واقعة الغدير ومصادرها واحتجاج الإمام علي على دلالاتها

Last Updated: 2024/06/11By

واقعة الغدير ومصادرها واحتجاج الإمام علي على دلالاتها

د. علي المؤمن

مقدمة

واقعة غدير خم وحديثها المعروف بحديث الغدير، من الوقائع والأحاديث المفصلية النادرة التي لا خلاف حول صحتها بين الشيعة والسنة؛ فقد نقلها أكثر من (100) صحابي من صحابة رسول الله، ومنهم من انحاز بعد وفاته الى معسكر الصحابة؛ فباتوا سنة الصحابة، وانحاز آخرون الى معسكر الإمام علي؛ فباتوا شيعة علي. ولم يكن هناك خلاف حول دلالة حديث الغدير على ولاية الإمام علي وخلافته المباشرة للرسول، لكنه الخلاف استجدّ بعد واقعة السقيفة، أي بعد أن باتت خلافة أبي بكر أمراً واقعاً، ووقع الصحابة في حرج حيال دلالة واقعة الغدير؛ فكان الحل بلي عنق النص وتغيير أقوال شهوده.

واقعة الغدير

في طريق عودة رسول الله الى المدينة المنورة، بعد أن فرغ من مناسك الحج في سنة 10 ه، وهي المعروفة بحجة الوداع، وصل إلى منطقة (غدير خُم) من الجُحْفة، التي تمثل مفترق طرق أهل المدينة ومصر والعراق، في يوم الخميس 18 ذي الحجة؛ فنزل عليه الملك جبرئيل، من عند الله، بالآية: ((يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ))(1)، وأمره بإبلاغ الناس بالنص على ولاية علي بن أبي طالب. وكانت طلائع الحجيج قرب الجُحْفة؛ فأمر رسول الله أن يردّ من تقدّم منهم، ويوقف من تأخّر عنهم؛ فنودي لصلاة الظهر، وبعد أن فرغ من الصلاة، قام رسول الله خطيباً وسط المسلمين على أقتاب الإبل، رافعاً صوته، ليسمع الجميع؛ فقال: ((الحمد لله ونستعينه ونؤمن به، ونتوكّل عليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيّئات أعمالنا، الذي لا هادي لمن أضلّ، ولا مُضلّ لمن هدى، وأشهد أن لا إله إلّا الله، وأنَّ محمداً عبده ورسوله. أمّا بعدُ: أيُّها الناس قد نبّأني اللطيف الخبير: أنّه لم يُعمَّر نبيٌّ إلّا مثلَ نصفِ عمر الذي قبلَه. وإنّي أُوشِك أن أُدعى فأُجيب، وإنّي مسؤول، وأنتم مسؤولون، فماذا أنتم قائلون؟)).

قالوا: ((نشهدُ أنّك قد بلّغتَ ونصحتَ وجهدتَ، فجزاكَ الله خيراً)).

قال: ((ألستم تشهدون أن لا إله إلّا الله، وأنَّ محمداً عبدهُ ورسوله، وأنَّ جنّته حقّ وناره حقّ، وأنَّ الموت حقّ، وأنَّ الساعة آتية لا ريبَ فيها وأنَّ الله يبعثُ من في القبور؟)).

قالوا: ((بلى نشهد بذلك. قال: أللّهمّ اشهد، ثمّ قال: أيّها الناس ألا تسمعوا؟ قالوا: نعم)).

قال: ((فإنّي فَرَط على الحوض، وأنتم واردون عليّ الحوض، وإنَّ عُرضه ما بين صنعاءَ وبُصرى، فيه أقداح عدد النجوم من فضّة، فانظروا كيف تخلِفوني في الثقَلَينِ)).

فسأل أحد المسلمين: ((وما الثقَلان يا رسول الله؟))

قال: ((الثقَل الأكبر كتاب الله طرفٌ بيد الله عزّ وجلّ وطرفٌ بأيديكم، فتمسّكوا به لا تضلّوا، والآخر الأصغر عترتي، وإنَّ اللطيف الخبير نبّأني أنّهما لن يتفرّقا حتى يردا عليّ الحوض، فسألت ذلك لهما ربّي، فلا تَقدموهما فتهلكوا، ولا تقصروا عنهما فتهلكوا)). ثمّ أخذ بيد عليّ فرفعها، حتى رُؤي بياض آباطهما وعرفه القوم أجمعون، فقال: ((أيّها الناس من أولى الناس بالمؤمنين من أنفسهم؟)).

قالوا: ((الله ورسوله أعلم)).

قال: ((إنَّ الله مولاي، وأنا مولى المؤمنين، وأنا أولى بهم من أنفسهم فمن كنت مولاه فعليّ مولاه))، وكررها ثلاثَ مرّات.

ثمّ قال: ((اللّهمّ والِ من والاه، وعادِ من عاداه، وأحِبَّ من أحبّه، وأبغِضْ من أبغضه وانصُرْ من نصره، واخذُلْ من خذله، وأَدرِ الحقَّ معه حيث دار، ألا فليبلّغ الشاهدُ الغائب)).

ثمّ لم يتفرّقوا حتى نزل أمين وحي الله بقوله: ((اليَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي))(2).

فقال رسول الله: ((الله أكبر على إكمال الدين، وإتمام النعمة، ورضا الربّ برسالتي، والولاية لعليٍّ من بعدي)).

ثمّ طَفِق القوم يهنِّئون الإمام علي، وكان ممّن هنّأه، في مُقدّم الصحابة، الشيخان: أبو بكر وعمر، وكل منهما يقول له: ((بَخٍ بَخٍ لك يا ابن أبي طالب، أصبحتَ وأمسيتَ مولايَ ومولى كلّ مؤمن ومؤمنة)). وقال ابن عبّاس: ((وجبت ـ واللهِ ـ في أعناق القوم)).

رواة واقعة الغدير وحديثها من الصحابة

من شهد واقعة الغدير من صحابة رسول الله وروى حديثها؛ فهم: أبو هريرة، أبو ليلى الأنصاري، أبو زينب بن عوف الأنصاري، أبو فضالة الأنصاري، أبو قدامة الأنصاري، أبو عمرة بن عمرو بن محصن الأنصاري، أبو الهيثم بن التيهان، أبو رافع القبطي، أبو ذويب خويلد بن خالد بن محرث الهذلي، أبو بكر بن أبي قحافة التيمي، أبو حمزة أنس بن مالك الأنصاري الخزرجي، أسامة بن زيد بن حارثة الكلبي، أبي بن كعب الأنصاري الخزرجي، أسعد بن زرارة الأنصاري، أسماء بنت عميس، أم سلمة، أم هاني بنت أبي طالب، براء بن عازب الأنصاري، بريدة بن الحصيب الأسلمي، ثابت بن وديعة الأنصاري، جابر بن سمرة بن جنادة، جابر بن عبد الله الأنصاري، جبلة بن عمرو الأنصاري، جبير بن مطعم بن عدي القرشي، جرير بن عبد الله بن جابر البجلي، أبو ذر الغفاري، جندع بن عمرو بن مازن الأنصاري، حبة بن جوين أبو قدامة العرني البجلي، حبشي بن جنادة السلولي، حبيب بن بديل بن ورقاء الخزاعي، حذيفة بن أسيد أبو سريحة الغفاري، حذيفة من اليمان، حسان بن ثابت، الحسن بن علي بن أبي طالب، الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب، أبو أيوب الأنصاري، خالد بن الوليد، خزيمة بن ثابت الأنصاري، رفاعة بن عبد المنذر الأنصاري، الزبير بن العوام، زيد بن أرقم الأنصاري، زيد بن ثابت، يزيد بن شراحيل الأنصاري، زيد بن عبد الله الأنصاري، سعد بن أبي وقاص، سعد بن جنادة العوفي، سعد بن عبادة الأنصاري، أبو سعيد الخدري، سعيد بن زيد القرشي، سعيد بن سعد بن عبادة الأنصاري، سلمان الفارسي، سلمة بن عمرو بن الأكوع الأسلمي، سمرة بن جندب الفزاري، سهل بن حنيف الأنصاري، سهل بن سعد الساعدي، أبو إمامة ابن عجلان الباهلي، ضميرة الأسدي، طلحة بن عبيد الله التميمي، فاطمة الزهراء بنت النبي محمد،  فاطمة بنت حمزة بن عبد المطلب، قيس بن ثابت بن شماس الأنصاري، قيس بن سعد بن عبادة الأنصاري،  كعب بن عجرة الأنصاري، مالك بن الحويرث الليثي، المقداد بن عمرو الكندي، ناجية بن عمرو الخزاعي، نعمان بن عجلان الأنصاري.

مصادر الحديث والسيرة والتاريخ التي وثّقت واقعة الغدير وروت حديثها

وثّقت واقعةَ الغدير وحديثها، جميعُ المدونات الحديثية وكتب السيرة والتاريخ الإسلامي الأصلية، وأهمها:

1- أبو الفتح محمد بن عبد الكريم الشهرستاني، المتوفى سنة 548 هـ، الملل والنحل: 1/ 163.

2- أبو الفداء، إسماعيل بن كثير، المتوفى سنة: 774 هـ، في تفسير القرآن العظيم: 2/ 15، دار المعرفة/ بيروت.

3- أبو القاسم ابن عساكر، المتوفى سنة: 571 ه، تاريخ ابن عساكر، ترجمة الإمام علي بن أبي طالب: 2/ 5، دار الفكر ومؤسسة المحمودي/ بيروت.

4- أبو الحسن ابن المغازلي، المتوفى سنة: 483 ه، مناقب علي بن أبي طالب: 31، طبعة: دار مكتبة الحياة / بيروت.

5- أبو الفضل شهاب الدين محمود الآلوسي البغدادي، المتوفى سنة: 127 هـ، في كتابه: روح المعاني: 4 / 282، طبعة: دار الفكر / بيروت.

6- محب الدين أحمد بن عبد الله الطبري، ذخائر العقبى في مناقب ذوي القربى: 67، مكتبة القدسي، القاهرة/ مصر.

7- الحافظ شمس الدين الذهبي، التلخيص بذيل المستدرك: 3/ 109، طبعة: دار الفكر/ بيروت.

8- أحمد بن أبي يعقوب اليعقوبي في كتابه: تاريخ اليعقوبي: 1/422، مؤسسة الاعلمي للمطبوعات، بيروت/ لبنان.

9- القسطلاني، شرح المواهب اللدنية: 7 / 13، طبعة: المطبعة الأزهرية، القاهرة / مصر.

10- علي بن محمد بن أحمد المالكي، المعروف بابن صبّاغ، المتوفى سنة: 855 ه، الفصول المهمة: 40، مؤسسة الاعلمي للمطبوعات، بيروت/ لبنان.

11- أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب المعروف بالنسائي، فضائل الصحابة: 15، دار الكتب العلمية، بيروت / لبنان.

12-جلال الدين السيوطي، المتوفى سنة 911 هـ: تاريخ الخلفاء: 169، مصر.

13- جلال الدين السيوطي المتوفى سنة 911 هـ: الحاوي للفتاوى: 1/ 106، دار الكتاب العربي/ بيروت.

14- أحمد بن يحيى بن جابر البلاذري، من أعلام القرن الثالث الهجري، في كتابه: أنساب الأشراف: 2/ 111، مؤسسة الاعلمي للمطبوعات، بيروت / لبنان.

15- أبو الفداء، إسماعيل بن كثير القرشي الدمشقي، المتوفى سنة: 774 هـ، البداية والنهاية: 5/ 209، مكتبة المعارف للمطبوعات، بيروت/ لبنان.

16- أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر، الاستيعاب: 3 / 1098، دار الجيل، بيروت / لبنان.

17- عبد الرؤوف المناوي، الكواكب الدرية في تراجم السادة الصوفية: 1 / 69، المكتبة الأزهرية للتراث، القاهرة / مصر.

18- المحاملي: الأمالي: 85، المكتبة الإسلامية / الأردن.

19- أحمد بن إبراهيم القيسي، شرح هاشميات الكميت بن زيد الأسدي: 197، مكتبة النهضة: بيروت / لبنان.

20- محمد الصبان الشافعي، المتوفى سنة: 1206 هـ، إسعاف الراغبين: 111، مخطوط، المكتبة الشعبية، بيروت.

21- محمد رشيد رضا، تفسير المنار: 6 / 464، دار المعرفة، بيروت/ لبنان.

22- أحمد بن حنبل، المتوفى سنة: 241 هـ، العلل ومعرفة الرجال: 3 / 262، المكتبة الإسلامية/ الرياض.

23- أبو منصور عبد الملك الثعالبي النيسابوري، المتوفى سنة: 429 هـ، ثمار القلوب من المضاف والمنسوب: 2 /906، دار البشائر، بيروت / لبنان.

24- جلال الدين السيوطي، المتوفى سنة 911 هـ، الجامع الصغير في أحاديث البشير النذير: 2 / 66، دار الكتب العلمية، بيروت / لبنان.

25- نور الدين علي بن عبد الله السمهودي، المتوفى سنة 911 هـ، جواهر العقدين في فضل الشرفين، فضل العلم الجلي والنسب النبوي: 236، دار الكتب العلمية، بيروت/ لبنان.

26- عبد الرؤوف المناوي، كنوز الحقائق: 2/ 118، دار الكتب العلمية، بيروت/ لبنان.

27- أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي، المتوفى سنة: 748 هـ، ميزان الاعتدال في نقد الرجال: 3/ 294، دار إحياء الكتاب العربي، بيروت/ لبنان.

28- جلال الدين بن أبي بكر السيوطي، المتوفى سنة: 911 هـ، الدر المنثور في التفسير بالمأثور 2/ 293، محمد أمين، بيروت / لبنان.

29- نور الدين علي بن أبي بكر الهيثمي، المتوفى سنة: 807 هـ، مجمع الزوائد ومنبع الفوائد: 9/ 129، دار الفكر، بيروت/ لبنان.

30- الموفق بن أحمد بن محمد المكي الخوارزمي، المتوفى سنة: 568 هـ، مناقب علي بن أبي طالب: 156، جامعة المدرسين، قم/ إيران.

31- ركن الدين، أبو محمد، الحسين بن مسعود، أبي الفراء البغوي، المتوفى سنة: 516 هـ، مصابيح السنة: 4/ 172، دار المعرفة، بيروت/ لبنان.

32- أبو عبد الله محمد الحكيم الترمذي، من علماء القرن الثالث الهجري، نوادر الأصول في معرفة أحاديث الرسول: 289، دار صادر، بيروت/ لبنان.

33- كمال الدين محمد بن طلحة الشافعي، المتوفى سنة: 654 هـ، مطالب السؤول في مناقب آل الرسول: 4، مخطوط.

34- أبو سعيد الهيثم بن كليب الشاشي، المتوفى سنة: 335 هـ، المسند: 1/ 166، مكتبة العلوم والحكم/ المدينة المنورة.

35- أبو الفتح محمد بن عبد الكريم الشهرستاني، المتوفى سنة: 548 هـ، الملل والنحل: 1/ 163، دار صع/ بيروت.

36- سليمان بن إبراهيم القندوزي الحنفي، المتوفى سنة: 1294 هـ، ينابيع المودة: 1/ 33، المطبعة الحيدرية، النجف الاشرف/ العراق.

37- عبد الرؤوف المناوي، فيض القدير شرح الجامع الصغير: 4/ 358، دار المعرفة/ بيروت.

38- أبو المؤيد الموفق بن أحمد المكي، أخطب الخوارزمي، المتوفى سنة: 568 هـ، مقتل الحسين: 1/ 47، طبعة إيران.

39- المتقي الهندي، منتخب كنز العمال: 5/ 30، المكتب الإسلامي/ بيروت.

40- أحمد بن شعيب النسائي، المتوفى سنة: 303 هـ، خصائص أمير المؤمنين علي: 43، طبعة إيران.

41- عفيف الدين، عبد الله بن أسعد اليافعي اليمني، المتوفى سنة: 768 هـ، مرآة الجنان وعبرة اليقظان، في معرفة حوادث الزمان: 143، مؤسسة الرسالة/ بيروت.

42- عبد الله بن عمر البيضاوي، طوالع الأنوار: 1 / 585، الديار العامرة / مصر.

43- أحمد بن الحسين البيهقي، المتوفى سنة: 458 هـ، الاعتقاد على مذهب السلف، أهل السنة والجماعة: 217، دار الكتب العلمية/ بيروت.

44- الحافظ الطبراني، المتوفى سنة: 360 هـ، المعجم الأوسط: 3/ 69، مكتبة المعارف/ الرياض.

45- أحمد بن شعيب النسائي، المتوفى سنة: 303 هـ، السنن الكبرى: 5 / 130، دار المكتبة العلمية/ بيروت.

46- عبد الرحمن بن خلدون، المتوفى سنة: 808 هـ، المقدمة: 246، دار الفكر/ بيروت.

47- جمال الدين محمد بن يوسف بن الحسن بن محمد الزرندي الحنفي المدني، المتوفى سنة: 750 هـ، نظم درر السمطين: 93، مطبعة القضاء، النجف الاشرف/ العراق.

48- محمد بن عبد الله الخطيب التبريزي، مشكاة المصابيح: 3 / 1720، المكتب الإسلامي/ بيروت.

49- سيف الدين الآمدي، المتوفى سنة: 631 هـ، غاية المرام في علم الكلام: 375، القاهرة / مصر.

50- أبو جعفر أحمد المحب الطبري، الرياض النضرة في مناقب العشرة: 3/ 127، دار الكتب العلمية/ بيروت.

51- بدر الدين، أبو محمد بن أحمد العيني، المتوفى سنة: 855 هـ، عمدة القاري، شرح صحيح أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري، المتوفى سنة 256 هـ: 18/ 206، دار الفكر/ بيروت.

52- محمد بن معتمد خان البدخشاني الحارثي، المتوفى سنة: 1126 هـ، نزل الأبرار بما صح من مناقب أهل البيت الأطهار: 54، مؤسسة المفيد/ بيروت.

53- الشبلنجي، نور الأبصار في مناقب بيت النبي المختار: 78، المكتبة الشعبية.

احتجاج الإمام علي بحديث الغدير على أحقيته بالخلافة

احتج الإمام علي عدة مرات خلال فترة حياته بواقعة الغدير على احقيته بالخلافة؛ فكلما شعر بأن الوقت مناسب ذكّر معارضيه بحديث الغدير، وعزز بذلك مكانته في قلوب الناس. لم يكن ذلك من فعل الامام فحسب، بل استشهد بهذا الحديث كل من زوجته فاطمة (عليها السلام)، وابنه الامام الحسن (ع)، وسيد الشهداء الحسين بن علي (ع)، بالاضافة الى عدد من الشخصيات المرموقة في الاسلام نظير: عبد الله بن جعفر، عمار بن ياسر، الأصبغ بن نباتة، قيس بن سعد، عمر بن عبد العزيز والمأمون الخليفة العباسي، هذا فضلاً عن بعض معارضيه كعمرو بن العاص وغيره.

بناء على هذا، استُدل بحديث الغدير ابتداء من عصر الامام نفسه، وكان أتباعه في كل عصر ومصر يعتبرون الحديث من أدلة الامامة والولاية، وها نحن نشير الى نماذج من هذه الاستدلالات:

1- في يوم الشورى عُين أعضاء الشورى بأمر من الخليفة الثاني، واختيروا بشكل لا تصل معه الخلافة الى علي أبداً وحينما نوى القوم اختيار عثمان للخلافة، نطق الإمام علي لإبطال رأي الشورى؛ فقال: ((لأحتجن عليكم بما لا يستطيع عربيكم ولا عجميكم تغيير ذلك))، الى أن قال: ((أنشدكم بالله هل فيكم أحد قال له رسول الله: من كنت مولاه فهذا علي مولاه، اللهم وال من والاه، وانصر من نصره، ليبلغ الشاهد الغائب))، فأجاب الجميع: ((كلا، لم ينل هذه الفضيلة أحد غيرك))(1).

لم يقتصر استدلال الإمام بهذا الحديث على هذه الواقعة، بل استشهد به في مواطن أخرى نذكرها فيما يلي:

2- ذات يوم كان الإمام (ع) يخطب في الكوفة، وفي أثناء الخطبة توجه صوب المخاطبين وقال: ((أنشدكم بالله أن ينهض كل من كان حاضراً في الغدير وسمع حديث النبي ووصيته لي بالخلافة ليشهد بذلك، لكن لينهض من سمع الحديث بنفسه من النبي، لا من سمعه نقلاً عن الآخرين))؛ فنهض حينئذ ثلاثون رجلاً، وأدلوا بشهاداتهم حول سماع حديث الغدير.

ينبغي الالتفات إلى أنه قد مضى يومذاك أكثر من خمس وعشرين سنة على واقعة الغدير، فضلاً عن أن بعض أصحاب النبي (ص) لم يكونوا متواجدين في الكوفة، أو توفوا قبل ذلك التاريخ؛ وربما أحجم بعض عن الشهادة لأسباب خاصة، وإلا فان عدد الشهود يفوق الثلاثين قطعاً. وقد ذكر المرحوم العلامة الأميني في كتاب الغدير مصادر متعددة لهذا الحديث، فعلى من يريد الاطلاع عليها مراجعة الكتاب المذكور(2).

3- اجتمع مائتا شخصية كبيرة من المهاجرين والأنصار في عهد عثمان في مسجد النبي (ص) ليتباحثوا ويتحاوروا حول مواضيع شتى، فانساقوا في الحديث حتى وصلوا الى فضائل قريش وتاريخها وهجرة أفرادها، وبدأت كل قبيلة منها تتفاخر برجالاتها. عقد هذا الاجتماع منذ الصباح الباكر واستمر حتى الزوال، وتحدث فيه العديد من الشخصيات البارزة، وكان أمير المؤمنين جالساً يصغي لما يقولون، فأقبل القوم عليه فقالوا: يا أبا الحسن ما يمنعك أن تتكلم؟ وبعد إصرارهم تحدث بحديث الى أن قال: ((أنشدكم الله عز وجل حيث نزلت: إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ) المائدة:55)، وحيث نزلت: وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلا رَسُولِهِ وَلا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً) التوبة: من الآية16)، قال الناس: يا رسول الله، أهذه خاصة في بعض المؤمنين أم عامة لجميعهم؟ فأمر الله عز وجل نبيه (ص) أن يعلمهم ولاة أمرهم، وأن يفسر لهم من الولاية ما فسر لهم من صلاتهم وزكاتهم، وصومهم وحجهم فنصبني للناس بغدير خم، ثم خطب فقال: أيها الناس، إن الله عز وجل أرسلني برسالة ضاق بها صدري وظننت أن الناس مكذبي، فأوعدني لأبلغنها أو ليعذبني، ثم أمر فنودي للصلاة جامعة، ثم خطب الناس. فقال: أيها الناس، أتعلمون أن الله عز وجل مولاي، وأنا مولى المؤمنين، وأنا أولى بهم من أنفسهم؟ قالوا: بلى، يا رسول الله، قال: قم يا علي فقمت، فقال: من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه، فقام سلمان الفارسي فقال: يا رسول الله، ولاؤه كماذا؟ فقال النبي (ص): ولاؤه كولائي، من كنت أولى به من نفسه؛ فعلي أولى به من نفسه))(3).

4- لم يكن علي هو الوحيد الذي استدل بحديث الغدير على أحقيته بالخلافة من غيره، بل إن زوجته الكريمة. كذلك خطبت ذات يوم لتبين حقوقها وحقوق زوجها، فخاطبت أصحاب النبي (ص) وقالت: أنسيتم يوم الغدير حيث قال أبي لعلي: ((من كنت مولاه فهذا علي مولاه)).

5- لما قرر الإمام الحسن (ع) الصلح مع معاوية قام خطيباً وقال: ((أكرم الله أهل البيت بالإسلام، واصطفانا على عباده وطهرنا من كل سوء))، الى أن قال: ((سمع الجميع النبي يقول لعلي: أنت مني بمنزلة هارون من موسى، كما شاهد كافة الناس النبي يرفع يد علي في غدير خم وهو يقول: من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه))(4).

6- وقال الامام الحسين (ع) في حديث حضره عدد كبير من صحابة النبي (ص) في مكة: ((أسألكم بالله هل سمعتم أن النبي نصب علياً خليفة وولياً للمسلمين في غدير خم وقال: فليبلغ الحاضر الغائب؟))؛ فأجاب الجميع: ((نعم)).

بالإضافة الى كل ذلك، فان حشداً من صحابة النبي (ص) كعمار بن ياسر وزيد بن أرقم وعبد الله بن جعفر والأصبغ بن نباتة وغيرهم استدلوا بهذا الحديث على خلافة الإمام علي(5).

احتجاج الإمام علي في الخطبة الشقشقية

الخطبة الشقشقية هي خطبة للإمام علي، نصّ فيها على أحقيته في خلافة رسول الله بلا فصل، وأجمل فيها الوقائع والأحاديث النبوية التي وردت في هذا المجال، ومنها واقعة الغدير وحديثها، ومما قاله الإمام علي فيها: ((أَمَا وَاللَّهِ لَقَدْ تَقَمَّصَهَا اِبْنُ أَبِي قُحَافَةَ وَإِنَّهُ لَيَعْلَمُ أَنَّ مَحَلِّي مِنْهَا مَحَلُّ الْقُطْبِ مِنَ الرَّحَى يَنْحَدِرُ عَنِّي السَّيْلُ وَلَا يَرْقَى إِلَيَّ الطَّيْرُ فَسَدَلْتُ دُونَهَا ثَوْبًا وَطَوَيْتُ عَنْهَا كَشْحًا وَطَفِقْتُ أَرْتَئِي بَيْنَ أَنْ أَصُولَ بِيَدٍ جَذَّاءَ أَوْ أَصْبِرَ عَلَى طَخْيَةٍ عَمْيَاءَ يَهْرَمُ فِيهَا الْكَبِيرُ وَيَشِيبُ فِيهَا الصَّغِيرُ وَيَكْدَحُ فِيهَا مُؤْمِنٌ حَتَّى يَلْقَى رَبَّهُ. فَرَأَيْتُ أَنَّ الصَّبْرَ عَلَى هَاتَا أَحْجَى فَصَبَرْتُ وَفِي الْعَيْنِ قَذًى وَفِي الْحَلْقِ شَجًا أَرَى تُرَاثِي نَهْبًا حَتَّى مَضَى الْأَوَّلُ لِسَبِيلِهِ فَأَدْلَى بِهَا إِلَى فُلَانٍ بَعْدَهُ… فَيَا عَجَبًا بَيْنَا هُوَ يَسْتَقِيلُهَا فِي حَيَاتِهِ إِذْ عَقَدَهَا لِآخَرَ بَعْدَ وَفَاتِهِ…))(6).

وقد وثّقت الخطبة مصادر كثيرة، نقلاً عن عبد الله بن عباس، بأربعة أسانيد، أي بأربعة رواة، وقد ذكرها الشيخ الصدوق في كتابه (علل الشرائع)، وهذا التعدد في النقل عن ابن عباس من قبل أربعة رواة مختلفين، جعل الخطبة مشهورة، روتها الخاصة والعامة في كتبهم وشرحوها وضبطوا كلماتها، وقد قال عنها الشيخ المفيد: إنها أشهر من أن ندل عليها لشهرتها. وقد ذكر بالإضافة الى المفيد الصدوق، والطوسي والرضي في (نهج البلاغة) والطبرسي في (الاحتجاج)، والقطب الراوندي في شرحه على نهج البلاغة. ومن أهل الخلاف رواها ابن الجوزي في مناقبه، وابن عبد ربه في كتاب (العقد الفريد)، وابو علي الجبائي في كتابه، وابن الخشاب في درسه، والحسن بن عبد الله بن سعيد العسكري في كتاب (المواعظ والزواجر) على ما ذكره صاحب (الطرائف)، وفسر ابن الاثير في (النهاية) لفظ الشقشقية ثم قال: ومنه حديث علي في خطبة له: تلك شقشقة، وذكرها الفيروزآبادي في (القاموس)(7).

ثم إنه يمكن اثبات صحة صدور تلك الخطبة من خلال الدلالة ومن خلال الاسلوب البلاغي التي تتمتع به والتي تشير الى صحة صدورها عن الامام (عليه السلام) ، وان ما ادعي من وضعها من قبل الرضي رد بذلك، بالإضافة الى أنها مثبتة في مصنفات العلماء المشهورين قبل ان تلد الرضي أمّه، منهم:ـــ أبو جعفر محمد بن عبد الرحمن المعروف بابن قبة الرازي، حيث أورد الخطبة في كتابه (الإنصاف في الإمامة)، وهو كتاب متقدم على (نهج البلاغة).ـــ وكذلك رواها أبو القاسم عبد الله بن محمد بن محمود البلخي الكعبي المتوفي سنة 317 هـ.ـــ ونقلها الصدوق عن الحسن بن عبد الله العسكري في (معاني الأخبار)، وبسند آخر في (علل الشرائع).ـــ وذكرها المفيد في (الارشاد). وهؤلاء جميعاً ذكروها قبل أن يذكرها صاحب (نهج البلاغة)!! فلا يبقى مجال لعدم القطع بصحه صدور تلك الخطبة عن الإمام علي.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الإحالات:

  • المناقب للخوارزمي، ص 217 وغيره.
  • الغدير، ج 1، ص 153- 170.
  • فرائد السمطين، الباب 58؛ بالإضافة الى هذه الموارد الثلاثة، استشهد الامام أمير المؤمنين (ع) على إمامته بحديث الغدير في الكوفة في يوم الرحبة، وفي الجمل، وفي حديث الركبان، وفي حرب صفين أيضاً.
  • ينابيع المودة، ص 482.
  • للاطلاع على الاحتجاجات الكثيرة في هذا المورد ومصادرها ومستنداتها، ينبغي الرجوع الى كتاب (الغدير)، ج 1، ص 146-195، فقد نقل فيه اثنان وعشرون احتجاجاً موثقاً.
  • الشريف الرضي (جمع وإعداد)، نهج البلاغة، الخطبة الثالثة.
  • انظر: الشيخ المجلسي، بحار الأنوار، ج 29 ص 507.

المصادر

  • الشيخ عبد الحسين الاميني، موسوعة الغدير
  • مركز الأبحاث العقائدية، أسانيد الخطبة الشقشقية
  • الشيخ مكارم الشيرازي، هل استدل أمير المؤمنين على خلافته بحديث الغدير؟

 

latest video

news via inbox

Nulla turp dis cursus. Integer liberos  euismod pretium faucibua

Leave A Comment