مقدمة كتاب الفقه والدستور

Last Updated: 2024/06/18By

مقدمة كتاب “الفقه والدستور: التقنين الدستوري الوضعي للفقه السياسي الإسلامي”، تأليف: د. علي المؤمن

يدور البحث الذي نحن بصدده حول أحد الموضوعات الأساسية التي اهتم بها الوسط الفكري والعلمي والسياسي الإسلامي منذ نهايات القرن التاسع عشر الميلادي، وظل أكثر البحوث إثارة للجدل الفكري والفقهي والسياسي، وهو موضوع «الدستور الإسلامي» أو «دستور الدولة الإسلامية» المستند إلى أحكام الفقه السياسي الإسلامي كما تصطلح عليه مدرسة الإمامة، أو أحكام الفقه السلطاني أو الأحكام السلطانية وفقاً للاصطلاح الموروث في مدرسة الخلافة؛ وإن نزعت كثير من المدونات الفقهية السياسية الحديثة التي كتبها مفكرون وفقهاء ومفكرون سنّة إلى استخدام مصطلح «الفقه السياسي الإسلامي» أيضاً.

وقد تطورت هذه المفاهيم في القرن العشرين الميلادي؛ لتطرح مفهوماً جديداً أكثر التصاقاً بموضوع الدستور الإسلامي، وهو مصطلح «الفقه الدستوري الإسلامي» المتماهي مع مصطلح «الفقه الدستوري» الوضعي، وهو مصطلح أقدم تاريخاً بكثير؛ إذ يعود ظهوره في اوروبا إلى القرن الثامن عشر الميلادي. بينما ظهر مصطلح الفقه الدستوري الإسلامي مع الدراسات التي تخصصت في فكر ثورة المشروطة في إيران في أوائل القرن العشرين الميلادي، ثم في جهود أسلمة القانون الدستوري الوضعي الرائدة في تركيا وإيران ومصر في العقود الثلاثة الأولى من القرن العشرين الميلادي.

وكان لهذا الجدل أصداؤه الواسعة في مطلع القرن العشرين؛ في رقعتين جغرافيتين مختلفتين مذهبياً؛ ولكنهما تعانيان الكثير من الإشكاليات المشتركة، وهما الدولتان المسلمتان المستقلتان الأكبر: الدولة العثمانية التركية والدولة القاجارية الإيرانية؛ لا سيما مع ظهور حركات الإصلاح الديني والسياسي فيهما. كما برزت المشكلة بصورة أخرى خلال تأسيس دولة باكستان. وظلت ترافق الجماعات الإسلامية السياسية في تنظيرها لشكل ومضمون الدولة التي تدعو إليها؛ ولاسيما الرئيسة منها؛ كجماعة النور في تركيا والجماعة الإسلامية في الهند وباكستان وجماعة الإخوان المسلمين في مصر وحزب التحرير في الأردن وحزب الدعوة الإسلامية في العراق. ولكن يبقى جدل الثورة الدستورية (المشروطة) في إيران خلال الأعوام 1906 – 1909 هو الأكثر حدةً وحجماً وعمقاً، والأبرز نتائج على الصعيد التأصيلي الفقهي. ولم ينافسه جدل بعد ذلك إلّا الجدل الفقهي والقانوني والسياسي الذي رافق الطريق إلى إنشاء دستور الجمهورية الإسلامية الإيرانية في العام 1979، وهو طريق تأسيسي في كثير من محطاته.

ويرتكز الجدل في هذا الموضوع حول مجموعة من الإشكاليات الرئيسة والفرعية؛ التي يعالجها الكتاب – الذي بين أيديكم – برؤى جديدة ومنهجية، وهو بالأساس أطروحة دكتوراه مقدَّمة إلى الجامعة العالمية للعلوم الإسلامية في لندن (المملكة المتحدة)، وقد منحتني الجامعة إزاءها شهادة الدكتوراه في القانون الدستوري. وآمل أن تكون الأطروحة إضافة نوعية للمكتبة العربية والإسلامية في الحقل العلمي الذي تنتمي إليه.

وقد استندت الأطروحة في توزيع موضوعاتها على الفصول وفقاً لما سبق من تنوع المداخل العلمية للموضوع وتشابكها. ومن هنا انقسمت الأطروحة إلى ثمانية فصول: حمل الأول عنوان: الإطار النظري؛ بينما حمل الثاني عنوان: مداخل الفقه الإسلامي والقانون الدستوري، ويحتوي على مقارنات بين الفقه والقانون، بعد عرض نظرية كل منهما. فيما حمل الفصل الثالث عنوان: قواعد التشريع، وقد درس القواعد الشرعية والقواعد القانونية بكل أنواعهما، ثم عالج بمنهجية مقارنة أوجه الاختلاف والتشابه بينهما. أما الفصل الرابع: الفقه السياسي الإسلامي والقانون الدستوري الوضعي؛ فقد درس طبيعة العلاقة بين الفقه السياسي ونشأة الدولة الإسلامية، ونظرية القانون الدستوري الوضعي وموضوعاته، وعقد مقارنة بين الفقه السياسي والقانون الدستوري، وتوقف الفصلان الخامس والسادس عند مضمون تقنين الفقه الإسلامي، وتجاربه في البلدان الإسلامية، وآراء المسلمين في الدستور منذ بدايات نشوء الظاهرة في العالم الإسلامي وحتى الآن. وتخصص الفصلان السابع والثامن في نموذج القانون الدستوري للجمهورية الإسلامية الإيرانية، باعتباره أكثر النماذج التصاقا بإشكاليات البحث. وختمنا الأطروحة بالمحصلة والنتائج التي خرج بها البحث.

وتنوعت مصادر البحث ومراجعه؛ بالنظر لتنوع مداخله العلمية، وتنقسم موضوعياً إلى ما يلي:

1 – الكتب والدراسات التي تتناول قضايا الشريعة الإسلامية ومقاصدها، وتاريخ التشريع والتقنين في العلوم الإسلامية، وعلم الفقه وفلسفته وقواعده وأصوله، والفقه المقارن وأصول الفقه المقارن والفقه الاستدلالي، ومصادر التشريع، وما يرتبط بها من علوم القرآن والحديث وغيرها.

2 – الكتب والدراسات التي تتناول علم القانون وتاريخه وقواعده وفلسفته، والقانون المقارن.

3 – الكتب والدراسات التي تتناول المقارنة بين الفقه وقواعده وأصوله من جهة والقانون وأصوله وقواعده من جهة أخرى.

4 – الكتب والدراسات المتخصصة في القانون الدستوري والنظم السياسية، سواء النظرية منها والمقارنة، أو الخاصة بإحدى الدول، كالولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وبريطانيا.

5 – الكتب والدراسات التي تتناول قضايا السياسة والدولة والسلطة في الإسلام، كالفكر السياسي والفقه السياسي والفلسفة السياسية والنظم السياسية والدستور.

6 – دستور الجمهورية الإسلامية الإيرانية، والكتب والدراسات ذات العلاقة بالقانون الدستوري للجمهورية الإسلامية الإيرانية، والشروحات على دستور الجمهورية الإسلامية، وتاريخ التقنين والقانون الدستوري في إيران، ومحاضر جلسات مجلس خبراء دستور الجمهورية الإسلامية ومجلس تعديل الدستور، ومسودة الدستور قبل إقراره، وبعض المحاضر الرسمية الإيرانية.

7 – المعاجم والموسوعات القانونية والفقهية والسياسية، والقوائم الببليوغرافية التحليلية والوصفية ذات الصلة بموضوعات البحث.

ويطيب لي أن أتقدم بخالص الشكر والعرفان إلى أستاذي العلامة الشيخ محمد علي التسخيري؛ لتوجيهاته القيمة وإشرافه على عملي العلمي طيلة مرحلة الدراسات العليا (الماجستير والدكتوراه).

وإلى مؤسس الجامعة العالمية للعلوم الإسلامية في لندن ورئيسها الأسبق أستاذي المرحوم الدكتور السيد محمد علي الشهرستاني؛ لفضله في رعايتي لإكمال دراستي من مرحلة البكالوريوس وحتى نهاية مرحلة الدكتوراه، وربما لولا هذه الرعاية؛ لما تمكنت من إتمام دراساتي العليا. والشكر موصول إلى السيد رئيس الجامعة السابق الدكتور إحسان الشهرستاني؛ لإكماله مسيرة السيد المؤسس في رعاية طلبة الجامعة. وكذلك إلى السيد رئيس الجامعة الحالي سماحة العلامة الدكتور فاضل الميلاني. وأخص بالشكر عميد قسم الدراسات العليا في الجامعة أُستاذي الدكتور إبراهيم العاتي؛ لدعمه المعنوي والعلمي المتواصل، ولمشاركته في الإشراف على أطروحتي في جانبها المنهجي، وترؤسه لجنة المناقشة. والشكر إلى عضوي لجنة المناقشة البروفسور نوري لطيف والأستاذ الدكتور حسن الحكيم.

وكذلك أتقدم ببالغ تقديري لوالدي ووالدتي ولزوجتي؛ الذين ظلوا يوفرون لي أجواء الدراسة، ويدفعونني للمواصلة؛ منذ بداية دراستي الأولية وحتى الآن. والشكر إلى كل الأساتذة والأصدقاء والزملاء الذين تكرموا بتسجيل ملاحظاتهم الموضوعية والمنهجية على مسودة الأطروحة، وكل من دعمني ودفعني لإكمال الأطروحة. داعيا الله (تعالى) أن يتقبل منا هذا العمل.

ومن الله التوفيق

علي المؤمن

2017

 

latest video

news via inbox

Nulla turp dis cursus. Integer liberos  euismod pretium faucibua

Leave A Comment