الأقليات المسلمة في الغرب وتحدّيات الاغتيال الثقافي

Last Updated: 2024/05/30By

الأقليات المسلمة في الغرب وتحدّيات الاغتيال الثقافي

دراسة مشتركة بقلم: الشيخ محمد علي التسخيري وعلي المؤمن

الحدیث عن الأقليات المسلمة یستبطن الكثير من معاني الألم والحزن؛ لأنّه یرتبط بمساحة شاسعة من المسلمین الذین یعیشون في بحر من الأكثریة غیر المسلمة، الأمر الذي یعرضهم إلى ألوان متعددة ومعقدة من المشاكل والتحدّیات التي تهدد وجودهم وهویتهم وواقعهم.

ونقصد بالأقلیات المسلمة، المسلمون الذین یعیشون في البلدان غیر العضوة بمنظمة المؤتمر الإسلامي، وعددهم حوالي (500) ملیون مسلم، یتوزعون علی قارات العالم الست، أي ما یقرب من ثلث عدد المسلمین.

ومیدان بحثنا هو جزء مهم وأساس من هذه الأقليات، وهي الأقليات المسلمة في الغرب، التي یزید عدد نفوسها علی (35) ملیون نسمة، منهم (20) ملیون مسلم یعیشون في أُوروبا (عدا ألبانیا والبوسنة حیث المسلمون يشكلون الأكثریة)، و(10) ملیون مسلم في الأمریكتین، وحوالي ملیون مسلم في استرالیا، بینهم سكان أصلیون، وآخرون مهاجرون. وتشكل الأقليات المسلمة في الغرب نسبة 2% من عدد المسلمین في العالم، و 6% من عدد نفوس الأقلیات المسلمة. ورغم أنّها نسب بسیطة، إلّا أنّها من الناحیة النوعیة تحظی بخصوصیات متمیزة، في مقدمتها موقع الغرب وتأثیره علی المستویات العالمیة كافة، وتعرّض هذه الأقلیات ـ وبشكل یومي ـ إلى ألوان بشعة من الاغتیال الثقافي ومحاولات خطف الهویة.

والمحافظة علی هویة هذه الأقليات وحمایتها من الاغتیال جزء من المسؤولیة الإسلامیة العامة التي یتحملها الفرد والمجتمع، وتتحملها المؤسسات والتیارات الإسلامیة، وكذلك الدول والحكومات المسلمة، والمنظمات الدولیة الإسلامیة، وفي مقدمتها منظمة المؤتمر الإسلامي، علی اعتبار أنّ عملیة الاغتیال الثقافي عملیة معقدة وغیر معلنة في الغالب، وهي أكبر تحدٍ یواجه الأقليات المسلمة؛ لأنّه تستهدف سلب هویتها وتذویبها في البیئة العامة غير المسلمة.

واعتمدنا هنا مصطلح (الاغتیال الثقافي) بدل (الغزو الثقافي)؛ لاعتبارات موضوعیة واضحة، فالغزو یتم عادة من قبل مجتمع ضد آخر، أي أنّه عبارة عن هجوم وزحف خارجي، أمّا الاغتیال فیتم عادة من قبل عناصر داخل المجتمع ضد عناصرأُخر في المجتمع نفسه. وبما أنّ الأقليات المسلمة تعیش في دائرة المجتمعات الغربیة وتتعایش معها بمستویات معینة، فإنّها تشكل مفردة متمیزة فيها.

مظاهر الاغتيال الثقافي

  1. المظاهر التربوية والتعليمية:

أخذت الأقليات المسلمة في الغرب تفقد علاقتها باللغة العربیة بمرور الزمن، وخاصة بالنسبة للجیل الثاني والثالث، مما یتسبب في الذوبان في نمط التفكیر الذي تخلقه اللغة الأجنبة الجدیدة، وهي حالة خفیة ومعقدة من حالات الفقدان التدریجي للهویة.

وسلطات البلدان الغربیة تعمل بأسالیب مدروسة ودقیقة بهذا الاتجاه، بل إنّ بعض دول أُوروبا الشرقیة ـ بلغاریا مثلاً ـ ظلت تسعی للقضاء علی الأسماء العربیة ومنع استخدامها؛ لأنّها تعتقد أنّ الشخص الذي یحمل اسم أحمد أو علي ـ مثلاً ـ حتی لو كان لا دینیاً، فإنّ مجرد حمله هذا الاسم العربي یعني بقاء ارتباطه بالرمز الإسلامي الذي یمثله الاسم، أي المحافظة علی الحد الأدنی من الانتماء الثقافي للإسلام. فراحت تعمد تلك السلطات إلى تغییر هذه الأسماء وتعریض من یخالف للعقوبة. وفي الأحوال المثالیة فإنّها تفرض علی المسلمین وضع لاحقه سلافیة لأسمائهم العربیة مثلاً: أحمدوف أو علییف. وهذه القضیة تكمل حروب الاستئصال العرقي التي حدثت وتحدث في منطقة البلقان، والتي تهدف ـ أساساً ـ إلى مواصلة محاولات الاغتیال الثقافي.

كما أنّ النظام التعلیمي الوطني للدول الغربیة (وتحدیداً مناهج الدراسة الابتدائیة والمتوسطة والثانویة)، یعمل علی تعمیق الاتجاهات القومیة والوطنیة والتاریخیة ویربط الإنسان المسلم بواقع ومظاهر وتاریخ لا یمت إلى هویته بصلة، وهو من الخطورة بمكان، بحیث یشكل العامل الخارجي الأساس للاغتیال الثقافي. وتبرز هذه الخطورة أكثر من خلال مناهج الجغرافیة والتاریخ والتربیة الوطنیة وعلم الاجتماع والأدیان والفلسفة.

وفي الجانب التربوي الذي یقترن بالتعلیم أیضاً، فإنّ الأقليات المسلمة من خلال تعایشها مع مجتمعات غیر إسلامیة تختلف عنها في العادات والتقالید والمشاعر والسلوك والثقافة فإنّها ـ بعبارة أُخرى ـ تعیش في رحم غیر الرحم الإسلامي، علی اعتبار أنّ المجتمع هو الرحم الذي تنشأ وتتربى فیه شخصیة الإنسان. ویقترن هذا الأمر بخطرین:

الأول: إنّه یؤدي إلى إحباط مفعول التربیة الإسلامیة وجعلها غیر مجدیة.

الثاني: إنّه یؤدي إلى تعرّض الأبناء إلى ضغوط وتجاذب شدید من قبل نمطین من التربیة، أحدهما ما یریده منه دینه، والثاني ما یفرضه علیه الواقع الاجتماعي الذي یعیشه.

وتُستكمل المشكلة التربویة بدراسة هؤلاء الأبناء في المدارس غیر الإسلامیة وتحت إشراف معلمین غیر مسلمین، فضلاً عن اختلاطهم بزملاء الدراسة من غیر المسلمین یعایشونهم یومیاً، وربما فاق تأثیر هؤلاء علی الطلبة المسلمین وعلی تبلور شخصیاتهم.

  1. المظاهر الاجتماعية والحقوقية:

تتسع مساحة هذه المظاهر لكل ما له علاقة بواقع الأُسرة المسلمة وعلاقات أبنائها مع بعضهم، والعلاقات الاجتماعیة داخل الأقليات، وعلاقاتها بالوسط الذي تعیش فیه، ومقدار الحریة الذي یسمح لها بامتلاك واقع اجتماعي مستقل یحظى بالحقوق المدنیة والدینیة والسیاسیة التي تمیز هویته الاجتماعیة والثقافیة والدینیة عن البیئة العامة.

ولعلّ من أُولى هذه التحدّيات هو النقص في عدد المساجد، إذ لا توجد في كثیر من مناطق المسلمین مساجد تكون بمثابة مراكز دینیة واجتماعیة ومحاور لحركة الأقليات. والجانب الدیني هذا تتبعه مشاكل أُخر ترتبط بصعوبة ممارسة العبادات، كصلاة الجمعة والصوم.

وتتسبب الأعراف والتقالید الاجتماعیة السائدة في البلدان الغربیة في سلوكیات غیر شرعیة لدی الأقليات المسلمة، فیها محاكاة وتماهياً مع تلك الأعراف، وفي مقدمتها موضوع الاختلاط والانفتاح بین الجنسين (الرجال والنساء) في كل الأماكن والأزمان، في المجالس الخاصة والعامة، في العمل، في مراكز التعلیم… من الابتدائیة وحتی الدراسات العلیا، في الرحلات الجماعیة، في أماكن الترفیه، كالبلاجات وغیرها وما یعنیه ذلك من علاقات بین الرجل والمرأة. والأخطر من ذلك أنّ هذه الأقليات ـ حتی الملتزمة منها ـ قد تصل إلى مرحلة من تسویغ هذا الواقع، بحیث یصعب علیها الفرز بین الحلال والحرام؛ لأنّها تعوّدت علیه تماماً وأصبح جزءاً من حیاتها.

ویدخل في السیاق نفسه موضوع التبرج والسفور والأزیاء الشاذة لدی النساء المسلمات، وكذا تسویغ الكثیر من المحرمات الأُخر، كشرب وأكل الأشربة والأطعمة واللحوم غیر الحلال. وبشكل عام فإنّ هذا الواقع تخلقه اللاأُبالیة تجاه الأحكام الشرعیة، سواء عن عمد أو جهل بها، ویخلقه أیضاً عدم التحسس من سلوكیات البیئة العامة (غیر الإسلامیة) التي یعیشون فیها. وهناك حالة أُخرى تؤدي إلى هذا الوضع أیضاً، وهو محاولة بعض أفراد هذه الأقليات التكیّف الكامل مع البیئة العامة كي یتعایشوا معها بسهولة ولا یلفتوا الأنظار المریبة إليهم، ویتجنبوا التمییز الاجتماعي فیما لو أبرزوا هویتهم بصورة واضحة.

ومن الظواهر الاجتماعیة السلبیة لدی بعض الأقليات المسلمة هو التفكك الأُسري، وفي ذلك تشبّه بالبیئة العامة، الأمر الذي یؤدي إلى انحراف الأبناء دینیاً وسلوكیاً، وتمردهم علی الأعراف الأُسریة والاجتماعیة الإسلامیة، بالنظر لضعف سلطة الأم والأب وسلطة البیت عموماً، أمّا بعجز الوالدین عن ردع الأبناء نتیجة الضعف والفشل، أو لعدم مبالاتهم بهذه الظاهرة. وقد یجد الأبناء في الصداقات مع أبناء غیر المسلمین ملجأ للهروب من ضغوطات البیت. ومما یزید ـ أحیاناً ـ من إهمال الآباء المسلمین لأبنائهم هو الضائقة المالیة التي تضطر الآباء لتخصیص كل أوقاتهم للعمل لتوفیر لقمة العیش.

وهناك ظاهرة قد تكون خاصة بالمسلمین المهاجرین، وهي عدم وجود لغة وفهم المشتركین بین الجیل الاول والثاني والثالث منهم، فالجیل الثالث الذي ولد وتربی في الغرب ولا یعرف غیر لغاته واسالیب تفكیره، یشعر بغربة شدیدة من الجیل الاول وقد لا یفهمه أبداً، بالنظر لاختلاف الحاجات والمشاعر والنوازع واختلاف الرؤیة للحیاة. وهذا الأمر لا یرتبط بالأُسرة الواحدة فقط، بل بجمیع مفردات الواقع الاجتماعي والدیني للأقلیات.

وكذلك الجوانب الحقوقیة المتمثلة في قضایا الزواج (الشرعي) والإرث وغیرها مما یرتبط بالقوانین المدنیة وقوانین الأحوال الشخصیة. فكثیر من البلدان الغربیة تفرض علی مواطنیها (ومنهم المسلمین) القوانین المدنیة الوضعیة التي یتعارض الكثیر منها مع الشرع الإسلامي، الأمر الذي یقود إلى مشاكل حقوقیة كبیرة للمسلمین. ودون شك فإنّ الانتماء بالجنسیة للبلد الغربي سیترتب علیه الالتزام بقوانین هذا البلد بمختلف ألوانها ومضامینها، الأمر الذي یخلق هذه الإشكالیة، أي إشكالیة الانتماء بالجنسیة للبلد الغربي والانتماء بالعقیدة للإسلام وما یترتب علی ذلك من خصوصیات. وفي المجال نفسه تدخل إشكالیة الانخراط في العمل السیاسي والحكومي والحزبي الغربي بالنسبة للمسلمین.

  1. 3. المظاهر الثقافية والإعلامية:

من الناحیة النظریة والفكریة، فإنّ وجود الأقليات المسلمة في بیئة فكریة نقیضة، تتمیز بسیادة الآیدیولوجیة العلمانیة، ومختلف الأفكار الوضعیة والإلحادیة، سیؤثر بشكل وآخر علی البنیة الفكریة لهذه الأقليات، وعلی رؤیتها للدین ووظیفة الدین. ویتكامل هذا الجانب النظري والفكري مع الجانب السلوكي والعملي إذ یتمیز ـ هو الآخر ـ بسیادة آیدیولوجیا المادة والمنفعة واللذة التي أفرزت أشكالاً مختلفة من السلوكیات اللاأخلاقیة واللاإنسانیة، وأعطت لمفاهیم الصلاح والفساد، والسعادة والشقاء، والحب والبغض، والاستقامة والانحراف، والعدالة والظلم، والحق والباطل، والاستبداد والحریة، مضامین أُخر تناقض المفاهیم الإسلامیة التي تتساوق مع الفطرة الإنسانیة. وخلق هذا التكامل في الغرب ثقافة خاصة طبعت الحیاة هناك بلونها. ولا شك فإنّ التأثیر الذي تتركه ثقافة الغرب علی الأقليات المسلمة، لا یأخذ دائماً طابع الهجوم أو الغزو المحدد في وجنته، بل إنّ العملیة كثیراً ما تأخذ طابع التأثر اللاواعي الذي ینتج عن خلل عمیق في الذات المسلمة، بسبب انهیار الحصون الذاتیة للفرد والأُسرة والمجتمع المسلم، وهو ما أطلقنا علیه: (القابلیة على اغتیال الهویة).

والأقليات المسلمة ـ ككل الفئات الاجتماعیة الأُخر ـ تعیش دون إرادتها تحت وطأة الإعلام الغربي الذي یأخذ علی عاتقه مهمة نشر تلك الثقافة وتعزیزها، وتكریس حضورها الاجتماعي، بالصورة التي تمكنه من التلاعب بمضامین الوعي الاجتماعي وتیاراته، وتوجيه الرأي العام بالاتجاه الذي یخدم مصالح سدنة السیاسة والمال.

والأخطر من ذلك ظهور بعض الاتجاهات الثقافیة والإسلامیة في وسط الأقلیات المسلمة المهاجرة، التي تتناغم مع نوعیة الإعلام الغربي وتحاكیه وتتشبه به، وهي اتجاهات مستلبة ولا تقل خطورة وبشاعة في محاولاتها اغتیال هویة المسلمین الثقافیة عن وسائل الإعلام الغربیة. ومعظم هذه الاتجاهات تستقر في الولایات المتحدة الأمریكیة. إضافة إلى ظهور حركات اجتماعیة غیر مستقرة علی المعتقدات الإسلامیة، ولا سيّما في أوساط المسلمین السود في أمریكا.

المعالجات

لا شك أنّ الحلول التي تطرح لعلاج أیّة مشكلة، تفرض دراسة واعیة ودقیقة لواقع المشكلة وتفاصیلها وخلفیاتها، لتأتي المعالجات منسجمة مع حقائق المشكلة. ولعلّ المناهج التي تطرحها الدراسات المستقبلیة في استشراف المستقبل والتخطیط له وبلوغ الأهداف الموضوعة، تشكل أدوات نافعة لاكتشاف المعالجات اللازمة لمثل هذه المشاكل المركبة، ففیما یرتبط بمشاكل الأقليات المسلمة في الغرب، فإنّ استشراف مستقبل هذه المشاكل وما ستشكله من ضغوطات علی واقع المسلمين المغتربين، سیحدد نوعیة الأهداف التي ینبغي الوصول إليها، كما یحدد البدائل والخیارات التي تفرضها اللغة التي تقف عادة خارج إطار الزمان والمكان وأرقامه. وهذا ما یستدعي فرصاً أُخر للبحث والدراسة.

والحدیث عن المعالجات التي یمكن من خلالها مواجهة التحدّيات التي سبقت الإشارة إلیها، تسبقه مداخل أساسیة، یتمثل أهمها في ضرورة وقوف الأقليات المسلمة علی حقیقة التحدّيات التي تواجهها ووعي هذه التحدّيات ومعرفة مضامینها ونوعیاتها، دون تهویل أو إلغاء أو تبسیط. حینها ستكون هذه الأقليات ـ كمدخل ثان ـ مهیأة للقیام بثلاث عملیات أساسیة تكمّل بعضها، بهدف صیانة هویتها وحمایتها من الاغتیال الثقافي:

الأُولی: البناء والتحصین الداخلي (تحصین الجبهة الداخلیة).

الثانیة: مواجهة التأثیرات المحیطة وعملیات الاغتیال.

الثالثة: التأثیر في الوسط المحیط (غیر المسلم).

والعملیة الثالثة التي مرّ ذكرها، تستدعي أن یتحول المسلمون إلى محاور للتأثیر في الوسط المحیط، أي عناصر تبلیغیة، من خلال السلوك الحسن والأخلاق الفاضلة، والكلمة الطیبة، والدعوة الحسنة، وبث التعالیم والمفاهیم الإسلامیة، والتواصل الإیجابي مع غیر المسلمین، لیخلقوا صوراً مشرقة عن الإسلام والمسلمین في أذهان الآخرین. وهناك الآلاف من المسلمین الذین یعیشون في الغرب من أصحاب الكفاءات والاختصاصات، وهؤلاء بإمكانهم ـ في الوقت الذي یعملون علی صیانة هویتهم وهویة إخوانهم في العقیدة ـ التأثیر في مجتمع النخب الفكریة والعلمیة والثقافیة الغربیة التي یمارسون تخصصاتهم في أوساطها، بل ویضیفوا البعد الإسلامي إلى الحالة الثقافیة والحضاریة الغربیة. فمن الخطأ الانعزال والتقوقع والانكفاء؛ لأنّ الانكفاء إذا حقق بعض الإیجابیات المؤقتة، فإنّ سلبیاته علی المدیین القصیر والبعید هي أكبر بكثیر.

أمّا المدخل الآخر، فهو وحدة هذه الأقليات في كل بلد، فمدخل توحید الصفوف والكلمة هو أساس كل تخطیط أو نجاح یراد تحقیقه. ولعلّ المؤتمرات العامة الدوریة والاتحادات والبرلمانات ومجالس الشوری هي مظاهر ضروریة لهذه الوحدة، وبإمكانها استیعاب كل المسلمین في أيّ بلد؛ لكي یخرج الحدیث عن الآلام والتحدّيات والحقوق من فم واحد يمثّل المسلمین جمیعاً. والطموح أن تتجاوز هذه الكیانات المحلیة إلى كیان أوسع یستوعب كل الأقليات المسلمة في أُوروبا وهكذا في أمریكا الشمالیة وأمریكا الجنوبیة وأُسترالیا. والوحدة والتنسیق والتقریب هنا یشتمل علی كل حالات الاختلاف بین المسلمین، في المذهب واللغة والجنسیة والقومیة والمستوی الاقتصادي والتوجه الاجتماعي والانتماء السیاسي وغیرها.

ویمكن لمنظمة المؤتمر الإسلامي وأعضائها ممارسة دور كبیر في مجال دعم الأقليات المسلمة في الغرب، ودعم حقوقها وتنظیم شؤونها. ومن خلال العدید من اللقاءات والقراءات، وضعت المنظمة جملة من الأهداف والمخططات والتوصیات، التي نأمل أن تتحول بمجموعها إلى واقع عملي.

وقد حثّ القرار 47/8 س الصادر عن قمة طهران في العام 1997؛ الدول الأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي إلى إیلاء عنایة خاصة بالجماعات والأقليات المسلمة التي تتعرض للقمع والاضطهاد بسبب معتقداتها الدینیة، والتعرّف علی احتیاجاتها وإبلاغها إلى الدول الأعضاء الأُخر، من أجل العمل علی توفیر الإمكانات المادیة والبشریة والعینیة اللازمة، مع العمل علی تكثیف النشاطات الإسلامیة المختلفة: ثقافیة وتعلیمیة، وكذا المساعدات الإنسانیة المتنوعة، من أجل تقدیم المزید من الرعایة لتحسین الأوضاع العامة للجماعات والأقليات المسلمة. كما طالب القرار الأمانة العامة لمنظمة المؤتمر بإجراء اتصالات مع حكومات الدول التي فیها جماعات وأقليات مسلمة، من أجل التعرّف علی مشكلاتها واحتیاجاتها، وعلی رؤیة هذه الدول لكیفیة وضع صیغة للتعاون مع منظمة المؤتمر الإسلامي لتوفیر الإسهامات المطلوبة لتحسین أحوال هذه الجماعات والأقليات المسلمة، والحفاظ علی هویتها الدینیة والثقافیة، مع إعطاء أولویة للاتصال بحكومات الدول غیر الأعضاء التي تواجه الأقليات المسلمة فیها مشكلات ملحة. ثم أعاد المؤتمر الطلب من إدارة الأقليات الإسلامیة في الأمانة العامة للمؤتمر بمتابعة حالة الأقليات المسلمة. وخاصة ما یتعلق بانتهاكات حقوق الإنسان، وتقدیم تقریر سنوي عنها لمؤتمر وزراء خارجیة الدول الإسلامیة.

وذهب مؤتمر مدرید في توصیاته إلى دعوة منظمة المؤتمر الإسلامي والدول الأعضاء في المنظمة إلى مطالبة الدول الصدیقة بتطبیق المواثیق الدولیة إزاء الأقلیات الإسلامیة ورعایة حقوقها الدینیة والثقافیة. ولا شك فإنّ الثقل الاقتصادي وربما السیاسي والموقع الاستراتیجي الذي تحظی به كثیر من البلدان الإسلامیة، وعلاقة حكوماتها النوعیة مع حكومات الدول الغربیة، سیمكنها من استثمار هذه العوامل للتدخل الإیجابي المتوازن والمدروس لصالح الأقليات المسلمة في هذه الدول، ولا سيّما ما یتعلق بحقوقها الدینیة والثقافیة.

كما طلب المؤتمر من الحكومات والمؤسسات الإسلامیة تسهیل زیارة أبناء الأقليات المسلمة إلى الأقطار الإسلامیة، لتعمیق انتمائهم بالدول الإسلامیة ورسالتها الحضاریة العالمیة. ووضع خطط لاحتضان المتفوقین من أبناء وبنات الأقليات المسلمة، ودعوة (الإیسیسكو) بالتعاون مع البنك الإسلامي للتنمیة وصندوق التضامن الإسلامي لتنظم منح دراسیة لهم سواء في داخل البلاد أو خارجها. إضافة إلى دعوة مجمع الفقه الإسلامي والمؤسسات العلمیة الأُخر لإقامة ندوات تركز علی المشاكل الفقهیة والفكریة التي تواجهها الأقليات المسلمة نتیجة أوضاعها الخاصة وإیجاد حلول مناسبة لها. ثم مناشدة الأمانة العامة لمنظمة المؤتمر الإسلامي القیام بتجمیع نتائج الندوات التي عقدت عن الأقليات المسلمة، والتأكید علی إیجاد مركز معلومات خاص بهذا الأمر.

وأكد مؤتمر ساوباولو بالبرازیل هذه التوصیات والقرارات، وخاصة ما یرتبط بدراسة موضوع انضمام اتحادات الأقليات الإسلامیة لعضویة لجنة تنسیق العمل الإسلامي المشترك التابعة لمنظمة المؤتمر الإسلامي.

كما أكد ضرورة استمرار إقامة اللقاءات الإسلامیة الدولیة في الدول غیر العضو بمنظمة المؤتمر الإسلامي؛ لاستمرار النظر في حمایة حقوق الأقليات الإسلامیة ومتابعة تنفیذ توصیات هذه اللقاءات. وكرر مؤتمر ساوباولو دعوة وزراء إعلام الدول الإسلامیة والمؤسسات الإعلامية فیها لمتابعة الدعایة المغرضة أو الطرح المشوّه للإسلام في وسائل الإعلام، مثل السینما والتلفزیون والانترنیت، والاهتمام بملاحقتها والرد علیها، لتصحیح الصورة في أذهان المتلقین، وتوسیع مجال بث القنوات الإسلامیة، والتنسیق فیما بینها لخدمة المسلمین في كل مكان.

وكنت في مؤتمر ساوباولو قد طالبت منظمة المؤتمر الإسلامي بوضع البرامج والخطط الكفیلة باستثمار الكفاءات المسلمة في أوساط الأقليات لأغراض تعلیم أبناء الأقليات أنفسهم، وأشرت إلى وجود حوالي ألفي إیراني في الولایات المتحدة وحدها یحملون شهادة الدكتوراه في مختلف الاختصاصات العلمیة، بإمكانهم المساهمة في تحقیق هذا الهدف. وطالبت أیضاً بتفعیل دور دائرة الأقليات في الأمانة العامة للمنظمة؛ لتتمكن من النهوض بواجباتها المهمة في حمایة الأقليات المسلمة من الاغتیال الثقافي، وصیانة هویتها الدینیة. علی اعتبار أنّ تنشیط دائرة الأقلیات لا بدّ أن تُقدِم عليه منظمة المؤتمر الإسلامي وتتدخل فيه مباشرة، لتفعيل موضوع إقامة اتحاد دولي للأقليات المسلمة، یجمع كل الاتحادات القاریة والقطریة؛ لغرض دراسة شؤون الأقليات بصورة شاملة، والاطلاع علی أوضاعها، ومعرفة مشكلاتها واحتیاجاتها، وتبادل الخبرات والتجارب فیما بینها، وتوثیق الأواصر بینها وبین العالم الإسلامي، والمطالبة بحقوقها علی الصعید الدولي وفي الأوساط والمحافل الدولیة، والتخطیط لدعمها وحمایة هویتها من الذوبان وسط الأكثریة غیر المسلمة التي تعیش في وسطها.

وسنطرح هنا مجموعة تصورات في سیاق المعالجات العملیة، وعلی أساس نوع التحدّيات وموضوعها:

1ـ الجانب التربوي والتعليمي:

الاهتمام بتعلیم كتاب الله تعالی والذي یقف في مقدمة المجالات التعلیمیة التي تفرضها عملیة التحصین الذاتي. وأسالیب تعلیم القرآن الكریم… قراءة وفهماً وتفسیراً، مفتوحة وغیر محدودة، ابتداءً من الأُسلوب التقلیدي (حلقات المساجد) أو في المراكز الإسلامیة والبیوت أو المعاهد. وتستتبع هذه الضرورة ضرورة أُخرى تتمثل في تعلیم اللغة العربیة؛ لتكون مدخلاً لفهم القرآن الكریم والنصوص الإسلامیة والتراث العلمي الأساسي، على أن تكون اللغة العربیة هي اللغة الرسمیة في المؤتمرات والندوات التي تعقدها الاتحادات والجمعیات الخاصة بالأقليات المسلمة.

وفي الوقت نفسه، فأبناء الأقليات المسلمة مدعوون أيضاً لتعلّم لغات المسلمین الأُخر، ولا سيّما اللغات الأكثر رواجاً وانتشاراً، والتي كتب بها كم هائل من التراث الإسلامي، وفي المقدمة اللغة الفارسیة.. لغة المسلمین الثانیة بعد العربیة. ولعل الأُسلوب الأمثل في تعلیم القرآن الكریم والمعارف الإسلامیة واللغة العربیة ولغات المسلمین الأُخر، إیفاد أبناء الأقلیات إلى البلدان الإسلامیة لیدخلوا دورات مكثفة محددة بزمن معین (لسنة أو سنتین)، وكذلك إرسال مدرسین وأساتذة متخصصین إلى الغرب لیقیموا مثل هذه الدورات، أو استثمار بعض الأساتذة الموجودین في الغرب لهذا الغرض، دون حصر حضور هذه الدورات بالرجال دون النساء أو الكبار دون الصغار. وهنا یقع علی عاتق أجهزة إعلام البلدان الإسلامیة مهمة أساسیة في هذا المجال، إذ بإمكان القنوات التلفزیونیة الفضائیة والإذاعات تخصیص فترات من بثها لأغراض تعلیم الأقليات المسلمة.

ومن التصورات الأُخر في المجال التعلیمي والتربوي، قیام الأجهزة التعلیمیة والتربویة في البلدان الإسلامیة بإعداد وطباعة المناهج التعلیمية الدینیة وإرسالها إلى مراكز وجمعیات ومدارس الأقليات المسلمة، في الوقت الذي تبادر البلدان الإسلامیة إلى دعم الأقليات في المشاریع التعلیمیة الكبیرة، كمشاریع إقامة المجمّعات التعلیمیة بدءاً من مرحلة ریاض الأطفال إلى الابتدائیة والمتوسطة والثانویة والمعاهد المهنیة وانتهاءً بالجامعة. إضافة إلى توسیع المراكز التربویة والتعلیمیة التقلیدیة، وتزویدها بكل ما تحتاجه من وسائل تعلیمیة كالكتب والوسائل السمعیة والبصریة وغیرها، باللغة العربیة ولغات الأقليات. ودعم الاتحادات والجمعیات الإسلامیة ولا سيّما اتحادات الطلبة الجامعیین، بالصورة التي تمكنها من ممارسة نشاطاتها التربویة والتعلیمیة، كإنشاء المكتبات العامة، وإقامة الندوات والمؤتمرات الطلابیة الدوریة، وبناء الأقسام الداخلیة (السكنیة)، ومساعدة الطلبة المسلمین المعوزین.

ومن البرامج الاستراتیجیة القائمة الآن، برنامج إعطاء المنح الدراسیة لأبناء الأقليات المسلمة في الغرب للدراسة في جامعات البلدان الإسلامیة. ولكن أثبت الواقع أنّ هذا البرنامج بوضعه الحالي لم یف بالغرض، بل لا زال هناك نقص حاد جداً في وجود الأساتذة والمدرسین والمبلغین من أبناء الأقليات نفسها. ومن هنا لا بدّ من زیاد المنح الدراسیة هذه؛ لكي یستطیع أبناء الأقليات بعد تخرجهم في جامعات البلدان الإسلامیة الإحلال تدریجیاً محل المدرسین والمبلغین المنتدبین من قبل البلدان الإسلامیة. ولعلّ تجربة بعض الجامعات الإسلامیة كانت مفیدة في هذا المجال، وهي مدعوة لتطویر تجربتها، ونذكر هنا الجامعة الإسلامیة في مالیزیا التي تضم طلبة مسلمین من (91) بلداً، والحوزة العلمیة في قم التي تضم طلبة من (60) بلداً، وجامعة الإمام الصادق في إيران وغیرها، وكذلك جامعة إفریقیا العالمیة في السودان، وجامعة آل البیت في الأردن، وجامعة الأزهر في مصر. ونشیر هنا أيضاً إلى تجربة بعض الجامعات الإسلامیة في لندن وواشنطن وقرطبة وغیرها، وهي تستحق التقدیر والدعم.

2ـ الجانب الاجتماعي والحقوقي:

في ضوء ما أكد علیه القرار 47/8 س الصادر عن قمة طهران بشأن بذل المساعي لكي تتمتع الأقليات المسلمة بمعاملة متكافئة من حیث الحقوق والالتزامات والواجبات، فإنّ الحقوق الاجتماعیة هي الإطار الذي یشتمل علی مجمل الحقوق الأُخر، الدینیة والمدنیة والسیاسیة وغیرها. وإحقاق هذه الحقوق یتأتی عبر مساعٍ تقوم بها هذه الأقليات مع الأجهزة المختصة في الدول الغربیة. إنّ إقرار هذه الحقوق وتنفیذها وضمانها هي مهمة تلك الأجهزة بالدرجة الأساس، أي أنّ هذا الشق من الجانب الاجتماعي والحقوقي یرتبط أساساً بالدائرة العامة التي تعیش في وسطها هذه الأقليات، ولا یرتبط بالدائرة الخاصة للأقلیات نفسها.

أمّا الدائرة الخاصة، فیقع علی عاتقها مهام نوعیة وكمیة كبیرة في الجانب الاجتماعي، ولعلّ إشاعة روح التكافل والتكامل والتضامن الاجتماعي، إلى المستوی الذي یضمن وحدة الجماعة وتماسكها الشدید، وهذا المستوی لن یتحقق إلّا بآلیات فاعلة، تجعل الفرد المسلم والأُسرة المسلمة یحسان بالانتماء الكامل للجماعة، والحاجة إلیها، والمسؤولیة تجاهها واتجاه أفراد الجماعة الآخرین، باعتبارهم إخوانه في العقیدة والأعضاء المكمّلین لجسد الجماعة.

ولعلّ التأكید علی حضور المساجد لأداء العبادات وإحیاء الشعائر الدینیة، وكذلك المراكز والجمعیات الإسلامیة، وإقامة الاحتفالات والمراسم، سواء في الأعیاد والمناسبات المختلفة العامة، أو في المناسبات الاجتماعیة الخاصة، یعد من بدیهیات النشاط الاجتماعي الحقیقي. ومن الضروري أن یكون للأقلیات المسلمة صنادیق للمساعدات ولإعطاء القروض الحسنة، وجمعیات للبر والإحسان ولرعایة الأیتام والمسنين والعوائل الفقیرة. إضافة إلى مراكز اقتصادیة للتشغیل والاستثمار ورعایة مشاریع العمل والكسب، وإقامة المشاریع التي من شأنها توفیر الأطعمة والمشروبات الحلال، وكذلك مراكز أُخر للشباب، تقوم بمختلف النشاطات الإعلامیة والفنیة والتثقیفیة والاجتماعیة، كإقامة المخیمات والمعسكرات الثقافیة والكشفیة الدوریة، وتشكیل الفرق الفنیة وغیرها.

وفي هذه المجالات یمكن الاستفادة من الحقوق الشرعیة كالزكاة والخمس وتبرعات المحسنین من أبناء الأقليات أو المسلمین في الدول الأُخر. ومن دعم المؤسسات ذات العلاقة في البلدان الإسلامیة ودعم المرجعیات الدینیة، ودعم أجهزة منظمة المؤتمر الإسلامي ولجنة تنسیق العمل الإسلامي.

ویمكن في هذا المجال إقامة مشاریع خاصة بالأُسرة، باعتبارها نواة المجتمع المسلم في الغرب، والركیزة الحقیقية التي یمكنها حمایة الهویة الإسلامیة من الخطف والاغتیال والعبث والتخریب. وتتبلور هذه المشاریع في جمیعات ومراكز، تقوم علی تیسیر شؤون الزواج، ابتداءً من التوفیق بین الراغبین والراغبات بالزواج، وتزویجهم وفقاً للأُصول الشرعیة، بدلاً من الزواج من غیر المسلمین أو تشكیل الأُسرة علی الأُصول غیر الشرعیة، كما تقوم هذه المراكز علی رعایة الجوانب التربویة والتعلیمیة في الوسط النسائي، وحل مشاكل الأُسرة، لا سيّما فیما یرتبط بالعلاقة بین الأزواج والزوجات وتربیة الأطفال وتعلیمهم داخل المنزل، والقیام بالمعارض والأسواق الخیریة وتشجیع النشاطات الأُسریة العامة، كالزیارات المتبادلة والجلسات الثقافیة والاجتماعیة، بل وحتی الولائم الدوریة وطرح مودیلات من الأزیاء والملابس الشرعیة، ولا سيّما بالنسبة للنساء المسلمات؛ لأنّ هذه النشاطات الاجتماعیة التفصیلیة، ستترك أكبر الأثر في نفوس أبناء الأقلیات، وتعزز الترابط والتواصل فیما بینهم، وستضمن سلامة جزء أساسي ومحوري في مجتمع الأقلیة المسلمة، وهو المرأة، التي ستحوّلها تلك الرعایة إلى مدرسة لتربیة النشء وإسناد الرجال (الإخوان، الأزواج، والأبناء) معنویاً وأخلاقیاً، وإنشاء البیت الصالح وإقامة المجتمع الفاضل.

3ـ الجانب الثقافي والإعلامي والتبليغي:

الأقليات المسلمة في الغرب تعاني أكثر من الأقليات المسلمة في الدول الأُخر من سطوة الثقافة الحاكمة والإعلام المكثف المعادي. من هنا، فمهمتهم لمواجهة هذا التحدي مهمة في غایة الصعوبة. بید أنّ التخطیط العلمي ووضع الآلیات المدروسة والتصمیم والإرادة علی المواجهة سیفتت جزءاً لا یستهان به من تلك الصعوبة. ومن المناسب هنا الإشارة إلى الإطار العام الذي وضعه القرار 47/8 س الصادر عن قمة طهران، إذ حثّ الدول الإسلامیة علی تنسیق الجهود لإعداد أُطر قادرة علی القیام بمهام الدعوة الإسلامیة لدی الأقليات المسلمة، علی أن تتضمن الأُطر عناصر نسویة مؤهلة، ووضع سلسلة من الكتب التعلیمیة المتكاملة عن الدین الإسلامي وشعائره ومبادئه، علی أن تكون مبسطة وفي صورة مطبوعات ورسائل حدیثة سمعیة وبصریة، مع إیلاء عنایة خاصة لترجمتها ترجمة دقیقة إلى لغات المناطق التي تقیم بها هذه الأقليات.

ومن هذا المنطلق، تأتي ضرورة تكثیف وتركیز إرسال المنتوجات الثقافیة والإعلامیة الإسلامیة إلى هذه الأقليات، علی شكل كتب تعلیمیة أو عامة ومجلات وأشرطة سمعیة وبصریة وغیرها. ولا سيّما تلك المعدّة خصیصاً لمخاطبة الأقلیات المسلمة في الغرب، إضافة إلى إنشاء مشاریع في دول الغرب نفسها تقوم بمهمة الإنتاج، أو الترجمة كحدٍّ أدنی، وصولاً إلى إنشاء إذاعات ومحطات تلفزیونیة ووكالات أنباء ومؤسسات فنیة وسینمائیة خاصة بالأقلیات. وكذلك الاهتمام بإعداد الطاقات الإعلامیة والفنیة من أبناء الأقلیات لسد أيّ فراغ محتمل في هذا المجال، علی أن تتم هذه النشاطات ـ بالنظر لخطورة رسالتها وتأثیرها ـ تحت إشراف أساتذة وعلماء كمرجعیات في الجانب الشرعي.

وبالنسبة لسد الفراغ في الجانب الشرعي، فمن الضروري وجود علماء ومبلغین أكفاء أو وكلاء لمراجع الدین مقیمین في المدن الغربیة التي یتركز فیها الوجود الإسلامي، بهدف رعایة الأقليات دینیاً واجتماعیاً.

ونعید هنا التأكید علی نقطة في غایة الأهمیة، تتعلق بالتعددیة المذهبیة والقومیة واللغویة والاجتماعیة للأقلیات. فهذه التعددیة لا بدّ أن تتحول إلى نقطة قوة وتقارب ووحدة، بدلاً عن أن تكون نقطة اختلاف وافتراق. وعلی هذا الأساس، فإنّ كل التوصیات والبرامج والمشاریع التي تستوعب الجوانب التي مرّ ذكرها (التربویة والتعلیمیة والاجتماعیة والحقوقیة والثقافیة والإعلامیة والتبليغیة) لا بدّ أن تأخذ بنظر الاعتبار مراعاة موضوع التعددیة، وتتجنب إثارة المشاكل والحساسیات التي لا طائل منها، بل وتحوّل هذه التعددیة ـ كما ذكرنا ـ إلى نقطة قوة.

 

latest video

news via inbox

Nulla turp dis cursus. Integer liberos  euismod pretium faucibua

Leave A Comment