منهج دراسة القانون الدستوري الإسلامي

Last Updated: 2024/06/10By

منهج دراسة القانون الدستوري الإسلامي

د. علي المؤمن

موضوع التقنين الدستوري

يرتبط موضوع الكتاب ارتباطاً عضوياً بمقولتين أساسيتين للتصور الكوني الإسلامي، تدور الأُولى حول قابلية الإسلام على استيعاب متغيرات الزمان والمكان، وقدرة أُصوله ومصادره وتشريعاته على الاستمرار في الإمساك بحركة المجتمع المسلم وقيادته؛ ليظل منسجماً مع العصر ومتطلباته. وتدور الثانية حول قدرة الإسلام على الإحاطة بجميع جوانب الحياة، وتنظيم علاقات الإنسان بكل عناوينها؛ كعلاقته بربه وبنفسه وبالإنسان الآخر (فرداً أو أُسرة أو مجتمعاً) وبالمخلوقات والطبيعة، وهو ما ينتظم في أحكام وتشريعات وقوانين مترابطة، لا تقتصر على المجالات الأخلاقية والعبادية (بالمعنى الخاص للعبادة)، بل تشتمل أيضاً على مجالات السياسة والإدارة والاقتصاد والمال والأحوال الشخصية وغيرها([1]).

ولسنا هنا بصدد دراسة هاتين المقولتين والبرهان عليهما نفياً أو إثباتاً، لكننا نذكرهما كمدخلين فرضيّين مهمين، تنبع أهميتهما من أنّ الفقه السياسي الإسلامي يرتكز إليهما للدلالة على مشروعيته العقدية، وأنه مكوِّن أساس في التصور الكوني الإسلامي([2]).

التعريفات

لحصر الدلالات الموضوعية لعنوان الكتاب، نتوقف عند المفردات التي احتوته:

1-«التقنين» مصطلح يرادف التشريع (Legislation)، لغوياً واصطلاحياً، وله ثلاثة معاني: الأول: بمعنى وضع القانون (Lawmaking)، والثاني: بمعنى القانون أو المادة القانونية (Law-Statute) والثالث: بمعنى مجموعة القوانين (code-corpus) التي يجمعها موضوع واحد. والذي نقصده في العنوان هو المعنى الأول، أي وضع القانون (استنباطاً وصياغة وإصداراً). وتأتي وثيقـة الدستـور (Constitution) في مقدمة القوانين باعتبارها القانون الأساسي للدولة، والذي تضعه – غالباً – سلطة خاصة؛ يصطلـح عليهــا السلطة التأسيسيـة (Constituent assembly)؛ بغض النظر عن مسمياتها المختلفة من بلد لآخر. ويلي الدستور من حيث الأهمية والتراتبية القانون العادي الذي تضعه – عادة – السلطة التشريعية، ثم القانون الفرعي الذي يحدد الدستور والقانون العادي صلاحيات من يضعه من سلطات الدولة ومؤسساتها.

2-الدستور (Constitution) ـ كوثيقة مدوّنة ـ هو أسمى القوانين، باعتباره القانون الأساسي أو القاانون الأول، ويتألف من مجموعة المواد القانونية التي تعبِّر عن طبيعة الحياة السياسية في الدولة وشكل نظامها السياسي وأهدافه، وسلطات الدولة ومؤسساتها الدستورية ووظائفها وعلاقاتها ببعضها وبالشعب أفراداً وجماعات ومجتمعاً، وحقوق وواجبات ومساحات حركة كل مكوِّن من مكونات الدولة والحكومة والمجتمع. وبالتالي فالدستور هو مصدر شرعية السلطات والحاكمين، والضمانة العليا لحقوق الأفراد والجماعات وحرياتهم ووحدتهم وديمومة حركتهم باتجاه أهدافهم وطموحاتهم؛ لأنّه المعبِّر عن الإرادة الجماعية([3]).

3-القانون الدستوري([4])(Constitutional law) هو مجموعة القواعد القانونية التي تقع في قمة هرم النظام القانوني للدولة (Legislational system of state)؛ أي أنّها قاعدة تنظيم الدولة، وتوضع مواد الدستور على أساسها. وتوضح هذه القواعد أساليب التقنين الدستوري ومصادره وضوابطه، والرقابة على دستورية القوانين، وضمانات حقوق الأفراد وحرياتهم، وطبيعة عمل السلطات وعلاقاتها ببعضها([5]). ووظيفة القانون الدستوري مرادفة لوظيفة الدستور، على اعتبار أنّ الدستور هو مجموعة المواد التي تترشح عن قواعد القانون الدستوري.

وتقف وثيقـة الدستـور على رأس قوانين الدولة، باعتبارها القانون الأساسي للدولة، والذي تضعه ـ غالباً ـ سلطة خاصة، يصطلح عليها السلطة التأسيسية (Constituent assembly)، بغض النظر عن مسمياتها المختلفة من بلد لآخر. ويلي الدستور من حيث الأهمية والتراتبية القانون العادي الذي تضعه ـ عادة ـ السلطة التشريعية، ثم القانون الفرعي الذي يحدد الدستور والقانون العادي صلاحيات من يضعه من سلطات الدولة ومؤسساتها([6]).

أمّا قيد (الإسلامي) المضاف إلى القانون الدستوري، فيوضح الهوية العقدية والفقهية للقانون الدستوري، وأنه قانون دستوري مقيد بأحكام الشريعة الإسلامية، والفقه السياسي الشرعي تحديداً، وليس قانوناً دستورياً وضعياً. ويمكن القول إنّ موضوع القانون الدستوري الوضعي يتماثل مع موضوع الفقه السياسي الإسلامي من ناحية الوظيفة التشريعية والتنظيمية([7])، إذ تشغل أحكام الفقه السياسي الإسلامي الموقع نفسه الذي تشغله قواعد القانون الدستوري في عملية تنظيم الدولة وسلطاتها، وتحديد وظائفها وأهدافها، وحقوق وواجبات كل من الحاكمين والمحكومين. ولايتماثل القانون الدستوري مع مطلق الفقه الإسلامي أو مطلق الشريعة؛ لأنّ الفقه الإسلامي أو الشريعة تعالج مختلف أبواب الحياة والنشاط البشري (التشريعات العبادية والمدنية والمالية وغيرها)، وينتج عن تقنينهما تشريعات تستوعب جميع النظام القانوني للدولة، وهو ما تختص به ـ غالباً ـ السلطة التشريعية في الدولة، في حين أنّ تقنين الفقه السياسي ينتج عنه دستوراً وقانوناً دستورياً. ويقتصر الدستور على القضايا ذات العلاقة بتنظيم الحياة السياسية وحسب، وإن استند إلى القواعد العقدية والشرعية والفكرية. كما أن وجود مفردة (الدستوري) في العنوان كقيد للتقنين يحدد المرتكز العام للأطروحة، والمتمثل في أحكام الفقه السياسي الإسلامي التي تُقَنَّن؛ فتتحول إلى مواد دستورية.

والنموذج التطبيقي الذي استخدمته الأطروحة في توضيح فكرة التقنين الدستوري الحديث للفقه السياسي الإسلامي وقواعده هو نموذج القانون الدستوري للجمهورية الإسلامية الإيرانية، والذي ينتظم في دستورها الذي وافقت عليه غالبية الشعب الإيراني في استفتائي العام 1979 والعام 1989. والقانون الدستوري للجمهورية الإسلامية الإيرانية هو التعبير القانوني عن الفقه السياسي الذي أفرزه مبدأ ولاية الفقيه وفق صياغة الإمام الخميني. وهذا النموذج ربما يكون النموذج التطبيقي الأكثر تبلوراً، والذي يمكن اعتماده عيِّنة علمية للبحث في موضوع القانون الدستوري الإسلامـي (Islamic Constitutional law) ونشـوء قواعـده وأحكامه، والمقاربة بينه والقانون الدستوري الوضعي من ناحية الأشكال والمضامين. والسبب في ذلك يعود إلى أن القانون الدستوري للجمهورية الإسلامية الإيرانية ونظامها السياسي يمثلان تجربة متفردة وعميقة على المستويات الفقهية والقانونية والسياسية، وقد تبلورا عبر سنين طويلة وبجهود مئات الفقهاء وعلماء القانون والسياسة. وبالقدر الذي يتميز فيه القانون الدستوري للجمهورية الإسلامية عن القوانين الدستورية الوضعية في المداليل الفكرية والآيديولوجية، ولا سيما في جانب الرؤية الكونية والأهداف والمصادر، فإنه يتساوق معها في القيمة العلمية القانونية، بالنظر لنوعية صياغاته الفنية ومداليله السياسية.

إشكاليات التقنين الدستوري الإسلامي

تنبع أهمية البحث الذي بين أيدينا من طبيعة الأهداف العلمية التي سيجتهد الباحث للوصول إليها، ومن ندرة ما تحتويه المكتبة العربية من بحوث علمية في الموضوع، والمشكلات المعرفية الأساسية والفرعية التي سيساهم في معالجتها، فضلاً عن أهمية دراسة التجربة الإيرانية القائمة في مجال التقنين الفقهي عموماً وتقنين الفقه السياسي الإسلامي خصوصاً؛ لما يمثله هذا المجال من إضافات نوعية إلى الفقه السياسي الإسلامي والقانون الدستوري الإسلامي وأدوات التقنين وأساليبه، وبالحجم الذي يجعلها مفصلاً علمياً وفكرياً تاريخياً. وهذا المجال يعبِّر في أحد أهم أوجهه عن الأزمة المتراكمة الذي ظل الفقه السياسي لمدرسة الإمامة في عصر الغيبة (غيبة الإمام الثاني عشر) يعاني منها، والتي تفجرت بوجه فقهاء المدرسة ورجال القانون المنتسبين إليها؛ بصورة إشكالات متوالدة متوالية، حالما بدؤا في وضع أسس دستور الدولة الإسلامية الحديثة عام 1979. وظلت هذه الإشكالات محل سجال علمي وايديولوجي وسياسي بين مختلف الأطراف الفكرية والسياسية.

وتتمثل هذه الأزمة في طبيعة الفقه السياسي المطروح في المدوّنات والكتب الفقهية([8])، فكثير من موضوعات الفقه السياسي الإسلامي لم تكن تُبحث أو يكتب فيها؛ لأنّها خارج دائرة الاهتمام؛ بالنظر لإبعادها عن الواقع، وخاصة واقع التغييب السياسي الذي ظلت تعيشه مدرسة الإمامة قرون طويلة.

أما الموضوعات التي كان الفقهاء يتطرقون إليها؛ فكانت – غالباً – تبحث بصورة نظرية بعيدة إلى حد ما عن إشكاليات الواقع الاجتماعي وأسئلته، وبدون الأخذ بنظر الاعتبار موضوعة الدولة؛ أي أنها لم تنظر إلى الدولة الإسلامية كوعاء لتطبيق الأحكام، والحكومة كأداة لها([9])، بل إمكانية تطبيق بعضها في ظل الإدارة الاجتماعية – الدينية المحدودة للحاكم الشرعي الديني([10]).(الفقيه أو من ينوب عنه) الذي يرجع إليه المجتمع الشيعي في شؤونه.

وبقيت الموضوعات ذات الصلة بالسياسة والحكم والسلطة والولاية متناثرة في أكثر من باب فقهي أو مدخل علمي، ولم تكن موحّدة موضوعياً، أي أنّها لم تكن تبحث أو تجمع في باب واحد، بالصورة التي تؤهلها لصياغة نظرية في الفقه السياسي. ومن أهم هذه الأبواب: الجهاد، الخراج، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، الوصية، القضاء، صلاة الجمعة، الحسبة، البيع وغيرها([11]). وكما هو الحال مع أبواب الفقه الأُخر التي تدخل في نطاق فقه العبادات أو العقود أو الإيقاعات، ومجمل الفقه المدني والأحوال الشخصية؛ فإنّ الأبواب المذكورة أُشبعت بحثاً ومعالجة، وأتقن الفقهاء تبويبها وتجميعها. وهو ما يمكن مقارنته بالفقه السياسي أو الفقه السلطاني لمدرسة الخلافة (المذاهب السنية)، الذي يشكل تراثاً ضخماً مبوباً موضوعياً.

ولا شك أنّ وراء الناتج المتباين الذي خلّفته مدرستا الخلافة والإمامة؛ أسباباً موضوعية عميقة، لصيقة بالواقع التاريخي الذي عاشه أتباع المدرستين خلال 1350 عاماً أعقبت ما عُرف بعصر الخلافة الراشدة. ولسنا هنا بصدد دراسة هذا الواقع وأسبابه([12])، ولكن الذي يهمنا هو الوصول إلى نوعية الإشكالية المعرفية التي يخلقها هذا الواقع. وإذا كان الحال هو هذا بالنسبة لمدوّنات الفقه السياسي في مدرسة الإمامة، فكيف ـ إذاً ـ بموضوعات مثل التقنين الفقهي، والنظام السياسي، ونظم الدولة الأُخر، والدستور والنظم الحقوقية. صحيح أنّ المصادر الإسلامية (القرآن الكريم والسنة الشريفة) تضم أُسساً ونظماً قيّمة، بل كثيراً من التفاصيل حول هذه الموضوعات، إلّا أنّ جهود المتكلمين والفقهاء المتقدمين، ثم المفكرين ورجال القانون المسلمين في العصر الحديث، لم تتظافر من أجل معالجتها؛ الأمر الذي دفع المستشرق الألماني “جوزيف شاخت” (ت 1969م) إلى القول بأنّ: ((التشريع الإسلامي لم يطور المفهوم القانوني المقابل لهذا اللقب (لقب السلطان)، ولهذا السبب نفسه فإنّ النظم الأساسية للدولة الإسلامية لم توضع على أنّها تؤدي وظائف لجمهور المؤمنين من حيث هم كذلك، وإنّما اعتبرت فروض كفاية إذا قام بها عدد كاف من الأشخاص، فإنّ ذلك يعفي الباقين من القيام بها، فالواقع أنّه لا يوجد مفهوم لما يسمى نظاماً أو مؤسسة (Institution). وفكرة الشخصية القانونية (Juristic person) كانت على وشك الظهور، غير أنّها لم تتحقق في التشريع الإسلامي))([13]).

وهكذا يلخص “شاخت” التجربة التاريخية للحكومات السلطانية التي صادرت الشريعة وقواعدها وأحكامها وحقوق المسلمين وحرياتهم، وانفردت بالقرار السياسي والإداري، بل وجيّرت جهود الفقهاء والمتكلمين والمحدّثين في مجال معالجة قضايا الحكم والسلطة لمصالحها الخاصة، متجاوزين بذلك عشرات القواعد الشرعية الحقوقية التي بيّنها القرآن الكريم وكشفت عنها السنة الشريفة.

ومن هنا فحين استهل الإيرانيون عملية التقنين بكتابة دستور دولتهم الجديدة، واجهتهم هذه التركة الثقيلة، ولم يكن بين أيديهم من قواعد تقنين ومبادىء قانونية دستورية ونصوص دستورية، سوى محاولات صدرت خلال ثورة المشروطة (الدستور) في إيران في الأعوام (1906ـ 1909)، ثم مرحلة إقرار دستور الدولة العثمانية في العام 1908، وجهود فردية وجماعية محدودة لبعض الشخصيات والحركات الإسلامية (سنية وشيعية)، في مقابل كم هائل من تجارب القانون الدستوري المتكاملة في أُوروبا، والتي تعبِّر عن خبرة تراكمية بدأت قبل عصر النهضة الأُوروبية بقرنين تقريباً. ولم تكن محاولات المسلمين السابقة بذات فائدة كبيرة، كما هو الحال مع التجربة الأُوروبية؛ لأنّ الأُولى لم تكن تنطوي على قيمة نظرية وعملية كفيلة ببناء منظومة قانونية لدولة إسلامية حديثة مقيدة بأحكام القانون الدولي والقانون الدستوري الوضعي، وصياغة دستور إسلامي؛ في حين أنّ الثانية كانت بعيدة في غاياتها وأهدافها أو رؤيتها الكونية عن التشريع الإسلامي وروحه. ويُرجع الفقيه الدستوري المصري عبد الرزاق السنهوري هذا الوضع إلى الحكومات المستبدة التي تعاقبت على حكم المسلمين، وأخمدت كل المحاولات الفقهية التي تؤصل للحكم الإسلامي على أساس الحقوق العامة والحريات السياسية. ويخلص السنهوري إلى أنّ الفقه الإسلامي في مجال القانون العام وفقه الدولة ((لا يزال في دور الطفولة))([14]).

وإذا دخلنا في بعض تفاصيل هذه التركة الفقهية والفكرية؛ فسنواجه – ابتداءً – بمحاولات الدسترة والتقنين في عهد ثورة المشروطة الإيرانية، وما تخللها من خطاب ورؤى متنوعة لعلماء الدين ورجال القانون والمثقفين الإسلاميين والعلمانيين، وما قدمته من فوائد نظرية وعملية في التأسيس للقانون الدستوري للجمهورية الإسلامية الإيرانية؛ بعدها بحوالي ثلاثة وسبعين عاماً.

والحقيقة ان ثورة الدستور في إيران لم تكن ثورة إسلامية محضة تهدف إلى بناء نظام ديني؛ برغم أن رعاتها وقادتها كانوا من كبار علماء الدين؛ بل كانت غاياتها تنحصر في مواجهة الاستبداد الملكي والحكم المطلق عبر دستور يحد من صلاحيات الشاه، وبرلمان يمثل الشعب؛ أي أن غاية ما كانت تطمح إليه الثورة وقادتها من علماء دين ومفكرين هو التأسيس لملكية دستورية وراثية لا تتعارض قوانينها مع أحكام الشريعة الإسلامية. وقد عبّرت أدبيات الثورة بوضوح عن هذا الهدف. والكتب والدراسات والرسائل والخطابات التي صدرت لتحريك الثورة ومناصرتها وتقوية بنيتها الفكرية، ومنحها غطاءً فقهياً؛ كان همّها الأساس هو الدستور وتقييد صلاحيات الشاه به؛ فأضفت مختلف أنواع المسوغات الفكرية والفقهية والسياسية على الدستور؛ للحصول عليه وإقراره – أولاً – وضمان تطبيقه – ثانياً. ولذلك أطلقت على النظام السياسي الذي تهدف إلى تطبيقه: «الحكومة المشروطة»؛ أي الخاضعة للشروط، وهو تعبير عن تقييد الصلاحيات كما يحددها الدستور. وبالتالي فتأييد مرجع النجف الشيخ محمد كاظم الآخوند الخراساني (ت 1911م)، وتوجيهات قائد الثورة السيد عبدالله البهبهاني الغريفي (ت 1910م)، وتنظير الشيخ الميرزا محمـد حسين النائيني (ت 1936م)؛ بل وحتى معارضة الشيخ فضـل الله النوري (أعدم 1909م)، لم تكن تهدف إلى تأصيل فقهي للنظام السياسي الإسلامي أو التأسيس لفقه سياسي إسلامي أو تدوين دستور لدولة إسلامية؛ لأنها كانت تتعامل مع الواقع الذي يحكم إيران ومع العقل الذي يتحكم بها.

وواقعية هذا اللون من الفكر السياسي الإسلامي المرحلي؛ له علاقة بمستوى وعي الأمة، ومستوى جرأة الفقهاء وانفتاحهم على موضوعات الفقه السياسي، ورؤيتهم لموضوعة الدولة الإسلامية، وهو نتاج لعملية تفاعلية بين العقل المتحكم بالشعب وفقهائه ومثقفيه، والواقع الحاكم منذ مئات السنين. ومثلما لم يكن علمانيو الثورة يفكرون تفكيراً حقيقياً بالتأسيس لنظام جمهوري؛ فإن إسلامييها أيضاً لم يكن وارداً لديهم التأصيل لنظام إسلامي.

وإذا دخلنا في بعض تفاصيل التركة الفقهية والفكرية الدستورية الإسلامية؛ سنرى أنّ محاولتي ثورة المشروطة الإيرانية وحركة الإصلاح الدستوري العثماني، كانتا تؤسسان لحكم دستوري سلطاني. ولعلهما لا يختلفان في ملامستهما لسطوح الفقه السياسي الإسلامي عن التجربة الباكستانية التي انتجت الجمهورية الإسلامية الباكستانية. بينما تراوحت رؤى بعـض الفقهاء والباحثين والجماعات الإسلامية، بين إعادة نظام الخلافة (حزب التحرير وجماعة النور) ([15])، وإقامة دولة المسلمين بالاعتماد على التراث الفقهي والفكري الموروث والحديث (جماعة الإخوان المسلمين) ([16])، أو الدولة السلطانية (التيار السلفي) ([17])، أو دولة الشورى (حزب الدعوة الإسلامية) ([18]). وقد كان الفقه السياسي للحركة السلفية وجماعة الإخوان المسلمين وحزب التحرير؛ امتداداً للفقه السني الموروث، مع بعض الإضافات الإصلاحية في الشكل والأساليب، بهدف عصرنة دولة الخلافة أو تغيير اسمها.

أمّا الفكر السياسـي والدستوري الذي طرحه حزب الدعوة الإسلامية([19])؛ فكان جديداً في الوسط الإسلامي الشيعي، ومثّل نقلة في مسار الفقه السياسي لمدرسة الإمامة؛ لأنّه أول من دعا إلى الدولة الإسلامية وأصّل لشرعية إقامتها في عصر الغيبة، وتلخصت نظريته في دولة الشورى التي تبادر فيها الجماعةُ المؤمنة لقيادة الأُمّة وتأسيس الدولة الإسلامية([20]). ثم عاد مؤسس الحزب السيد محمد باقر الصدر ليطرح بعد عشرين عاماً فقهاً إسلامياً دستورياً عصرياً، مثّل خطوة نوعية أُخرى في مسار الفقه السياسي الشيعي([21]) وفقه الدولة الإسلامية([22]). ولعلّ هذا التأسيس هو من البحوث الفقهية الدستورية النادرة التي أفاد منها بناة القانون الدستوري الإسلامي الإيراني، والتي سبقت تدوين دستور الجمهورية الإسلامية الإسلامية.

أمّا الطفرة النوعية التحديثية في مسار القانون الدستوري الإسلامي؛ فهي التي جرت فصولها في إيران خلال العام 1979 والأعوام التي تلته، والتي أسست لقانون دستوري إسلامي تأصيلي مستند إلى الفقه السياسي الإسلامي. وأعقبتها محاولات في السودان وأفغانستان، لم تخرج عن الموروث الفقهي السياسي لجماعة الإخوان المسلمين.

وقد ظلت اتجاهات الفقه الإسلامي والتيارات الفكرية والسياسية الإسلامية؛ مختلفة حول كثير من أُسس وتفاصيل الفقه السياسي الإسلامي والتقنين الفقهي والفقه الدستوري، بل إنّ بعض هذه الاتجاهات لم تقترب بعد من فقه الدولة، وأُخرى تعتقد أنّ (الدسترة) غريبة في قواعدها وتطبيقاتها عن فقه الدولة الإسلامية. هذا فضلاً عن أنّ بحوث الفقه الدستوري الإسلامي أو التقنين الدستوري للفقه من البحوث الجديدة في الفقه السياسي الإسلامي؛ إذ لم يستخدم مصطلح (القانون الدستوري الإسلامي) استخداماً علمياً محدداً قبل العام 1979، بالرغم من استخدام مصطلح (الدستـور) و(القانون الأساسـي) في بعـض الدراسات والأدبيات السياسية الإسلامية التي صدرت منذ نهايات القرن التاسع عشر الميلادي مع ظهور الحركات الإصلاحية في الدولتين العثمانية والإيرانية. واشتهر مصطلح الدستور أو القانون الأساسي (حسب الاصطلاح التركي والفارسي) في الأدبيات الإسلامية مع بدايات حركة المشروطة في إيران القاجارية وإقرار الدستور في تركيا العثمانية.

وبذلك؛ فإنّ مصطلحات ومفاهيم كالتقنين الدستوري الوضعي للفه والفقه الدستوري الإسلامي، والقانون الدستوري الإسلامي، والدستور، تختلف من ناحية حداثة استخدامها زمنياً عن أغلب مصطلحات الفقه السياسي الإسلامي التي يعود استخدامها إلى زمن بعيد؛ إذ دخلت هذه المصطلحات مجال الفقه السياسي الإسلامي يرافقها جدل فقهي وعلمي وفكري وسياسي واسع. ولكن ـ مما لا شك فيه ـ أنّ عدم استخدام مثل هذه المصطلحات من قبل الفقهاء المسلمين، لا يعني أنّ قواعدها وأحكامها العامة غير موجودة في المدوّنات الحديثية والفقهية والكلامية الإسلامية([23]).

والحقيقة أنّ إخضاع أحكام الفقه السياسي الإسلامي وقواعده لقواعد القانون الدستوري وتقنياته الفنية؛ سيؤدي إلى تحديث النظرة الإسلامية إلى علاقة السلطة بالأُمّة، ووظائف الدولة والسلطة، وموضوعات الحقوق والحريات العامة والسياسية. وقد يكون في جزء من عملية التحديث هذه تعارض مع الفقه الموروث أو الفهم الشرعي الموروث لموضوع الدولة، وفي ذلك ـ كما يعبِّر بعض الفقهاء ـ تعارض مع أحكام الشريعة الإسلامية. بيد أنّ مدخلية الزمان والمكان في تغيير موضوعات الأحكام الشرعية، وضغوطات الواقع بالانتقال إلى العناوين الثانوية، وتجاوز الجمود على بعض الأحكام التفصيلية في المجال السياسي، ونظم الدولة (ومعظمه مساحة متغيرات) بالاستناد إلى مقاصد الشريعة وأحكام ولي الأمر؛ يجعل عملية التحديث منسجمة مع أهداف الدين في إقامة الدولة وغاياتها ووظائفها؛ فيكون الأساس تحقيق الدولة لوظائفها الثابتة في الإسلام عبر آليات مرنة تتفق مع جوهر الشريعة ومقاصدها.

أمّا في الجانب الشكلي، أي هيكل النظام السياسي والتقنيات المتعلقة بتقنين الأحكام والقواعد الفقهية وصياغات القوانين ومسميات سلطات الدولة ومؤسساتها الدستورية؛ فهي قضايا تدخل في دائرة المتغيرات، ويمكن فيها اعتماد الصيغ والأدوات العصرية الأكثر فاعلية وفائدة وخدمة لأهداف الدولة وتطلعات الأُمّة.

وهنا نصل إلى أصل المشكلة التي تتعرض لها الأطروحة، وتعمل على دراستها وتفكيكها ومعالجتها، والمرتبطة بتنظيم العلاقة بين الفقه السياسي الشرعي بما يتضمنه من اجتهادات غير ملزِمة إلّا في حدود التقليد، والقانون الدستوري الوضعي الذي لا يقبل الاجتهادات والملزِم للجميع. وبكلمة أدق: تحويل أحكام وقواعد الفقه السياسي الإسلامي ـ على اختلاف فقهائها وتنوع اجتهاداتهم وتعدد مناهجهم ومستويات وعيهم ـ إلى صياغات قانونية وضعية وقواعد قانونية عامة آمرة وملزِمة للجميع، ومن شأنها ضبط السلوك الإنساني والعلاقات الاجتماعية السائدة في الدولة، وتعمل على تطوير هذه العلاقات باتجاه الأهداف المشتركة لفئات الشعب. ولا شك أنّ هذه العملية ليست عملية تقنية أو فنية وحسب، بل لها مداخل واسعة ومعمقة على الصعد الكلامية والفقهية والفكرية والقانونية؛ لأنّها ستكشف في النهاية عن مستوى قابلية النظام السياسي الديني على إدارة الدولة والمجتمع إدارةً عصرية تعمل على وحدتهما وتنميتهما وتلبية حاجاتهما، وتحقيق غايات الإسلام ومقاصد الشريعة في الدنيا وصولاً إلى الآخرة. وإذا عجزت عملية التقنين عن بلوغ هذه الأهداف؛ فإنّ النزوع نحو إطلاق يد التشريع الوضعي أو التقنين الوضعي سيتسع ويتعمق في الواقع الإسلامي، حتى وإن عمد المشرِّعون (Legistatots) إلى إضفاء مسوح إسلامية على التشريعات.

هذه المشكلة الأساسية تتفرع عنها مجموعة إشكاليات أو أسئلة فرعية، من أهمها:

1 ـ شكل ومضمون القواعد التي تحكم العلاقة بين الفقه السياسي الإسلامي بصياغاته الشرعية من جهة، والقانون الدستوري بصياغاته الوضعية من جهة أُخرى، وما يترتب على ذلك من مقدس ولا مقدس أو ثوابت ومتغيرات في قانون الدولة الإسلامية.

2 ـ أدوات وضوابط تحويل قواعد الفقه السياسي الإسلامي وأُصوله وأحكامه إلى قواعد ومواد قانونية دستورية حديثة، مع المحافظة على مقاصد القواعد الشرعية وعدم مصادرة مضامينها.

3 ـ محاولات أسلمة القانون الدستوري أُسوة بباقي العلوم الإنسانية والاجتماعية التي جرت محاولات لأسلمتها واكتشاف نظريات إسلامية مستقلة بها. وتبرز هنا إشكاليتان ثانويتان: الأُولى ترتبط بظهور القانون والحاجة إليه وضرورته بين الفكر القانوني الوضعي والفكر الفقهي الإسلامي، والثانية بأثر الموروث الفقهي في اتجاهات الفكر القانوني الإسلامي.

4 ـ ما يترتب ـ في الجانب التطبيقي ـ على تقدّم أحكام الشريعة على قواعد القانون الدستوري؛ باعتبار أنّ الشريعة هي المصدر الأساس للقانون الدستوري الإسلامي من جهة، وكون وثيقة الدستور هي النص النهائي الذي تحتكم إليه الأُمّة من جهة أُخرى.

5 – معادلة العلاقة بين سلطة الفقيه؛ باعتباره صاحب الولاية على الفتوى وتفسير الشريعة من جهة، وسلطة الدستور وسموه وكونه العقد الذي أجمعت الأمة على مواده ونصوصه من جهة أخرى، ثم ما يترتب علـى هذه المعادلــة من علاقة فرعية بين التشريع والرقابة عليه من جهة، والسيادة الشعبية (National sovereignty) من جهة أخرى.

والحقيقة أنّ الهاجس الذي دفع ـ ولا يزال يدفع ـ بعض الفقهاء والمفكرين والجماعات الإسلامية إلى التمسك بالمصادر المقدسة دون غيرها كقوانين نهائية للدولة الإسلامية([24])؛ يكمن في الإشكاليات المترتبة على استحالة قانون الدولة الإسلامية قانوناً وضعياً، والتي تدور في إطار ثنائيات الديني والدنيوي، الشرعي والوضعي، الإلهي والبشري، الملزِم وغير الملزِم، المقدس واللا مقدس، الثابت والمتغيِّر وغيرها.

وبالرغم من أن الجمهورية الإسلامية الإيرانية عملت على معالجة هذه الثنائيات في دستورها ونظامها السياسي وقوانينها العادية وقراراتها الحكومية؛ إلّا أن هذه المعالجات تبقى مادة مهمة للدراسة؛ بالنظر للصعوبات التي تكتنفها والإشكاليات التي تنتج عنها، إلى الحد الذي يدفع المعارضين للجمهورية الإسلامية (إسلاميين وعلمانيين) إلى وصف هذه الثنائيات بالتناقضات التي تنطوي عليها عملية تقنين أحكام الشريعة، ويعطونها عدداً من العناوين العريضة، أبرزها: التناقض بين إسلامية الدستور وقوانين الجمهورية الإسلامية من جهة، والعناصر العلمانية وغير الشرعية فيها من جهة أخرى، وكذلك التناقض بين العناصر الديمقراطية وغير الديمقراطية في الدستور، والناشىء عن الصراع المفترض بين فكرة سيادة الشعب وفكرة ولاية الفقهاء على القوانين، والتناقض بين العناصر القانونية الحديثة المتعارضة مع الحكم الديني من جهة، ونص الدستور على أن الإسلام هو المصدر الوحيد للتشريع، وكون الشريعة هي الحاكمة على جميع القوانين المدنية والجزائية والإدارية والمالية من جهة أخرى؛ وهو نص – في الحقيقة – على الحكم الديني، إضافة إلى تعارض وجود مجلس صيانة الدستور إلى جانب البرلمان، ووجود القائد إلى جانب رئيس الجمهورية، وغيرها من الثنائيات الإشكالية.

ومن هنا؛ فإن أبرز العناصر العلمانية والديمقراطية الغربية في دستور الجمهورية الإسلامية – كما يقول بعض الباحثين – يتمثل في فكرة الدستور والقانون الدستوري نفسها، وكذلك المفاهيم التي جرى تطبيقها، كالسيادة الشعبية، حقوق الشعب، السلطة التشريعية (البرلمان)، الجمهورية، الاستفتاء العام، الانتخابات وغيرها، وهي جميعاً تستند إلى الفلسفة السياسية الغربية المستندة إلى منظومات فكرية وقيم أخلاقية اجتماعية وسياسية غربية، ولم تتطرق إليها المدونات الفقهية عامة ومدونات الفقه السياسي الإسلامي الجديدة خاصة قبل تأسيس الجمهورية الإسلامية في إيران. وهو الوجه الأهم في إشكالية الديني والدنيوي في دستور الجمهورية الإسلامية وفقهها السياسي.

ويمكن هنا طرح فرضية ملخصها: إنّ تقنين الفقه هو التفعيل البشري للشريعة، والقوانين التي تترشح عن هذه العملية هي قوانين بشرية مصدرها إلهي، وهي غير مقدسة في صياغاتها، ولكنها في مضامينها تنهل من أحكام وقواعد مقدسة، وهذه القوانين ملزِمة؛ ليس باعتبار قدسيتها، بل باعتبار وظيفتها. وقد خصّ الله (تعالى) نفسه بالتشريع؛ فالتشريع الإلهي هو المقدس والثابت والملزِم بالمطلق، والمتمثل في النصوص المقدسة (القرآن الكريم والصحيح من السنة الشريفة). وقد دلّت هذه النصوص على وجود جهة مختصة في تفسير النصوص والاستنباط منها واستكشاف الجديد من الإجابات الشرعية، وهم الفقهاء، الذين يمثلون القناة التي تربط بين التشريع الإلهي والتفسير البشري. وحين تتحول هذه النصوص والتفسيرات والاجتهادات ـ بتفويض من هذه القناة ـ إلى صياغات حديثة على أساس الأُصول المرعية في القوانين الوضعية، من قبل السلطات المختصة المنتخبة من الأُمّة (المجلس التأسيسي أو البرلمان أو الحكومة)؛ فإنّ هذه الصياغات تكون وضعية وبشرية. وهنا تكمن معادلة العلاقة بين حاكمية الشريعة وحاكمية الأُمّة. صحيح أنّ هذه القوانين هي قوانين إسلامية، ولكنها قوانين اعتبارية أو عقْدية، وتدخل في باب ما لا نصّ فيه، وهي مساحات تفويض تشريعي، وتحديداً هي وثيقة الدستور، والقوانين العادية، والقرارات والنظم الحكومية.

منهجية دراسة القانون الدستوري الإسلامي

إن البحث الذي نحن بصدده يعدّ من البحوث القليلة في المكتبة العربية قياساً بالمكتبة الفارسية، فقلما اشتغل الباحثون العرب – في حدود اطّلاع الباحث – على موضوع التقنين الدستوري الحديث للفقه السياسي الإسلامي؛ في حدود بلد معيّن وزمان معيّن؛ بما يتفق وأحكام القانون الدولي وقواعد القانون الدستوري الوضعيّين؛ بصورة عامة، والقانون الدستوري الإيراني بصورة خاصة، في إطار دراسات علمية تتكامل فيها المعالجات الفكرية والفقهية والقانونية. وبالتالي آمل أن يشكِّل هذا البحث إضافة نوعية في هذا المجال، وربما يكون ذلك هو الجديد الأهم الذي سيقدمه البحث.

والحقيقة أن البحوث القليلة (المدوّنة باللغة العربية) التي عالجت موضوع القانون الدستوري الإسلامي والقانون الدستوري للجمهورية الإسلامية؛ كان معظمها يقع في إشكاليات منهجية، تختلف ألوانها ومضامينها؛ تبعاً للميول الفكرية والسياسية لأصحابها، والسبب يعود إلى المنهجية المعيارية التي تقود هذه البحوث إلى نتائج بعيدة عن حقائق القانون الدستوري الإسلامي الإيراني؛ فقسم من هذه البحوث يُسقط قواعد القوانين الدستورية الوضعية، والغربية تحديداً، على القانون الدستوري الإسلامي الحديث، على أساس افتراض أن تلك القواعد هي قواعد عامة مشتركة تصلح للتطبيق في كل بيئة ومجتمع؛ في حين أن القانون هو نتاج حاجة المجتمع القائمة وخبراته المتراكمة، وهي بمجملها تشكل الحاضنة الطبيعية للقانون. وتكون محصلة هذا المنهج المعياري أن القانون الدستوري الإسلامي يتناقض مع مبادىء القانون الدستوري الوضعي الغربي بما تمثله هذه المبادىء من التزامات بالعلمانية والليبرالية، وإطلاق التشريع ومصادره، وشكل الحقوق والحريات وغيرها.

أما القسم المقابل من تلك البحوث فهو الذي يضع التجربة التاريخية للحكومات – التي فرضت نفسها على المسلمين – نموذجاً لقياس التجربة الدستورية الإسلامية الحديثة. فيكون الناتج أن التجربة الإيرانية هذه إما متماهية مع كل سلبيات التجربة التاريخية وامتدادٌ لها، أو أنها تتعارض معها؛ فتكون عصرنتها تغرّباً وأصالتها انحرافاً، وتوصف بأنها رجعية متخلفة، ونسخة عن الحياة في القرن الهجري الأول؛ وبالتالي يتّهم القسم الأول القانون الدستوري الإسلامي الإيراني بأنه قانون رجعي متخلف يجنح إلى الاستبداد ويقيِّد الحقوق والحريات، ويسبح في بحر من الأفكار الثيوقراطية(1)، في حين يتهمه القسم الثاني بأنه قانون علماني يجنح إلى التغرّب، ويستخدم أساليب النظم الديمقراطية الوضعية وأدواتها.

والحقيقة أن معظم ما كتب عن النظام السياسي في إيران كان ولا يزال محكوماً بالميول الفكرية والسياسية للكتّاب من جهة، وبالسلوك اليومي لنظام الجمهورية الإسلامية، والمتمظهر بالأزمات السياسية والصراعات الإعلامية الداخلية أو مع الدول الأخرى من جهة أخرى؛ مما يتسبب في غياب الموضوعية والمنهجية العلمية وروح البحث والتحقيق غالباً. ويكون الناتج أما كتابات منحازة إلى النظام أو منحازة إلى الضد عادة. وقد لا تسلم كثير من الكتابات المحلية الإيرانية نفسها من هذا الغياب في الموضوعية؛ إذ تفرض الخلافات السياسية نفسها على هذه الكتابات؛ فيعمد أصحابها إلى التضحية بالمعايير والثوابت الدينية والعلمية بعد إقحامها في الخلافات، وبالتالي تتحول الصحف ووسائل الإعلام والمنابر إلى ساحات لتسويغ المتبنيات والسلوكيات السياسية وتمريرها عبر إخضاع الثوابت الإسلامية إليها، أو مهاجمة بعض هذه الثوابت؛ لأن الجهة المقابلة تدافع عنها، أو استغلال ثوابت معينة لضرب الجهة المقابلة؛ فيكون الدفاع والدفاع المضاد هنا مقروناً بالميول السياسية لكل طرف؛ في حين أنّ أصل التباين في وجهات النظر بين الفرقاء في إيران يرتبط بالمجال الفكري والفقهي.

بينما يستسهل كتاب وصحفيون إيرانيون الخوض في موضوعات تخصصية في الفقه والقانون على صفحات الجرائد؛ بهدف تأكيد أراء ومواقف سياسة عامة. وهناك فقهاء محسوبون على نظام الجمهورية الإسلامية يدافعون نظرياً عن منهج الشيخ فضل الله النوري في رؤيته السلبية للدستور والبرلمان والانتخابات، ولكنهم عملياً يمارسون منهج الشيخ الميرزا النائيني في الأداء الحكومي. والحقيقة أن النظام السياسي في إيران والأدوات التي استخدمها في التأسيس لنفسه، حاول الجمع بين منهجي الميرزا النائيني والشيخ فضل الله النوري.

ويقع الباحثون غير الإيرانيين في أخطاء منهجية أخرى – غالباً ـ؛ بسبب اعتمادهم مصادر مترجمة من الفارسية إلى اللغات الأخرى، وما يخلقه ذلك من أزمات فكرية تعود إلى الترجمة الخاطئة – أحياناً – للمصطلحات والمسميات المستخدمة في إيران؛ الأمر الذي يتسبب في إشكاليات أو اختلاف في الفهم والتفسير؛ مثلاً: يترجم مجلس صيانة الدستور – أحياناً – إلى مجلس الأوصياء، ومجلس الخبراء إلى مجلس الملالي، والشعب إلى أُمة، والتقنين إلى تشريع وهكذا.

وبالرغم من أنّ بحثنا يدخل في إطار القانون الدستوري مدخلاً علمياً أساسياً، إضافة إلى الفقه السياسي الإسلامي مدخلاً أساسياً مكملاً؛ إلّا أنّ هناك مداخل علمية ثانوية، فرض استخدامها نوع الموضوع وتعدد أبعاده، مثل: القانون المقارن، النظم السياسية، علم الاجتماع السياسي، الفكر السياسي (الإسلامي والغربي)، علم الفقه وأُصوله؛ ذلك أنّ البحوث العلمية التي تتناول قضايا السياسة والسلطة في الإسلام، يتداخل فيها العقيدي بالفكري بالفقهي بالقانوني بالاجتماعي بالسياسي، وإن اقتصر البحث على مدخل محدد أو منهج معين([25]). ويمكن تفصيل هذه المداخل على النحو التالي:

1 ـ القانون: فلسفة القانون، علم القانون، القواعد القانونية، القانون المقارن والقانون الدستوري.

2 ـ الشريعة والفقه: علم الكلام، علم الفقه، مقاصد الشريعة، تاريخ التشريع، القواعد الفقهية، القواعد الأُصولية، الفقه المقارن والفقه السياسي.

3 ـ السياسة: الفكر السياسي، النظم السياسية، علم السياسة وعلم الاجتماع السياسي.

وبالنظر لتنوع المداخل العلمية للبحث وتشعّب أنساقه المعرفية، فقد اعتمدنا ما أطلق عليه بعض أصحاب الاختصاص )المنهج المركب)، الذي يجمع بين عدة مناهج، تترابط فيما بينها وتتكامل بصورة تنسجم مع طبيعة الموضوع. ومن أهمها: المنهج التحليلي النقدي، والمنهج الوصفي، والمنهج المقارن؛ فضلاً عن المنهج الخاص بدراسات القانون الدستوري، وهو الأساس. وسنحاول في هذا المجال الجمع بين المعيار الشكلي (شكل الدستور ومضمونه) والمعيار الموضوعي أو المادي (جوهر الدستور)، وهما المعياران المعتمدان في دراسة القانون الدستوري.

وبغية المحافظة على المدخل العلمي الأساس؛ فقد ركّز البحث على البعد القانوني للموضوع، والاقتصار على المعالجات العامة في المجالات الفقهية والفكرية والسياسية، وبالتالي جاءت لغة الكتاب أقرب إلى القانون منها إلى لغة الفقه والسياسة؛ وإن لجأنا إلى بعض المقاربات في مجالي الفقه والسياسة، بهدف تعميق المعالجة القانونية. وهذا المنحى يتفق والتطور الذي شهدته دراسات القانون الدستوري والنظم السياسية منذ خمسينات القرن الماضي، والتي اعتمد فيها علماء القانون والسياسة؛ أمثال “جورج بوردو”، و”أندريه هوريو”، و”موريس دو فرجيه”، اعتمدوا منهجاً جديداً يقوم على اعتبار النظام السياسي جزءاً من النظام الاجتماعي، أي عدم عزل النظام السياسي عن بيئته الاجتماعية التي يتفاعل معها، باعتباره جزءاً منها، وهذا يعني عدم دراسة القانون الدستوري والمؤسسات الدستورية لنظام سياسي ما من وجهة قانونية صرفة([26])، وهو ما نهجناه في هذا البحث.

ولا يفوت الباحث أن يذكِّر بأن بعض موضوعات البحث التي اعتمد في معالجتها المنهج المقارن؛ هي موضوعات منتقاة؛ وفقاً لما تتطلبه الحاجة العلمية وموضوعية البحث؛ ولا سيما المجالات ذات الصلة بالمقارنة بين القواعد القانونية وأصول تشريع القوانين من جهة، والقواعد الفقهية وأصول التشريع الإسلامي من جهة أخرى، إضافة إلى المجالات التي تتطلب المقارنة بين شكل بعض المؤسسات الدستورية وصلاحياتها في القانون الدستوري للجمهورية الإسلامية الإيرانية والقوانين الدستورية لبعض الدول الغربية؛ بالنظر للتشابه في آلية عمل كثير من هذه المؤسسات، وليس من باب أن الأشياء تعرف بأضدادها؛ على الرغم من التضاد – أحياناً – في القواعد القيمية التي تستند إليها هذه المؤسسات بين إيران ودول الديمقراطيات التقليدية. ولا شك فإن وجود آليات مشابهة لمؤسسات مشابهة في كل من إيران وهذه الدول، له أكثر من دلالة، تتعلق بموضوعة اقتباس النظام الإسلامي من النظم الوضعية بعض آلياتها ومسمياتها. وهو اقتباس له فلسفته وقواعده وشروطه.

وفي هذا المجال سنقف على ما إذا كان هذا التشابه هو نوع من التمثل والتماهي الشكلي الذي يفتقد التسويغ المعرفي والواقعي، أم أنه يجسد نوعاً من الممانعة الايديولوجية، على اعتبار أن استخدام النظام السياسي الإيراني الأدوات نفسها، يستند إلى قيم مغايرة، وربما لأهداف نظرية مختلفة جزئياً أو كلياً.

 

([1]) هذا البعد الشمولي للإسلام لا يعني أنّه نظام شمولي (توتاليتاري= Totalitarism) بالمفهوم الوضعي، بل بمعنى استيعابه لكل الموضوعات.

([2]) اُنظر: الصدر، محمد باقر، «الأُسس الإسلامية» و«الإسلام يقود الحياة» و«المدرسة الإسلامية» و«اقتصادنا»، دار التعارف، بيروت، 1990. والمودودي، أبو الأعلى، «نظرية الإسلام وهديه في السياسة والقانون»، ترجمة: محمد عاصم الحداد، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1969، ص26.

([3]) اُنظر: عبد الله، د. عبد الغني بسيوني (مصدر سابق)، ص408. والغزال، د. إسماعيل، «القانون الدستوري والنظم السياسية»، المؤسسة الجامعية، بيروت، 1982، ص8.

([4]) يتألف اصطلاح القانون الدستوري من كلمتين: القانون والدستور، وهما كلمتان معرّبتان؛ فالقانون (kanun  أو qanun = كانون) كلمة يونانية تعني لغوياً: الطريق القويم والسلوك السوي والبرهان والمقرر والمسلك والمركز. كما تعني ((الأصل، وقانون كل شي طريقه ومقياسه)).

أمّا المعنى الاصطلاحي العام لكلمة القانون فهو ((أمرٌ كلي ينطبق على جميع جزئياته التي تتعرف أحكامه منه))، و((كل قاعدة أو قواعد مطّردة حمل اطّرادها معنى الاستمرار والاستقرار والنظام))، و((النظام الذي يسير على وتيرة واحدة)). ثم استحالت كلمة القانون لتدل على التشريع أو مجموعة التشريعات أو منهج التشريع، وما يقابل كلمة (Law) بالإنجليزية، و(loi) بالفرنسية.

أمّا (دستور) فهي كلمة فارسية قديمة، وتلفظ بالفارسية بفتح الدال، وتتألف من مقطعين: (دست) و(آوَر)؛ أي صاحب المُلك والأمر والسلطة، والوزير الأعظم، ومعتمد الشعب. واستحال المعنى باللغة الفارسية الحديثة إلى: الأمر.

أمّا في اللغة العربية؛ فأصبحت كلمة دستور تدل على القانون الأساسي للدولة أو قانون القوانين.

اُنظر: الجوهري، إسماعيل، «الصحاح: تاج اللغة وصحاح العربية»، دار الحديث، القاهرة، 2009، ص 972. ودهخدا، علي أكبر، «لغت نامه» (قاموس اللغة)، ج7، ص64. ومعين، د. محمد، «فرهنك معين» (معجم معين)، مؤسسة جامعة، طهران، 1999، ج2، ص148.

([5]) اُنظر: الجمال، د. مصطفى؛ ود. عبد الحميد، «النظرية العامة للقانون»، الدار الجامعية، بيروت، 1989، ص194. وعبد الله، د. عبد الغني بسيوني، «النظم السياسية والقانون الدستوري»، الدار الجامعية، بيروت، 1989، ص408.

([6]) اُنظر: الجمال، د. مصطفى (مصدر سابق) ص85 ـ 86. عبد الله، د. عبد الغني بسيوني (مصدر سابق)، ص408.

([7]) ولا يتطابق؛ إذ إنّ الفقه الدستوري (الوضعي) هو الأكثر تماثلاً وتقارباً مع الفقه السياسي الإسلامي، وهو ما سنفصّله في الفصل الرابع.

([8]) درسنا هذا الموضوع بشيء من التفصيل في بحث التخرج الجامعي الموسوم: «تطور الفقه السياسي الإسلامي حتى ظهور النظريات الحديثة»، والمطبوع في كتاب «الفقه والسياسة»، وفي رسالة الماجستير الموسومة: «النظام السياسي الإسلامي الحديث وخيارات الديمقراطية والثيوقراطية والشورى»، والمطبوعة كتاباً تحت العنوان نفسه.

([9]) يستثنى من ذلك ما كتبه بعض الفقهاء في مراحل من تاريخ الدولة الصفوية وبدايات الدولة القاجارية، ولا سيّما في أبواب الجهاد والخراج والقضاء والحسبة.

([10]) ويقصد به الفقيه الذي يحكم بين الشيعة بالاستناد إلى الشرع أو الشريعة الإسلامية، ويرجعون إليه في شؤونهم، وليس الحاكم السياسي؛ أي أنّ الشيعة يتقاضون لدى الفقيه، ويسلمونه حقوقهم الشرعية، ويستفتونه في أُمورهم الدينية والدنيوية.

([11]) من المدوّنات والكتب الفقهية التي عالجت هذه الموضوعات، يمكن الإشارة إلى أبواب الجهاد في «النهاية» للشيخ الطوسي، أبي جعفر (ت460 ه)، و«قواعد الأحكام» للعلّامة ابن المطهر الحلي (ت771 ه)، وباب الحسبة في «الدروس الشرعية» لمحمد بن مكي العاملي (ت786 ه) وباب القضاء في «مسالك الإفهام» لزين الدين العاملي، و«المهذب البارع» للمحقق ابن فهد الحلي (ت841 ه)، وكذلك أبواب الخراج، وباب البيع في «المكاسـب» للشيخ الأنصاري، مرتضى (ت1281ه) وكتاب «البيع» للإمام الخميني، روح الله (ت1989م) الذي بحث فيه موضوع ولاية الفقيه.

([12]) هناك بحوث كثيرة في هذا المجال، اُنظر: الباحث نفسه، «الفقه والسياسة: تطور الفقه السياسي الإسلامي حتى ظهور النظريات الحديثة»، دار الهادي، بيروت، لبنان، 2003، ص32 ـ 50.

([13]) شاخت، جوزف، وبوزورت، كليفورد، «تراث الإسلام»، ترجمة: د. حسين مونس؛ ود. إحسان صدقي، سلسلة عالم المعرفة، الكويت، 1998، ص103.

([14]) اُنظر: السنهوري، د. عبد الرزاق، «الخلافة»، الهيئة المصرية للكتاب، القاهرة، 1989، ص21، و«مصادر الحق»، ص46.

([15]) اُنظر: كتابات الشيخ محمد تقي النبهاني (ت 1966م) وأدبيات حزب التحرير: «دولة الخلافة»، و«مشروع دستور دولة الخلافة»، وزلوم، عبد القديم، «الديمقراطية نظام كفر» وغيرها، حزب التحرير، بيروت (د.ت).

([16]) اُنظر: كتابات الشيخ حسن البنا (ت 1949م) في أدبيات جماعة الإخوان: «رسائل الإمام الشهيد حسن البنا»، وغانم، إبراهيم البيومي، «مفهوم الدولة الإسلامية المعاصرة في فكر حسن البنا»، مجلة الاجتهاد، بيروت، العدد14، شتاء 1992، ص143.

([17]) اُنظر كتابات ورسائل الشيخ محمد بن عبد الوهاب، وكتابات الشيخ محمد رشيد رضا، ككتاب «الخلافة» وغيره.

([18]) اُنظر أدبيات حزب الدعوة الإسلامية حتى العام 1979، وأبرزها: «نشرة الأُسس الإسلامية» التي كتبها السيد محمد باقر الصدر، مطبوعة في الجزء الأول من «ثقافة الدعوة الإسلامية»، 1981 (د.ت).

([19]) تحديداً في الأعوام 1958 ـ 1960، وفي مقدمها «نشرة الأُسس الإسلامية» والنشرة التي تأسس وفقها حزب الدعوة الإسلامية، والتي أصَّل فيها السيد محمد باقر الصدر لشرعية إقامة الدولة الإسلامية في عصر الغيبة.

([20]) بعد التعديل الذي أدخله السيد محمد باقر الصدر على نظريته الفقهية السياسية، فإنّه انتهى إلى التأصيل لنظام سياسي يجمع بين مبدأ الشورى ومبدأ ولاية الفقيه. وقد بقي حزب الدعوة متمسكاً بمبدأ الشورى حتى العام 1979، ثم عاد لتبني نظرية السيد الصدر في الجمع بين الشورى وولاية الفقيه.

اُنظر: الصدر، السيد محمد باقر، «لمحة فقهية تمهيدية عن مشروع دستور الجمهورية الإسلامية»، من كتاب «الإسلام يقود الحياة» (مصدر سابق).

([21]) المصدر السابق.

([22]) اُنظر: الدراسات الخمس الأُخر التي جمعت مع الدراسة السابقة في كتاب «الإسلام يقود الحياة» (مصدر سابق).

([23]) للمزيد اُنظر: النبهان، د. محمد فاروق، «نظام الحكم في الإسلام»، جامعة الكويت، الكويت، 1974، ص164 ـ 165. وعاليه، د. سمير، «علم القانون والفقه الإسلامي»، المؤسسة الجامعية، بيروت، 1996، ص263.

([24]) وأُنموذج ذلك ما يقوله الفقيه الإيراني الشيخ فضل الله النوري (ت 1909): ((إنّ قوانيننا الإلهية لا تختص بالعبادات، بل تستوعب أيضاً أحكام جميع الشؤون السياسية على أكمل وأوفى وجه… لذا لن نكون بحاجة إلى جعل القوانين، بل إذا اعتقد شخص ما أنّ من الممكن والصحيح أن يجتمع جماعة من العقلاء والحكماء والسياسيين ويعطوا للشورى موقعاً قانونياً يجمع هاتين الجهتين ويوافق رضا الخالق أيضاً، فلا بدّ أن يكون هذا الشخص قد خرج عن ربقة الإسلام>. ويخلص إلى القول بأنّ: ((تدوين القانون في بلاد الإسلام هو بدعة، وأنّ الالتزام به بدون ملزِم شرعي هو بدعة أُخرى، والمسؤولية عن عدم الالتزام به هو البدعة الثالثة)). اُنظر: «رسائل فضل الله نوري»، دار رسا، طهران، 1984، ص57.

([25]) التشريعات الإسلامية ذات العلاقة بالدولة والنظام السياسي لا تنفصل عن بعضها، بل تشكل منظومة تشريعية متكاملة، تستند إلى العقيدة والشريعة، وتنساق مع كل قاعدة ومقصد ومبدأ منهما. ولكن ضرورات التخصص تقضي بتناول جزء من هذه التشريعات ومعالجته وفقاً للتقسيم الموضوعي الحديث للقوانين.

([26]) اُنظر: شكر، د. زهير، «القانون الدستوري والمؤسسات السياسية»، المؤسسة الجامعية، بيروت، 1996، ص11.

latest video

news via inbox

Nulla turp dis cursus. Integer liberos  euismod pretium faucibua

Leave A Comment