الاجتماع الديني النجفي ودوره في نشوء الحركية الشيعية العالمية

Last Updated: 2024/05/30By

الاجتماع الديني النجفي

ودوره في نشوء الحركية الشيعية العالمية

 

د. علي المؤمن

 

الدوافع الواقعية لانبثاق حراك إسلامي شيعي

كان تأسيس حركة إسلامية شيعية عالمية منظمة هي مجرد فكرة في أواسط الخمسينات من القرن الماضي في رؤوس عدد من الشباب الإسلامي الشيعي الناشط في العراق؛ وتحديداً في النجف الأشرف؛ ممن هم في العشرينات من عمرهم أو دون ذلك. وكان وراء الفكرة مزيج من الدوافع العقلية والعاطفية التي تحفزها هموم الساحة الدينية العراقية ومنظوماتها وأساليب تفكيرها، والواقع الإجتماعي، وحالة القهر السياسي، والتمييز الطائفي التاريخية التي يعيشها شيعة العراق وعموم الشيعة العرب جراء ممارسات الأنظمة السياسية الحاكمة، والتقهقر الميداني والثقافي لحالة الإصلاح الإسلامي، ووجود التنظيمات العلمانية الجماهيرية الفاعلة.

ومن هنا؛ فإن مجمل دوافع هؤلاء الشباب كان وراءها الشعور باللوعة والهم الكبيرين؛ بسبب التراجع الذي عاشه التيار الإسلامي الإصلاحي والتغييري في العراق؛ منذ منتصف العقد الثالث وحتى أواسط العقد السادس من القرن الماضي، والذي كان يقابله جو مشحون بالتيارات والأفكار السياسية والايديولوجية العلمانية الوافدة، ووسط مهرجان من الأحزاب والتنظيمات العلمانية؛ والتي يبرز من بينها التيار الماركسي الذي يمثله الحزب الشيوعي، والتيار القومي الذي يعد حزب البعث أهم أركانه، ومايعرف بالتيار الوطني، الذي يعد الحزب الوطني أحد أهم قواه. وماتبقى فقد كانت أحزاب سلطة أو أحزاب رموز. وكان انكماش الإسلام الحركي؛ يمثل فرصة مهمة للتيارات العلمانية، ولاسيما الجماهيرية؛ للإمساك بالساحة السياسية والإجتماعية؛ حتى في المدن التي تمثل قلاعاً دينية حضارية؛ كالنجف الأشرف.

وكانت الحاجة الى العمل المنظم الشامل الذي يتبني عملية التغيير في واقع الأمة الثقافي والسياسي؛ ولاسيما في الوسط الشيعي؛ كبيرة وملحة؛ لأن الوسط السني سبقهم إليه، فقد برزت منذ نهاية العشرينات تنظيمات وتجمعات إسلامية سنية كبيرة؛ كالإخوان المسلمين في مصر، وحزب التحرير في بلاد الشام، والجماعات الإسلامية في الهند وباكستان وتركيا وغيرها. ومن جانب آخر فإن الوجودات الشيعية الرائدة؛ كجمعية النهضة الإسلامية وحزب النجف والجمعية الإسلامية الوطنية وغيرها؛ كانت تجمعات آنية تشكلت لأغراض محدودة وانتهت حال ارتفاع هذه الأغراض. أما الجماعات الإسلامية الشيعية التي تأسست في أوائل وأواسط الخمسينات؛ كحركة الشباب المسلم ومنظمة المسلمين العقائديين وغيرهما؛ فكانت هي الأخرى محدودة وذات إمكانات متواضعة تنسجم مع أهدافها، ولم تسمح لها ظروفها باستيعاب الساحة؛ وبالتالي لم تكن قادرة على القيام بمهمة إحداث تغيير شامل في الواقع الإسلامي الشيعي، لأسباب وظروف تتعلق بقيادة هذه الجماعات وخصوصيات يتميز بها العراق بشكل عام، ووضع الوسط الديني العراقي بشكل خاص.

هذه الهموم التغييرية الكبيرة التي كان يحملها بعض علماء الدين والناشطين الإسلاميين المثقفين؛ دفتعهم للتوصل الى مقاربة لعلاج الواقع؛ من خلال تبني أسلوب العمل التغييري المنظم الشامل في شكله الحزبي؛ بعد دراسة نظرية العمل السياسي في الإسلام، وتأريخ الأمة الإسلامية عموماً والعراق خصوصاً، وتجارب الشعوب وحركات المصلحين والوجودات الإسلامية السياسية السابقة. فكان نتاج الدراسات والمداولات العميقة المطولة يتمثل في تأسيس حزب إسلامي؛ يتحرك في المجالات كافة، وقد أسموه فيما بعد بـ “الدعوة الإسلامية”.

ولم يكن الحراك التغييري الإنقلابي الجديد المتمثل بحزب الدعوة الإسلامية يسعى لأهداف سياسية أو تنظيمية محدودة؛ بل كان مؤسِّساً لحالة مختلفة في مسار التاريخ الشيعي؛ شكلت انعطافة كبرى على مستويات الفقه السياسي والسلوك الحركي والعمل التنظيمي والرؤية التأصيلية لعملية التأسيس العصرية للدولة الإسلامية القائمة على مذهب أهل البيت. وهو عمل لم يسبق اليه الدعاة أحد من النخبة الشيعية في العراق وغيره.

ولا يمكن تشبيه العمل التأصيلي التأسيسي للدعاة الأوائل بالتجارب النضالية والسياسية والحكومية للنخب الشيعية في المراحل التي سبقت تأسيس حزب الدعوة الإسلامية؛ كما هو الحال مع الدولة العلوية في طبرستان، و حكومة السربداران في سبزوار، و الدولة الحمدانية في شمال العراق وبلاد الشام، والدولة الإدريسية في شمال أفريقيا، والدولة الفاطمية في شمال أفريقيا ومصر، والدولة البويهية في ايران والعراق، والدولة الصفوية في ايران والجوار، وصولاً الى الحركات النضالية للنخب الشيعية في لبنان وايران والعراق والبحرين في مطلع القرن العشرين الماضي وحتى أواسط الخمسينات، ومنها ثورة المشروطة في ايران، وثورتا النجف والعشرين في العراق، والثورة الدستورية في البحرين، والحراك السياسي في جنوب لبنان. وقد تفوق الإنجازات الميدانية لهذه التجارب إنجازات حزب الدعوة بكثير. ولكن حديثنا هنا ليس عن الإنجازات الميدانية وحسب؛ بل عن الإنجاز التأسيسي لفقه وفكر وبنية سياسية شيعية تختلف عن كل التجارب السابقة. فقد أسس حزب الدعوة لأول مرة لمبدأ إقامة الدولة الإسلامية في عصر غيبة الإمام المهدي ( 329هـ / 941 م )، وهي دولة تقوم على تأصيل فقهي خاضع لنظرية الشريعة الإسلامية وأحكامها التفصيلية، وليس دولة سلطانية تقوم على التوريث والطقوسية الشيعية؛ كما هو الحال مع الدول الشيعية التي قامت من قبل. وينسجم التأصيل في موضوعة الدولة مع التأصيل الفكري والفقهي للعمل السياسي والتنظيمي والجهادي لحزب الدعوة نفسه؛ لأنه ليس كالحركات النضالية السياسية الشيعية التي انبثقت لمواجهة ظرف معين(1).

وإذا أردنا أن نكون أكثر واقعية؛ فيجب أن نذعن الى حقيقة تاريخية مهمة؛ تتمثل في السبق المستمر للنخب السنية في تحقيق الإنجازات الفكرية والسياسية والميدانية لمصلحة الواقع السني، وتعقبها النخب الشيعية في التشبه بهذا الإنجاز؛ لتحقيق مصالح للواقع الشيعي. فقد حاولت الحكومات الثورية والسلطانية الشيعية التأسيس لتقاليد وسلوكيات نضالية شيعية، تحفظ للواقع الشيعي حقوقه وبقاءه؛ وإن كانت مستقلة نسبياً عن الخط الخاص للشرعية الدينية؛ وهو ما حصل – ابتداء – مع حركة المختار بن يوسف الثقفي، الذي كان مؤسساً لأول تحرك ثوري وسياسي وعسكري شيعي؛ مستقل نسبياً عن الخط الخاص للشرعية الدينية الشيعية آنذاك متمثلة بالإمام علي بن الحسين السجاد، ومؤسساً لأول سلوك سلطاني في التاريخ الشيعي. وإقتفت بعض النخب السياسية والثورية الشيعية بعد ذلك أثر حركة المختار؛ لضمان مصالح الطائفة وحقوقها؛ عبر الثورات والجيوب الحكومية والحركات السياسية المجتمعية. ثم تطور الأمر الى التشبه بالحكومات السلطانية السنية؛ وهو مابدأه العلويون في شمال ايران والحمدانيون في شمال العراق وبلاد الشام، ثم الأدارسة والفاطميون والبويهيون والصفويون. وحيال ذلك اضطر الفقهاء الشيعة الى منح الشرعية لهذه الحركات الثورية والحكومات السلطانية التي لاتستند في أساس حاكميتها الى الفقه السياسي الإسلامي بصيغته اللصيقة بموروث أهل البيت (ع). وكان الهدف من كل ذلك حماية المجتمعات الشيعية من الإستهداف والإستئصال والمذابح الجماعية والتهجير والتهميش والتمييز الطائفي الذي تتعرض له من الحكومات السنية والفقهاء السنة، وكذلك فسح المجال أمام العقيدة الإسلامية الشيعية للتحرك بحرية؛ بمعزل عن دعوات التكفير والإقصاء والنبذ الذي تتعرض له باستمرار. وهكذا أصبح للنخب الشيعية فقه سلطاني تتحرك في إطاره، أسوة بالنخب السنية، وأصبح للحكومات الشيعية منصب ( شيخ الإسلام ) أسوة بالحكومات السنية؛ لمواجهة قوة القهر العسكرية والسياسية؛ بقوة دفاعية تعادلها، ولمواجهة سلطة الفتوى؛ بسلطة أخرى توازيها (2)؛ وإلّا فالإبقاء على الحال كما كان عليه في عصر الدولة الأموية والفترات الأطول من عصر الدولتين العباسية والعثمانية؛ اي قوة وسلطة مهاجمة من جهة، وبيئة مهمشة مدافعة من جهة اخرى؛ سيؤدي بالمجتمعات الشيعية الى الإندثار والإبادة، أو اللجوء الى الغابات والجبال والقلاع والسواحل، وبالتالي الإبتعاد عن أصول المعتقد وتبني معتقدات دخيلة، كما حصل مع المجتمعات الشيعية في شمال لبنان وغرب وشمال سوريا وشمال العراق و جنوب تركيا وشرق البانيا وكوسوفو، والذين يعرفون بـ “العلويين”، وهم بالأساس شيعة إماميون إثنا عشريون، وعددهم اليوم أكثر من خمسين مليون نسمة؛ وذلك لعدم وجود سلطة تحميهم في مقابل الإبادة الأموية والقمع العباسي والبطش السلجوقي والأيوبي والمملوكي والعثماني. وهو ما حدث بمفارقة أكبر مع عشرات الأسر الشيعية في لبنان وسوريا التي اعتنقت الديانة المسيحية، أو دفعت أولادها الى الإحتماء بالأسر المسيحية؛ تخلصاً من القتل والإبادة الجماعية؛ لأن السلطات العثمانية كانت تحرِّم دم المسيحيين وتعدهم أهل ذمة، بينما تهدر دم الشيعي، وتستبيح ماله وعرضه، ولاتنفعه جزية دينية ولاضريبة دنيوية.

وفي العصر الحديث ظلّت النخب الشيعية تتمثل النخب السنية في حراكها الميداني، فانتمى بعضها الى الواقع الأوربي في تبني القوانين الوضعية والدساتير الزمنية، كما حدث مع النخب الإيرانية خلال ثورة المشروطة، أو تقتفي أثر الإسلامويين السنة في التبعية للدولة العثمانية في صراعها مع الغرب، أو تتجه نحو الحركات القومية المعادية للإنجليز والفرنسيين، أو المتحالفة معها. فكانت النتيجة خسارة الشيعة الكبرى بعد ثورة العشرين في العراق(3)، ومجيء حكم طائفي عنصري ينتمي الى الحاضنة السنية العربية التي تبلغ نسبتها 16% من نفوس العراق، وأذاق الاكثرية السكانية الشيعية الويلات حتى عام 2003 (4)؛ حتى ترحّم الشيعة على طائفية الدولة العثمانية. وكذا خسارتهم في لبنان بعد تأسيس لبنان الحديث عام 1934 ومجيء حكم طائفي يقوم على التحالف السياسي بين الأقلية السنية (ركيزة الإحتلال العثماني) والأقلية المارونية (ركيزة الإحتلال الفرنسي) ضد الأكثرية السكانية الشيعية. وكذا الحال في البحرين؛ الذي ظلت تحكمه أسرة تنتمي الى الأقلية السنية التي قوامها 20% من نفوس البلاد. فكان الشيعة دائماً ضحايا الوطن والشعارات الوطنية واللحمة الوطنية والحراك القومي والأممي والثورات التحررية والصدام بالإستعمار والمحتل؛ تمسكاً بالموازين الدينية والمعايير الوطنية والإنفعالات الإنسانية؛ الذي يعبرون عنه بالتكليف الشرعي والإنتماء الوطني والشعور القومي؛ دون أن يفكروا بواقعية ببناء حاضرهم ومستقبل أولادهم ومجتمعاتهم، أو بمرحلة إستلام السلطة كنتيجة لمرحلة العمل النضالي. بينما تضع النخبة السنية عينها على السلطة قبل البدء بأي تحرك وطني وديني وقومي وتحرري. وبالتالي؛ عندما ينجلي غبار المعارك وتحين لحظة السلطة؛ يجد الشيعة أنفسهم خارج اللعبة، ويتحولون بالتدريج الى معارضة وأٌقلية سياسية معزولة، ومايتبع ذلك من تهميش وتمييز طائفي وتهجير وإسقاط للجنسية وملاحقة، وصولاً الى المقابر الجماعية؛ على الرغم من أنهم الأكثرية السكانية في العراق ولبنان والبحرين. وفي المقابل ترفع سلطة الأقلية الطائفية شعارات الوطن والوطنية واللحمة الإجتماعية والأهداف الدينية والإلتزام القومي والتهديد الخارجي والتآمر الإستعماري؛ لإستغفال القواعد الشعبية وتسويغ أية ممارسات قمعية وتمييزية تقوم بها وضمان بقائها في السلطة.

هذه الحقائق ترفضها النخبة السنية في البلدان الثلاثة المذكورة وتنفيها بشدة؛ لأنها لاتنسجم مع مصالحها؛ فهي أقلية ذكية متمرسة في لعبة السلطة، وظلت تمسك بها طيلة مئات السنين؛ بالرغم من أن حاضنتها الإجتماعية تقل عن ربع سكان البلد، ولذلك تحتاج دائماً الى شعارات ومقولات دينية ووطنية وقومية تخديرية؛ تدفع بها الشارع الشيعي الى التضحية والصمت والعض على الجراح؛ مرةً بذريعة الدفاع عن بيضة الدولة الإسلامية؛ كما كان يحدث خلال صراع الدولة العثمانية مع الغرب، ومرة أخرى بذريعة الدفاع عن الوطن؛ كما كان يحدث خلال العهدين الملكي والجمهوري في العراق، ومرة ثالثة دفاعاً عن القومية العربية والبوابة الشرقية للوطن العربي؛ كما كان يحدث في العهد البعثي. وهي الذرائع التي انتهكت السلطات تحت ظلها كل حقوق الشيعة وكبدتهم ملايين التضحيات(5).

كما أن جزءاً مهماً من النخبة الشيعية يرفض الكشف عن هذه الحقائق ومقاربتها؛ لأنه يفضل أن يعيش حالة الإستغفال، أو التماهي مع شعارات السلطة؛ أما تصديقاً لها؛ من منطلق الحس الديني والوطني والقومي الحقيقي، أو رغبة في إعتزال السلطة ومتاعبها وتبعاتها. فمثلاً الخوف من إسالة الدماء والحفاظ على الوحدة الإسلامية ومصالح الوطن العليا؛ تسببت جميعها في خسائر أكبر بكثير جداً؛ إذ خسر فيها شيعة العراق وطنهم وقوميتهم وأرواحهم وأعراضهم وأموالهم؛ طيلة 40 عاماً من الحكم الطائفي العنصري ( 1963 – 2003 )؛ كما كانوا يخسرون دائماً في كل العهود.

ويقود هذا الموضوع الى الحديث عن التأثر الحسي للشيعة بالحراك الإسلامي السني المعاصر. ففي عام 1928 تأسست جماعة الأخوان المسلمين في مصر، ومثلت منعطفاً مهماً في الفكر السياسي الإسلامي السني؛ إذ كانت الحركة الإسلامية الأولى في التاريخ السني التي تدعو لحكم إسلامي على أساس الشورى، وليس لحكم سلطاني يقوم على الموروث الفقهي السياسي السلطاني السني؛ الذي حكم الواقع السني منذ ملكية معاوية الأموي وحتى سلطنة عبد المجيد العثماني. وتزامن تأسيس جماعة الأخوان مع نشاط جماعة النور في تركيا بقيادة بديع الزمان النورسي الذي تأثر به حسن البنا مؤسس الأخوان. وأعقب جماعة الأخوان تأسيس الجماعة الإسلامية في الهند بقيادة أبو الأعلى المودودي، ثم حزب التحرير في الأردن على يد تقي الدين النبهاني عام 1953؛ الذي كان هو الآخر حركة سنية إسلامية تعارض الموروث السلطاني السني وتدعو لخلافة ( راشدة ). إضافة الى جماعات إسلامية حركية سنية في بلدان أخرى. إلّا أن ماكان يميز جماعتي الأخوان والتحرير هو فكرهما الحركي العميق وعالميتهما؛ بينما كانت الجماعات الإسلامية السنية الأخرى حركات محلية أونضالية.

وحيال ذلك؛ كانت النخب الدينية الشيعية العربية تنظر بإعجاب لجماعة الأخوان المسلمين وحزب التحرير؛ بالنظر لدعوتهما الدينية الفكرية الحركية المتجددة، وخطابهما التأصلي العصري القائم على تطبيق الشريعة الإسلامية بأدوات حديثة، وبنيتهما التنظيمية القوية التي تقارب بنى الأحزاب العلمانية الايديولوجية في رصانتها وهيكليتها، وعالميتما، وبعدهما عن الحالة التقليدية في الفرز الطائفي التي تتميز بها الجماعات السنية حيال الشيعة. ولكن لم تتخلص هاتان الجماعتان من موروث الإجتماع الديني والسياسي الطائفي. الأمر الذي دفع معظم الإسلاميين الشيعة المتأثرين بهاتين الجماعتين؛ ولاسيما في العراق والكويت ولبنان والبحرين؛ الى مفارقتهما؛ بعد التنبه الى إنتمائهما الى ذلك الموروث الطائفي، والمضي بإيجاد البديل الإسلامي الشيعي المشابه تقنياً.

ولذلك جاء تأسيس حزب الدعوة الإسلامية مستجيباً في مضمونه لمتطلبات الواقع الشيعي ذي الإمتداد التاريخي، ومتأثراً في الجانب الشكلي بحركية جماعة الأخوان المسلمين وحزب التحرير؛ أي أنه ليس تاثراً بالمعنى الفقهي والفكري؛ بل بمعنى تلمس غياب العمل الشيعي المشابه، في الوقت الذي كان الواقع الشيعي بأمس الحاجة إليه.  وبالرغم هذا التشابه الشكلي؛ إلا أن حزب الدعوة الإسلامية من خلال القوة الفكرية لمؤسسيه وأعضائه الأوائل من الشباب العشريني والثلاثيني، وحماستهم العالية، وعملهم الدؤوب، واحتمائهم بالسلطة الدينية الشيعية العليا، واستثمار النسبة السكانية للشيعة؛ باعتبارهم الأكثرية العددية في العراق ولبنان والبحرين؛ استطاع تجاوز جماعة الأخوان وحزب التحرير بمراحل متقدمة كبيرة من حيث العدة والعدد في هذه البلدان الثلاثة.

ويمكن إختصار الأهداف التاريخية العملية لتأسيس حزب الدعوة الإسلامية؛ وهي الأهداف الخاصة؛ غير المثبتة في أدبيات الحزب؛ بثلاث نقاط جوهرية:

  • ـ إيجاد نخبة إسلامية شيعية في العراق والبلدان العربية والإسلامية ذات الأغلبية السكانية الشيعية أو التي توجد فيها كثافة سكانية شيعية؛ تعمل على تغيير الواقع الثقافي والفكري؛ وصولاً الى استلام السلطة وتأسيس دولة إسلامية تحكم بالشريعة الإسلامية.
  • ـ مواجهة الأفكار والأحداث والجماعات السياسية العلمانية والأنظمة الحاكمة في العراق والبلدان الإسلامية؛ ولاسيما المد القومي البعثي والناصري والمد الشيوعي والحكومات الملكية والجمهورية.
  • ـ تأسيس تنظيم إسلامي شيعي عقائدي عالمي؛ على غرار الأحزاب الإسلامية السنية، والأحزاب الماركسية، والأحزاب القومية العربية والكردية؛ لسد الفراغ التنظيمي في الساحة الشيعية؛ العراقية خصوصاً، والعربية عموماً.

 مقاربة تاريخ تأسيس “الدعوة” واجتماع النجف التأسيسي

كانت الشخصية الأبرز التي ارتبط الحراك الإسلامي الجديد باسمها؛ هو الفقيه والمفكر الشاب السيد محمد باقر الصدر، الذي مثل نموذجاً نادراً لعلماء الدين. أما السيد محمد مهدي الحكيم الى جانب مجموعة الحزب الجعفري: عبد الصاحب دخيل، محمد صادق القاموسي وحسن شبر، إضافة الى السيد طالب الرفاعي؛ فهم أصحاب فكرة إنشاء الحزب الاسلامي الشيعي، والذي حمل اسم حزب الدعوة الإسلامية فيما بعد. وفي هذا الصدد يقول السيد محمد مهدي الحكيم: أن فكرة تأسيس حزب اسلامي طرحت خلال عام 1956، واستمرت التحركات والاجتماعات التحضيرية أكثر من سنة، تباعدت فيها الأفكار وتقاربت، وتراجعت شخصيات وثبتت أخرى، وحتى تم في النهاية الاتفاق على شكل العمل وطبيعة تحركه. وكانت أول قضية طرحت على طاولة البحث (قبل التأسيس) هي: ” مشروعية قيام الحكومة الإسلامية في عصر الغيبة “؛  فكتب آية الله السيد محمد باقر الصدر ( وهو الفقيه الوحيد بين مؤسسي الحراك الجديد) دراسة فقهية برهن فيها على شرعية قيام الحكومة الإسلامية في عصر الغيبة، وكانت هذه الدراسة أول نشرة حزبية تتبناها “الدعوة”. ويضيف السيد محمد مهدي الحيكم: أنه عرض فكرة تأسيس الحزب في عام 1956 على السيد طالب الرفاعي وعبد الصاحب دخيل ومحمد صادق القاموسي؛ فكان الأربعة يعقدون الاجتماعات التداولية الأولى لفكرة الحزب، ثم اقترح السيد طالب الرفاعي مفاتحة السيد محمد باقر الصدر؛ فوافق على الفور حين طرح عليه السيد مهدي الفكرة، ثم اقترح السيد الصدر ضم السيد مرتضى العسكري للعمل ( وكان يقيم في الكاظمية )، حيث فاتحه بذلك من خلال رسالة حملها إليه السيد محمد مهدي الحكيم (6). ثم تمت مفاتحة السيد محمد باقر الحكيم والسيد حسن شبر والدكتور جابر العطا ومحمد صالح الأديب.

لقد استمرت مداولات تأسيس الحزب بين أصحاب الفكرة وأقرانهم الذين انفتحوا عليهم حتى أواسط عام 1957. و خلال الفترة من تموز/ يوليو وحتى أيلول/ سبتمبر 1957 عقد أكثر من إجتماع تأسيسي تحضيري في النجف الاشرف، معظمها في بيت السيد محمد باقر الصدر. وكان آخرها هو الإجتماع التأسيسي النهائي الذي عقد في بيت السيد محمد باقر الصدر في النجف الأشرف خلال شهر آب/ أغسطس من العام 1957، وحضره ثماني شخصيات: السيد محمد باقر الصدر، السيد محمد مهدي الحكيم، عبد الصاحب دخيل، محمد صادق القاموسي، السيد مرتضى العسكري، السيد طالب الرفاعي، السيد حسن شبر والدكتور جابر العطا، وسبق إجتماع أداء القسم في كربلاء بشهرين. وفي تشرين الأول / أكتوبر عام 1957 ( ربيع الأول 1377هـ) عقد إجتماع أداء القسم في دار إقامة المرجع الديني الإمام السيد محسن الحكيم في كربلاء؛ بحضور سبع شخصيات: السيد محمد باقر الصدر، السيد محمد مهدي الحكيم، عبد الصاحب دخيل، محمد صادق القاموسي، السيد مرتضى العسكري، السيد محمد باقر الحكيم ومحمد صالح الأديب، وغياب ثلاث أخرى من المؤسسين: السيد طالب الرفاعي والسيد حسن شبر والدكتور جابر العطا. وهو الإجتماع الذي يعده بعض مؤسسي “الدعوة” اجتماعاً تأسيسياً ( رواية المؤسس محمد صالح الأديب)، فيما يعده آخرون أول اجتماع رسمي للدعوة ( رواية المؤسس السيد مرتضى العسكري)، فيما يعده مؤسسون آخرون اجتماعاً لأداء القسم وليس تأسيسياً ( رواية المؤسسين السيد محمد مهدي الحكيم والسيد حسن شبر)، وأن الإجتماع التأسيسي النهائي كان في النجف الأشرف وسبقه بشهرين تقريباً ( رواية المؤسس السيد حسن شبر)، في حين لايعطيه مؤسس آخر لاجتماع كربلاء أية قيمة، ويعد التأسيس والتحضير كان في النجف الأشرف حصراً ( رواية المؤسس السيد طالب الرفاعي).

ويعتقد السيد طالب الرفاعي بأن كل إجتماعات حزب الدعوة التحضيرية والتأسيسية كانت في النجف حصراً، ولاوجود لإجتماع كربلاء الذي تم فيه أداء القسم، وأن الحزب تأسس بعد إنقلاب 14 تموز 1958، وهو ماذكره في كتابه (( أمالي السيد طالب الرفاعي)). ومرد هذا الإعتقاد الى عدم حضور السيد طالب الرفاعي اجتماع اداء القسم في كربلاء، وأنه أدى القسم في النجف الأشرف بحضور السيد محمد باقر الصدر بعد إجتماع كربلاء بسنة تقريباً؛ أي بعد إنقلاب 14 تموز 1958؛ ولذلك يقرن تاريخ تأسيس حزب الدعوة بأدائه القسم شخصياً (7). في حين أن إجتماع كربلاء موثق توثيقاً دقيقته، و قد وثّقته شخصياً نقلاً عن ثلاثة ممن حضروه: السيد محمد مهدي الحكيم والسيد محمد باقر الحكيم ومحمد صالح الأديب. كما وثّقه السيد حسن شبر عن جميع السبعة الذين حضروه؛ توثيقاً تفصيلياً (8)، كما دوّنه في بحوثه عن حزب الدعوة (9). وهو ماتقره أدبيات حزب الدعوة الرسمية بمزيد التفصيل (10). والمفارقة أن السيد طالب الرفاعي أشاد برواياتي في كتاب “سنوات الجمر” خلال لقائي به؛ بالرغم من أني تحدثت في الكتاب عن اجتماع كربلاء، وأبدى رضاه عن إنصافي لدوره؛ لأني أول من ذكر دوره في التأسيس والإنطلاق (11). ولكن حين قرأت ماذكره السيد الرفاعي في أماليه، وكنت أعدّ كلامه دراية وليست رواية؛ لكونه فاعلاً أساسياً في مشهد التأسيس منذ اللحظة الأولى لنشوء الفكرة خلال عامي 1956 و1957؛ فقد وجدت تعارضاً في بعض معلوماته وتحليلاته عن مرحلة التأسيس مع ماسمعته ودونته على لسان كثير من المؤسسين والرعيل الأول؛ كالسيد محمد مهدي الحكيم والسيد محمد بحر العلوم والسيد محمد باقر الحكيم والسيد حسن شبر والسيد محمد حسين فضل الله والشيخ عبد الهادي الفضلي وآخرين. وقد ذكر لي السيد محمد بحر العلوم والسيد حسن شبر ـ بشيء من الإستغراب ـ مايتعارض مع ماذكره السيد الرفاعي في رواية التأسيس؛ بل عبّر السيد محمد بحر العلوم في أحد لقاءاتي به خلال العام 2013 عن إنزعاجه من مصادرة السيد طالب الرفاعي لدوره وأدوار الآخرين وإلغائه بعض الوقائع (12).

ومن جانبه؛ يؤكد الشيخ على الكوراني وآخرون بأن مرحلة تأسيس حزب الدعوة وإنطلاقه هي مرحلة عبد الصاحب دخيل بامتياز (13). كما يؤكد السيد حسن شبر بأن محمد هادي السبيتي إلتحق بهم بعد سنتين من التأسيس؛ وتحديداً في عام 1959 (14). وتتعارض روايتا شبر والكوراني مع رواية عز الدين سليم الذي يعتقد بأن محمد هادي السبيتي كان في أجواء التأسيس، وإن فضل الإنطلاق والتبلور يعود اليه، وأن دخيل كان الرجل الثاني (15).

ويبدو للوهلة الأولى أن هناك تعارضاّ في زوايا نظر المؤسسين والدعاة الأوائل في مايرتبط بالتأسيس والخطوات الأولى. ولكنها في الحقيقة غير متعارضة؛ لأن مقتضى العمل السري وعدم انفتاح الدعاة على بعضهم وإحتفاظ كل منهم بأسرار عمله، وتعدد الإجتماعات والمداولات؛ يؤدي الى تنوع في الشهادات؛ فضلاً عن نسيان بعض المؤسسين والرواد التواريخ الدقيقة للأحداث والوقائع. وقد وجدت عبر تفكيك الشهادات وتحليها بأنها تكمل بعضها؛ لأن كل مؤسس وملتحق بالتأسيس ينظر الى الأمور من زاوية فعله ودوره وموقعه، ولايوجد شخص بعينه يستطيع استيعاب جميع وقائع مرحلة نشوء الفكرة والتأسيس والإنطلاق والإنتشار خلال الأعوام 1956 الى 1959؛ لأن تأسيس حزب الدعوة كان جهداً جماعياً، ونواته الأولى كانت جماعية، وأن فكرة الحزب الإسلامي وتأسيس حزب إسلامي كانت موجودة في رؤوس جميع المؤسسين والدعاة الأوائل خلال عقد الخمسينات من القرن الماضي، وكان كثير منهم قد خطى خطوة لوحده قبل أن ينفتحوا على بعض خلال عام 1957؛ فضلاً عن طبيعة العمل السري ومحدودية إنفتاح الدعاة على بعضهم. وبالتالي فإن وجود بعض الإختلاف في روايات المؤسسين أو الملتحقين بالتأسيس وأوائل الدعاة الذين كانوا في أجواء خطوات الحزب الأولى من 1956 وحتى 1959؛ يعود الى أن كلاً منهم ينظر الى مراحل التأسيس وخطوات العمل من زاويته وموقعه ودوره؛ كما ذكرنا سابقاً. ومن هنا كانت مهمتنا البحثية صعبة للغاية، وتتمثل في تفكيك هذه الإشكالية عبر تجميع الروايات وحصرها وضربها ببعض، ثم استخلاص النتائج منها. فمثلاُ لا أزال أهتم بتواريخ انتماء الرواد الى حزب الدعوة؛ لأنها تنفعني من مقاربة تاريخ الأحداث وتسلسلها، وعند طلبي ذلك منهم؛ فإن كثيراً منهم لا يتذكر؛ حينها أقوم باستذكار تواريخ بعض الأحداث وتواريخ انتماء أقرانهم وغيرها من القرائن لأستخرج التاريخ الدقيق لانتمائهم، وبعدها أحدد تواريخ ووقائع أحداث اقترنت بأسماء هؤلاء الرواد.

وفي هذا الصدد يقول السيد حسن شبر أحد المؤسسين: (( الجلسة التي تم فيها أداء القسم في يوم في بيت السيد محسن الحكيم في كربلاء بتاريخ 12 تشرين الأول من العام 1957 كانت فقط لأداء القسم بالالتزام بمبادىء الحزب والعمل تحت خيمته والمحافظة على سريته. أما تأسيس الحزب فقد سبق جلسة أداء القسم بشهرين؛ أي في آب من العام 1957؛ خلال الجلسة الأخيرة التي عقدناها في بيت السيد محمد باقر الصدر في النجف الأشرف، وحضرتها أنا ( السيد حسن شبر) والسيد محمد باقر الصدر نفسه والسيد محمد مهدي الحكيم وعبد الصاحب دخيل وجابر عطا والسيد مرتضى العسكري والسيد طالب الرفاعي ومحمد صادق القاموسي. وتم فيها مناقشة كل التفاصيل؛ بما فيها الإتفاق على أن تكون الجلسة اللاحقة لأداء القسم. أما فيما يخص تسمية الحزب فقد سمي بـ “الدعوة الأسلامية” في بداية العام 1958؛ أي بعد شهرين من أدائنا القسم. والدليل على أن الحزب تأسس قبل انقلاب 14 تموز 1958؛ عندما شكل عبد الكريم قاسم حكومته استقطب بعض المختلفين في الأفكار السياسية، وحينها قال السيد مهدي الحكيم خلال أحد اجتماعاتنا: لو كنا قد أعلنا عن اسمنا لاختار عبد الكريم قاسم من حزبنا وزيراً أو اثنين)) (16)

و الرواية الرسمية لحزب الدعوة؛ والتي أثبتها محمد صالح الأديب والسيد حسن شبر في أدبيات الحزب بعد العام 1980(بالرغم من أن الأديب لم يحضر اجتماع النجف وحضر اجتماع كربلاء، بينما حضر شبر اجتماع النجف ولم يحضر اجتماع كربلاء)؛ فتعد اجتماع النجف تأسيساً واقعياً، واجتماع كربلاء تأسيسياً رسمياً؛ لأن المؤسسين أدوا فيه القسم؛ ولأن الحزب حدد يوم 17 ربيع الأول 1377هـ الذي يوافق 12 تشرين الثاني/ أكتوبر 1957؛ تاريخاً لانبثاقه.

أما نتائج بحوثي في هذا المجال؛ والتي استندت فيها الى المعطيات التي حصلت عليها من خلال مقابلاتي مع كثير من مؤسسي الحزب وقادته وأعضائه الاوائل، واستخدام قواعد الجرح والتعديل، وتمحيص الرويات وضربها ببعض؛ فإن خلاصتها تؤكد أن حزب الدعوة الإسلامية تأسس في النجف الأشرف في آب / اغسطس من العام 1957، وأن اجتماع النجف الأشرف في بيت السيد محمد باقر الصدر هو الإجتماع التأسيسي، وأن اجتماع أداء القسم في كربلاء في بيت السيد محسن الحكيم هو أول اجتماع رسمي للحزب، وأن من حضر أحدهما يعد من المؤسسين، وان المؤسسين هم عشرة: حجة الإسلام السيد محمد مهدي الحكيم، عبد الصاحب دخيل، آية الله السيد طالب الرفاعي، آية الله السيد محمد باقر الصدر، آية الله السيد مرتضى العسكري، آية الله السيد محمد باقر الحكيم، محمد صادق القاموسي، المحامي السيد حسن شبر، الدكتور جابر العطا، المهندس محمد صالح الأديب.

مؤسسو حزب الدعوة العشرة

يتلخص المعيار العلمي في تسمية مؤسسي حزب الدعوة الإسلامية في حضور أحد اجتماعين كما ذكرنا سابقاً:

  • إجتماع النجف التأسيسي في آب/ أغسطس من العام 1957 في بيت السيد محمد باقر الصدر.
  • اجتماع أداء القسم في كربلاء في 12 تشرين الثاني من العام 1957 في بيت السيد محسن الحكيم.

وبالتالي فليس حضور اجتماع النجف التأسيسي هو المعيار الوحيد، ولا اجتماع أداء القسم في كربلاء بعده؛ بل أن من حضر أحد الإجتماعين يعدّ مؤسساً. وبذلك فإن مؤسسي حزب الدعوة الإسلامية العشرة؛ على وفق معطيات وجودهم في مرحلة التأسيس عام 1957، وحضورهم أحد إجتماعي النجف الأشرف وكربلاء؛ هم:

  • آية الله السيد محمد باقر الصدر: عالم دين، كان عمره 22 عاماً حين شارك في تأسيس حزب الدعوة. ولد في مدينة الكاظمية ( من توابع العاصمة بغداد) في العام 1935. حضر اجتماع النجف التأسيسي واجتماع أداء القسم في كربلاء. كان يدير معظم الإجتماعات التحضيرية والإجتماعين التأسيسيين، ويعد منظر حزب الدعوة والأبرز بين المؤسسين؛ باعتباره مجتهداً ومفكراً، ومحل ثقة علمية وفكرية وشخصية لدى المرجعيات الدينية النجفية والحوزة العلمية والوسط الثقافي الديني، وهو الذي كتب أسس حزب الدعوة واطلق عليه إسم “الدعوة الإسلامية”. وأصبح عضواً في أول لجنة قيادية رباعية للحزب. انسحب من التنظيم في العام 1961؛ أي أن عمره التنظيمي في حزب الدعوة أربعة أعوام؛ ولكنه بقي على علاقة وثيقة بالحزب حتى إعدامه؛ بل التحمت به تنظيمات حزب الدعوة في داخل العراق في العام 1979 وبايعته قائداً. أعلن مرجعيته الدينية في العام 1974. اعتقلته سلطات البعث العراقي عدة مرات؛ آخرها في بدايات نيسان / ابريل العام 1980، وأعدمته في 9 نيسان / ابريل من العام 1980؛ بعد أن عرضته لأشد صنوف التعذيب.
  • حجة الإسلام السيد محمد مهدي الحكيم: عالم دين ، كان عمره 22 عاماً حين شارك في تأسيس حزب الدعوة. ولد في مدينة النجف الأشرف في العام 1935. حضر اجتماع النجف التأسيسي واجتماع أداء القسم في كربلاء. وهو أول من فاتح الآخرين بفكرة الحزب. وتكمن أهميته المعنوية والإجتماعية في كونه نجل المرجع الأعلى للشيعة الإمام السيد محسن الحكيم والأنشط سياسياً بين أنجاله؛ فضلاً عن علاقاته الدينية والإجتماعية الواسعة. وكان السيد محمد باقرالصدر يميزه بدروس فقهية وأصولية خاصة. وبذلك فهو يمثل حلقة تأثير مهمة بين أبيه الإمام الحكيم والسيد محمد باقر الصدر. أصبح عضواً في أول لجنة قيادية رباعية للحزب، ثم انسحب من التنظيم في العام 1961، ؛ أي أن عمره التنظيمي في حزب الدعوة أربعة أعوام؛ ولكنه بقي على علاقة وثيقة بالحزب حتى مغادرته العراق خلال العام 1969 بعد الهجمات الأمنية السياسية الإعلامية التي شنها نظام البعث على الحركة الإسلامية والنجف والمرجعية الدينية. بقي يعارض النظام، حتى اغتاله نظام صدام خلال زيارته الى السودان في العام 1988.
  • آية الله السيد مرتضى العسكري: عالم دين، كان عمره 43 عاماً حين شارك في تأسيس حزب الدعوة. ولد في مدينة سامراء في العام 1912. حضر اجتماع النجف التأسيسي واجتماع أداء القسم في كربلاء. وهو أول من أدى القسم؛ باعتباره أكبر حضور اجتماع كربلاء سناً. وهو فقيه مؤلف وباحث معروف، وصاحب حضور مهم في الوسط العلمي والإجتماعي في بغداد حيث كان يقيم. أصبح عضواً في أول لجنة قيادية رباعية لحزب الدعوة، ثم مسؤولاً للجنة القيادية بعد عام 1961 وحتى العام 1963. انتقل الى ايران بعد ملاحقته من النظام البعثي. اختير بعد العام 1975 عضواً في لجنة الإشراف العليا على الحزب ( القيادة العامة )، وبقي ضمن جسد الحزب حتى إجراء إنتخابات القيادة في العام 1981، ؛ أي أن عمره التنظيمي في حزب الدعوة 24 عاماً متواصلاً؛ لكنه احتفظ بعلاقة وثيقة بالحزب بعد خروجه منه حتى وفاته في العام 2007.
  • عبد الصاحب دخيل: ناشط اسلامي وتاجر، كان عمره 27 عاماً حين شارك في تأسيس حزب الدعوة. ولد في مدينة النجف الأشرف في العام 1930. حضر اجتماع النجف التأسيسي واجتماع أداء القسم في كربلاء. يمتلك وعياً حركياً مميزاً وخبرة في العمل التنظيمي الإسلامي؛ لأنه أسس مع آخرين الحزب الجعفري قبل عدة سنوات (17). وأصبح عضواً في أول لجنة قيادية رباعية للحزب، ثم عضواً في ثاني لجنة قيادية ثلاثية بعد العام 1961، ثم تناصف مهام الحزب مع محمد هادي السبيتي بعد العام 1963. عمره التنظيمي في حزب الدعوة 15 عاماً؛ تحمل خلالها مسؤولية العمل التنظيمي حتى اعتقاله في العام 1971 من نظام البعث العراقي. وبعد تعرضه لأشد صنوف التعذيب لحمله على الإعتراف؛ تم إذابة جسده وهو حي في حوض مادة حامض النتريك ( التيزاب) في العام 1972 .
  • آية الله السيد طالب الرفاعي: عالم دين، كان عمره 26 عاماً حين شارك في تأسيس حزب الدعوة. ولد في مدينة الرفاعي ( من توابع الناصرية في جنوب العراق) في العام 1931. حضر اجتماع النجف التأسيسي. كان متميزاً في وعيه الحركي؛ بسبب علاقاته بالأحزاب الإسلامية السابقة في تأسيسها؛ كجماعة الاخوان المسلمين وحزب التحرير. غادر العراق الى مصر في العام 1969 ليكون ممثلاً للمرجعية الدينية فيه، وحينها انقطعت علاقته بحزب الدعوة؛ أي أن عمره التنظيمي فيه  12 عاماً. يعيش حالياً ( 2016) في الولايات المتحدة الأمريكية، وهو أحد مؤسسين اثنين فقط لايزالان يعيشان على قيد الحياة.
  • محمد صادق القاموسي: ناشط إسلامي وكاتب وشاعر وتربوي، كان عمره 35 عاماً حين شارك في تأسيس حزب الدعوة. ولد في مدينة النجف الأشرف في العام 1922. حضر اجتماع النجف التأسيسي واجتماع أداء القسم في كربلاء. تكمن أهميته في قربه من الفقيه المصلح الشيخ محمد رضا المظفر وعمله معه، فضلاً عن وعيه السياسي وخبرته في العمل التنظيمي الإسلامي؛ لاشتراكه في تاسيس الحزب الجعفري سابقا. درس في الحوزة العلمية النجفية الى جانب دراسته في كلية منتدى النشر. انسحب من الحزب مبكراً؛ أي بعد حوالي عام على أداء القسم، وتفرغ للعمل الأدبي والثقافي والتربوي؛ أي أن عمره التنظيمي في حزب الدعوة عام واحد فقط. توفي في العام 1986.
  • آية الله السيد محمد باقر الحكيم: عالم دين، كان عمره 18 عاماً حين شارك في تأسيس حزب الدعوة، وهو أصغر المؤسسين سناً. ولد في مدينة النجف الأشرف في العام 1939. حضر اجتماع أداء القسم في كربلاء، وهو نجل المرجع الأعلى الحكيم والتلميذ المقرب للسيد محمد باقر الصدر. وكانت العلاقة الخاصة للسيد محمد مهدي الحكيم والسيد محمد باقر الحكيم بالسيد الصدر محمد باقر الصدر، وكونهما نجلي المرجع الأعلى للشيعة؛ تميزانهما عن باقي المؤسسين في حسابات الإجتماع الديني الشيعي (18). انسحب من التنظيم في العام 1961؛ أي أن عمره التنظيمي في حزب الدعوة أربعة أعوام. استقر في ايران مهاجراً بعد ملاحقته من نظام البعث في العام 1980. وتوترت علاقته بالحزب في المهجر؛ نتيجة التنافس في مساحات العمل المشتركة. شارك مع فصائل الحركة الإسلامية العراقية في تأسيس “المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق” في العام 1982، ثم أصبح ثالث رئيس للمجلس في العام 1986 (19). اغتيل في انفجار ارهابي في النجف الأشرف بعد عودته الى العراق في العام 2003.
  • المحامي السيد حسن شبر: محامي وناشط إسلامي، كان عمره 29 عاماً حين شارك في تأسيس حزب الدعوة ولد في مدينة النجف الأشرف في العام حضر اجتماع النجف التأسيسي، كان يتميز باختصاصه الأكاديمي في القانون، وخبرته التنظيمية السابقة في الحزب الجعفري. تعرض للتعذيب الشديد بعد اعتقاله في العام 1971 الى حد الموت؛ لإصراره على عدم الإعتراف. أصبح ضمن قيادة حزب الدعوة في داخل العراق خلال العام 1979، وكان أحد الحلقات الرابطة بين السيد محمد باقر الصدر وحزب الدعوة حتى مغادرته العراق في العام 1980، ولايزال عضواً في قيادة الحزب. عمره التنظيمي 59 عاماً دون إنقطاع ( 2016)، وهو أطول عمر تنظيمي في تاريخ حزب الدعوة على الإطلاق. وهو أحد مؤسسين اثنين فقط لايزالان يعيشان على قيد الحياة.
  • الدكتور جابر العطا: طبيب وناشط اسلامي، كان عمره 29 عاماً حين شارك في تأسيس حزب الدعوة. ولد في مدينة النجف الأشرف في العام 1928. حضر اجتماع النجف التأسيسي، وهو المؤسس الوحيد الذي ظل على تواصل سري بالحزب ولم يخرج من العراق طيلة فترة حكم النظام البعثي. وبعد سقوط نظام البعث استأنف عمله الحزبي في قيادة أحد أجنحة حزب الدعوة. عمره التنظيمي 54 عاماً؛ تخللتها فترة انقطاع متواصل في حدود 24 عاماً. توفي في العام 2011.
  • المهندس محمد صالح الأديب: ناشط اسلامي ومهندس زراعي، كان عمره 25 عاماً حين شارك في تأسيس حزب الدعوة. ولد في مدينة كربلاء في العام 1932. حضر اجتماع أداء القسم في كربلاء. كانت له خبرة تنظيمية سابقة في منظمة الشباب المسلم. أصبح مسؤولا عن تنظيم كربلاء منذ التأسيس، غادر العراق بعد ملاحقته من سلطات النظام العراقي السابق، وبقي قياديا في الحزب حتى وفاته. عمره التنظيمي 39 عاماً دون انقطاع ؛ من التأسيس وحتى وفاته في ايران في العام 1996.

ومن هنا؛ فإن من يعتقد أن المؤسسين غير هؤلاء العشرة، أو أنهم سبعة أو ثمانية، ويستثني اثنين أو ثلاثة من الأسماء أعلاه؛ فإنه لايراعي المعيار العلمي في تسمية المؤسسين. وكذلك الأمر بالنسبة لتاريخ التأسيس؛ إذ أن من يعتقد أن التأسيس حصل بعد تشرين الأول من العام 1957؛ فهو أيضاً لايراعي المعيار العلمي في قراءة عملية التأسيس وسياقاتها قراءة موضوعية دقيقة.

وفي هذا السياق تثار إشكالات حول علاقة السيد طالب الرفاعي والسيد حسن شبر والدكتور جابر العطا والسيد محمد باقر الحكيم ومحمد صادق القاموسي بعملية التأسيس. فهناك من يُشكل على ضم السيد طالب الرفاعي والسيد حسن شبر والدكتور جابر العطا الى قائمة المؤسسين؛ بسبب عدم حضورهم اجتماع أداء القسم في كربلاء. و كما ذكرنا فإن إجتماع أداء القسم ليس المعيار الوحيد في تسمية المؤسسين؛ لأن الإجتماع التأسيسي كان في النجف، وحضره الثلاثة معاً؛ فضلاً عن أن الثلاثة كانوا مدعوين لاجتماع كربلاء، ولكنهم لم يحضروا بسبب سفر أو التزام طارىء. وقد تسبب عدم  حضور السيد طالب الرفاعي اجتماع أداء القسم في كربلاء؛ في شبهة لديه حيال حصول اجتماع في كربلاء أصلاً، وبالتالي شبهة حول تاريخ التأسيس، فضلاً عن عامل النسيان ربما بسبب عدم تدوين الأحداث وتواريخها في حينها.

وهناك من يُشكل على وجود السيد محمد باقر الحكيم ضمن المؤسسين، ويقول أنه كان يحضر الإجتماعات التحضيرية أحياناً لمرافقة أخيه السيد محمد مهدي الحكيم والإهتمام بالضيوف الحضور؛ سيما الإجتماعات التي كانت تعقد في النجف الأشرف في براني السيد محسن الحكيم وبيت السيد محمد باقر الصدر، وكان يافعاً لايتجاوز عمره الثمانية عشر عاماً. ولكن بما أن السيد محمد باقر الحكيم قد أدى القسم في اجتماع كربلاء، وبقي متواصلاً مع العمل بعد ذلك لحوالي أربع سنوات، وكانت لديه حلقات تنظيمية؛ أصبح أعضاؤها من قادة الدعوة فيما بعد؛ فإنه يعد مؤسساً.

أما محمد صادق القاموسي؛ فهناك من يقول بأنه خرج من الحزب مبكراً؛ أي بعد اجتماع أداء القسم بحوالي سنة تقريباً؛ لم يحضر خلالها سوى اجتماع او اثنين، ولم يكن بناء الحزب قد اكتمل حينها. وربما من الصحيح القول بأن دور القاموسي لم يكن فاعلاً في بناء الحزب؛ ولكن الصحيح أيضاً أنه حضر اجتماعات النجف الأشرف منذ بدايات طرح فكرة الحزب، ولا سيما الاجتماع التأسيسي، ثم أدى القسم في اجتماع كربلاء، وبقي متواصلاً مع عمل الحزب لأكثر من سنة، وهذا يكفي لأن يكون أحد المؤسسين العشرة.

تجدر الإشارة الى أن معدل عمر مؤسسي حزب الدعوة  العشرة هو 27 عاماً، وأن 80 بالمائة من المؤسسين هم في العشرينات من أعمارهم. وظل الذين أمسكوا بقرار الحزب منذ عام 1961 شباب دون الثلاثين من أعمارهم؛ بدءاً بعبد الصاحب دخيل وانتهاءً بمحمد هادي السبيتي والشيخ عارف البصري. وإذا كان معدل عمر المؤسسين وقادته الأوائل هو 27 عاماً؛ وإن قسماً منهم لم يكن قد تزوج بعد؛ فإن معدل عمر قيادة حزب الدعوة الحالية ( 2016) هو 65 عاماً، وأن عمر أحفاد بعضهم يساوي معدل عمر مؤسسي الدعوة. ومن خلال المقارنة بين معدل أعمار أول قيادة للحزب والقيادة الحالية؛ يمكن التعرف طبيعة المنتج الفكري والعقل الحركي والسلوك الميداني الذي قاد حزب الدعوة الإسلامية في سنواته الأولى ويقوده الآن.

ومن خلال التأمل في العمر التنظيمي لمؤسسي حزب الدعوة؛ يتوضح تأثيره ودوره في مسيرة الحزب. فمثلاً؛ محمد صادق القاموسي لم يكن له تأثير يذكر في مسيرة الدعوة؛ إذ ترك الحزب مبكراً؛ قبل أن يتبلور فكرة وتنظيمه. بينما انقطعت علاقة السيد محمد باقر الحكيم بالحزب نهائياً بعد العام 1961، وانقطعت علاقة السيد طالب الرفاعي بالحزب في العام 1969، وقد كانت ضعيفة بعد العام 1964. بينما بقي السيد محمد مهدي الحكيم على علاقة بالحزب حتى العام 1969، كما بقي السيد الصدر على علاقة بالحزب حتى استشهاده؛ على الرغم من انفصال الأخيرين عن التنظيم في العام 1963. ويمكن القول أن السيد محمد باقر الصدر هو المؤسس الوحيد الذي  بقيت علاقته مباشرة ومؤثرة بالدعوة حتى استشهاده؛ بالرغم من تركه التنظيم مبكراً.

وككل الأحزاب المعمِّرة؛ تتفاوت الأعمار الحزبية لمؤسسيها ورعيلها الأول وأعضائها تفاوتاً كبيراً؛ فهناك من المؤسسين من يغادر الحزب بعد مضي فترة قليلة على التأسيس، أو يبقى مسمّراً في التنظيم لعشرات السنين. ولكن ربما هناك ظاهرة يتفرد بها حزب الدعوة، ولها علاقة ـ أولاً ـ بمعادلات الوضع السياسي العراقي بعد العام 1968 والقمع الشديد الذي تعرض له شيعة العراق عموماً وحزب الدعوة خصوصاً، وأيضا لها علاقة ـ ثانياً ـ بمعادلات الإجتماع السياسي والديني الشيعي؛ والتي تفرض عادة على عالم الدين والفقيه؛ ولاسيما الذي يصل الى وضع مميز في الحوزة العلمية أو في جهاز المرجعية الدينية أو في المنظومة الإجتماعية الدينية الشيعية؛ أن لايكون حزبياً. ولذلك نجد المئات من علماء الدين الذين غادروا الحزب وتركوا التنظيم؛ لكنهم ظلوا يؤمنون بأهداف “الدعوة” ومسيرتها. وبقي كثير منهم متعاون مع الحزب ويساهم في حمايته ورعايته. حتى أن كثيراً من هؤلاء المغادرين يقولون بأنهم تركوا “الحزب” ولم يتركوا “الدعوة”. ولذلك يوجد عرف راسخ في حزب الدعوة يقسم الدعاة الى: “داعية منتظم”، وهو العضو الحالي الذي يعمل داخل التنظيم، و”داعية منقطع”، وهو العضو السابق الذي لايزال يؤمن بمنهج الحزب وفكر الدعوة؛ ولكنه خارج التنظيم؛ سواء كان الخروج قصيراً أو طويلاً؛ مؤقتاً أو دائماً. كما أدت عمليات القمع داخل العراق الى إبتعاد آلاف الدعاة عن الحزب قسراً، وقد عاد كثير منهم الى التنظيم بعد سقوط دولة البعث عام 2003؛ سيما الذين لم يغادروا العراق بعد تقطع خطوطهم التنظيمية وانفصالهم عن الحزب لعقدين متواصلين معدلاً. ومن هؤلاء ـ على سبيل المثال ـ أحد المؤسسين وهو الدكتور جابر العطا؛ الذي لم يغادر العراق، وانفصل قسراً عن تنظيمات الحزب لأكثر من عقدين من الزمن.

الرعيل الأول لحزب الدعوة    

كانت هناك شخصيات موجودة أيضا في أجواء تأسيس حزب الدعوة منذ البدايات الأولى؛ ولكنها كانت تبتعد مرة وتقترب أخرى، أو أنها كانت تشارك بشكل مساعد وليس مركزياً. وبالتالي لم تحضر اجتماع النجف التأسيسي الأول الذي سبق اجتماع كربلاء، كما لم تحضر اجتماع كربلاء؛ فلم تعد من المؤسسين؛ كالسيد محمد بحر العلوم والسيد محمد حسين فضل الله والشيخ محمد مهدي شمس الدين والشيخ عبد الهادي الفضلي وغيرهم. ولكن بعد التأسيس أصبح لها وجوداً مؤثراً في “الدعوة”.

الى جانب المؤسسين العشرة ؛ كان هناك عشر شخصيات محيطة بالمؤسسين، وكانوا مكملين لعملية التأسيس؛ خلال الأعوام من ١٩٥٧ الى ١٩٥٩؛ هم:

١- آية الله السيد محمد حسين فضل الله: عالم دين ، كان عمره 23 عاماً حين انتمى الى حزب الدعوة في العام 1958، ولد النجف الأشرف في العام  1935، من أصل لبناني، انتقل الى لبنان في العام 1966، وظل يرعى تنظيمات حزب الدعوة فيه. اختير بعد العام 1975 عضواً في لجنة الإشراف العليا على الحزب ( القيادة العامة )، والتي انحلت بعد العام 1981. كما كان الراعي اللبناني لحزب الله منذ تأسيسه. أعلن مرجعيته الدينية في نهايات عقد التسعينات من القرن العشرين بدعم قيادة حزب الدعوة وتنظيماته، وظل على علاقة وثيقة بالحزب حتى وفاته في بيروت العام 2010.

٢- آية الله الشيخ محمد مهدي شمس الدين: عالم دين ، كان عمره 22 عاماً حين انتمى الى حزب الدعوة في العام 1958. مواليد النجف الأشرف في العام 1936، من أصل لبناني، انتقل الى لبنان في العام  1969، وارتبط بتحرك السيد موسى الصدر، واختير نائباً له في رئاسة المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى، ولكنه بقي على علاقة وثيقة بحزب الدعوة؛ حتى أصبح بعد العام 1975 عضواً في لجنة الإشراف العليا على الحزب ( القيادة العامة )، والتي انحلت بعد العام 1981. توترت علاقته بحزب الدعوة بعد تصاعد خلافه مع السيد محمد حسين فضل الله، واختيار الحزب الوقوف الى جانب السيد فضل الله. توفي في بيروت في العام 2001 .

٣- آية الله الدكتور السيد محمد بحر العلوم: عالم دين وأكاديمي ، كان عمره 31 عاماً حين انتمى الى حزب الدعوة في العام 1958. مواليد النجف الأشرف في العام  1927. انسحب من التنظيم في عام 1961. عمل في بغداد مع السيد محمد مهدي الحكيم والسيد مرتضى العسكري في إطار تمثيل مرجعية السيد محسن الحكيم في ستينات القرن الماضي. غادر العراق في عام 1970 بعد ملاحقته من سلطات البعث، وبقي في المهجر معارضاً للنظام حتى سقوطه في العام 2003، وحين عاد الى العراق اختير رئيساً لمجلس الحكم الإنتقالي. توفي في النجف الأشرف في العام 2001.

4- الشيخ مهدي السماوي: عالم دين ، كان عمره 23 عاماً حين انتمى الى حزب الدعوة في العام 1958. ولد في مدينة السماوة في العام 1935. من تلاميذ السيد محمد باقر الصدر. كان فاعلاً في الحزب؛ فقد أسس تنظيمات الحزب في كثير من مدن جنوب العراق؛ انطلاقاً من مدينة السماوة. شارك في تفجير الحراك الثوري الذي قاده السيد محمد باقر الصدر في العام 1979؛ فاعتقلته السلطات البعثية، وتم اعدامه في العام 1980 ضمن وجبة ضمت أكثر من (150) من كوادر حزب الدعوة.

5- آية الله الدكتور الشيخ عبد الهادي الفضلي: عالم دين وأكاديمي ، كان عمره 23 عاماً حين انتمى الى حزب الدعوة في العام 1958. ولد في مدينة البصرة في العام  1935، من أصل أحسائي (شرق السعودية). من تلاميذ السيد محمد باقر الصدر. كان الشيخ عبد الهادي الفضلي مع محمد هادي السبيتي والشيخ عارف البصري أهم ثلاثة أشخاص من المجموعة الملتحقة بحزب الدعوة بعد مرحلة التأسيس. تم اختياره عضواً في اللجنة القيادة للحزب في العام 1963، وكان حينها عضواً في لجنة تنظيم النجف؛ ولكنه لم يلتحق بالقيادة؛ بعد أن رفض طلبه بإضافة عالم دين آخر للجنة القيادية، وبقي يعمل في تنظيم النجف حتى مغادرته العراق في العام 1971 وأقام في مدينة جدة السعودية؛ فتفرغ للعمل العلمي والاكاديمي. توفي في القطيف في العام ٢٠١٣.

6- المهندس محمد هادي السبيتي: مهندس كهرباء وناشط إسلامي وحركي، كان عمره 29 عاماً حين انتمى الى حزب الدعوة في العام 1959. مواليد بغداد في العام  1930، من أصل لبناني. كان عضواً في حزب التحرير قبل أن يكسبه السيد محمد مهدي الحكيم لحزب الدعوة. أصبح فاعلاً ومؤثراً في الحزب منذ بدايات انتمائه؛ حتى أصبح عضواً في اللجنة القيادية للحزب بعد العام 1961، وأهم منظر ومفكر في الحزب، ثم تناصف مسؤوليات الحزب مع رفيق دربه عبد الصاحب دخيل حتى العام 1972؛ وهو العام الذي أعدم فيه دخيل؛ حينها أصبح القيادي الأول في الحزب لغاية عام 1981، وكان يقود الحزب من لبنان ثم من الأردن بعد انتقاله اليه. أبعدته الإنتخابات القيادية في العام 1981 عن الحزب؛ لأنه لم يشترك فيها. اعتقلته السلطات الأردنية في العام 1981، ثم سلمته الى النظام العراقي بإلحاح شخصي من صدام حسين في العام 1984، وتم أعدامه في بغداد في العام 1988.

7- آية الله الدكتور السيد عدنان البكاء: عالم دين وأكاديمي ، كان عمره 20 عاماً حين انتمى الى حزب الدعوة في العام 1959. مواليد النجف الأشرف في العام  1939. أصبح فاعلاً في الحزب، واختير عضواً في تنظيم النجف. بعد اعتقاله من سلطة البعث في العام 1971 وتعرضه للتعذيب؛ أطلق سراحه، وقطع علاقته بالحزب، وتفرغ للعمل العلمي، وتناقلت بعض أوساط الحوزة العلمية شبهة تعاونه مع نظام البعث، ولاسيما بعد تعيينه عميداً لكلية الفقه في النجف الأشرف في ثمانينات القرن الماضي.

8- آية الله الشيخ مفيد الفقيه: عالم دين ، كان عمره 22 عاماً حين انتمى الى حزب الدعوة في العام 1959. ولد في النجف الأشرف في العام  1937، من أصل لبناني. من تلاميذ السيد محمد باقر الصدر. كان من الفاعلين في الحزب، ولكنه انسحب منه في أوائل عقد السبعينات من القرن الماضي، وتفرغ للعمل العلمي. انتقل الى لبنان في العام 1991؛ بعد أن اعتقلت سلطات البعث ولديه وصهره وأعدمتهم في أعقاب فشل الإنتفاضة الشعبانية في العام 1991. توفي في لبنان في العام 2016.

9- حجة الإسلام الشيخ عارف البصري: عالم دين وأكاديمي، كان عمره 21 عاماً حين انتمى الى حزب الدعوة في العام 1959. ولد في مدينة البصرة في العام 1937. كان عضواً في حزب التحرير قبل انتمائه للدعوة، وأصبح فاعلاً في الحزب منذ بدايات انتمائه؛ حتى تم اختياره عضواً في اللجنة القيادة للحزب في العام 1963، وكان حينها مشرفاً على لجنة تنظيم البصرة. وبعد إعدام عبد الصاحب دخيل في العام 1972 ومغادرة محمد هادي السبيتي العراق في العام 1973؛ أصبح الشيخ عارف البصري القيادي التنفيذي الأول في الحزب. اعتقلته سلطات البعث مع اكثر من (70) من قيادات “الدعوة” وكوادرها في العام 1974، وأعدمته في العام نفسه مع أربعة آخرين من كوادر حزب الدعوة.

١٠- عبود الراضي: ناشط إسلامي وتربوي، كان عمره 22 عاماً حين انتمى الى حزب الدعوة. في العام 1959. ولد في النجف الأشرف في العام  1937. كان ناشطاً في تنظيمات الحزب في النجف وبغداد. غادر العراق في عام 1974 بعد ملاحقته من سلطات النظام السابق. وأشرف على بعض تنظيمات الحزب في الخارج. وهاجر الى ايران في العام 1980، و انتخب عضواً في القيادة العامة للحزب في العام 1981. وفي تسعينات القرن الماضي جمد نشاطه في الحزب، وغادر ايران باتجاه استراليا.

ولذلك يمكن القول أن أساس حزب الدعوة الإسلامية بُني بالعشرين المؤسسين والملتحقين بالتأسيس. ولكن تأثير بعض الذين أكملوا عملية التأسيس فاق دور بعض المؤسسين في بلورة فكرة الحزب وبناء فكره وهيكله؛ كمحمد هادي السبيتي والشيخ عبد الهادي الفضلي والشيخ عارف البصري. ولذلك إذا وضعنا من كان دوره الأقوى من المؤسسين الى جانب من كان دوره متفوقاً من المحيطين المكملين لعملية التأسيس؛ فسنخرج بعشر شخصيات كانت الأكثر تأثيراً في تثبيت دعائم حزب الدعوة وتشييد أسسه؛ هم:

  • السيد محمد باقر الصدر؛ مؤسس
  • السيد محمد مهدي الحكيم؛ مؤسس
  • عبد الصاحب دخيل؛ مؤسس
  • السيد مرتضى العسكري؛ مؤسس
  • السيد حسن شبر؛ مؤسس
  • محمد صالح الأديب؛ مؤسس
  • السيد محمد حسين فضل الله؛ ملتحق بالتأسيس
  • الشيخ عبد الهادي الفضلي؛ ملتحق بالتأسيس
  • محمد هادي السبيتي؛ ملتحق بالتأسيس
  • الشيخ عارف البصري؛ ملتحق بالتأسيس

الطبقة الثالثة من الدعاة

وهم الرعيل الأول من الدعاة الذين أعقبوا العشرين المذكورين من المؤسسين ومكملي عملية التأسيس. وقد انتسبوا الى الحزب في الفترة من عام 1959 وحتى 1965، ومن أبرزهم:

  • حجة الإسلام الشيخ مهدي الخالصي ( عراقي)
  • السيد هاشم الموسوي (عراقي)
  • حجة الإسلام الشيخ كاظم الحلفي (عراقي)
  • حجة الإسلام السيد هادي الحكيم ( عراقي)
  • الدكتور السيد داود العطار (عراقي)
  • آية الله الشيخ محمد مهدي الآصفي ( عراقي من أصل ايراني)
  • السيد موسى الخوئي ( عراقي من أصل ايراني)
  • السيد محمد كاظم البجنوردي (ايراني)
  • السيد حامد المؤمن (عراقي)
  • حجة الإسلام الشيخ مجيد الصيمري (عراقي)
  • آية الله الدكتورالشيخ احمد الوائلي (عراقي)
  • آية الله السيد مرتضى القزويني ( عراقي من أصل ايراني)
  • مهدي السبيتي (لبناني)
  • آية الله السيد محمد حسين الطهراني (ايراني)
  • آية الله الشيخ سلمان المدني ( بحراني)
  • آية الله السيد كاظم الحائري ( عراقي من أصل ايراني)
  • آية الله الشيخ عفيف النابلسي ( لبناني)
  • آية الله الشيخ سلطان فاضل ( أفغاني)
  • هادي شحتور ( عراقي)
  • حجة الاسلام الشيخ علي أصغر الأوحدي ( باكستاني)
  • السيد حسين جلوخان (عراقي)
  • السيد نوري طعمه (عراقي)
  • حجة الإسلام السيد عبد الامير علي خان (عراقي)
  • آية الله السيد علي الأمين (لبناني)
  • حجة الإسلام السيد عبد الرحيم الشوكي (عراقي)
  • آية الله الشيخ محمد هاشم الصالحي (أفغاني)
  • آية الله السيد ذي شان حيدر (هندي)
  • آية الله الشيخ محمد علي التسخيري ( عراقي من أصل ايراني)
  • آية الله الشيخ مهدي العطار ( عراقي من أصل ايراني)
  • حجة الإسلام السيد سامي البدري (عراقي)
  • عز الدين سليم (عبد الزهرة عثمان ) (عراقي)
  • علي الأديب (عراقي)
  • حجة الإسلام الشيخ حسن فرج الله (عراقي)
  • آية الله الشيخ عيسى قاسم ( بحراني)
  • آية الله السيد عبد الله الغريفي ( بحراني)
  • آية الله الشيخ عبد الأمير الجمري ( بحراني)
  • حجة الإسلام الشيخ حسين كوراني (لبناني)
  • حجة الإسلام الشيخ صبحي الطفيلي (لبناني)
  • حجة الإسلام الشيخ علي الكوراني (لبناني)
  • حجة الإسلام الشيخ حسن ملك (لبناني)
  • آية الله السيد عارف الحسيني (باكستاني)
  • قاسم عبود (عراقي)
  • حجة الإسلام الدكتور الشيخ عبد الزهرة البندر (عراقي)
  • الدكتور محمد تقي مشكور (عراقي)
  • آية الله السيد عبد الكريم القزويني (عراقي)
  • حجة الإسلام الشيخ حسين علي البشيري (عراقي)
  • الدكتور صاحب الحكيم (عراقي)
  • حجة الإسلام السيد علاء الدين الحكيم (عراقي)
  • حجة الإسلام الشيخ حسن عبد الساتر (لبناني)
  • آية الله السيد نور الدين الإشكوري (عراقي من أصل إيراني)
  • عمران الطريحي (عراقي)
  • الدكتور خير الله السعداني (عراقي)
  • كاظم التميمي (عراقي)
  • حجة الإسلام السيد علاوي الهاشمي (عراقي)
  • عدنان سلمان (عراقي)
  • آية الله السيد عبد المنعم الشوكي (عراقي)
  • حجة الإسلام الشيخ سهيل نجم (عراقي)
  • حجة الإسلام السيد فخر الدين العسكري (عراقي من أصل إيراني)
  • حجة الإسلام السيد إبراهيم المراياتي (عراقي)
  • السيد كاظم النقيب ( عراقي)
  • عبد العزيز الصفار ( عراقي)
  • مهدي عبد مهدي (عراقي)
  • عبد الحمزة الموسوي (عراقي )
  • حسن كريم الكوفي (عراقي)

     علماً أن عدد “الدعاة” وصل حتى العام 1961 الى حوالي (100) داعية في كل العراق؛ يتركز معظمهم في خمسة مدن: النجف وبغداد والكاظمية وكربلاء والبصرة. وارتفع العدد الى حوالي (500) عضو حتى العام 1965. وقد جاءت القفزة العددية الكبيرة بعد العام 1967. أما انتشار “الدعاة” في الدول الأخرى فقد بدأ في ايران منذ العام 1961، ولبنان منذ العام 1962، والبحرين منذ العام 1965، والكويت والسعودية منذ العام 1967 ( التواريخ والأرقام تقريبية) .

وأشير هنا الى أن أنصار بعض الشخصيات التي انتمت في يوم ما الى حزب الدعوة؛ يبذلون قصارى جهدهم لنفي حقيقة هذا الإنتماء؛ سيما أنصار الشيخ محمد مهدي شمس الدين ( لبنان) والشيخ سليمان المدني ( البحرين) والشيخ أحمد الوائلي ( العراق) والسيد محمد محمد صادق الصدر( العراق) والسيد عباس الموسوي (لبنان) والسيد حسن نصر الله ( لبنان ) وغيرهم. وبعد نشر أي مقال أو بحث في هذا المجال؛ تأتي اتصالات ورسائل لنفي هذه الحقيقة، ويفضّل آخرون التشهير على وسائل الإعلام. ولكن؛ أعتقد بأن انتساب أية شخصية الى حزب الدعوة في وقت من الأوقات؛ لايعني بالضرورة أنها بقيت محتفظة بانتمائها للدعوة، او بقيت تؤيد منهج حزب الدعوة وعمله وسلوكه، كما لايمكن إسقاط الحاضر على التاريخ. وبالتالي؛ فلكل شخصية ظروفها الموضوعية والذاتية في الإنتساب للدعوة وفي تركه أو في استمرارها وفي تأييده وفي معارضته. وانتساب الاشخاص الى حزب الدعوة هو موضوع تاريخي صرف؛ لايرفع من شأن الفرد ولا يحط منه؛ حتى لو سبق له الإنتماء اليه يوماً واحداً فقط. وهكذا إختلافهم مع الحزب أو مع قيادته أو مع نظريته. وبالتالي، فان النفي والاثبات لايلغيان الحقيقة.

شخصية “الدعوة” في معايير الإجتماع الديني والسياسي الشيعي

من خلال إخضاع مؤسسي حزب الدعوة الإسلامية العشرة الى معاييرعلم الإجتماع السياسي والديني والثقافي؛ يمكننا الوقوف على الملامح الشكلية والجوهرية التي تميز بها حزب الدعوة الإسلامية عند تأسيسه؛ لأن إنتماءات المؤسسين الإجتماعية ومناخاتهم الثقافية وإختصاصاتهم؛ تؤثر حتماً في توجهات الحزب ومزاجه العام ونكهته الثقافية والإجتماعية:

  • إن المؤسسين كانوا يمتلكون وعياً سياسياً وحساً حركياً؛ سابقاً على تأسيس حزب الدعوة، وكانوا شخصيات عاملة وناشطة إسلامياً؛ مايجعلهم يتميزون عن أقرانهم، سواء في الحوزة العلمية أو في الوسط الديني والإجتماعي.
  • ان 50% من مؤسسي حزب الدعوة هم من علماء الدين العاملين في الحوزة العلمية، و50% منهم أصحاب مهن متنوعة: محامي، تاجر، مهندس، إداري وطبيب. وإذا أخذنا اجتماع كربلاء بنظر الإعتبار فقط؛ بحضور الشخصيات السبع التي أدت القسم الأول؛ فسنرى أن حصة علماء الدين هي 58% مقابل 42% لغير علماء الدين. وكانت القيادة الرباعية الأولى تتكون من 75 % علماء دين، و25% من غير علماء الدين. وبقيت معادلة هيمنة علماء الدين على القيادة ومفاصل العمل حتى انسحاب السيد محمد باقر الصدر والسيد محمد مهدي الحكيم، وتبعه انتقال القيادة من النجف الى بغداد عام 1961، وتشكيل القيادة الثلاثية؛ فكان أعضاؤها عالم دين واحد هو السيد مرتضى العسكري المشرف العام، واثنين من غير علماء الدين، هما عبد الصاحب دخيل المسؤول التنظيمي ومحمد هادي السبيتي المسؤول السياسي والفكري.
  • إن جميع المؤسسين من مواليد العراق؛ 60 % منهم من مواليد النجف الأشرف، ومن أسر نجفية معروفة: السيد مهدي الحكيم، عبد الصاحب دخيل، السيد محمد باقر الحكيم، السيد حسن شبر، الدكتور جابر العطا، ومحمد صادق القاموسي، و40% من باقي المدن العراقية: محمد صالح الأديب مواليد كربلاء، محمد باقر الصدر مواليد الكاظمية، السيد مرتضى العسكري مواليد سامراء والسيد طالب الرفاعي مواليد الناصرية. إضافة الى أن 80% من المؤسسين كانوا يقيمون في النجف الأشرف، وكان السيد مرتضى العسكري ( الكاظمية ) ومحمد صالح الاديب (كربلاء) هما الوحيدان من خارج النجف الأشرف. كما كانت جميع إجتماعاتهم التمهيدية والتحضيرية والتأسيسية تعقد في النجف الاشرف، عدا إجتماع واحد في كربلاء كان مخصصاً لأداء القسم. وظلت إجتماعات القيادة تعقد في النجف حتى عام 1961.

ومن خلال المعطيات الثلاثة السابقة يمكن الوقوف على طبيعة المزاج الديني الإجتماعي والثقافي النجفي الذي ميّز حزب الدعوة الإسلامية؛ وبقي لصيقاً به عدة سنوات. وأخذ يخف تدريجياً بعد انتقال مركزية القيادة من النجف الى بغداد عام 1961؛ ولكنه لم يختف؛ وإن كاد خلال العقد الذي سبق عام 2003. بيد أن التاثيرات الإجتماعية الدينية للنجف عادت بشكل ملحوظ بعد عودة قيادات حزب الدعوة وتنظيماته المهاجرة الى العراق بعد سقوط دولة صدام حسين، وإستعادة النجف ومرجعيته العليا دورهما الأساس في الواقع الإجتماعي السياسي للعراق.

  • إن 60% من المؤسسين لم تكن لديهم اية تجارب تنظيمية سابقة: السيد محمد باقر الصدر والسيد محمد مهدي الحكيم والسيد مرتضى العسكري والسيد طالب الرفاعي والسيد محمد باقر الحكيم والدكتور جابر العطا، و40% كانت لديهم تجارب في تنظيمات اسلامية شيعية: عبد الصاحب دخيل ومحمد صادق القاموسي والسيد حسن شبر كانوا في الحزب الجعفري سابقاً، ومحمد صالح الأديب كان في منظمة الشباب المسلم. ولم يكن أي من المؤسسين العشرة على علاقة تنظيمية بأي تنظيم إسلامي سني. وهناك عضو واحد فقط هو السيد طالب الرفاعي كانت لديه علاقات بجماعة الأخوان المسلمين وحزب التحرير، ولكنه لم يكن منتظماً فيهما. ولكن بعد اتساع تنظيمات حزب الدعوة وصعود كوادر جديدة؛ وخاصة بعد إنتقال قيادة “الدعوة” الى بغداد؛ صعد الى القيادة عضو سابق في حزب التحرير هو محمد هادي السبيتي؛ الذي فاتحه السيد محمد مهدي الحكيم بالدعوة عام 1959، ثم صعد عضو سابق آخر في حزب التحرير الى القيادة عام 1963 هو الشيخ عارف البصري. مع الأخذ بالإعتبار أن المؤسسين والدعاة الأوائل؛ حين كانوا يدونون أدبيات حزب الدعوة وأسسه وتقنياته التنظيمية؛ كانوا يطلعون على كل التجارب الحركية الإسلامية وغير الإسلامية؛ الشيعية والسنية؛ كمنظمة الشباب المسلم ومنظمة العقائديين وجماعة الأخوان المسلمين وحزب التحرير والحزب الشيوعي والجماعة الإسلامية الباكستانية. إضافة الى تأثر بعض رموز “الدعوة”؛ ولاسيما محمد هادي السبيتي وعبد الصاحب دخيل؛ بالفكر الحركي والنهضوي لشخصيات اسلامية سنية؛ كالشيخ حسن البنا وسيد قطب والشيخ محمد تقي النبهاني ومالك بن نبي والشيخ أبو الأعلى المودودي. وهو ما يدفع بعض الكتّاب للحديث عن تأثر حزب الدعوة بالفكر الحركي السني والتقنيات التنظيمية للجماعات الإسلامية السنية (20). وهذا التاثر هو تأثر طبيعي في معايير علم النفس الإجتماعي، ولايمكن لأية ظاهرة إجتماعية أن تكون بمنآى عنه.
  • إن 50 % من المؤسسين ينتمون ـ وفقا لمعايير الإجتماع الديني ـ الى الطبقة الإجتماعية الدينية الأولى؛ أي البيوتات الدينية العلمية: السيد محمد باقر الصدر والسيد محمد مهدي الحكيم والسيد محمد باقر الحكيم والسيد حسن شبر، و 50 % الى الطبقة الإجتماعية الدينية المتوسطة: السيد مرتضى العسكري ومحمد صادق القاموسي ومحمد صالح الأديب وعبد الصاحب دخيل والسيد طالب الرفاعي وجابر العطا؛ ما يعطي الدعوة موقعاً اجتماعياً رفيعاً جداً في الطبقة الإجتماعية الدينية. ما يعني انتماء مؤسسي “الدعوة” الى طبقة النخبة الإجتماعية الدينية. وظلت هذه السمة غالبة في بنية الدعاة الإجتماعية الدينية؛ إذ ظلوا ينتمون غالباً الى أسر متدينة ومميزة إجتماعياً.
  • إن جميع المؤسسين ينتمون الى الطبقة المتعلمة تعليماً عالياً؛ إذ كان أحدهم فقيهاً وهو السيد محمد باقر الصدر، وكان ستة منهم في مرحلة الدراسات العليا في الحوزة العلمية: السيد محمد مهدي الحكيم والسيد مرتضى العسكري والسيد محمد باقر الحكيم والسيد طالب الرفاعي وعبد الصاحب دخيل ومحمد صادق القاموسي ( الأربعة الأوائل كانوا يرتدون الزي الديني والإثنان الأخيران كانا يرتديان الزي المدني). وكان أحد المؤسسين يجمع بين التحصيل الديني والأكاديمي، وهو السيد حسن شبر الذي كان في مرحلة الدراسات العليا في الحوزة، و متخرجاً من كلية الحقوق في الوقت نفسه. و كان إثنان من المؤسسين خريجين جامعيين هما محمد صالح الأديب خريج كلية الهندسة الزراعية وجابر العطا خريج كلية الطب. وبذلك فإن من مجموع العشرة المؤسسين كان سبعة من المحصلين تحصيلاً دينياً وإثنان من خريجي الجامعات الأكاديمية وواحد يجمع بين التحصيلين الديني والأكاديمي. وهذا الطابع الثقافي والتعليمي النخبوي أصبح جزءاً من الطقوس التنظيمية للحزب؛ إذ ظل حزب الدعوة حزباً نخبوياً يتعاطى ـ غالبا ـ مع طبقة المتعلمين؛ وإن انفتح في نهاية السبعينات على الطبقات الأقل تعليماً.
  • إن جميع المؤسسين ينتمون الى الطبقة المتوسطة إقتصادياً؛ فلم يكن بينهم ثرياً أو ينتمي الى العوائل الثرية، كما لم يكونوا من العوائل الفقيرة. وقد تغير هذا الواقع الى حد ما بعد إنتشار حزب الدعوة المكثف في الستينات والسبعينات؛ إذا استقطب حزب الدعوة أعداداً من الأثرياء الشيعة في العراق والكويت والسعودية والإمارات المتحدة. كما إنتمت اليه أعدادٌ أكبر من أبناء الطبقات الفقيرة. إلًا أن السمة الغالبة لحزب الدعوة إنتماؤه الى الطبقة المتوسطة في جميع البلدان التي إنتشر فيه، وأولها العراق.
  • إن 90% من المؤسسين العشرة ينتمون الى الإجتماع الحضري؛ أبناء المدن المقدسة الأربعة في الوسط: السيد محمد مهدي الحكيم والسيد محمد باقر الحكيم والسيد حسن شبر وعبد الصاحب دخيل ومحمد صادق القاموسي ينتمون الى حاضرة النجف، ومحمد صالح الأديب من حاضرة كربلاء، والسيد محمد باقر الصدر من حاضرة الكاظمية، والسيد مرتضى العسكري من حاضرة سامراء. و واحد فقط ينتمي الى الإجتماع الريفي وهو السيد طالب الرفاعي من ناحية الرفاعي في محافظة الناصرية جنوب العراق. وبذلك كان حزب الدعوة ينتمي في تأسيسه الى الإجتماع الحضري الديني.

وظلت معظم السمات الإجتماعية التأسيسية الثمانية السالفة؛ حاضرة بشكل وآخر في حزب الدعوة الإسلامية، وجزءاً من بنيته؛ أي أنه ظل ينتمي الى الوسط النخبوي الشيعي؛ الإجتماعي والديني والتعليمي والثقافي.

وقد يطرح هنا إستفهام موضوعي كبير حول قدرة شبان في العشرينات من عمرهم ( مؤسسو حزب الدعوة والدعاة الأوائل ) على إحداث كل هذا التغيير الذي تتحدث عنه أدبيات “الدعوة”؛ في ظل وجود آلاف الفقهاء وعلماء الدين في النجف خصوصاً والعراق عموماً؛ فضلاً عن التنظيمات الايديولوجية الجماهيرية المنتشرة في الوسط الشيعي؛ كحزب البعث والحزب الشيوعي، والإقطاع الإجتماعي والاقتصادي في العراق!. وفي هذا الخصوص أرى أن جملة من المعادلات خدمت الدعاة الأوائل العشرينيين في إحداث التغييرات التي أشارت اليها أدبيات حزب الدعوة؛ أهمها:

  • ان الوسط الشيعي كان يعاني من الفراغ في وجود تنظيم شيعي تغييري ايديولوجي، يواجه حزب البعث والحزب الشيوعي من جهة، ويوازي حزب التحرير وجماعة المسلمين من جهة أخرى، ويكون في طول التقليدية الدينية من جهة ثالثة؛ الأمر الذي حقق لحزب لدعوة انتشاراً سريعاً ونوعياً في الوسط الشيعي الديني التواق الى التنظيم والى الإصلاح على المستويات الدينية والإجتماعية والسياسية، وجعل الشباب الشيعي المتدين المتعلم يتفاعل بقوة مع التنظيم الجديد وينخرط فيه ويتبنى أفكاره. وحماس هذا الشباب في الحركة والتغلغل والنفوذ؛ جعلهم يمسكون بمفاصل التأثير المباشر في العمل الثقافي والديني وفي المؤسسات والجمعيات الثقافية والدينية والعلمية القائمة، ولاسيما جماعة العلماء وكلية الفقه وجمعية منتدى النشر في النجف الاشرف، ثم جماعة العلماء في الكاظمية وبغداد وغيرها.
  • إن الدعاة الأوائل كانوا يتمتعون بحماية المرجعية الدينية العليا المتمثلة بالإمام السيد محسن الحكيم، ومن بعده مرجعية الإمام السيد أبي القاسم الخوئي. إضافة الى المرجعيات الكبيرة الأخرى كالسيد عبد الله الشيرازي والسيد محمود الشاهرودي. فضلا عن احتماء الدعاة بعدد من كبار الفقهاء الإصلاحيين، كالشيخ محمد رضا المظفر والشيخ مرتضى آل ياسين والشيخ محمد أمين زين الدين والسيد اسماعيل الصدر. بل كان عمل أعضاء حزب الدعوة في إطار مرجعية الإمام الحكيم ومشروعاته الدينية والثقافية؛ كالمكتبات العامة مثلاً؛ أكبر الأثر في إنتشار “الدعوة” وفي تغطيتها دينياً واجتماعياً. كما إن عدداً  كبيراً من الدعاة الأوائل كان ينتمي الى البيوتات الدينية العراقية واللبنانية والإيرانية ذات التاثير الإجتماعي الكبير في النجف؛ كآل الحكيم وآل الصدر وآل بحر العلوم وآل ياسين وآل فضل الله وآل شمس الدين وآل شبر وآل الغريفي وآل كاشف الغطاء وآل الجواهري وآل الخوئي. كما كان كثير من أولاد وأحفاد وأصهار هؤلاء مراجع النجف وفقهائها أعضاء في حزب الدعوة. وبالتالي؛ كان لهذه الحماية الدينية الإجتماعية الأثر الأهم في تحرك الدعاة بحرية في الوسط الديني والإجتماعي الشيعي.
  • ساهمت المدرسة الإصلاحية للشيخ محمد رضا المظفر مساهمة نوعية في إحتضان الدعاة وحمايتهم وتسهيل انتشار حزب الدعوة ونموه؛ لأن “الدعوة” وجدت في أبناء هذه المدرسة قاعدة جاهزة اعتمدت عليهم في تحركها. حتى أن جمعية منتدى النشر في النجف الأشرف ومدارسها وكلية الفقه التابعة لها؛ وجميعها تأسس بجهود الشيخ محمد رضا المظفر، وظل يرأسها حتى وفاته عام 1964؛ كانت بؤرة لعمل “الدعوة” ولتخريج الدعاة العلماء الجاهزين للتحرك. وهو ماكان يحصل في بغداد أيضاً في مؤسسات السيد مرتضى العسكري الدينية التعليمية في الكاظمية وبغداد؛ ولاسيما مدارس الإمام الكاظم والإمام الجواد و كلية أصول الدين. ولذلك نجد أن لمدرسة حزب الدعوة في التغيير والإصلاح جذوراً في أفكار وتوجهات الفقيه المجدد الشيخ محمد رضا المظفر، وبنسبة أقل في أفكار الزعماء الآخرين لحركة الإصلاح الإسلامي المعاصر في العراق في العقود الستة الأولى من القرن العشرين الميلادي؛ كالسيد هبة الدين الشهرستاني والشيخ محمد حسين كاشف الغطاء وغيرهما. ومن هنا؛ كانت البيئة التنموية التوعوية التي وفرتها مدرسة الشيخ المظفر لحزب الدعوة بالغ الأثر في إحتضان الدعاة علمياً وفكرياً وثقافياً.
  • بادر قياديو”الدعوة” وكادرها من علماء الدين العشرينين الى الإنخراط في العمل ضمن جماعة العلماء في النجف الأشرف بعد تأسيسها عام 1958 وجماعة العلماء في بغداد والكاظمية بعد تأسيسها عام 1965. فقد كان الدعاة يمثلون الجهاز التنفيذي لجماعة علماء النجف، ويديرون مجلة الجماعة (الأضواء) ومنشوراتها وأعمالها الثقافية، وأبرزهم: السيد محمد باقر الصدر والسيد محمد مهدي الحكيم والسيد مرتضى العسكري والشيخ محمد مهدي شمس الدين والسيد محمد حسين فضل الله والسيد طالب الرفاعي والسيد محمد باقر الحكيم والسيد محمد بحر العلوم والشيخ عبد الهادي الفضلي والشيخ أحمد الوائلي والشيخ كاظم الحلفي والسيد عدنان البكاء والشيخ مهدي السماوي. وكانوا يستندون في حركتهم داخل الجماعة وإستثمار إمكاناتها الى دعم رئاستها المتمثلة بآية الله الشيخ مرتضى آل ياسين لهم وكثير من أعضاء الهيئة الإدارية للجماعة. أما ما يتعلق بجماعة علماء بغداد والكاظمية؛ فقد كان تأثير الدعاة أكبر حجماً؛ لأن معظم مسؤولي الجماعة كانوا من مؤسسي وقادة حزب الدعوة الإسلامية.
  • كان أعضاء حزب الدعوة من علماء الدين يمارسون من خلال عملهم كوكلاء وممثلين وعتمدين لمرجعية السيد محسن الحكيم و مرجعية السيد أبي القاسم الخوئي ومرجعية السيد محمد باقر الصدر؛ دوراً ثنائياً؛ يعود بالفائدة المعنوية الكبيرة على حزب الدعوة، ويطرحه ممثلاً وحيداً وشرعياً للحالة الحركية الإسلامية الشيعية. وكان معظم هؤلاء الدعاة الوكلاء شباباً في العشرينات والثلاثينات، ولكنهم كانوا يتمتعون بالغطاء الديني المرجعي.
  • كانت الأفكار التغييرية العميقة التي يطرحها الدعاة الأوائل؛ تلقى رواجاً كبيراً في الأوساط الإجتماعية الشيعية؛ التي تتلمس الحرمان السياسي والتمييز الطائفي بسبب ممارسات الدولة، ولاسيما في أوساط الشباب العربي القادم من مدن الفرات الأوسط والجنوب العراقي للدراسة في الحوزة العلمية النجفية وجامعة بغداد، الى جانب الشباب الكردي والتركماني الشيعي القادم من شرق العراق وشماله. وكذا الشباب الشيعي القادم من جنوب لبنان وبقاعه، أو القادم من القرى البحرينية المحرومة، أو من المنطقة الشرقية المهمشة في السعودية، أو من قبائل الهزارة المستضعفة في افغانستان. فكان تأثير هذه الأفكار المنبعثة من النجف الأشرف وبغداد أكبر بكثير من الوعظ الديني التقليدي، أو من الأفكار القومية التنظيرية و الفكر الماركسي الذي يلامس حالة الحرمان بصورته العامة وليست الخاصة التي يعيشها الإنسان الشيعي بعنوانه المذهبي.
  • كان الشباب العشريني الذي ينتمي لحزب الدعوة؛ هو الأنشط فكرياً وثقافياً على الساحة الدينية، فقد كان “الدعاة” هم العنوان الأبرز للتجمعات الثقافية ولحركة الكتابة والتأليف والخطابة والندوات. ومثال ذلك: السيد محمد باقر الصدر والسيد محمد مهدي الحكيم والسيد مرتضى العسكري والشيخ محمد مهدي شمس الدين والسيد محمد حسين فضل الله والسيد طالب الرفاعي والسيد محمد باقر الحكيم والسيد محمد بحر العلوم والشيخ عبد الهادي الفضلي والشيخ أحمد الوائلي والشيخ كاظم الحلفي والسيد عدنان البكاء والشيخ محمد مهدي الآصفي والشيخ محمد علي التسخيري والشيخ عارف البصري والشيخ علي الكوراني والشيخ عبد الكريم القزويني والشيخ مهدي السماوي (21) وغيرهم. وكان تأثير كتاباتهم وحركتهم مهماً جداً في الهيمنة النسبية على الوسط الإصلاحي الديني. وكان هذا التأثير يحسب لمصلحة “الدعوة” وقدرتها على الإستقطاب؛ وإن كان الداعية يتحرك في مفصل معين بصفته الشخصية أو الدينية البحتة او العلمية المؤسساتية.

لقد كان الدعاة الأوائل، ومن بينهم المؤسسون والتشكيلة القيادية الأولى؛ ينتمون الى عدة بلدان إسلامية؛ ولاسيما العراق ولبنان والسعودية وايران وباكستان وافغانستان والهند والكويت والإمارات المتحدة وسوريا وعمان والبحرين وغيرها، ومن أصول عرقية متعددة؛ عرب وكرد وفرس وتركمان وترك وهنود وأفغان واذربيجانيين وهزارة وطاجيك وغيرها، وفيهم نسبة كبيرة من المستعربين المستعرقين من أصول إيرانية وهندية وباكستانية وأفغانية واذربيجانية، وكذلك المستعرقين من أصول لبنانية وسعودية وعمانية وبحرينية، وأيضا كويتيين وبحرينيين من أصول عراقية وإيرانية. وهذا التنوع في القوميات والوطنيات يعود الى طبيعة الإجتماع الديني النجفي العالمي الذي ينتمي اليه حزب الدعوة، والذي قام على إندماج هذا الخليط وتجانسه وتضامنه؛ منذ أن تأسست حاضرة النجف الأشرف في عام 449 هـ / 1057 م؛ أي قبل حوالي ألف سنة، وتحولها الى عاصمة دينية إجتماعية لشيعة العالم، وقد أسس صرحها العلمي العرب والفرس والترك من بغداد والكوفة وخراسان وقم (22) وغيرها، وسكنتها قبل ذلك عوائل وعشائر من حواضر العراق وبواديه وأريافه، ومن حاضرة الحجاز وبادية نجد، ومن بلاد فارس واذربيجان(23) . ويضاف الى خصيصة التنوع القومي والوطني والإجتماعي للدعاة الأوائل؛ الخصيصة الثقافية؛ فقد كانوا من المتعلمين تعليماً عالياً.

 

دور الإمام الصدر في تأسيس حزب الدعوة وقيادته

       السيد محمد باقر الصدر هو أبرز المؤسسين العشرة لحزب الدعوة الإسلامية؛ بل أن أداءه و دوره أفرزاه قائداً للحزب في البعدين الفكري والإرشادي. وقد كان الحديث عن كون السيد الصدر مؤسساً للدعوة؛ متداولاً  في أوساط الحزب منذ الستينات. ثم برز أسمه قائداً للحزب  خلال عام 1979؛ بعد تفجير الصدر للتحرك المعارض لنظام البعث في العراق. ولكن تقدُّم السيد الصدر على باقي المؤسسين والقياديين في توجيه بوصلة حزب الدعوة خلال 1957 الى 1961، ثم بقائه مرشداً لحزب الدعوة وداعماً له؛ يحظى بقرائن كثيرة؛ الى المستوى الذي أقنع أجيال الدعاة والمؤرخين والمراقبين بأن السيد الصدر هو المؤسس الواقعي لحزب الدعوة وقائده الروحي ومرشده حتى إستشهاده عام 1980 (24). ومن تلك القرائن:

  • إن السيد محمد باقر الصدر هو أحد الخمسة الأوائل الذين ناقشوا فكرة الحزب بعمق ودقة، وأقرّ العمل على وفقها، ثم أبرز المؤسسين العشرة للدعوة.
  • إن السيد محمد باقر الصدر ظل فقيه حزب الدعوة ومنظره وقائده الفكري؛ فقد أسس النظرية الفقهية لحزب الدعوة؛ والتي دونها في بداية طرح فكرة الحزب عام 1956، والتي إستدل فيها على جواز إقامة تأسيس الدولة الإسلامية في عصر غيبة الإمام المهدي المنتظر، وإمكانية سعي جماعة إسلامية لتحقيق هذا الهدف. ولولا نظريته هذه لما تأسس حزب الدعوة. وهي في الواقع نظرية تأسيسية في الفقه السياسي الإسلامي الشيعي لم يسبقه فيها فقيه شيعي (25). كما كتب السيد الصدر أسس حزب الدعوة الإسلامية؛ المعروفة بالأسس الإسلامية؛ والتي تمثل الأسس الفقهية والفكرية والسياسية للحزب، ولاتزال تمثل قاعدة حركة حزب الدعوة. وظل المؤسسون وقياديو الدعوة يعودون الى السيد الصدر في التكييفات الفقهية والفكرية، وكان صاحب المبادرة في هذا المجال (26). وقد كان السيد الصدر الفقيه الوحيد في الحزب، وكان وجوده في الحزب أساسياً؛ لمركزه العلمي في الحوزة العلمية النجفية، و لحاجة الحزب الى فقيه يتقدمه في مواجهة الإشكاليات التي يمكن أن تطرحها بعض أوساط الحوزة ضد الحزب. وبالتالي فكثير من إهتمام المؤسسين كان منصباً على الإجابة على إشكاليات الفكر الفقهي التقليدي وتسويغ عملهم امام المشككين في أوساط المنظومة الدينية الشيعية التي كانت لاتستسيغ العمل السياسي عموماً، والعمل الحزبي خصوصاً.
  • كان السيد الصدر يدير الإجتماعات التحضيرية والتأسيسية في النجف الأشرف، وأدار إجتماع أداء القسم في كربلاء، وكان المفروض أن يكون أول من يقسم قسم الإنتماء للحزب؛ لولا إصراره على ان يكون المرحوم السيد مرتضى العسكري أول من يؤدي القسم؛ باعتباره أكبر الأعضاء سناً ( كان عمر العسكري آنذاك 45 سنة والصدر 22 سنة). وأقسم بعده السيد محمد باقر الصدر قسم الإنتماء للحزب مباشرة؛ فكان ثاني من يقسم.
  • إختار السيد الصدر للحزب إسم “الدعوة الإسلامية”، ونظّر لهذه التسمية كثيراً، ولم يكن إسماً؛ بل صفة وغاية وهدفاً ووظيفة.
  • كان السيد الصدر العضو الأبرز في القيادة الرباعية الأولى ( وإن لم تكن تسمى حينها قيادة رسمياً؛ بل تسمى لجنة العمل ) التي تألفت بعد مرحلة التأسيس؛ والمؤلفة من السيد محمد باقر الصدر والسيد محمد مهدي الحكيم وعبد الصاحب دخيل والسيد مرتضى العسكري، وكان الصدر يدير إجتماعاتها، وبمثابة أمينها.
  • كان المشهور في مركز القرار الحوزوي النجفي والإيراني وأوساط المرجعيات الدينية، وقيادات الأحزاب السياسية العراقية واللبنانية والإيرانية؛ بأن السيد محمد باقر الصدر هو مؤسس حزب الدعوة الإسلامية ويقوده. فقد كشف حزب البعث العراقي هذا الأمر في وقت مبكر؛ فقام في عام 1961 أحد قيادييه في النجف (السيد حسين الصافي) بزيارة المرجعين السيد محسن الحكيم والسيد ابو القاسم الخوئي؛ وأبلغهم بخطورة الحزب الجديد الذي أسسه الصدر ويقوده؛ فكان جواب السيد الحكيم للصافي وهو ينهره: (( وهل تتصور أنك أحرص من السيد الصدر على الحوزة والنجف؟)) (27). وكان جواب السيد الخوئي له: (( إذا كان السيد الصدر قد أسس هذا الحزب ويقوده؛ فأنا أول من ينتمي إليه )). وقد روى ذلك لي المرحوم الشيخ محمد باقر الأنصاري الذي كان حاضراً اللقاء (28). كما روى لي السيد موسى الخوئي أنه تحدث مع جده الإمام الخوئي حول الإشاعات التي كان يثيرها بعض حاشية ( مكتب) السيد الخوئي ضد السيد الصدر أمام الوفود الطلابية التي كانت تزور النجف للقاء المرجعيات الدينية، ومنها شبهة كون السيد الصدر حزبياً وأنه يقود حزب الدعوة. فقال الإمام الخوئي:))  إذا كان محمد باقر الصدر في حزب الدعوة فأنا أيضاً سأكون في حزب الدعوة)) (29). ونقل السيد كاظم الحائري عن المرجع الديني الإيراني السيد عبد الكريم الموسوي الأردبيلي، أنه امتدح السيد الصدر حين طرح بعض علماء الدين في ايران أواخر الخمسينات موضوع تأسيس السيد الصدر لحزب الدعوة(30). كما أني اطلعت على وثيقة سرية لحزب توده الشيوعي الإيراني عام 1962 يؤكد فيها وجود حزب إسلامي شيعي في العراق إسمه حزب الدعوة ويقوده السيد محمد باقر الصدر. وكانت هذه الوثيقة ضمن محفوظات السافاك الإيراني (مخابرات الشاه). ومن المعروف أن بعض كوادر وقيادات حزب تودة الإيراني والحزب الشيوعي العراقي كان يتبادل المواقع التنظيمية بين الحزبين، فضلاً عن تبادل المعلومات بينهم لمواجهة الحركة الدينية في العراق وايران.
  • إن معظم تلاميذ السيد الصدر كانوا من الدعاة الأوائل أو دعاة المراحل اللاحقة، وأصبحوا من قيادات الحزب وكوادره فيما بعد، وكان هو الذي يبادر بتحريك بعض تلاميذه لضم زملائهم الآخرين الى الحزب. وإنتهى الأمر في عام 1979 الى أن يكون مايقرب من 60% من تلاميذه، وحوالي 80 % من وكلائه في المدن العراقية كافة؛ أعضاء في حزب الدعوة. وبعد أن أصدر السيد الصدر حكمه الشرعي بفصل العمل الحزبي عن الحوزة العلمية في عام 1973؛ بهدف حفظ الحوزة العلمية النجفية والمرجعية الدينية وحزب الدعوة؛ فإنه استثنى بعض تلامذته داخل العراق، وكذلك وكلائه في المدن وتلامذته في خارج العراق؛ حرصاً على عدم إضعاف مسيرة الحزب وتنظيماته. وقد ألغى السيد الصدر حكمه نهائياً من خلال رسالته التي حملها تلميذه السيد عبد الكريم القزويني الى قيادة الحزب خلال تواجدهم في مكة المكرمة في موسم الحج عام 1979.
  • لم يحصل خلاف فكري أو منهجي أو سياسي أساس بين السيد الصدر وحزب الدعوة أو قيادته طيلة حياته. أما الحالات التي أدت الى خلافات في الرأي والتوجه الميداني؛ فكان ذلك يدل على التلاحم بين الطرفين، وتدخل السيد الصدر المباشر في شؤون الحزب، وهو أمر طبيعي يحصل في كل الأحزاب والتيارات والتنظيمات. فقد كانت الخلافات النظرية الميدانية والمزاجية بين أعضاء قيادة حزب الدعوة أنفسهم أكبر بكثير من أي خلاف مع السيد الصدر. ويمكن في الصدد مراجعة الفصل الخامس من هذا الكتاب حول موضوع الإنشقاقات داخل حزب الدعوة. صحيح إن السيد الصدر كان يبدي إنزعاجه من تصرفات بعض قياديي الدعوة في الخارج وتصريحاتهم وكتاباتهم؛ ولكنها عموماً كانت تباينات لاتتجاوز الخلاف بين أبناء البيت الواحد؛ باستثناء رأيه بالشيخ علي الكوراني، والذي كان رأياً حازماً وعميقاً (31).
  • كان السيد الصدر بعد عام 1974، وعلى إثر الضربتين الموجعتين اللتين وجهتهما دولة حزب البعث لحزب الدعوة؛ يجتمع مباشرة بالدعاة العسكريين والقائمين على التنظيم العسكري، ويدعوهم الى تقوية التنظيم العسكري؛ لأنه الوحيد ـ في ظل القمع الشديد والإعدامات المتوالية ـ القادر على كبح جماح السلطة. وكان أحياناً يبدي عدم رضاه على حجم هذا التنظيم ويدفعه باتجاه الفاعلية الأكبر كماً ونوعاً. وبدأ من ذلك التاريخ يخصص للتنظيم العسكري أموالاً مما يصله من حقوق شرعية وحتى إستشهاده.
  • كان السيد محمد باقر الصدر حتى تاريخ إستشهاده يدعو من يجتمع به من قيادة حزب الدعوة في الداخل ووكلائه ومعتمديه الدعاة في المدن العراقية بضرورة النهوض بعملية ضم الشباب المتدين الى حزب الدعوة. وقد نقل لي عدد من وكلائه ومعتمديه؛ كالسيد حسن شبر والشيخ عبد الحليم الزهيري؛ بأن السيد الصدر في إجتماعاته الخاصة بهم في أواسط عام 1979 كان يؤكد على توسيع التنظيم وضم شباب جدد إليه (33). كما كان يجتمع بقيادة حزب الدعوة في الداخل مباشرة ويوجههم ويتابع عملهم، ولم تكن قيادة الداخل تخطو أية خطوة إستراتيجية دون الرجوع اليه. ومن بين من كان يجتمع بهم من القياديين بانتظام: السيد حسن شبر ومهدي عبد مهدي والشيخ حسين معن وجواد الزبيدي.
  • ظل السيد الصدر خلال عامي 1979 و 1980 يكرر توصيته الى مقربيه بالإهتمام بحزب الدعوة وبشبابه. وقد سمع مقولاته المتواترة المشهورة (( أوصيكم بالدعوة خيراً فإنها أمل الأمة)) و (( أوصيكم بشباب الدعوة فإنهم أملي )) كثير من تلامذته ومقربيه، ومنهم السيد محمود الهاشمي والسيد محمد باقر الحكيم والسيد حسن شبر والشيخ محمد رضا النعماني، ونقلوها عنه مباشرة.
  • رفض السيد الصدر رفضاً قاطعاً طلب صدام حسين المتكرر إصدار فتوى بحرمة الإنتماء لحزب الدعوة مقابل إيقاف قرار إعدامه. ولكنه فضّل الموت على ذلك. ولذلك كان حكم إعدامه طبقاً للقرار 461 الصادر في 31 آذار / مارس من عام 1980، على وفق المادة 156 عقوبات، والقاضي بإعدام كل من ينتمي الى حزب الدعوة ويروج افكاره ويعمل على تحقيق أهدافه (34).

وهناك قرائن ثانوية تشير جميعها الى أن السيد محمد باقر الصدر كان أبرز مؤسسي حزب الدعوة؛ بل أن مسيرة التأسيس وسنوات الحزب الأولى أفرزته القيادي الأكثر تاثيراً؛ رغم أنه كان أحد الأعضاء الأصغر سناً بين المؤسسين العشرة؛ إذ كان السيد محمد باقر الحكيم الوحيد الذي يصغره سناً، أما السيد مهدي الحكيم فكان بعمره، أما المؤسسون السبعة الآخرون فكانوا أكبر منه سناً.

وفي السنوات اللاحقة؛ أي بعد إنسحاب السيد الصدر من التنظيم عام 1961؛ إثر طلب  المرجع الأعلى السيد محسن الحكيم إليه أن يبقى مرشداً للحزب؛ ولكن من خارج الحزب؛ فإن علاقته بالدعوة ظلت تلاحمية وقريبة جداً؛ إذ ظل يتابع شؤون الحزب ويتدخل لحل ما يعترضه من مشاكل وخلافات داخلية، ويشارك في التنظير والتخطيط له. وكانت أهم قضية تمكن من حسمها هو منع إنهيار حزب الدعوة في عامي 1963 و 1964؛ إثر حدوث خلاف عميق بين قيادة الحزب في بغداد ممثلة بالثنائي محمد هادي السبيتي وعبد الصاحب دخيل، ولجنة النجف ممثلة بالشيخ عبد الهادي الفضلي، وصدور بيانين إنشقاقيين داخليين من الطرفين يفصل كل منهما الآخر من الحزب. فكان تدخل السيد الصدر حازماً في إنهاء الأزمة. بيد أن شوائب تعرضت لها العلاقة مع قيادة الحزب في عقد السبعينات من القرن الماضي، الى مستوى التعارض في بعض القرارات، ولاسيما الفترة من عام 1972 وحتى مطلع 1979، حيث كانت العلاقة جدلية، وهي المرحلة التي كان فيها محمد هادي السبيتي القيادي الأول في الحزب. أي أن طبيعة العلاقة بين السيد الصدر وقيادة “الدعوة” ظلت ترتبط بنوعية حراك السيد الصدر في مواجهة النظام، و رؤية القياديين النافذين في “الدعوة” لهذه المواجهة. ففي الوقت الذي بادرت قيادة حزب الدعوة في الداخل الى مبايعة السيد محمد باقر الصدر عام 1979 على السمع والطاعة؛ فإن بعض أعضاء القيادة في الخارج كانوا يرون التريث في المواجهة لحين استكمال أدوات المعركة مع النظام العراقي (35).

موانع الإجتماع الديني والسياسي أمام انتشار”الدعوة”

في الوقت الذي كانت هناك حواضن لحزب الدعوة، وبيئتات دينية وإجتماعية ومؤسسات ثقافية استثمرها الدعاة؛ فقد كانت هناك عقبات كبيرة أمام “الدعوة” وانتشارها وتمددها. فبعد مرحلة التأسيس الصعبة؛ واجه حزب الدعوة واقعاً أصعب خلال مرحلة الإنتشار الأولى؛ التي استمرت حتى نهاية عام 1961. وتمثلت إشكاليات هذا الواقع بما يلي:  

  • إشكالية النظام السياسي في العراق؛ المبني على ركيزتي العنصرية والطائفية ( عرب / سنة ). وهو نظام قديم موروث تتمظهر ركيزتاه في تهميش الشيعة وإضطهادهم على أساس طائفي، وتهميش الكرد والتركمان على أساس عنصري.
  • إشكالية المنظومة الدينية الشيعية وموروثاتها الإجتماعية والسياسية فيما يرتبط بموضوعتي السياسية والدولة، وعلاقة الإجتماع السياسي الشيعي بالدولة والسلطة والمجتمع السياسي الرسمي؛ وهي علاقة إنكفاء وقطيعة غالباً (36).
  • إشكالية إنتماءات النخبة الشيعية؛ الموزعة بين أحزاب السلطة الملكية، والتنظيمات القومية؛ العربية والكردية، والتنظيم الشيوعي، والتنظيمات الإسلامية السنية. وهذه الإنتماءات هي قسرية وغير موضوعية غالباً؛ لأن النخب الشيعية عندما تريد التعبير عن نفسها سياسياً وإجتماعياً وثقافيا؛ً فإنها لم تكن تجد أمامها غير هذه التنظيمات العلمانية القومية والأممية أو الإسلامية السنية (37).
  • الموقف الفقهي والإجتماعي التقليدي للحوزة العلمية في النجف الأشرف؛ الذي لايستسيغ التنظيم والتحزب والعمل السياسي وقيام دولة إسلامية. ويكمل هذا الواقع؛ غياب الموقف الفقهي في الموضوعات السياسية.
  • الأوضاع السياسية والثقافية والإجتماعية الصعبة التي يعيشها الشيعة في مختلف دول العالم؛ ولاسيما في العراق ولبنان وإيران والكويت والسعودية والبحرين وباكستان وأفغانستان.
  • فاعلية الحركات الإسلامية السنية؛ التي تعمل على الإستحواذ على الساحة الإسلامية بجانبيها السني والشيعي.

وعلى مستوى الحوزة العلمية النجفية؛ فقد عاش حزب الدعوة حالة الثنائية بين مرجعية الإمام الحكيم الإصلاحية ومرجعية الإمام الخوئي المحافظة. وإستطاعت “الدعوة” إيجاد خط ثالث فاعل؛ ولكنه خفي وغير منظور؛ إلا أنه كان يتمظهر ـ غالباً ـ في الفعاليات والنشاطات المحسوبة على مرجعية الإمام الحكيم وجماعة العلماء في النجف الأشرف وكلية الفقة. وبذلك أصبح واقع الإجتماع الديني النجفي ينقسم في عقد الستينات من القرن الماضي الى ثلاثة تيارات رئيسة:

  • التيار الوسطي الإصلاحي؛ المتمثل في مرجعية الإمام السيد محسن الحكيم، وسمته:

إصلاح شامل  في الأمة وإصلاح مقيد في السلطة. ويتكون من خليط من علماء دين عراقيين وعرب وإيرانيين، وشبكة من البيوتات النجفية الدينية؛ العراقية وذات الأصول الإيرانية.

  • التيار التقليدي المحافظ؛ المتمثل في مرجعية الإمام السيد إبي القاسم الخوئي، وسمته: إصلاح تقليدي في الأمة وإنكفاء في موضوعة السلطة. ويتكون معظم التيار من علماء دين إيرانيين؛ فرس وأذربيجانيين ( كان الإمام الخوئي من القومية الآذربيجانية الإيرانية ).
  • التيار التغييري الثوري؛ المتمثل في خط الفقيه الشاب السيد محمد باقر الصدر وحزب الدعوة الإسلامية، وسمته: إصلاح شامل في الأمة وتغيير جذري في السلطة. ويتكون معظم التيار من علماء دين شباب عراقيين وعرب وإيرانيين، وناشطين من غير علماء الدين من البيوتات الدينية النجفية والعراقية والعربية.

وبالرغم من أن تيار الصدرـ حزب الدعوة؛ كان يحظى بدعم المرجعين الحكيم والخوئي، ويحتمي بهما حوزوياً وثقافياً وإجتماعياً، ويحصل منهما على الدعم المالي والمعنوي؛ ولكنه كان يصطدم بشخصيات مؤثرة في مكاتبهما وفي إطار مرجعياتهما؛ لم تخف إمتعاضها من وجود تيار إسلامي حزبي تغييري سياسي ثقافي يتعارض والطابع التقليدي المحافظ لحوزة النجف. في حين كان شخصا المرجعين الحكيم والخوئي ينظران بعين العطف والحماية للسيد الصدر وحزب الدعوة. الأمر الذي يقود الى نتيجة راسخة مفادها أن الإجتماع الديني الشيعي العراقي لايمكن أن يسير وينجح وينمو إلّا بوجود التيارات الثلاثة المذكورة ( المحافظة والإصلاحية والثورية )؛ فهي ضرورية للإبقاء على حالة التوازن، شريطة أن تحافظ على تفاهمها وتكاملها وتوزيع الأدوار فيما بينها؛ كما كان الوضع عليه في عهد مرجعية الإمام الحكيم. وهذه المهمة الصعبة تقع على عاتق المرجع الأعلى في النجف؛ فهو الكفيل بتقوية التيارات الثلاثة معاً وخلق حالة التوازن بينها، وتنظيم أدوارها. وهو مانجح فيه الإمام الحكيم والإمام الخوئي، ثم الإمام السيستاني فيما بعد؛ مع وجود تفاوت في نسب النجاح بالطبع؛ تبعاً لنوعية النظام السياسي الحاكم ولقدرة المرجع الأعلى على الإدارة العامة. مع الأخذ بالإعتبار إن الفرصة التي توافرت للإمام السيستاني بعد عام 2003 لم تتوافر لغيره من المرجعيات على مر التاريخ؛ إلّا لعدد محدود؛ كالشيخ المفيد والشريف المرتضى والشيخ الطوسي في بغداد خلال المرحلة البويهية، والشيخ الكركي والشيخ البهائي والشيخ المجلسي خلال المرحلة الصفوية. وقد يرى بعض المراقبين مفارقة في هذا المجال؛ فكيف يدعم التيار الديني التقليدي المحافظ تياراً إصلاحياً وآخر ثورياُ، أو العكس!؟. والحقيقة أن من يعرف جزئيات تفكير المرجعية النجفية العليا وحركتها؛ يفهم بأن هذه المرجعية تمارس ـ عادة ـ دور الأبوة لكل التيارات والوجودات في الوسط الشيعي، وتعمل على حمايتها وعدم التفريط بها، وشدها إليها بهدوء وصبر؛ للحؤول دون إنكفائها خارج المنظومة الدينية الشيعية؛ سواء كانت المرجعية نفسها ثورية أو إصلاحية أو محافظة.

لقد مارس حزب الدعوة الإسلامية نشاطه التنظيمي السري، والثقافي العلني عبر واجهات مختلفة؛ بشكل واسع بعيد انقلاب 14 تموز 1958؛ مستثمراً حالة حرية الرأي التي أوجدتها حكومة عبد الكريم قاسم؛ والتي تسبب في الوقت نفسه بإنتشار موجات الإلحاد والأفكار العلمانية. فكانت هناك حاجة ملحة للتخفيف من وطأة تاثير هذه الموجات والتيارات على المجتمع العراقي. فضلاً عن الحاجة الى بناء كتلة مؤمنة تغييرية قوية تعمل على بناء المجتمع عقائدياً؛ تمهيداً لإقامة دولة إسلامية؛ وهو المطلب شبه النهائي لحزب الدعوة. وعليه؛ لم يكن تأسيس ” الدعوة ” في حقيقة الأمر؛ رداً على تلك التيارات، وعلى الأحداث والأوضاع التي أفرزها انقلاب 14 تموز/ يوليو، أو المد الشيوعي، أو ليكون حزباً في مقابل الأحزاب الأخرى؛ بل كان مؤسسو حزب الدعوة ينظرون الى عملهم بإعتباره فعلاً  إستراتيجيا ً بعيد المدى، وذا أهداف كبيرة؛ بعيداً عن الأجواء الانفعالية والمؤثرات الآنية.

وانطلق الدعاة الأوائل يوسعون صفوفهم وينشرون تنظيمهم؛ فوجدوا أرضية خصبة في أواسط علماء الدين وطلبة الحوزة العلمية النجفية، وطلبة الجامعات والمعاهد في بغداد والبصرة والموصل وغيرها. وتغلغلت تنظيمات الحزب في الوسط الديني في النجف وكربلاء وبغداد والكاظمية والبصرة تغلغلاً كبيراً. وانفتح الحزب على غير العراقيين، وعلى أبناء الريف من الطبقات المتوسطة والمنخفضة. كما إستقطب بكثافة غير مسبوقة أبناء القوميات غير العربية في العراق من كرد فيليين وتركمان وشبك وفرس. وقدر عدد أعضاء الحزب عام 1960  بما يقرب من مائة عضو. ولكن العدد تضاعف بشكل كبير حتى عام 1963 بعد إنتقال مركزية القيادة من العاصمة الدينية النجف الى العاصمة السياسية بغداد. وشهدت الطفرة العددية الكبيرة للحزب بعد عام 1964 حين أمسك بالتنظيم عبد الصاحب دخيل ومحمد هادي السبيتي. وقد شهدت إنضمام بعض المتدينين السنة الى حزب الدعوة؛ في العراق وخارجه؛ من منطلق رؤية القيادي محمد هادي السبيتي للدعوة بإعتبارها حزباً عابراً للمذاهب. وكانت هذه الرؤية تحظى بقبول القياديين الآخرين عبد الصاحب دخيل والشيخ عارف البصري، ومعارضة قياديين آخرين؛ ولاسيما علماء الدين؛ كالسيد مرتضى العسكري. وظلت الرؤية العابرة للمذاهب تصطدم بالواقع وبموروثات الإجتماع الديني للمسلمين؛ بل ظلت تصطدم بالرؤية العقائدية والفقهية التي يطرحها غالبية علماء الدين في حزب الدعوة. ومالبثت أن إنهارت الرؤية الإنفتاحية للسبيتي بمرور السنين؛ ولاسيما بعد الصدام الشامل بين “الدعوة” والنظام العراقي عام 1979.

وكان تعدد الإنتماءات الإجتماعية والوطنية والقومية لأعضاء حزب الدعوة الأوائل؛ يساهم في تمكين حزب الدعوة من النفوذ في البلدان الأخرى. وقد أضافت هذه التعددية كثيراً لحزب الدعوة؛ إذ كان لها أكبر الأثر في مراكمة التنوع الثقافي الإجتماعي في بنية حزب الدعوة التنظيمية، وكانت تنسجم مع عالمية “الدعوة” وفكرها. واستطاع حزب الدعوة صهر هذا التنوع في بوتقته الفكرية، وإستثمار إيجابياته وتجاوز سلبياته؛ مستفيداً بذلك من التجربة النجفية الوطنية والعالمية التي يزيد عمرها على الألف عام؛ على اعتبار أن حزب الدعوة هو وليد طبيعي للبيئة النجفية؛ وهي البيئة التي ظلت تمثل نتاجاً لتفاعل بيئات ثقافية اجتماعية متنوعة. وظل هذا النتاج غنياً، ومتفوقاً في عمقه وسعة أفقه على الأحاديات الثقافية المحلية؛ وهي ميزة نادرة تتمتع بها البيئة النجفية، وظلت تطبع حزب الدعوة بطابعها طيلة مراحل إنتشار الحزب وإمتداد تنظيماته الى مختلف مدن العراق وغيره من البلدان العربية والإسلامية.

و لم يؤثر انفتاح حزب الدعوة على المدن والقوميات والبيئات الإجتماعية العراقية والعربية والمسلمة في الحفاظ على جذوره النجفية؛ فقد بدأ حزب الدعوة نجفياً في انتمائه الثقافي والإجتماعي؛ واستحال عراقياً وعالمياً في تنوع انتماءات أعضائه؛ إلّا أنه من الناحية الفكرية والتقاليد الدينية؛ بقي ينتمي الى مدرسة النجف الأشرف. وربما كانت مرحلة المهجر هي التحدي الأكبر الذي واجه حزب الدعوة على هذا الصعيد؛ ولاسيما حين تواجدت قيادته في الجمهورية الإسلامية الإيرانية؛ حيث تأثيرات البيئة الفكرية الدينية الإيرانية وتقاليدها، ثم ظهور تيار مهم من فقهاء “الدعوة”؛ كالسيد كاظم الحائري والشيخ محمد مهدي الآصفي والشيخ محمد علي التسخيري وآخرين، وكثير من مثقفيها؛ يدعو الى الذوبان في قيادة الإمام الخميني والدولة الإسلامية على وفق مبنى السيد محمد باقر الصدر؛ وهومبنى لم يكن مألوفاً في النجف الأشرف. وفي مرحلة لاحقة إتجه عدد غير قليل من الدعاة الى إتباع مدرسة السيد محمد حسين فضل الله غير التقليدية؛ المتباينة الى حد ما في تقاليدها الفكرية والدينية عن مدرسة النجف؛ على الرغم من إنتماء السيد فضل الله إجتماعياً وعلمياً الى النجف. وفي المحصلة بقيت بوصلة حزب الدعوة تشير غالباً الى مدرسة النجف. وهذا الأمر لايزال قائماً؛ حتى في خضم الجدليات الجديدة / القديمة التي تحكم العلاقة بين حزب الدعوة والمرجعية النجفية.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الإحالات

  • ومنها ـ مثالا ـ بعض الجمعيات التي تأسست خلال ثورة المشروطة في ايران عام 1906 ضد الإستبداد القاجاري، ومنظمة فدائيان إسلام التي تأسست في ايران أيضاً عام 1952 ضد الإستبداد البهلوي، و جمعية النهضة الإسلامية عام 1917 وحزب النجف السري عام 1918 في العراق ضد الإحتلال الإنجليزي، والحركة الدستورية في البحرين عام 1956 ضد حكم آل خليفة، وبعض الجمعيات النضالية في جنوب لبنان في العشرينات والثلاثينات لمواجهة الإستعمار الفرنسي.
  • وهو ماحدث تحديداً خلال حكم الأسرة الصفوية في ايران. وهو خليط من الإرث الإجتماعي السياسي العربي والفارسي والتركي والإجتماع الديني الشيعي. و لايختلف سلوك الأسرة الصفوية وفكرها السياسي عن تكييفات الأسرة العثمانية في تركيا؛ ومثلت سلطة الأسرة الصفوية رد فعل نوعي مماثل على السلوكيات التاريخية الطائفية للأسر المختلفة مذهبياً. ولم تحظى الدولة الصفوية بدراسات موضوعية باللغة العربية كما حظيت به الدولة العثمانية؛ لأسباب طائفية أيضاً؛ بل أن كثيراً من الدراسات العربية حول الدولة العثمانية تسوغ للعثمانيين سلوكياتهم، وتعد تمدداتهم الجغرافية فتوحات إسلامية. بينما تنظر الى الدولة الصفوية من منظار طائفي حاد؛ بالرغم من تشابه سلوك الدولتين؛ بل وسوء سلوك الدولة العثمانية تجاه أبناء السنة من القومية العربية، وطائفيتها التكفيرية ـ كما في عهد سليم الاول وسليمان القانوني ـ ضد الشيعة العرب. وفي إطار طأفنة ( إن صح التعبير) العلم والفكر والتاريخ والثقافة والسياسة؛ فإن أكثر كتاب حظي بالنشر في البلدان العربية هو كتاب المفكر الإيراني الدكتور علي شريعتي “التشيع العلوي والتشيع الصفوي”؛ لأنه يسيء بشدة الى المنطومة الدينية الشيعية والى رأس هذه المنطومة المتمثل بالفقهاء، ويدرس تاريخ الدولة الصفوية دراسة إجتماعية أحادية النظرة غير موضوعية، وتحمل إسقاطات الواقع الذي عاشه شريعتي وصراعاته مع بعض علماء الدين الايرانيين في حقبة نهاية الستينات والسبعينات من القرن الماضي وهو شاب مندفع في مقتبل العمر. و بسبب أحكامه العامة ونتائجه السطحية ونزعته الإجتماعية الثورية؛ فقد أساء شريعتي كثيراً الى المذهب الشيعي ومنظومته الإجتماعية الدينية، وتسبب في تلقف الطائفيين؛ ولاسيما القوميين الفرس والعرب لمصطلحات علي شريعتي في الكتاب؛ ولاسيما مصطلح الصفويين؛ للتنكيل بالشيعة.

أنظر: التشيع العلوي والتشيع الصفوي، دار الأمير، بيروت، 1995.

  • ثورة العشرين عام 1920 مثلت تتويجاً لنضالات الشعب العراقي ضد الإحتلال الإنجليزي منذ عام 1914، وهي نضالات قادها فقهاء الشيعة في النجف وكربلاء والكاظمية وسامراء، ونفذها زعماء العشائر والسياسيون الوطنيون. ولذلك عاقب الإنجليز الشيعة بفرض حكم طائفي قومي على العراق، وساعدهم في ذلك عاملان: الأول يتمثل في تفضيل معظم الشيعة اعتزال السلطة والعمل السياسي والوظائف الحكومية، والثاني يتمثل في الممارسات الطائفية الحادة المعادية للشيعة التي مارستها بقايا العثمانيين في العراق والذين تحول ولاؤهم الى الإنجليز خلال الحرب العالمية الأولى. وهناك مئات المصادر التي وثقت لهذا الواقع. انظر: علي المؤمن، ” صدمة التاريخ: العراق من حكم السلطة الى حكم المعارضة” و” سنوات الجمر: مسيرة الحركة الإسلامية في العراق”، وحسن العلوي” الشيعة والدولة القومية في العراق” و” التأثيرات التركية في المشروع القومي العربي في العراق”
  • أنظر المصادر السابقة.
  • انظر: المصادر السابقة.
  • من ندوة حوارية للسيد محمد مهدي الحكيم خلال عام 1984 مسجلة على أربعة أشرطة، وتم إصدارها من مركز دراسات تاريخ العراق الحديث في كتيب تحت عوان” التحرك الإسلامي في العراق” في عام 1988؛ بعد إعادة صياغتها وتعديلها. كما دونت هذه المعلومة منه مباشرة في لقاء معه في بيت السيد محمد باقر الحكيم في طهران خلال شباط عام 1986.
  • ولابد من الإشارة هنا الى الدور المركزي الذي لعبته ما كانت تعرف بـ “مجموعة الحزب الجعفري”: عبد الصاحب دخيل ومحمد صادق القاموسي والسيد حسن شبر في تأسيس حزب الدعوة؛ فهذه المجموعة كانت منسجمة في حركتها وأفكارها، وكانت تحمل فكرة تأسيس حزب اسلامي منذ أوائل الخمسينات، وكانت لديها تجربة الحزب الجعفري الذي تأسس عام 1952، ثم تم حله بعد سنة تقريبا؛ً نتيجة الضغوطات داخل منظومة الإجتماع الديني النجفي بكل تعقيداتها. وظلت فكرة الحزب تختمر في عقل المجموعة؛ حتى تمت المفاتحة بين السيد مهدي الحكيم وعبد الصاحب دخيل. وكان من الطبيعي أن يتداول عبد الصاحب دخيل الفكرة مع محمد صادق القاموسي وحسن شبر خلال عامي 1956 و 1957. وعندها كان الشغل الشاغل لهذا الثلاثي هو الدفع باتجاه تفعيل فكرة تأسيس الحزب.
  • أكد لي السيد حسن شبر في أكثر من لقاء بأن السيد محمد باقر الحكيم لم يكن من المؤسسين؛ بالنظر لصغر سنه ( 18 عاماً)، ولم يحضر إجتماعات التحضير والتأسيس في النجف بصفته عضواً في الإجتماعات؛ بل كان يرافق أحياناً شقيقه السيد محمد مهدي الحكيم للإجتماعات؛ لأسباب  يذكرها السيد شبر. ولكني تأكدت نقلاً عن الحاج صالح الأديب بأن السيد محمد باقر الحكيم حضر إجتماع أداء القسم في كربلاء في عام 1957، وكان آخر من أدى القسم من الحاضرين السبعة.
  • أول رئيس للمجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق هو آية الله السيد محمود الهاشمي؛ رئيس السلطة القضائية في الجمهورية الإسلامية الإيرانية فيما بعد، وثاني رئيس هو السيد علي رضا الحائري. وكلاهما من تلاميذ الإمام السيد محمد باقر الصدر.
  • رشيد الخيون، “امالي السيد طالب الرفاعي”، ص 134.
  • من مقابلات خاصة مع السيد حسن شبر خلال ثلاثة عقود.
  • حزب الدعوة الإسلامية، الجزء الأول، ص 98.
  • انظر: علي المؤمن،” سنوات الجمر”، ص 56.
  • التقيته خلال زيارته بيروت في مقر إقامته في فندق الساحة عام 2009؛ بحضور الدكتور إبراهيم العاتي.
  • سنوات الجمر، ص 56 ، ط 3،  2014
  • ضمن لقاءاتي مع السيد محمد بحر العلوم خلال الأعوام 2012- 2014.
  • الشيخ علي الكوراني،” تجربتي الى طالب علم”، ص 46.
  • مقابلة خاصة مع السيد حسن شبر خلال العام 2015
  • في أكثر من مقابلة معه، ومنها مادونه بخطه يده ـ كملاحظة خاصة ـ على مسودة كتاب” جدليات الدعوة”؛ خلال عام 2015
  • انظر: تفاصيل هذا الرأي في ملاحق الكتاب، أزهر السهر،” الدكتور علي المؤمن والملاحظات المنهجية حول دراسته عن حزب الدعوة الإسلامية”.
  • اكثر من يكرس هذه النزعة في كتاباته هو الشيخ علي الكوراني؛ بعد خروجه من حزب الدعوة عام 1981 وصراعه مع قيادنه؛ مستهدفاً بذلك منهج الإمام السيد محمد باقر الصدر الفكري والعقائدي؛ بقوله ان السيد الصدر وقادة حزب الدعوة كانوا غير مذهبيين وعابرين للمذهبية ومتأثرين بحزب التحرير والاخوان المسلمين. وبالتالي فإن الشيخ الكوراني هو أول من طرح هذه الفكرة وروج لها.
  • في الفترة من عام 1958 و عام 1963؛ صدرت مجموعات من سلسلات الكتب والكراسات في النجف وكربلاء وبغداد، كما كانت تقام ندوات موسمية ومحاضرات دورية ودروس اسلامية عامة للشباب، إضافة الى عدد من المجلات الثقافية والفكرية. وكان “الدعاة” يقفون وراء معظم هذه النشاطات.
  • أسس حاضرة النجف العلمية الشيخ أبو جعفر الطوسي المعروف بـ “شيخ الطائفة” وهو من مدينة طوس في إقليم خراسان بإيران. وذلك بعد هجرته من مدينة بغداد في أعقاب الإضطهاد الذي تعرض له شيعة بغداد على يد الإحتلال السلجوقي الطائفي. وفضلاً عن مركزيتها العلمية الفقهية؛ فقد جعل الطوسي من النجف الأشرف عاصمة للمنظومة الإجتماعية الدينية. وهناك فقهاء آخرون من ايران والحجاز والعراق سبقوا الشيخ الطوسي في الإقامة والتدريس في النجف، وكان فيها مدارس دينية علمية، ولكنها أخذت شكلها الحالي على يد شيخ الطائفة الطوسي.

انظر: الشيخ عدنان فرحان، الحوزات العلمية والمدارس الدينية الإمامية، ج 4

  • من الأسر النجفية القديمة التي كانت لها سدانة مرقد الإمام علي ( ع) خلال القرن الرابع والخامس الهجريين ( العاشر والحادي عشر الميلاديين) هي أسرة شهريار (الفارسية). واعقبتها أسر عراقية وحجازية وأذربيجانية.
  • انظر هذه الآراء: أحمد أبو زيد العاملي، “موسوعة الإمام الشهيد محمد باقر الصدر”، الجزء الأول.
  • وتمظهر ذلك في دراسته الأولى التي كتبها عام 1956؛ والتي تأسس حزب الدعوة إستنادا عليها. انظر: علي المؤمن، “الفقه والسياسة: تطور الفقه السياسي الإسلامي حتى ظهور النظريات الحديثة”، ص 78.
  • بعد دراسته الأولى ( إحالة 23 ) كتب السيد محمد باقر الصدر عدداً توعياً من النشرات الداخلية لحزب الدعوة؛ أهمها على الإطلاق ” أسس حزب الدعوة الإسلامية”، المعروفة بـ “الأسس الإسلامية”.
  • انظر: سنوات الجمر، ص 89.
  • المصدر السابق.
  • ضمن لقاءاتي بالسيد موسى الخوئي خلال عام 2015
  • سنوات الجمر، ص 91
  • طلب السيد محمد باقر الصدر أكثر من مرة من تلميذه السيد كاظم الحائري إخراج الشيخ علي الكوراني من قيادة حزب الدعوة. كما كان الشيخ محمد مهدي شمس الدين والسيد محمد حسين فضل الله يضغطان على السيد مرتضى العسكري لإخراج الكوراني من الحزب؛ بسب ماكان يثيره من مشاكل وحساسيات في الوسط الشيعي الكويتي واللبناني. إلّا أن الكوراني كان يحظى بدعم القيادي المتنفذ في الحزب محمد هادي السبيتي، وكان ذلك يحول دون نجاح مساعي إخراجه من الحزب.

أنظر أيضاً: الباحث اللبناني أحمد أبو زيد العاملي ( صاحب موسوعة الإمام السيد محمد باقر الصدر) في سلسلة ردوده على الشيخ علي الكوراني، والتي تتضمن وثائق ومراسلات بهذا الشأن. وقد نشرها في صفحته الإلكترونية.

  • ضمن لقاءاتي بالشيخ عبد الحليم الزهيري والسيد حسن شبر خلال عام 2015.
  • انظر الملحق السابع في هذا الكتاب. وأيضاً تحليلاً عن القرار في كتاب” سنوات الجمر”، ص 340. واحمد ابو زيد، ج 5، والشيخ محمد رضا النعماني، “سنوات المحنة”، ص 157.
  • كانت قيادة الداخل والقيادة القتالية والقيادة التنفيذية وبعض أعضاء القيادة العامة مع التصعيد ضد النظام، ومع السير خلف السيد الصدر؛ بينما لم يكن القيادي الأبرز محمد هادي السبيتي مع التصعيد، ولم يكن يرى ان الدعوة والشعب العراقي مؤهلان لخوض معركة دموية مع النظام، وانها ستكون معركة خاسرة. وكان بعض تلامذة السيد الصدر مع هذا الرأي أيضاَ؛ كالسيد محمد باقر الحكيم.
  • حدث هذا الإنكفاء بعد الإعلان عن تأسيس ماعرف بالدولة العراقية عام 1921، واعقبها فتوى بعض المرجعيات العليا في النجف الأشرف بحرمة المشاركة في الإنتخابات النيابية والعمل الحكومي. وتعزز ذلك بعد تسفير مراجع النجف والكاظمية عام 1924 الى ايران ثم عودتهم الى العراق بعد توقيع تعهد للحكومة العراقية بعدم ممارسة أي نشاط سياسي. واستمر هذا الوضع حتى سقوط الحكم الملكي عام 1958 وبروز مرجعية الإمام السيد محسن الحكيم؛ فكان المرجع الاعلى يتدخل نسبياً في الشان السياسي العام. واستمر هذا الوضع حتى عام 1968 بسيطرة حزب البعث على مقاليد السلطة، ثم وفاة الإمام الحكيم عام 1970.
  • يقول أحد مؤسسي حزب الدعوة السيد مرتضى العسكري بأن أحد الشباب المؤمنين راجعه خلال عام 1957 وهو في حيرة من أمره، وهو يريد ممارسة العمل السياسي التنظيمي الثوري، ولكنه لايريد الانتماء للحزب الشيوعي لأنه حزب يعادي الدين، ولايريد الانتماء لجماعة الاخوان المسلمين؛ لأنها جماعة سنية. وبذلك أخذ السيد العسكري يفكر بتأسيس حزب إسلامي شيعي.

latest video

news via inbox

Nulla turp dis cursus. Integer liberos  euismod pretium faucibua

Leave A Comment