الاستعمار الجديد صعود القوة الأمريكية

Last Updated: 2024/05/30By

الاستعمار الجديد: صعود القوة الأمريكية

د. علي المؤمن

 

القطب الأكثر تأثيراً

بقيت الولايات المتحدة منذ بدايات القرن التاسع عشر تعد نفسها بانتظار أنسب الفرص للتعبير عن المزيد من أطماعها الاستعمارية أسوة بالدول الكبرى، واكتفت طيلة هذه الفترة بمد نفوذها في بلدان أمريكا اللاتينية، إلى حد احتكار النفوذ، إضافة إلى بعض مناطق شرق آسيا (غرب الولايات المتحدة). وبلغت أمريكا ذروة قوتها خلال العقدين الأول والثاني من القرن العشرين، وكانت مهيأة للعب دور أكبر على مستوى القارات الخمس، حتى وصف الرئيس الأمريكي «تيودور روزفلت» القرن العشرين بأنه قرن أمريكا والمحيط الهادئ. وبعد الانكفاء المؤقت في سنوات ما بين الحربين، انطلقت أمريكا خلال السنتين الأخيرتين من الحرب الثانية بقوة كبيرة وسرعة هائلة، فاحتلت في غضون خمس سنوات إحدى المرتبتين الأوليين في تصنيف الدول الأقوى عالمياً؛ وذلك بعد نجاحها في تصفية النازية، وحسمها الحرب مع اليابان بالقوة الذرية، وبسبب موقعها في معاهدات ما بعد الحرب، وإعادة تنظيم الخارطة السياسية الدولية، وهيمنتها على هيئة الأمم المتحدة، وأخيراً إنزال مبدإ «ترومن» في مواجهة الشيوعية العالمية على أرض الواقع، وتنفيذ مشروع «مارشال» لدعم أوربا الغربية اقتصادياً، وقيادة مشروع «حلف الناتو»؛ الأمر الذي فرضها زعيمة للعالم الغربي الرأسمالي، أي زعيمة لإحدى الكتلتين المتفردتين بالسيطرة على العالم.

وترافق ذلك مع التصدع التدريجي الذي شهدته أوربا في الفترة من بداية الحرب الاستعمارية الأولى وحتى نهاية الحرب الثانية (1914 – 1945)، فالأزمات الحادة التي تعرضت لها أوربا خلال هذه الفترة، وفي مقدمتها تضعضع قواها العسكرية وانهيار اقتصادياتها وتزلزل مواقعها السياسية والاستعمارية إلى جانب ظهور قوة دولية جديدة تقع آيديولوجياً خارج المعسكر الأوربي، هي الاتحاد السوفيتي.

وفي مقابل انسحاب بريطانيا وفرنسا من بعض مستعمراتها، كانت أمريكا تمتد بسرعة، حتى في الأراضي الأوربية نفسها، فقد أخذ انتشار القوة العسكرية الأمريكية (التقليدية والاستراتيجية) في أوربا يتعاظم بمرور الأيام، سواء داخل ألمانيا أو خارجها، ولا سيما بعد تأسيس حلف الناتو وتصدي أمريكا لقيادته.

في الشرق الأوسط بات نفوذ أمريكا يدق أبواب جميع بلدانه بقوة بعد تأسيس الكيان الصهيوني ونجاح الانقلاب الأمريكي في إيران عام 1953، والذي أسقط حكومة محمد مصدق الوطنية. وفي شرق آسيا سيطرت القوات الأمريكية على الجزء الجنوبي من كوريا، وعززت مواقعها في اليابان، ولا سيما بعد استحالة الصين قاعدة شيوعية، فضلاً عن الاستيلاء على المناطق التي تنازلت اليابان عنها لأمريكا، مثل: «سخالين» و«فرموزا» و«كوريل» «بسكادورس».

وهكذا أسدل حكماء أمريكا الستار على مبدأ «روزفلت» الداعي لحالة من التكافؤ في العلاقات الدولية والمحافظة على نفوذ أمريكا في حدود أمنها القومي، وحل محله مبدأ «ترومان» الذي دفع الأمريكان للسيطرة على المزيد من المناطق الاستراتيجية في العالم، بدعوى مواجهة الخطر الشيوعي والتوازن الجيوبولتيكي مع الاتحاد السوفيتي. وقد استخدمت واشنطن ثلاثة أساليب لتطبيق هذا المبدإ:

1 – التحالف مع الدول الصديقة والتابعة في أوربا الغربية وغرب آسيا وشرق آسيا وأقيانوسيا، كما هو الحال مع «منظمة دول الأمريكية» عام 1948 و«حلف الناتو»: عام 1949 و» معاهدة ريو» مع دول أمريكا اللاتينية حتى عام 1951، و«حلف بغداد» مع بعض بلدان الشرق الأوسط عام 1955 وغيرها.

2 – التدخل المباشر لمنع الاتحاد السوفيتي من التمدد، أي مواجهة الاتحاد السوفيتي في مناطق نفوذه، كما في شرق آسيا.

3 – التدخل بأشكال مختلفة وذرائع متنوعة، سواء كان تدخلاً مباشراً أو محدوداً، عسكرياً (حروب، انقلابات، تمرد) أو اقتصادياً (مساعدات، مقاطعة) أو سياسياً (أحزاب، مقاطعة، إعلام) أو جاسوسياً، كما حصل في عشرات الدول.

وبذلك ظهرت الولايات المتحدة كرمز متفرد للإمبريالية الجديدة التي قامت على أنقاض الاستعمار التقليدي الذي مثلته بريطانيا وفرنسا، وبدرجة أقل روسيا وألمانيا وبلجيكا وإسبانيا والبرتغال واليابان. وفي الوقت الذي حافظت أمريكا على مضامين الاستعمار التقليدي وجوهره، فإنها جددت في أساليبه وأشكاله.

تحول النظام العالمي من التعددية القطبية إلى الثنائية القطبية التي تمثلها أمريكا وروسيا، كما أصبحت القطبية لا تمثل إمبراطورية واحدة وحسب؛ بل منظومة متكاملة في أبعادها الآيديولوجية والسياسية والعسكرية والأمنية والثقافية، التي تتقاطع فيها مع المنظومة الثانية، وتتألف كل منهما من عدة دول. وهذه الخصائص لم يكن لها وجود في النظام العالمي السابق الذي انهار بقيام الحرب الاستعمارية الثانية. من هنا فالنظام العالمي لمرحلة ما بعد الحرب الثانية كان حصيلة إرادتين أمريكية وروسية، عملتا على تكريس نوع متطور من أنواع الاستعمار الحديث.

استراتيجية الأحلاف الدولية

الأحلاف والتنظيمات الدولية والإقليمية، على مختلف أشكالها ومضامينها، كرست واقع الثنائية القطبية في الخارطة السياسية العالمية، وجعلته أكثر وضوحاً وشفافية. ويمكن القول إن الأحلاف الكبرى في كلا المعسكرين، ترجع جذورهما إلى مشروعين، أحدهما أمريكي وهو مشروع «مارشال» الذي ربط أوروبا الغربية بأمريكا، والثاني روسي هو منظومة «الكومنفورم» التي ربطت أوربا الشرقية بالاتحاد السوفيتي.

سبقت الإشارة إلى أنَّ «حلف بروكسل» بين الدول الأوربية تأسس عام 1948 بموجب «معاهدة دنلرك» بتشجيع ودعم أمريكي، فكان نواة للاتحاد الأوربي والأنظمة الأوربية للتعاون الاقتصادي. وبعد دخول أمريكا الحلف، تغير اسمه إلى «منظمة معاهدة شمال الأطلسي – NATO»، فكان دافعاً لكتلة الشيوعية لتأسيس أحلافها ومنظماتها الخاصة أيضاً. فتأسس «مجلس التعاون الاقتصادي – Comecon» عام 1949 بين دول أوربا الشرقية والاتحاد السوفيتي. وبعد إحساس موسكو بعدم فاعلية «الكوميكون» و«الكومنفورم» في مواجهة تحدي «حلف الناتو»، بادرت إلى تأسيس «حلف وارشو» العسكري، الذي أعلن عنه في عام 1955، ويضم الاتحاد السوفيتي وبولندا وتشيكسلوفاكيا والمجر ورومانيا وبلغاريا وألبانيا ويوغسلافيا وألمانيا الشرقية، ثم انسحبت منه يوغسلافيا في نفس العام وألبانيا عام 1968. ولمواجهة التحديات الاقتصادية الضاغطة التي يسببها الصعود الاقتصادي المتصاعد للاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة، بادرت أوربا الغربية إلى تأسيس منظمة اقتصادية فاعلة عام 1957 أسمتها «المجموعة الاقتصادية الأوربية» أو «السوق الأوربية المشتركة».

وأخذ الصراع بين الحلفين ينعكس على مناطق نفوذهما الإقليمي أيضاً، فتأسست مجموعة من الأحلاف الإقليمية (سياسية وعسكرية واقتصادية) تخدم مصالح أحد الحلفين، وكان من أبرزها «منظمة التعاون الاقتصادي لدول جنوب شرق آسيا» عام 1950، وهو مشروع بريطاني، و«حلف ريو» العسكري بين دول أمريكا اللاتينية بزعامة أمريكا عام 1951، إلى جانب «منظمة الدول الأمريكية» و«منظمة معاهدة جنوب شرق آسيا – SYATO» عام 1945، التي تضم أمريكا وفرنسا وبريطانيا واستراليا ونيوزلنده والفلبين وباكستان وتايلند، وهو مشروع متفرع عن «الناتو»، و«حلف بغداد» عام 1955، الذي ضم بريطانيا وتركيا والعراق وباكستان وإيران، وهو مشروع بريطاني، شاركت أمريكا في دعمه دون أن تنضم إليه رسمياً. وبعد انسحاب العراق منه على إثر انقلاب 1958 وسقوط الحكم الملكي 1958، تغير اسمه إلى «الحلف المركزي – CENTO».

كانت الحرب الكورية هي أول صراع عسكري كبير يجري بالنيابة عن الكتلتين (الناتو ووارشو) وبتدخل مباشر منهما، وهي في حقيقتها حرب أهلية بين الشطرين الشمالي والجنوبي، راح ضحيتها خمسة ملايين شخص، معظمهم من الكوريين.

وبعد موت «ستالين» عام 1953، خفت حدة التوتر والصراع المباشر بين الكتلتين، ولاسيما بعد إعلان خروشوف مبادرته المعروفة بـ «سياسة التعايش السلمي» مع الغرب، فأخذ الصراع شكلاً آخر، تمثل جزؤه الطافي في الحرب الإعلامية والدعائية والتنافس التكنولوجي وظاهرة الصراعات والانقلابات العسكرية التي تتم بالنيابة عن الكتلتين، والاحتكاك السياسي. أما الجزء الغاطس فإنه توزع على مجالين: سباق تسلح وحرب أمنية أو جاسوسية.

أخذ سباق التسلح طابعاً مختلفاً في العقد السادس من القرن، فقد أصبحت الأسلحة الاستراتيجية (أسلحة الدمار الشامل) هي رهان الحرب المستقبلية، حتى وصلت تكنولوجيا السلاح إلى مستويات مرعبة في تطورها. ففي هذا العقد تمكنت الكتلتان من صناعة القنبلة الهيدروجينية التي تصل درجة تخريبها أضعاف القنبلة الذرية، إلى جانب إحداث قفزات نوعية في صناعة الأسلحة التقليدية. ورغم امتلاك عدد من الدول لتكنولوجيا صناعة الأسلحة الاستراتيجية، لا سيما النووية، كأمريكا ورسيا وبريطانيا وفرنسا، ثم الصين والهند، إلا أن السباق الحقيقي على تطوير هذا السلاح وتخزينه ونشره ظل محصوراً بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي. وفي العقد السابع تحول السباق الرهيب إلى أنواع أخرى من السلاح الاستراتيجي، ويأتي في المقدمة السلاح الالكتروني وأسلحة الفضاء، أو ما عرف بالحرب الالكترونية وحرب الفضاء. وحينه كان الجميع، حتى تجار الموت أنفسهم (الدول الكبرى المنتجة للسلاح)، يعتقدون أن العالم يحث الخطى باتجاه الكارثة النهائية؛ إذ كان منتجو السلاح يبحثون عن أسواق استهلاكية في كل بقعة من بقاع العالم، فضلاً عن مخازنهم المتخمة بأنواع السلاح، فكانت الحروب المحلية والإقليمية في الدول المستضعفة هي رهان تجار الموت على تصريف أسلحتهم لتحقيق أرقام قياسية من الأرباح التي تفوق أي نوع من أنواع التجارة؛ حتى أصبحت مبيعات الأسحلة لبعض الدول الكبرى المقتدرة، كأمريكا وروسيا وبريطانيا وفرنسا، هي المورد الاقتصادي الأول للبلد.

إرادة الشعوب في التحرر والاستقلال

ظل تاريخ النصف الأول من القرن العشرين حكراً على القوى العظمى؛ فالشعوب المستضعفة التي تشكل ثلاثة أرباع الكرة الأرضية مساحة وعدداً، كانت تعيش على هامش التاريخ، ولم تساهم في صنعه إلا بمقدار كونها وقوداً لحروب المستعمرين، أو ثروات ودماءً جاهزة للامتصاص.

وكان التاريخ هو تاريخ الأقوياء، إلا ما ندر، ومن ذلك النادر مثلاً ثورة 1917 الشعبية في روسيا، والتي استحالت – هي الأخرى – دولة كبرى بعد أشهر، ثم دولة استعمارية بعد أربع سنين، ثم إمبريالية من نوع مختلف بعد الحرب الاستعمارية العالمية الثانية.

ثم حين تغير وجه السياسة العالمية بعد الحرب الثانية، بدأت صناعة التاريخ تنحرف تدريجياً باتجاه لاعبين جدد ظلوا خارج اللعبة عقوداً طويلة، وهم الشعوب المسحوقة في قارات الجنوب الثلاثة. فقد تسبب أداء الاستعمار الذي يمثل الوجه المعلن للهيمنة المتجبرة المستعلية، تسبب في بروز ألوان متنوعة من الوعي واليقضة لدى الشعوب المستعمرة، فحمل كثير منها السلاح لطرد المستعمر، وانتزاع الاستقلال السياسي بالقوة، واستعادة الهوية العقيدية والوطنية والثقافية، وتشبثت شعوب أخرى بالحلول السياسية أو التحصين الثقافي. كما كان العامل الخارجي في بعض الاتجاهات التحريرية يعمل لتحقيق أهدافه الخاصة، رغم بريق دعوته لاستقلال وتحرر الشعوب المستعمرة.

ونموذج ذلك الدول الشيوعية الكبرى، كالاتحاد السوفيتي، والصين وألمانيا الشرقية، التي كانت تعمل على تنوير الشعوب المستضعفة ضد الاستعمار أو عملائه بفكر ماركسي لينيني، وبالتالي تصدير آيديولوجيتها بدعوى دعم حركات التحرر.

وكانت الدول الأوربية الاستعمارية تواجه عدة تحديات في هذا المجال، فهناك تحدي الثورة من جانب الشعوب، والتي كان نجاحها يعني قطيعة كاملة مع المستعمر، وهناك تحدي الخطر الشيوعي الذي يسعى لاستغلال فرص تحرر الشعوب للانقضاض على إنجازاتها واحتواء أهدافها، وهناك تحدي ظهور بؤر توتر إقليمية دائمة تتسبب في تقويض جهود السلام والأمن الدوليين. من هنا بدأت القوى المستعمرة، ولا سيما بريطانيا وفرنسا، بإجراء تعديلات شاملة على سياساتها في التعامل مع البلدان المضطهدة والمستضعفة، بهدف المحافظة على استمرار علاقاتها المتميزة مع هذه البلدان بعد منحها الاستقلال، وسد الباب أمام أي نفوذ روسي أو شيوعي فاضطرت للخضوع للأمر الواقع، وبدأت بدفع صكوك الاستقلال للبلدان المستعمرة، مع محافظتها على نفوذها السياسي والاقتصادي والثقافي غالباً، من خلال عملائها من النخب السياسية والثقافية.

وقد كانت بريطانيا – عقب نهاية الحرب الاستعمارية الثانية – تستولي على مجموعة كبيرة جداً من بلدان العالم المستضعف، مقسمة إلى أربع فئات مختلفة:

1 – مستعمرات التاج، وتضم دول: الهند(الهند وباكستان وبنغلادش فيما بعد)، سيلان (سيريلانكا فيما بعد)، ماليزيا، شاطئ الذهب، نيجيريا، مالطا، هندوراس، باربادوس، بهاما، بازوتولاند، جزر الهند الغربية، غامبيا، كينيا، سيراليون، جزر المالويناس، ايرلنده، قبرص، وعدد كبير من الجزر المتناثرة في بحار العالم ومحيطاته.

2 – المحميات، وتضم دول: روديسيا، الصومال، أوغندا، زنجبار (تنزانيا بعد اتحادها مع تنجانيقا)، بشوانالاند، سويزلنده، نياسالاند.

3 – الانتدابات، وتضم: الكاميرون، توغو، تنجانيقا، فلسطين وغيرها.

4 – دول الدومنيون، وتضم: استراليا، كندا نيوزلنده، جنوب إفريقيا (ومعها ناميبيا).

فضلاً عن هيمنتها على عدد كبير من حكومات البلدان التي سبق أن منحتها الاستقلال، كمصر والعراق وإيران والأردن والسعودية وإمارات الخليج واليمن وليبيريا وغيرها. ومن أجل ضمان استمرار هيمنتها على هذه الدول المستقلة شكلياً، واحتواء إرادة الشعوب وكبح جماح مشاعرها التحررية والوطنية والدينية، فقد خططت لقيام مجموعة من التنظيمات الإقليمية الحكومية ذات الطابع القومي، كجامعة الدول العربية، التي أعلن عنها في أيار/مايو 1945، وتشكلت من حكومات البلدان التابعة لبريطانيا، كمصر والعراق والأردن والسعودية واليمن، إضافة إلى لبنان وسوريا (التابعتين لفرنسا).

أما الدول غير المستقلة فقد أدخلتها بريطانيا في مرحلة انتقالية، تميزت – غالباً بالصراعات المحلية القبلية والطائفية والدينية، ثم أخذت تحصل على استقلالها، بالتدريج، إلا أنها بقيت ضمن «منظومة الكومنولث» التي أسستها وتزعمتها بريطانيا. وكانت الأردن أول دولة آسيوية تحصل على استقلالها من بريطانيا، وذلك عام 1946، ثم الهند عام 1947، وهي السنة نفسها التي انقسمت فيها إلى دولتين: الهند (الهندوسية) وباكستان (المسلمة)، ثم بورما وسيلان عام 1948.

وبادرت فرنسا – هي الأخرى – لإيجاد حل شامل لمستعمراتها ومناطق نفوذها، وكان أسلوبها مختلفاً عن بريطانيا، فلم تحتفظ بعلاقة تنظيمية مع مستعمراتها التي منحتها الاستقلال، بل اكتفت بنفوذ ثقافي مركّز، أعطته عنوان «الفرنكوفونية»، أي الدول الناطقة بالفرنسية، وتقصد بها على نحو الدقة المستعمرات الفرنسية السابقة المتمسكة بالثقافة الفرنسية. وكانت مناطق نفوذها تنقسم إلى الفئات التالية:

1 – المستعمرات: جزر المارتينك، غوادلوب، غويانا، سان بيير، وميكلون، إفريقيا الوسطى، الريونيون، الصومال، كوشنشين والجزائر.

2 – المحميات: تونكين، فيتنام، لاغوس، كمبوديا، مراكش (المغرب) وتونس.

3 – الانتدابات: سوريا، لبنان، الكاميرون وتوغو.

وكانت الدول التي حصلت على استقلالها من قبل هي سوريا عام 1943 ولبنان عام 1945. وأبدت فرنسا بعض المرونة تجاه مستعمراتها، عدا الجزائر التي تمسكت بها بقوة وضمتها جزءاً من الجمهورية الفرنسية، إضافة إلى مقاطعات وأراضي ما وراء البحار. ثم أعلنت عن الاتحاد الفرنسي الذي يشبه دول الدومينون أو الكمنولث البريطاني، وضم جميع المستعمرات والمحميات والانتدابات الفرنسية، إلا أن الاتحاد واجه العديد من العقبات، مما أدى إلى فشله، فأسست فرنسا على إثره «رابطة الشعوب الفرنسية» عام 1958.

كما حصلت الفليبين على استقلالها من أمريكا عام 1946، ثم اعترفت أمريكا والاتحاد السوفيتي باستقلال كوريا عام 1948 بعد تقسيمها إلى دولتين شمالية وجنوبية.

ثم حصلت بوتان (1949)، ليبيا (1951)، نيبال (1952)، كمبوديا (1953)، لاغوس(1954) ومراكش والسودان وتونس (1956)، ماليزيا، غانا بزعامة نكروما (1957) وغينيا بزعامة سيكوتوري (1958) على استقلالها.

وظهر في عام 1960 اصطلاح «تصفية الاستعمار» كنتيجة طبيعية لمسلسل حركات الاستقلال الذي أخذ يتسارع خلال النصف الثاني من عقد الخمسينات، وهو الاصطلاح الذي تضمنه قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة، والداعي لمنح الشعوب المستعمرة حقها في الاستقلال وتقرير المصير. وتكونت لجنة تصفية الاستعمار من (24) دولة تنتمي إلى قارات العالم الخمس. وعلى إثره حصلت (17) دولة إفريقية على استقلالها عام 1960، وهي الكاميرون، إفريقيا الوسطى، تشاد، الكونغو بقيادة باتريس لومومبا، داهومي (بنين)، الغابون، ساحل العاج، مدغشقر، مالي، موريتانيا، النيجر، نيجيريا، السنغال، الصومال، توغو، فولتا العليا (بوركينا فاسو) وزائير. ثم سيراليون وتنجانيقا والكويت عام 1961. وبحصول بروندي ورواندا (وقبلهما الكونغو) على استقلالهما عام 1962 فقدت بلجيكا آخر مستعمراتها في إفريقيا. واستقلت جامايكا وترينيداد وتوباغو وأوغندا في العام نفسه، وكذلك الجزائر التي انتزعت بقيادة جبهة التحرير وجماعة العلماء استقلالها بالقوة من فرنسا؛ بفعل بركان الدم الذي فجره أكثر من مليون شهيد، في واحدة من أعظم حروب التحرير من الاستعمار في القرن العشرين. كما حصلت أندونيسيا بقيادة «سوكارنو» على استقلالها من هولنده في العام نفسه أيضاً، بعد حكم ذاتي استمر منذ عام 1949. وفي عام 1963 حصلت زنجبار وكينيا بقيادة «كنياتا» على استقلالهما ثم زامبيا والملاوي عام 1964. وسنغافورة وغامبيا والمالديف عام 1965 وغويانا وبوتسوانا وليسوتو وباربادوس عام 1966.

 

latest video

news via inbox

Nulla turp dis cursus. Integer liberos  euismod pretium faucibua

Leave A Comment