن الاجتماع السياسي الرسمي لأهل السنة هو جزء من الدولة. أما عند الشيعة، فإن الاجتماع الديني والسياسي هو مستقل تماماً عن الدولة، ويرتبط بالإمام مباشرة، أو بنائب الإمام (الفقيه) بعد عصر الأئمة، وينسحب هذا على القوام المالي للمؤسسة الدينية الاجتماعية، فهو عند أهل السنة يعتمد على الميزانية التي يضعها السلطان، وإن علماء الدين السنة يعتمدون عطاء الخليفة في حياتهم المعيشية، وهو ما يجعلهم موظفون عند السلطان، بينما تعتمد المؤسسة الدينية الاجتماعية الشيعية على مصادر مالية مستقلة عن الدولة بالكامل، وأهمها الخمس وغيره من الحقوق الشرعية والتبرعات.

وينبغي عدم التعامل مع قضايا الخلاف أعلاه (75) تعاملاً سطحياً وعاطفياً وانفعالياً، وعدم فرض معايير المصالح السياسية والاجتماعية عليها، وخاصة القضايا ذات العلاقة بالشأن العقدي، لأن التعامل العاطفي الانفعالي أو التعامل المصلحي يُنتجان إفراطاً وتفريطاً، أو تعصباً وانغلاقاً من جهة، وانفلاتاً وعدم اكتراث من جهة أخرى، والحال؛ أن النظرة الصحيحة لهذه الخلافات هي المرنة المعتدلة الواقعية، التي تعطي الأمور حقها، دون زيادة وتهويل أو نقصان وتهزيل.

ولعل من الأمور التي يتعامل فيها بعض الشيعة والسنة تعاملاً سطحياً عاطفياً، هي قضية العلاقة بآل البيت؛ فهذا البعض يردد بأن السنة يحبون آل البيت أيضاً، وأن التاريخ يشهد بذلك، وبالتالي؛ لا فرق في محبة آل البيت بين السنة والشيعة، والحال؛ أن الفرق في هذا المجال جوهري وعميق. صحيح أن السنة والشيعة (وليس منها النواصب) يشتركون في حب آل البيت وإجلالهم واحترامهم، إلّا أنّ طبيعة هذا الحب تختلف اختلافاً جوهرياً بين الطرفين؛ فحب السني لآل البيت منشؤه العاطفة، بينما حب الشيعي لآل البيت قاعدته الولاء، وهو الفرق بين الحب العاطفي وبين الولاء والانتماء؛ فحين يتغنى السني بالإمام علي والزهراء والحسن والحسين، ويحترم الأئمة الأطهار؛ فإنه يعبّر عن حب مجرد من الولاء والانتماء العقدي والفقهي، وقد يصل حبه لهم مستوى الدعم السياسي، كما حصل في حقب تاريخية كثيرة، لكنه دعم غير مقترن بالانتماء، بل مقترن بتحسس مظلوميتهم وحقانيتهم الشخصية؛ إذ أن عقيدة أهل السنة تفرص على السني أن يجمع بين محبة أهل البيت ومحبة خصومهم وأعدائهم وقاتليهم، لأنها عقيدة قائمة على قاعدة الجمع بين حب آل البيت، وحب جميع الصحابة والخلفاء والسلاطين الأمويين والعباسيين والأيوبيين، وإن كانوا متخاصمين، وقد قتل بعضهم الآخر، وانحرف قسم منهم عن جادة العقيدة والسلوك الديني، وخرج قسم آخر على خليفة رسول الله الإمام علي وقاتلوه.

وهذا الجمع، عند السني، في الحب بين المتناقضين والمتعارضين، لا يعني أنه يوالي آل البيت والصحابة معاً وبالمستوى نفسه، بل أنه يحب آل البيت وأئمتهم، لكنه في الجانب العقدي والفقهي والسياسي، يتبع ويوالي الخلفاء والسلاطين والمحدثين والمتكلمين والفقهاء الذين يقفون في الجهة المقابلة لأئمة آل البيت، وهي تبعية تصل الى حد التقديس. ورغم أن السني يعترف – غالباً – بأن طريق آل البيت هو الأقرب الى رسول الله، لكنه – في الوقت نفسه – يأخذ حديثه من أبي هريرة والبخاري ومسلم، كما يأخذ عقيدته من الأشعري، وفقهه من مالك وأبي حنيفة والشافعي وابن حنبل، ولا يأخذها من الباقر والصادق، وهو تعارض تسمح به العقيدة السنية كما ذكرنا. أما الشيعي؛ فحبه لأهل البيت قائم على أساس عقدي وليس عاطفي وحسب، وهو أساس يفرض على الشيعي أن يتبع أئمة آل البيت في الحديث والعقيدة والفقه والسيرة والسياسة. كما أن عقيدة التشيع لا تسمح للشيعي أن يجمع بين الولاء لآل البيت وبين حب خصومهم وأعدائهم وقاتليهم، بل يفرض عليه، هذا الولاء العقدي الشامل، البراءة من أعدائهم.

وحتى في الاجتماع السياسي والديني؛ فإن العقيدة السنية لا ترى تعارضاً بين أن يكون السني محباً لآل البيت ومتعاطفاً معهم ومع مظلوميتهم، وبين أن يكون منتمياً وموالياً للاجتماع السياسي والديني للأنظمة الأموية والعباسية والأيوبية والعثمانية والسعودية والبعثية التي ذبحت أئمة آل البيت وذراريهم وشيعتهم، لأن الفقه السياسي السني لديه التكييفات الشرعية والعقلية التي تفرض على السني القبول بهذا التناقض.

ما أود قوله في هذا المجال؛ إن المصالح الشخصية والسياسية والاجتماعية ينبغي ألّا تدخل في حرف الثوابت العقدية والفقهية؛ فالشيعة والسنة أخوان في الدين والأوطان والجغرافيا والمصالح، والخلاف بينهم في الجانب العقدي والفقهي خلاف مقبول ومحترم، ولكن ينبغي عدم تكييف هذا الخلاف على أساس المصالح، كما ينبغي ألّا يتحول الى مادة للصراع السياسي والمجتمعي، وهو اختلاف وتعدد لا يخرج أياً من المدرستين عن الإطار العام للإسلام وشرعه، كما يقول أبو الحسن الأشعري ((اختلف الناس بعد نبيهم على أشياء كثيرة، ضلّل بعضهم بعضا، وبرّأ بعضهم من بعض؛ فصاروا فرقاً متباينين وأحزاباً متشتتين، إلّا أنّ الإسلام يجمعهم ويشتمل عليهم))(76)؛ بالرغم من المحاولات الحثيثة والمستمرة التي ظلّت بعض التيارات التكفيرية تمارسها من أجل إخراج هذه المدرسة أو تلك عن دائرة الإسلام، تمهيداً لاستئصالها عبر فتاوى إهدار الدم واستباحة الأعراض والأموال، بدلاً من الحوار ومحاولات تقنين الخلاف كلون من ألوان الاعتراف المتبادل بأحقية كل طرف في الاحتفاظ بأحكامه وقضاياه التي يختلف فيها مع الآخر، دون أن يؤدي ذلك إلى الإلغاء والإقصاء والتكفير.

وقد ساهمت السلطات غالباً في دعم تيارات الإقصاء والتكفير بأسباب القوة؛ لتحقيق أهداف سياسية، في مقدمها استئصال المعارضة التي تمثلها الطائفة المختلفة معها مذهبياً، وبذلك؛ تلتقي التيارات التكفيرية مع السلطة عند مصلحة مشتركة عنوانها القضاء على الآخر المذهبي، فقد ظل أتباع أهل البيت الأكثر عرضةً لأشكال الاصطفاف هذه، والتي تستغل الخلاف الكلامي والفقهي والتاريخي لشن حملات التكفير وإهدار الدم؛ الأمر الذي أدى إلى استئصال المجتمعات والكيانات الشيعية استئصالاً كاملاً في كثير من مناطق العالم الإسلامي، كشمال إفريقيا ومصر ومعظم تركيا وبلاد الشام، بالرغم من أنهم كانوا يمثّلون وجودات غاية في القوة وسعة الانتشار.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الإحالات

(1) نهج البلاغة، تحقيق: صبحي الصالح، خطبة (231).

(2) أخرجه الطبراني والحاكم ومعظم أصحاب السنن، مع اختلاف في النص، انظر: محمد بن عمر الزمخشري، تفسير الكشاف، عن حقائق غوامض التنزيل، ج2 ص83.

(3) ورد هذا المعنى في العديد من خطبه وكلماته ورسائله، ومنها خطبته الشهيرة بـ«الشقشقية». انظر: نهج البلاغة، ص48 – 50.

(4) المصدر نفسه، تتمة الحكمة (270).

(5) يُنسب الى رسول الله حديث يخبر فيه عن افتراق أمته من بعده إلى ثلاث وسبعين فرقة، كلها في الهاوية، إلا واحدة في الجنة، هي الفرقة الناجية: «افترقت اليهود إلى إحدى وسبعين فرقة، كلها في الهاوية إلا واحدة».

(5) المصدر نفسه، الرسالة (78).

(6) المصدر نفسه، الخطبة (162). والبيت لامرئ القيس.

(7) انظر: محمد جواد مغنية، بدعة التعصب والاجتهاد في مورد النص، دعوة التقريب بين المذاهب، ص116.

(8) انظر: الشيخ محمود شلتوت، مقدمة تفسير البيان للشيخ الطبرسي، دعوة التقريب بين المذاهب الإسلامية، ص24.

(9) نهج البلاغة، الخطبة (147).

(10) المصدر نفسه، الخطبة (192).

(11) نهج البلاغة، الخطبة (27).

(12) بلغت فرقة الخوارج مبلغاً غريباً من النصب والعداء لعلي بن أبي طالب، فشاعرهم عمران بن حطان (ت84هـ) يقول في عبد الرحمن بن ملجم وضربته التي قتل الإمام علي:

«لله در المرادي الذي سفكت                كفاه مهجة شر الخلق إنساناّ

يا ضربة من تقي ما أراد بها                  إلا ليبلغ من ذي العرش رضواناً

إني لأذكره يوماً فاحسبه                      أوفى البرية عند الله ميزاناً

انظر: عبد القادر بن عبد البغدادي، خزانة الأدب ولب لباب العرب، ج2 ص436.

(13) عبد الحسين الأميني النجفي، الغدير في الكتاب والسنّة والأدب، ج11 ص77.

(14) انظر: المقدسي في أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم، ج2 ص126 وص299. نقلاً عن: آدم متز، الحضارة الإسلامية في القرن الرابع الهجري، ج1 ص128، أيضاً: أسد حيدر، الإمام الصادق والمذاهب الأربعة، ج1 و2، ص260. وقد روى الأميني في الغدير عشرات الأحاديث الموضوعة في معاوية. انظر: ج11 ص76 – 101.

(15) انظر: الأميني، ج11 ص74 – 75.

(16) «أبو تراب» كنية أطلقها الرسول(ص) على الإمام علي(ع).

(17) الطبرسي، ص448.

(18) أخرجه الخطيب في تاريخه، ج2 ص302، وذكره الذهبي في ميزان الاعتدال، ج2 ص302، وقال بأنه حديث كذب. انظر: أحمد بن علي الطبرسي، الاحتجاج، ج2 ص446 – 447.

(19) الطبرسي، ج2 ص448.

(20) المصدر نفسه.

(21) يقول الحافظ السيوطي: كان في أيام بني أمية أكثر من سبعين ألف منبر يلعن عليها علي بن ابي طالب بما سنّه لهم معاوية.

انظر: الأميني، ج2 ص102.

(22) نهج البلاغة، الخطبة (206).

(23) المصدر نفسه، الخطبة (127). وقد رواه ابن كثير بنحو آخر: «ألا وأنه يهلك في اثنان، محب مفرط يفرطني بما ليس في، ومبغض يحمله شنآني على أن يبهتني».

(24) وهي التسمية التي يتبناها العلامة مرتضى العسكرية في كتابه معالم المدرستين. ومصطلح المدرسة يعني هنا مجموعة الأفكار والنظريات والمعتقدات التي تشكل إطاراً أوسع من المذهب أو الفرقة.

(21) كما نجح قسطنطين في اختطاف الديانة المسيحية، والقضاء عليها تقريباً، حتى استحالت عقيدتة الممثل الرسمي لدين السيد المسيح، وبات أتباع عقيدته الأكثر عدداً اليوم بين الأديان على مستوى العالم، وهم يعتقدون أنهم أتباع المسيح، ولايعلمون أنّهم أتباع قسطنطين؛ فإن معاوية أيضاً حاول اختطاف الديانة الإسلامية، والقضاء عليها عبر فرض تعاليمه البديلة، ورغم أنه لم ينجح بمستوى نجاح قسطنطين، إلّا أن عقيدته استحالت أيضاً مذهباً رسمياً في بعض بلدان المسلمين، منذ تأسيس الدولة الأموية وحتى الآن.

(24) معظم أئمة المذاهب والحفاظ والمحدّثين (من أهل السنة والشيعة) يؤكدون عدم صحة أي حديث في فضل معاوية، وأن كل الروايات الواردة بمناقبه وفضائله كاذبة وموضوعة، ومن هؤلاء، الإمام أحمد بن حنبل، والحاكم، ومسلم، وابن ماجة، وابن تيمية، وغيرهم.

(25) محمد حسين فضل الله، المذهبية الفكرية لا المذهبية الطائفية، مجلة الحكمة، العدد السادس رجب 1400هـ، ص6.

(26) يقول ابن منظور في لسان العرب: «المذهب هو: المعتقد الذي يذهب إليه». وفي الموسوعة العربية الميسرة جاء في مادة مذهب: المذهب الديني هو منهج لفهم تعليم الدين. وجاء في اقرب الموارد للشرتوني بأنه «المعتقد الذي يذهب إليه ويبنون منه فعلاً، فيقولون: تمذهب بالمذهب، أي اتبعه، وهو أكثر ما يستعمل في الأديان».

(27) انظر: أحمد محمود الشافعي، المدخل للشريعة الإسلامية، ص76 – 78.

(28) من المؤرخين الذين نسبوا «الغلاة» إلى الشيعة خطأ: ابن حزم في الفصل في الملل والأهواء والنحل، والشهرستاني في الملل والنحل، وابن طاهر البغدادي في الفرق بين الفرق، وغيرهم.

(29) أنظر: الحسن النوبختي، فرق الشيعة، ص58.

(30) أسد حيدر، الإمام الصادق، ج1 ص152.

(31) يقصد بهما السنتين اللتين درس بهما على الإمام الصادق.

(32) شمس الدين الذهبي، تذكرة الحفاظ، ج1 ص166.

(33) انظر: أبو الفرج الأصفهاني، مقاتل الطالبيين، ص146.

(34) المصدر نفسه، ص361.

(35) سميرة مختار الليثي، جهاد الشيعة في العصر العباسي الأول، ص244، نقلاً عن مناقب أبي حنيفة للموفق المكي، ج2 ص84.

(36) أبو الفرج الأصفهاني، ص283.

(37) للمزيد حول موقفي أبي حنيفة ومالك من العلويين، انظر: سميرة مختار الليثي، ص217 – 228.

(38) ابن حجر العسقلاني، تهذيب التهذيب، ج2 ص104.

(39) السيد محسن الأمين، المجالس السنية، ج5 ص309.

(40) أسد حيدر، الإمام الصادق، ج1 ص232، نقلاً عن الفخر الرازي في مناقب الشافعي، ص51.

(41) أحمد بن حسين البيهقي، مناقب الشافعي، ج2 ص71.

(42) ومنها المناظرات المشهورة التي كان يعقدها المنصور في مجلسه بين الإمام الصادق والإمام أبي حنيفة.

(43) انظر: الطبرسي، الاحتجاج، ص359.

(44) حول تفاصيل الخلافات العامة بين السنة والشيعة أو بين عموم الذاهب الإسلامية، انظر: محمد أبو زهرة، تاريخ المذاهب الإسلامية، ومحمد جواد مغنية، الشيعة في الميزان، ص75 – 86، والفقه على المذاهب الأربعة لعبد الرحمن الجزيري، والخلاف للشيخ الطوسي، والشهرستاني، الملل والنحل، ق1، وابن حزم، الفصل في الملل والأهواء والنحل، وابن طاهر البغدادي، الفرق بين الفرق، (مع الأخذ بنظر الاعتبار أن المؤلفين الثلاثة الآخرين لم يتحروا الدقة والموضوعية في الكثير من الموارد)، وأسد حيدر، الإمام الصادق والمذاهب الأربعة، ج1 و2، وأحمد محمود الشافعي، المدخل للشريعة الإسلامية، ص146 – 173، ومحمد محمد المدني، أسباب الخلاف بين أئمة المذاهب الإسلامية، حول الوحدة الإسلامية أفكار ودراسات ص199 – 239، وعبد الحسين شرف الدين، الفصول المهمة في تأليف الأمة، ص51 – 130.

  • ابن حجر، الدرر الكامنة
  • العلوي بن طاهر الحداد، «القول الفصل فيما لبني هاشم من الفضل» ج 2
  • ابن تيمية، منهاج السنة
  • المصدر السابق
  • المصدر السابق
  • المصدر السابق
  • المصدر السابق
  • المصدر السابق
  • المصدر السابق
  • المصدر السابق
  • المصدر السابق
  • المصدر السابق
  • سورة النساء
  • ابن تيمية، منهاج السنة
  • المصدر السابق، ج2 ص221.

(71) حتى الانتساب إلى المذاهب بأسماء مؤسسيها هو انتساب مزاجيٌ، إذ إن السائد هو أن ينتسب المسلم إلى الشافعي أو ابن أباض أو الصادق، ولا ينتسب إلى الرسول، وهو نبي جميع أئمة المذاهب.

(76) مقالات الإسلاميين

 

 

latest video

news via inbox

Nulla turp dis cursus. Integer liberos  euismod pretium faucibua

Leave A Comment