نظرية الفقه السياسي الإسلامي

Last Updated: 2024/06/11By

نظرية الفقه السياسي الإسلامي

د. علي المؤمن

نقارب موضوع نظرية الفقه السياسي الإسلامي من خلال عدد من الركائز، وهي:

1 ـ تعريف مضمون الفقه السياسي الإسلامي:

في ظل هيمنة الدول السلطانية المسلمة على الواقع الإسلامي؛ بشقيه الشيعي والسني؛ منذ انتهاء حكومة الإمام الحسن بن علي(ع)؛ بقيت الضوابط التي تقنن الحركة العامة للدولة المسلمة وشرعيتها وشرعية سلطاتها وسياقات عملها؛ هي أحكام الفقه السلطاني أو (الأحكام السلطانية) أو (السياسة الشرعية)، والتي تضفي على الدولة ملامح عامة من التعاليم النظرية الإسلامية ومن سيرة الصحابة؛ لكن كثيراً من هذه الضوابط يتعارض تعارضاً بيّناً مع ثوابت الشريعة الإسلامية؛ فكانت كل المحرمات مباحة للسطة الحاكمة؛ بالصورة التي جعلها نسخة نظرية وعملية من حكم الأباطرة والملوك الرومان والفرس. وبالتالي لم تكن الحكومات السلطانية المسلمة حكومات منسجمة في شرعية وجودها وحكامها ونظمها وسلوكياتها مع العقيدة والشريعة والفقه الإسلامي. وقد انعكس هذا التعارض على الجانب السياسي والنظمي في الفقه الإسلامي، ولم يتبلور أو يفرز بصورته التأصيلية إلّا في مراحل تاريخية متأخرة، وبالتحديد خلال القرن العشرين الميلادي؛ مع ظهور الحركات الإسلامية المعاصرة كجماعة الإخوان المسلمين وحزب التحرير والجماعة الإسلامية في الهند وباكستان وجماعة النور في تركيا وحزب الدعوة الإسلامية وحركة الإمام الخميني في إيران. فكانت هذه الحركات تسعى لتأصيل الأحكام ذات الطابع السياسي في الفقه الإسلامي؛ على أساس عقدي شرعي، وهو ما يمثل نقلة أساسية في مسار الفقه السياسي الإسلامي. وحينها تحول مفهوم الفقه السلطاني إلى مفهوم السياسة الشرعية المؤصلة وإلى الفقه السياسي الإسلامي.

ونقل هذا التحول المفصلي؛ الفقه الإسلامي من منظومة أحكام فردية أو اجتماعية؛ إلى أقسام موضوعية تتجاوز تبويبه التقليدي الموروث إلى العبادات والمعاملات؛ وليظهر مفهوم الفقه السياسي الإسلامي بمضمون وشكل جديدين، حوّلاه إلى نظرية متبلورة قابلة للتطبيق. وعندها بات من السهل تعريف الفقه السياسي الإسلامي ونظريته تعريفاً علمياً موضوعياً؛ يكسر الحصار الذي عانى منه الفقه الإسلامي قرون طويلة؛ حتى ظهرت التعريفات الجديدة للفقه السياسي الإسلامي؛ معبرة عن نظرية عقدية فقهية متكاملة.

وقد عرّف بعض الباحثين المعاصرين الفقه السياسي الإسلامي بأنّه العلم بالأحكام الشرعية الفرعية المتعلقة بالنظم العامة في داخل الدولة الإسلامية، وقواعد تنظيم العلاقات الخارجية والدولية؛ من خلال أدلتها التفصيلية([1]). ويعني هذا التعريف ـ بعد تفكيكه ـ أنّ الفقه السياسي الإسلامي هو مجموعة القواعد والأحكام الشرعية القائمة على النصوص الإسلامية المقدسة (القرآن الكريم والصحيح من السنة الشريفة) ومصادر الفقه الإسلامي في المجالات الاجتهادية، وتنظم هذه القواعد والأحكام عقيدة الدولة الإسلامية، وشرعيتها وشرعية سلطاتها، ونظمها الفرعية، وسلوكها وأدائها؛ سواء داخل الدولة أو في مجال علاقاتها الخارجية.

وعليه؛ فإنّ الفقه السياسي الإسلامي ينقسم إلى قسمين موضوعيين:

1 ـ الأُصول والقواعد الفقهية المتعلقة بالسياسة الداخلية، وتنظيم العلاقات الخاصة في مجتمع الدولة الإسلامية.

2 ـ الأُصول والقواعد الفقهية المتعلقة بالسياسة الخارجية، وتنظيم العلاقات الدولية للدولة الإسلامية([2]).

ومن هذا التقسيم ينبثق تعريف بصياغة أُخرى، ولكنه يحمل المضمون والدلالة نفسيهما؛ إذ يقرر بأنّ الفقه السياسي الإسلامي هو مجموعة القواعد والأُصول الفقهية والقانونية التي تأخذ على عاتقها تنظيم العلاقات بين المسلمين داخل الدولة الإسلامية من جهة، وعلاقات المسلمين مع غير المسلمين داخل الدولة الإسلامية، وعلاقات الدولة الإسلامية مع العالم الخارجي من جهة أُخرى([3]).

وقد ولدت هذه التعريفات من رحم الحركة الإصلاحية الفقهية والفكرية والميدانية التغييرية التي قادتها التيارات الإسلامية المعاصرة؛ من خلال رموزها الأساسيّين: الشيخ حسن البنا؛ والشيخ محمد تقي النبهاني؛ والشيخ أبو الأعلى المودودي؛ والسيد محمد باقر الصدر؛ والإمام الخميني، والذين أدخلوا الفقه الإسلامي بأحكامه ذوات البعد السياسي في مرحلة جديدة؛ أسدلت الستار على قرون طويلة من تغييب هذه الأحكام أو تحريفها أو تشتيت موضوعاتها.

بيد أنّ الإمام الخميني كان الوحيد الذي نجح في تحويل هذه الحركة العقدية الفقهية النظرية التأصيلية إلى ثورة عملية في تطبيق أحكام الفقه السياسي الإسلامي؛ في إطار دولةٍ قامت أُسسها وفق هذه الأحكام. وبالتالي أعطى الإمام الخميني لتعريف الفقه السياسي الإسلامي بُعداً لصيقاً بالواقع العملي، كما قنن هذا التعريف في إطار أُطروحة (الحكومة الإسلامية)؛ التي هي الوجه التطبيقي للفقه السياسي الإسلامي. فيقول الإمام الخميني بأنّ ((الحكومة الإسلامية ـ من وجهة نظر المجتهد الواقعي ـ هي الفلسفة العملية لكل الفقه في جميع مجالات حياة البشر. والحكومة الإسلامية تدل على الجانب العملي للفقه في العلاقة بجميع القضايا الاجتماعية والسياسية والعسكرية والثقافية. والفقه هو النظرية الواقعية والكاملة لإدارة الإنسان والمجتمع من المهد إلى اللحد))([4]).

وهذا التعريف الشمولي الذي يجمع بين العقيدة والفقه من جهة، وكل أبواب الفقه من جهة أُخرى؛ هو ثورة حقيقية على الرؤية التقليدية للعقيدة والشريعة والفقه. هذه الرؤية (التقليدية) هي نتاج قرون من تغييب الفقه الإسلامي في المجالين السياسي والاجتماعي.

وفي الوقت الذي استطاع هذا التغييب تحويل شمولية الدين إلى فقهٍ بمعناه التقليدي؛ أي: العلم بالأحكام؛ فإنّه بقي مغيباً أيضاً عن مجمل السلوك السياسي في حياة المسلمين. ولكن الثورة المعرفية والتطبيقية؛ حوّلت النظرة التجزيئية للفقه الإسلامي إلى نظرة تكاملية شمولية، وألزمت الفقيه بالرجوع إلى المتخصص لفهم الموضوعات السياسية فهماً دقيقاً وعلمياً. وبات قياس التخصص (الفقهي أو الموضوعي) هو مرجعية الطرفين؛ فالفقيه هو مرجعية السياسي في الكشف عن الحكم الشرعي الخاص بالموضوع، والمسؤول عن تطبيق الجزئي على الكلي، أو الموضوع على المفهوم.أمّا السياسي فهو مرجعية الفقيه في الكشف عن الموضوع السياسي، والمسؤول عن تطبيق الكلي على الجزئي، أو المفهوم على الموضوع.

وهذا التكامل العملي المتفرد لم يكن له حضور في الواقع الإسلامي قبل دولة الإمام الخميني، إلّا بما كان يسوغ شرعية السلطان الأُموي أو العباسي أو الفاطمي أو الأيوبي أو العثماني أو البويهي أو الصفوي، وسلوكياته. وبالتالي كسر هذا التكامل حصر فهم الموضوعات في الفقيه، كما كسر تلاعب الحاكم الزمني بالحكم الشرعي من جانب آخر.

ولعلّ توسيع مساحة الأحكام التكليفية؛ لتشمل المجتمع برمته، ورجوع الفقيه للمتخصص؛ يستطيعان تكريس حالة تفاعل الفقه السياسي الإسلامي مع الظواهر السياسية والاجتماعية. ولذلك ينبغي القول بأنّ النظرة التقليدية للفقه ـ بصفته أحكام الأفراد ـ تنظر إلى الإسلام من زاوية الأحكام التكليفية، ولا سيّما الأحكام الفردية؛ مع عدم تنكرها للجوانب المعرفية الأُخر للدين، وهي نظرة عاجزة عن طرح تفسيرٍ يستطيع تبيين موقع المعارف العقلية والأخلاقية والاجتماعية في شمولية الدين. وبالتالي يكون الدين من وجهة النظرة التقليدية للفقه؛ مجرد أعمال عبادية بالمعنى الخاص للعبادات، وأن وظيفة الفقيه هي إصدار الأحكام، ووظيفة المكلف هي تنفيذ الأحكام. كما تكون وظيفة السلطة السياسية إصدار القوانين والأوامر، ووظيفة المواطن هي تنفيذها. وهذا يعني فصاماً تاماً بين تكاليف الفرد العبادية، وتكاليفه الاجتماعية السياسية.

والحقيقة أنّ الإسلام في طبيعة تبيينه موقع الأحكام العقدية والسياسية والاجتماعية والمعارف العقلية؛ ليس تجزيئياً، بل يؤكد على تكامل الأحكام وجامعيتها، وكونها منظومة واحدة. وهو تعبير عن حقيقة الإسلام وشموليته لكل مجالات حياة الإنسان والمجتمع. وإذا حاولت النظرة التجزيئية التقليدية أن ترتفع إلى مستوى الالتزام الدقيق بالحكم الشرعي في الواقعة السياسية؛ فإنّها لن تتجاوز تعريف الفقه السياسي الإسلامي بأنّه ((فهم الأحكام الشرعية السياسية في النصوص الدينية))([5]).

وهذا يعني أنّ هذه النظرة تحصر فهم الدين في فهم الجزئيات التكليفية. وبالتالي يكون الهدف هنا ليس تطبيق الشريعة الإسلامية وأحكام الفقه السياسي الإسلامي في الواقع، بل الهدف هو حفظ الدين في صوره الشكلية والفردية، وحفظ القيم الدينية في السلوك السياسي والاجتماعي. أي أنّ المنظور هنا هو تكليف الأفراد الذي يمارسون العمل السياسي، وليس تكليف النظام الذي يجمع الأفراد.

والحال؛ أنّ أهداف الفقه السياسي الإسلامي ومخرجاته تتلخص في استجابة الدين لتنظيم الحياة المجتمعية السياسية. وهذا لا يعني أنّ أجوبة الفقه السياسي الإسلامي تكتفي بتقديم الأحكام الشرعية، بل تقدم أيضاً نماذج دينية صالحة، أو نظم مقبولة دينياً. والمقصود بها مجموعة برامج الدولة ونظمها واستراتيجياتها وسلوكياتها وسلوكيات مسؤوليها؛ التي تراعي منطق الحجية الدينية والمبنية على أساس المقاصد الشرعية([6])، وأن تكون واقعية وعملية وفاعلة وناجحة على وفق الظروف الاجتماعية والسياسية في زمان ومكان محددين.

2 ـ موضوع الفقه السياسي الإسلامي:

إنّ النظرة التقليدية للفقه الإسلامي؛ ولا سيّما في مدوّنات فقهاء مدرسة آل البيت؛ من منطلق الفهم التجزيئي لدور الدين في الحياة السياسية والاجتماعية؛ لم تبوِّب ـ غالباً ـ أحكام الفقه على وفق التقسيمات الموضوعية المنسجمة مع حاجات النظام الاجتماعي وحاجات الدولة، بل على أساس حاجات الأفراد. وبالتالي لم تخصص للفقه السياسي أو الاقتصادي أو الثقافي أبواباً مستقلة. فكانت الأحكام الفقهية ذات الطابع السياسي في المدوّنات الفقهية الشيعية؛ متناثرة في أبواب كثيرة؛ كالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والجهاد، وولاية الفقيه على الفتوى والقضاء والحقوق الشرعية والأُمور الحسبية، والمؤلفة قلوبهم، وصلوات الجمعة والجماعة والعيد.

أمّا المدرسة السنية؛ فإنّها كانت ـ منذ انتهاء عصر ما عرف تاريخياً بالخلافة الراشدة ـ بحاجة إلى توسيع هذه الأقسام وإعادة تبويبها على وفق حاجة الدول السلطانية، والتي كانت المدرسة السنية سبّاقة إلى تأسيسها؛ فخصصت لذلك مدوّنات خاصة بالأحكام السلطانية أو السياسة الشرعية، كما سبق أن ذكرنا.

والأحكام السلطانية ـ كمفهوم تاريخي ـ هي أكثر سعة ـ غالباً ـ من الفقه السياسي الإسلامي كمفهوم حديث؛ إذ تتسع الأحكام السلطانية ـ كما دوّنها الماوردي وأبو يعلى مثلاً ـ لموضوعاتٍ لا يشتمل عليها الفقه السياسي، وهي الأحكام التي تستوعب الآداب والسلوكيات والدواوين وأحكام القضاء والحدود والديات والقصاص والأموال الشرعية (الضرائب) وطرق جبايتها وتوزيعها ومفاهيم الإدارة والاقتصاد السياسي وشؤون القاصرين وإحياء الأراضي البوار. وهي موضوعات لا تدخل ضمن منظومة الفقه السياسي الإسلامي المعاصر. ومن هنا، يمكن القول بأنّ الأحكام السلطانية تهتم بالجوانب التقنية والنظمية والإدارية والأخلاقية؛ أكثر من اهتمامها بأحكام الفقه الإسلامية وشرائط الحاكم والجوانب العقدية في الدولة.

وإذا كان الفقه السياسي الإسلامي الحديث يلتصق بالأحكام الفقهية الشرعية ذات الطابع السياسي؛ ولا سيّما ذات العلاقة بشرعية الدولة وشرعية رئيسها وحكومتها، وصلاحيتهما؛ وهو ما يماثل القانون الدستوري الوضعي إلى حد كبير؛ فإنّ الأحكام السلطانية فتحت الباب على مصراعيه في موضوع شرعية وصول الحاكم إلى السلطة؛ ولا سيّما أُسلوبي التوريث والغلبة، وشرائط الحاكم؛ وإن افتقد هذا الحاكم إلى شرائط العلم الشرعي والعدالة والكفاءة والبلوغ والالتزام الديني الشخصي. كما أعطته صلاحيات مطلقة؛ يمارسها على وفق رغباته ومصالحه ومفاسده المفصلة على مقاسه، والتي يعطيها بُعداً عاماً؛ فتكون مصالح السلطان هي مصالح العباد، وهي مصالح الأُمّة، وهي المصالح الشرعية المرسلة. وتكون سياسة السلطان هي السياسة الشرعية حصراً، وما عداها فهي سياسة خارجة عن الشرعية. أي أنّ الأحكام السلطانية أطلقت يد الحاكم؛ لتكون أحكامه وسياساته ومصالحه وأوامره أحكاماً دينية شرعية وفقهية. وإذا ما كانت هناك فتاوى شرعية سياسية يصدرها فقهاء الدولة؛ فإنّها فتاوى تعزز شرعية الحاكم وسياساته؛ وهو ما يتعارض كلياً مع منظومة الفقه السياسي الإسلامي؛ التي وضعت الحكم الفقهي معياراً لسلطة الحاكم، وليس العكس؛ فالحكم الشرعي في الفقه السياسي الإسلامي هو حكم شرعي أصيل يعتمد المصادر الإسلامية، ويسبق تأسيس الدولة ويسبق تعيين الحاكم، وهو معيار شرعية الدولة ومعيار شرعية الحاكم وصلاحياته. وإذا اعتمدت مدوّنات الفقه السياسي الإسلامي الحديثة قواعد مقاصد الشريعة وفقه الأولويات وفقه المصلحة؛ فإنّ هذا اللون من الفقه ينطوي على أحكام استثنائية (ثانوية وولائية)؛ تبعاً لظروف استثنائية ضاغطة، وليس مجرد تعاليم عامة تسمح للحاكم بتحديد الأولويات والمصلحة على هواه ومبتغاه وأهدافه الخاصة.

وفي المقابل تلقي الأحكام السلطانية على الأُمّة واجب الطاعة المطلقة للحاكم، وتحرِّم الخروج عليه؛ لأنّها تعدّه خليفة رسول الله وأمير المؤمنين وولي أمر الأُمّة ورئيس الدولة الإسلامية؛ وإن كان غلاماً، أو خاضعاً لحكم جارية غير مسلمة، أو متجاهراً بكل أشكال الموبقات والكبائر والذنوب، أو أنّه وصل إلى الحكم من خلال التوريث أو قتل الحاكم الفعلي. وهنا تقع منظومة الأحكام السلطانية ـ غالباً ـ في أكبر مفارقة وتناقض؛ فهي تحرّم الخروج على (أمير المؤمنين)؛ ولكن إذا تغلب على أمير المؤمنين أي شخص آخر وقتله أو عزله، وحلَّ محله؛ فإنّ القاتل الجديد المتغلب يكون حاكماً شرعياً مفترض الطاعة وأمير المؤمنين خليفة رسول الله أيضاً؛ لأنّه يمثل الأمر الواقع السلطوي، وليس الواقع الشرعي.

والمحصلة؛ أنّ منظومة الأحكام السلطانية تشرعن دينياً لحكم سلطة غير شرعية أساساً؛ تتمثل بالملكية الأُسرية الوراثية التي يقف على رأسها امبراطور أو سلطان أو ملك أو أمير، ويحمل عنواناً وهمياً مزوراً: خليفة رسول الله، ويصل للسلطة بالوراثة؛ كأي امبراطورٍ رومي وفارسي، أو يصل بالغلبة والقهر عبر قتل السلطان القائم والاستيلاء على الحكم بالقوة؛ يليها تأسيس سلطة أُسرةٍ جديدة. وفضلاً عن عدم شرعية هذه الملكيات والسلطات أساساً؛ فإنّ سلوكياتها تعزز عدم شرعيتها أيضاً([7]).

بينما تضع منظومة الفقه السياسي الإسلامي الحديث شروطاً شرعية مؤصّلة مشددة للحاكم؛ أهمها: العلم بالشريعة (الفقاهة)، والعدالة، والكفاءة القيادية والإدارية، وهي شروط مستدامة؛ فإذا فقد الحاكم أحدها خلال مسيرة حكمه؛ تم عزله من قبل أهل الحل والعقد أو حكماء الأُمّة، وهم الحكماء الذين يراقبون استمرار الحاكم الأعلى في امتلاك شروط الحكم، ويراقبون أداءه وسلوكه. ولا تَعدُّ هذه المنظومة أُسلوبي الغلبة والوراثة ضمن أساليب شرعية الحاكم.

ويفرض الفقه السياسي الإسلامي على الحاكم آليات العمل بالشورى، ويشدد على دور الأُمّة وحقوقها؛ ولا سيّما حق اختيار الحاكم الأعلى، وانتخاب عموم الحكّام، وحق الرقابة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتعبير عن الرأي. كما يقنن الفقه السياسي الإسلامي سلوكيات الحكّام والمسؤولين وأدائهم، ويشدد في موضوع عدالتهم واستقامتهم وكفاءاتهم؛ على المستويين العام والخاص، ويحدد حركة الدولة وأهدافها ونظمها، وعلاقاتها الخارجية؛ في إطار المقاصد العامة والخاصة للدين وأحكام الفقه. وبالتالي فإنّ الدولة التي يفرزها الفقه السياسي الإسلامي الحديث هي ـ على المستوى النظري ـ دولة إسلامية حضارية قانونية عصرية؛ شكلاً ومضموناً، وينبغي أن ينسجم أداؤها مع قواعد هذا الفقه.

3 ـ مباحث الفقه السياسي الإسلامي:

كما تبين من خلال مقاربة موضوع الفقه السياسي الإسلامي؛ فإنّ مباحث الفقه السياسي الإسلامي لصيقة بمنظومة فقه الدولة الإسلامية؛ أي أنّ فقه الدولة الإسلامية هو أوسع من الفقه السياسي الإسلامي؛ إذ إنّه يشتمل على معظم الأبواب الاجتماعية في الفقه الإسلامي، بينما يقتصر الفقه السياسي على موضوعاته السياسية وسلطات الدولة؛ وبالتالي فهو الجزء الأساس من فقه الدولة الإسلامية وعموده الفقري.

ونعرض هنا المباحث الأهم للفقه السياسي الإسلامي:

أ ـ النظام السياسي للدولة الإسلامية: ضرورته، غاياته، أهدافه، شكله وهيكله، سلطاته، والعناصر الثلاثة المكونة للنظام: الحاكم (قائد الدولة)، والأُمّة (قاعدة الدولة)، والحكومة (سلطة الأُمّة في الدولة).

ب ـ الحاكم (ولي الأمر ـ رئيس الدولة): صفاته، شروطه، طرق تعيينه وعزله، صلاحياته وسياقات إدارته للدولة.

ت ـ المفاهيم الأساسية للدولة: الولاية، الحكومة، الشورى، البيعة، المصلحة، الأحكام الولائية، الحسبة، الشرعية والمشروعية، النيابة، المعارضة، الإنتخابات، الحقوق والحريات، الطاعة، التكليف، الرقابة والإشراف، الحكم العادل، الحكم الجائر.

ث ـ السياسة الداخلية للنظام: حق الحاكم على الأُمّة (خصوص مسلمي الدولة) وعموم الشعب (بمن فيهم غير المسلمين)، وواجباته تجاههما، حقوق الشعب والأُمّة على الحاكم وواجباتهما تجاهه، الحريات العامة، حقوق وواجبات الأقليات الدينية، دور الشعب والأُمّة في النظام الإسلامي، الرقابة العامة والخاصة، الحرابة والخروج على الدولة، حفظ النظام، الارتداد، المرابطة، الجزية، الأموال العامة، الضرائب، الأنفال والمباحات العامة، أساليب ونظم وتقنيات السياسة الداخلية.

ج ـ السياسة الخارجية للنظام: أهداف السياسة الخارجية؛ الخاصة بالدولة، والعامة للمسلمين والعالم الإسلامي، والأكثر عمومية لمستضعفي العالم، أساليب ونظم وتقنيات السياسة الخارجية: التفاوض، الدعوة للإسلام، الجهاد، أراضي الخراج، الاستجارة والأمان، الحصانة والدبلوماسية، تأليف القلوب، العمل في المحافل الدولية([8]).

وتستند مباحث الفقه السياسي الإسلامي إلى جملة من الأُصول والقواعد الشرعية الخاصة، وهي جزء من القواعد الشرعية العامة. ونعرض هنا نماذج من أهم القواعد الشرعية الخاصة بالفقه السياسي الإسلامي([9]): التكليف، المصلحة، حفظ النظام، الدعوة للإسلام ونشره، نفي السبيل، تقديم الأهم على المهم (التزاحم)، الميسور لا يسقط بالمعسور، العدالة، ضرورة الحكومة (لا بدّية الإمارة)، الولاية الإلهية، التدرج في تطبيق أحكام الشريعة، متطلبات المكان والزمان، لا ضرر ولا ضرار، المقابلة بالمثل، المعروف عرفاً كالمشروط شرعاً، الممتنع عادة كالممتنع حقيقة، تبعية العمل للنية، تبعية الأحكام للمصالح والمفاسد، الوفاء بالعهد (والعقود)، حرمة التعاون على الإثم والعدوان، لا ولاية لإنسان على إنسان، إلّا بحكم شرعي، رجوع الجاهل إلى العالم، الإسلام يجبّ ما قبله، الضرورات تبيح المحظورات، نفي العسر والحرج، الملازمة بين حكم العقل وحكم الشرع، القرعة في كل أمر مشكل، التقية، الشورى، عدم التمييز بين الناس، تعظيم الشعائر الإلهية، تأليف القلوب، درء الحدود بالشبهات، إلزام الناس بما يعتقدون، التولي والتبري، سلطة الناس على أموالهم وأنفسهم، حصانة المحسنين، من له الغُنم فعليه الغرم، حصانة المبعوثين والسفراء، الجنوح للسلام والصلح، حقن دماء المسلمين.

وكل واحدة من هذه القواعد يستند إلى آية قرآنية أو أكثر، أو آية وحديث شريف معاً، أو حديث شريف. وقد تحوّلت هذه القواعد إلى نظم وتقنيات وقوانين مدوّنة في كتب الفقه السياسي الإسلامي، كما أصبحت أُسساً عامة وخاصة تستند إليها مواد الدساتير الإسلامية المعاصرة؛ في إطار عملية تقنين الشريعة أو الفقه.

4 ـ شمولية النظام المعرفي السياسي الإسلامي:

النظرة الشمولية الواقعية لغايات الدين، والتي تتجسد في شمولية فقه الدولة الإسلامية؛ تحول دون تقسيم أبواب الفقه الإسلامي إلى التبويب التقليدي الموروث؛ كما سبقت الإشارة إليه؛ لأنّ هذا التبويب ينظر إلى تكليف الفرد في التعاطي مع الموضوعات؛ بينما يهدف النظام المعرفي الإسلامي إلى بناء الواقع الإسلامي برمته؛ بما فيه الفرد والمجتمع والدولة، أو ما يمكن التعبير عنه بالمذهب الاجتماعي أو النظام الاجتماعي الإسلامي (social system) والذي يدخل المذهب السياسي أو الفقه السياسي في إطاره، وعليه يكون الفقه السياسي نظاماً جزئياً (subsystem) ([10]).

أمّا النظام الكلي الذي يعبّر عنه فقه الدولة الإسلامية؛ هو خلاصة أحكام العقيدة والشريعة. وهذه الأحكام ـ كما يعبر عنها الشيخ محمد مهدي شمس الدين ـ تتصل بالبُعد السياسي الاجتماعي للإسلام؛ كما تتصل بالبُعد التعبدي الفردي، أو السلوك الفردي المعيشي في الإسلام بالنسبة إلى المسلم، كما تتصل بالبُعد المجتمعي للإسلام؛ باعتباره دين الجماعة؛ وباعتبار نظام الواجبات الكفاية فيه. ويظهر على هدي هذا المنهج أنّ كثيراً مما لم يعتبره الفقهاء والمفسرون آيات أحكام هو آيات أحكام وضعية سياسية أو تنظيمية([11]). وقد غابت بعض الآيات التي تتضمن أحكاماً سياسية أو تنظيمية عن المدوّنات الفقهية الموروثة التي اعتمدت التبويب التقليدي([12])، ولكنها وجدت طريقها بشكل منظم واستدلالي وممنهج إلى المدوّنات الحديثة؛ ولا سيّما المدوّنات التي تنتمي إلى التيارات الإسلامية السياسية التي ظهرت في القرن العشرين.

ويكشف الترابط الوثيق؛ العملي التفاعلي؛ بين كليات وجزئيات العقيدة والشريعة الإسلاميتين عن ((بناء نظري كامل متكامل؛ في خطوطه ومبادئه العامة الكلية، ومفرداته وجزئياته التفصيلية؛ بحيث يكون كلّاً واحداً؛ يؤثر أي حذف، أو تجاهل لمبدإٍ من مبادئه، أو تفصيلٍ من تفصيلاته الثابتة؛ على التماسك والهيكلية العامة برمتها))([13]). وقد كان التشريع ينزل على الرسول الأعظم(ص)، ويتكامل؛ ليصوغ حياة الإنسان كلها؛ بكل ما لها من أبعاد؛ فينزل القرآن، وتصدر السنة، وفيهما حكم شرعي لما اصطلح عليه اسم (العبادة)، وحكم شرعي لما اصطلح عليه (المعاملة)، وحكم تنظيمي أو سياسي، وكلها تتواشج فيما بينها بعلاقات من داخلها، وتتركز مترابطة على موضوع واحد هو الإنسان المسلم؛ فرداً وجماعة وأُمّة. ولذلك لم يرد في أصل الشريعة تقسيم أحكامها إلى عبادية، ومعاملية، وسياسية؛ مما جرى عليه المصطلح الفقهي، وبنى عليه التبويب الفقهي الحديث([14]).

ويمكن القول إنّ الفقه الإسلامي يتجسد في خمسة أُطر عامة([15]):

1 ـ تشريعات للفرد المسلم.

2 ـ تشريعات للأُسرة المسلمة.

3 ـ تشريعات للجماعة المسلمة.

4 ـ تشريعات للمجتمع المسلم.

5 ـ تشريعات للدولة الإسلامية.

ولا يعني هذا التأطير الموضوعي لأحكام الفقه؛ أنّ هذه الأُطر منفصلة عن بعضها، وتعمل في سياقات مستقلة، بل لا يمكن الفصل الحقيقي بينها؛ لأنّها مترابطة مع بعضها ترابطاً شكلياً وموضوعياً وثيقاً؛ في إطار كلي عام؛ يتمثل في شبكة علاقات داخلية وخارجية تتسع لكل الأنشطة الإنسانية، في جميع مستوياتها ومجالتها. فتكون الأحكام الفردية ـ مثلاً ـ هي أحكام للجماعة أيضاً، وترتب مسؤوليات وحقوقاً للجماعة وعليها. وبذلك تظهر العقيدة الإسلامية والشريعة الإسلامية والفقه الإسلامي؛ من خلال النظرة العميقة الشمولية كلّاً واحداً؛ لا يتجزأ في التطبيق، وإن تجزّأ التبويب النظري موضوعياً درسياً. وبكلمة أُخرى؛ فإنّ جميع أعمال الإنسان في الأُطر التشريعية المذكورة؛ يمكن أن تكون عبادة متصلة الحلقات، وتكون الحياة كلها عبادة بالمعنى العام؛ حتى أشد الأعمال دنيوية ومادية. وذلك عن طريق فهم صلة هذه الأعمال بأوامر الله (تعالى) ونواهيه([16]).

إنّ أحكام علاقة الفرد المسلم بأُسرته وجيرانه ومنطقة سكنه ومجتمعه ـ مثالاً ـ؛ هي أحكام ترتبط بكلية النظام الاجتماعي الإسلامي. كما أنّ أحكام القانون الجنائي الإسلامي هي جزء من النظام الاجتماعي أيضاً، وترتبط بأحكام التربية والتعليم والاقتصاد والمال الشرعي والإدارة الحكومية. ولم يفصل المشرِّع الأحكام الجنائية عن مجموع النظام الشامل، بل شرّعها للتطبيق في مجتمع يعيش في ظل النظام الاجتماعي والاقتصادي والسياسي الإسلامي([17]). فأحكام القصاص والتعزير وغيرهما من العقوبات؛ ينبغي أن تكون مقترنةً بتطبيق نظام العدالة الاجتماعية، وكل ما يحتاجه هذا النظام من سلطة معنوية ومادية. فالشريعة الإسلامية عندما تعالج مشاكل الفرد وقضاياه؛ إنّما تفعل ذلك على اعتبار أنّ الفرد جزء من المجتمع، وأن المجتمع هو جسد الدولة، والدولة هي المعنية بالتكافل مع الفرد والمجتمع لتطبيق أحكام العقيدة والشريعة.

5 ـ موقع الفقه السياسي الإسلامي في تقسيمات الفقه الإسلامي:

الحديث السابق يقودنا إلى القول بأنّ التبويب أو التقسيم الذي اعتمده الموروث المنهجي لأحكام الفقه الإسلامي؛ إنّما هو تقسيم نظري؛ يصلح لأزمنة تدوينه، أو لأغراض البحث والدراسة؛ أي في أزمنة غياب عملية النهوض الشامل لتطبيق الشريعة الإسلامية. وقد اعتمد كل فقيه أو مدرسة فقهية أُسساً متنوعة لتبويب أحكام الشريعة؛ على وفق طبيعة البحث الكلامي والعقدي والحديثي والفقهي، ومناهجه التي يسلكها الفقيه أو المدرسة الفقهية.

والتقسيم النظري على أساس الموضوع؛ ظل متداولاً منذ ظهور المدوّنات الفقهية الأُولى خلال القرن الثاني للهجرة. ولعلّ أشهر ما عرفه الفقهاء القدامى من أهل السنة هو تقسيم الفقه إلى: فقة العبادات وفقة المعاملات، وقد وضعه الشيخ أبو حامد الغزالي (ت 505 ه). ثم وضع أساساً جديداً وزّع فيه الأحكام الشرعية على أربعة أبواب: العبادات، المنجيات، المهلكات، والعادات([18]). فالعبادات ترتبط بحق الله (تعالى)، وتشتمل على العبادات الخاصة (كالصلاة والصوم وغيرهما) وأحكام الأحوال الشخصية؛ فيما تختص الأحكام الأُخر بحق الأفراد (مع بعضهم بعضاً أو مع المجتمع)، وهي المعاملات، والتي تدخل موضوعات الفقه السياسي في إطارها. وهذا التقسيم لا يزال معتمداً لدى معظم الفقهاء. وهناك من فقهاء أهل السنة المعاصرين من يؤكد ضرورة إعادة النظر في هذا التقسيم، واستبداله بتبويب جديد وفقاً لتصنيف الموضوعات الحقوقية؛ مثلاً: فقه العقوبات، الفقه المدني، الفقه السياسي، الفقه الاقتصادي، فقه العلاقات الدولية([19]).

وعرف الفقهاء الشيعة السلف تبويب العبادات والمعاملات نفسه، أو العبادات والمحرّمات والأحكام([20])، أو العبادات والأحوال الشخصية([21]). إلّا أنّ أشهر تقسيم هو الذي وضعه المحقق الحلي (ت 676 ه) الذي قسّم أبواب الفقه إلى:

1 ـ العبادات: الطهارة، الصلاة، الزكاة، الخمس، الصوم، الحج، الجهاد، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وغيرها.

2 ـ العقود: التجارة، الرهن، الوكالة، الوصية، النكاح، وغيرها.

3 ـ الإيقاعات: الطلاق، العتق، الإقرار، وغيرها.

4 ـ الأحكام: الصيد، الغصب، إحياء الأرض، الإرث، الشهادات، الحدود، القصاص، الديات، وغيرها([22]).

وفي هذا التبويب نرى أنّ أحكام الفقه السياسي موزعة على أكثر من باب ومدخل، ولا سيّما في العبادات والأحكام. وقد أعاد السيد الشهيد محمد باقر الصدر النظر في هذا التبويب، واستحدث تبويباً جديداً قسّم من خلاله الأحكام الفقهية إلى:

1 ـ العبادات: الصلاة، الصوم والحج فقط. وأخرج منها الجهاد والخمس والزكاة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ووضعها في أبواب أُخر.

2 ـ الأموال: العامة والخاصة؛ كالخراج، الأنفال، الخمس، الزكاة، التملك والتصرف.

3 ـ السلوك الخاص: وتدخل في إطاره الأحكام ذات العلاقة بالأُسرة والمجتمع.

4 ـ السلوك العام: ذو العلاقة بالتنظيم الاجتماعي، كالحسبة والجهاد والقضاء والولاية والحكم([23]).

وأولى هذا التبويب الحديث موضوع الفقه السياسي وقضايا الدولة والحكم والقضاء عناية واضحة؛ أُسوةً بباقي موضوعات الفقه؛ إذ وضع لها باباً خاصاً أعطاه عنوان: (السلوك العام).

وهناك من الفقهاء المعاصرين من يدعو إلى تبويب أكثر منهجية ووضوحاً، وعلى نحو تجتمع فيه أحكام الفقه العام معاً، ثم فقه القضاء (المحاكم والعقوبات وغيرها)، الفقه المدني (العقود)، فقه الأُسرة (الزواج، الطلاق، الإرث وغيرها)، فقه الاقتصاد والمال (الأموال العامة والخاصة وغيرهما)، فقه العبادات (الصلاة، الصوم والحج)، الفقه السياسي (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، الحسبة، الحكومة والولاية، الجهاد، العلاقات الدولية، وغيرها)([24]). وهذا التبويب أقرب إلى مناهج العلوم القانونية الحديثة، وله علاقة مباشرة بتطور موضوعات الأحكام وبروز موضوعات جديدة (مستحدثة ومتفرعة)، بالشكل الذي تفرضه حركة الزمان ومتغيراتها وواقعها وظواهرها وإشكالياتها، والتي تتوالد بصورة ديناميكية ذاتية([25]).

وإذا تفحصنا المدوّنات الفقهية المبكرة؛ أمثال: «المجموع الفقهي» المروي عن الإمام زيد الشهيد ابن علي (ت 122 ه)، و«الموطأ» للشيخ مالك بن أنس الأصبحي (ت 179 ه)، و«دعائم الإسلام» للقاضي النعمان بن محمد المغربي (ت 363 ه)، و«من لا يحضره الفقيه» للشيخ محمد بن علي الصدوق (ت 381 ه)، و«المقنعة» للشيخ محمد بن محمد المفيد (ت 413 ه)، والتي أسست لتفصيلات الموضوعات الفقهية وتبويباتها؛ سنجد أنّها لم تتناول الأحكام والموضوعات الفقهية السياسية أو الاقتصادية بشكل مستقل، أو غابت في بعضها([26])، وتركت هذه المهمة إلى مدوّنات الفقه السلطاني والأحكام السلطانية. ويعود سبب هذه النزعة إلى موقف السلطات الحاكمة منذ حكم بني أُمية، أو الموقف من السلطات، أو الموقف من موضوع الدولة الإسلامية. وسارت جميع المدوّنات الفقهية التالية على إثرها، حتى باتت تقسيماتها موروثاً ثابتاً منذ ذلك الحين؛ ولا يزال.

وعلى الرغم من قيام الحكم الإسلامي في إيران وما يقتضيه هذا التمظهر الفكري والاجتماعي والسياسي الشامل من حاجات ومتطلبات، وضرورات تجديدية تنسجم معها؛ فإنّ الحوزات العلمية في إيران لا تزال تتبع المناهج الفقهية التقليدية نفسها التي دوَّنها الفقهاء السلف؛ لا سيّما «شرائع الإسلام» للشيخ المحقق جعفر بن الحسن الحلي (ت 676 ه)، و«اللمعة الدمشقية» للشيخ محمد بن مكي العاملي (ت786 ه)، و«المكاسب» للشيخ مرتضى الأنصاري (ت 1214ه)، و«جواهر الكلام» للشيخ محمد حسن النجفي (ت 1266ه).

ويذهب بعض الباحثين([27]) إلى أنّ معيار تقسيم الفقهاء لأحكام الفقه إلى عبادات ومعاملات هو اختصاص العلاقة؛ فالعبادات تختص بالعلاقة بين الإنسان وربه؛ كالصلاة والصوم، والمعاملات تختص بالعلاقة بين الإنسان وغيره. أو أنّ العبادات خاصة بالآخرة، والمعاملات خاصة بشؤون الدنيا. إلّا أنّ هذا المعيار لا يصدق ـ كمثال ـ على أحكام الحج والخمس والزكاة. أو أنّ المعيار هو قصد القربة؛ فالعبادات قصدها الأصلي التقرب إلى الله؛ بينما قصد المعاملات قضاء مصالح الإنسان المختلفة. وهذا المعيار هو الآخر لا يخلو من ثغرات؛ فقصد القربة يدخل في كل أنواع المعاملات. وربما يكون الأصل في العبادات هو عدم إدراك العقل للعلة الحقيقية في تشريعاتها، وأنّها (غير معقولة المعنى)؛ أي أنّها أحكامٌ تعبدية جاءت بها النصوص آمرة أو ناهية. وكل ما نعرفه من علل تشريعاتها هو ما بيّنه النص أو عرف بالاستنباط. ومعرفة هذه العلل أو عدم معرفتها لا أثر له في تغيير هذه الأحكام أو إلغائها أو إباحتها؛ فهي ثابتة مستقرة لا تتأثر باختلاف الزمان والمكان.

أمّا المعاملات فهي (معقولة المعنى) غالباً، ويدخل العقل الإنساني الاجتماعي في مساحات ومستويات تطبيقها. وهو بذلك يأخذ في الاعتبار الثابت والمتغير في الأحكام الشرعية؛ فالعبادات هو الثابت عبر الزمان والمكان، والمعاملات هو المتغير على وفق متطلبات الزمان والمكان. وهذا المعيار ـ هو الآخر ـ لا يمكن تعميمه؛ فهناك من العقود والايقاعات ما هو ثابت ثبوتاً مطلقاً في المضمون؛ وإن أمكن تغيير أشكال تطبيقها بين زمان وآخر.

وربما يكون التقسيم النظري للشيخ محمد بن مكي العاملي (ت 786 ه) هو الأقرب إلى الواقع الفني الشكلي؛ إذ يقول بأنّ هدف الحكم الشرعي إمّا الآخرة وإمّا الدنيا. فالباب الثاني (المعاملات) إذا عرضنا أحكامه على المعيار اللفظي؛ فإنّها تقسم إلى: العقود التي هي لفظ بين طرفين، والإيقاعات؛ التي هي لفظ يصدر من طرف واحد، والأحكام، وهي التي لا تحتاج إلى لفظ([28]).

ومن خلال ما سبق يتضح أنّ التبويب التقليدي لموضوعات الفقه؛ والذي لا يزال حاضراً في معظم المدوّنات الفقهية المعاصرة؛ لا يولي فقه الدولة الإسلامية عناية خاصة؛ فنجد أنّ بعض موضوعاته؛ كالجهاد والخمس والزكاة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ لا تزال توضع في باب العبادات. وقد أفرد بعض الفقهاء باباً خاصاً للخمس والزكاة والأنفال عنوانه: (الأموال)؛ في حين وضع موضوعات القضاء والحدود والديات والقصاص في باب الأحكام. وعلى أساس هذه النظرة التقليدية؛ فإنّ الفقه السياسي بات يضم الأبواب الخاصة بالنظام العام؛ كالجهاد والحسبة والخراج والحدود وأمثالها. ولا فارق كبير هنا بين المدارس الفقهية السنية والشيعية. أمّا النظرة التجديدية للفقه، والتي نجحت في إخضاع الواقع للشريعة الإسلامية؛ ولا سيّما في ميدان الدولة؛ فإنّها وضعت فقه الدولة الإسلامية والفقه السياسي في أبواب مستقلة، ربما فاقت الأبواب الأُخر سعة وتشعباً([29])، وهي تشتمل على كل قضايا الدولة الإسلامية وأُسسها وأهدافها ومصدر شرعيتها وسيادتها ورئاستها ونظمها ومؤسساتها وأساليب عملها([30]).

ونشير هنا إلى فارق منهجي بين الفقه الشيعي والفقه السني على صعيد زاوية النظر إلى بعض موضوعات الدولة الإسلامية، ولا سيّما موضوع ولاية الأمر ورئاسة الدولة الإسلامية؛ فمدرسة الخلافة (الفقه السني) تصنّف الأحكام الخاصة بموقع رئيس الدولة الإسلامية (على مختلف مسمياته) ضمن أبواب الفقه المعروفة، في حين تضع مدرسة الإمامة (الفقه الشيعي) هذا الموقع في إطار أحكام العقيدة؛ لأنّه يتصل بموقع الإمام المعصوم؛ أي أنّه يُبحث في ثنايا موضوع الإمامة والولاية وامتداداتها. أمّا في عصر غيبة الإمام المهدي(ع)، فيبحث فقهاء الشيعة موضوع ولاية الأمر في إطار أحكام العقيدة وأحكام الفقه معاً.

ولعلّ التبويب الأكثر التصاقاً بالواقع الإسلامي الحالي؛ هو التبويب الموضوعي الفني الذي أفرزته متطلبات تأسيس الدولة الإسلامية المعاصرة وحاجاتها الفقهية، والذي يطرحه علماء إيرانيون معاصرون؛ يجمعون بين اختصاصي الفقه الإسلامي والقانون؛ كالدكتور أبو القاسم كرجي([31])، والدكتور الشيخ عباس علي عميد زنجاني([32])والدكتور أبو الفضل شكوري([33])، والدكتور مصطفى محقق داماد([34])، وغيرهم. وقد درستُ مجمل هذه التبويبات، إضافة إلى تبويب السيد محمد باقر الصدر([35])، وقارنتها بالمدوّنات الفقهية الموروثة([36])، وانتهيت إلى تبويب مقترح؛ أُقسّم فيه الفقه إلى عشرة أبواب:

1 ـ الفقه العام؛ والذي يستوعب القواعد الفقهية ذات الصبغة العامة، والتي تجد لها تطبيقات في واحدٍ أو أكثر من أبواب الفقه الأُخر.

2 ـ فقه العبادات؛ ويتم الاقتصار فيه على الموضوعات العبادية بالمعنى الأخص. وتوزع باقي الموضوعات (المثبتة في باب العبادات في المدوّنات الفقهية التقليدية) على الأبواب الفقهية؛ على وفق الاختصاص.

3 ـ الفقه السياسي؛ ويشتمل على موضوعات الحسبة والنظام السياسي للدولة ومؤسساتها وهيكلها وشرعيتها، والسياسة الداخلية والخارجية للدولة. وأحد أهم أقسام الفقه السياسي هو الفقه الدستوري؛ الذي يختص بالجانب النُظمي اللصيق بوثيقة الدستور وقبلياته الفكرية وقواعده الفقهية. ومن الضروري موضوعياً إخراج فقه الجهاد أو الفقه العسكري من أقسام الفقه السياسي؛ ليكون الفقه السياسي مختصاً بالجانب المدني؛ أي الممارسة السياسية المدنية، ويكون الفقه الجهادي مختصاً بالجانب العسكري.

4 ـ الفقه الاقتصادي؛ ويضم موضوعات الحقوق الشرعية وبيت المال والملكية والبنوك وإحياء الاراضي والتجارة والمعاملات التجارية المالية والخمس والزكاة.

5 ـ الفقه الثقافي؛ ويشتمل على قضايا الثقافة المجتمعية العامة (الأعراف والعادات والتقاليد)، والتعليم، والإعلام، والفنون والآداب، والنشر([37]).

6 ـ الفقه القضائي؛ ويشتمل على أحكام المحاكم والإدعاء والعقوبات والتعزيرات والسجون.

7 ـ الفقه المدني؛ ويضم موضوعات العقود بأنواعها. وهنا يجب تنظيم العلاقة بين موضوعات الفقه الاقتصادي وموضوعات الفقه المدني؛ ولا سيّما العقود المشتركة بينهما.

8 ـ فقه الأُسرة؛ ويضم موضوعات الزواج والطلاق والحضانة والإرث والوصية. وهنا لا بدّ من فك الاشتباك بين العقود ذات العلاقة بالأُسرة والعقود المدنية.

9 ـ الفقه الجهادي؛ ويختص بالشأن التعبوي والتسليحي، وكل ما يرتبط بالستراتيجيا العسكرية وآليات تنفيذها؛ فضلاً عن المباحث التقليدية في باب الجهاد، وبعض موضوعات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والأراضي الخراج والخمس. ويوضع الفقه الجهادي ـ عادة ـ ضمن تقسيمات الفقه السياسي؛ ولكن ينبغي هنا الفصل بين المدني والعسكري؛ فيكون الفقه السياسي خاصاً بالجانب المدني، والفقه الجهادي مختصاً بالجانب العسكري.

10 ـ الفقه الاجتماعي؛ ويشتمل على موضوعات الأوقاف والضمان الاجتماعي والتقاعد والصدقات والأيتام والقاصرين والفقراء والمساكين والعجزة. وهنا أيضاً ينبغي تفكيك الموضوعات ذات الصلة بالجانب الاقتصادي وبالأموال الشرعية.

ويمكن توزيع المسائل المستحدثة التي تزداد طردياً مع تزايد التحديات التي تواجه واقع المسلمين والدولة الإسلامية المعاصرة؛ على كل أبواب الفقه؛ على وفق الموضوع والاختصاص.

وأرى أنّ هذا التقسيم الموضوعي يوضح بجلاء موقع الفقه السياسي في منظومة الشريعة ودائرة أحكام الفقه الإسلامي، ويعطي لنظرية الفقه السياسي الإسلامي دورها الحقيقي في نظرية الشريعة الإسلامية والنظام الاجتماعي الإسلامي وفقه الدولة الإسلامية، وعموم النظام المعرفي الإسلامي؛ على اعتبار أنّ نظرية الفقه السياسي الإسلامي هي جزء من كل؛ أي أنّها نظرية متفرعة عن نظرية الشريعة الإسلامية بكليتها؛ بما في ذلك الإطار العقدي للنظرية. كما يوضح موقع الفقه الدستوري في قسم الفقه السياسي خصوصاً وأقسام الفقه الإسلامي عموماً.

ولا شك أنّ هذا التبويب الجديد المقترح لمنظومة الفقه، والذي يعيد توزيع أحكامها بمنهجية موضوعية فنية عصرية تقارب التقسيمات القانونية الحديثة؛ يتعارض مع منهجية التبويب الفقهي التقليدي، ويجد من يعترض عليه في الوسط العلمي الحوزوي وغير الحوزوي؛ حرصاً على أصالة التبويب الموروث. ولعلّ من جملة هذه الاعتراضات:

1 ـ إنّ هذه المفردات والمصطلحات والتبويبات تتعارض مع مبدأ حفظ الفقه الموروث، ومع مبدأ الالتزام بالمسلك الفقهي للفقهاء السلف ومعايير تبويباتهم. وبالتالي فإنّ هذه العناوين الفقهية الجديدة هي في حقيقتها فقه جديد؛ يختلف عن الفقه الإسلامي الأصيل الذي دوّنه الشيخ الطوسي والعلّامة الحلي والشيخ الجواهري.

2 ـ إنّ هذه المفردات والمصطلحات والتبويبات تؤدي بالمباحث والموضوعات الفقهية إلى التشبه بالموضوعات والأنساق القانونية.

وهذه الاعتراضات التي تطال الجانب المنهجي الشكلي للتبويب المقترح؛ ترى أنّه ربما يؤثر في نتائج البحث الفقهي. ولكن يبقى الاختلاف في المنهج داخل الدراسات الفقهية أمر بديهي وطبيعي ومتوارث. وقد برز بشكل كبير خلال عقدي ثمانينات وتسعينات القرن الميلادي الماضي في حوزة قم العلمية بإيران؛ إثر طرح موضوع التجديد في مناهج البحث الفقهي؛ بناء على متطلبات الواقع، وهو ما عُرف حينها بـالجدل بين (الفقه التقليدي) و(الفقه المتجدد) أو (الديناميكي). وكانت فرضية الجدل تتمحور غالباً حول (دور الزمان والمكان في تجديد موضوعات الفقه وأحكامه)، والذي انقسمت خلالها الساحة العلمية الإيرانية بين دعاة التجديد ودعاة التمسك بالموروث([38]). وكان للفقهاء والباحثين الدينيين من أصحاب الاشتغالات الحقوقية والقانونية؛ دور أساس في هذا الجدل.

 

([1]) لك زائي، د. نجف، «سياست ديني ونظم سلطاني» (السياسة الدينية والنظام السلطاني)، مركز دراسات فرهنك وعلوم إسلامي، قم، 2008، ص58.

([2]) شكوري، د. أبو الفضل، «فقه سياسى إسلام» (الفقه السياسي الإسلامي)، طهران، 1982، ص76.

([3]) اُنظر: شكوري، د. أبو الفضل (مصدر سابق)، ص 76.

([4]) الإمام الخميني، روح الله، صحيفه نور (مجموعة خطب الإمام الخميني)، مكتب حفظ ونشر آثار الإمام الخميني، طهران، 1996، ج21، ص64.

([5]) علوي، سيد نادر، «هويت فقه سياسي» (هوية الفقه السياسي)، مجلة: انديشه حوزة، قم، العدد 21 و22، ص195.

([6]) علوي، سيد نادر (مصدر سابق)، 196.

([7]) كانت حكومات الأُسر الأُموية والعباسية والفاطمية والأيوبية والبويهية والصفوية والعثمانية، حكومات جائرة ـ غالباً ـ في سلوكياتها، وكان معظم سلاطين هذه الأُسر يجاهرون ـ غالباً ـ بمظاهر الفسق والفجور؛ كشرب الخمر ولعب القمار وممارسة الزنا ومصاحبة الغلمان وإقامة حفلات المجون. وكانت الدولة العثمانية هي الأسوأ في هذا المجال؛ إذ كانت الجواري القوقازيات والأُوروبيات غير المسلمات صاحبات السلطة المطلقة في كثير من المراحل، وهنّ ظل خلفاء المسلمين (حينما يكونون غلماناً). ورغم ذلك يرى معظم الإسلاميين المعاصرين (شيعة وسنة) أنّ الدولة العثمانية تحمل عنوان ( الدولة الإسلامية). والحال أنّها لم تكن تختلف في عدم شرعيتها النظرية والسلوكية عن الدولتين الأُموية والعباسية؛ أي أنّها تمثل حكومة الأمر الواقع التي جاءت بالغلبة والقهر والاحتلال والاستعمار.

ولكن يبدو أنّ المراد من إسلامية الدولة العثمانية هو القشر الديني الذي يميزها عن الدول الأُوروبية التي بدأت حملاتها الاستعمارية ضد البلدان الإسلامية؛ فكان الفقهاء يجدون أنفسهم بين لاشرعيتين واحتلالين وظلمين: أحدهما أُوروبي نصراني، والآخر تركي مسلم. فكان الترجيح ـ حسب القاعدة الشرعية ـ للمحتل الظالم اللاشرعي المسلم؛ على حساب المحتل الظالم اللاشرعي غير المسلم، بل كان الدفاع عن وجود المحتل الظالم المسلم واجباً خلال تعرّضه للخطر من غازي غير مسلم؛ الأمر الذي ظل يضاعف من طغيان الحاكم المسلم الظالم.

([8]) للمزيد: اُنظر: لك زائي، الدكتور نجف، «فقه سياسي: كاستيها وبايستها» (الفقه السياسي: النواقص والضرورات)، مجلة: انديشه حوزه، قم، العدد 21و22، 2005، ص206.

([9]) اُنظر: المصدر السابق، ص 208 و209.

([10]) علوي، سيد نادر (مصدر سابق)، ص197.

([11]) شمس الدين، الشيخ محمد مهدي، «الاجتماع السياسي الإسلامي»، دار الثقافة، قم، 1994، ص21.

([12]) المصدر السابق.

([13]) المصدر السابق، ص 25.

([14]) المصدر السابق.

([15]) يقسم العلامة الشيخ محمد مهدي شمس الدين التشريع الإسلامي إلى ثلاثة أُطر فقط؛ إذ يجمع تشريعات الجماعة وتشريعات المجتمع وتشريعات الدولة في إطار واحد (اُنظر: «الاجتماع السياسي الإسلامي» (مصدر سابق)، ص 30). والحال أنّ لكل من الجماعة المسلمة والمجتمع المسلم والدولة الإسلامية مفاهيم مختلفة من جهات كثيرة.

([16]) اُنظر: المصدر السابق، ص 41.

([17]) اُنظر: المودودي، الشيخ أبو الأعلى، «القانون الإسلامي» (مصدر سابق)، ص73.

([18]) اُنظر: الغزالي، الشيخ أبو حامد، «إحياء علوم الدين»، دار إحياء التراث، بيروت (د.ت).

([19]) اُنظر: الزحيلي، الدكتور وهبة، «الفقه الإسلامي وأدلته»، دار الفكر، دمشق، 1983.

([20]) كما في كتاب «المبسوط» للشيخ أبي جعفر الطوسي، المكتبة الرضوية، طهران، 1378 ه.

([21]) كما في كتاب «الفقه على المذاهب الخمسة» للشيخ محمد جواد مغنية، دار التعارف، بيروت، ط7، 1982.

([22]) اُنظر: الحلي، المحقق الشيخ جعفر بن الحسن، «شرائع الإسلام في مسائل الحلال والحرام»، دار استقلال، قم، 1415 ه.

([23]) هذا التقسيم صاغه السيد محمد باقر الصدر في كتاب (رسالته الفقهية العملية) «الفتاوى الواضحة». وقد أشار إلى هذا التقسيم في المقدمة، دار التعارف، بيروت، 1982، ص99.

([24]) اُنظر: عميد زنجاني، عباس علي، «فقه سياسي» (مصدر سابق)، ج2، ص47.

([25]) المؤمن، علي، «الفقه والسياسة: تطور الفقه السياسي الإسلامي حتى ظهور النظريات الحديثة» (مصدر سابق)، ص 24.

([26]) الفضلي، الشيخ عبد الهادي، «هكذا قرأتهم»، دار المرتضى، بيروت، 2003، ج2، ص217.

([27]) اُنظر: عاليه، د. سمير، «المدخل لدراسة القانون والشريعة»، المؤسسة الجامعية، بيروت، 2002، ص71.

([28]) العاملي، الشيخ محمد بن مكي الجزيني، «القواعد والفوائد»، تحقيق: السيد عبد الهادي الحكيم، مكتبة المفيد، قم، ج1، ص30.

([29]) اُنظر: المؤمن، علي، «الفقه والسياسة» (مصدر سابق).

([30]) يمكن في هذا المجال مراجعة الموسوعتين الفقهيتين السياسيتين التأسيسيتين المهمتين: «دراسات في فقه الدولة الإسلامية» في أربعة مجلدات، للشيخ حسين علي المنتظري، و«الفقه السياسي» في خمسة مجلدات، للشيخ عباس علي عميد الزنجاني؛ للوقوف على حجم المساحة التي تغطيها موضوعات الفقه السياسي الإسلامي. تجدر الإشارة إلى أنّ منهجي الكتابين يكمل أحدهما الآخر؛ فالأول بحث موضوعات فقه الدولة الإسلامية بمنهج حوزوي (الدراسات الشرعية التقليدية) والثاني بمنهج أكاديمي حديث (الدراسات القانونية).

([31]) كما في كتابه: «مباني حقوق إسلامي» (قواعد القانون الإسلامي)، جامعة طهران، طهران، 1991.

([32]) كما فصّلها في موسوعته الفقهية السياسية التأسيسية المهمة: «فقه سياسي» (الفقه السياسي) (مصدر سابق)، ج2، ص47.

([33]) كما في كتابه «فقه سياسى إسلام» (الفقه السياسي الإسلامي) (مصدر سابق).

([34]) كما في دراسة «نظام حقوقي إسلام» (النظام الحقوقي في الإسلام)، مؤسسة دراسات وتدوين العلوم الإنسانية، طهران، 1996.

([35]) كما فصّله في مقدمة رسالته الفقهية العملية «الفتاوى الواضحة» (مصدر سابق).

([36]) اُنظر: المؤمن، علي، «الفقه الثقافي الإسلامي: مقاربة باتجاه التأسيس»، مجلة: الوحدة الإسلامية، بيروت، العدد 19، حزيران 2003، ص 44 ـ 46.

([37]) وهو ما عبّرتُ عنه في مقدمة بحث «الفقه الثقافي الإسلامي» (مصدر سابق).

([38]) صدر في إيران خلال الفترة من العام 1986 وحتى نهاية التسعينات مئات الدراسات والكتب التخصصية في موضوعات تجديد الفكر الإسلامي والفقه الإسلامي والفقه السياسي وأُصول الفقه وفلسفة الدين، كما عقدت عشرات المؤتمرات والندوات التخصصية (الفقهية والفكرية والمنهجية). ولم يبق فقيه وباحث إسلامي في إيران لم يدل بدلوه في الموضوع؛ فكانت من أخصب وأنضج الفترات الزمنية علمياً. وربما كانت نتاجاتها المطبوعة تعادل كل ما كتبه الفقهاء والباحثون الشيعة خلال ألف سنة.

اُنظر للمزيد حول هذه النتاجات وحجمها ونوعها وموضوعاتها: المؤمن، علي، «الإسلام والتجديد»، دار الروضة، بيروت، 2000. والمؤمن، علي، «النظام السياسي الإسلامي الحديث» (مصدر سابق).

latest video

news via inbox

Nulla turp dis cursus. Integer liberos  euismod pretium faucibua

Leave A Comment