مقدمة كتاب الإسلام والتجديد

Last Updated: 2024/06/18By

مقدمة كتاب “الإسلام والتجديد: رؤى في الفكر الإسلامي المعاصر”،

تأليف: علي المؤمن

التحدّيات التي واجهت العودة الجديدة للإسلام، تمثِّـل جزء منها في الإشكاليات الفكرية التي فرضها واقع التطبيق. فظلّ الفكر الإسلامي يتفاعل بقوة لتقديم الحلول التي توضح الموقف الأكثر قرباً من حقائق الدين الحنيف، وتتبلور من خلالها النظرية لتصبّ في روافد العمل. وتستوعب هذه العملية كل حقول المعرفة والحركة، بالصورة التي تكشف عن الرؤية الإسلامية للكون والحياة.

وإفراز النتاجات التي تتضمن الإجابة على التساؤلات القديمة والمستحدثة، يمرّ عبر تكامل جملة من المسارات، ينطوي الأول على مراجعة شاملة للفكر الإسلامي المنتَج، التراثي منه والمعاصر، وتمحيصه وتنقيته، بهدف استخراج ما يمكن أن يشكـل مادة نافعة للبناء الفكري الجديد. وفي هذه المرحلة تتلخص كلمة «الإحياء». وينطلق المسار الثاني في رحاب الاستنباط والتأسيس، وملء جميع الفراغات بإنتاج جديد؛ ليشكـل تكاملاً نظرياً مع المسار الأول. ثم يعمل المسار الثالث على اكتشاف الأساليب العملية التي من شأنها إخضاع الواقع للنظرية. وهذا الاكتشاف بذاته جهد فكري كبير، يتطلب دراسة مستفيضة للواقع، ومراجعة أخرى للنظرية، ليكون المنتَج فكراً للحركة والتطبيق، وليس فكراً للفكر وحسب. وفي هذه الحصيلة تكمن الإجابة على تساؤل: أين هو الفكر الإسلامي المعاصر؟ والذي يحتضن في داخله كثيراً من أدوات السؤال والاستفهام الأخرى.

بالطبع هناك مجالات قد يكتفي فيها الفكر الإسلامي بالأسلمة والتأصيل، وفي أخرى ينزع إلى التجديد والعصرنة، وفيما تبّقى لا مناص له من الاستنباط والتأسيس.

من هنا فالمصطلحات التي شاعت في الوسط الإسلامي، كالأسلمة والتأصيل والعصرنة والتجديد والاكتشاف والتأسيس، تبقى نسبية في حقائقها ومصاديقها ومجالات إطلاقها وتطبيقها، ولا يمكن تعميمها على كل الحقول الفكرية؛ بل ولا يمكن تعميمها حتى على حقل واحد بجميع جوانبه.

والكتاب الذي أضعه بين يدي القارئ، يضمّ مجموعة من الرؤى التي تشكل مداخل لتلك المسارات.

فهي من جهة أفكار ومقولات، ومن جهة أخرى مراجعات ومقاربات، يجمعها سياق موضوعي مشترك، يتحرّك في فضاء الفكر الإسلامي المعاصر.

وقد شهدت السنوات الأخيرة، ولا سيما عقد الثمانينات، ولادة العديد من المشاريع، المتفاوتة في أهميتها وحجمها ومنطلقاتها وأهدافها، ولكنها ترفع معاً شعار التجديد والتأصيل. وقد عبّر كل مشروع منها عن نفسه بوسائل متنوعة، كالجامعات والمناهج الدراسية، والكتب والمجلات، والمؤتمرات والندوات، ومراكز البحث وغيرها.

ومن المشاريع المهمة والأصيلة في هذا المجال، مشروع مجلة التوحيد، التي عملت منذ صدورها في العام 1982م، باتجاه طرح رؤى معاصرة في مجال تجديد الفكر الإسلامي وتأصيله والتأسيس له، بالاستناد إلى الواقع الفكري الذي أفرزها. وكان لي شرف رئاسة تحريرها مدة ست سنوات (1991 – 1996)، خلفاً لأُستاذي العلامة الشيخ محمد علي التسخيري، وتحولت خلالها «التوحيد» إلى مؤسسة للبحث والنشر الثقافي، حيث أصدرنا تحت مظلتها عدداً آخر من المطبوعات المكمّلة لرسالة الدورية الأُم.

وهذا الكتاب – في الأصل – مجموعة منتقاة من كلمات التحرير التي نشرتها في مجلة التوحيد خلال فترة رئأستي تحريرها. وباقتراح من بعض الأصدقاء والمهتمّين، استقرّ الرأي على إعادة نشرها بأسلوب جديد؛ فأعدتُ مراجعتها وتوثيقها، ثم أضفت عليها دراسات ومقاربات، وأعدت صياغتها ضمن ثمانية فصول.

عالج الفصل الأول موضوع التجديد في الفكر الإسلامي، وحقيقته ودواعيه ومساحاته وتيّاراته وثوابته ومتغيّراته، والتأكيد على سعة المصطلح والفهم المختلف له، والمرجعية التي من شأنها تحديد مستويات خضوعه للأصول.

وتخصص الفصل الثاني في مقاربة موضوع الفكر الإسلامي ومتطلبات المستقبل، وتم التمهيد له بدراسة مناهج الدراسات المستقبلية الحديثة، ثم محاولة استخلاص منهج إسلامي في المستقبليات واستشراف المستقبل.

وفي الفصل الثالث جرى الحديث عن الإشكاليات التي يطرحها موضوع حرية الفكر والتعبير في الإسلام، وفي مقدّمتها حدود هذه الحرية، وتطبيقاتها، والتيّارات الإسلامية الفكرية التي تمتلك رؤية خاصة في هذا المجال.

وفي الفصل الرابع، اختصَّ الحديث بإشكالية وعي التراث والعصر لدى الفقيه والمثقف المسلم، وتحديد مفاهيم كالفقيه والمفكر والمثقف والتراث والعصر والاجتهاد الجديد والتفقه والانتلجنتسيا الإسلامية، وعلاقة الفقيه بالعصر، والتحدّيات التي يفرزها ضعف هذه العلاقة؛ ثم عالجنا علاقة المثقف المسلم بالتراث، وما يواجه الفكر والواقع الإسلاميين من تحدّيات في حالة ضعف هذه العلاقة. وبعد استقراء أدوار الفقيه والمفكر والمثقف ومهامهم، تمَّ التطرق إلى موضوع التكامل وأطره.

أما الفصل الخامس، فقد درس موضوعات تجديد الخطاب الثقافي الإسلامي، ولا سيما الثقافة المضادة للثقافة الإسلامية، والغزو الثقافي الذي يستهدف المجتمعات المسلمة، وحقيقته وأهدافه وعوامله المحرِّكة، واستراتيجيات المواجهة. وجاء في نهاية الفصل تحليل معرفي لنموذج الخطاب الثقافي الإسلامي الحديث الذي استوعب ثنائية الأصالة والمعاصرة.

وعالج الفصل السادس موضوع الأدب الإسلامي، وموقع الأديب المسلم بين انتمائه الإسلامي وانفتاحه على المدارس الأدبية العالمية، ومساحة حركته بين الانتماء والانفتاح.

ودار الفصل السابع حول خطاب التغريب المجتمعي، وتحوّله إلى ظاهرة شديدة الوضوح، بل طاغية أحياناً، والعوامل التي تقف وراءه، وأنماطه وصوره، وذرائع دعاته.

أما الفصل الثامن (الأخير)؛ فقد ركّز على العلاقة بين الفهم الغربي للإسلام والصحوة الإسلامية المعاصرة، وجذور ذلك الفهم، ومعاييره وأهدافه، وبيّن حقيقة الصحوة الإسلامية وواقعها ومستقبلها.

وختاماً، لا يسعني إلاّ أن أتقدّم بالشكر والعرفان لأستاذي سماحة العلامة الشيخ محمد علي التسخيري، الذي طالما غمرني بالتوجيه والتشجيع، خلال مسيرة العمل في مجلة التوحيد، وقبلها وبعدها، ولم تكن تعوقه مسؤولياته ومشاغله الكثيرة عن مراجعة كلمات التحرير هذه.. بدقة وعناية، من موقعه مشرفاً عاماً على المجلة.

كما أتقدم بالشكر لإخواني في هيئة تحرير «التوحيد» في دوراتها المختلفة، الأساتذة: ماجد الغرباوي، فوزي البكري، عبد الأمير المؤمن، الشيخ عبد الكريم سلمان، الدكتور عبد الجبار شرارة، الدكتور عبد الجبار الرفاعي والدكتور محمد علي الحسيني، الذين كانت لهم جميعاً مساهمة في مراجعة أغلب موضوعات هذا الكتاب.

                                 علي المؤمن

أيلول/ سبتمبر 1999

 

مقدمة الطبعة الثالثة لكتاب “الإسلام والتجديد”

تمثِّل الآراء والمعالجات التي يعرضها هذا الكتاب مرحلة فكرية وثقافية مررت بها؛ بدأت في مطلع الثمانينات، وتعبِّر عن الانتماء الأيديولوجي للباحث خلال عقدي الثمانينات والتسعينات من ذلك القرن؛ أي أنها تمثِّل متبّنياتي الفكرية والثقافية خلال تلك المرحلة. وهي متبنيات لا أزال أعتز بها وأنتمي إلى معظمها.

أما الرؤى والأفكار التي تجاوزتُها؛ فلا تمثِّل تحولاً فكرياً بقدر ما تعبِّر عن تطور طبيعي ينسجم مع نوعية الآفاق التي يفتحها الزمان والمكان، وتراكم الخبرة أمام عقل صاحب الرؤية.

وعلى الرغم من أن تدوين فصول هذا الكتاب يعود إلى الفترة الممتدة من 1991 وحتى 1995، وأعدت مراجعته خلال العام 1998، ثم في العام 2022؛ إلا أن الأمانة تُلزمني بعدم إجراء تعديلات على الأفكار المطروحة في تلك الفصول، إلا ما ندر؛ حفاظاً على طبيعة سياقات التطّور الفكري للباحث.

أكرِّر شكري إلى كل الإخوة الذين ساهموا في مراجعة دراسات هذا الكتاب، وإلى الإخوة الذين حثوني على إعادة طبعه، وساهموا في إخراجه إلى النور.

                                         علي المؤمن

بيروت ــ كانون الثاني/ يناير  2024 م

 

 

latest video

news via inbox

Nulla turp dis cursus. Integer liberos  euismod pretium faucibua

Leave A Comment