مقدمة كتاب الاجتماع الديني الشيعي

Last Updated: 2024/06/18By

مقدمة كتاب “الاجتماع الديني الشيعي: ثوابت التأسيس ومتغيرات الواقع”،

تأليف: د. علي المؤمن

يرتبط الموضوع الذي نحن بصدده بالاجتماع الديني الشيعي في مرحلة غيبة الإمام المهدي، وليس في مرحلة حضور المعصوم، وليس بالتشيع في أُصوله العقدية ومبانيه الفقهية، ولا في تكوينه التاريخي؛ أي أنّ موضوع الدراسة هو المجتمع الإنساني الذي أفرزه التشيع في عصر الغيبة، وهوية هذا المجتمع وأنساقه ومكوناته، وهو ما عبّرنا عنه في هذا الكتاب بــ «النظام الاجتماعي الديني الشيعي». وفي الوقت نفسه ستكون لنا إضاءات على أهم القواعد العقدية والفقهية التي يستند إليها الاجتماع الشيعي، كما سنتوقف عند أهم المفاصل التاريخية والشواهد التي تعزز الحقائق الاجتماعية للموضوع.

وسبق أن نشرت دراسات هذا الكتاب على حلقات في بعض الدوريات، وتلقيت مداخلات وردوداً كثيرة، بعضها كان موضوعياً وساهم في إثراء الموضوع، وإن اختلف مع الباحث، والآخر كان انفعالياً لمجرد أنّه لم يألف هذا اللون من المقاربات. وكان كثير من المتابعين يستغرب المنهجية الموضوعية التي اتبعتها في طرح الموضوعات والقضايا، ومقاربة الإشكاليات والاستنتاجات، ويرى بأنّني حيال موضوعات حساسة تخصصية تتعلق بالنظام الاجتماعي الديني الشيعي، ومكوناته وعناصره وتحدياته ومتغيراته وتجديده، والحوزة العلمية ومأسستها، والمرجعية الدينية وشروطها وأساليب فرزها؛ ينبغي أن أركز على السلبيات والنقد المتشدد، وأطرح أُموراً تخالف الثوابت، وكأنّ الأصل في الكتابة الناجحة في الموضوعات الفكرية والدينية أو موضوعات الاجتماع الديني؛ هي الكتابات المتمردة على الثوابت الدينية والموروث الديني الاجتماعي والمتعارضة معها!

في حين رأى آخرون أنّ هذا اللون من البحث يتعارض بالفعل مع بعض الثوابت، وخروج على الأنساق المعرفية المألوفة في الواقع الشيعي، وأنه يتشبه بالدراسات الأكاديمية التي تكتب من خارج الإطار الشيعي. والحال؛ أنّ كلا التيارين المتعارضين المذكورين لا يفرّقان بين الدراسة التوصيفية التحليلية التقويمية المنهجية من جهة، وكتابات الإثارة والنقد السلبي والانتقائية المخلة المنحازة من جهة أُخرى، كما لا يعيان معايير الإصلاح والتجديد من جهة، والتهديم والتخريب من جهة أُخرى.

وتم تقسيم بحوث الكتاب على تسعة فصول، وعلى النحو التالي:

الفصل الأول حمل عنوان: «منهج دراسة الاجتماع الديني الشيعي»، وتناولت فيه الإطار المنهجي للبحث، والتأسيس لعلم الاجتماع الديني الشيعي؛ بوصفه علماً لموضوعٍ متفرد من موضوعات علم الاجتماع الديني، بعناصره وظواهره، ثم درست مفهوم النظام الاجتماعي الديني الشيعي ومكوناته وعناصر تشكيله.

بينما حمل الفصل الثاني عنوان: «المسار التاريخي للنظام الاجتماعي الديني الشيعي»، وقارب مراحل تأسيس النظام، منذ عصر الإمام علي وحتى الآن، كما درس عصور النظام الستة التي بدأت بعصر الإمام علي، وحتى العصـر الذي نعيشه اليوم، وهو عصر المجدد الديني الإمام الخميني.

وتناول الفصل الثالث «البنية العقدية والفقهية للاجتماع الديني الشيعي»، وخاصة القاعدتين التشريعيتين الأساسيتين اللتين تأسس عليهما النظام الاجتماعي الديني الشيعي في عصر الغيبة، واللتين أفرزتا ظاهرة مرجعية التقليد، وهما: قاعدة: «نيابة الإمام»، وقاعدة: «ولاية الفقيه». كما تناول الفصل رؤية النجف وقم لمبدأ ولاية الفقيه، والمواقف الفقهية للإمام الخميني والسيد محمد باقر الصدر والسيد علي السيستاني من هذا المبدأ.

أمّا الفصل الرابع: «المرجعية الدينية: قيادة النظام الاجتماعي الديني الشيعي»؛ فقد عرض ثوابت المرجعية الدينية وقواعدها التشريعية النقلية والعقلية، ومفهوم المرجعية المطلقة ومصاديقها المعاصرة، ثم واقع مرجعيتي السيد علي الخامنئي والسيد علي السيستاني، وهما أكبر مرجعيتين قائمتين في الوقت الحاضر، ومرجعيات الصفّين الأول والثاني في النجف وقم، وموقع المرجع المتصدّي وإشكالية تعدد مراجع التقليد، وتطور المفاهيم والمصطلحات التدبيرية العقلائية في مجال التأصيل لمؤسسة المرجعية، والخط العام للمرجعية العليا والخطوط المرجعية الخاصة، ومعايير الالتزام بالخط العام للمرجعية العليا، وخلاف المنهجيات الإصلاحية والمحافِظة والثورية في الحوزة العلمية، ودور جماعات الضغط والمصالح والمال في اختيار المرجع الأعلى، ومفهوم الحواشي في مؤسسة المرجعية.

وفي الفصل الخامس «الحوزة العلمية: المؤسسة الدينية للنظام الاجتماعي الديني الشيعي»، كانت هناك وقفات مع واقع الحوزتين العلميتين في النجف وقم، ومرجعياتهما، والمقارنة بينهما، والبحث في نقاط الخلاف والاشتراك بينهما.

وتناول الفصل السادس موضوعات تتعلق بدعوات إعادة مأسسة منظومة المرجعية ومؤسستها الدينية، ومن أهمها استحداث مجلس أهل الخبرة لترشيح مراجع الدين واختيار المرجع الأعلى من بينهم، وترشيد شرط الأعلمية، وإضافة شروط جديدة للمرجعية، كالكفاءة والمقبولية العامة، وتأثير سيكولوجية الفقيه على صناعة الفتوى وإدارة الشأن العام.

أمّا الفصل السابع الذي حمل عنوان: «عناصر قوة الاجتماع الديني الشيعي»، فقد كشف عن اثني عشر عنصراً واقعياً تساهم بصورة تكاملية في حماية النظام الاجتماعي الديني الشيعي، فضلاً عن كونها جزءاً من هيكل النظام، وهي: العقيدة المهدوية، المرجعية الدينية، ولاية الفقيه، إيران، عالمية النظام الشيعي، تماسك النظام الشيعي، الجماعات السياسية، جماعات المقاومة، المراقد والمزارات، شعائر عزاء الإمام الحسين، الاستقلال المالي، المشاركات الحكومية. وهي عناصر القوة التي يعمل الخصوم على تشويهها وضربها وتدميرها.

وحمل الفصل الثامن عنوان: «إشكاليات الهوية الشيعية»، والذي قارب موضوع الهوية الشيعية، وعلاقتها بمعايير الانتماء المذهبي والقومي والوطني، وانعكاس ذلك على انتماء المرجع الديني وهويته الوطنية. كما تم بحث طبيعة الاجتماع الديني والثقافي النجفي، وانعكاس ذلك على مضمون الهوية الشيعية؛ كون النجف تمثل المركزية التقليدية للنظام الاجتماعي الديني الشيعي، ثم تناولتُ موضوع التمايز والتكامل بين المجتمعات الشيعية من جهة واندماجها بمجتمع الدولة من جهة أُخرى، واخترت ستة نماذج في هذا المجال، هي: المجتمعات الشيعية الخليجية، والعراقية، والإيرانية، واللبنانية، والأذربيجانية، والهندية، والتي يمثل تمايزها تهديدات وفرص في آن واحد.

وختم الكتاب فصوله التسعة بموضوع مستقبل قيادة النظام الاجتماعي الديني الشيعي التي ستخلف المرجعيات الدينية الحالية، وتحديداً مرجعيتي: السيد علي الحسيني السيستاني، والسيد علي الحسيني الخامنئي.

أضع هذا الكتاب بين أيدي المتخصصين والمهتمين، وكذلك المؤسسات المعنية في البلدان العربية والإسلامية، وخاصة تلك التي تعيش واقعاً سياسياً وطائفياً ومذهبياً مأزوماً، متمنياً أن يجدوا في الكتاب ما يساهم في تفكيك ومعالجة بعض الإشكاليات المعقدة لهذا الواقع.

وامتناني لكل الأحبة الذين رفدوني بملاحظاتهم وتعليقاتهم وتصويباتهم على مسوّدة الكتاب، وإلى كل من ساهم في إخراج هذا الكتاب إلى النور. ومن الله التوفيق

 

علي المؤمن

النجف الأشرف، حزيران / يونيو 2021م

latest video

news via inbox

Nulla turp dis cursus. Integer liberos  euismod pretium faucibua

Leave A Comment