منهج دراسة الاجتماع الديني الشيعي

Last Updated: 2024/06/10By

منهج دراسة الاجتماع الديني الشيعي

د. علي المؤمن

الفهم الموضوعي للظواهر الاجتماعية الدينية الشيعية

يُعدّ موضوع «الاجتماع الديني الشيعي» أحد أكثر الموضوعات حساسية وإثارة للجدل على المستويين الشيعي الخاص والإسلامي العام؛ بالنظر لما ينطوي عليه من إشكاليات، وتشابك بين ثنائيات ظلت مثاراً للبحث والجدل منذ نشوء النظام الاجتماعي الديني الشيعي قبل 1400 عاماً تقريباً وحتى الآن. وما يراكم الآراء والتفسيرات والمقترحات هو أنّ أغلب أُسس النظام وقواعده وهياكله وسياقات عمله وحركته تعتمد الأعراف والتقاليد الشفاهية؛ أي أنّها ليست مكتوبة من المعنيين بالنظام والمتصدّين لمسؤولياته، إلّا ما ندر، أو أنّها مكتوبة بأقلام غير المعنيين أو المراقبين من خارجه. ولذلك فإنّ ما يكتب في هذا الإطار، وإن خضع لمعادلات علم الاجتماع الديني؛ هو ـ في أفضل الأحوال ـ عبارة عن تكهنات وتحليلات تفتقر إلى الدقة العلمية؛ لأنّها لا تستند إلى معلومات وقواعد بيانية من داخل النظام، ولا تقارب الموضوع وفق منهجية تنسجم والطبيعة المركبة للموضوع.

ثم ما تلبث أن تتحول التكهنات والتفسيرات إلى خلافات داخلية أو بين النظام ومحيطه؛ كلما تدخل فيه غير المتخصصين وغير المطلعين على عمل مؤسسات النظام وتفرعاته، لا سيما السياسيين والإعلاميين والمدوِّنين، وإن لم يكونوا خصوماً. وربما يُفاقم هذه الصورة المشوهة؛ تعمد الخصوم الخارجيين وبعض جماعات الضغط داخل النظام حجب الحقائق عن الناس؛ لتبقى الصورة مشوهة أو ضبابية، والخلافات الداخلية أو مع المحيط قائمة؛ لأنّ الخصوم الخارجيين وبعض العناصر الداخلية يعتاشون على هذه الصورة المشوهة أو تلك الضبابية.

وهنا نلاحظ بسهولة حضور منهجين غير موضوعيين، يكملان بعضهما في إلحاق الضرر بالنظام الاجتماعي الديني الشيعي:

أحدهما: منهج التقديس والإطلاق والتعتيم، والذي يقحم القداسة في غير المقدس، ويهول في إلزام سياقات النظام وأجهزته، ولا سيما في القضايا ذات العلاقة بكيان المرجعية والحوزة العلمية.

والثاني: منهج الخصومة المفتوحة، الذي يلتقط السلبيات والعثرات والثغرات؛ ليحولها إلى أسلحة في خصومته مع النظام، ولا سيما مع المرجعية الدينية، التي تمثل رأس النظام الاجتماعي الديني الشيعي وقيادته.

ولم تأخذ أغلب الدراسات التي تناولت الظاهرة الدينية الاجتماعية الشيعية بنظر الاعتبار فرادة هذه الظاهرة، ولم تراع خصوصياتها المركبة، حتى تلك التي كتبها باحثون مسلمون وعرب، وبينهم شيعة؛ بل أخضعتها لمناهج علم الاجتماع الديني التقليدي ومفاهيمه ومعادلاته ومصطلحاته، كأية ظاهرة اجتماعية دينية أُخرى؛ ما أدى إلى وقوع هذه الدراسات([1]) في فخ التشويه وعدم الموضوعية. وأغلب هؤلاء هم من العلمانيين ومن أصحاب المواقف المناهضة للظاهرة الاجتماعية الدينية، رغم أنهم بذلوا جهوداً أكاديمية مهمة، وساهموا من خلال هذه الجهود في توطين العلوم الاجتماعية، ومنها علم الاجتماع وعلم الاجتماع الديني، لكنهم في عملية التوطين هذه استخدموا المناهج الغربية نفسها، وطبّقوا قواعد علم الاجتماع الغربي على المجتمعات الدينية المسلمة، وكانت مساهماتهم منحازة ضد الدين، وإن كانت تحت عنوان نقد الظاهرة الدينية.

هذا من الناحية المنهجية، أما من ناحية النظر الى الظواهر الاجتماعية، ومنها الدينية؛ فهم انتقائيون وقياسيون، بمعنى أنهم ينتقون حالات اجتماعية شاذة أو خاصة أو لم ترتق الى مستوى الظاهرة، ويعملون على تعميمها ووصفها بالظاهرة، أي أنهم يتحدثون عن ظواهر، لكنها ــ في الحقيقة ــ ليست ظواهر، إنما مجرد حالات. في حين أن علم الاجتماع يدرس الظواهر التي تتصف بالعمومية والثبات والاطراد، شأنها شأن العرف الاجتماعي. أما انتقاء المصاديق الخاصة والمحدودة؛ فيعني أن الباحث منحاز لموقفه الفكري المتعارض مع الدين والظاهرة الدينية، ويعمل على تحقيق أهداف خاصة بعيدة عن الهدف العلمي.

مثلاً؛ عندما يدرسون منظومة الحوزة العلمية والمرجعية الدينية وظواهرها وسياقات عملها، وكيفية فرز المرجع الأعلى أو المرجع المتصدي؛ فهم ينتقون حالات سلبية خاصة، مثل تأثير رأس المال وجماعات الضغط والمصالح والسلطة، ويحوِّلونها الى ظاهرة، ويعززون تحليلاتهم بمصطلحات وقواعد من علم الاجتماع الديني، وهو ما يدعو الى الاستغراب من تضحية الباحث بسمعته العلمية ومصداقيته البحثية من أجل تأكيد موقف مسبق معادي للحوزة والمرجعية وعموم الظاهرة الدينية الشيعية، وكذلك تحقيق أهداف ايديولوجية خاصة.

والحال أن الباحث العلمي الموضوعي، يمكنه التوصل بسهولة الى حقيقة أنّ المرجع الديني الأعلى لا يفرضه المال ولا السلطة ولا جماعات الضغط و(الحواشي)؛ إنما عناصر أخرى، في مقدمتها جماعات أهل الخبرة التي تتكوّن من المجتهدين والفضلاء في الحوزة، وهم أساتذة البحث الخارج وأساتذة السطوح العالية (المكاسب والكفاية). نعم؛ هناك عناصر داخل الحوزة وخارجها تلعب دوراً خلف الكواليس، إلّا أن دورها هامشي، وليس أساس أو مفصلي إطلاقاً، وهو ما يركز عليه أصحاب المنهج المنحاز الى الجبهة المعارضة للدين وظواهره الاجتماعية، من خلال تركيزهم على هذه العناصر الهامشية.

وهكذا بالنسبة لعناصر القوة في الاجتماع الديني الشيعي أو عناصر التكوين الاجتماعي الديني الشيعي؛ فإن الباحث المنحاز الذي يستبطن هدفاً مخاصماً؛ يركِّز على حالات سلبية معينة، كموضوع تصرف بعض (الحواشي) بحركة المال الشرعي ــ مثلاً ــ، ودورها في بنية النظام الاجتماعي الديني الشيعي، بهدف تضخيم الحالات السلبية الخاصة، وصولاً الى التشهير بالمرجعية الدينية الشيعية وعموم النظام الاجتماعي الشيعي، تحت عناوين البحث العلمي والدراسات الاجتماعية الدينية، وصولاً الى هدف ضرب عنصر المال الشرعي الذي هو قوام استقلال المرجعية الشيعية والنظام الاجتماعي الديني الشيعي، وقوام استمرار الحوزات العلمية والتبليغ الديني والعمل الخيري والتكافل الاجتماعي.

فضلاً عن وجود مؤلفات ودراسات تنزع الى الموضوعية، لكنها من خلال استخدام مصادر مخاصمة أو مناهج مفارِقة؛ فإنها تقع في فخ الجهل والتجهيل. وبالتالي؛ فإن تلك البحوث المنحازة وهذا الجهل، يساهم في خلق الأزمة الطائفية والفتنة الطائفية، لأن ((الإنسان عدو ما يجهل))، فكلّما وصف الإنسان شيئاً يجهله، ثم بنى نتائجه على هذا الجهل؛ فإنه سيقع في أخطاء فاحشة، خاصة إذا كان ينطلق من مواقف مسبقة وأحكام جاهزة يستبطنها. ولعل خطورة هذا الجهل، تتضاعف في البلدان المسلمة التي تحصل فيها احتكاكات مذهبية عادة؛ فهي بلدان متعددة قومياً ومذهبياً، ولها جذور من الصراعات طائفية وقومية التراكمية، ولذلك؛ ينبغي الحذر عند توصيف المكونات المتختلفة بعضها بعضنا الآخر، والذي ينبغي أن يقف على المعرفة الموضوعية الدقيقة، وليست المعرفة التي تحمل أحكاماً مسبقة، أو المعرفة السطحية العاطفية؛ للحيلولة دون إثارة الحساسيات الطائفية والاجتماعية. فمثلاً؛ إذا كان البحث يرتبط بالتصوف والفرق الصوفية؛ فيجب الاستعانة بمصادر هذه الطرق نفسها، والاستماع الى باحث من داخلها، وليس إلى مستشرق يصف ويفسِّر هذه الحركات الصوفية وفق مزاجه ووعيه، وليس الى باحث سلفي وهابي يحمل موقفاً تكفيرياً مسبقاً. وهكذا فيما يتعلق بفهم المرجعية الدينية وفهم الطقوس والشعائر الشيعية وفهم طبيعة عمل المزارات وطبيعة عمل جماعات المقاومة والأحزاب الشيعية، كل هذه يجب أن نرجع فيه الى باحث متخصص من داخل هذه المؤسسات، أي باحث من داخل الظاهرة، لكي تكون معرفة الظواهر الدينية والاجتماعية الدينية وتحليلها والكشف عنها، معرفة دقيقة.

ويمكن تشبيه بذلك بالرجوع الى كتاب «الأخلاق البروتستانتية» للمفكر الاجتماعي “ماكس فيبر”؛ فالذي يقرأ كتابه، سيجده دقيقاً في وصفه وتحليله؛ إذ أعطي صورة واضحة عن الطائفة البروتستانتية، لأنّه ابن الطائف البروتستانتية وابن مؤسستها وابن الأخلاق البروتستانتية. وهكذا باقي الباحثين مثل «كارل ماكس» عندما أصدر دراساته عن المسألة اليهودية والايديولوجية العلمانية أيضاً؛ وهكذا «دوركهايم» والآخرين؛ فهم عندما يتحدّثون عن مجتمعاتهم فإنّهم يبدعون في توصيفها وتحليلها.

الإطار المنهجي للبحث

إنّ منهج دراسة «الاجتماع الديني الشيعي» هو منهج مركب يجمع بين الوصفي التحليلي ودراسة الحالة، والدراسة التاريخية وتحليل المضمون، وهو في مجموعه يستند إلى وصف المشهد العام للنظام الاجتماعي الديني الشيعي وأُسسه النظرية وظواهره التطبيقية ومساراته، عبر المعلومة الدقيقة الموثقة، ثم يحلل الظاهرة العامة والظواهر الفرعية كحالات مترابطة، وذلك للوصول إلى الصور الحقيقية وجذورها وخلفياتها وانعكاساتها.

أما المدخل العلمي الأساس للموضوع فهو علم الاجتماع الديني، ولكن بصيغته التوفيقية المنسجمة مع خصوصية الاجتماع الشيعي، والذي أسميته بــ «علم الاجتماع الديني الشيعي». وهذا يعني أنني أصف بدقة ما هو كائن أو ما سيكون، وأبحث في جذوره، وأحلله وفق مناهج علم الاجتماع الديني الشيعي، واستشرف مستقبله. أمّا ما ينبغي أن يكون عليه النظام الاجتماعي الديني الشيعي؛ فقد حاولت قدر الإمكان عدم الخوض في التفاصيل التي تخرج الدراسة عن منهجها العلمي الوصفي التحليلي. ومع هذا، فقد قاربت بعض الأُسس والعناصر الواقعية العامة في إطار مقولات الإصلاح والتجديد والتأصيل للواقع، ولكن ليس بهدف التأصيل والتجديد للأُسس النظرية التشريعية (العقدية والفكرية والفقهية) للنظام الاجتماعي الديني الشيعي.

ويختلف المدخل العلمي الذي استخدمته في هذا البحث عن المدخل العلمي لعدد من دراساتي ومؤلفاتي التي قاربت موضوعات مشابهة، ولا سيما كتاب «الإسلام والتجديد» وكتاب «تجديد الشريعة» وغيرهما، والتي تمثل مقاربات فكرية نظرية تأصيلية وتجديدية. أي أنّ البحث هنا لا يتناول الجانب النظري ومحاولة تأصيله، بل يتناول الجانب التطبيقي للنظرية أو انعكاسات النظرية العقدية والفقهية للتشيع على الواقع الاجتماعي الشيعي، وشكل الواقع الذي تخلقه النظرية.

وهذا الكتاب محاولة في إطار علم الاجتماع الديني؛ لفهم النظام الاجتماعي الديني الشيعي وهيكليته ومكوناته وأجزائه وأنساقه الداخلية، وعلاقاته مع الآخر المختلف مذهبياً ودينياً وفكرياً وسياسياً، وتأثير أُسسه العقدية والفقهية والفكرية في صياغة اجتماعه الديني والسياسي والثقافي، وأعرافه وتقاليده وطقوسه. وبالنظر لخصوصية هذا النظام وعدم قدرة مناهج علم الاجتماع الديني التقليدي وقوالبه على استيعاب تفاصيله؛ فقد كان لزاماً استحداث منهجية جديدة تحت عنوان «علم الاجتماع الديني الشيعي» كما سيأتي؛ لتنسجم مع خصوصية هذا النظام وفرادته.

هذا المدخل المنهجي يقودنا إلى هدف البحث وجغرافيته، واللذان يتلخصان في توضيح حقائق المشهد الاجتماعي الديني الشيعي العام الذي يحمل عنوان: «النظام الاجتماعي الديني الشيعي»، بجغرافيته العالمية، والإجابة عن أسئلة ملايين الناس ممن لا يعرفون حقيقة هذا المشهد، واستشراف مستقبله، ومقاربة إمكانيات تطوير نظام مجتمع المذهب، دون أن يتحدد بحالة اجتماعية محلية أو إقليمية أو قومية أو وطنية. وتزداد أهمية هذه الدراسة مع تراكم تجليات الواقع الاجتماعي الذي أظهر فقراً معرفياً شديداً بعنوان: «الاجتماع الديني الشيعي»، وعنوان قيادته المتمثلة بالمرجعية الدينية ووظائفها وصلاحيتها، ومدخلية ولاية الفقيه كأصل تشريعي في انبثاق كيان المرجعية.

مدخل إلى «علم الاجتماع الديني الشيعي»

النظام الديني الاجتماعي الشيعي ظاهرة مركبة، دينية اجتماعية تاريخية إنسانية، تستند إلى قواعد تأسيسية نظرية، عقدية وفقهية وتاريخية، وتقف على بنى اجتماعية دينية، واجتماعية سياسية، واجتماعية ثقافية، واجتماعية معرفية. وتمثل هذه القواعد النظرية الدينية والبنى الاجتماعية الناشئة عنها، تمثل المداخل العلمية الأساس الكاشفة عن معالم النظام الديني الاجتماعي الشيعي.

ومن أجل دراسة هذه الظاهرة الاجتماعية المركبة، لا بدّ من وجود أدوات منهجية معرفية تحتوي على أنساق وقوالب ومعادلات، تعمل على توصيف الظاهرة وتحليلها واكتشاف معالمها. وهذه الأدوات المعرفية تتمثل في علم الاجتماع الديني([2]) بالدرجة الأساس، إضافة إلى الاجتماع السياسي والاجتماع الثقافي واجتماع المعرفة وأنثروبولوجيا الدين وفلسفة الدين([3])  كمداخل علمية مكملة. ومن مجموع هذه المداخل يتشكل منهج علمي جديد خاص بدراسة الاجتماع الشيعي؛ بوصفه وحدة سوسيولوجية مذهبية بالدرجة الأساس؛ وإن تضمّنت أبعاداً أنثروبولوجية.

وعلم الاجتماع الديني أداة معرفية لاكتشاف معالم الظاهرة الاجتماعية الدينية، وتوصيفها وتحليلها، وترسيم هيكليتها وأنساقها المعرفية والعملية، وعلاقاتها الداخلية والخارجية، ومقارنتها بالظواهر الأُخر المشابهة أو المتعارضة([4]). وليست مهمة علم الاجتماع الديني اختراع ظواهر الاجتماع الديني أو اختلاقها، ولا الاستدلال على صحتها وخطئها؛ لأنه ليس علماً تجريبياً ومعيارياً، ولا علاقة له بالسجال الديني والمذهبي؛ بل هو أداة لدراسة ظاهرة قائمة.

وكغيره من العلوم الإنسانية والاجتماعية المعنية بدراسة الدين؛ فإنّ علم الاجتماع الديني هو منهج معرفي نشأ في الغرب كرد فعل على احتكار الكنيسة للدراسات المعنية بالأديان وتطورها التاريخي وفلسفتها وعقائدها. فقد كانت العلوم الاجتماعية والإنسانية الكنسية هي جزء من الدراسات اللاهوتية المسيحية. ولكن بالتزامن مع ما عرف بعصر النهضة الأوربية وصراع العلمانية والكنيسة؛ برزت المنهجيات العلمانية السوسيولوجية والانثروبولوجية والاثنولوجية الدينية؛ لتقدم تفسيرات علمانية لنشوء الأديان وتطورها، ولتعريف المقدس والمدنس. أي أنّ علم الاجتماع الديني التقليدي يمثل الفهم السوسيولوجي العلماني للدين، وهو الفهم الذي ظهر رداً على الفهم الكنسـي للدين أو الفهم الديني للدين([5]). وإذا كانت العلوم الدينية تدرس الدين من داخله، من خلال علم العقيدة وعلم الفقه وعلوم النص المقدس وتاريخ الأنبياء والأديان؛ كونها علوم تستند إلى نصوص دينية وقواعد دينية أو مستنبطة من الفهم الديني([6])؛ فإنّ العلوم الإنسانية والاجتماعية واللسانية الوضعية، ومنها علم الاجتماع الديني، تدرس الدين من خارجه، وبعيداً عن حضور المقدس والتقاليد الدينية النصوصية.

والحقيقة أن علم الاجتماع الديني لم يتبلور، كحقل متفرع عن علم الاجتماع، ويحمل اسماً مستقلاً، إلّا في العقود الأولى من القرن العشرين؛ إذ كانت الدراسات التي تتناول الظاهرة الاجتماعية الدينية تُدرج ضمن مباحث الفلسفة وعلم الاجتماع والانثروبولوجيا، ولا نجد، منذ ظهور العلوم الإنسانية الجديدة، وبينها علم الاجتماع، كتاباً مستقلاً عن علم الاجتماع الديني. ولذلك؛ يمكن القول بأن الفلاسفة والمفكرين الذي تناولوا الظاهرة الاجتماعية الدينية كانوا فلاسفة ومفكرين وعلماء اجتماع، وأهمهم: الفرنسي “اوغست كونت” (1798 ـــ 1857)، من خلال كتابه «الفلسفة الوضعية»، والألماني “كارل ماركس” (1818 ـــ 1883)، وخاصة كتابيه «الايديولوجية الألمانية» و«المسألة اليهودية»، والفرنسي “ايميل دوركهايم” (1858ــــ 1917)، الذي لخص أفكاره في انثروبولوجيا الأديان في كتابه «الأشكال الاولية للحياة الدينية»، والألماني “ماكس فيبر” (1864ـــ 1920)، من خلال كتابيه «الأخلاق البروتستانتية» و«علم الاجتماع»، والألماني “جورج زيمل” ( 1858- 1918 )، وكتابيه «علم اجتماع الحواس» و«المسائل الأساسية لعلم الاجتماع»، والألماني “يورغن هابرماس” (1929-…)، من خلال كتابيه «الهوية الاجتماعية» و«العقلانية والدين».

وقد حدثت الانتقالة المنهجية في علم الاجتماع الديني عبر جهود علم الاجتماع الايطالي “سابينو اكوافيفا” (1929ـــ 2015)، الذي ترك مؤلفات كثيرة في هذا المجال، ولعل أبرزها «أفول المقدس في المجتمعات الصناعية» و«علم الاجتماع الديني: الإشكالات والسياقات»، ثم واصل جهوده تلميذه الإيطالي “انزو باتشي”، رئيس الجمعية العالمية لعلم الاجتماع الديني، والذي شارك “اكوافيفا” في تأليف كتاب «علم الاجتماع الديني»، الذي يعد أهم مصدر منهجي معاصر في هذا الحقل.

ومن خلال استعراض معتقدات وايديولوجيات المفكرين والفلاسفة وعلماء الاجتماع الأوروبيين، وبينهم الذين حصروا اختصاصاتهم في علم الاجتماع الديني، نجد أنهم جميعاً ملحدين أو علمانيين، وأن قواعدهم في تفسير الظاهرة الاجتماعية الدينية تقوم على مبادئ الإلحاد والعلمانية التي أفرزتها ما سميّ بعصر النهضة الأوروبية والثورة الصناعية في أوروبا، ما يؤكد فرضية أن نشوء علم الاجتماع الديني كان هدفه محاربة الظاهرة الدينية من خلال مناهج تحمل صفة العلم.

وقد حاولت كثير من منهجيات علم الاجتماع الديني، الغربي والماركسـي، وأنثروبولوجيا الدين، والفينومينولوجيا، وأثنولوجيا الدين، وعلم النفس الديني؛ أن تقدم تفسيراً إنسانياً يفصل الدين عن المثل العليا السماوية، وتعرفه بأنّه مجرد ظاهرة اجتماعية أثنولوجية أو اجتماعية نفسية أو أنثروبولوجية لا علاقة لها بالغيب، بل وتقدم تفسيراً للإيمان الغيبي من خلال مناهج الميتافيزيقيا؛ باعتبارها صناعة وعي الإنسان بالغيب، وهي صناعة لها أسبابها النفسية والاجتماعية والقومية والجغرافية، وأنها الواسطة بين المعقول واللامعقول، وأنها عبارة عن معتقدات وطقوس وأخلاق لا أكثر([7]). ويدخل التحليل الماركسـي للظاهرة الدينية في عداد مناهج علم الاجتماع الديني الغربي العلماني أيضاً([8]).

هذا التقويم المختصر لمناهج علم الاجتماع الديني الوضعي، يؤكد عدم قدرته على دراسة النظام الديني الاجتماعي الشيعي أو الظاهرة الدينية الاجتماعية الشيعية دراسة موضوعية تكشف بالفعل عن حقائق الظاهرة وبناها المركبة؛ لأنّ المباحث التقليدية لعلم الاجتماع الديني تقتصر على دراسة الظواهر الدينية الاجتماعية، وتأثير الدين في إيجاد الظواهر الاجتماعية المنسوبة إليه، ولا يتمدد إلى دراسة الظواهر الاجتماعية السياسية والظواهر الاجتماعية الثقافية والظواهر الاجتماعية المعرفية؛ لأنّها ظواهر مستقلة ـ عادة ـ عن الأديان والمذاهب الأُخر؛ إذ تفرز الأديان ومؤسساتها ظواهر دينية اجتماعية غالباً. بينما يضم النظام الديني الاجتماعي الشيعي جميع هذه الظواهر، وتنتمي إليه كل المؤسسات الدينية والاجتماعية والسياسية والثقافية والمعرفية الشيعية، وأن قيادة النظام المتمثلة بالمرجعية الدينية وولاية الفقيه تشرف على كل هذه المؤسسات الفرعية، وهي قواعد وسياقات غير موجودة في جميع النظم الاجتماعية الدينية الأُخر التي يدرسها علم الاجتماع الديني التقليدي.

هذا التمايز الموضوعي الجذري؛ يفرض تأسيس فرع منهجي جديد لعلم الاجتماع الديني، منتزع من خصوصية الظاهرة الاجتماعية الدينية الشيعية، نطلق عليه «علم الاجتماع الديني الشيعي»؛ بالنظر لتفردها بقواعد وسياقات تتميز عن الظواهر الدينية الاجتماعية الأُخر، في خلفيات تأسيسها وتطورها وسياقات حركتها التاريخية وأنساقها الداخلية والخارجية وهيكليتها والأواصر التي تشد عناصرها ومكوناتها إلى أُسسها التشريعية ومركزيتها المرجعية، فضلاً عن احتوائها على عوامل الديمومة والمناعة والتمدد. فعندما نُخضع «الاجتماع الديني الشيعي» أو «النظام الاجتماع الديني الشيعي» لقواعد علم الاجتماع الديني التقليدي، كما بلورها “آغوس كنت” و”إميل دوركايم” و”ماكس فيبر” وغيرهم؛ نجد أنها عاجزة عن إعطاء تفسير واضح ووصف دقيق لهما، بالنظر لخصوصية «النظام الاجتماع الديني الشيعي» أو «الاجتماع الديني الشيعي»، وبالتالي؛ كما لجأ علماء الاجتماع إلى التأسيس لفروع ثانوية وحقول جديدة متفرعة عن علم الاجتماع، كعلم الاجتماع الحضري أو الريفي وعلم الاجتماع السياسي وعلم اجتماع الاقتصاد وعلم اجتماع المعرفة، من أجل دراسة الظواهر الفرعية التي يعجز علم الاجتماع العام عن دراستها؛ فكان لابدّ أن نلجأ إلى فرع جديد في علم الاجتماع الديني، نستطيع من خلاله أن نصف و نحلّل ونفسّر الظاهرة الشيعية المتفرّدة.

ولا يُعنى «علم الاجتماع الديني الشيعي» بدراسة التشيع كمذهب ديني عقدي فقهي؛ بل بدراسة الشيعة كظاهرة اجتماعية سياسية ثقافية مركبة، أو ما نصطلح عليه «النظام الديني الاجتماعي الشيعي»؛ ما يعني عدم تناول السجال الديني المذهبي في أبعاده العقدية والفقهية أو السجال التاريخي؛ بل مقاربة تأثيرات هذه السجالات إنسانياً واجتماعياً وتنظيمياً وثقافياً وسياسياً، أو ما يمكن أن نصفه بمخرجات علاقة المذهب والتاريخ والسياسة بالمجتمع الشيعي. كما يقارب علم الاجتماع الديني الشيعي موضوعات من قبيل: الهوية الشيعية وتوصيفاتها الدينية المذهبية الاجتماعية، ووعي المجتمع الشيعي بالمذهب وبنفسه، وسلوكه المذهبي أو المنسوب للمذهب، والسلطة الدينية الاجتماعية الضابطة للسلوك الفردي والاجتماعي المذهبي، والمؤسسات المتفرعة التي تنتمي إلى الاجتماع المذهبي الشيعي، وعلاقة الشيعة ـ كظاهرة مذهبية اجتماعية ـ بالسياسة والاقتصاد والتعليم والإعلام، وتأثير السلوك الاجتماعي المنتسب إلى المذهب الشيعي بالمحيط الخارجي المذهبي والديني والاجتماعي والسياسي والقانوني، وغيرها من الموضوعات ذات الصلة.

وعلم الاجتماع الديني الشيعي الذي نعمل على تثبيت أُسسه وقواعده المعرفية، يختص بالشيعة الإمامية الاثني عشـرية الذين يبلغ عددهم حوالي (350 ـ 400) مليون نسمة، وينتشرون في أغلب دول العالم، ويشكلون ما نسبته 85% تقريباً من مجموع الشيعة البالغ عددهم (400 ـ 450) مليون نسمة. فيما يبلغ أتباع المذاهب الشيعية الأُخر، كالإسماعيلية والزيدية والعلوية، ما يقرب من (40 ـ 50) مليون نسمة، وهم لا يشكلون وحدة سوسيولوجية مع شيعة المذهب الاثني عشري؛ بل وحدة تاريخية سياسية شبه عقدية؛ إذ أن لكل واحد من مجتمعات المذاهب الشيعية غير الاثني عشرية اجتماعه الديني المستقل وهيكيلية خاصة بنظامه الاجتماعي وسياقات مختلفة. ويعني هذا أنّ ما نقصده بالاجتماع الشيعي أو مجتمع المذهب الشيعي، هو الاجتماع الذي يضم المنتمين إلى المذهب الشيعي الإمامي الاثني عشري حصـراً، سواء المنتمين بالوراثة العائلية أو المنتمين بالاكتساب العميق (الذوبان الاجتماعي وليس العقدي وحسب)، وسواء كان هؤلاء المنتمون متدينين ملتزمين بالجوانب الإيمانية والشعائرية أو غير متدينين. أي أنّ الاجتماع الديني الشيعي يستوعب شرائح المنتمين لمجتمع المذهب الشيعي، ويعيشون مساراته التاريخية وهمومه وحراكاته وسلوكياته، بصرف النظر عن حجم التزامهم الشعائري والطقسي، بل والعقدي أحياناً.

وهناك فرق بين الشعائر الدينية للمذهب من جهة وطقوس مجتمع المذهب من جهة أُخرى، وإن كانت أغلب هذه الطقوس المجتمعية تحمل هوية مذهبية أيضاً، لكن الطقوس تمثل هوية المجتمع بالدرجة الأساس، وليس المذهب؛ بينما تمثل الشعائر هوية المذهب بالدرجة الأساس وليس المجتمع. والفرق الأساس هنا يتمثل بدرجة الإلزام والقدسية في الإيمان والممارسة. فعقيدة المذهب وشعائره تمثلان المذهب وبنيته الدينية، كأُصول التوحيد والعدل الإلهي والنبوة والإمامة والمعاد، وفروض الصلاة والصوم والحج وغيرها، ولا يجوز نكرانها وتركها؛ لأنّ کل وحدة منها تمثل ضرورة من ضرورات الدين، وإنكارها يشكل معصية وإثماً دينياً؛ بل كفراً أحياناً ـ كالتوحيد والنبوة مثلاً ـ إذا كان إنكاراً بيّناً، وأنّ الالتزام بها فيه جزاء أُخروي. أمّا ممارسة الطقوس والعادات والتقاليد الشيعية المجتمعية المنسوبة إلى المذهب؛ فهي ممارسة مستحبة وليست واجبة، ولا يترتب على تركها جزاء أُخروي. وأبرزها ـ كما ذكرنا ـ طقوس الاحتفاء بذكريات آل البيت، ولا سيما استشهاد الإمام الحسين.

عناصر التشيع ومجتمعه

إنّ المذهب الشيعي ومجتمعه يتشكلان من ستة عناصر أساسية:

1ـ العنصر العقدي: الأُصول النظرية للمذهب الشيعي، وهو موضوع علم الكلام الإسلامي الشيعي.

2ـ العنصر الفقهي: الفروع التطبيقية للمذهب الشيعي، وهو موضوع الفقه الإسلامي الشيعي.

3 ـ العنصر السلوكي: سمات الشخصية الشيعية وقواعدها التربوية والأخلاقية، وهو موضوع علم الأخلاق الإسلامي الشيعي.

4 ـ العنصر التاريخي: الكينونة التاريخية للمذهب الشيعي ومجتمعه، وهو موضوع تاريخ النظام الديني الاجتماعي الشيعي.

5 ـ العنصر الطقوسي: العادات والتقاليد الاجتماعية المذهبية، وهو موضوع الميثولوجيا (mythology) الإسلامية الشيعية.

6 ـ العنصر الاجتماعي: الهوية الاجتماعية المذهبية الشيعية المعبرة عن الانتماء المجتمعي الخاص، وهو موضوع علم الاجتماع الديني الشيعي.

هذه العناصر الستة تكمل بعضها، وهي قوام الشخصية المسلمة الشيعية المتكاملة في إيمانها العقدي النظري، والتزامها بالفروض، وتمسكها بالسلوك، وممارستها للطقوس، وانتمائها للتاريخ، وتفاعلها اجتماعياً. إلّا أنّ ما يعني علم الاجتماع الديني الشيعي هو عنصر الانتماء المجتمعي دون غيره من العناصر الأُخر، وإن استند إلى تحليل العناصر الخمسة الأُخر في فهم المجتمع الشيعي وخلفيات تكوينه ووعيه وقنوات التعبير لديه.

إنّ من المميزات الأساسية للاجتماع الديني الشيعي، استناده إلى قاعدة غيبية تتمثل في نيابة سلطة النظام الديني الاجتماعي الشيعي عن القائد الحقيقي الغائب، وهو الإمام محمد بن الحسن المهدي المنتظر. صحيح أنّ المسلمين عموماً يعتقدون بعقيدة المهدي، وأنّ قائداً إسلامياً مصلحاً سيظهر في آخر الزمان لينشر العدل الإسلامي في كل الأرض ([9])، لكنّ الفرق الأساس بين الشيعة والسنة في هذا المضمار هو أنّ المعتقد المهدوي ليس له مدخلية تشـريعية أو عملية في وجود المؤسسة الدينية السنية وفي السلوك الشرعي لأتباع المذاهب السنية. فضلاً عن أنّ المذاهب السنية لا تعتقد بأنّ المهدي شخص محدد بعينه. أي أنّ المهدي لدى المذاهب الإسلامية الأُخر مجرد وجود ميتافيزيقي مفتوح على التعريفات والمصاديق، ولا يؤثر غيابه في وجودهم وسلوكهم المذهبي الاجتماعي.

أمّا عند الشيعة؛ فإنّ المهدي المنتظر هو شخص محدد بعينة، له اسم ونسب وتاريخ معروف، وعنوان ديني محدد، ووجوده ليس مجرد عقيدة نظرية عامة لا تؤثر في الواقع الاجتماعي؛ بل هي عقيدة أساسية تستند إليها السلطة الدينية الاجتماعية المركزية في شرعية وجودها، وأنّ قسماً من الفقهاء الشيعة يجمدون العمل ببعض الأحكام ذات العلاقة بالسعي لإقامة الدولة الإسلامية وقيادتها، وذلك انتظاراً لعودة الإمام الغائب ليقوم بها بنفسه؛ لأنّهم يقولون: إنّ هذه الأحكام من اختصاصه فقط، وأنّ الخلاص من الظلم الطائفي مرهون بعودته. وعليه، يجب الانتظار وعدم ممارسة الثورة والنهضة والسياسة والمواجهة وإقامة الدولة الإسلامية؛ لأنّها من اختصاص الإمام الغائب المنتظر([10])، برغم أنّ أحكام الدولة والنظام السياسي والثورة كلها موجودة في الفقه الشيعي.

أمّا القسم الآخر من الفقهاء الشيعة الذين يدعون إلى تطبيق هذه الأحكام ويمارسونها في زمن الغيبة؛ فإنّما يقومون بها نيابة عن الغائب المنتظر وتمهيداً لظهوره. أي أنّ ركيزة وعي المجتمع الشيعي بالمستقبل وشكله ومضمونه هو المهدي المنتظر، سواء كان أفراد هذا المجتمع من القسم الذي يؤمن بالانتظار السلبي للمهدي (تعطيل أحكام الفقه السياسي والدولة الإسلامية) أو من القسم الذي يؤمن بالانتظار الإيجابي (السعي لإقامة الدولة الإسلامية وتفعيل الفقه السياسي).

ومن مميزات الاجتماع الديني الشيعي الأُخر أنّه اجتماع عالمي متماسك، وليس محلياً أو إقليمياً، وأنّ الأواصر المذهبية الاجتماعية المشتركة التي تشد وحداته المحلية ببعضها أو إلى المركز؛ هي أقوى بكثير من التباين اللغوي والقومي والوطني. ولا يرتبط هذا الموضوع بالبعد الوجداني والعاطفي التفاعلي وحسب، بل أنّه أعمق من ذلك بكثير. وهذا لا يلغي وجود التباينات في الإطار الأنثروبولوجي لكل وحدة محلية وقومية ولغوية ووطنية شيعية؛ لكن هذا التباين يضعف أمام الأواصر الأساسية التي تفرزها البنية العالمية المحكمة للنظام الاجتماعي الديني الشيعي.

هذه المميزات التي تمثل خصوصيات الاجتماع الديني الشيعي؛ تستدعي الإشارة إلى طبيعة الخلاف بينها وبين الاجتماع الديني السني. ويمكن القول إنّ هذا الخلاف تراكمي مركب: اجتماعي سياسي، بالدرجة الأساس، حاله حال أي خلاف بين مجتمعات المذاهب في الديانات الأُخر. وهذا لا يعني عدم وجود خلاف في العنصرين العقدي والفقهي بين التشيع والتسنن، ولكن الخلاف العقدي الفقهي هو أقلّ تأثيراً في واقع المسلمين الاجتماعي، لأنّ كثيراً من المختلفين من الطرفين غير ملتزمين دينياً أساساً، ما يعني أنهم مختلفين طائفياً وليس مذهبياً. والخلاف الطائفي هو خلاف اجتماعي سياسي يرتبط بالمصالح والمفاسد الاجتماعية السياسية، وليس بالاختلاف في قراءة الدين. أما الخلاف المذهبي فهو خلاف عقدي فقهي، أي خلاف في قراءة الدين. وهنا يكمن الفرق بين الخلاف الطائفي والخلافي المذهبي([11]). كما أن الخلاف العقدي الفقهي موجود أيضاً بين المذاهب والفرق السنية أنفسها أيضاً، ولعله أشد في بعض المجالات من الخلاف بين المذاهب الشيعية والمذاهب السنية، كما هو الحال ـ مثلاً ـ بين الفرقة التيمية الحنبلية وامتدادها الوهابي من جهة، ومجتمعات المذاهب السنية الأُخر الرافضة للعقيدة التيمية الوهابية من جهة أخرى([12]). وفي الوقت نفسه نجد تطابقاً بنسبة 70% في الأُصول والفروع بين التشيع والتسنن.

والخلاف المذهبي (العقدي الفقهي) أقل تأثيراً ـ غالباً ـ في الانقسام المجتمعي، على العكس من الخلاف الطائفي، الذي يفرز الاقصاء والتهميش والتمييز على أساس الهوية؛ فقد خلق الانقسام الطائفي الشيعي السني هويات طائفية في مضمونها ومذهبية في شكلها، تبعاً للمسارات التاريخية التراكمية المتعارضة واختلاف السلوكيات الاجتماعية السياسية، والتي تستثمر الخلافات العقدية الفقهية، لتضفي على تعارضاتها شرعية دينية متعالية([13]).

ظواهر الاجتماع الديني الشيعي

للتوصل إلى معالم علم الاجتماع الديني الشيعي؛ نتوقف عند الظواهر المتفرعة عن الظاهرة الكلية التي اصطلحنا عليها: «النظام الاجتماعي الديني الشيعي»، وهي ست ظواهر أساسية:

    1 ـ ظاهرة السلطة الدينية الاجتماعية:

وهي قمة هرم النظام الديني الاجتماعي الشيعي، وتتمثل في المرجعية الدينية أو ولاية الفقيه. ولا نقصد بالسلطة هنا المؤسسة الدينية؛ لأنّ المؤسسة الدينية هي الجهاز العلمي الديني لسلطة النظام الاجتماعي الديني الشيعي، وليس السلطة نفسها. كما أنّ هذه السلطة هي التي تعطي الشرعية للمؤسسة الدينية؛ لأنّ سلطة المرجعية الدينية أو ولاية الفقيه بالمعنى الفقهي هي الأصل التشريعي لوجود النظام الاجتماعي الديني الشيعي، وبدونها لا توجد مؤسسة دينية ولا نظام اجتماعي شيعي. وهذا هو الاختلاف الأساس بين المؤسسة الدينية الشيعية وغيرها من المؤسسات الدينية الأُخر، سواء السنية أو غير الإسلامية. ففي المؤسسات الدينية الأُخر تكون المرجعية الدينية جزءاً من المؤسسة الدينية؛ وإن كانت إدارياً وتراتبياً على رأسها. وهذه المؤسسة هي التي تعطي الشـرعية الدينية للمرجعية الدينية، وتختارها وتضعها على رأسها. أمّا في النظام الاجتماعي الديني الشيعي فإنّ العكس هو الصحيح؛ إذ إنّ إنشاء المؤسسة الدينية الشيعية وإدارتها والولاية عليها هي إحدى وظائف السلطة الدينية.

وللتعرف على طبيعة شرعية السلطة الدينية الاجتماعية([14]) الشيعية؛ سنقارنها بالأنماط الأربعة الأساسية للسلطة الاجتماعية الدينية في الأديان المعروفة، وهي:

أ ـ النمط الثيوقراطي الذي يعبر عن التفويض الإلهي لصاحب السلطة([15]).

ب ـ النمط الانتخابي الذي تفرز جماعة المتدينين سلطة قائدها أو رئيسها([16]).

ت ـ النمط الكارزمي الذي يؤمن الأتباع بشخصية صاحب السلطة، نتيجة وجود قدرات خارقة لديه([17]).

ث ـ النمط التقليدي الذي يستند إلى مضامين دينية مقدسة([18]).

ومن خلال هذه الأنماط، نفهم أنّ السلطة الدينية الاجتماعية الشيعية هي من النمط الرابع؛ كونها تستند في شرعيتها إلى مضامين دينية مقدسة تتمثل بأحاديث رسول الإسلام والأئمة من آله. وهي بذلك لا تمثل سلطة ثيوقراطية مقدسة مفوضة من الله، ولا سلطة منتخبة من عموم الشيعة، ولا سلطة كارزمية تفرض نفسها من خلال مواهبها الشخصية؛ بل سلطة تستند إلى تأصيل تشريعي.

    2 – ظاهرة المؤسسة الدينية العلمية:

وتتمثل في الحوزة العلمية والمؤسسات العلمية الدينية التابعة. ويقف المرجع الديني على رأس هذه المؤسسة ويمنحها الشرعية. ولهذه المؤسسة هيكلية مؤسساتية وتراتبية علمية وأجزاء متفرعة، منها: المقنن كالمدارس والجامعات والمراكز والمكاتب والوكلاء والمعتمدين، ومنها: غير المقنن كالحواشي وجماعات الضغط.

    3 ـ الظاهرة الشعائرية والوجدانية والطقسية:

وتتمثل في المساجد ومراقد آل البيت والحسينيات وأمثالها. وتكون غالباً محاور اجتذاب الجمهور الشيعي وتجمعه، ومراكز إقامة الشعائر والطقوس الدينية والتقاليدية المجتمعية.

    4 ـ ظاهرة المال الشرعي:

وتتمثل في المؤسسات المالية والاقتصادية الداخلية، ومصادرها. وهي مؤسسات تعمل في إطار النظام الاجتماعي الديني الشيعي، وتمثل الحماية المادية واللوجستية له، والمعبر عن جزء من سياقات عمل النظام وحراكه الداخلي. وهذه الظاهرة هي أساس استقلال سلطة النظام الاجتماعي الديني الشيعي ومؤسسة الدينية عن الدولة ومؤسساتها ونفوذها وتأثيراتها السياسية؛ لأنّها تعتمد بالكامل على ما يدفعه المؤمنون من حقوق شرعية وتبرعات وهبات ووقفيات.

    5 ـ ظاهرة المؤسسات الداعمة:

وهي المؤسسات والجماعات والشخصيات السياسية والعسكرية والإعلامية والثقافية، وتمثل بمجموعها الحماية الميدانية للنظام الاجتماعي الديني الشيعي.

    6 ـ ظاهرة القاعدة الاجتماعية:

وتتمثل في عموم الشيعة؛ سواء الملتزمين دينياً أو غير الملتزمين.

وما يميز الاجتماع الديني الشيعي أيضاً؛ تفوق الانتماءات السوسيولوجية والتاريخية والطقسية لدى القاعدة الاجتماعية على الانتماءات العقدية والفرائضية. فهناك ـ مثلاً ـ عقديون ومتفقهون ومتعبدون شيعة؛ لكنهم معارضون للخط العام للنظام الاجتماعي الديني الشيعي، والذي تمثله السلطة الدينية العليا، وفي المقابل هناك من لا يلتزم بالضوابط العقدية والممارسات الشعائرية، لكنه مندك في الخط العام للنظام الديني الاجتماعي الشيعي، ويعبر سلوكه العام عن الطاعة لسلطة النظام الدينية. وحيال المقارنة بين النموذجين؛ نجد العقل الاجتماعي الشيعي يُعدّ النموذج الأول خارجاً عن الصف الشيعي، والنموذج الثاني شيعياً أصلياً. وهنا يستحضـر الوعي المذهبي الشيعي، الفرق بين ظاهرة الخوارج العقديين المتعبدين الذين كانوا جزءاً من النظام الديني السياسي العسكري الذي يقوده الإمام علي؛ لكنهم خرجوا عليه وحاربوه([19])، وبين ظاهرة الثابتين من الموالين لعلي بن أبي طالب، وإن كانوا أقل اندكاكاً بالشعائر وممارسةً للفروض. وهذا ما يكشف عن أنّ الانتماء الواقعي للنظام الاجتماعي الديني الشيعي، ليس انتماءَ عقدياً وفقهياً وحسب، بل هو أيضاً الولاء الاجتماعي السياسي الذي يتفوق في تأثيره الميداني المفصلي وفي وعيه بحقيقة الانتماء.

ولا أزعم أنّ التأسيس لعلم الاجتماع الديني الشيعي بات أمراً منجزاً أو سينجز بسهولة من خلال هذه الدراسة المقتضبة؛ بل إنّ ما نقوم به مجرد محاولة في طريق التأسيس، متمنياً أن تساهم جهود المتخصصين في إنجاز المهمة واستكمالها.

مفهوم «النظام الاجتماعي الديني الشيعي»

للوصول إلى فهم منهجي لمدلول «النظام الاجتماعي الديني الشيعي»؛ نوضح ـ ابتداءً ـ المصطلحات والمفاهيم المكونة لهذا المصطلح المركب الجامع. فرغم قِدم النظام الاجتماعي الديني الشيعي وتجذره؛ إلّا أنّ حداثة المصطلح والمداخل العلمية المتعددة لدراسته؛ بحاجة إلى تفكيك وتوضيح المراد منه بدقة، وهو ما سيكشف أيضاً عن حقيقة وجود هذا النظام ومكوناته وأجهزته الفرعية، وما إذا تنطبق التعريفات الأكاديمية لمصطلح «النظام» على الكيانية الشيعية الحالية، وتطورها التاريخي، من جماعة دينية مهيكلة إلى منظومة، ثم إلى نظام يتمتع بكل مقومات النظام الاجتماعي الديني.

لقد توصلتُ إلى صياغة هذا المصطلح خلال بحثي عن مصطلح جامع يستوعب كل جوانب الكيانية الشيعية في بعديها النظري والعملي، زعماً مني بأنّ مصطلح «النظام الاجتماعي الديني الشيعي» يقارب حقيقة هذه الكيانية الاجتماعية الدينية الثقافية السياسية التي تعبر عن واقع الشيعة الإمامية الاثني عشرية ومسارهم التاريخي والجغرافي، بوصفهم أكبر جماعة بشرية منظمة في العالم، يصل عددها إلى (400) مليون نسمة تقريباً([20])، وتنتمي إلى مدرسة إسلامية تتميز عن غيرها من المدارس الإسلامية المنتسبة إلى فقهاء مدرسة الخلفاء والصحابة في فهمها للدين الإسلامي وعقيدته وفروعه، وهو فهم يستند إلى أئمة آل البيت حصراً، وكذلك في قراءتها للتاريخ الإسلامي، وفي نفيها لشرعية الأنظمة السياسية التي لا تستمد شرعيتها من أصل الإمامة المنصوص عليها.

وكملاحظة استباقية؛ نوضح بأنّنا لا نقصد بالنظام الاجتماعي الديني الشيعي مفهوم المرجعية الدينية الشيعية؛ بل نقصد به النظام الجامع الذي تقف المرجعية الدينية على رأسه؛ أي أنّ المرجعية تمثل حالة القيادة والرعاية لهذا النظام، ولا تتلخص فيه، في حين تشكل باقي المكونات ـ كما سيأتي ـ أجهزة هذا النظام وقواعده البشرية.

إنّ أهم مفهومين مكوِّنين لهذا المصطلح الجامع، هما: المذهب الشيعي والطائفة الشيعية، وهما مفهومان مختلفان في مداليلهما؛ فالمذهب الشيعي مرادف لمفهوم «التشيع»، والطائفة الشيعية مرادف لمعنى «الشيعة». وهناك فرق بين التشيع والشيعة؛ فالتشيع يدل على العقيدة الإسلامية الشيعية والفقه الإسلامي الشيعي، أو الإسلام من وجهة نظر مدرسة آل البيت، وهو تعبير عن نظرية دينية.

أمّا الشيعة فهم الكتلة البشرية المنتمية بالوراثة ـ غالباَ ـ إلى هذه النظرية، أي أنّهم مجتمع المذهب وليس المذهب نفسه. ويُطلق على مجتمع المذهب مصطلح الطائفة([21])، وهو تعبير عن الجماعة الإنسانية التي تنتمي إلى المذهب. وهذا يعني أن الفرد الشيعي هو إنسان ينتمي إلى مجتمع المذهب الشيعي، أو ما يصطلح عليه في المجتمعات التعددية «ابن الطائفة»، وليس بالضرورة أن يكون «ابن الطائفة» ملتزماً بشعائر المذهب وطقوسه؛ لكنه يعيش تلقائياً هموم مجتمع المذهب وقضاياه. وبالتالي؛ فموضوعة «النظام الاجتماعي الديني الشيعي» لا تخص الشيعي المتدين وحسب؛ بل كل شيعي ينتمي إلى النسيج الاجتماعي الشيعي.

ولا شك أن التجديد في المصطلحات والتحول في المفاهيم، هما من المتطلبات الطبيعية التي تفرضها تحولات الزمان والمكان، وهذه القاعدة لا تقتصر على دين او عرق أو مذهب أو مجتمع، بل هي حالة إنسانية عامة. والاستجابة الأسرع والأكثر واقعية لتحولات الزمان والمكان، تعني المرونة والقدرة على الاستجابة والثقة بالنفس العامة، على لا يخرج المصطلح الجديد او المفهوم المتحول عن ثوابت المعتقد والفكر، أي أن تكون المرونة هو الوسيط الرصين بين المعتقد الثابت والواقع المتحرك. وربما تنطبق هذه القاعدة على أهمية نحت مصطلح يميِّز بين الشيعي بالمعنى العام، أي المنتمي اجتماعياً وبالوراثة الى الشيعة، أي الذي ولد من أُسرة شيعية، والشيعي بالمعنى الخاص، أي الشيعي المنتمي اجتماعياً الى الشيعة والملتزم عقدياً وفكرياً وعبادياً وسلوكياً، أي الشيعي الذي حدد أئمة آل البيت أوصافه وخصاله العقدية والروحية والعبادية والسلوكية والأخلاقية، وهو يشبه التمييز بين المسلم بالمعنى العام، أي المسلم بالوراثة، وبين المسلم الملتزم عقدياً وسلوكياً، وكذلك المسلم العامل في الحركات الإسلامية، والذي يصطلح عليه «الإسلامي»؛ فالانتماء العام للإسلام هو انتماء شرعي اجتماعي قانوني، ولا ينظر اليه من زاوية الالتزام العقدي والعبادي والسلوكي، في حين أنّ «الإسلامي» ينبغي أن يكون ملتزماً عقدياً وعبادياً وسلوكياً وفكرياً وسياسياً.

إنّ الانتماء التلقائي الى الشيعة هو الانتماء بالوراثة الأسرية، وهو انتماء اجتماعي الى مجتمع المذهب اجتماعي أو ما يعرف بالانتماء للطائفة؛ فلربما كان هذا الشيعي منفلتاً من الناحية العبادية والسلوكية، أو كان علمانياً أو ملحداً. أما الشيعي المتدين، وليس منتمياً انتماءً اجتماعياً وحسب؛ فهو لا يمكن أن يكون منفلتاً عقدياً وعبادياً وسلوكياً، ولا يمكن أن يكون علمانياً أو شيوعياً مثلاً، أي أنّ الشيعي بالمعنى العام هو الفرد المنسوب الى الشيعة كمجتمع إنساني، والشيعي بالمعنى الخاص هو المنسوب الى التشيع، أي الى المنظومة عقدية فقهية أخلاقية. وهذا الفرق بين الإثنين هو كالفرق بين الشيعة والتشيع؛ فالشيعة هم المجتمع الإنساني الذي ينتمي الى التشيع، وهم الطائفة الشيعية، أما التشيع فهي العقيدة والفقه والفكر، وبالتالي؛ فالشيعة شيء والتشيع شيء آخر. وقد وضع بعض علماء الدين والباحثين مصطلحات كثيرة لتمييز الشيعي المتمسك بالعقيدة والعبادات، كالموالي والمتدين والمؤمن والملتزم.

وسواء كان الشيعي ملتزماً أو غير ملتزماً؛ فإنه منتمي تلقائياً الى النظام الاجتماعي الديني الشيعي، وهو عضو فيه، طالما كان ملتزماً به اجتماعياً، وغير منسلخ منه بإرادته، حتى وإن لم يقلد مرجعاً ولا يمارس العبادات، لأن الانتماء للنظام الاجتماع الديني الشيعي ليس انتماءً دينياً محضاً، بل هو انتماء اجتماعي وإنساني أيضاً، ولكن؛ هناك عضوية خاصة يختارها الشيعي بنفسه ولا يفرضها عليه أحد، عبر الإيمان بالعقيدة وممارسة العبادات والالتزام بالسلوك الديني، وهناك عضوية عامة، تقتصر على البعد الاجتماعي والإنساني فقط، ولا يكون فيها الشيعي لصيقاً بالإلزامات الدينية المتكاملة للنظام الاجتماعي الديني الشيعي. ورغم ذلك؛ فلا تمتلك أية سلطة دينية أو سياسية، طرد أو فصل أو إبعاد أي شيعي من هذا النظام، إلّا إذا سلخ هذا الشيعي نفسه عن النظام بإرادته، وجهر بذلك عبر أفكاره وسلوكياته المتخاصمة مع النظام الاجتماعي الديني الشيعي.

وليس مفهوم مجتمع الدين أو مجتمع المذهب حكراً على التشيع كمذهب والشيعة كمجتمع؛ بل ينطبق هذا التفكيك على أغلب الأديان والمذاهب في العالم؛ فهناك ـ مثلاً ـ التسنن والسنة، أي المذاهب السنية ومجتمع المذاهب السنية، والدين المسيحي والمجتمع المسيحي. إلّا أنّ ما يميز الشيعة ـ كمجتمع ـ عن غيرهم، هو تحوّلهم إلى جماعة مستقلة ـ غالباً ـ عن الدولة في مساراتها الدينية والاجتماعية والسياسية والمالية والحسبية؛ بفعل العوامل الثلاثة التالية التي لا تزال قائمة بقوة:

1 ـ طبيعة تعاليم آل البيت وسنّتهم، والتي ينتج عنها لزاماً كيانية أو منظومة دينية اجتماعية مترابطة هيكلياً، ومتفاعلة في امتداداتها التاريخية والجغرافية، وشبه مستقلة عن النظام السياسي للدولة غير الشرعية.

2 ـ فقدان الشيعة للسلطة السياسية والدول الراعية الحامية، إلّا في مقاطع استثنائية، وعيشهم في ظل أنظمة تعدّهم خارجين على مذهب الدولة وقانونها وسلطانها، وهو ما يجعلهم عرضة للتمييز والاضطهاد والقمع الطائفي السياسي المجتمعي.

3 ـ الحفاظ على وجود المذهب ومجتمعه من الاستهداف الطائفي والاجتثاث والإبادة.

وكلما ارتفع منسوب العاملين الثاني والثالث؛ كلما أحست المجتمعات الشيعية بالخطر الوجودي، فراحت مندكّة أكثر في نظامها الديني الاجتماعي؛ الأمر الذي يعزز قوة هذا النظام ويطور هيكليته ويرص صفوفه باستمرار. أي أنّ عاملي القمع وفقدان الحماية السياسية؛ لا يضعِّفان النظام الاجتماعي الديني الشيعي، كما تتصور الأنظمة الطائفية؛ بل يقويانه ويدفعان الشيعة باتجاه مركزيته بشكل أكبر. بينما في أجواء الحرية المذهبية والمشاركة السياسية الحقيقية؛ ينسجم الشيعة بشكل تلقائي مع الدولة التي يعيشون فيها، ويرتبطون بها سياسياً؛ وإن كان نظامها سنياً، وتكون علاقتهم بنظامهم المذهبي علاقة دينية اجتماعية غالباً، دون أن يكون لها تبعات سياسية.

وإذا قارنّا بين واقع المجتمعات السنية والمجتمعات الشيعية على أساس العاملين الثاني والثالث؛ سنجد أنّ هناك ما يقرب من (55) نظاماً سنياً([22])، تمثل حماية طبيعية للمجتمعات السنية ومذاهبها؛ وإن كانت هذه الأنظمة علمانية، في الوقت الذي يُصنّف التشيع في ظل هذه الأنظمة خروجاً على مذهب الدولة، ويستحق من ينتمي إليه كل أنواع التمييز والإقصاء والتنكيل. بل الأنكى أنّ الدول الأربع التي يشكل فيها الشيعة الغالبية السكانية؛ ظلت تحكمها أنظمة طائفية أو إلحادية إقصائية إلى وقت قريب. وباستثناء دولة البحرين التي لا يزال نظامها سنياً طائفياً إقصائياً، ولا تزال الأغلبية السكانية من الشيعة فيها مهمّشة؛ فقد تغير واقع الدول الثلاث الأُخر (العراق ولبنان وآذربيجان) خلال العقود الثلاثة الأخيرة فيما بعد، إثر تحولات سياسية جذرية، ودخل الشيعة في مفاصل أنظمتها السياسية وباتوا مشاركين في قيادتها.

وقد أفرزت التحولات السياسية البنيوية في الأعوام 1979 في إيران، و1982 في لبنان، و1991 في آذربيجان، و2003 في العراق؛ ثلاثة أنظمة سياسية مختلطة طائفياً، هي العراق ولبنان وآذربيجان، ودولة شيعية إيديولوجية واحدة فقط، هي إيران، مقابل (55) دولة سنية. أي أنّ المذاهب السنية التي يبلغ عدد المنتمين إليها مليار وست مئة مليون نسمة؛ لديهم (55) دولة ترعاهم وتحميهم مذهبياً وشعائرياً، بمعدل دولة لكل (28) مليون نسمة، بينما الشيعة الذين يبلغ عددهم (400) مليون نسمة؛ لديهم دولة واحدة فقط. وليست المشكلة في المفارقات التي تفرزها هذه الإحصائيات؛ بل تكمن المفارقة الكبرى في أنّ الأنظمة السنية الـ (55) تستكثر على الشيعة الـ (400) مليون أن يكون لهم حتى دولة واحدة فقط، وأن يكونوا مشاركين في حكم أربع دول أُخر (العراق ولبنان وآذربيجان واليمن). وهو السبب الحقيقي الذي يقف وراء الاستهداف الطائفي الشرس الذي تتعرض له أنظمة الدول الأربع المذكورة؛ مهما تعددت التحليلات والمسوغات والمبررات؛ الأمر الذي لا يزال يضع الشيعة منذ 1400عام تقريباً وحتى الآن أمام خيار واحد فقط، هو الاندكاك بنظامهم الاجتماعي الديني؛ للحصول على حيز الأمان والحماية وحرية التعبير العقدي والشعائري والاجتماعي.

هيكلية النظام الاجتماعي الديني الشيعي

لقد نشأت قواعد النظام الاجتماعي الديني الشيعي في عصر إمامة علي بن أبي طالب على مبدأ «الإمامة»، ثم أُعيد تأسيسه في بداية عصر الغيبة الصغرى للإمام المهدي على مبدأ «نيابة الإمام»، وتبلورت بالتدريج خلال القرون اللاحقة، ولا سيما في عصر زعامة الشيخ أبي جعفر الطوسي في النجف قبل (1000) عام تقريباً. وقد تطورت هيكلية النظام خلال القرن العشـرين الميلادي؛ بفعل التحولات المحلية والإقليمية والدولية المتراكمة، وبفعل حالة النهوض الشامل الذي شهده الواقع الشيعي طوال النصف الثاني من القرن العشرين الماضي. ثم أخذت الطفرات النوعية الجذرية في واقع النظام وهيكليته تتوالى بعد العام 1979، وبات واقعاً متقدماً وناهضاً بقوة؛ إذ بات النظام نفسه، ولأول مرة في تاريخ الشيعة خلال عصر الغيبة، يشكّل السلطة الحاكمة في إيران بعد العام 1979، أي منذ 1200 عام تقريباً، كما بات محمياً من القوة الشيعية اللبنانية الصاعدة منذ السبعينات والثمانينات، ومن الحكم العراقي الجديد بعد العام 2003، ويتمدد بصورة ملموسة في كثير من البلدان، كأفغانستان وآذربيجان واليمن وسورية؛ برغم وجود بعض الانكسارات والإخفاقات؛ لكنها انكسارات عابرة وجزئية؛ ما يعني أنّ النظام الاجتماعي الديني الشيعي يعيش الآن قيامته وعصره الذهبي.

وفي المقابل؛ لا تزال الأنظمة السنية تعيش معادلات رد الفعل القائمة منذ مئات السنين، وهي أنظمة طائفية متعصبة في غالبيتها، وإن كانت علمانية ومعادية للدين، لكنها تعيش في عقلها الباطن وبفعل تحريك مشايخها ووعاظها ومؤسساتها وجماعاتها الدينية؛ هواجس التاريخ والتهديدات الوهمية التاريخية المذهبية. ولذلك؛ كلما ازداد منسوب نهوض النظام الاجتماعي الديني الشيعي؛ ازدادت التحديات والضغوطات التي تستهدف وجوده ومقومات صعوده. فقد ظل هذا النظام مهدداً طوال التاريخ، عدا عن أزمنة وجغرافيات محدودة، ولا سيما خلال حكم الدول الإدريسية والحمدانية والبويهية والفاطمية والصفوية. كما لا يزال النظام الاجتماعي الديني الشيعي مستهدفاً بقوة من السلطات والحكام الطائفيين والأجهزة التخريبية والمخابراتية للدول الغربية والإقليمية، وفي المقدمة بريطانيا وأمريكا والسعودية وإسرائيل.

وبعد مرور مئات السنين من الكفاح من أجل البقاء، ومن أجل النماء والتقدم؛ باتت هيكلية النظام الاجتماعي الديني الشيعي الذي استقر خلال العقود الثلاثة الأخيرة؛ تضم المكونات والأجزاء العشرة التالية:

1ـ المرجعية الدينية العليا أو ولاية الفقيه: وهي زعيمة النظام الاجتماعي الديني الشيعي وسلطته العليا ورأسه.

2ـ الحوزة العلمية: وهو الجهاز العلمي الديني التبليغي للنظام الديني الاجتماعي الشيعي.

3ـ وكلاء المرجعية ومعتمدوها ومكاتبها الجغرافية: وهم شبكة سفراء النظام الديني الاجتماعي الشيعي وممثلياتها الدينية الاجتماعية في جميع مناطق التواجد الشيعي.

4ـ مراقد أهل البيت والمزارات الشيعية: وهي محاور الاستقطاب العاطفي والوجداني الجامع للشيعة.

5ـ المساجد والحسينيات والمواكب والمؤسسات الثقافية والتعليمية: وتشکّل مجتمعة أو منفردة، الجهاز الثقافي والشعائري والطقوسي للنظام.

6ـ الحكومات والجماعات السياسية: وهو الجهاز التنفيذي السياسي للنظام.

7ـ المؤسسات والجماعات الأمنية والعسكرية: وهو جهاز حماية النظام.

8ـ المؤسسات والوقفيات الاقتصادية والمالية: وهو جهاز التمويل والدعم اللوجستي المالي للنظام، ويدخل في إطاره أصحاب رؤوس الأموال والتجار.

9ـ مقلدو المرجعية الدينية: وهي القاعدة الشعبية الإيديولوجية للنظام.

10ـ عموم الشيعة: وهي القاعدة الشعبية العامة التي تدخل ضمن دائرة تأثير المنظومة، ويدخل في إطارها غير المقلدين وغير المتدينين أيضاً([23]). ولعل كثيراً من عناصر هذه القاعدة هم أكثر حماساً واندفاعاً باتجاه الدفاع عن النظام من المقلدين.

ومن مجموع هذه الأجزاء العشرة المترابطة المتكاملة؛ يتكون النظام الاجتماعي الديني الشيعي، وهو أشمل من مفهوم المرجعية، وأوسع من مفهوم مجتمع المذهب؛ أي أنّه ليس نظاماً دينياً محضاً، ولا نظاماً اجتماعياً محضاً، ولا نظاماً ثقافياً ولا نظاماً سياسياً؛ بل يجمع بين ظواهر النظم الأربعة، ويصهرها ليُحوِّلها إلى نظام واحد متفرد تاريخياً وجغرافياً. ومن خلال ذلك يتبين أنّ النظام الاجتماعي الديني الشيعي هو كيانية شاملة، تجمع في داخلها الظواهر التي تدرسها فروع علم الاجتماع، ولا سيما الاجتماع الديني والاجتماع السياسي والاجتماع الثقافي والاجتماع المعرفي.

وتؤكد ظواهر فروع علم الاجتماع هذه بمجملها أنّ النظام الديني الاجتماعي الشيعي هو نظام إنساني وهيكليته إنسانية؛ وإن اعتمد قاعدة دينية. وبالتالي، فهو قابل للنقد والتقويم والتطوير، وتحقيق مزيد من الإنجازات النوعية؛ بل قابل للتكيّف بكل سهولة مع ضغوطات الواقع السياسي والقانوني المحلي والدولي، وفي مقدمها ضغوطات القانون الدستوري والقانون الدولي، وما تفرزه من مفاهيم المواطنة والسيادة والولاء([24]).

 

 

 

 

 

 

 

 

([1]) نماذج لهذه الدراسات: الدكتور فالح عبد الجبار، «العمامة والأفندي: سوسيولوجيا خطاب وحركات الاحتجاج الديني»، ترجمة: أمجد حسين. الدكتور الوردي، علي، «دراسة في طبيعة المجتمع العراقي». رشيد الخيون، «الصراع بين علماء الشيعة على الدستور: المشروطة والمستبدة».

([2]) حول علم الاجتماع الديني ومباحثه، أُنظر: الدكتور سابينو اكوافيفا والدكتور بيس انزو في «علم الاجتماع الديني: الإشكالات والسياقات». الدكتور محمد أحمد بيومي في «علم الاجتماع الديني: مشكلات العالم الإسلامي». الدكتور عبد العزيز الخريجي في «علم الاجتماع الديني». الشيخ مرتضى المطهري في «المجتمع والتاريخ»، ترجمة: محمد علي آذرشب. وأخيراً ميشال مسلان في «علم الاجتماع الديني وبنية المؤسسة الدينية»، ترجمة: عزالدين عناية.

.https: //www. Aljabriabed. Net/n51_09maslan. htm

([3]) للوقوف على طبيعة مباحث هذه العلوم وعلاقتها بعلم الاجتماع الديني بشكل عام، وعلم الاجتماع الديني الإسلامي والشيعي بشكل خاص، أُنظر: فيليب برو في «علم الاجتماع السياسي»، ترجمة: محمد عرب صاصيلا. الدكتور مختار حمزة في «أُسس علم النفس الاجتماعي». الدكتور عبد الحافظ سلامة في «علم النفس الاجتماعي». الدكتور قباري محمد إسماعيل في «علم الاجتماع السياسي وقضايا التخلف والتنمية والتحديث»، و«علم الاجتماع الثقافي ومشكلات الشخصية في البناء الاجتماعي». طلال أسد في «جينالوجيا الدين: الضبط وأسباب القوة في المسيحية والإسلام»، ترجمة: محمد عصفور. عبد الرحمن ابن خلدون في «مقدمة ابن خلدون». الشيخ محمد مهدي شمس الدين في «المجتمع السياسي الإسلامي: محاولة تأصيل فقهي وتاريخي». علي المؤمن في «جدليات الدعوة: حزب الدعوة الإسلامية وجدليات الاجتماع الديني والسياسي»، و«تجديد الشريعة». أبو يعرب المرزوقي في «فلسفة الدين من منظور الفكر الإسلامي». الدكتور عبد الجبار الرفاعي في موسوعة «فلسفة الدين» وهي تضم أربعة كتب: «تمهيد لدراسة فلسفة الدين: الإيمان والتجربة الدينية»، و«علم الكلام الجديد: مدخل لدراسة اللاهوت الجديد»، و«جدل الدين والعلم»، و«الهرمينوطيقيا والتفسير الديني». الدكتور علي الوردي في «في علم اجتماع المعرفة»، ترجمة الدكتورة لاهاي عبد الحسين. كارل مانهايم في «الإيديولوجيا واليوتوبيا: مقدمة في سوسيولوجيا المعرفة»، ترجمة محمد رجا الديريني. روجي باستيد في «الأنثروبولوجيا الدينية»، ترجمة: الحسن الصديق

http: //www. Alkalimah. net/Articles?AuthorID=2532

([4]) أُنظر: الدكتور سابينو اكوافيفا والدكتور بيس انزو، «علم الاجتماع الديني: الإشكالات والسياقات»، مصدر سابق، ص203.

([5]) علي المؤمن، «عصر العلمنة الأوروبي: ثورة على المسيحية المختطفة»:

www. facebook. com/Dr. AliAlMumen/posts/2627439240651543/

([6]) أي من داخل الدين وعبر استخدام أدواته. أُنظر: علي المؤمن، «الإسلام والتجديد: رؤى في الفكر الإسلامي المعاصر»، و«تجديد الشريعة». (مصدر سابق).

([7]) أُنظر: ميشال مسلان، «علم الاجتماع الديني وبنية المؤسسة الدينية»، ترجمة: عزالدين عناية،

https: //www. Aljabriabed. net/n51_09maslan. htm

([8]) يلخص الباحث اليهودي الشيوعي حسقيل قوجمان رأي الماركسية في الدين في دراسته «رأي الماركسية في الدين»، https: //www. Ahewar. org/search/Dsearch. asp?nr=957

وانظر أيضاً: قراءة في كتاب «ما وراء الأساطير: أُسس اليهودية والمسيحية والإسلام»، تأليف جون بيكارد،                               https: //marxy. com/?p=1290

([9]) قال السفاريني الحنبلي: ((وقد كثرت بخروجه (أي: المهدي) الروايات، حتى بلغت حد التواتر المعنوي، وشاع ذلك بين علماء السنة، حتى عُدّ من معتقداتهم… وقد روي عمن ذُكر من الصحابة وغير من ذُكر منهم رضي الله عنهم، بروايات متعددة، وعن التابعين من بعدهم، ما يفيد مجموعه العلم القطعي، فالإيمان بخروج المهدي واجب كما هو مقرر عند أهل العلم، ومدون في عقائد أهل السنة والجماعة)). (محمد بن أحمد السفاريني الحنبلي، «لوامع الأنوار البهية») ط2، مؤسسة الخافقين ومكتبتها ـ دمشق / 1402ه‍ = 1982م، ج2، ص84).

وقال الشوكاني: ((والأحاديث الواردة في المهدي التي أمكن الوقوف عليها، منها خمسون حديثاً، في الصحيح والحسن، والضعيف المنجبر، وهي متواترة بلا شك ولا شبهة، بل يصدق وصف التواتر على ما دونها علی جميع الاصطلاحات المحررة في الأُصول)). (محمد بن جعفر الحسني الإدريسـي الكتاني، «نظم المتناثر من الحديث المتواتر»، تحقيق: شرف حجازي، ط2، دار الکتب السلفية ـ مصـر، ص227، بالواسطة عن التوضيح في تواتر ما جاء في المنتظر والدجال والمسيح للشوكاني).

وقد ذكر علماء أهل السنة اسم المهدي وصفته ومكان خروجه، وهو ما رواه أحمد والترمذي وأبو داود أنّ النبي قال: ((لا تذهب ـ أو لا تنقضي ـ الدنيا حتى يملك العرب رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي))، وفي رواية لأبي داود: ((يواطئ اسمه اسمي، واسم أبيه اسم أبي)). وعن أبي سعيد الخدري قول رسول الله: ((المهدي مني أجلى الجبهة، أقنى الأنف، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً، كما ملئت ظلماً وجوراً، يملك سبع سنين))، رواه أبو داود والحاكم النيسابوري، وعنه أيضاً قول رسول الله: ((يخرج في آخر أُمّتي المهدي، يسقيه الله الغيث، وتخرج الأرض نباتها، ويُعطي المال صحاحاً، وتخرج الماشية، وتعظم الأُمّة، يعيش سبعاً أو ثمانياً))، رواه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي. وعن أُم سلمة: سمعت رسول الله يقول: ((المهدي من عترتي من ولد فاطمة))، رواه أبو داود وابن ماجه وصححه الألباني. وعن علي قال: قال رسول الله: ((المهدي منا أهل البيت يصلحه الله في ليلة))، رواه أحمد وابن ماجه، وصححه أحمد شاكر والألباني. وعن ثوبان قال: قال رسول الله: ((يقتتل عند كنزكم ثلاثة كلهم ابن خليفة، ثم لا يصير إلى واحد منهم، ثم تطلع الرايات السود من قبل المشرق، فيقتلونكم قتلاً لم يقتله قوم ـ ثم ذكر شيئاً لم أحفظه ـ فإذا رأيتموه فبايعوه ولو حبواً على الثلج، فإنّه خليفة الله المهدي))، رواه ابن ماجه والحاكم، وقال عنه ابن كثير: ((والمقصود أنّ المهدي الممدوح الموعود بوجوده في آخر الزمان يكون أصل ظهوره وخروجه من ناحية المشرق، ويبايع له عند البيت، كما دلّ على ذلك بعض الأحاديث)).

وانظر تفصيلاً روايات محدثي ورواة وفقهاء أهل السنة في الإمام المهدي: أبو داود، «السنن»، ج2، ح429، و ح3991. والمقدسي الشافعي، «عقد الدرر»، ص40 و45و92. والهيثمي، «مجمع =
= الزوائد»، ج9، ص165. وابن حمّاد، «الفتن»، ص120 و205. وابن حجر، «الفتاوى الحديثية»، ص31. والصنعاني، «المصنّف»، ج11، ص372، ح20772. والواسطي الحنفي، «تاج العروس»، ج10، ص409. والذهبي، «سير أعلام النبلاء»، ج11، ص448. والمولوي محمد الهندي، «وسيلة النجاة»، ص420. والإربلي، «كشف الغمة»، ج1، ص37. والعدوي النصيبي، «مطالب السؤول»، ص3 و4 و7 و9 و89. والقندوزي، «ينابيع المودة»، ج3، ص304 و306 و386. والعدوي الحمزاوي، «مشارق الأنوار في فوز أهل الاعتبار»، ص125 و153. والجامي، «شواهد النبوة»، ص21. والجويني الشافعي، «فرائد السمطين»، ج2، ص334، ح589. وابن الصباغ المالكي، «الفصول المهمة»، ص291. وعبدالوهاب الشعراني، «الجواهر واليواقيت»، ج2، ص143، ص149. ابن الصبان، «إسعاف الراغبين»، ص140. الأبياري، «جالية الكدر في شرح منظومة البرزنجي»، ص207. القرطبي، «التذكرة في أحوال الموتى وأُمور الآخرة»، ص189. والسيوطي، «الحاوي للفتاوي»، ج2، ص85. والطبراني، «المعجم الكبير»، ج2، ص199 و208. والسيوطي، «عرف الوردي»، ص141 و145. والساباطي الحنفي، «البراهين الساباطية»، ص207 ـ 208.

([10]) أُنظر: السيد كاظم الحائري، «المرجعية والقيادة»، ص73 ـ 119 .

([11]) علي المؤمن، «من المذهبية إلى الطائفية: المسألة الطائفية في الواقع الإسلامي»، ص70 ـ 76.

([12]) مما قاله علماء المذاهب الإسلامية السنية في محمد بن عبد الوهاب ومذهبه التكفيري، ذكر على سبيل المثال: الشيخ زيني دحلان، بقوله: ((كان كثير من مشايخ ابن عبد الوهاب بالمدينة يقولون سيضل هذا أو يضل الله به من أبعده وأشقاه فكان الأمر كذلك))، وقال فيه شقيقه سليمان بن عبد الوهاب: ((لازم قول محمد بن عبد الوهاب: إنّ جميع الأمّة بعد زمان الإمام أحمد رحمه الله تعالی، علماؤها، وأمراؤها، وعامّتها، كلّهم كفّار، مرتدون)). ويقول الشيخ ابن عابدين الحنفي: ((أتباع محمد بن عبد الوهاب خوارج زماننا))، وخليل احمد السهارنفوري الحنفي: ((محمد بن عبد الوهاب وأتباعه من الخوارج))، ونعيم الدين المراد آبادي: ((محمد بن عبد الوهاب الذي من ضلالة واضحة استحق العذاب))، ومولوي عبد الرحمان سربازي: ((إنّ الوهابية فقط يعتبرون أنفسهم من المسلمين ولا= =  يعتبرون الآخرين من المسلمين))، والشيح أحمد بن محمد بن صديق الغماري: ((أن قرن الشيطان النجدي، وأتباعه، ومذهبه الفاسد وليد أفكار ابن تيمية))، والشيخ عبد الله الهروي: ((محمد بن عبد الوهاب أحيا بأفكاره المنحرفة بدع ابن تيمية))، والشيخ الشرواني: ((ابن تيمية ومن تبعه من الفرقة الضالة))، والشيخ أحمد الصاوي المالكي: ((الوهابية الخوارج الذين يحرفون تأويل الكتاب والسنة ويستحلون بذلك دماء المسلمين وأموالهم))، والشيخ إبراهيم بن عثمان السمنودي: ((أصل الوهابية قوم من جهلة الأعراب))، والشيخ أحمد رضا القادري الحنفي: ((واعلموا أنّ الوهابية النجسة أكّالون لفظلة جميع الضالين))، والشيخ صدقي الزهاوي: ((محمد بن عبد الوهاب أظهر عقيدته الزائغة))، والشيخ نضال بن عبد الله آل رشي: ((الوهابية أهل البدعة من الحشوية)).

ويمكن ملاحظة مؤلفات أعلام السنة هؤلاء التي ذكروا فيها ضلال الوهابيين في المقالين التاليين: «رأي علماء أهل السنة في محمد بن عبد الوهاب وأتباعه»

https: //www. valiasrـaj. com/arabic/shownews. php? Idnews =2701

و«آراء علماء أهل السنة حول الوهابية ومحمد بن عبد الوهاب»

https: //makhaterltakfir. com/ar/Article/View/5127

([13]) أُنظر: علي المؤمن «من المذهبية إلى الطائفية» (مصدر سابق)، ص124 ـ 130.

([14]) أُنظر: الدكتور برهان زريق، «السلطة الدينية».

([15]) علي المؤمن، «النظام السياسي الإسلامي الحديث وخيارات الديمقراطية والثيوقراطية والشورى، فصل الثيوقراطية»، ص83 ـ 106.

([16]) وهو النمط الكنسي المسيحي، ومثاله المذهب الكاثوليكي، الذي يقوم فيه مجلس الكرادلة (كبار القساوسة) بانتخاب البابا الجديد (القائد الروحي للطائفة المسيحية الكاثوليكية في العالم) بعد موت البابا السابق. ويبقى البابا في منصبه مدى الحياة، حاله حال كل قادة الأديان والمذاهب، طالما كان يمتلك القدرة على أداء مهامه.

([17]) المقصود هنا الأنبياء غالباً، وفق علم الاجتماع الديني.

([18]) المقصود هنا الأوصياء غالباً، والذين يوصي الأنبياء باستخلافهم، سواء بالاسم أو بالمواصفات.

([19]) أُنظر: محمد أبو سعدة، «الخوارج في ميزان الفكر الإسلامي»، وأبو شباب، أحمد عوض، «الخوارج: تاريخهم فرقهم وعقائدهم»، السيد جعفر مرتضى العاملي، «علي والخوارج: تاريخ ودراسة».

([20]) لا توجد إحصاءات رسمية لعدد أتباع المذاهب الإسلامية في العالم، ولكن الأرقام التي نذكرها هنا تقريبية، ووفق معدل نسبة الشيعة في كل بلد، بالاستناد إلى عدد كبير من المصادر المحلية والعالمية.

([21]) أُنظر: علي المؤمن، «من المذهبية إلى الطائفية» (مصدر سابق).

([22]) يبلغ عدد الدول المسلمة العضو في دول منظمة التعاون الإسلامي (57) دولة كاملة العضوية، ودولة مراقبة، إضافة إلى دولتين مسلمتين غير عضوين في المنظمة، وبذلك يبلغ عدد البلدان ذات الأكثرية السكانية المسلمة (60) دولة، بينها (56) دولة تحكمها أنظمة سنية، وإن كانت بالاسم، ودولة واحدة حكومتها شيعية، وثلاث دول يشارك الشيعة في حكمها، هي: العراق ولبنان وآذربيجان.

([23]) تشير الإحصاءات التقديرية إلى أن نسبة الشيعة البالغين المقلدين للمراجع هي بين 70 ـ 75% من مجموع الشيعة البالغين (المكلّفين، أي البالغين سن التكليف)، ما يعني أن المجتمعات الشيعية عموماً هي مجتمعات متدينة ومحافظة أكثر من غيرها من مجتمعات المذاهب الإسلامية الأُخر. مع الإشارة إلى أنّ غير المقلدين وغير المتدينين الشيعة، هم ـ غالباً ـ لصيقون بمجتمعاتهم الشيعية وهمومها وهواجسها، ولعل كثيراً منهم أكثر تعصباً إلى انتمائهم الاجتماعي والسياسي والثقافي الشيعي من كثير من المتدينين.

([24]) أُنظر: مخطط هيكلية النظام الاجتماعي الديني الشيعي في عصر غيبة الإمام المعصوم.

latest video

news via inbox

Nulla turp dis cursus. Integer liberos  euismod pretium faucibua

Leave A Comment