نظرية القانون الدستوري للجمهورية الإسلامية الإيرانية

Last Updated: 2024/06/11By

نظرية القانون الدستوري للجمهورية الإسلامية الإيرانية

د. علي المؤمن

ركائز نظرية القانون الدستوري للجمهورية الإسلامية الإيرانية

الميزة الأساس لنظرية القانون الدستوري في الجمهورية الإسلامية الإيرانية هو التزامها بجميع قواعد القانون الدستوري الوضعي الحديث، وفي الوقت نفسه تمسكها بكل معايير الشريعة الإسلامية وأحكامها ومقاصدها. أي أنّها صيغة تكاملية؛ جمعت في داخلها أصالة الشريعة الإسلامية وعصرية القانون الوضعي. وتمظهرت هذه الصيغة في توفيقها المنهجي بين ثنائيات إشكالية أساسية في مضمون الدولة ونظامها السياسي ومؤسساتها الدستورية؛ ظلت محاور للجدل العقدي والفقهي والفكري والسياسي منذ دخول المسلمين مرحلة الانفتاح على متغيرات الواقع وإلزاماته، ومتطلبات العصرنة والتحديث خلال القرن التاسع عشر الميلادي، ولا تزال.

وأهم هذه الثنائيات:

1 ـ الدولة المدنية والدولة الدينية.

2 ـ حاكمية الشريعة وحاكمية الشعب.

3 ـ مبدأ ولاية الفقيه ومبدأ الشورى.

4 ـ تقدّم الشريعة وسمو الدستور.

وتعبِّر هذه الثنائيات عن طبيعة الصراع الفكري السياسي المركب؛ بين النظرية السياسية الإسلامية والنظرية العلمانية من جهة، والقائلين بالحكم الإسلامي الديمقراطي (حكم الشورى بتعبير آخر) والحكم الإسلامي الولائي (حكومة الفقيه) من جهة أُخرى. إلّا أنّ الصيغة التكاملية الشرعية المعصرنة والمحدّثة التي طرحها دستور الجمهورية الإسلامية الإيرانية والنظام السياسي المؤسس عليه؛ جسّرت الفواصل بين تلك الثنائيات، وصهرتها في بوتقة واحدة؛ كان نتاجها: الجمهورية الإسلامية الإيرانية. وهذه الصيغة هي في الواقع تمظهرٌ واقعي لنظرية الإمام الخميني في الدولة الإسلامية الحديثة، وما يترتب عليها من إلزامات شرعية وقانونية، وهو ما دفع الخبير القانوني المصري الدكتور توفيق الشاوي([1]) إلى القول بأنّ: ((نظرية الإمام الخميني كانت تجديداً ضرورياً ومرحلة جديدة في فقه الشيعة الإمامية؛ تؤدي إلى توحيد الفقه الإسلامي بصفة عامة؛ في كل ما يتعلق بنظام الحكم الإسلامي ومسؤولية الحكام جميعاً دون استثناء، وأنّ نظريته ليست إلّا البداية لاجتهادات في هذا الميدان تثبت حيوية الفقه الإسلامي ومواجهته لجميع مشاكل العصر وخاصة مشاكل النظم الدستورية المعاصرة)) ([2]).

وتقف نظرية القانون الدستوري الإسلامي الإيراني على ثلاث ركائز أساسية، ثمثل الحاكمية المركبة في الجمهورية الإسلامية، هي: حاكمية الشعب وحاكمية القانون وحاكمية الشريعة. ونقارب هذه الركائز في إطار المحاور التالية:

1-  حاكمية الشعب:

تتجسد حاكمية الشعب وسيادته في القانون الدستوري للجمهورية الإسلامية في ثلاث ركائز أساسية: شكل الدولة (الجمهورية) وقاعدة الحكم (الشورى) والحقوق والحريات العامة والسياسية، وفيما يلي بيان لكل ركيزة:

أ-شكل الدولة: الجمهورية:

النظام السياسي في إيران هو نظام جمهوري؛ أي أنّه يعتمد الشعب أساساً لمشروعية الدولة وسلطاتها. ولكي تنسجم (الجمهورية) مع إسلامية الدولة؛ فقد تم تقييدها بمفردة (الإسلامية). وهذا القيد العقدي يعبر هو الآخر عن إرادة الجمهور (الشعب الإيراني) الذي صوّت في الاستفتاء العام على إسلامية جمهوريته، ثم تحوّل مفهوم نظام الجمهورية الإسلامية إلى نص دستوري؛ لتأكيد إسلامية الدولة وأصالتها؛ فضلاً عن طبيعة دور الشعب (الجمهور) فيها. وفي هذا الصدد يقول المفكر الإسلامي الإيراني مرتضى المطهري (ت1979): ((إنّ كلمة الجمهورية توضح شكل الدولة، وكلمة الإسلامية توضح مضمونها؛ فالجمهورية الإسلامية تعني: الدولة التي يتمثل شكلها بانتخاب عامة الناس لرئيس الحكومة (الجمهورية) مدة مؤقتة، ومحتواها هو أنّها إسلامية)) ([3]).

والجمهورية الإسلامية التي تأسست في إيران في العام 1979؛ بناءً على إرادة الجمهور؛ هي جمهوريةٌ إسلامية وليست جمهورية المسلمين؛ أي أنّ إسلامية الجمهورية تجسيد لانتماء الدولة عقائدياً إلى الإسلام، وإلى شريعته التي تتحكم في بنائها وفي حركتها. أمّا جمهورية المسلمين فتعني: انتماء الدولة إلى المسلمين؛ بصرف النظر عن قوانينها ونظامها السياسي، وعن الانتماءات العقدية والفكرية لحكامها. وهذا النوع من الجمهورية شبيه بالجمهوريات التي يكون غالبية مواطنيها من المسلمين وتسمى مجازاً (الدول الإسلامية)، أو هي شبيهة في جوهرها بدول المسلمين السلطانية.

كما أنّ الدولة التي أسس لها دستور الجمهورية الإسلامية الإيرانية هي دولة دينية ـ مدنية؛ إذ يكون الانتماء إليها سياسياً؛ أي أنّها دولة المواطنة التي تراعي خصوصيات البلد وتنوعه الديني والمذهبي والفكري والقومي؛ ما يعني أنّ من ينتمي إلى الدولة بالمواطنة؛ ربما لا ينتمي إلى دينها ومذهبها وعقيدتها الفقهية السياسية الرسمية، وربما لا يكون ملتزماً دينياً، ولا يؤمن بدستور الدولة ونظامها السياسي أساساً، ولكنه يتمتع ـ وفق محددات القانون ـ بحقوق المواطنة نفسها التي يتمتع بها الذي ينتمي لكل تفاصيل النظام السياسي للدولة، وما يجمع بين الاثنين هو إطار (الإيرانية) التي ضمنها لهما مفهوم (الجمهورية).

وربما تتشكل في إطار ثنائية (الجمهورية) و(الإسلامية) أو ثنائية (المدنية) و(الدينية)؛ إشكالية حقوقية عنوانها (حكم رجال الدين)، وهي تعني التمييز في الحقوق والحريات بين رجال الدين وغيرهم من سائر المواطنين. والحال أنّ واقع النظام السياسي الإيراني لا يدل على كونه حكم رجال الدين؛ بل هو حكم مدني يستند إلى الشريعة الإسلامية.

ولم يشر دستور الجمهورية الإسلامية وتطبيقاته إلى أيّ تمييز بين رجل الدين وأيّ مواطن آخر أمام القانون أو في شغل أيّ منصب من مناصب الدولة؛ ابتداءً برئاسة الجمهورية وانتهاءً بالدوائر البسيطة. إلّا أنّ ثوابت الشريعة الإسلامية ومبادئ النظام الإسلامي وشرعية حكمه وطبيعة قوانينه؛ تشترط أن يكون بعض المناصب خاص بالفقهاء دون غيرهم؛ أي المجتهدين العدول وليس مطلق علماء الدين، وهي ستة مناصب فقط: القائد (رئيس الدولة)، رئيس السلطة القضائية، المدّعي العام للبلاد، وزير المخابرات، نصف أعضاء مجلس صيانة الدستور، وأعضاء مجلس خبراء القيادة. ومعيار تسنّم هذه المناصب هو أن يكون من يشغلها فقيهاً عادلاً كفوءاً؛ لأنّ لهذه المناصب أبعاداً دينية أو جوانب ترتبط بالتخصص بقضايا الشريعة الإسلامية، وتترتب عليها أُمور ترتبط ارتباطاً مباشراً بممارسة الاجتهاد، إضافة إلى ضمان الاحتياط إزاء الظلم. وهذه المناصب الستة التي يصل عدد من يشغلها إلى نحو (90) شخصاً؛ لا تشكل سوى اثنين في المئة (2%) من عدد المناصب العليا في البلاد([4]).

ب- قاعدة الحكم: الشورى:

ما نريده بالشورى هنا، بعيداً عن البحث النظري، الشورى بصفتها آلية لممارسة السلطة؛ عبر مجالس الإشراف والتخطيط والتشريع والتنفيذ والرقابة والتحكم والقضاء. أي أنّ آلية الشورى إلى جانب آلية (ولاية الفقيه) هما آليتا ممارسة السلطة في الجمهورية الإسلامية الإيرانية، ويكملان بعضهما في قيادة حركة الدولة.

وتعني قاعدة الشورى في الحكم: استناد الحكّام في قراراتهم وأدائهم إلى المتخصصين من جهة، والشعب من جهة ثانية؛ عبر آليات وسياقات مؤسَسية واضحة، ولا يستبدّون بقراراتهم وممارساتهم. وتتمثل هذه السياقات في المؤسسات الشورية التي تطبع جسد نظام الجمهورية الإسلامية الإيرانية بطابعها؛ من قمة النظام وحتى أدنى مستويات عمله([5]). كما تعني الشورى: أنّ دستور الدولة يعبر عن إرادة الشعب وإجماعه؛ كجزء من حقوق الشعب التي كفلها الدستور من جميع النواحي.

والشورى أيضاً هي الضمان الثاني لتطبيق العدالة في النظام الإسلامي بعد (ولاية الفقيه). ويتمظهر هذا الضمان في تدخّل الشعب في حركة النظام بمعظم تفاصيلها، ومشاركته في القرار على مختلف المستويات، وممارسته الرقابة على أجهزة الحكم. فالشعب هو الذي يشكّل مجالس الشورى؛ العامة والخاصة والمحلية والمهنية وغيرها([6]). وبذلك تكون أدوات الشورى حاضرة في كل زاوية من زوايا النظام. وبالتالي تحول قاعدة الشورى دون استبداد وتفرد أيّ سلطة أو جهاز أو مسؤول في الدولة؛ أياً كان موقعه؛ بدءاً بالفقيه الحاكم، وانتهاءً بالمجالس البلدية؛ في التشريع والتخطيط والتنفيذ.

ومن خلال نظرة فاحصة لطبيعة عمل النظام السياسي في إيران؛ نجد أنّ الشورى التي تفرزها إرادة الشعب حاضرة في جميع مفاصل الدولة. فمثلاً: إرادة الأُمّة أفرزت مجلس الخبراء، وهذا المجلس ـ بدوره ـ يختار الولي الفقيه (قائد النظام). والأخير؛ انطلاقاً من الصلاحيات الدستورية التي يمنحها له موقعه؛ يتشاور مع (مجمع تشخيص مصلحة النظام) في رسم السياسات العامة للدولة.

وبغض النظر عن رأي معظم الفقهاء القائل بعدم إلزام الشورى للولي الفقيه؛ على اعتبار أنّه يرجّح بين آراء المستشارين ويتبنى أحدها أو يعمل برأيه([7])؛ فإنّ دستور الجمهورية الإسلامية الإيرانية قرن رسم السياسات العامة للنظام من قبل الولي الفقيه؛ بالتشاور مع مجمع تشخيص مصلحة النظام([8]). كما قرن الدستور تسلّم الفقيه للولاية وتمتعه بالمسؤوليات الناشئة عنها؛ باختيار مجلس الخبراء المنتخب من الشعب له([9]).

وهذا لا يتعارض مع نظرية ولاية الفقيه التي تقوم عليها الجمهورية الإسلامية الإيرانية، والتي تذهب إلى أنّ الفقيه يتمتع بالولاية باعتباره نائباً للإمام المعصوم، وأنّه معيّن تعييناً نوعياً من المعصوم؛ كما يقول السيد محمد باقر الصدر([10])؛ لأنّ الشعب عندما يختار فقيهاً معيناً للولاية العامة، أو للحكم بالمعنى القانوني؛ دون باقي الفقهاء؛ فإنّما يقوم بعملية ترجيح بين الفقهاء جامعي شروط الولاية (الفقاهة والعدالة والكفاءة). وبهذا الترجيح؛ يكون الشعب قد حوّل الولاية التي يتساوى كل الفقهاء جامعي الشروط في التمتع بها؛ من القوة إلى الفعل([11]).

ويمارس نظام الجمهورية الإسلامية الإيرانية سلطاته وفق ثلاثة أنواع من الشورى:

الأول: الشورى أداةً لاختيار مسؤولي النظام؛ من خلال اعتماد أصوات أكثرية الشعب، ومن ذلك انتخاب صاحب السلطة الأُولى في النظام (الولي الفقيه) عبر مجلس الخبراء، وانتخاب صاحب السلطة الثانية (رئيس الجمهورية) وحكومته، وكذلك رئيس مجلس الشورى الإسلامي وأعضائه، ورئيس مجلس الخبراء وأعضائه، ورؤساء البلديات والمجالس البلدية وغيرها.

الثاني: الشورى مركزاً لاتخاذ القرار بصورة جماعية، وبأكثرية الأصوات، وذلك من خلال المجالس واللجان والدوائر المختصة؛ بدلاً من القرار الفردي. وهذا النوع تطبقه جميع السلطات الدستورية، ولا سيما في المجالات التي لا تحتاج إلى قرارات عاجلة. فمجمع تشخيص مصلحة النظام، ومجلس الشورى الإسلامي، ومجلس الخبراء، ومجلس صيانة الدستور، والمجلس الأعلى للأمن الوطني وغيرها؛ جميعها تتخذ قراراتها بالشورى ووفقاً لرأي أكثرية الأعضاء.

الثالث: الشورى أداةً لتقوية السلطة؛ إذ تمدّها بالرأي والمشورة. ولا تكون الشورى هنا في موقع اتخاذ القرار؛ بل إنّ القرار متروك فيها لصاحب السلطة؛ من خلال ترجيحه لآراء المستشارين.

وهذا النوع من الشورى يمكن مشاهدة تطبيقاته في علاقة (القائد) بمجمع تشخيص مصلحة النظام، ورئيس الجمهورية بمجلس الوزراء، ورئيس السلطة القضائية بمجلس السلطة القضائية([12]).

وأبرز المؤسسات الشورية الدستورية في الجمهورية الإسلامية الإيرانية([13]) هي:

أولاً: مجلس خبراء الدستور: منتخب شعبياً انتخاباً مباشراً، وقد تم حلّه بعد إنشاء الدستور.

ثانياً: مجلس تعديل الدستور: يتشكل عند بروز الحاجة إلى التعديل، وتخضع تعديلاته للاستفتاء الشعبي.

ثالثاً: مجمع تشخيص مصلحة النظام: مجلس معيّن، ويضم رؤساء السلطات؛ إضافة إلى أكبر قادة الدولة وحكمائها.

رابعاً: المجلس الأعلى للأمن الوطني (القومي): مجلس معيّن، ويضم قادة الدولة السياسيين والأمنيين والعسكريين.

خامساً: مجلس خبراء القيادة: منتخب شعبياً انتخاباً مباشراً، وهو الذي ينتخب قائد الدولة (الولي الفقيه).

سادساً: مجلس الشورى الإسلامي (البرلمان): منتخب شعبياً انتخاباً مباشراً.

سابعاً: مجلس صيانة الدستور: معيّن ومنتخب، ويضم نخبة صغيرة من كبار رجال الفقه والقانون.

ثامناً: مجلس الوزراء: يرشحهم رئيس الجمهورية المنتخب شعبياً، ويصوِّت عليهم مجلس الشورى الإسلامي المنتخب شعبياً.

تاسعاً: المجالس البلدية: منتخبة شعبياً انتخاباً مباشراً

3 ـ الحقوق والحريات العامة والسياسية:

تبلورت الحرية الفردية في الغرب من خلال المذهب الليبرالي الذي ترتكز عليه الديمقراطيات التقليدية. ويقول هذا المذهب: بأنّ التعارض الطبيعي بين استقلالية الفرد في سلوكه الخاص من جهة وما يقتضيه السلوك الاجتماعي للمجتمع؛ لا يُحسم على حساب حقوق الفرد؛ بل يمكن حله بواسطة التوازن بين السلوكين، وتنازل الأفراد عن بعض حقوقهم وحرياتهم لمصلحة إرادة الأكثرية([14]).

ويُعدّ “جون ستيوارت مل” (1806 ـ 1873) من أهم منظري المذهب الليبرالي، وقد طرح أفكاره الأساسية في كتاب «الحرية»؛ الذي ناقش فيه موضوع العلاقة بين الحرية والسلطة؛ بما في ذلك سلطة المجتمع وعلاقتها بحرية الفرد، ودافع عن حرية الفرد وضرورة عدم المساس بها من أيّ سلطة، وينتهي إلى القول: بأنّ ((الغاية الوحيدة التي تسوّغ للناس؛ أفراداً وجماعات؛ التدخل في حرية الفعل لأيّ عضو بطريقة مشروعة ضد الفرد؛ هو منعه من الإضرار بالآخرين أو إيذاء غيره))([15]). ويعتقد “مل” بأنّ حرية الفكر والمناقشة والرأي هي ضمانات عدم استبداد السلطة وطغيانها وفسادها([16]).

والمذهب الفردي الذي يرتكز على أصالة الفرد، ويتجسد في الديمقراطيات التقليدية الليبرالية؛ يقابله المذهب الاجتماعي الذي يرتكز على أصالة المجتمع، ويتجسد في الفكر الاشتراكي والماركسي، وهو يعطي السلطة (الدولة) حق مصادرة حرية الأفراد وحقوقهم لمصلحة المجتمع؛ إذ إنّ المجتمع هو مبدأ السلطة وحركة الجماعة.

ويعتقد مفكرو المذهب الاجتماعي بأنّ تنازل الأفراد عن حرياتهم وحقوقهم لمصلحة المجتمع هو الضمانة الوحيدة لحصول الأفراد على حرياتهم، ولكن ليس حصولاً ذاتياً ومباشراً، بل من خلال المجتمع؛ فالمجتمع هو صاحب هذه الحقوق والحريات وهو الذي يمنحها. والأنظمة الاشتراكية تختزل المجتمع في الدولة وسلطتها، وتعطي نفسها الحق في التدخل في كل مجالات الحياة الفردية والاجتماعية، وصولاً إلى قوننتها وإخضاعها لسلطة الدولة المباشرة. ولا تتصف الدولة بالقانونية لمجرد اتِّباعها أيّ قانون؛ بل باتِّباع القانون المعبِّر عن القيم والحقوق والتي تعطي للمواطن حقوقاً بمواجهة السلطة. ويستمد المواطن هذه الحقوق من نص القانون ليستطيع من خلالها تجسيد واقعه وحرياته وحقوقه بوجه السلطة.

ولا يستطيع المواطن تحقيق هذا الواقع لولا التغيير الجذري في النظرة إلى الديمقراطية الحديثة التي جاءت لتنقض نظرية الديمقراطية القديمة التي لخصها “دومينيك روسو” بقوله: ((الديمقراطية القديمة كانت تقوم على معادلة الديمقراطية من خلال القانون؛ في حين أنّ الجديدة تعبر عنها معادلة الديمقراطية من خلال الدستور)) ([17]).

ويرتكز نظام الجمهورية الإسلامية الإيرانية في رؤيته لمبادئ الحقوق والحريات على ثلاث قواعد:

أولاً: قاعدة نظرية ممثلة بالشريعة الإسلامية.

ثانياً: قاعدة نُظُمية ممثلة بدستور الجمهورية الإسلامية الإيرانية.

ثالثاً: قاعدة عملية ممثلة بتجربة النظام السياسي للجمهورية الإسلامية الإيرانية نفسه.

القاعدة الشرعية الدينية تعدّ الحقوق والحريات الإنسانية منحة إلهية؛ أي أنّ جذورها تعود إلى الله تعالى؛ فلا يحق لأيّ إنسان أن يسلب هذه المنحة من إنسان آخر، إلّا في الإطار الذي حددته الشريعة الإسلامية نفسها.

أمّا على المستوى النُظمي؛ فإنّ دستور الجمهورية الإسلامية أقرّ بأنّ <السيادة المطلقة على العالم وعلى الإنسان لله، وهو الذي يمنح الإنسان حق السيادة على مصيره الاجتماعي، ولا يحق لأحد سلب الإنسان هذا الحق الإلهي أو تسخيره في خدمة فرد أو فئة ما. ويمارس الشعب هذا الحق الممنوح من الله بالطرق المبينة>([18]). وتتمثل التجسيدات الأساسية لهذه الحقوق في جملة مبادئ، أهمها: المساواة بين البشر أمام الله والشريعة وأمام بعضهم الآخر.

وقد يكون في بعض الحقوق والحريات العامة والسياسية التي قنّنها دستور الجمهورية الإسلامية الإيرانية تعارضٌ مع الفقه السياسي الشرعي الموروث أو الفهم الشرعي التاريخي لموضوع الدولة؛ ما يمكن اعتباره تعارضاً مع أحكام الشريعة الإسلامية. بيد أنّ مدخلية الزمان والمكان في تغيير موضوعات الأحكام الشرعية من العناوين الأولية إلى العناوين الثانوية، وتجاوز الجمود على بعض الأحكام الشرعية التفصيلية في الجانب السياسي (ومعظمه مساحة متغيرات)؛ بالاستناد إلى مقاصد الشريعة؛ يجعل عملية التحديث تنسجم بالكامل مع مقصد الشريعة في عملية وجود الدولة ووظيفتها. أي أنّ المهم هو تحقيق الدولة لوظائفها الثابتة في الإسلام. أمّا الجانب الشكلي المتعلق بسلطات الدولة وصياغات قوانينها؛ فهي قضايا يدخل كثير منها في دائرة المتغيرات، ويمكن إخضاعها للاجتهاد.

وكما جاء في دستور الجمهورية الإسلامية الإيرانية؛ فإنّ الحقوق والحريات الممنوحة للإنسان من قبل الله تعالى، والتي قننها النظام السياسي للجمهورية الإسلامية في مواد دستورية؛ يمكن تقسيمها إلى تسعة أقسام من الحقوق والحريات:

حق المساواة والتكافؤ([19]).

حق الأمن([20]).

حق الحرية السياسية والاجتماعية([21]).

حق العمل([22]).

حق الضمان الاجتماعي([23]).

حق التربية والتعليم([24]).

حق السكن والإقامة([25]).

حق التظلم([26]).

وحق الملكية([27]).

كما أكدت المادة (90) من دستور الجمهورية الإسلامية الإيرانية على ضمان الحقوق الاجتماعية والاقتصادية للفرد والشعب. في حين حمل الفصل الثالث من الدستور عنوان: ((حقوق الشعب))([28]). ويمكن تصنيف مجمل هذه الحقوق ـ كما حددها الدستور ـ إلى: شخصية واجتماعية وسياسية.

وبشأن الحقوق والحريات السياسة تحديداً؛ فقد عدّ دستور الجمهورية الإسلامية الإيرانية أنّ ضمان الحريات السياسية والاجتماعية في حدود القانون هو من واجبات الدولة الإسلامية([29]). وبيّن الدستور أنواع الحقوق والحريات السياسية التي أقرّها نظام الجمهورية الإسلامية الإيرانية وألزم نفسه بتطبيقها وحدد آليات ذلك؛ على النحو التالي:

1 ـ حرية المعتقد: ((تمنع محاسبة الناس على عقائدهم، ولا يجوز التعرض لأحد أو مؤاخذته لمجرد اعتناقه عقيدة معينة))([30]).

2 ـ حرية الصحافة: ((الصحافة والمطبوعات حرة في بيان المواضيع، ما لم تخل بالقواعد الإسلامية والحقوق العامة))([31]).

3 ـ حرية الاتصال: ((الرسائل والمكالمات الهاتفية، والبرقيات، والتلكس لا يجوز فرض الرقابة عليها، أو عدم إيصالها أو افشاؤها، أو الإنصات والتجسس عليها))([32]).

4 ـ حرية تشكيل التنظيمات: ((الأحزاب، والجمعيات، والهيئات السياسية، والاتحادات المهنية، والهيئات الإسلامية، والأقليات الدينية المعترف بها، تتمتع بالحرية، شرط أن لا تناقض أُسس الاستقلال، والحرية، والوحدة الوطنية، والقيم الإسلامية، وأساس الجمهورية الإسلامية، كما أنّه لا يمكن منع أي شخص من الاشتراك فيها، أو إجباره على الاشتراك في إحداها))([33]).

5 ـ حرية الاعتراض والتظاهر: ((يجوز عقد الاجتماعات وتنظيم المسيرات بدون حمل السلاح))([34]).

    2- حاكمية الشريعة:

تتدخّل الشريعة الإسلامية في كل جوانب حركة النظام السياسي للجمهورية الإسلامية، وفي صياغة مضامينه وشكله ومؤسساته، وفي شروط من يمارس السلطة وصلاحياته. وتتجسد حاكمية الدين أو الشريعة الإسلامية في الجمهورية الإسلامية الإيرانية في إسلامية مضمون الدولة، ووجود الفقيه على رأس الدولة، وتشريعات الدولة:

أ- مضمون الدولة: الإسلامية:

يتصف النظام السياسي بالإسلامية عبر التزامه بأحكام الشريعة الإسلامية وتطبيقها في الواقع بكل تفاصيله؛ سواء تمثلت بأحكام شرعية أو قوانين أو نظم وأداء وسلوكيات عامة وخاصة. وتتمثّل المنظومة القانونية في نظام الجمهورية الإسلامية في دستوره الإسلامي والأحكام الشرعية الولائية والقوانين والقرارات المطابقة لقواعد الشريعة الإسلامية، والتي تصدرها الأجهزة المختصة، وأبرزها مجلس الشورى الإسلامي (البرلمان).

وقد ذكر الإمام الخميني في محاضراته الفقهية المجموعة في كتاب «الحكومة الإسلامية»: إنّ قانونية الحكومة الإسلامية تعني ((التقيد بمجموعة الشروط والقواعد المبينة في القرآن الكريم والسنة الشريفة، والمتمثلة بوجوب تطبيق أحكام الإسلام وقوانينه… الحكومة الإسلامية هي حكومة القانون الإلهي))([35])؛ ((فلا مجال للآراء والأهواء في حكومة الإسلام، وإنّما النبي والأئمة والناس؛ يتبعون إرادة الله وشريعته))([36]).

ويختلف دستور الجمهورية الإسلامية الإيرانية عن دساتير الأنظمة السياسية في بلدان المسلمين الأُخر التي اكتفت بالنص على أنّ ((الإسلام دين الدولة))؛ فقد أكد دستور الجمهورية الإسلامية الإيرانية أنّ قواعد الشريعة الإسلامية هو المصدر الوحيد للدستور وللقوانين كافة. وحدد لهذا الغرض سياقات وآليات حازمة؛ تمنع صدور أيّ قانون وقرار ولائحة ونظام وحكم لا يتطابق وقواعد الشريعة الإسلامية. كما حدد آليات صارمة لتطبيق هذه القوانين وتحويلها إلى واقع قائم في جميع مجالات حركة الدولة والشعب([37]).

    ب- رئيس الدولة: الولي الفقيه:

تحدد الشريعة الإسلامية لرئيس الدولة (الفقيه الحاكم) موقعه ومواصفاته وصلاحياته، وتتدخل إرادة المتخصصين من نواب الشعب في استنباط مواصفات هذا الموقع وصلاحياته من الأُصول الإسلامية؛ ثم تقنينه دستورياً؛ وصولاً إلى اكتشاف الشخص الذي تنطبق عليه المواصفات. ويشدد الإمام الخميني في محاضراته «الحكومة الإسلامية» على لزام أن يكون ((حاكم المسلمين عالماً بالقانون؛ كما ورد ذلك في الحديث، وكل من يشغل منصباً أو يقوم بوظيفة معينة؛ فأنّه يجب عليه أن يعلم في حدود اختصاصه وبمقدار حاجته، والحاكم أعلم من كل من عداه)) ([38]).

ويقصد الإمام الخميني بالقانون هنا: قوانين الشريعة الإسلامية حصراً. ولذلك كان لزاماً على حاكم المسلمين أن يكون عالماً بالشريعة الإسلامية؛ أي مجتهداً فقيهاً؛ لأنّ أهم وظيفة لحاكم المسلمين هي تشخيص تطابق قوانين الدولة مع قواعد الشريعة الإسلامية، والإشراف على تطبيقها، وأن يكون معياراً في تحديد المصالح والمفاسد الشرعية. وعليه لا يستطيع من يقوم بهذه الوظيفة إلّا أن يكون عالِماً متبحراً في الشريعة الإسلامية؛ بكل علومها ومناهجها الشرعية والعقلية.

وبما أنّ الولي الفقيه الحاكم يعبر عن موقف الشريعة الإسلامية إزاء تشريعات الدولة؛ كان لزاماً على الدولة توحيد موقفها الشرعي مقابل تعدد اجتهادات الفقهاء، وتعارضها أحياناً؛ بالنظر لوجود أكثر من مرجع ديني وعشرات الفقهاء، على مستوى المذهب، ولذلك كان قرار الدولة يتمثل في اعتماد فتاوى وأحكام الولي الفقيه الحاكم؛ المبايَع من الشعب عبر البيعة المباشرة؛ كما هو الحال مع الإمام الخميني، أو عبر الانتخاب كما هو الحال مع آية الله الخامنئي.

وقد اعتمدت أجهزة الدولة في فترات الفراغ التقنيني؛ سواء في بداية تأسيس الجمهورية الإسلامية أو بعدها؛ كتابي «تحرير الوسيلة» باللغة العربية و«توضيح المسائل» باللغة الفارسية؛ اللذين يحتويان على فتاوى الإمام الخميني، ويسميان (الرسالة العملية) في العرف الحوزوي الشيعي؛ لسد الفراغ القانوني.

وكان (مجلس صيانة الدستور) قد أعلن في كتابه الصادر في 20 تشرين الثاني/ اكتوبر من العام 1982 أنّ أيّ تشريع تصدره الجهات المختصة؛ بمن فيها مجلس الشورى الإسلامي؛ يتعارض مع فتاوى الإمام الخميني المثبتة في كتابي «تحرير الوسيلة» و«توضيح المسائل» سيتم نقضه، وهو الأمر نفسه مع قرارات وأحكام السلطة القضائية، وعليها ـ في حالات الفراغ التقنيني ـ استحصال فتاوى مباشرة من الإمام الخميني([39]).

ت- التشريعات:

تستمد الدولة الإسلامية وسلطاتها شرعيتها الدينية من الأُصول الإسلامية وتفاصيلها الاجتهادية، وفق قواعد النظرية السياسية الإسلامية([40]). وقد قنن دستور الجمهورية الإسلامية الإيرانية هذا المبدأ العقدي الفقهي، وحوّله إلى مواد دستورية؛ أكد فيها على أنّ جميع تشريعات الدولة يجب أن تستند إلى الشريعة الإسلامية بالكامل؛ بالشروط التي وضعها الدستور على سلطة التقنين (التشريع) وجميع سلطات الدولة([41]).

وكان الإمام الخميني يقرن قانونية الدولة الإسلامية وسيادة القانون فيها بتمسكها بالشريعة الإسلامية وأحكامها.. تشريعاً وتطبيقاً؛ إذ يقول: ((إنّ القائمين بالأمر يتقيدون بمجموعة من الضوابط والقواعد المبيّنة في القرآن الكريم وسنة الرسول الأكرم(ص). وتتمثل هذه الضوابط والقواعد في مجموعة الأحكام والقوانين التي وضعها الإسلام والتي يجب مراعاتها وتطبيقها. ومن هنا كانت الحكومة الإسلامية حكومة القانون الإلهي على الشعب))([42]).

وأهم أداة قننها دستور الجمهورية الإسلامية الإيرانية لضمان تطابق تشريعات مجلس الشورى الإسلامي مع أحكام الشريعة الإسلامية وغاياتها، هو (مجلس صيانة الدستور)؛ كما مرَّ تفصيله في موضوع الرقابة الدستورية.

3-  حاكمية القانون:

تتمثل المعايير الأساسية لحاكمية القانون في الدولة الحديثة بخمسة معايير: سيادة القانون، سمو الدستور، تدرج القواعد القانونية، الفصل بين السلطات والرقابة.

 أ- سيادة القانون:

سيادة القانون تعني: أنّ المنظومة القانونية للدولة، والتي تعبر عن إرادة الهيئة الناخبة العامة (الشعب) هي فوق جميع الإرادات؛ بمن فيها إرادة الحاكم الأعلى والهيئات الحاكمة الأُخر ومؤسسات الدولة، وأنّ جميع هؤلاء يخضعون للقانون بكل قواعده وأحكامه وإلزاماته وسياقاته؛ دون أيّ تمييز بين حاكم ومواطن، أو بين سلطة وأُخرى؛ تنفيذية كانت أم تشريعية أم قضائية. و((كما يحاسَب الفرد ويعاقَب من قبل الدولة (القضاء) على مخالفة ارتكبها؛ فإنّ الفرد أيضاً يحاسِب الدولة ويعاقبها من خلال القضاء))([43]).

والقانون يحدد العلاقة بين الجميع؛ فلا القانون فوق أحد ولا تحت أحد. ولكي ((تقوم الدولة القانونية يلزم أن يتوافر لها ضمانات معينة يتمثل أهمها بوجود دستور، وبتطبيق مبدأ الفصل بين السلطات، واحترام مبدأ سيادة القانون، وبتدرج القواعد القانونية، وكذلك تنظيم رقابة قضائية، وأخيراً حماية الحقوق والحريات الفردية))([44]).ةكما يجب أن تخضع جميع الهيئات الحاكمة في الدولة القانونية للقواعد القانونية السارية، وتتقيد بها، شأنها في ذلك شأن المواطنين العاديين. ويعني ذلك خضوع جميع أوجه نشاط الدولة في التشريع والتنفيذ والقضاء للقانون([45]). ويعني هذا المبدأ ـ في تفاصيله ـ أيضاً خضوع السلطة التنفيذية في ممارستها لوظائفها للسلطة التشريعية؛ بحيث لا تقوم على تصرف معيّن إلا تنفيذاً للقانون أو بمقتضى القانون.

والنظرية السياسية الإسلامية سباقة في تثبيت دعائم الدولة القانونية؛ بكل تفاصيلها؛ فكانت الدولة الإسلامية في عصر النبي(ص) وعهود الشرعية؛ دولة القانون المتمثل بأحكام الشريعة الإسلامية، وهو أرقى قانون مدوّن عرفته البشرية. وبصرف النظر عن ألوان التطبيق الذي شهد في عصور الدول السلطانية الحاكمة باسم الإسلام؛ انحرافاً في تكييف القانون وتطبيقه؛ فإنّ المعيار في فهم قانونية الدولة الإسلامية هو الأُصول المقدسة (القرآن الكريم والصحيح من السنة الشريفة).

ويتضح ذلك من خلال تشديد أحكام الشريعة على خضوع الجميع لأحكام القانون؛ دون تمييز بين حاكم ومحكوم، وبين عربي وأعجمي، وبين أسود وأبيض. فضلاً عن توزيع السلطات، والرقابة على شرعية الأحكام وتطبيقها؛ سواء من القضاء أو من ولي الأمر، أو من عامة الناس. وقننت الشريعة إلزامات لتطبيق القانون من خلال أحكام شتى؛ كالإلزام بالحكم بما أنزل الله {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَآ أَنزَلَ اللهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ}([46])، والوفاء بالعهد والعقد والشرط {وَأُوْفُواْ بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُوْلَاً}([47])؛ فضلاً عن التأكيدات الأخلاقية للالتزام بأحكام القانون (الشريعة).

وانعكس مبدأ سيادة القانون؛ كما أقرّته الشريعة الإسلامية وقننه القانون الوضعي؛ على نظرية القانون الدستوري في الجمهورية الإسلامية الإيرانية ودستورها ونظامها السياسي؛ فكان ركناً أساسياً في منظومتها القانونية وتشكيل سلطاتها وسياقات عمل أجهزتها، وفي العلاقة بين الشعب والهيئات الحاكمة. فإذا لم يلتزم النظام السياسي الإسلامي بالقانون؛ زالت عنه صفة الإسلامية.

وفي إطار مبدأ سيادة القانون؛ فإنّ جميع مواطني الدولة متساوون أمام القانون؛ بدءاً برئيس الدولة (الولي الفقيه ـ القائد) وانتهاء بأيّ مواطن عادي، وليس لأيّ مسؤول في الدولة حصانة أمام القانون؛ بمن فيهم القائد؛ فهو مسؤول عن تصرفاته وأدائه الشخصي والرسمي، وموقفه أمام القانون كموقف رئيس الجمهورية أو رئيس مجلس الشورى أو رئيس القضاء؛ وكأيّ مواطن آخر في الدولة.

وتنص المادة (107) من دستور الجمهورية الإسلامية الإيرانية على أن <يتساوى القائد مع كل أفراد البلاد أمام القانون>، فضلاً عن باقي مسؤولي الدولة. وهذه المادة توضح أصالة التعارض بين الحكم الإسلامي وحصانة الحاكم أو أيّ من أعضاء الهيئات الحاكمة.

وفضلاً عن المادة (107)؛ فإنّ هناك مواد أُخر في دستور الجمهورية الإسلامية الإيرانية تؤكد مبدأ سيادة القانون في الجمهورية الإسلامية؛ منها المادة (174) التي نصت على وجود دائرة قضائية خاصة تعرف بدائرة التفتيش العام: <انطلاقاً من حق السلطة القضائية في الإشراف على حسن سير الأُمور، والتنفيذ الصحيح للقوانين في المؤسسات الإدارية؛ يتم تشكيل دائرة باسم (دائرة التفتيش العام) تحت إشراف رئيس السلطة القضائية>، وكذلك تشكيل محكمة مختصة أُخرى تعرف بـ (محكمة العدالة الإدارية) تفصل في شكاوى الناس ضد الحكومة وقراراتها وأجهزتها([48]).

ونصّت مادة أُخرى على تشكيل محكمة أُخرى خاصة بالقضاة؛ تفصل في الشكاوى الموجهة ضد القضاة. ولم يسمح الدستور بإيجاد محاكم سياسية أو عسكرية خارج السلطة القضائية([49]) للحيلولة دون وقوع مخالفات قانونية.

وقد أكد الإمام الخميني في قراراته وبياناته وخطبه مبدأ سيادة القانون؛ فقال: ((ليس لأحد أن تكون بيده الحكومة المطلقة؛ وإنّما الجميع يعملون طبق القانون، وهم مجرد منفذين له وحسب))([50])، ويقول: ((نريد أن نكون دولة يحكمها القانون فقط، ولا يحكم أحد بغير القانون، ويكون الجميع منفذين للقانون))([51])، ويقول أيضاً: ((إذا خضعنا جميعاً للقانون، وإذا احترمنا القانون؛ فلن يحصل أيّ خلاف. إنّ الخلافات تحدث حين يتم تجاوز القانون))([52]).

ب- سمو الدستور:

وجود الدستور وضمانات تطبيقه وسموّه هو أحد أهم معايير قانونية الدولة؛ لأنّه يعني تحديد جميع سلطات الدولة وهيئاتها الحاكمة، ويحول دون إطلاق يد الحاكم، ويؤكد حريات الشعب وحقوقه. كما يعني سموّ الدستور صيانة وثيقته التي تعبر عن إرادة الشعب، والحؤول دون تجاوز مواده، أو تعديلها وفق رغبات الهيئة الحاكمة. ولسموّ الدستور حالتان: شكلية، وموضوعية. فالسموّ الشكلي يعني: أنّ الدستور يضع ((شروطاً معقدة لتعديل النص الدستوري. من هنا، يتبدى السموّ الشكلي محققاً السموّ القانوني ذا الطابع الملزم. هذا السموّ يسري على جميع القواعد التي يحتويها الدستور؛ بصرف النظر عن موضوع هذه القواعد ومضمونها…

إنّ أهم دور للسموّ الشكلي في الدستور، هو أنّه يشكل الحاجز الأساسي بوجه السلطة التشريعية من أن تسنّ قوانين تخرج عن قواعده أو تخالف أحكامه. هذا الواقع ينبثق عنه تمايز ملموس ما بين القاعدة الدستورية والقانون العادي. والسلطة التشريعية من جانبها تلتزم في تشريعاتها وقوانينها بنصوص دستور الدولة؛ نظراً إلى علو القانون الدستوري على غيره من القوانين، وسموّه على كل السلطات في الدولة، وهذه القاعدة تعرف بـ (دستورية القوانين)؛ بمعنى أنّ أيّ تشريع يصدره البرلمان على خلاف الدستور في الشكل أو المضمون، يعدّ تشريعاً غير دستوري.

وتحديد عدم دستورية القوانين وإيقافها ومنع تطبيقها يقع على عاتق جهاز معين في الدولة، له تسميات تختلف من دولة إلى أُخرى، وغالباً ما يكون هذا الجهاز تابعاً للسلطة القضائية، ويتمثل بمحكمة عادية أو خاصة أو إحدى المحاكم العليا. وتعتمد معظم الأنظمة الديمقراطية هيئة قضائية تتميز بوضع خاص تعرف بالمحكمة الدستورية. ويرفض القانون الدستوري أن يكون الجهاز تابعاً للحكومة (السلطة التنفيذية) أو البرلمان (السلطة التشريعية)؛ لأنّ ذلك سيوفر لهما أرضية الاستبداد بالسلطة والقرار، أمّا إذا كان مستقلاً فأنّه سيتحول إلى سلطة جديدة قائمة بذاتها))([53]).

أمّا السموّ الموضوعي: فأنّه ((يحتل الدرجة الثانية بعد السمو الشكلي؛ لأنّ الديمقراطيات الحديثة تعتبر أنّ تدعيم مبدأ الشرعية وتوسيعه، ومنع التفويض في الاختصاصات الدستورية ـ إلّا عند تطرّق النص الدستوري إلى هذا التفويض ـ من المسلمات الأساسية الواجب عدم المساس بها))([54]).

وقد اتجهت الجمهورية الإسلامية الإيرانية منذ الأيام الأُولى لتأسيسها إلى إيجاد دستور دائم لها؛ حددت فيه ضمانات صيانته وسموّه؛ عبر مجلس خاص يضمن دستورية قوانين السلطة التشريعية، فضلاً عن رقابة من الفقيه الحاكم (رئيس الدولة)، ورقابة من رئيس الجمهورية، ورقابة برلمانية، ورقابة قضائية. وتحوّلت هذه المبادئ إلى مؤسسات تقوم بمهامها المطلوبة.

وقد جاءت شرعية دستور الجمهورية الإسلامية ومشروعيته من ثلاث جهات:

1 ـ كونه دستوراً إسلامياً مقيداً بالشريعة الإسلامية وأحكامها ومقاصدها. وهو تعبير عن الشرعية الدينية الذاتية المنسجمة مع عقيدة الأكثرية الساحقة للشعب الإيراني.

2 ـ كونه دستوراً يعبر عن إرادة الشعب وأهدافه، وذلك من خلال انتخاب الشعب لأعضاء مجلس تدوين الدستور (مجلس خبراء الدستور)، ثم استفتاء الشعب العام على الدستور. وهو ما يمكن التعبير عنه بالمشروعية القانونية.

3 ـ مصادقة ولي الأمر الشرعي (المرجع الديني الحاكم) على الدستور؛ أي إمضائه الشرعي للدستور. ويعبر هذا الإمضاء عن الشرعية الدينية الخارجية.

أمّا ضمانة دستورية قوانين الجمهورية الإسلامية؛ بمعنى إلزام السلطة التشريعية بأن تكون قوانينها وقراراتها مطابقة للدستور؛ فقد تمثلت بتشكيل محكمة فقهية دستورية مستقلة؛ لا تخضع لأيّ سلطة في الدولة؛ اسمها: (مجلس صيانة الدستور)؛ <بهدف ضمان مطابقة ما يصادق عليه مجلس الشورى الإسلامي مع الأحكام الإسلامية والدستور>([55]). ويختلف مجلس صيانة الدستور في إيران عن المحاكم الدستورية المعروفة في الأنظمة الأُخر في أربعة مجالات:

الأول: إنّ مجلس صيانة الدستور لا يتبع السلطة القضائية؛ بل هي هيئة مستقلة، نصف أعضائها من فقهاء الشريعة، ونصفهم الآخر من رجال القانون([56]).

الثاني: لمجلس صيانة الدستور صفة مزدوجة: فقهية وقانونية؛ أي أنّ عمله لا يقتصر على النظر في دستورية القوانين؛ بل يشتمل على مراقبة شرعية القوانين أيضاً؛ بمعنى عدم تعارضها مع أحكام الشريعة الإسلامية؛ على اعتبار أنّ هذه الأحكام هي إطار القوانين التي يصدرها مجلس الشورى الإسلامي. وهذه الصفة الفقهية تدخل في إطار دستورية القوانين أيضاً؛ إذ أقرَّ الدستور الإيراني إسلامية الدولة ونظامها السياسي وجميع قوانينها، وأن تكون جميع هذه القوانين مطابقة لقواعد الشريعة الإسلامية([57]).

الثالث: إنّ جميع ما يصدر عن مجلس الشورى الإسلامي من لوائح وقوانين وقرارات يُعرض على مجلس صيانة الدستور، وفي حال إقرار الأخير لها تكون مشروعة؛ أي أن مجلس صيانة الدستور لا ينظر في الحالات والشكاوى التي تعرض عليه؛ بل أن جميع القوانين تمر عبره([58]). وهو بذلك يجمع بين صفة المحكمة الدستورية في طبيعة عملها، وصفة المجلس الثاني (في الدول التي تعتمد نظام المجلسين) في مساحة العمل. مع الفارق أنّ مجلس صيانة الدستور ليس له صفة تشريعية؛ بل تحكيمية فقط.

الرابع: إنّ وظائف مجلس صيانة الدستور لا تقتصر على الجانب التحكيمي؛ بل الرقابي أيضاً، فهو معني بمطابقة توافر الشروط الدستورية والقانونية على مرشحي البرلمان ورئاسة الجمهورية، وكذلك مراقبة كل أنواع الانتخابات، وتلقي الشكاوى بشأنها والمصادقة على صحتها([59]).

ت- تدرج القواعد القانونية:

قاعدة تدرج القواعد والنصوص هي العمود الفقري في بناء الدولة القانونية وإدارتها القانونية؛ بحيث إنّ جميع نشاطات الدولة والإدارة ترتبط بالقاعدة المذكورة برابطة السببية والتلازم([60]). ويعني ذلك أنّ النظام القانوني للدولة يبدأ من قمة هرمه، والمتمثل بالدستور الحاكم على جميع القوانين الأُخر، ومعيار صحتها وخطئها. ثم تأتي بعد ذلك الأوامر الولائية للقائد (على خلاف بين بعض فقهاء الشريعة بشأن أولوية التدرج بين الدستور والحكم الولائي)، وتشريعات البرلمان، وقرارات مجلس تشخيص مصلحة النظام، وقرارات مجلس صيانة الدستور، ولوائح وقرارات السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية، والأنظمة الداخلية للأجهزة الدستورية في الدولة. فتكون علاقة التدرج هنا علاقة النص القانوني الحاكم الأعلى بالنص القانوني الأدنى، والحاكم في الوقت نفسه على القانون الذي يليه([61]).

ث- الفصل بين السلطات:

ويعبّر عنه علماء السياسة وفقهاء القانون الدستوري بالفصل بين السلطات أو توزيع السلطات أو تقسيمها، والمراد بها السلطات الرأسية في الدولة. وظهرت الفكرة في أُوروبا كردّ فعل على الاستبداد والحكم المطلق وتركيز السلطة بيد الملك. والذي بلور المبدأ على نحو منهجي وأرسى أُصوله هو المفكر السياسي الفرنسي “مونتسكيو” في كتابه «روح القوانين»؛ حتى نسب إليه، وكان هدفه حماية الحريات، ومنع إساءة استخدام السلطة، والاعتدال والموازنة بين السلطات([62])، إضافة إلى قيام قدر من التعاون والتنسيق والرقابة المتبادلة فيما بينها([63])؛ بحيث لا يكون مشرّع القانون (البرلمان) هو نفسه منفّذ القانون (الحكومة)، وهو نفسه الرقيب على حسن تطبيق القوانين (القضاء)؛ إذ إنّ الجمع بين السلطات هذه سيؤدي إلى الاستبداد والحكم المطلق.

وتقسيم السلطات في الدولة إلى ثلاث: تنفيذية، وتشريعية، وقضائية، هي من نقاط الاشتراك الأساسية بين الأنظمة الديمقراطية ونظام الجمهورية الإسلامية الإيرانية؛ إلّا أنّ الأخير يتميز عن الأنظمة الديمقراطية بوجود سلطة عليا هي سلطة الولي الفقيه (رئيس الدولة ـ القائد)، التي تشرف على أعمال السلطات الثلاث، وتنسق فيما بينها، وتتدخل في المجالات التي حددها القانون. وهذا التوزيع الذي اعتمده النظام السياسي الإسلامي الحديث يجمع بين مساحة الحكم التي يعطيها مبدأ ولاية الفقيه للفقيه الحاكم، وهي المساحة التي تشبه في حجمها مساحة حكم النبي(ص) والإمام(ع)؛ باعتباره مركزاً للسلطات الثلاث، وبين متطلبات العصر وتوسع الدولة وتضخم وظائفها وأعمالها([64]). وقد أشار الإمام الخميني إلى موضوع الفصل بين السلطات في الدولة الإسلامية بقوله: ((وهكذا قرّر الإسلام إيجاد سلطة التنفيذ إلى جانب سلطة التشريع))([65])، و((سلطة القضاء غير هاتين السلطتين))([66]).

أمّا سلطة الفقيه الحاكم (القائد) فهي فوق هذه السلطات، ولكنها ليست فوق القانون؛ بل إنّها ـ كباقي السلطات ـ خاضعة له. وأقرّ دستور الجمهورية الإسلامية الإيرانية مبدأ الفصل بين السلطات وتوزيعها، واعتبارها سلطات ناشئة عن سيادة الشعب([67]). فقد جاء في المادة (57) من الدستور: ((السلطات الحاكمة في الجمهورية الإسلامية الإيرانية هي: السلطة التشريعية، والسلطة التنفيذية، والسلطة القضائية، وتمارس صلاحيتها بإشراف ولي الأمر وإمام الأُمّة)).

ويمكن إعطاء صورة أكثر واقعية عن العلاقة بين السلطات الأربع في الجمهورية الإسلامية؛ تختلف عن الصورة التقليدية التي تطرحها الديمقراطية؛ رغم أنّ السلطات في كلا النظامين تحمل التسميات نفسها؛ إلّا أنّ الفارق النظري بين الصورتين يفرض الصورة المختلفة للعلاقة بين السلطات في الجمهورية الإسلامية، وهي على النحو التالي:

أولا: السلطة العليا: هي سلطة القيادة المتمثلة برئيس الدولة (الولي الفقيه)، وهي تشرف على السلطات الثلاث وتنسق بينها، وتقوم بتعيين رئيس السلطة القضائية والمصادقة على انتخاب رئيس الجمهورية أو عزله، وتعيين الأعضاء الفقهاء في مجلس صيانة الدستور، وتعيين أعضاء مجمع تشخيص مصلحة النظام.

ثانياً: السلطات الرئيسة الثلاث: التشريعية، والتنفيذية، والقضائية، وهي أجهزة الدولة الأساسية:

1- السلطة التنفيذية: وهي السلطة الأُولى بعد سلطة القائد، وتتمثل برئيس الجمهورية. ويقوم رئيس السلطة التنفيذية (رئيس الجمهورية) بطرح تشكيلته الحكومية على مجلس الشورى الإسلامي لإقرار أعضائها، كما يستطيع مجلس الشورى التصويت على عدم كفاءة رئيس الجمهورية بهدف عزله أيضاً.

وفي الوقت نفسه يمتلك رئيس الجمهورية حق مراقبة السلطات الأُخر من ناحية التزامها بالدستور وبتطبيق القوانين. ومهمة التنسيق بين السلطة التنفيذية والقيادة العامة للقوات المسلحة تقع على عاتق وزارة الدفاع. أمّا التنسيق بين السلطتين التنفيذية والقضائية؛ فهي مهمة وزير العدل. كما أنّ القائد يفوّض ـ عادة ـ وزير الداخلية في الإشراف على القيادة العامة لقوى الأمن الداخلي.

2 ـ السلطة التشريعية: وتتمثل بمجلس الشورى الإسلامي؛ الذي يصادق على أعضاء الحكومة، ويمكنه عزلهم، ويصوّت على اختيار خبراء القانون الذين يقترحهم رئيس السلطة القضائية كأعضاء في مجلس صيانة الدستور.

3- السلطة القضائية: وهي تقترح الأعضاء الحقوقيين في مجلس صيانة الدستور؛ لكي يقرّهم مجلس الشورى الإسلامي، ولديها أجهزة لمراقبة السلطة التنفيذية مالياً وإدارياً. وتقوم وزارة العدل بتنسيق العلاقة بين السلطتين التنفيذية والقضائية. كما أنّ رئيس السلطة القضائية يرشح وزير العدل ليقوم رئيس الجمهورية بتعيينه في هذا المنصب بعد مصادقة مجلس الشورى الإسلامي.

ثالثاً: السلطات الفرعية: المجالس البلدية، ومجالس الشورى الفرعية، وهي السلطات القاعدية التي تربط بين سلطات الدولة والمجتمع المدني.

ورغم أهمية تقسيم السلطات والفصل بينها، إلّا أنّ عدم التوازن في عملية الفصل الناتجة عن ضعف التنسيق بين السلطات وعدم وجود سلطة مرجعية عليا؛ يخلق الكثير من المشاكل في مسيرة الدولة، فضلاً عن التعددية في مراكز رسم السياسات والتخطيط والقرار، وبالتالي ستحاول كل سلطة وضع العقبات للسلطات الأُخر؛ بهدف إضعافها، أو الاستئثار بالسلطة.

هذا الأمر جعل العديد من علماء السياسة يعتقدون بأن مبدأ الفصل بين السلطات مبدأ نظري بحت لا يمكن تحقيقه في الواقع العملي؛ لأنّ هناك استحالة في فصل الهيئات المختلفة من الدولة عن بعضها؛ فهي بمثابة الأعضاء في الجسم البشري أو الأجزاء المكوّنة للآلة([68]). كما أن تطبيق هذا المبدأ في بعض الدول تمخض عنه سيطرة سلطة معينة على بقية السلطات العامة في الدول، مما قضى على الهدف من المبدأ([69]).

وحين تأسس نظام الجمهورية الإسلامية الإيرانية؛ فأنّه لم يواجه مثل هذه الإشكالات؛ رغم أنّه اعتمد مبدأ الفصل بين السلطات الثلاث، والسبب يعود إلى وجود سلطة مرجعية عليا هي سلطة الفقيه الحاكم (الإمام ـ القائد)، وهي سلطة تمثل محور النظرية السياسية الإسلامية؛ حتى قبل تأسيس الجمهورية الإسلامية الإيرانية. وبذلك أوجد النظام السياسي للجمهورية الإسلامية تكييفاً قانونياً وعملياً لتلك الإشكالية نابعاً من النظرية السياسية الإسلامية نفسها؛ إذ تقوم سلطة القائد بالتنسيق بين السلطات، وترفع أيّ عقبة يمكن أن تضعها إحدى السلطات في طريق الأُخرى، وتقلل من نسب الانحراف والفساد في عمل هذه السلطات.

وقد أشار دستور الجمهورية الإسلامية الإيرانية إلى أنّ من أبرز وظائف هذه السلطة هو تعيين السياسة العامة للنظام، والإشراف على حسن إجرائها، وحل الاختلافات وتنظيم العلاقات بين السلطات الثلاث، وحل مشكلات النظام التي لا يمكن حلها بالطرق العادية. وقد حقق هذا الموقف بين السلطات توازناً وتعاوناً وتنسيقاً بالضرورة؛ وإن كانت كل سلطة تخضع لحزب أو تيار سياسي مختلف. وباتت علاقة التعاون بين هذه السلطات، إضافة إلى وجود السلطة العليا، يشكّلان ضمانة عملية لحل الإشكاليات التي يتحدث عنها علماء السياسة والقانون بشأن السلبيات الناتجة عن تطبيق مبدأ الفصل بين السلطات([70]).

وتقسيم السلطات في النظام السياسي للجمهورية الإسلامية الإيرانية ليس تقسيماً قهرياً؛ بل يخضع إلى معايير شرعية وفنية؛ إذ يجمع بين أصالة الشريعة، وعصرية القانون، ومهنية الأداء. ومن أهم هذه المعايير:

1 ـ كونه نظاماً إسلامياً في جوهره.

2 ـ كونه نظاماً قيادياً في شكله.

3 ـ كونه نظاماً ديمقراطياً شعبياً في أدائه.

4 ـ كونه نظاماً في دولة قانونية حديثة.

5 ـ التخصص والفائدة والإنتاجية في أُسلوب الفصل المعتمد بين السلطات.

ث- الرقابة:

وضع دستور الجمهورية الإسلامية الإيرانية منظومة دقيقة للرقابة والإشراف والتحكم([71]). وهي على وجهين:

الأول: الرقابة الذاتية، وقد حددها بالشروط والمواصفات التي يجب أن يتمتع بها المسؤول؛ كالعدالة والتقوى ـ مثلاً ـ وهما يقابلان الظلم والاستبداد والفسق؛ أي أنّ هذا النوع من الرقابة يردع المسؤول ذاتياً ويجنبه ارتكاب الظلم والفسق.

الثاني: الرقابة الخارجية؛ فإذا عجزت الرقابة الذاتية عن تحقيق أهداف العدل والإنصاف والنزاهة والاستقامة والكفاءة؛ لأيّ سبب من الأسباب؛ تأتي الرقابة الخارجية المتمثلة بأحكام الشريعة والقوانين ومؤسسات الرقابة([72]).

وحدد دستور الجمهورية الإسلامية الإيرانية سبعة أنواع متشابكة من الرقابة والتحكم والإشراف؛ تكمل بعضها البعض، وعلى النحو التالي:

أولاً: الرقابة الشعبية:

يمكن القول إنّ العقيدة الإسلامية للشعب تفرض عليه مراقبة عمل الدولة، والتعبير عن رضاه أو عدمه عن أداء المسؤولين؛ من خلال التصويت والانتخابات، ومختلف مظاهر الاعتراض والمطالبة، وهو تعبير عن الدعوة إلى الخير وممارسة النصيحة وتفعيل مبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر([73]). كما أنّ الفقهاء العدول ـ خارج السلطة ـ يعبِّرون عن موقف الشعب عبر تقديم رؤاهم الاجتهادية، ومراقبة تشريعات الدولة وممارستها للسلطة. وتمثل رقابة الشعب العمود الفقري لمنظومة الرقابة في الجمهورية الإسلامية.

ثانياً: رقابة الولي الفقيه (القائد):

وضعت المادة (57) من دستور الجمهورية الإسلامية الإيرانية أداء السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية تحت إشراف الولي الفقيه (القائد)، وهو أحد ضمانات ممارستها لوظائفها بشكل دقيق وسليم([74]). وفي هذا المجال يقول الإمام الخميني: ((إنّ الذي يحول دون تحول رئيس الجمهورية إلى دكتاتور، ولا يسمح لقائد الجيش أو الشرطة أو الدرك أو رئيس الوزراء بأن يمارسوا الدكتاتورية؛ إنّما هو الفقيه. إنّ الفقيه الذي عيّنته الأُمّة وصار إماماً لها؛ هو الذي يريد إزالة الدكتاتورية ومكافحة مظاهرها، ويجعل الجميع ينضوون تحت راية الإسلام، ويقيم حكومة تتبع القانوني))([75]).

ثالثاً: رقابة مجلس خبراء القيادة:

يتحمل مجلس خبراء القيادة مسؤولية الرقابة على الولي الفقيه (القائد)، والتحقيق في استمرار شروط الفقاهة والعدالة والكفاءة فيه؛ فإذا ما فقد بعضها؛ يستطيع المجلس عزله وانتخاب آخر محله([76]).

رابعاً: رقابة السلطة التنفيذية:

من أبرز مهام رئيس الجمهورية (رئيس السلطة التنفيذية)؛ مراقبة تطبيق جميع سلطات الدولة للدستور؛ إلّا فيما يرتبط بمسؤوليات القائد؛ بصفته صاحب المنصب الثاني في النظام من حيث التراتبية الوظيفية بعد القائد([77]).

خامساً: الرقابة البرلمانية:

تقوم السلطة التشريعية المتمثلة بالبرلمان بمهمة الرقابة على سلطات الدولة من خلال الآليات التالية:

1 ـ الرقابة الإدارية؛ إذ يراقب مجلس الشورى الإسلامي أداء الحكومة؛ بدءاً برئيس الجمهورية والوزارات وانتهاءً بالهيئات والمؤسسات الحكومية الأُخر. وفي حال وجد مخالفة قانونية أو إدارية فأنّه يقوم باستدعاء الرئيس أو أيّ من الوزراء؛ وصولاً إلى استجوابهم وحجب الثقة عنهم([78]).

2 ـ الرقابة المالية عبر مؤسسة (ديوان المحاسبة) (ديوان محاسبات)؛ إذ تقوم الحكومة قبل مطلع السنة المالية بتقديم لائحة موازنة العام القادم إلى مجلس الشورى الإسلامي؛ فيقوم المجلس بدراستها وتعديلها انسجاماً مع الخطة الثلاثية أو الخمسية المقررة، ثم يقوم المجلس بإعداد قانون الموازنة بنفسه. وبعد أن يرسل قانون الميزانية للدولة؛ يعمد ديوان المحاسبة إلى مراقبة صرفيات الحكومة والقضاء وأجهزة الدولة الأُخر مراقبة مباشرة. وفي حال تأكد لديه وجود أيّ تجاوز للقانون؛ فأنّه يحيل الجهة المتخلفة إلى القضاء([79]).

3 ـ هناك مؤسسات دستورية يشترط القانون حضور ممثلين دائمين من أعضاء مجلس الشورى فيها؛ ليقوموا بدور المشاركة في القرار والرقابة؛ كمجلس تعديل الدستور والمجلس الأعلى للأمن الوطني ومجمع تشخيص مصلحة النظام وغيرها([80]).

سادساً: الرقابة الدستورية:

من أهم وسائل الرقابة على القوانين وضمان خضوعها للدستور خضوعاً مباشراً هي الأدوات التي يضعها الدستور في هذا المجال؛ فيكون القانون دستورياً ونافداً؛ إذا وافق الدستور وقواعده ومبادئه، وإذا خالفها لا يكون دستورياً، ويرفض من قبل السلطة المختصة. وتختلف الدساتير في تحديد هذه السلطة وأساليب عملها؛ فهناك دساتير تخصص محكمة خاصة تابعة للقضاء تعرف بالمحكمة الدستورية أو المحكمة العليا نفسها، أو تكون محكمة مستقلة عن القضاء. وهناك دساتير تؤسس لهيئة خاصة تقوم بالمهمة. أمّا بعض النظم السياسية فإنّها تعمد إلى نظام المجلسين؛ كمجلسي النواب والشيوخ؛ فلا ينفد تشريع من أيٍّ من المجلسين إلّا بموافقة المجلس الآخر.

أمّا من ناحية أُسلوب التحكيم بدستورية القانون؛ فأغلب الدساتير حددت ذلك برفع دعوى ـ وفق السياقات القانونية ـ إلى الهيئة الدستورية المختصة أو القضاء المختص؛ بعدم دستورية تشريع معين أصدره البرلمان، وحينها تقوم هذه الهيئة أو القضاء بإصدار حكمها والفصل في الموضوع. في حين أعطت دساتير أُخرى للهيئة الدستورية المختصة صلاحية النظر في جميع تشريعات البرلمان؛ دون وجود شكوى أو إحالة؛ فلا يكون أيّ تشريع دستورياً ونافداً؛ إلّا بمصادقة هذه الهيئة. وهو ما اعتمده دستور الجمهورية الإسلامية الإيرانية؛ إذ أسس لهيئة خاصة مستقلة أطلق عليها (شواري نگهبان قانون اساسي) (مجلس صيانة الدستور)، وهذا المجلس لا يرتبط بأي سلطة من سلطات الدولة؛ ليقوم بمهمة تشخيص دستورية تشريعات مجلس الشورى الإسلامي([81]).

ويتألف مجلس صيانة الدستور في إيران من اثني عشر عضواً؛ ستة منهم فقهاء شريعة وستة فقهاء قانون. ويتم تعيين فقهاء الشريعة الستة من الولي الفقيه الحاكم (القائد)؛ انطلاقاً من صلاحياته الفقهية والدستورية؛ باعتباره المعبر عن موقف الشريعة الإسلامية، كما يقول السيد محمد باقر الصدر([82])، بينما يتم تعيين القانونيين الستة عبر ترشيح رئيس السلطة القضائية لهم، ومصادقة مجلس الشورى الإسلامي عليهم. وبذلك؛ فإن رقابة مجلس صيانة الدستور على تشريعات البرلمان هي رقابة فقهية ودستورية، وليست دستورية فقط؛ وإن كانت تدخل في إطار ما حدّده الدستور من صلاحيات لمجلس الصيانة([83])؛ بهدف الحؤول دون إصدار أيّ تشريع يخالف الشريعة والدستور، أو ممارسة ما يعرف بالاستبداد التشريعي؛ ولا سيما إذا كانت الأغلبية البرلمانية تنتمي إلى حزب الحكومة نفسه.

وقرارات مجلس صيانة الدستور ـ هي الأُخرى ـ لا تُعدّ نهائية؛ فيما لو أصرَّ مجلس الشورى الإسلامي على صوابية موقفه القانوني؛ الأمر الذي يتسبب في خلاف بين السلطة التشريعية وسلطة الرقابة الدستورية. وحينها ترفع القضية إلى مجمع تشخيص مصلحة النظام للتحكيم بين الطرفين وتقرير الحكم الثانوي بحقه؛ توافقاً مع المصلحة العامة للبلاد([84]).

سابعاً: الرقابة القضائية:

من أهم واجبات السلطة القضائية المستقلة في نظام الجمهورية الإسلامية الإيرانية هي الرقابة على أداء جميع سلطات الدولة وأجهزتها، والتحقيق في مخالفات المسؤولين الإدارية والمالية، ومحاسبة المتخلفين منهم، ولا تفرق إزاء ذلك بين مسؤول ومواطن؛ إذ تقاضي أيّ مسؤول وتعاقبه فيما لو تقدم أيّ مواطن بشكوى ضده وثبتت التهمة الموجهة إليه([85]).

وتمارس السلطة القضائية في إيران رقابتها من خلال عدد من الأجهزة التابعة لها:

1 ـ (ديوان العدالة الإدارية) (ديوان عدالت اداري) أو المحكمة الإدارية، وهو ديوان المظالم؛ كما يطلق عليه الموروث الإسلامي([86]). ويقوم بمهمة الرقابة على قرارات الدوائر الحكومية وتعليماتها وأدائها؛ للحيلولة دون ممارسة الظلم والاستبداد والأخطاء بحق الناس([87]).

2 ـ (مؤسسة التفتيش العام) (سازمان بازرسي كل كشور)، وتقوم بمهمة الرقابة على عملية تطبيق القوانين في كل البلاد([88]).

3 ـ (المحكمة العليا) (ديوان عالي كشور)، وتقوم بمهمة الرقابة على أداء القضاة وقراراتهم وأحكامهم، والتنسيق بينهم، ومحاكمة المتخلفين منهم، وتمييز أحكام جميع المحاكم([89]).

4 ـ يقوم رئيس السلطة القضائية بمهمة الرقابة على ممتلكات كبار المسؤولين، والتحقيق بشأنها، والمحاسبة على الإثراء غير المشروع؛ بدءاً بالولي الفقيه (القائد)، ورئيس الجمهورية ومعاونيه والوزراء، وانتهاءً بزوجاتهم وأولادهم([90]).

وبرغم الصلاحيات الواسعة الممنوحة لرئيس السلطة القضائية، والتي تطال حتى رئيس الدولة (الولي الفقيه)، ولكن أيّ فعل يقوم به يناقض العدالة؛ يؤدي إلى عزله من منصبه من قِبَل القائد([91]).

 

 

 

 

الشرعية الدينية والمشروعية القانونية للنظام الإسلامي

كما يرسمهما دستور الجمهورية الإسلامية الإيرانية([92])

 

 

مصادر القانون الدستوري للجمهورية الإسلامية الإيرانية

تتنوع مصادر القانون الدستوري للجمهورية الإسلامية الإيرانية تبعاً لخصوصيات الدولة في بعديها الديني والمدني، أو الإسلامي العام والوطني الخاص، وهو ما تقتضيه طبيعتها المركبة، وهو فارق جوهري مع دول العالم الأُخر؛ سواء الدول المدنية المحضة التي تستبعد المصادر الدينية؛ ككل الدول العلمانية، أو الدول الدينية المحضة التي تستبعد المصادر المدنية؛ كالفاتيكان، أو الدول المسلمة المدنية التي تضع معظمها الشريعة الإسلامية باعتبارها أحد مصادر قانونها الدستوري، والإسلام ديناً رسمياً للدولة، وهو وضع شكلي؛ أسميته في دراساتي السابقة بالدول العلمانية المتدينة أو الدول الإسلامية المعلمنة([93]).

أمّا الجمهورية الإسلامية فقد وضع قانونها الدستوري الشريعة الإسلامية مصدراً حاكماً على جميع مصادره المدنية، وهو منهج متداول في تدرج القواعد القانونية؛ ولكن القانون الدستوري الإيراني حين استخدم التدرج؛ وضع وثيقة الدستور في مرتبة ثانية بعد المصادر المقدسة للتشريع، وبذلك يكون القرآن الكريم والسنة الشريفة مصدران حاكمان على وثيقة الدستور.

وتنقسم مصادر القانون الدستوري للجمهورية الإسلامية الإيرانية إلى: مصادر حاكمة، مصادر كاشفة، مصادر تابعة، مصادر رسمية مباشرة، ومصادر تفسيرية غير مباشرة. وإذا كان استخدام هذه المصادر وتدرجها متداولاً ـ غالباً ـ في نظم القانون الدستوري في بلدان العالم؛ فإنّ تجميعها وتنظيمها وتسمياتها هذه هو اجتهاد مهني؛ فلكل فقيه قانوني أُسلوبه في هذا المجال؛ فضلاً عن الاختلاف بين فقهاء الشريعة وفقهاء القانون الدستوري بهذا الشأن([94]). وقد اعتمدنا هنا صيغة توليفية بين مدوّنات عدد من هؤلاء:

1 ـ المصادر الحاكمة:

ويقصد بها المصادر فوق الدستورية، والتي تقع في قمة هرم النظام القانوني الدستوري للدولة، وتشكل المعيار النهائي لحقيقة إسلامية الدولة ونظامها السياسي ومنظومتها القانونية، وتهيمن على جميع ما يليها من مصادر متدرجة.

وقد تناول علماء أُصول الفقه هذين المصدرين وحجيتهما؛ باعتبارهما مصدرين حاكمين على التشريع الإسلامي؛ بمزيد من البحث والتعمق:

أ ـ القرآن الكريم: وهو كتاب الله (تعالى) المنزل على رسوله محمد(ص) كما وصل إلينا بين الدفتين([95]).

ب ـ السنة الشريفة: وهي سنة الرسول الخاتم محمد بن عبد الله(ص)، وتعني قوله وفعله وتقريره، ومعها سنة أئمة أهل البيت (وفق المذهب الشيعي الاثني عشري)، وهي سنة أصلية كاشفة عن سنة رسول الله([96]).

وقد وصلت إلينا السنة الشريفة عبر المدوّنات السننية والحديثية المعروفة، وأشهرها عند الشيعة الاثني عشرية الكتب الأربعة:

«الكافي في الأُصول والفروع» للشيخ أبي جعفر محمد بن يعقوب الكليني الرازي (255 ـ 329 ه).

2ـ و«من لا يحضره الفقيه» للشيخ أبي جعفر محمد بن علي ابن بابويه الصدوق (ت 305 ـ 381 ه).

3ـ و«الاستبصار في ما اختلف من الأخبار» و«تهذيب الأحكام»، وكلاهما لشيخ الطائفة أبي جعفر محمد بن الحسن الطوسي (385 ـ 460ه).

وهي تماثل في القيمة العلمية كتب الصحاح في الحديث عند المدرسة السنية؛ إلّا أنّ فقهاء الشيعة الإمامية لا يعدّون كتبهم صحاحاً؛ لما فيها من الحسن والضعيف والموضوع.

ويخضع تمحيص السنة لمزيد من العناية لاستخراج الصحيح منها وفق مناهج علوم الحديث والدراية والرجال وغيرها.

2 ـ المصادر الكاشفة:

وهما الإجماع والعقل؛ وفق مدرسة أهل البيت الأُصولية. ويتم اللجوء إليهما في الموضوعات التي لا نصّ فيها من القرآن الكريم والسنة الشريفة، أو التي فيها نصوص ذات دلالات ظنية وليست قطعية؛ بما يتيح استمرار عملية الاجتهاد، واستنباط الأحكام الشرعية الجديدة؛ للاستجابة إلى جميع متطلبات الدولة والحكم والحياة السياسية.

وقد شرح علماء أُصول الفقه آليات استخدام هذين المصدرين وحجيتهما؛ باعتبارهما مصدرين كاشفين عن التشريع الإسلامي:

أ ـ الإجماع:

الإجماع المعتدّ به علمياً في مذهب أهل البيت هو الإجماع الكاشف بنحو القطع عن قول المعصوم، وأهم طرق تحقّقه: طريقة قاعدة اللّطف، والتي يُستكشف من خلالها رأي المعصوم؛ عبر اتّفاق فقهاء عصره، أو العصور المتأخّرة. وكذلك طريقة الحدس، وهي أن يقطع بكون ما اتّفق عليه فقهاء الإمامية وصل إليهم من إمامهم يداً بيد؛ فإنّ اتّفاقهم مع كثرة اختلافهم في أكثر المسائل يُعلم منه أنّ الاتّفاق كان مستنداً إلى رأي الإمام المعصوم. ولازمة ذلك أنّ الاتّفاق ينبغي أن يقع في جميع العصور؛ من عصر الأئمّة إلى العصر الحالي.

وعليه، فإنّ حجية الإجماع تستند إلى دخول الإمام المعصوم مع المجمعين([97]).

ب ـ العقل:

تعدّ مدرسةُ أهل البيت العقلَ العملي حجّة شرعاً في استنباط الحكم الشرعي، وليس العقل النظري القاصر عن إدراك العلل الواقعية للأشياء. ويتم بحث موضوع العقل العملي في إطار موضوع (الحسن والقبح العقليين). ويدخل دور العقل العملي في الاستنباط التشريعي ضمن عنوان (الملازمات العقلية)، والتي تنقسم إلى: المستقلات العقلية، وغير المستقلات العقلية. وقد اختصت المستقلات بمسألة التحسين والتقبيح العقليين، أما غير المستقلات فتعتمد في عملية الاستنباط على مقدمتين: عقلية وشرعية؛ ليشكل ناتجهما مدخلاً في الاستنباط. وفي هذه الجزئية يستخدم علماء الأُصول (القياس الفلسفي)، وليس القياس بالمطلق؛ الذي يمثل (قياس التمثيل) المقبول في المدرسة الأُصولية السنية([98]).

3 ـ المصادر المكملة (التابعة):

وقد اختلف علماء أُصول الفقه والقانون في تسمياتها وأنواعها. إلّا أنّ الثابت منها هو العرف والعادة. وهما مفردتان لمعنى واحد تقريباً. ويكون العرف والعادة مصدراً إذا توافرت فيهما مجموعة شروط؛ أهمها: الاطّراد والتتابع، وتعارف الناس عليها، وعدم تعارضها مع قواعد الشريعة الإسلامية. ويشكل العرف الدستوري أحد أهم مصاديق العرف المطّرد([99]).

4 ـ المصادر المباشرة (الرسمية):

وهي المصادر المتفق عليها تقريباً في نظم القانون الدستوري العالمية. وتنقسم إلى قسمين: عامة وخاصة:

أ ـ المصادر المباشرة العامة: وتتضمّن وثيقة الدستور، وقرارات الولي الفقيه (رئيس الدولة ـ القائد):

أولاً: وثيقة الدستور: وهي أهم مصدر رسمي مباشر للقانون الدستوري في أي بلد، أو هو التمظهر النصّي المدوّن المبوب عن القانون الدستوري.

وفيما يتعلق بإيران؛ فإنّ المقصود به هو النص المدوّن الذي ناقشه وأقرّه مجلس خبراء الدستور في الجمهورية الإسلامية الإيرانية في العام 1979، وصوّت عليه الشعب الإيراني، وصادق عليه الولي الفقيه (الإمام الخميني)، وحمل عنوان «قانون أساسي جمهوري إسلامي إيران» (دستور الجمهورية الإسلامية الإيرانية). ثم تم تعديله من مجلس تعديل الدستور في العام 1989، وصوّت عليه الشعب الإيراني، ولايزال نافداً.

ثانياً: قرارات وأحكام رئيس الدولة: رئيس الدولة هو الذي يمثل سيادة الدولة ورمزيتها، وهو أعلى سلطة في الدولة؛ سواء كان منصبه رمزياً؛ كالملوك ورؤساء الجمهورية في النظم البرلمانية، أو كان منصبه تنفيذياً؛ كرؤساء الجمهورية في النظم الرئاسية والنظم المختلطة (الرئاسية ـ البرلمانية). وتعتمد غالبية دول العالم قرارات وأحكام رئيس الدولة مصادر لقوانينها الدستورية([100]).

ورئيس الدولة وفق دستور الجمهورية الإسلامية الإيرانية هو (الولي الفقيه) الحاكم حسب التسمية الفقهية، أو (القائد) حسب التسمية الدستورية. وأحكام رئيس الدولة (القائد) في إيران وقراراته ذات خصوصية مصدرية في القانون الدستوري للجمهورية الإسلامية؛ تبعاً لطبيعة منصب رئيس الدولة فيها، والذي يجمع بين البعد الديني وما يترتب على مبدأ ولاية الفقيه (النظرية الفقهية السياسية الحاكمة في الدولة) من صلاحيات وحقوق وواجبات، ومن بينها <الأحكام الولائية>([101])، والبعد المدني بصفته رئيساً للدولة.

ب ـ المصادر المباشرة الخاصة:

وأهمها القوانين العادية، وقرارات مجمع تشخيص مصلحة النظام، والنظم الداخلية للمؤسسات الدستورية:

أولاً: القوانين العادية: وهي تشريعات مجلس الشورى الإسلامي (البرلمان)، وإلى جانب تشريعات مجلس الشورى هناك أحكام مجلس صيانة الدستور التي تقرر دستورية القوانين؛ فهي تماثل السوابق القضائية في البلدان التي تحتكم إلى السلطة القضائية في الدعاوى الدستورية([102]).

ثالثاً: قرارات مجمع تشخيص مصلحة النظام: وهي على نوعين: القرارات التي تصدر للفصل في الخلاف التشريعي بين مجلس الشورى الإسلامي ومجلس صيانة الدستور، والقرارات التي تصدر ابتداءً من المجمع؛ فيما يتعلق بالسياسات العليا للدولة([103]).

ثالثاً: النظم الداخلية للسلطات الدستورية: وهي النظم التي تحدد الأهداف والمهام التفصيلية لكل سلطة أو مؤسسة، وكيفية اختيار كبار موظفيها وصلاحياتهم؛ ولا سيما مجلس الشورى الإسلامي، ومجلس مصلحة النظام، ومجلس صيانة الدستور، ومجلس الوزراء، ورئاسة السلطة القضائية، ومجلس خبراء القيادة، والمجلس الأعلى للأمن الوطني([104]).

5 ـ المصادر التفسيرية (غير المباشرة):

وتتمثل في أحكام مجلس صيانة الدستور وقراراته؛ بصفته الجهة الدستورية التي ينحصر بها قرار دستورية القوانين وتفسير الدستور. وهي في الوقت نفسه تمثل السوابق القضائية في البلدان التي تحتكم إلى السلطة القضائية في الدعاوى الدستورية.

وهناك مِن فقهاء القانون الدستوري الإيراني مَن يضع بعض قواعد القانون الدستوري في البلدان الأُخر ضمن المصادر غير المباشرة أيضاً؛ فيقسم المصادر غير المباشرة إلى تفسيرية (مجلس تشخيص مصلحة النظام)، واستشارية (بعض قواعد القانون الدستوري) في دول العالم المتقدم؛ للاستئناس بها بما لا يتعارض والمصادر الحاكمة والكاشفة والمكملة والمباشرة للقانون الدستوري الإسلامي الإيراني. وتدخل هذه المصادر في إطار ما يعرف بالسوابق القانونية الدستورية([105]).

 

مصادر القانون الدستوري للجمهورية الإسلامية الإيرانية في إطار قاعدة تدرج القوانين

 

([1]) وهو تلميذ الفقيه القانوني المصري المؤسس الدكتور عبد الرزاق السنهوري وصهره.

([2]) الشاوي، د. توفيق، «فقه الحكومة الإسلامية»، ص73.

([3]) مطهري، الشيخ مرتضى، «پيرامون جمهوري إسلامي إيران» (حول الجمهورية الإسلامية الإيرانية)، ط4، نشر مطهر، قم، 1985، ص80.

([4]) للمزيد أُنظر: المؤمن، علي، «النظام السياسي الإسلامي الحديث» (مصدر سابق)، ص82 ـ 88.

([5]) أُنظر: عميد زنجاني، عباس علي، «مجالس الشورى: العمود الفقري للنظام السياسي الإسلامي»، من كتاب «مقالات المؤتمر الرابع للفكر الإسلامي» (مصدر سابق)، ص130.

([6]) المصدر السابق؛ وأُنظر أيضاً: دستور الجمهورية الإسلامية الإيرانية، المادة 7.

([7]) للمزيد أُنظر: التسخيري، الشيخ محمد علي، «الدستور الإسلامي» (مصدر سابق)، ص304 ـ 308.

([8]) دستور الجمهورية الإسلامية الإيرانية، المادة 112.

([9]) المصدر السابق، المادة 107.

([10]) الصدر، السيد محمد باقر، «خلافة الإنسان»، من كتاب «الإسلام يقود الحياة» (مصدر سابق)، ص152.

([11]) المؤمن، علي، «قيادة آية الله الخامنئي: الخلفيات والمباني»، ط2، دار العلم، بيروت، 1992، ص57.

([12]) المؤمن، علي، «النظام السياسي الإسلامي الحديث» (مصدر سابق)، ص182 ـ 183.

([13]) سيأتي الحديث عن النظام السياسي المؤسس على دستور الجمهورية الإسلامية وسلطاته ومؤسساته تفصيلياً في الفصل الخامس.

([14]) أُنظر: استيوارت مل، جون، «الحرية»، ص144 ـ 145، نقلاً عن: د. إمام، عبد الفتاح، «الطاغية»، سلسلة عالم المعرفة، الكويت، 1994، ص291 ـ 295.

([15]) مل، ص144، نقلاً عن د. إمام، «الطاغية» (مصدر سابق)، ص291.

([16]) د. إمام، «الطاغية» (مصدر سابق)، ص293 ـ 295.

([17]) صليبا، د. أمين عاطف، «دور القضاء الدستوري» (مصدر سابق)، ص109.

([18]) «دستور الجمهورية الإسلامية الإيرانية»، المادة 56.

([19]) المصدر السابق، المواد 19 ـ 21.

([20]) المصدر السابق، المواد 22 و32 و40.

([21]) المصدر السابق، المواد 23 ـ 27 و32.

([22]) المصدر السابق، المادة 28.

([23]) المصدر السابق، المادة 29.

([24]) المصدر السابق، المادة 30.

([25]) المصدر السابق، المادتان 31 و33.

([26]) المصدر السابق، المواد 34 ـ 36.

([27]) المصدر السابق، المادتان 46 و47.

([28]) المصدر السابق، المواد 19 ـ 42.

([29]) المصدر السابق، المادة 156.

([30]) المصدر السابق، المادة 23.

([31]) المصدر السابق، المادة 24.

([32]) المصدر السابق، المادة 25.

([33]) المصدر السابق، المادة 26.

([34]) المصدر السابق، المادة 27.

([35]) الخميني، الإمام روح الله، «الحكومة الإسلامية» (مصدر سابق)، ص39.

([36]) المصدر السابق، ص43.

([37]) «دستور الجمهورية الإسلامية الإيرانية»، المواد 4 و72 و94.

([38]) الخميني، الإمام روح الله، «الحكومة الإسلامية» (مصدر سابق)، ص45.

([39]) شيرازي، د. أصغر، «إيران: السياسة والدولة» (مصدر سابق)، ص117.

([40]) المؤمن، علي، «النظرية السياسية في الإسلام»، ق1، مجلة التوحيد، العدد 31، تشرين الثاني/ نوفمبر 1987، ص64، منظمة الإعلام الإسلامي، طهران.

([41]) «دستور الجمهورية الإسلامية الإيرانية»، المواد 4 و72 و94.

([42]) الخميني، الإمام روح الله، «حديث الشمس»، ترجمة: رعد هادي (مصدر سابق)، ص46 ـ 47.

([43]) النعمة، د. عدنان، «دولة القانون» (مصدر سابق)، ص8.

([44]) صليبا، د. محمد أمين عاطف، «دور القضاء الدستوري في إرساء دولة القانون» (مصدر سابق)، ص74.

([45]) أُنظر: المصدر السابق، ص75 ـ 116.

([46]) سورة المائدة، الآية 44.

([47]) سورة الإسراء، الآية 34.

([48]) «دستور الجمهورية الإسلامية الإيرانية»، المادتان 173 و174.

([49]) التسخيري، الشيخ محمد علي، «الرؤى الحضارية لدستور الجمهورية الإسلامية الإيرانية» (مصدر سابق)، ص289.

([50]) الخميني، الإمام روح الله، في خطاب له في 25/1/1979، «صحيفة نور» (مصدر سابق)، ج10، ص53.

([51]) المصدر السابق.

([52]) المصدر السابق.

([53]) صليبا، د. محمد أمين عاطف، «دور القضاء الدستوري» (مصدر سابق)، ص82.

([54]) صليبا، د. محمد أمين (مصدر سابق)، ص80 ـ 83.

([55]) «دستور الجمهورية الإسلامية الإيرانية»، المادة 91.

([56]) المصدر السابق، المادتان 91 ـ 96.

([57]) المصدر السابق، المادة الرابعة.

([58]) المصدر السابق، المادة 94.

([59]) المصدر السابق، المادة 99.

([60]) نعمة، د. عدنان، «دولة القانون» (مصدر سابق)، ص22 ـ 23.

([61]) للمزيد حول التدرج، راجع الفصل الثاني من الكتاب.

([62]) الجمل، د. يحيى، «الأنظمة السياسية المعاصرة» (مصدر سابق)، ص127 ـ 128.

([63]) عبد الله، د. عبد الغني بسيوني، «القانون الدستوري» (مصدر سابق)، ص268 ـ 269.

([64]) للمزيد أُنظر: المؤمن، علي، «النظام السياسي الإسلامي الحديث» (مصدر سابق)، ص136 ـ 145.

([65]) الخميني، الإمام روح الله، «الحكومة الإسلامية» (مصدر سابق)، ص24.

([66]) المصدر السابق، ص74 ـ 75.

([67]) «دستور الجمهورية الإسلامية الإيرانية»، عنوان الفصل الخامس، والمادة 57.

([68]) عبدالله، د. عبد الغني بسيوني، (مصدر سابق)، ص267.

([69]) الجمل، د. يحيى، (مصدر سابق)، ص131 ـ 132.

([70]) عميد زنجاني، عباس علي، «الإدارة السياسية»، من كتاب «نظام الإدارة الحكومية في الإسلام»، دار الحق، بيروت، 1994، ص56 ـ 57.

([71]) من أفضل من كتب حول الرقابة والإشراف والتحكم في نظام الجمهورية الإسلامية باللغة العربية هو الشيخ محمد علي التسخيري في كتاب «الرؤى الحضارية لدستور الجمهورية الإسلامية الإيرانية»، ص307 وما بعدها.

([72]) التسخيري، الشيخ محمد علي، «حول الدستور الإسلامي في مواده العامة»، ص269، دار الهدى، طهران، 1996، وقد ضمن الدستور ذلك في كثير من مواده.

([73]) دستور الجمهورية الإسلامية الإيرانية، المواد 6 و8 و62 و199 و107 و117.

([74]) المصدر السابق، المواد 57 و110 و112.

([75]) من خطبة له في 9/11/79، «صحيفة نور»، ج 11، ص174.

([76]) دستور الجمهورية الإسلامية الإيرانية، المادة 111.

([77]) المصدر السابق، المادة 113.

([78]) المصدر السابق، المادتان 70 و88.

([79]) المصدر السابق، المادتان 54 و55.

([80]) المصدر السابق، المواد 112 و175 ـ 177.

([81]) «دستور الجمهورية الإسلامية الإيرانية»، المواد 91 ـ 94.

([82]) الصدر، السيد محمد باقر، «لمحة فقهية»، من كتاب «الإسلام يقود الحياة» (مصدر سابق)، ص12.

([83]) «دستور الجمهورية الإسلامية الإيرانية»، المادة 91.

([84]) المصدر السابق، المادة 112.

([85]) المصدر السابق، المادة 174.

([86]) أو ولاية المظالم، أُنظر: الماوردي، «الأحكام السلطانية» (مصدر سابق)، ص73.

([87]) «دستور الجمهورية الإسلامية الإيرانية»، المادة 173.

([88]) المصدر السابق، المادة 174.

([89]) المصدر السابق، المادة 161.

([90]) المصدر السابق، المادة 142.

([91]) المصدر السابق، المادة 110.

([92]) المؤمن، علي، «النظام السياسي الإسلامي الحديث» (مصدر سابق)، ص194.

([93]) أُنظر: المؤمن، علي، «النظام السياسي الإسلامي الحديث»، ص 47ـ 49.

([94]) راجعت عدداً كبيراً من مؤلفات القانون الدستوري باللغتين العربية والفارسية ومترجمة إلى اللغتين نفسيهما؛ فلم أجد تطابقاً بينها على منهجية مقاربة مصادر القانون الدستوري أو تسمياتها أحياناً. أُنظر مثالاً: شكر، د. زهير، «القانون الدستوري»، ص210؛ وعبد الله، د. عبد الغني بسيوني، ص395؛ ود. مصطفى، والجمال، د. عبد الحميد، «النظرية العامة للقانون»، ص183؛ وصليبا، د. أمين عاطف، «دور القضاء الدستوري»، ص249؛ ومدني، د. جلال الدين، «حقوق أساسي جمهوري إسلامي إيران» (القانون الدستوري للجمهورية الإسلامية الإيرانية)، ص47؛ وبناهي، د. شريعت، «بايسته هاى قانون اساسى» (مبادئ القانون الدستوري)، ص195؛ ود. بوشهري، «حقوق اساس» (القانون الدستوري)، ص72، ود. عميد زنجاني، «فقه سياسى وحقوق أساس» (الفقه السياسي والقانون الدستوري)، ج1، ص103.

([95]) أُنظر حول حجية القرآن الكريم: حمادة، عباس متولي، «أُصول الفقه»، ص57 ـ 58؛ والفضلي، د. عبد الهادي، «الوسيط»، ص119؛ والشهرستاني،  د. محمد علي، «الفقه»، ص119؛ والحكيم، السيد محمد تقي، «الأُصول العامة للفقه المقارن»، ص256؛ والصدر، السيد محمد باقر «أُصول الفقه»، ج3، ص117.

([96]) أُنظر حول حجية السنة: الفضلي، د. عبد الهادي، «الوسيط»، ص123؛ و«دروس في أُصول الفقه»، ج1، ص232؛ والحكيم، السيد محمد تقي، «الأُصول العامة للفقه المقارن»، ص264؛ والأنصاري، الشيخ مرتضى، «فرائد الأُصول»، ج1، ص 181.

([97]) حول حجية الإجماع أُنظر: الأنصاري، الشيخ مرتضى، «فرائد الأُصول»، ج1، ص192؛ الفضلي، د. عبد الهادي، «دروس في أُصول الفقه»، ج1، ص235 ـ 241؛ والحكيم، السيد محمد تقي، «الأُصول العامة للفقه المقارن»، ص279؛ الجناتي، الشيخ محمد إبراهيم، «مصادر الاجتهاد في رؤية المذاهب الإسلامية»، ص321.

([98]) حول حجية دليل العقل أُنظر: المظفر، الشيخ محمد رضا، «أُصول الفقه»، ج3، ص119 ـ 128؛ والخرساني، الشيخ الآخوند محمد كاظم، «كفاية الأُصول»، ج2، ص32؛ والهاشمي، السيد محمود، «بحوث في علم الأُصول»، ج4، ص119؛ والحكيم، السيد محمد تقي، «الأُصول العامة للفقه المقارن»، ص279.

([99]) حول حجية العرف والعادة في الفقه والقانون، أُنظر: جعفر، د. علي محمد، «نشأة القوانين»، ص250 ـ 251؛ ومدني، د. جلال الدين، ص49؛ ود. عميد زنجاني (مصدر سابق)، ج2، ص223 ـ 226؛ والحكيم، السيد محمد تقي، (مصدر سابق)، ص415؛ وخلاف، الشيخ عبد الوهاب، «علم أُصول الفقه»، ص26 ـ 95.

([100]) حول مصدرية قرارات رئيس الدولة للقانون الدستوري؛ أُنظر: عبد الله، د. عبد الغني بسيوني (مصدر سابق)، ص389؛ وعميد زنجاني، د. عباس علي، (مصدر سابق)، ج2، ص216 ـ 219؛  نجفي أسفاد، د. مرتضى، «حقوق أساسي جمهوري إسلامي إيران» (القانون الدستوري للجمهورية الإسلامية)، ص26 ـ 30.

([101]) الأحكام الولائية أو الأحكام الحكومية: مصطلح فقهي، يقصد به الفتاوى الشرعية الخاصة بواقعة عامة، والمحدودة بزمن معين، وينحصر إصدارها بالفقيه المبسوط اليد والجامع لشروط الحاكمية الشرعية أو الولاية الشرعية (الاجتهاد والعدالة والكفاءة والمقبولية)، وهي ترتبط ـ غالباً ـ بجلب المصالح للأُمّة ودرء المفاسد عنها. وظلّت صلاحية هذه الأحكام محصورة بالمرجع الديني الأعلى للشيعة (وهو في النجف غالباً). وبعد تأسيس الجمهورية الإسلامية في إيران وتحويل مبدأ ولاية الفقيه إلى واقع قائم؛ فقد بات الولي الفقيه (الحاكم) هو صاحب الولاية الشرعية الذي ينحصر به إصدار الأحكام الولائية في إيران.

([102]) دستور الجمهورية الإسلامية الإيرانية، المواد 91 و94 و96.

([103]) المصدر السابق، المادة 112.

([104]) حول مصدرية الأنظمة الداخلية للقانون الدستوري؛ أُنظر: نجفي أسفاد ، د. مرتضى، (مصدر سابق)، ص 30 ـ 31؛ ومدني، د. جلال الدين، (مصدر سابق)، 52؛ ود. عميد زنجاني، (مصدر سابق)، ج2، ص226.

([105]) حول مصدرية القوانين الدستورية في البلدان الأُخر؛ أُنظر: المصادر السابقة.

latest video

news via inbox

Nulla turp dis cursus. Integer liberos  euismod pretium faucibua

Leave A Comment